Skip to main content

Full text of "حقول الدم الدين وتاريخ العنف كارين ارمسترونغ"

See other formats


حاندة سدكت 


الله و الإنسبان 


على امداق 10٠+‏ سرة مسن 
ابراهيم الخليل حتى العصر الحاضر 





الله والإنس ان 
* كارين أرمسقرونغ 
* الطبعة الأولى 1996 
»*# جميع الحقوق محفوظة 
* دار الحصاد للنشر والتوزيع 
سورية - دمشق - ص. ب: 4490 
هاتف/فاكس: 2126326 2136492 


منذ بدأت خخطوات الإنسان الأولى في البحث عن سر الكون وإيجاد تفسير له راح 
يذكرربحالق» وها ديا راح يطور مفهومه عن هذا الخالق المدبر» أي الله. وحين بلغ 
مفهومه عن الله ذروة الكمال ٠‏ ومن ثم ذروة التعقيد بدا يغوص في مستنقع الخلافات حول 
هذا المفهوم الذي كوّنه. يدانت الأسكلة تتوارد: 


ما طبيعة الله؟ وما ماهيته؟ أين يقيم؟ أيقيم في السماء؟ أم في الأرض ؟ أم إنه يقيم في 
الأعماق العميقة داخل الإنسان (الدنيا كلها لاتسعني إنما يسعني قلب عبدي المؤمن)؟ ما 
سلوك الله وما صفاته؟ ورغم وجوده الكليٌ يتساءل المفكرون عن كيفية التَّيْت من وجوده. 
وحين يتساءل المفكرون فهذا يعنى أن ثمة تنوعاً كبيراً في الإجابات بقدر تنوع الاتجاهات 
الفكرية واللاهوتية الدينية واللادينية: اليهودية» والمسيحية» والإسلام وحتى في البوذية 
والفلسفة اليوناني والوثنية. ويزداد تنوع الإجابات وتباينها بابتعاد الزمن عن البداية وبازدياد 
حلقات التاريخ ومنعرجاته المثيرة وبتطور آلية التفكير وتفاعلها مع المستجدات التاريخية. 
وحالما بدأت المسيحية تفرض وجودها على المسرح العالمي ونعني به مسرح الرومان» بدأ 
العساؤل حول طبيعة الرب يُحدث شرخاً بين أتباعها. فمن قائل بأنه ذو طبيعة واحدة إلى 
آخر يقول بالطبيعتين. وبتعاظم جبروت الكنيسة» ولا سيما «الغربية»» راح العنف وحده 
يفرض نوع الإيمان» وأريقت دماء كثيرة من أجل ذلك» وبقصة غاليليه مع الكنيسة يخيم 
لوقام كلق ماري العلمرء 

وما أن تجاوز الإسلام شوطه الأول حتى راح مفكروه من لاهوتيين وفلاسفة يتباينون 
في رؤاهم عن الله وتزداد رقعة التباين بدخول فريق الصوفية إلى الميدان. وهكذا يمتلئ 
المككان بابن سينا والفارابي وابن رشد وأبي بكر الرازي ثم ابن حنبل والأشعري وأبن عربي 
والسهروردي... وبينهم الحلاج على قمة أشياعه من المتصوفين. وتبدأ اليهودية في الخروج 
من عزلتها القديمة لتنخرط في المكان وينخرط الكثيرون في الساح وراحوا بعد احتكاكهم 
بمفكري الإسلام يخففون من شخصانية الله القديمة» الغاضبة» القاسية التى تأمر أنبياءها 
بذبح جميع السكان الذين هم من غير أتباعهم. ١‏ 


شيئاً فشيئاً راحت تتداخل بكثافة رؤى المفكرين من شتى المذاهب نحو الله. وراح 
الاحتكاك بين الجميع يُسرْع في خلق رؤى جديدة. 

ومع توما الأكويني بدأت المسيحية الغربية العنيفة تُظهر ميولا نحو العقلانية وإعادة 
التوازن لكن ما أن حل القرن التاسع عشر حتى اختل الوازنايعن اتيدية في اقلمبا 
المسيعحية الغربية) م المعاكس هذه المرة. نقد بدأ فلاسفقة بالخروج على النامو 
داعين إلى إلغاء سيطرة الله المطلقة على الث لبشر وسعى بعضهم الى 0 حتى لو كان 
فوتجوذا. وفي أماكن متعددة راح مفكرو البهودية يطورون نظرتهم إل الله وكان جرى 
أحداث التاريخ فعله 6 عقولهم. فمع شبتاي زيفي الذي أعلن نفسه 1 المنتظر 
تناغمت قلربهم مع المخلص» مع إلههم الذي يرعاهم فزاغعت أبصارهم , بشكل خطير. 
وفجأة يتحول كل سىء اجات شبتاي هذا أمام السلطان العثماني وإعلان إسلامه. إنها 
الصدمة العنيفة التي دعت الكثيرين منهم إلى التفكير بحقيقة الله. وإذا كان أرباب الكنس 
اليهودية وأحبارها قد تبرؤوا من فيلسوفهم سبينوزا ولعنوه إلى يوم الدين فإن الكثيرين منهم 
أعادوا الحديت بجدية عن حقيقة الله ووجوده وتساعوا عنه مع إيليا | ويزل الذي كان كل 
إمانه وكل ما عاشه من أجل الله في طفولته قد وى إلى الأبد مع مقتل أمه وأخته على يد 
النازيين. وحين رأى ويزل ذلك الصبى الصغير ذا الوجه الملائكي الذي فيك إلى مشنقة 
الغستابو وعيناه طافحتان بالحزن» حينها تساءل مع ذلك السجين الواقف خلفه: أين الله؟ 
أين هو؟ ومع مرور نصف ساعة من تعذيب الطفل قبل أن يموت وإجبار السجناء على 
النظر إليه وجهاً لوجه. سأل الرجل ثانية أين الله؟ حينها تهادى صوت من داخل ويزل 
مجيباً: أين هو؟ ها هو هنا.. .. معلق هنا على هذه المشنقة. لقد جاء الرعب من معتقل 
سسا عدم رجا در من الأفكار التقليدية عندهم حول الله. تساءلوا: لو أن 
الله كلي القدرة لمنع الهولوكوست وإذا كان غير قادر على إيقافه فإنه عاجز ولا فائدة منه. 
وإن كان بإمكانه إيقافه ولم يفعل فإنه . 

وإذا كان الإسلام والأديان الأخرى المقيمة في الشرق في منأى عن هذه التطورات 
فإن اليهودية والمسيحية الغربية تعرضتا لاهتزاز لاهرتهم التقليدي بشكل خطير جواء تلك 
التطورات العنيفة. واستمرار عم اليهود في معتقل أوشفتنر في دراسة التلعوة وممارسة 
الاحتفالاات التراثية لم يكن لأنهم كانوا يأملون أن الله سوف ينقذهم بل لأن ذلك كان ذا 

معنى بالنسبة لهم. 

إنها المأساة الي عاشها الغرب وشدهت عقّله فهل يستطع إعادة التوازث من جديد 
بين الروحي والدنيوي؟ 


لا يقف هذا الكتاب عند هذا التنوع الذي أنحنا إلى جوانب محدودة منه في هذه 
المقدمة» بل يأتي على التساؤل حول المستقبل مستقبل البشرية ودينها والله ومدى الحاجة 
إليهما رغم كل الافتراضات. بهذا يقدم للقارئُ نظرة شاملة يسعى لاستخدامها إضافة الى 
واخمك اله من دخو إلى تكوين لقره" معرفية عجن تدر ما رسيدة نه كلل الغ م 
جماليات كل الطرق ليتبين طريقه الموصل إلى بر الأمان. 

ويبقى أن ننبه إلى ضرورة أن ل ا ل 1 
تلو المرة وأن يشحذ همته في البحث والتقصّي ليم ليبني لنفسه عقيدة صلبة تقوم على متانة 
الوعى والإدراك. 

ولا يفوتنا في النهاية الإلماح إلى أن غايتنا في تقديم هذا الكتاب للقرّاء تتمثل في 
تعرّفنا على كيفية فبنية اكير الترى رإسلريدبونا اناه مظررحمنى ول ذلك جنا اطاط 
وانعدام التوازن. 


الجا سو 








عندما كنت طفلة كانت لدي معتقدات دينية راسخة. لكن إيمانى بالله كان 
اتحادوذا "هناف فارق بين الأعتداا كسرع من اعفان وبين اذفان الى مكنا عن أن 
نضع ثقتنا بها. آمنت ضمنياً بوجود الله» وآمنت أيضاً بالوجود الحقيقي للمسيح في القربان 
المقدّس 6ومقطءن8 وبفعالية الأسرار المقدسة وباحتمالية اللعنة الأبدية وبحقيقة المطهر 
الموضوعية. على أية حالء لا يمكنني القول إن اعتقادي بهذه الآراء الدينية حول طبيعة 
الحقيقة النهائية أعطانى ثقة كبيرة بأن الحياة هنا على الأرض كانت خيّرة أو مفيدة. 
فطفولتي الكاثوليكية الرومانية كانت بالأحرى عقيدة مخيفة. وقد صورها جيمس جويس 
تهاماً في كتابه إلوحة الفنان شاباً): استمعت إلى نصيبي من مواعظ نار جهنم. في الواقع 
بدت جهنم حقيقة أكثر قوة من الله لأنها كانت شيئا باستطاعتي تخيله. بالمقابل كان الله 
شكلاً ظلياً محدداً بتجريدات فكرية أكثر مما عدف فى صور. عندما قاربت الثامنة من 
عمري كان لزاماً عن أن استظهر الإجابة الفورية على السؤال التالى: وماهو الله؟6 قأجيب: 
اللديهر الووج العلياء :التي ورد وده نين تؤانف ويهي لاانهاتن' ف الكتمال لين فى الأمز 
غرأية إذا قلت .إن للك كان يعني لي القليل» وأنا مضطرة أن أقول. إن ما يزال يتركتي 
باردةر لق ارد اهلق" الناواف تعويما تجاذا الحاديا حيطا "وضنانيا. زمة بذاك هذة الكنات 
غدوت أعتقد أن هذا التعريف غير صحيح أيضا. 

بينما كنت أكبر أدركت أن فى الدين أكثر من مجرد المنوف. قرأت حياة القديسين 
والشعراء الميتافيزيقيين ت.س الورك 5.101 وبعضاً من كتابات المتصوفين الأكثر 
بساطة. فبدأت أتأثر بجمال الطقس الديني. مع أن الله بقي كيدا + عفرت أله كان 
بالإمكان أن أنفذ إليهء وأن الرؤيا ستغيّر الحقيقة الخلوقة بأكملها. كي أقوم بهذا دخلت 
سلك الكهنوت كمترهبة وراهبة شابة فتعلّمت الكثير حول الدين» ونذرت نفسي للدفاع 
عن العقائد المسيحية» والكتاب المقدسء واللاهوت وتاريخ الكنيسة. نقّبت في تاريخ حياة 
الرهبنة وباشرت في نقاش دقيق للنظام المتبع في سلكي الذي كان يملي علينا الحفظ غيباً. 


وما يدعو للغرابة أن الله نادراً ما صُوّرَ في أي من هذه الميادين؛ إذ بدا الاهتمام مركزأً على 
تفاصيل ثانوية وعلى الجوانب الخارجية من الدين. صارعت نفسي في الصلاة محاولة ان 
أجبر عقلي على ملاقاة الله لكنه بقي مراقباً عنيداً يرى كل انتهاك أقوم به للنظام» أو غائيا 
بشكل معذّبء وكلما قرأت المريد عن نشوة القديسين ازداد إحساسي بالإخفاق. كنت 
مدركة تعسة أن التجربة الدينية اليسيرة التى تلقيتها قَذ صتعتها ينفسى حيتما كنت أعمل 
على مشاعري ومخيلتي. اانا كان الأحواس: بالولا امعضانة جمائية مالي الابخداء 
الغريكوري وللطقس الديني. لكن لا شيء حدث لي فعلا من مصدر خارج نفسي ولم 
ألح أبداً الله الذي وصفه الأنبياء والمتصوفون. يسوع المسيح الذي كنا نتحدث عنه أكثر 
ما كنا نتحدث عن الله بكثير بدا لي في فترات لاحقة شخصية تاريخية محضة يحيطها 
التعقيد» وبدأت ت تساورني شكوك كبيرة حول يفط هده الكنيسة. كين يست لأئ 
أمرىء أن يتيقن من أن يسوع كان هو الله ع وما يعنيه هذا الاعتقاد؟ هل العهد 
الجديد يعلّم حقاً الاعتقاد ا محكم ‏ والمتناقض جداً ‏ بالثالوث أم أن هذا الاعتقاد ‏ مثله في 
ذلك مثل بنود عديدة أخرى للدين ‏ مجرد فبركة قام بها اللاهوتيون بعد قرون من وفاة 
المسيح في القدس؟ 

في نهاية المطاف ‏ والندم يملؤني ‏ تركت الحياة الدينية» وما أن تحررت من عبء 
الشعور بالفشل وعدم الكفاءة حتى شعرت أن إيماني بالله راح يضعف شيئاً فشيئاً. 5 
الحقيقة إنه لم يعتد أبداً على حياتي علماً أنني عالت جاه : أن سحل دلا بيد أن 
طبيعة التجربة الدينية. كنت كلما تعلمت المزيد حول تاريخ الدين أصبحت 0 
المبكرة مبررة أكثر. فالمعتقدات التي قبلتها دون تساؤل في طفولتي كانت حقا من صنع 
الإنسان» شيدت على امتداد فترات زمنية طويلة. بدا العلم أنه قد تخلص من الله الخالق» 
وقد أثبت العلماء الدارسون للكتاب مقدس أن يسوع لم يدّع أنه إلهيْ. اعترتني ومضات 
رؤيا عرفت أنها مجرد خلل عصابي م؛ مثلما يرى من يعاني الصرع. ألم تكن رؤى ونشوات 
ل ترا انعطاف 3 أيضاً؟ بدا الله يشكل متزايد ضلالاً (اضطراباً عقلياً)» 
شيك شيكا قد اه الجنس البشر 
عادية. ١‏ أنكاري عن الله 0 أ ١‏ الطفرة 1 - متماشية 0 معرفي ‏ المتنامية 


يخص (115]5025طء +1221486)» فتوصلت إلى فهم أكثر نضجاً لتعقيدات احنة البشرية أكثر 
ما كان متاحاً في روضة الأطفال. مع ذلك فإن أفكاري المشوشة المبكرة حول الله لم تعدّل 
أو تطور. فالناس دون خلفيتي الدينية المميزة قد يجدون أيضاً أن فكرتهم عن الله قد 
تشكلت فى الطفولة. منذ تلك الأيام وضعنا جانباً الأشياء الطفولية» أي تلك التى تشكلت 
في النضوات الأول مق ياتا ١‏ 

مع ذلك فقد كشفت دراستي لتاريخ الدين أن الكائنات البشرية هي حيوانات 
روحانية. فى الحقيقة هناك قضية للجدال أن الإنسان العاقل 05م16م52 810500 هو 
ايها حوم هام قود الأنسان ادر ديد ا اسان و السام فاده الالية انا اميسيوا 
را لقد ابتكروا الأديان في الوقت نفسه الذي ابعكروا فيه لوحات فنية. وهذا لم يكن 
مردّه لأنهم أرادوا استرضاء القوى القوية بل لأن هده الأديان المبكرة كانت تعيّر عن الرائع 
والمجهول الخفي الذي ربلاو آله كان كاتما مكنا أمناننا للتجربة الإنسانية تجاه هذا العالم 
الجميل واغفيف. فالدين ‏ مثل الفن - كان وما يزال محاولة لإيجاد معنى وقيمة فى الحياة) 
على الرغم من العذاب الذي يرئه الجسد. وهو مثل أي نشاط بشري ار ند قا 
استعخدامه ويبدو أننا نحن من يقوم بذلك. لم يكن الدين مرقطا بطلايعة دروي بدائية على 
يد ملوك وكهنة متلاعبين بل كان أمرا طبيعياً للبشرية. في الحقيقة إن نزعتنا الدنيوية الراهنة 
00 جديدة كلياًء ولا سابق لها في التاريخ البشري» وعلينا أن نرى عما ستتمخض. 

لمن الصحيح أيضاً أن نقول أن نزعتنا الإنسانية التحررية الغربية ليست شيئاً يأتي إلينا 
0 مثل تذوّق الفن أو الفعرا رن فتن تميدها بالرغارك' الروعة او تاه انين 
بحد ذاتها دين دوت إلهى زبالطيع ليست: جميع الأديان مؤمنة بوحدانية الله . فمَكَلّنا الأعلى 
الدنيوي الأخلاقي له ضوابطه في العقل والقلب» ويعطى الناس الوسائل لاكتشاف الإيمان 
في المعنى النهائي مق إللناة الإنسايى هذه الوسائل كاتك تقدمها الأدياق الأكق قايدية 
فى الماضى. 

عندما بدأت أنقب عن تاريخ فكرة وتجربة الله في الأديان التوحيدية الثلاثة: اليهودية 
والمسيحية والإسلام توقعت أن أجد أن الله كان بكل بساطة إسقاطاً للاحتياجات 
والرغبات البشرية. اعتقدت أنه سيعكس مخاوف وطموحات و كل مرحلة من 
تطوره. لم تكن توقعاتي لا مبرر لها بتاتأ؛ لكنني دهشت كثيراً يبعض ما وجدته وأتمنى لو 
أني عرفت هذا كله قبل ثلاثين ييه ليم ناويا" لت فى ودار سيار اليه لو حدث 
وسمعت - من موحدين مرموقين في الأديان الثلائة ‏ أنه بذلا من أن أنتظر نزول الله من 


ا ل ل ا ور 
اكتشاتها بعملية عقلانية عادية. وكا أخبروني - قي ما أن الله كان نتاجاً اه 
احتراما كبيراء 0 بهدوء وحزمء أن الله لم يوجد 0 ومع ذلك كان الحقيقة 
الأكثر أهمية في العالم. 

لي 1 جم وا ار مه 
د نان قل انريم لأنها لمعن ا 
لكل جماعة من الناس الذين استخدموا هذه الفكرة في مراحل زمنية مختلفة. فالفكرة عن 
الله التي تشكلت في جيل ماء لدى طائفة من البشرء قد تكون بلا معنى في جيل آخر. في 
الحقيقة إن القول: «أنا أؤمن بالله) ليس له معنى موضوعي لكن مثله مثل أي قول آخر - 
يعني فقط شيئا في سياق الكلام عندما يعلنها مجتمع محدد؛ ومن ثم ليست هناك فكرة 
واحدة لا تتغير متضمنة فى الكلمة «الله)» لكن هذه الكلمة تحتوي على طيف كامل من 
المعاني بعضها متناقض» أو حتى مانع تبادلياً علاأونالعءة 112119أناجم . لو لم يكن لمفهوم الله 
هذه المرونة لما بقيت لتغدو واحدة من الأفكار البشرية العظيمة. فعندما كان يتوقف مفهوم 
الأصولي ينكر هذا لآن الأصولية ضد التاريخية: التاريخية تؤمن أن ابراهيم وموسى وجميع 
الانبياء اللاحقين تعرفوا إلى إلههم تماما مثلما يتعرف عليه الناس اليوم. إن نلق نظرة إلى 
أدياننا الثلاثة يصبح واضحاً لنا أن ليس هناك نظرة موضوعية لله. ينبغي على كل جيل أن 
يخلق صورة الله المناسبة له. وينطبق الشيء ذاته على الإلحاد. «فالقول أنا لا أؤمن بالله) ما 
يزال دائماً يعني شيعاً مختلفاً قليلاً في كل فترة من التاريخ. فالناس الذين صَتَفوا «ملحدين» 
عبر السنين قد أنكر الناس عليهم أي تصور محدد لله. فهل الله الذي ينكره المللحدون اليوم 
هو إله البطاركة أم إله الأنبياء» إله الفلاسفة أم إله المتصوفين, أم أنه ما رآه المتألهون فى القرن 
الثامن عشر. لقد تم تبجيل هذه الآلهة جميعاً على أنها إله الكتاب المقدس والقرآن يهوداً 
منها عن الآخر. كان الإلحاد في أغلب الأحيان حالة انتقالية. وهكذا فقد أطلق على اليهود 
والمسيحين والمسلمين جميعاً كلمة ملحدين من قبل معاصريهم الوثنيين لأنهم اعتنقوا 


١ 


متؤوماً لزرياً للألرعة والفسامن قيال الإنواد اللحديلك تكراة غمائل الله لم ينين كافيا بلحل 


على الرغم من أخرويته فالدين براغماتي جداً. وسوف نرى أنه أكثر أهمية لفكرة 
محددة عن الله أن تفعل فعلها أكثر من أهمية ريا صصح نطنا عله . وعندما 
تنتهي فعاليتها فإنه سيتم تغييرهاء ويتم ذلك أحياناً من أجل شيء مختلف جذرياً. لم يزعج 
هذا معظم الموحدين قبل عصرنا لأنهم كانوا على دراية تامة أن أفكارهم عن الله لم تكن 
مقدسة إلى حدّ بعيد فضلا عن كونها شرطية مؤقتة. كانت أفكارهم بأكملها من صنع 
الإنسان ‏ ولا يمكن أن تكون شيئاً آخر ‏ ومنفصلة عن الحقيقة التي رَمّوها وغير قابلة 
ارات وز البعض طرقاً جريقة جدا أ للتأكيد 0 هذا الغارق اي ومضى أحد 
00 يكون احم لاه بهذه الطريقة؛ ومهما 0 
فإن هذا الشعور الإنساني بالتسامي مايزال إحدى حقائق الحياة. ولا يعتبره كل امرىء 
طبيعي» إنهم يرونها طبيعية للبشرية. والأديان الرئيسية الثلاثة ستوافق على أنه من المستحيل 
أن نصف هذا التسامي بلغة مفهومية عادية؛ فالموحدون سموا هذا التسامي «الله) لكنهم 
سيجوا هذا «الله) بشروط. فاليهود مثالا ا عليهم لفظ كلمة «الله) المقدسة» وينبغى 
على المسلمين ألا يصوروا الله صورة مرئية» فالمنطلق هو التذكر بأن الحقيقة التى نسميها الله 
تتجاوز كل تعبير بشري. 

هذا الكتاب لن يكون تاريخاً بالمعنى المعتاد» ذلك لأن فكرة الله لم تنشأ من نقطة 
واحدة ولم تتطور في مسار خطي لتصل مفهوما نهائياً. المفاهيم العلمية تعمل على هذا 
النحوء لكن أفكار الفن والدين ليست كذلك. فتماماً مثلما هناك عدد محدود من 
ار ل ل و 
بالمقدس. فعلى - بن أن 1 30 يجدوند في 50 المسيحية بالتثليث 
والتجسيد تجديفاً تقريبا فقد أنتجوا نسخهم لهذه النقاط التيولوجية القابلة للجدل. 0 
تخبير من هذه الموضوعات الكونية مختلق قليلا ونين براغة وقدرة اغخيلة اليشرية على 
الإبداع فيما تناضل كي تعبر عن إحساسها بالله. 


1١ 


ولأن هذا ا موضوع واأسع جداً فقد قصرت نفسي عمد على موضوع الله الواحد 
الذي يعبده اليهود والمسيحيون والمسلمون علماً أنني تناولت أحياناً مفاهيم وثنية عند 
الهندوس والبوذيين فيما يتعلق بالحقيقة المطلقة كي أجعل النقطة التوحيدية أكثر وضوحاً. 
ويبدو أن فكرة الله قريبة جداً من أفكار في الأديان التي تطورت بشكل مستقل تماماً. 
فمهما كانت النتائج التي نتوصل إليها حول حقيقة الله فإن تاريخ هده الفكرة .يجت أن 
يخبرنا شيعاً عن العقل البشري وعن طبيعة طموحنا. على الرغم من النزعة الدنيوية في 
معظم المجتمع الغربي فإن فكرة الله ماتزال تؤثر في حياة ملايين الناس. وقد دلت البحوث 
الأخيرة أن 39/ من الأمريكيين يقولون إنهم يؤمنون بالله: والسؤال هو بأي إله من بين 
الآلهة الكثيرة المعروضة يقرون؟. 


غَالاً فا نجد التيولوجيا (أصلى الآلهة) مملاً ومجرداً لكن تاريخ الله طلي ومركز. وهى 
على نقيض بعض مفاهيم المطلق» عانى أصلا توترا وصراعا معذبين. عرف انبياء إسرائيل 
إلههم كألم جسدي يلوي كل طرف فيهم وملأهم غيظاً وتيهاً. الحقيقة التي سموها الله 
كان يعرفها الموحدون في حالة من التطرف: ستقرأ عن قمم الجبال والظلام والدمار, 
والصلب» والرعب. أما التجربة الغربية عن الله فقد بدت رَضَيَةَ بشكل خاص. فما السبب 
الذي كان وراء هذا الإجهاد المتأصل؟ تحدّث موحدون آخرون عن النور 
والتجلى 208اع 232515 فاستخدموا 0 جريئة ليعبروا عن تعقيد الحقيقة التى 
ا والتي ذهبت بعيداً جداً عن الثيولوجيا المعتقدية. مؤخراً هناك اهتمام 
جديد بالميئولوجيا (علم الأساطي)» وقد يدل هذا على رغبة واسعة من أجل تعبير 
إبداعى عن الحقيقة الدينية» فالعمل الذي قام به العلامة الأمريكى جوزيف 
كافيل لاعممتهة0) طمءوهل قد أصبح متتهوراً جد لقي امكفين المعؤليجا المتكررة 
للبشر» رابطا الاساطير القديمة بالاساطير التى ما تزال سارية فى مجتمعات تقليدية. يفترض 
غالا أن الأدياقة 'الإلهية الفضة عالنمامى لكر ليا والرفرية الشعرية. فمع أن الموحدين 
رقضوا أصلاً أساطير جيرانهم الوثنيين» إلا أن هذه الأساطير تسللت إلى الدين فى فترة 
احقة .ران التسيردون الله محديدا قن مرا فد صلق مرق الثال» ثريا عدوي رون ل 
عن الله وأدسار اخقض را ادر ف املس 
يوصلني هذا إلى نقطة صعبة, لأن هذا الله بدا تحديداً إلهاً ذكراء وعادة ما يشير إليه 
الموحدون بالضمير هو. أما في السنوات الأخيرة فقد اعترضت الحركات النسائية على هذا 


الفهم. وبما أنني سأسجل أفكار ورؤى الناس الذين سموا الله (هو) فقد استخدمت 
مفز واه مذ كه يديه إلا سن يكوة المي ؤم ١‏ كك حاكيسة و عدو الشازة إل أن 
الميل الذكري عند الحديث عن الله هو مسألة إشكالية فى الإنجليزية. ففى العبرية والعربية 
والفرنسية في حالة الجنس في قواعد اللغة يعطي الحديث الثيولوجي نوعاً من طباق جدسي 
رحدل يزامن «القوازن الذي نشعة ]ليه فى 7الاتكليزية: تعفن الغربية معاد كلمة الله مقاكر 
فليا لكن كلمة «الذات») مؤنث. ١‏ 1 


كل حديث عن الله يترنح تحت وطأة صعوبات مستحيلة» مع ذلك كان الموحدون 
إيعاببيق حيدا حول اللغةا كن“ الوقث ذاضدهة بيكما أنكررا قدرتها عل القند عن الحقيقة 
القالية: قاللة صن الزهوة و ليق اميق قن إله كلم من من العانن وكلينة 
حاسمة في الأديان الثلاثة. وكلمة الله قد شكلت تاريخ ثقافتناء لذلك علينا أن نقرر فيما 
إذا كان لكلمة الله أي معنى بالنسبة لنا في يومنا هذا. 


الفصل الأول 


3 البداية خلق البشر إلهاً كان العلة الأولى لجميع الأشياق ومياكها 'للسقاء 
والأرضء لم يكل في صور» ولم يكن له معبد أو كهنة في خدمته. م بجياة بد عديدت 
غير مناسبة لعبادة بشرية؛ فخبا تدريجياً من وعي شعبه عندما أصبح 0 جذا فقرروا 
الاستغناء عنه» ويقال أنه احتفى فى نهاية المطاف. 


تلك كانت على الأقل ‏ إحدى النظريات التي وضعها الأب فيلهلم شميدت في 
كتايه (أصل فكرة 3 الذي نشر عام ١91١5‏ كيده وجو وه بدائية قبل 
أن يبدأ ا ع بعبادة الألهة. لقد عر أصلاً - إلهأ قادراً فقطء خلق 
السماء لانه مقيم فى السماوات) سمة للحياة الدينية في كثير من القبائل الإفريقية البدائية. 
نهم يتضرعون إلى الله في صلواتهم» ويعتقدون أنه يراقبهم» وسيعاقب الخاطئين. ومما يدعو 
للغرابة غيابه عن حياتهم اليومية» إذ لا دين خاص به ولم يُصَوّر في تمثال أبداً. يقول رجال 
لم ل لم ل ل 0 
أطى مي من وائهة أسهل مال قد حلت محله. وق اطية شميدت» لت الاسادة 
كان هناك إله واحد. فإذا كان الآمر كذلك فإن الوحدانية إذا كانت إحدى الافكار الأكثر 
تقدماً التي أوجدها البشر كي يفسروا سر مأساة الحياة. وتشير كذلك إلى بعض المشكلات 
التى كان على هذا الإله أن يتصدى لها. 





١و7‎ 


إن من الخال إثبات هذا الأمر أو ذاك. ورغم أن هناك الكثير من النظريات حول 
أصل الدين» مع ذلك يبدو أن خلق الآلهة أمر فعله البشر على الدوام. فعندما كان ينتهي 
مفعول 0 دينية عندهم كان يتم استبدالها بكل بساطة» فتعوارى هذه الأفكار بكل 
هدوين " كه زاوف إله السماء دون كلبة ,دن ريوهنا هذا يقول آنا تيون إن "الله اللاي 
عبده اليهود والمسيحيون والمسلمون قد مات» ويبدو أنه يتلاشى من حياة عدد متزايد من 
الناس, خاصة في أوروبا الغربية . فهم يتحدثون عن فجوة شكلها الله في ضميرهم حيث 
كان أنه لعب ذورا اهيا 98 تاريخناء وكان إحدى الأفكار البشرية العظيمة على مر 
العصور. فلكي نفهم ما نفتقده ‏ هذا إذا كان ولذشي ما دنا يحلحة إل رؤية ما كان 
الناس يفعلونه عندما بدأوا عبادة هذا الله وماذا كان يعنيه لهم؛ وكيف تصوروه. للقيام 
بذلك علينا أن نعود إلى العالم القديم في الشرق الأوسط حيث ظهرت فكرة إلهنا تدريجياً 
قبل نحو /١41.0٠.0/‏ سنة خلت. 

أحد الأسباب التي يبدو فيها الدين غائياً هو أنه لم يعد لدى معظمنا إحساس بأننا 
محاطون باللامرئي. فثقافتنا العلمية تربينا على تركيز اهتمامنا على العالم المادي والفيزيائي 
الموجود أمامنا. وقد حققت هذه الطريقة في النظر إلى العالم نتائج كبيرة. إحداها هي أننا 
قد استأصلنا الإحساس الروحى أو المقدس الذي يتخلل حياة الناس فى مجتمعات أكثر 
قلوة ادن كل اميعرع عنما امنعية ا الاسياس كان ناض يوم مكربا ماتيا لزي 
الإنسانية بالعالم. فالسكان في ساوث سي أيلند 151200 562 50100 يسمون هذه القوة 
الغامضة «مانا» 50858 ؛ ويمارسها آخرون على أنها حضور أو روح؛ ويشعر بها المرء أحيانا 

ةلا شخصية» كشكلٍ من الإشعاع أو الكهرباء. وقد اعتقد اللليق أنها كانت تستقر 
في زعيم القبيلة» في النباتات أو الصخور أو الحيوانات. وخبر اللاتين الأرواح 108تنان في 
الأركاك العدسة وكش الحرية. كذللك أن «الطاتيعة ميكرلة بان كان م الطبيعن أن 
الناس أرادوا أن يلامسوا هذه الحقيقة» وأن يجعلوها تعمل لصا حهم. لكنهم أرادوا كذلك 
إبذاء إعجابهم بهاء فهم عندما شخصوا القوى الخفية» جعلوها الهة مرتبطة بالرياح 
والشمس والبحر والنجوم؛ أسبغوا عليها صفات بشرية» إنما كانوا يعبرون عن إحساسهم 
بصلتهم باللامرئي وبالعالم من حولهم. 

لقد اعتقد رودولف أوتو م66ه 200016 المؤرخ الألماني للدين ‏ في كتابه الهام /فكرة 
المقدس/ الذي نشره عام 2١911‏ أن هذا الإحساس بالمقدس كان أمراً أساسياً للدين» 
وكان سابقاً لأية رغبة لشرح أصل العالم أو لإيجاد أساس للسلوك الأخلاقي. فقد أحس 


1١8 


البشر بهذه القدرة الخارقة للطبيعة بطرق شتى؛ فكانت تلهمهم أحياناً باستثارة باخوسية 
عنيفة» وهدوء عميق أحياناً أخرى» وفي بعض الأحيان كانوا يشعرون بالمخوف والرهبة 
والتواضع في ضور القدرة الخفية الموجودة في كل مظهر من مظاهر الحياة. قعنذما يدأ 
الناس بابتكار أساطيرهم وعبادة آلهتهم فإنهم لم يكونوا يسعون إلى إيجاد تفسير حقيقي 
للظواهر الطبيعية. فكانت القصص الرمزية ولوحات الكهوف والنقوش محاولة للتعبير عن 
إعجابهم؛ ولربط هذا السر المنتشر في حياتهم. وحتى في يومنا هذا نجد أن الشعرا 
والفنانين والموسيقيين تسيرهم رغبة مماثلة. ففي العصر الباليوتيكي وذطغذاومواهه مثلاء 
عندما كانت تتطورٍ الزراعة كانت عبادة الإلهة الأم تعبر عن إإحساس بأن المخصوبة التي 
كانت تحدث تحولاً في اليا سيقت كاليها مقدية فناذ. فقد حفر الفنانون تلك 
التماثيل التى تصورها امرأة حامل عارية وجدها علماء الآثار فى أنحاء أوروبا والشرق 
الأوسط والهند. وبقيت الأم الكبرى هامة إبداعياً طيلة قرون» مثلها مثل إله السماء القديم ‏ 


.2 
عِِ 


أذخِلتُ إلى مجمع الآلهة في مرحلة لاحقة لتحتل مكانة إلى جانب الآلهة الأقدم منها. 
لقد كانت عادة ‏ واحدة من أكثر الآلهة قدرة» وبالتأكيد أكثر قدرة من إله السماء الذي 
بقي شخصية ظلية. فأسموها أنانا هده في سومر القديمة؛ وعشتار في بابل» وعناة عند 
الكنعانيين» وإيزيس في مصرء وأفروديت في اليونان» وتمت صياغة قصص متشابهة في 
جميع هذه الحضارات لتعبر عن دورها في حياة الناس الروحية. لم يكن المراد من هذه 
الأساطير أن توعد حرفا بل كانت منتاولات مجازية رصق حقيقة يالقة التعقيد» وهدية 
بحيث كان يتعذر التعبير عنها بأية وسيلة أخرى. فهذه القصص الدرامية المثيرة حول آلهة 
وإلاهات ساعدت الناس في التعبير عن إحساسهم بالقوى القادرة غير المرئية التي كانت 
ل 

يبدو أن سكان العالم القديم كانوا يعتقدون أنهم سيصبحون إنسانيين حقاً إذا ما 
شاركوا بهذه الحياة المقدسة. فالحياة الدنيوية كانت هشة فيما يبدو» وكان الموت يلقى 
كاله عليواء. ومن كلك مسا كاة الر كال .و لساك أفدالى: الآلية كالراة يقار كوديا' فدوها 
وفعاليتها. وهكذا قيل أن الآلهة علمت الناس كيف يبنون مدنهم ومعابدهم التي كانت 
مجرد نسخ عن منازلها في مملكة المقدس. فعالم الآلهة المقدس ‏ كما تذكر الأساطير ‏ لم 
مك فقظل عز لا كسا رصيق إلها النامن حك ١‏ ان تتنيطة ممزابمة اع :هرد لبقي ذكات 
بذلك النمط البدئي الذي تمت قولبة حياتنا هنا على الأرض وفماً له. فقد اعتقد الناس أن 
كل شيء على الأرض كان نسخة مطابقة عن شيء في العالم المقدسء وقد قدّم هذا 
التصور الميثولوجيا والنظام الاجتماعي والطقسي في معظم الحضارات القديمة» وما يزال 


155 


مؤثراً فى المجتمعات الأكثر تقليدية في عصرنا('©. ففي إيران القديمة ‏ مثلاً - كان الناس 
] عالم الحقيقة المقدسن 
النمطي البدئي. أما في العالم المعاصر فيصعب علينا قبول هذا المنظورءلأننا نرى في 
الحكم الذاتي والاستقلالية قيماً إنسانية عليا. مع ذلكء» ماتزال العبارة 
الشهيرة 656 5زأؤ21 3111221 01086 ]زمه تعبر عن تجربة مشتركة: بعد الحظة نتوقعها 
بليقة وقرنن يعر ادا فد دنا كنا أعظم مايزال خارج حدود فهمنا. ما تزال محاكاة 
الإله مفهوماً دينياً هاماً: الاستراحة يوم السبت أو غسيل القدمين في خميس العهد ‏ عملان 
لاعن لننا يخدةذانهما هنا الآن همان ومقدسيان لأن اناس «يستقدون أن الله قن قأم 
بهما ذات يوم. 

لقد تميز عالم بلاد الرافدين القديم بنزعة روحانية ممائلة. وسكن الإنسان وادي دجلة 
/ الفرات أي ما يعرف الآن باسم العراق. منذ نحو /40٠٠/‏ سنة ق.م شيّد السومريون 
واحدة من أقدم الحضارات العظيمة : في العالم المتمندن. . ففي مدنهم ون :لآ وإرش طعمرظ 
وكيش و11 ابتكروا خطهم المسماريء وبنوا أبراج المعابد التي كانت تسمى زاقورات» 
ووضعوا قانوناً يدعو للإعجاب؛ وأبدعوا أدبا وأساطير. لكن ذلك لم يدم طويلاً إذ سرعان 
ما غزا الاكاديون الساميون تلك المنطقة» وتبنى هؤلاء اللغة والثقافة السومرية. وفى فترة 
تالية - أي في نحو /5٠٠١/‏ ق.م هزم العموريون هذه الحضارة السومرية الاي 
واتخذوا بابل عاصمة لهم. وبعد مضي نحو /00٠0/‏ سنة استقر الآشوريون في أسُور 
المجاورة وفتحوا بابل نفسها خلال القرن الثامن ق.م فأئر هذا التراث البابلى على الأساطير 
والدين الكضاى أينا وغلى ايلود كهان: الى “عدت لاحم أرض 'لليعاد اليتق إتراقيل 
التقماة: :وغرا!الباقايزن د طلم تمل أي لعي اعروقى لقان القدي د لعازانون إلى الآلقة 
التي كشفت أسلوبها في الحياة إلى أسلافهم الأسطوريين. ومن هنا جاء اعتقادهم أن بابل 
كانت صورة عن السماءء؛ وكان كل معبد من معابدها صورة عن قصر سماوي. وكانرا 
يحتفلون بهذه الرابطة مع العالم المقدس سنوياء وخلدوها في مهرجان السنة الجديدة العظيم 
الذي تم إقراره بقوة في القرن السابع عشر ق.م حيث كان الاحتفال به يجري في مدينة 
بابل المقدسة خلال شهر نيسان» وكان يتضمن تنصيب الملك كي يرسي دعائم حكمه 
لسنة أخرى. فهذا الاستقرار السياسي كان أمراً ممكناً طالما أنه كان يشارك في حكم الآلهة 
الأكثر فعالية وديمومة» هذه الآلهة التى خلقت الاستقرار من عماء بدئى عندما خلقت 
الغالم. كانت أيام اللمرتجان الأخحد عدر القدسنة ترس المظتاركين حارج الزمن الدنيوتي إل 


عالم الآلهة الأبدي المقدس من خلال صلوات طقوسية. فتقديم كبش فداء إلغاء للسنة 
امحتضرة» والإذلال العلني للملك بتنصيب ملك كرنفالي مكانه كان إعادة لحالة العماء 
الأولى» وكان الصراع الشكلي استحضاراً لصراع الآلهة ضد قوى الدمار. 

فل الأسال الرسرية كانت :ذا قبدة وكدبية لأنها سكنت البابلنين من الشركة 
في القدرة المقدسة أو المانا التي كانت تعتمد عليها حضارتهم العظيمة» فمن منظورهم 
كانت الثقافة إنجازا سريع العطب قد يقع فريسة لقوى الفوضى والفساد. فبعد ظهر اليوم 
الرابع من المهرجان كان الكهنة والمنشدون يسيرون في موكب قدس الأقداس منشدين 
الإينوما إليتش الملحمة التى كانت تحتفل بانتصار الالهة على العماء. إنها ليست عرضا 
دلاوو تل" الافنة على ال رسي بلع امحارلة ووز اميفة الس بير عقن 
ولإطلاق) قذراته المقداسة . فرعن حرقى, البخلق كان أمرا دالا لآن هما نامرف شين 
1ن نالك لأ مك دروا رسكنا كفيك «الأسسارية وال مر هنا العيين اماس 
الوحيد لوصف 7" الأحداث. ويمكننا أن نحصل على رؤية للروحانية التي أدت إلى ولادة 
خالقنا بعد قرون تالية بإلقاء نظرة سريعة على الإينوما إليتش. وسيتخذ العرض التوراتي 
والقرآني للخلق شكلاً مختلفاً جداًء بيد أن هذه الأساطير لم تختف تماماً بل دخحلت ثانية 
في تاريخ الله في فترة تاريخية لاحقة بعد أن غلفها مصطلح وحداني. 


تبدأ القصة بخلق الآلهة أنفسهم ‏ وهذا موضوع سيكون ذا أهمية كبيرة في الصوفية 
اليهودية والإسلامية. ففي البداية - كما تقول الإينوما إليتش ‏ ظهرت الالهة مثنى مثنى من 
ماء لا شكل له فكانت هذه المادة مقدسة بحد ذاتها. في الأسطورة البابلية - كما هي في 
التوراة لاحقاً - لم يكن هناك خلق من العدم» فكانت هذه فكرة غريبة عن العالم القديم. 
قبل وجود الآلهة أو البشر كانت هذه المادة الخام المقدسة موجودة منذ الأزل» وعندما 
حاول البابليون تخيل هذه المادة المقدسة البدئية اعتقدوا أنها لابد أن تكون ممائلة للأراضي 
الشاسعة السبخة في بلاد الرافدين حيث كانت الفيضانات تهدد باستمرار بمسح كل ما 
قام الناس به من أعمال. فالعماء في الإينوما اليتش ليس كتلة نارية تغلي بل خليطأ مائعا 
يفتقر كل شيء فيه إلى حدود» وتعريف» وما هية. 

عندما امتزج اللو بالمر. لم ينم القصب 


ولا السير كان يعكر الماء بالوحل. 
كانت الآلهة بلا اسم ولا طبيعة» ودون مستقبل. 00 


35 


ثم انبئقت ثلاثة آلهة من الأرض البدئية الشاسعة: أبسو دومى (مياه الأنهار العذبة)» 
وزوجته تيامات 1122021” (البحر المالح)» ومومو 1111111111111 (رحم العماع). مع ذلك كانت 
هذه الآلهة الثلاث نموذجاً أوليا غير مكتمل بحاجة إلى تحسين. بالإمكان ترجمة أسمائها 
كما يلي: أبسو وتيامات (اللجة أو الهوة التي لا قعر لهاء أو الفراغ) إنها العطالة التي لا 
شكل لهاء اللاشكلانية الأصلية دون أن تحقق هوية واضحة. 


ثم انبئقت آلهة أخرى من هذه الآلهة الثلاثة في العملية التي تعرف بالفيض أو 
الانبتاق ده هسهصه والتي ستكون ذات أهمية كبيرة في تاريخ إلهنا نحن. انبثقت الالهة 
الجديدة كل منها من الآخر مثنى مثتى» وجكازن كل سيا عديذا ماعنا كم عن الاخين انام 
حدوث النشوء الإلهى. ففي البداية ظهر لاهمو باططة.] ولاهمن #نتقط2.,] (أي الغرين: 
الماء والتراب ممترجين). ثم ظهر أنشر 62و2 ىم وكيشار عقطوك! (أفتا السماء والبحر). ثم 
انبقت أنو دمح (أي السماوات).» وإيا 82 (الأرض)» فاكتملت عملية الخلق. كان يوجد 
في العالم المقدس سماء وأنهار وأرض مميزة منفصل كل منها عن الاخر. لكن عملية الخلق 
كانت في بدايتها ولم يكن بالإمكان بقاء قوى العماء والفساد إلا في حالة صراع دائم 
ومؤلم. يعدئذ ثارت الآلهة الديناميكية الشابة على آبائهاء وقد استطاع إيا السيطرة على 
انق ومومو إلا أنه أحفق فى صراعه مع تيامات التى خلقت سلسلة كاملة من وحوش 
مشوهة الشكل لتحاربه. ولحسن الحظ كان لدى إيا طفل رائع من صلبه يدعى 
مردوخ 16ن213:41 (أي إله الشمس).» كان النموذج الأكثر كمالاً في سلسلة الآلهة. وفي 
إحدى مجالس الآلهة وعد مردوخ بمحاربة تيامات شرط أن تنصبه الآلهة حاكماً عليهاء 
وبعد صعوبات تمكن من ذبح تيامات ‏ بعد أن خاض معركة محفوفة بالمخاطر.. في هذه 
الأسطورة نجد أن الخلق هو صراعء وقد تحقق ذلك بعد التغلب على نزاعات كثيرة. 

بعد انتصار مردوخ وقف على جثه تيامات الضخمة وقرر حلق عالم جديدك: سق 
جسمها نصفين كي يشكل قبة السماء وعالم البشر. ثم وضع القوانين التي تبقي كل شيء 
في مكانه المحدد. كان لابد من إنجاز الاستقرار لأن النصر لم يكن تاما. وكان ينبغي تحقيق 
الاستقرار عن طريق طقس خاص منة تلو سنة. بعدئذ أخذت الالهة تلتقي في بابل مركز 
الأرض الجديدة» وشيدت معبدا تُؤدى فيه الشعائر المقدسة, فكانت الزاقورة الكبيرة تكريما 
لمرودخ «فالمعيد الاأرضى هو رمز سماء لا متناهية). وما أن انتهى بناؤه حتى يوأ مردوخ 
مكانه على قمته فصاحت الآلهة: «هذه بابل مدينة الله العزيزة» هي بيتك الذي تحبه)! ثم 
قدمت الآلهة طقس القربان المقدس «الذي يستمد الكون منه بنيته» فقد تم تحديد العالم 


مد 





8 وحددت الالهة أماكنها ذ في الكون»7 . تسري هذه القوانين ن على كل شخص» 

حتى الآلهة يجب أن تتقيد بها كي تُوْمَنَ بقاء الخلق. هذه الأسطورة تعبر عن المعنى 
لداخلي الحقارة: كما رك ادا سو كانوا يعرفون أن أسلافهم قد بنوا الزاقورات» بينما 
أوضحت الإينوما إليتش إيمانهم بأن مشروعهم الإبداعي يستمر إذا ما اشتركوا في قدرة 
للقدس. فالقربان المهدس الد كايو يحتفلون به فى كود جرد قارع مل 
مجيء البشر إلى الوجود: لقد كيت في طبيعة الأشياء التي على الآلهة هي الأخرى 
لخضوع لها. كما عبرت هذه الملحمة عن قناعتهم بأن بابل مكان مقدس ومركز العالم» 
وفسكن الالهة: افكان 'قهما تحاسما في جميع النظم الدينية التي سادت في العصور 
لقديمة. ففكرة ا ل أنهم على صلة وثيقة بالقدرة 
لقدسة أثناء وجودهم فيهاء هي مصدر الوجود والفعالية وستكون بالغة الأهمية في أديان 
إلهنا التوحيدية الثلاثة. 


يعدو اعد موود البشر وألقى القبض على كنجو 8م121 (زوج تيامات 

الابله الذي خلقته هي بعد هزيمة أبسو) ثم ذبحه. وشكل أول إنسان بمرج الدم المقدس 
بالغبار» بينما كانت الالهة مشدوهة متعجبة. في هذا العرض الاسطوري لاصل البشرية 
بعض من الدعابة» هذا العرامتن: الى لذ يشتكل :قروة قلق لكنه مسعيد من والعن ماك أكثر 
الآلهة حماقة ولا فعالية. لقد قدمت هذه القصة نقطة هامة أخرى: خلق أول إنسان من 
مادة إله ولذلك يشاركه في طبيعته المقدسة إنما بدرجة محددة. لم تكن هناك هوة بين 
البشر والآلهة. فالعالم الطبيعي» والبشرء والآلهة تشترك في الطبيعة نفسهاء وهي مستمدة 
من المادة المقدسة ذاتها. ولهذا السبب كانت هذه الرؤية الوثنية مقدسة؛ فالآلهة لم تكن في 
جو أنطولوجي منفصل» والألوهة لم تكن أساساً مختلفة عن البشرية. لم تكن هناك حاجة 
إلى إيحاء خاص من الالهة» أو لشريعة مقدسة تنزل من السماء إلى الأرض. فالالهة 
والبش ركانوا يشتركون في المحنة ذاتهاء والفارق الوحيد بينهما هو أن الآلهة كانت أكبر 
قدرة» وكانت خالدة. لم تقتصر هذه النظرة المقدسة على الشرق الاوسط فقط بل كانت 
شائعة في العالم القديم. وقد عبّر بندار 5027: عن الرواية الإغريقية لهذا الاعتقاد في 
قصيدة بمناسبة الألعاب الأولمبية في القرن السادس ق.م. 

واحد هو الأصلء, واحد 

أصل البشر والآلهة 

من أم واحدة نتنفس. 

لكن يفصل بيننا اختلاف في القدرة في كل شيء. 





١ 


لأن الإنسان كلاشي, بينما السماء النحاسية 
تبقى سكتى ثابتة إلى الأبد. 
مع ذلك يمكننا أن نكون مثل الآلهة الخالدة 
عبر عظمة العقل والجسد”' . 
بدلا من أن يرى بندار الرياضيين وهم يحاولون بذل أفضل ما لديهم نجده يضعهم 
مقابل إنجازات الآلهة التي كانت النموذج الأمثل لجميع الإنجازات البشرية. لم يكن الناس 
يقلدون الالهة كعبيد»ء ككائنات بعيدة لا أمل منهاء بل بوصفهم كائنات تعيش كمون 
طبيعتها المقدسة أساساً. 
نرت أسطورة مردوخ وتيامات ‏ كما يبدو في الكنعانيين أيضأء فرووا قصة ممائلة 
تماما عن (بعل - وَحََدَّد إله العاصفة والخصب) اللذين يرد ذكرهما في التوراة دون مواربة. 
فقصة بعل مع بم نهر :ه22 تجلا (إله البحار والأنهار) مدونة على ألواح تعود إلى القرن 
الرابع عشر ق.م. كان بعل ويم يعيشان مع إيل الإله الكنعاني القدير. ففي مجلس إيل 
يطلب تسليم بعل إليه. بيد أن بعل يتمكن من هزية يم بسلاحين سحريين» وكان على 
وشك أن يقتله عندما توسلت إليه عشيرة (زوجة إيل وأم الآلهة) قائلة إن من العار أن يذبح 
ابره معدا عبدانا. يخجل بيد ردكي طلى عا في الذي يتن الجافيع: العادي: للجغار 
والأنهار» والذي كان يهدد باستمرار بإغراق الأرض بالطوفان. بينما يجعل بعل (إله 
العاصفة) الأرض خصبة. وفي رواية أخرى للأسطورة يذبح بعل التنين لوتان «هاه.1 ذا 
الرؤوس السبعة» ويسمى في العبرية لوياثان صهط]1.6/8. فالتنين في جميع الحضارات يرمز 
إلى المستتر غير المتشكل؛ وغير القابل للتمييز. بذلك عاد بعل إلى اللاشكلية البدئية في 
عمل إبداعي حقاًء فنال مكافأة على ذلك قصراً جميلاً بنته الآلهة تكرياً له. ولهذا 
السبب اعتبر الإبداع في كل دين أمراً مقدساً. ومانزال نستخدم لغة دينية عند الحديث عن 
الإبداع الذي يشكل الوجود من جديدء. فيعطي بذلك معنى حَدَيذاً للعالم. 
لكن بعلاً مر بعملية عكسية: مات» ووجب عليه النزول إلى عالم موت 8106 إله 
الموت والعقم. عندما يسمع بمصير ابنه ينزل الإله المتعالي إيل من عربته؛) ويضع عليه 
وشاحأء ويجرح حديه. لكنه لا يستطيع إحياء ابنه. إنها عناة عاشقة بعل وأخته تغادر تملكة 
المقدس بحثاً عن شقيق روحها التوءم «متلهفة عليه كلهفة بقرة على عجلهاء أو نعجة على 
حملها9؟). وعندما تجده تقيم مأدبة جنائزية تكرهاً ل فتلقي القبض على «موت)» 
وتشطره بسيفهاء ثم تغربله وتطحنه كما يطحن القمح. ثم تذروه في الأرض. وهناك 
قصيض أعرى تور دول إلمات عفيجاف» انان عهعان ابرض رحد عن الله الميكه 


55 


بودن خياة جديدة إلى الارطي أ كان يعض يجليه :تعدا عيداة سية يدن عه قو فال 
مشي ون عل لاحة ورد لور ادن الس بدا كدر "كط :ذلك ويه تمن 
فى مصادرنا ‏ ومنها إلى عناة. هذا التأليه للكمال والإنسجام يجسده اتحاد الجنسين الذي 
كان يُحتفل به في طقس جنسي في بلاد كنعان القديمة. فمن خلال محاكاة الآلهة كان 
الرجال والنساء يشتركون مع الآلهة في صراعهم ضد العقم؛ فيحصلوا بذلك على المقدرة 
على الخصب والخلق في العالم. لقد كان موت الإله» وبحث الإلهة عنه. والعودة المظفرة 
إلى القبة السماوية العو كانت باستمرار موضوعات دينية فى حضارات عديدة» 
وسدكرر ف دين كدي اللععاذت: مرفي دوم الله اراد الى زمنة النهوة واس يفرة 
ال ١‏ 


كما جاء في التوراة» ينسب هذا الدين إلى ابراهيم الذي غادر أور واستقر أخيراً في 
كنعان لفترة من الزمن في الفترة الواقعة بين القرن العشرين والقرن التاسع عشر ق.م. ليس 
بين أيدينا سجل لابراهيم» لكن العلماء يعتقدون أنه ربما كان أحد زعماء القبائل الجوالة» 
الذي قاد شعبه من بلاد الرافدين باتجاه البحر المتوسط في نهاية الالف الثالفة ق.م. كان 
يدعى بعض هؤلاء المتنقلين عابيرو 1ط أو خابيرو ن:زط513 في مصادر من بلاد الرافدين 
ومصرء وكانوا يتكلمون لغات سامية» إحداها العبرية. لم يكونوا يدوا يعيشون بانتظام في 
الصحراء ‏ كالبدو الرحالة مع مواشيهم وفقاً لدورة الفصول» بل تصنيفهم أكثر صعوبة من 
هؤلاء. كان العبريون في نزاع متكرر مع السلطات المحافظة, وكان مستواهم الثقافي أعلى 
من مستوى ثقافة سكان الصحراء. كان بعضهم مرتزقة» وأصبح أخرون موظفين 

2 5 ماع ماع 5 ع م 

حكوميين؛ وآخرون تجارا أو خدما أو مفكرين» كما أصبح بعضهم أغنياء حاولوا تملك 
أراض ليستقروا عليها. تصور القصص الواردة في سفر التكوين ابراهيم في خدمة ملك 
سدوم كمرتزق» وتتحدث عن نزاعاته المتكررة مع السلطات الكنعانية والمناطق امحيطة بها. 
وعندما توفيت زوجته سارة اشترى ابراهيم أرضاً في حبرون - التي تقع الآن في الضفة 
الغربية. 

يدل عرض سفر التكوين لقصة ابراهيم وأحفاده المباشرين على أن هناك ثلاث 
موجات رئيسية من الاستيطان العبري المبكر فى كنعان» اسرائيل المعاصرة. ارتبطت إحدى 
هذه الموجات بابراهيم وحبرون في حوالي /[.وم١‏ ق.م/ وموجة التهجير الثانية ارتبعطت 
بيعقوب الابن الأكبر لابراهيم» والذي أعيدت تسميته بإسرائيل (ليظهر الله قوته) الذي 
استقر في نابلس الآن «رهلاءه50 في الضفة الغربية. وتخبرنا التوراة أن أبناء يعقوب الذين 


أصبحوا أسلاف القبائل الإسرائيلية الاثنتى عشرة هاجروا إلى مصر أثناء مجاعة قاسية فى 
أرظي كسان يها حدفخه» برئعة"الأنسطاة: الناقة ب عر ان اعنم 9 اراق ذه برضيول 
القبائل التي زعمت أنها من أحفاد ابراهيم قال تن بسر تالت هذه القبائل أن المصريين 
اتخذوهم عبيداً لهم: وأن إلهأ يدعى يهوى قد حررهمء فكان هذا الإله هو إله قائدهم 
موسى. وبعد أن شقوا طريقهم عائدين إلى كنعان تحالفوا مع العبرانيين هناك» فأصبحوا 
يعرفون باسم شعب إسرائيل وتوضح التوراة أن الشعب الذي نعرفه باسم الإسرائيليين 
القدماء كان كونفدرالية من جماعات اثنية مختلفة يجمعها رابطة رئيسة هي ولاؤهم 
ليهوى إله موسى. لقد تم تدوين الرواية التوراتية بعد قرون لاحقة أي في حوالي القرك 
الثامن ق.مء علماً أنها استمدت من مصادر قصصية أقدم منها. فقد طور بعض علماء 
التوراة الألمان خلال القرن الثامن عشر طريقة نقدية ميزت أربعة مصادر مختلفة في الكتب 
اللميية الأزلي ]عن التؤواة :بغر التكووي بش الفروس الاذرير» اعدف بوسر العيك و 
مرحلة لاحقة ألحقت بالنص النهائي ما نعرفه اليوم باسم أسفار موسى اللخمسة «اعناء) 8م56 
خلال القرن الخامس ق ق.م. تدحا هذا السك القدي درج كبردين المعالجة القاسيق 
ولم يقدم أحد ‏ حتى الآن - نظرية أكثر إقناعاً. فهذه النظرية تفسر وجود روايتين مختلفتين 
تماماً لأحداث توراتية أساسية مثل قصة الخلق أو الطوفان» وتفسر كذلك اذا تناقض التوراة 
نفسها أحياناً. فمؤلفا التوراة الأولان ‏ اللذان نجد عملهما في سفري التكوين والخروج - 
ربما فعلا ذلك خلال القرن الثامن ق.مء علماً أن البعض يعطيهما تاريخاً أقدم من ذلك. 
رف الأول ب (ج 3) لأنه يسمى ربه يهوى0 ويعرف الآخر ب (ي 8) لأنه يفضل 
استخدام اللقب المقدس قر 5-0 «إيلوهيهم) ««نطه51. وبحلول القرن الثامن كان 
الإسرائيليون قد قسموا أرض كنعان إلى مملكتين منفصاتين. كان 1 يكتب في مملكة يهوذا 
الجنوبية بينما كان 8 يكتب فى مملكة اسرائيل الشمالية. وسوف نناقش المصدرين الآخرين 
للأسفار الخمسة, سفر تثنية الاشتراع (1) وكهنوتي (ا:8569) (8)» بالإضافة إلى روايات 
لتاريخ اسرائيل القديمة في الفصل الثاني. 

من نواح عدة ‏ كما سنرى ‏ فإن 1 و 8 كانا يشت ركان في منظورهما الديني مع 
جيرانهما في الشرق الأوسط لكن عرضهما يبين فعلاً أن الإسرائيليين قد بدؤوا يطورون 
نظزة ,خخاصة أيهم ببخلول القرت: الثامن ل ل ل 
العالم الذي جاء ممائلاً بشكل مذهل لاينوماليعئ 

يوم عَمِلَ الرَبُ الإلهُ الأرض والسموات كل شجر التزنة لم يكن بعد في 
الأرض وكلّ عشب البرية لم ينبت بعد, لأ الربٌ الإلة لم يكن قد أمطْرَ 


15 


على الأرض. ولا كان إنسانٌ لِيعْمَل الأرض. ثم كان ضبابٌ يطلعٌ من 
الارض ويسقي كا ل وجه الأرض. وَجَبَل الرَبُ الإله دم تراباً من الأرض» 
رقا ا عي ا فصار آدم نفساً حئة وت 
كان هذا ابتعاداً جديداً بالكامل. فبدلاً من التركيز على خلق العالم؛ وعلى الفترة ما 
قبل التاريخية - كما فعل معاصروه الوثنيون في بلاد الرافدين وكنعان ‏ نجد 3 أكثر اهتماماً 
ل فلم يكن هناك اهتمام حقيقي بالخلق في إسرائيل حتى القرن السادس 
ق.م. 7 عندما دوّن المؤلف الذي نسميه (8) عرضه لين الذي يشكل الآن الفصل 
الأول افق تقر التكوين. ونجد أن 5 ليس واضحاً إطلاقاً فيما إذا كان يهوى هو الخالق 
الوحيد امنا والارطن أم لا وتجدر الإشارة إلى فهم ل بوجود فارق محدد بين الإنسان 
والإله. ست اك التي تشكل منها إلهه نجد أن 
آدم قد تشكل من الأرض. 
[ لم يستبعد التاريخ الدنيوي ‏ كما فعل جيرانه الوثنيون ‏ بدعوى أنه دنس» واه 
وخيالي إذا ما قورن بزمن الالهة المقدس البدئي إن مع عن الاحداكها مل اللارييه 
كي يصل إلى نهاية الفترة الأسطورية التى تتضمن قصصاً مثل قصة الطوفان» وبرج بابل 
حتى يصل إلى بداية تاريخ قحب ابا يبدأ هذا التاريخ بشكل مفاجىء في الفصل 
الثاني عشر عندما يأمر يهرى أبرام ار الذي تعاد تسميته بأبراهام مسقطةطم (والد 
الكثيرين) - بترك أسرته في حران» وأن يهاجر إلى بلاد كنعان. قد وصلنا أن والده كان 
وثنيا يدعى تيرا 76720 كان قد هاجر قبلاً نحو الغرب مع أسرته من أور - ويخبر يهوى 
أبراهام أن قدراً مميزأً ينتظره: سوف يصبح أباً لأمة مقتدرة سيبلغ تعدادها ذات يوم أكثر من 
عدد بجوم السماى وأن فاده سيملكون أزطن كنعان. وستحدد رواية [ للنداء الموجه 
لإبراهام طابع التاريخ المستقبلي لهذا الإله. في الشرق الأوسط القديم كانت #ُمارَسٌ المانا 
المقدسة في الطقس والأسطورة. وكان من غير المتوقع أن يورط مردوخ وبعل وعناة أنفسهم 
في شؤون الحياة الدنيوية العادية لعابديهم. اماي لاد ون مار با 30 ه 
إسرائيل يمارس قدرته الفعالة في أحداث زاهنة في: عالم الواقع. وقد عرفوه آمراً في المكان 
والزمان» وكان أول كشف له عن نفسه في صيغة أمر عندما مر باعي رك اقول وخخلة 
إلى أرض كنعان. 
لكن من هو يهوى؟ وهل عبد ابراهيم الإله نفسه الذي عبده موسى أم أنه عرفه باسم 
آخر؟ هذه مسألة ذات أهمية كبيرة لنا اليوم. التوراة غامضة جداً حيال هذا الموضوع؛ بل 
تقدم إجابات متناقضة على هذه المسألة. يقول 3 إن الناس عبدوا يهوى منذ عهد ابن آدم 


؟ 


الأكبرء بينما يقترح (8) في القرن السادس ق.م أن الإسرائيليين لم يكونوا قد سمعوا 
بيهوى حتى تبدى إلى موسى في الشجيرة المشتعلة. ويجعل (©) يهوى يوضح انه كان 
نفس إله ابراهيمء وكأتما هذه فكرة تثير الجدل. يقول موسى إن ابراهيم قد أسماه إيل 
شداي 8155200 وأنه لم يكن يعرف الاسم المقدس يهوى”2. فكما يبدو لا يُقلق هذا 
التناقض الكتّاب التوراتيين أو محرريهم على نحو ملائم. ف [ يسمي إلهه «يهوى) في كل 
تاريخه: فى الوقت الذي كان يكتب فيه كان يهوى إله اسرائيل» وهذا هو الامر الهام 
بالنسبة ل 3. كان الدين الإسرائيلي براغماتياًء واهتمامه قليلاً بالتفاصيل الفكرية التي تقلقنا. 
مع ذلك علينا ألا نفترض أن ابراهيم وموسى قد أمنا بإلههما كما نؤمن نحن اليوم. 
نحن على دراية تامة بقصة التوراة وتاريخ إسرائيل اللاحق لدرجة أننا ميالون إلى 
إسقاط معرفتنا بالدين اليهودي اللاحق على هذه الشخصيات التاريخية القديمة. ومن ثم 
فإننا نفترض أن آباء إسرائيل الثلاثة: ابراهيم وابنه اسحقء وابنه الأكبر يعقوب كانوا 
موحدين يؤمنون بإله واحد فقط. هذه ليست هى القضية كما يبدو. فى الحقيقة» بل من 
الدقة أكثر أن نسمى هؤلاء بالوثنيين العبرانيين الذين كانوا يشتركون بمعتقدات دينية كثيرة 
كانت موجودة عند جيرانهم في بلاد كنعان. من الموْ كد أنهم كانوا يؤمنون بوجود ألهة 
مثل مردوخ وبعل وعنأة. وربما أنهم لم يعبدوا جميعا الإله ذاته: من الميكن أن رب أبراهيم 
«النوف»)» أو «قريب اسحق)»» و«الواحد القدير) عند يعقوب كانت ثلاث آلهة منفصلة0©. 


يمكننا المضي إلى أبعد من ذلك: فمن المحتمل جداً أن إيل 131 الإله الكنعاني هو إله 
ابراهيم» لأن هذا الإله يقدم نفسه باسم إيل شاداي (أي إيل الجبل)» وهذا أحد ألقاب إيل 
التقليدية”». ويدعى ‏ في مكان آخر إيل إليون ده8192 81 أي (الإله الأكثر رفعة)» أو إيل 
بيتل 864561 281 فاسم الإله الكنعاني العظيم محفوظ في أسماء عبرية مثل اسرا - ئيل أو 
اشما ‏ ئيل. لقد عرفوه بوسائل لم تكن مألوفة لدى وثنيي الشرق الأوسط فكما نرى بعد 
قرون لاحقة اكتشف الإسرائيليون أن المانا أو قذاسة 'يهوئ كانت تجربة مرعية. فعلى جبل 
سيناء مثلاً ظهر لموسى وسط ثوران بركاني يوحي بالرهبة» فكان على الإسرائيليين البقاء 
بعيداً. فإيل إله إبراهيم إله وادع» ويتبدى له كصديق أحياناً. ويتخذ شكلاً بشرياً أحيانا 
أخرى. كان هذا النوع من الظهور الإلهي معروفاً بالتجلي عرفه تماماً سكان العالم الوثني 
القديم. فالآلهة عموماً لم يكن يتوقع أحد منها أن تتدخل في حياة الناس بشكل مباشر إلا 
أن أفراداً محددين ومتميزين قابلوا إلههم وجهاً لوجه في عصور أسطورية. فالإلياذة مليئة 
بالتجليات: تظهر الآلهة للإغريق والطرواديين فى الأحلام عند الاعتقاد بأن الحد الفاصل 


8 


بين عالمي البشر والمقدس قد جرى تضييقه. وهكذا يرشد شاب فاتن بريام إلى سفن 
الإغريق في نهاية الإلياذة» وفى النهاية يميط هذا الشاب اللشام عن نفسه ليمتضح أنه الإله 
عي 157 لعزيها كانه الأغريق ينظرون إلى الوراء» إلى عصر أبطالهم الذهبي كانوا 
يشعرون بصلة وثيقة بالالهة التى كانت من طبيعةالبشر ذاتها. وهكذا فقد عبرت قصص 
التجلي هذه عن حلم القداسة الوثني. حينها لم يككن الإله متميزاً أساساً عن الطبيعة أو 
البشر» وكان بالإمكان الإحساس بالالهة دون عناء كبير. كان العالم مليئا بالهة يمكن 
تصورها بشكل غير متوقع حول أية زاوية أو في شخص امرىء عابر. كان الناس يعتقدون ‏ 
كما يبدو أن مقابلات مع الآلهة كانت ممكنة في حياتهم ويفسر هذا الاعتقاد القصة 
الغريبة في أفعال الرسل» حينما أخطأ الناس ‏ في القرن الأول الميلادي بين الرسول بولص 
وتلميذه برنابس فحسبوهما زيوس وهرمز عند مرورهما في ليسترا 1.9508 أي تركيا الآن. 


وبالطريقة ذاتها عندما كان الإسرائيايون ينظرون إلى الوراء إلى عصرهم الذهبي 
كانوا يرون ابراهيم واسحق ويعقوب يعيشون مع إلههم بمودة. فالإله إيل يقدم لهم نصيحة 
الصديق كما يفعل أي شيخ أو زعيم قبيلة: يوجه تجوالهم» يخبرهم تمن يتزوجونء 
ويتحدث إليهم في أحلامهم. فكما يبدو كانوا يرونه في شكل بشري: وهذه فكرة 
ستصبح حرماناً للإسرائيليين. ففي الفصل الثامن عشر من سفر التكوين يخبرنا 3 أن الله 
تبدى لإبراهيع قرب شجرة سنديان في قرية مورة 2605056 بالقرب من حبرون. نظر 
ابراهيم إلى أعلى فرأى ثلاثة غرباء يقتربون من خيمته في الهاجرة. وبكل كياسة نموذجية 
شرق أوسطية يلح عليهم أن يجلسوا ويستريحوا بينما أسرع كي يعد لهم الطعام. ويتضح 
من الحديتث أن أحد عؤلاء .هو إلهه الذي: يسنيه [.ذائما يهو بيتما كان. الآخران 
ملاكين: كما يبدو لا يستغرب أحد هذا التجلي. ذة ففى الوقت الذي كان فيه 1 يدون ذلك 
في القرن الثامن ق.م لم يكن إسرائيلي يتوقع رؤية الله بهذه الطريقة, ولا بد أن معظمهم 
وجدها فكرة مذهلة.. بينما يجد 15 معاصر 1 القصص القديمة التي تدور حول علاقة الاباء 
الودية مع الله أمرأً غير لائق. فعندما يروي 18 قصصاً عن إبرا هيم أو تعامل يعقوب مع الله 
فإنه يفضل أن يستبعد الحدث؛» وأن يجعل الأساطير القديمة أقل تجسيداً للآلهة. وهكذا 
نقول إن الله تحدث إلى إبراهيم عبر ملاك. على أية حال لا يشا ركنا 3 هذا الغثيان» 
ويحتفظ بالنكهة القديمة لهذه الظهورات البدائية في روايته. 

لقد رأى يعقوب أيضَاً عدداً من التجليات. ففى إحدى المناسبات كان قد عزم على 
العودة إلى حران» فيجد زوجته بين أقاريه هناك. ففي اليوم الأول نام في لوز بتنادآ قرب 


535 


وادي الأردن راق 0 حت رأسه كوسادة له. 3 في نومه طامنا ذا بين السماء 
ل ا ا وكذاك عن بزح على فج قال اه را 
إيل الذي باركه وكرر الوعود التى وعدها لإ براهيم: إن ذرية يعقوب ستصبح أمة قوية» 
وأنها مسعملك أرض كان لقند كان النيى أرقنيا علي الأفيانة فالله له سلطة التشريع 
في منطقة محددة. وكان من الحكمة التغيده لالم ا محلية عند الذهاب إلى عار المنطقة. 
لقد وعد إيل يعقوب بالحماية عندما يغادر أرض كنعان إلى بلاد غريبة عنه: «أنا معك» 
سأحفظك سالاً حيث تذهب)2'"2. تبين قصة هذا الظهور المبكر أن الإله الكنعاني قد بدأ 

عندما استيقظ يعقوب أدرك أنه قد أمضى الليلة في مكان مقدس يستيطع أن 
يتحدث الناس فيه إلى الهتهم: احقاً إن يهوى فى هذا المكان» ولم أعرف ذلك أبدا»» لقد 
سيطرت عليه الدهشة التى كانت تلهم الوثنيين عندما كانوا يقابلون قدرة الإله المقدسة: 
كم يوحي هذا المكان بالرهبة! هذا ليس إلا بيت إيل» هذه هي بوابة السماء)(""©. لقد 
عبر عن نفسه غريزياً باللغة الدينية التي لاتحي عضرة رماي فبابل كانت مسكن 
الألهة وكانت تدعى «بوابة الآلهة له طق فرر يعقوب أن يعدس هذه رض بالطريقة 
الوثنية التقليدية فى بلاده. فأخذ ال حجر الذي استخدمه وسادة. ونصبهاء وقدسها بمسحها 
بالزيت. ومنذ ذلك الحين لن يسمى ذلك المكان لوز جددة بل بيت إيل أي منزل إيل. لقد 
ع ار ل الخصوبة الكنعانية التي ازدهرت في بيت إيل 

حتى القرن الثامن الميلادي ق.م. فعلى الرغم من أن الاسرائيليين قد أدانوا لاحقاً هذا النوع 
من العبادة إلا أن الهيكل الوثني لبيت إيل كان مرتبطاً بأسطورة قديمة وبيعقوب وإلهه. 


لقد قرر يعقوب أن يجعل الله الذي قابله قبيل مغادرة بيت إيل إلهاً له مستطاماء: 
كانت هذه كلمة تقنية تحمل في طياتها كل ما تعنيه الآلهة للبشر. وقد أدرك يعقوب أنه إذا 
كان باستطاعة إيل (أو يهوى كما يسميه [) أن يقدم له الحماية حقاً في حران فلا بد أن 
يكوث: فعالاً. وهكذا عقد صفقة معه يتولى إيل حمايته ويتخذه يعقوب إلهاً له الإله الوحيد 
الذي يعتمد عليه. وهذا ليس غريباً عن الاعتقاد الإسرائيلي بالله كان اعتقادهم براغماتياً 
جداً. لقد وضع ابراهيم ويعقوب إيمانهما في إيل لأنه عمل لصالحهما. إنهما لم يحاولا 
إثبات وجوده وبذلك فإن يل لم يكن تجريداً فلسفياً. ففي العالم القديم كانت المانا حقيقة 


ان وما نت جدارته إذا 0 0 ا ا هذه 
الي ا 


عاد يعقوب من حران مع زوجاته وأسرته بعد مضي سنوات. وما أن وطئت قدماه 
أرض كنعان ثانية حتى رأى ظهورا آخر: عندما صارع طوال الليل غريبا عند مخاضة 
ييوف 126601 في الضفة الغربية. وعند الفجر قال خصمه له مثل معظم الكائنات 
الروحية ‏ أن عليه أن يرحل؛ لكن يعقوب تمسك به. لأنه لم يكن يريد تركه يذهب حتى 
يخبره عن اسمه. كانت معرفة اسم شخص - في العالم القديم ‏ تعني إعطاءك قدرة محددة 
عليه. ولهذا السبب تردد الغريب فى ذكر هله المعلومة. وبعد أن تطورت مقابلة الغريب 
أدرك يعقوب أن خصمه ليس إلا إيل ذاته: 

وسأل يعقوب وقال أخبرني باسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي. وبارَكة هناك. 

فدعا يعقربُ اسم المكان فنيئيل. قائلاً لأني تارك الله بويا لوحي 

لفيني 10 

معنى هذا الظهور أقرب إلى معنى الإلياذة» أكثر من قربه من التوحيد اليهودي لأن 
هذا الاحتكاك بالله يُعدٌ فكرة تجديفية. 

على الرغم من أن هذه الحكايات القديمة تبين أن الآباء كانوا يقابلون آلهتهم مثلما 
كان يقابل معاصروهم الوثنيون ألهتهم: » إلا أنها تقدم مجالاً جديذاً في التجربة الدينية. ففي 
التوراة يسمى ابراهيم «الإنسان المؤمن). ففي يومنا هذا نميل إلى تعريف الإيمان على أنه 
قبول فكري بعقيدة ما. بيد أن الكتاب التوراتيين لم ينظروا إلى الإيمان بالله كاعتقاد 
تحريدي أو ميتافيزيقي. فهم عندما يشيدون بإيمان ابراهيم فإنهم لا يمتدحون عقيدته (أي 
ام م ا ل 0 نثق بشخص ما أو 

مثل أعلى. في التوراة ابراهيم رجل مؤمن لأنه وثق أن الله سيفي بوعوده حتى وإن يدت 

خيالية لإبراهيم. إذ كيف كان ممكناً أن يصبح ابراهيم أباً لأمة عظيمة وزوجته سارة عاقر؟ 
كانت سارة قد تجاوزت سن اليأس» وكانت فكرة الإنجاب سخيفة» لدرجة أن ابراهيم 
سازة انفجرا جاحكيق عندها: سمعا هذا الوعذ: افلذى: بولاذه اسمات: مخلددا- لكل 
التوقعات أسمياه اسحق (اسم قد يعني الضحلك. إلا أن الدعابة بدت حامضة عندما 
طلب الله طلبا مرعبا: ينبغي على ابراهيم أن يقدم ابنه الوحيد قريانا له. 


كانت عادة تقديم قربان بشري أمراً شائعاً في العالم الوثني. كان أمراً قاسيء لكن 


5١ 


كان فيه منطق وعقلانية. كان الناس يعتقدون أن الطفل البكر هو من إنجاب إله حملت منه 
الأم في كتاعمواء: ع0 06706 . ففي أثناء ولادة الطفل كانت قدرة الإله تفصد بحيث يُرَوَدُ 
الطفل بها ولتؤمن دورة لكل الانا المتوفرة» ولهذا السبب كان يُعادُ إلى والده الإلهى. بيد 
أ خالة البظق. كانت مخيلعة اما لأنه كاد هنة امي اللة:ولم يكن ابا طنيعيا له ومن ثم 
لم يكن هناك سبب يدعوه للتضحية به ولا حاجة لسد نقص القدرة الإلهية. وهكذا كان 
القربان لا معنى له في حياة ابراهيم كلها التي كانت قائمة على الوعد بأنه سيصبح أبأ لآمة 
عظيمة. ويبدو أن هذا الإله قد بدأ يتم تصوّره بشكل مختلف عن معظم الآلهة الأخرى في 
العالم القديم. إنه لم يشارك البشر محنتهم البشرية» ولم يطلب إدخال قدرة من البشر. لقد 
كان تموذجاً مختلفاً باستطاعته أن يطلب ما يشاء. لقد قرر ابراهيم أن يثق بربه» فبدأ رحلة 
مع ابنه اسحق طوال ثلاثة أيام إلى جبل مورية 2405141 الذي أصبح لاحقاً موقع الهيكل 
في أورشليم. لم يكن اسحق يعرف شيئاً عن الأمر الإلهي» فكان عليه أن يحمل الحطب 
من أجل محرقته هو. ففي اللحظة الأخيرة التي كان ابراهيم يمسك السكين بيده رق الله له 
فأخبره أن ذلك كان امتحاناً له. وهكذا أثبت إبراهيم أنه جدير أن يصبح أبأ لأمة عظيمة 
سيبلغ تعدادها عدد مجوم السماء او كتعداد ذرات الرمل على شاطىء البحر. 

تبدو هذه القصة مرعبة لإنسان عصري لأنها تصور الله طاغية وسادياً نزوي ومن ثم 
ليس مستغرباً أن يرفض الناس إلها من هذا اللو لسعاي ايدو الفط اما كانوا 
أطفالاً. إث أسطورة الخروج من مصر عندما قاد الله بؤميى وأطفال إشرائيا البح اخرية مويدة 
للعقول المعاصرة. كان فرعون متردداً بالسماح لشعب إسرائيل بالخروج. لكن كي يلوي الله 
ذراعه أرسل عشرة أوبئة إلى شعب مصر: تحول النيل إلى دم» وأجدبت الأرض لأنها 
امتلأت جراداً وضفادع؛ وغرقت البلاد كلها في ظلام دامس» وأرسل ملاك الموت كي 
يقتل الأبناء البكور للمصريين جميعاًء وأن يبقي على أبناء العبيد العبريين. فليس مستغرباً 
إذا سمح فرعون للإسرائيليين بالرحيل؛ غير أنه غير رأيه وطاردهم جيشه. لحق الجيش بهم 
عن اليد الأضيره وأنقذ الله الإسرائيليين عندما شق البحر أمامهم فعبروه دون أن تبتل 
ثيابهم بمائه. وعندما كان المصريون في أثرهم أطبق البحر عليهم فغرق فرعون وجيشه. 

هذا إله متوحش» متحيزء وسفاح: إله محارب يعرف باسم يهوى 
ساباوت غم أي إله الجيوش: إله مخاربت تند فع» لا مكان للشفقة في قلبه إلا 
لأحبائه» إنه بكل بساطة إلهي قبلي. فلو بقي يهوى إلهاً همجياً لكان اختفاؤه أفضل لأي 
شخص كان. فليس المقصود من القصة الأخيرة من سفر الخروج كما وصاتنا من التوراة - 


تصن 


أن"وكوةرواية خرفةا اواك بل أن قل .رسالة .واضبيحة :]ل “بكان اشرق الأوسط 
القديم الذين كانوا معتادين على آلهة ت؟ تشق البحر نصفين. قيل أن مردوخ قد قَسَمَْ بحراً ماديا 
في العالم الدنيوي في زمن تاريخيء ومن ثم لم يكن يهوى مثله أو مثل بعل. هناك محاولة 
يسيرة نحو الواقعية. فعندما أعاد الإسرائيليون سرد قصة الخروج لم يكونوا مهتمين بالدقة 
التاريخية كاهتمامنا اليوم. لقد أرادوا إبراز أهمية الحدث الأصلى مهما يكن ذلك الحدث. 
يفترح بعض العلماء المعاصرين أن قصة الخروج هي عرض أسطوري لثورة فلاحية مظفرة 
ضد سلطات مصر وحلفائها فى بلاد كنعان7” ©. وأن هذه الثورة كانت حدثاً نادراً فى 
ذاى لطعي ولايد أنها أحد ناد الا محئ الى كل عدن مف رهاز #كايك ذلك 
تجربة فريدة لانتصار المضطهدين على الأقوياء. 
لم يبق يهوى إله الخروج العنيف القاسي» كما سنرى. علماً أن هذه الأسطورة ذات 

أهمنة “ون الأدنان التوحيدية العاضة: ونا يدعو إلى الحزاية أن الأسراقيليين قد جولو ولق 
خارج نطاق الإدراك» إلى أحد رموز التسامي والرحمة. مع ذلك تبقى قصة الخروج الدموية 
تلهم بتصورات خطيرة عن الله» وبثيولوجيا انتقامية. فخلال القرن السابع ق.م. يستخدم 
مؤلف سفر التثنية الأسطورة القديمة كي يؤكد على متيولوجيا «الاختيار» الخيفة التي لعبت 
- في أوقات مختلفة ‏ دوراً فاجعاً في تاريخ الأديان الثلاثة. فشكف الله .انها كان أية فكزة 
بشرية ‏ قد تُسْتَمَل ويُساء استخدامها. فقد ألهمت أسطورة شعب مختار دين ضيقاً منذ 
زمن التثنية حتى ظهور النزعة الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام والتي تلقى انتشاراً 
واسعاً في أيامنا هذه. إلى جانب ذلك لقد حفظ سفر التثنية أيضاً شرحاً لأسطورة الخروج 
كان له دور فعال إيجابي في تاريخ الوحدانية عندما يتحدث عن إله إلى جانب الضعفاء 
والمضطهدين. ففي الفصل /5؟/ من سفر التثنية لدينا ما يمكن اعتباره تفسيراً مبكراً لقصة 
الخروج قبل أن يدونها 3 و في قالب قصصي. فالإسرائيليون مأمورون بتقديم بواكير الثمار 
وا محاصيل إلى كهنة يهوى» ويدلون بهذه الشهادة: 

ثم تُصرّح وتقول أمام الربٌ إلهك: آرامياً تائهاً كان أبي فانحدر إلى مصر 

ولغزب: هال في هر لل قفار هناك أنه اكتيرة ‏ وخظيية وكثيرة. فأساء 

إلينا المصريون وتقلوا علينا وجعلوا علينا غبودية قاسية. فلما مبرخنا إلى 

الرب إله آبائنا سمع الرب صوتنا ورأى مشقتنا وتعبنا وضيقنا. فأخرجنا 

الرب من مصر بيد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب 

وأَدْخَانا هذا المكان وأعطانا هذه الأرض أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. فالآن ها 

أنا ذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني ياربُ290© , 





1 


إن الإله الذي ربما ألهم أول انتفاضة فلاحية ناجحة في التاريخ هو إله ثورة» وقد 
ألهم ‏ في الأديان الثلاثة المثل الأعلى في العدالة الاجتماعية» علماً أن اليهود والمسيحيين 
والمسلمين قد فشلوا فى أغلب الأحيان فى تحقيق هذا المثل الأعلى» بل حولوا هذا الإله إلى 
للك الرشع لامي ْ 

لقد سمى الإسرائيليون يهوى (إله آبائنا»» ويبدو أن من المحتمل أنه كان إلهاً مختلفاً 
تماماً عن إيل الكنعاني الله المتعالي الذي عبده الأباء. وربما كان يهوى إله شعب آخر قبل أن 
يصبح إله إسرائيل. يصر يهوى في جميع تجلياته لموسى - تكراراً أنه هو حقاً إله باهي على 
الرغم من أنهم أطلقوا عليه إيل شاداي في البداية. فقد يحفظ هذا الإصرار الأصداء البعيدة 
لمناظرة قديمة جداً حول هوية إله موسى. لقد قُدّمَ اقتراح أن يهوى كان أصلاً إلهأ محاربا 
إن البرا كبو إل كات الباع يديد فوانقين واي الأروة أن الود تفرقه أبدا أي 
اكش" الإسراليوة تيوق هذا إذاكاف. فعلا إليا جديداً اما وهدة صمالة بالق الأعمية 
لنا اليوم» لكنها لم تكن مسألة حاسمة بالنسبة للكتاب التوراتيين. فالآلهة في الفترة الوثنية 
القديمة كانت تُدْمَجٌْ وملعم في أغلب الأحيان» أو أن الناس كانوا يقبلون الآلهة المحلية في 
منطقة محلية على أنها نظائر لإله شعب آخر. فمهما كان أصل هذا الإله فإن أحداث 
الخروج جعلت يهوى إله إسرائيل النهائي المميز. لقد كان موسى قادرا على إقناع 
الإسرائيليين أن يهوى واحد, مثله مثل إيل تمامأء الإله الذي أحبه إبراهيم واسحق ويعقوب. 


لقد تم التحفظ اليوم على النظرية التي تدعى النظرية المدينية (من كلمة مِذَيَنْ) التي 
وبحت أن كذ كز اتهرني" كان مجيرا على الهروب من مصر لانه قتل مصريا كان يسىء 
معاملة عبد اسرائيلي. فالتجأ إلى مدين وتزوج هناك. وبينما كان يرعى أغنام والد زوجته 
رأى منظراً غريباً: شجيرة كانت تحترق دون أن تنطفىء. وعندما اقترب منها كي يستطلع 
الأمر ناداه يهرى باسمه فصاح موسى «ها أنا ذا إجابة كل نبي من أنبياء بني إسرائيل 
عندما كان يقابل الله الذي كان يطلب انتباهاً كليا وخضوعا تاماً: 
قال الرب: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع 
الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال أنا إله أبيك ابراهيم وإله 
إسحق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله*"2 . 
فصِيّغ التوكيد هذه بأن يهوى هو فعلاً إله ابراهيم يعني بكل وضوح أنه إله من نوع 
مختلف جداً عن الإله الذي جلس وشارك ابراهيم وجبته كصديق له إنه يوحي بالرعب» 


54 


ويصر على إبقاء مسافة فاصلة. فعندما يسأل موسى الإله عن اسمه يجيب يهوى بتورية 
حيرت الموحدين طوال قرون. فبدلاً من أن يفصح عن اسمه مباشرة يجيب «أهيه الذي 
أهيه). ماذا كان يعني بذلك؟ إنه بالتأكيد لم يعن ما أكده فلاسفة لاحقون أنه موجد نفسه 
بنفسه لأنه لم يكن قد بلغ العبرانيون هذا البعد الميتافيزيقي فى تلك المرحلة» «أهيه الذي 
أهيه) مصطلح عبري للتعبير عن غموض متعمد. فعندما ترد عبازة في التوراة مثل «ذهبوا 
حيث ذهبوا) فإنها تعنى ليس لدي أدنى فكرة عن المكان الذي ذهبوا إليه. وهكذا عندما 
0 موسى عن 0 الله يجيب الله «لا تفكر أبداً من أكون» اهتم بعملك فقط). 
فالنقاش في طبيعة الله لم يكن مسموحاً به ولم تجر محاولة لتناولها مثلما كان الوثنيون 
يفعلون أحياناً عندما كانوا يرددون أسماء آلهتهم. فيهوى هو الأحد غير المشروط: سأكون 
ما سأكون» سيكون ما يختاره تمامء ولن يقدم ضمانات. بكل بساطة لقد وعد أنه سوف 
يشارك في تاريخ شعبه» وسيتضح أن أسطورة الخروج كانت حاسمة» لم تكن قادرة على 
تعريض أمل المستقبل للخطر حتى في ظروف مستحيلة. 
كان لابد من دفع ثمن مقابل هذا الإحساس الجديد بالسيادة. كان الناس يعتقدون 

أن آلهة السماء بعيدة جداً عن الإهتمامات البشرية» والآلهة الأصغر منها مثل بعل ومردوخ 
والإلاهات الأم ايحي قريبة جد من البشرء» لكن يهوى قد فتح البرزخ الفاصل بين 
الإنسان وعالم الآلهة من جديد. وهذا أمر واضح تماما في قصة جبل سيناء. فعند وصولهم 
إلى الجبل طلب من الناس تطهير ملابسهم وأن يبقوا على مسافة. كان على موسى أن 
يحذر الإسرائيليين: «احذروا الصعود إلى الجبل أو بلوغ أسفله. ومن يلامس سفحه سوف 
يقتل. لذلك وقف الناس بعيدا عن الجبل» وهبط يهوى في نار وسحابة. 

عند فجر اليوم الثالث سمعت جلجلة رعد على الجبل» ووميض برق. 

سحابة كثيفة وصوت صورء فارتجف الناس داخل المعسكر. ثم أخرج 

موسى الناس خارج المعسكر لملاقاة الله» ووقفوا عند أسفل الجبل. لف 

الدخان جبل سيناء كله لان يهوى قد هبط عليه في نار. مثل دخان من 

فرن» صعد الدخان فاهتز الجبل كله بعنف”” ©. 

صعد موسى وحده إلى قمة الجبل» واستلم ألواح الشريعة. فبدلاً من أن يتعرف على 

مبادىء النظام والانسجام والعدالة في طبيعة الأشياء ذاتها كما هي الحال في الرؤية الوثنية 
نرى الشريعة قد سُلَّمتُ إليه من عى. فإله التاريخ يوحي باهتمام أكبر بالعالم الدنيوي الذي 
هو مسرح عملياته» لكن هناك أيضاً احتمال تغريب عميق عنه. 


في النص الأخير من سفر الخروج ‏ الذي دوّن في القرن الخامس ق.م. يقال إن 
يهوى قد أيرم ميثاقاً مع موسى على جبل سيناء (يفترض أن هذا الحدث وقع نحو عام 
1 ٠أق.م).‏ فهناك جدل كين بين العلماء حول هذاالموضوع. يعتقد بعضهم ان هذا 
الاتفاق لم يصبح ذا أهمية في إسرائيل حتى القرن السابع عه لكن مهما كان تاريخ 
إبرامه فإن فكرة الميئاق تخبرنا أن الإسرائيليين لم يكونوا قد أصبحوا موحدين بعدء فالميثاق 
اللحظة يؤمنون أن يهوى إله سيناء هو الإله الواحد ولهذا نجدهم في الميثاق يعدون بتجاهل 
كل الآلهة الأخرى؛ وأن يعبدوه وحده. فالعثور على جملة توحيدية واحدة في أسفار 
موسى الخمسة كلها أمر صعب جداً. حتى الوصايا العشر التي سلمت على جبل سيناء 
تعتبر وجود آلهة ار ا هيا «لن يكون هناك ألهة غريبة لك أمام وجهي)17"© لد 
كانت عبادة إله واحد خطوة لا سابقة لها تقريبا. لقد سعى الفرعون المصري أخناتون إلى 
عبادة إله الشمس وإلى إهمال الآلهة التقليدية الأخرى فى مصرء لكن سياساته هذه سرعان 
ما انقلبت في عهد من خلفه. لقد كان تجاهل مصدر كامن للمانا حماقة صريحة» ويوضح 
التاريخ اللاحق للإسرائيليين أنهم كانوا مترددين جداً في إهمال عبادة الآلهة الأخرى. لقد 
أثبت يهوى خبرته في الحرب, لكنه لم يكن إله خصب. فعندما استقروا في أرض كنعان 
تحول الإسرائيليون غريزيا إلى عبادة بعل صاحب أرض كنعان الذي كان يجعل المحاصيل 
تتم عند زفخ مغرق فى القدم. أعا الأنياد فقن درا الإنرائيليين على البقاء مخلضين 
ميثاقهم مع يهوى بيد أن الأطلدية استمرت في عبادة بعل وعشيرة وعناة بالطريقة المعتادة. 
فالتوراة. تكبرنا أنه بيقنا كان موسق على قمنة جيل -سيعاة اركة لقي الناس إلى الديخ 
الكنعانى الوثنى الأقدم عندما صنعوا عجلاً ذهبياً ‏ التمثال التقليدي للإله إيل - وأدوا 
الشعائر القديمة أمامه. قد يكون وضع هذه الحادثة بتجاور صارخ مع الظهور الذي يوقع 
الرهبة على جبل سيناء محاولة قام بها المؤلفون الاخيرون لاسفار موسى الخمسة كى يدللوا 
على مرارة التقسيم في إسرائيل. فقد بشر الأنبياء ‏ مثلما فعل موسى ‏ بدين يهوى النبيل» 
بينما كان معظم الناس يريدون الشعائر القديمة. برؤيتها المقدسة للوحدة بين الآلهة والطبيعة 
والبشر. 


بميئاقهم في السنوات اللاحقة. لقد وعدهم يهوى أن يكونوا شعبه امختار» وأن يحيطهم 
بحمايته الفريدة إذا ما عبدوه وحده. وقد حذرهم من أنه سوف يدمرهم دون رحمة إذا ما 


أن 


نقضوا عهدهم؛ مع ذلك وافقوا علىالعهد, ونجد في سفر يشوع نصاً قديماً للاحتفال بهذا 
لعهد بين إسرائيل وربه. كان العهد معاهدة رسمية استخدمت كثيرا فى السياسات الشرق 
كله دوق مسرن قم كادف رفيقة جك مرهوها انا كان دف أن ذا 
الاتفاق بتقديم الملك الأقوى» ثم ينوه الاتفاق بتاريخ العلاقات بين الفريقين حتى وقت 
لاتفاقية. وفي نهايتها تذكر بنود الاتفاق والشروط والعقوبات التي تفرض إذا خالف أي 
من الفريقين ما نص عليه الاتفاق. فالفكرة الأساسية في العهد هي الولاء المطلق. فقد أبرم 
لملك الحثي مورسيليس 201151115 الثاني عهداً مع تابعه دوبي تاشيد 4 أممنا10 في 
لقرن الرابع عشر ق.م. اشترط فيها الملك الشرط التالي: «لا تتحول عني إلى أي شخص 
آخر. أجدادك قدموا الجزية في مصرء وأنت لن تفعل ذلك.. وسوف تكون صديقاً 
لصديقيء وعدواً لعدوي). وتخبرنا التوراة أنه عندما وصل الأسرائيلون إل أركن كمانء 
وانضموا إلى ذويهم هناك أبرم جميع أحفاد إبراهيم عهداً مع يهوى. وترأس يشوع - 
حَلّنَ موسى - مراسم التوقيع بصفته ممثلاً امهو تير الاتقاقية أرقن التمودع. 6 
تعررف بيهوى» وبعلاقاته مع ابراهيم» واسحاق ويعقرب ورد ذكرهم أيضأ ثم رويت 
أحداث الخروج. وفي النهاية وضع يوشع بنود الاتفاق» وطلب الموافقة الرسمية من شعب 
إسرائيل امجتمعين. 

فالآن اخشوا يهوى, واخدموه بإخلاص تام. 

نَحُوا جانباً الألهة التي خدمتموها في الماضي وراء النهر (الأردن) 

وفي مصر, واخدموا يهرى. لكن إذا قررتم ألا تخدموا يهوى فاختاروا 

اليوم من تودون خدمته. إما الألهة التي خدمها أجدادكم وراء النهر 

أو آلهة العموريين الذين تعيشون في أرضهم الآن". 

كان للناس حق الاختيار بين يهوى والآلهة الكنعانية التقليدية» لكنهم لم يترددوا 

لعدم وجود إله مثل يهوىء ولم يكن لإله آخر تأثير كبير على عابديه مثله. فحضوره القوي 
في شؤونهم كان ينعا دون أدنى شكء وبذلك كان يهوى في مستوى المهمة كي 
يصبح إلههم. كانوا يعبدونه وحده رامين بالآلهة الأخرى جانباً. حذرهم يشوع من أن 
يهوى غيورٌ جدأء وأنه سوف يدمرهم إذا أهملوا بنود العهد. وقف الناس وقفة صلبة 
فاختاروا يهوى إلهاً وحيداً لهم. فصاح يشوع (إن ارموا الآلهة الغريبة بعيداً عنكم» وقدموا 
قلوبكم إلى يهوى» إله إسرائيل)”” "©. 


َِ 





7 


يتضعد بح من التوراة أنهم لم يفوا بعهدهم) إذ كانوا يتذ كرونه فى أوقات ال حرب» أي 
عندما كانوا يحتاجون إلى حجارة ريو الميكزية البارعة .مكنا عدوا عن اركاظ السو 
بعل وعناة وعشيرة بالطريقة التقليدية. على الرغم من أن عبادة يهوى ا مختلفة 
اختلافاً عميقاً فى نزعتها التاريخية؛ إلا أنها عبرت عن نفسها غالبا في أشكال الوثنية 
القديمة. فعندما بنى التاق .شلينان. شبكلا ليهو في أورزشليم - المدينة التي استولى عليها 
والده داؤود من جيبوسيتس 051165اطع1 - بناه بشكل ممائل لمعابد الالهة الكنعانية. كان 
الهيكل مؤلفاً من ثلاث فسح مربعة تفضي إلى غرفة صغيرة مكعبة الشكل تعرف باسم 
قدس الاقداسء وفيها وضع تابوت العهد والمذبح النقال الذي كانوا ينقلونه معهم في 
سنوات التيه. وداخل الهيكل حوض برونزي ضخم ممثلاً الإله يم دنهلا البحر البدئي في 
الأسطورة الكنعانية» وعمودان يبلغ ارتفاعهما /10/ قدماً يدلان على عبادة الخصب عند 
عقيرة: 


استمر الاسرائيليون في عبادة يهوى في الصوامع القديمة التي ورثوها من الكنعانيين 
في بيت إيل وشيلوه وحبرون وبيت الحم ودان 1085 حيث كانت تمارس الطقوس الوثنية 
وسرعان ما اكتسب الهيكل خصوصية؛ مع ذلك كانت تمارس فيه نشاطات لاعلاقة لها 
بالعقيدة. بدأ الإسرائيليون يرون في الهيكل رمز لعرش يهوى في السماء. وكان لديهم 
احتفال خاص بهم في بداية السنة الجديدة في الخريف. يبدأ الاحتفال بطقس القربان 0 
الغفران» 0 الاحتفال بتنصيبف مردوح الذي كان إعادة ١‏ ثيل لقهر العماء البدئى 0 
الك نينانت سكديا كان ترننيا كبيرا:. فررصات الرقاف الكدرانه كن يعدن ال 
الخاصة بهن» بالإضافة إلى علاقته الودية مع جيرانه الوثنيين. 

في النهاية كانت عبادة يهوى مهددة على الدوام بخطر الاندثار على يد الوثنية 
الشعبية. وقد أصبح هذا الخطر جليا خلال النصف الثاني من القرن التاسع ق.م. ففي عام 
89ممم تبوأ الملك أحاب 48208 العرش في مملكة إسرائيل الشمالية. وزوجته 
جزيبيل 56[1ء162 ابنة ملك تاير 1506 وصيدون - أي ما يعرف الآن باسم لبنان ‏ كانت 
متحمسة) ومصممة على تغيير دين البلاد إلى دين بعل وعشيرة. فد استوردت كهنة بعل» 


ان 


فائرة تجاه يهوى. لقد بقي أحاب مخاصاً ليهوى لكنه لم يحاول وضع حد لدعوة جيزيبيل 
الدينية. ففي أواخر عهده ضرب القحط الأرض» وبدا ‏ نبي يدعى إيليا طهز - نا (أي يهوى 

هو إلهي) يتنقل في اليلاد قلي عباءة من الشعر» 010 لديا شاجباً عدم الولاء 
ليهوى. 


وخطب في الناس بحضور /550/ كاهناً من كهنة بعل: 


إلى متى ستبقون مضطربين بين هذين الإلهين؟ ثم طلب ثورين» ثور له وآحر لأنبياء 
الحرقة. نادى أنبناء بعل إلههم طوال الصباح» وهم يرقصون حول مذبحهم» وكانوا 
يصيحون ويضربون أنفسهم بالسيوف والرماح» لكن «دون فائدة). سخر منهم إيليا قائلا 
«صيحوا بصوت أعلى)» ولأن بعل إله: هل هو منشغل البال» أم مشغول عنكم» أم أنه 
مضى فى رحلة» قد يكون نائما وسوف يستيقظ) لكن عبئثا لم يحدث شيء. 

بعد ذلك جاء دور إيليا. ا ار ثم حفر خندقاً حول 
المذبح 0 يس ام يه عن يهوى» فسقطت نار من 
قائلين: «يهوى إله. يهوى إله). لم يكن إيليا منتصراً متسامحاًء أمر الناس أن يلقوا القبض 
على كهنة بعل فلم ينجو منهم أحدء ثم أخذهم إلى وادٍ قريب وذبحهم جميعا”” '©. لم 
تكن الوثنية تسعى عادة إلى فرض نفسها على شعب آخر. جزيبيل استثناء هام لانه كان 
دائماً هناك متسع لإله آخر في هيكل الآلهة إلى جانب الآلهة الأخرى. تبين هذه الأحداث 
لأسطوزة المبكرة أنه منذ الدعوة الأولى لعبادة يهوى كانت تتطلي قمغا عنقا بورفظياً 
لآديان أخرىء» وهذا ما سنبحثه فى الفصل التالى بشكل مفصل. صعد إيليا إلى قمة جبل 
لآفق من حين لآخر. وأخيراً حمل الخادم نبأ سحابة صغيرة يقارب حجمها حجم رأس 
نسان» كانت ترتفع من البحر. طلب منه إيليا أن يمضي إلى الملك أحاب وأن يطلب منه 
لعودة إلى منزله قبل أن يمنعه المطر من ذلك. ثم أظلمت السماء بغيوم تنذر بعاصفة» ثم 
هطل مطر غزير. طوى إيليا عباءته وهو مندش وركض إِلى جانب عربة أحاب. 0 
اغتصب يهوى وظيفة بعل كإله للعواصف» مثبتاً بذلك أن فعاليته في المخصب لا تقل عن 
فعاليته في الحرب. خاف إيليا من رد فعل على المذبحة التي ارتكبها فهرب إلى شبه جزيرة 


2 





8 


يتضح من التوراة أنهم لم يفوا بعهدهم. إذ كانوا يتذكرونه في أوقات الحرب؛ أي 
دما كانو اعيساجون إلى ضممايةا وهزق الفسكرية البارعة نييما عدوا" فى اوقاةه اليس 
بعل وعناة وعشيرة بالطريقة التقليدية. على الرغم من أن غبادة. يهوى: كانت اتختلفة 
اختلافاً عميقاً في نزعتها التاريخية» إلا أنها عبرت عن نفسها غالباً في أشكال الوثنية 
القديمة. فعندما 2 الملك سليمان هيكلاً ليهوى في أورشليم ‏ المدينة التي استولى عليها 
والده داؤود من جيبوسيتس وع]زوناط1 - بناه بشكل مائل لمعابد الالهة الكنعانية. كان 
الهيكل مؤلفاً من ثلاث فسح مربعة تفضي || لى غرفة صغيرة مكعبة الشكل تعرف باسم 
قدس الأقداس, وفيها وضع تابوت العهد والمذبح النقال الذي كانوا ينقلونه معهم في 
سنوات التيه. وداخل الهيكل حوض برونزي ضخم ممثلاً الإله بم سبلا البحر البدئي في 
الأسطورة الكنعانية» وعمودان يبلغ ارتفاعهما /4٠/‏ قدماً يدلان على عبادة الخصب عند 


عشيرة. 


استمر الاسرائيليون في عبادة يهوى في الصوامع القديمة التي ورثوها من الكنعانيين 
في بيت إيل وشيلوه وحبرون وبيت لحم ودان 1282 حيث كانت تمارس الطقوس الوثنية. 
وسرعان ما اكتسب الهيكل خصوصية؛ مع ذلك كانت تمارس فيه نشاطات لاعلاقة لها 
بالعقيدة. بدأ الإسرائيليون يرون في الهيكل رمزاً لعرش يهوى في السماء. وكان لديهم 
احتفال خاص بهم في بداية السنة الجديدة فى الخريف. يبدأ الاحتفال بطقس القربان في 
يوم الغفران. ويحين احتفال الحصاد الذي يسمى وعاء القربان احتفاء ببداية السنة 0 
وقد اقترح البعض أن أناشيد المزامير كانت تحتفي بتنصيب يهوى في هيكله في 
الغفران» مثل الاحتفال بتنصيسبف مادق الذي كان إعادة ثيل لقهر العماء البدئى 0 
للك سلييان شحمييا كان توفيقنا كيينا: فزوجاته الوثنيات الكثيرات كن يعبدن البعية 
الخاصة بهن؛ بالإضافة إلى علاقته الودية مع جيرانه الوثنيين. 

في النهاية كانت عبادة يهوى مهددة على الدوام بخطر الاندثار على يد الوثنية 
الشعبية. وقد أصبح هذا الخطر جلياً خلال النصف الثاني من القرن التاسع ق.م. ففي عام 
8ممم تبوأ الملك أحاب 8886 العرش فى مملكة إسرائيل الشمالية. وزوجته 
جزيبيل 1626561 ابنة ملك تاير 156 وصيدون ‏ أي ما يعرف الآن باسم لبنان - كانت 
متحمسة) ومصممة على تغيير دين البلاد إلى دين بعل وعشيرة. فقد استوردت كهنة بعل» 
وسرعان ما وجدوا أتباعاً لهم بين الشماليين الذين هزمهم الملك داؤود. وكانت حماستهم 


58 


فاترة تجاه يهوى. لقد بقي أحاب مخلصاً ليهوى لكنه لم يحاول وضع حد لدعوة جيزبيل 
الدينية. ففي أواخر عهده ضرب القحط الأرض» وبدأ نبي يدعى إيليا طدز- 811 (أي يهوى 
و إلهي) يتنقل في البلاد» مرتدياً عباءة من الشعر» 000 لديا شاجباً عدم الولاء 
ليهرى. 


دعا إيليا الملك أحاب والناس إلى منافسة بين يهوى وبعل على جبل الكرمل. 
وخطب في الناس بحضور /45٠0/‏ كاهنا من كهنة بعل: 


إلى متى ستبقون مضطربين بين هذين الإلهين؟ ثم طلب ثورين؛ ثور له وآخر لأنبياء 
بعل ثم وضعهما على مذبحين. بعدئذ دعا الناس إلهيهما كي يرسلا نارا من السماء تشعل 
الحرقة. نادى أتبناء بعل إلههم طوال الصباح» وهم يرقصون حول مذبحهم» وكانوا 
يصيحود ويضربود أنفسهم بالسيوف والرماح» لكن «دون فائدة). سخر منهم إيليا قائلا 
«(صيحوا بصوت أعلى)» ولآن بعل إله: هل هو منشغل البال» أم مشغول عنكم: أم أنه 
مضى فى رحلة» قد يكون نائما وسوف يستيقظ) لكن عبئا لم يحدث شيء. 
المذبح وملأه ماءٌ كي يجعل إشعال النار أمرأ صعبا. ثم نادى يهوى» فسقطت نار من 
قائلين: «يهوى إله» يهوى إله). لم يكن إيليا منتصراً متسامحاء أمر الناس أن يلقوا القبض 
على كهنة بعل فلم ينجو منهم أحد, ثم أخذهم إلى وادٍ قريب وذبحهم جميعاا”". لم 
تكن الوثنية تسعى عادة إلى فرض نفسها على سشعب آخر. جزيبيل استثناء هام لانه كان 
دائما هناك ل آخر في هيكل الالهة إلى جانب الالهة الأخرى. وي هله لخدا 
الاسطورية الميكرة أنه منذ الدعوة الاولى لعبادة يهوى كانت تتطلب قمعا عنيفا ورقضا 
لأديان أعدرئ ثوهدا عاسحته ف الفصيل :الثاق رشك مقض | معد إيلنا لين قم يل 
الكرمل بعد المذبحة» وجلس مصلياً واضعاً رأسه بين ركبتيه» وأرسل خادمه كي يتفحص 
الأفق من حين لاحر راخدا حمل الخادم نبا سحابة صغيرة يقارب حجمها حجم 5 
إنسان» كانت ترتفع من البحر. طلب منه إيليا أن يمضي إلى الملك أحاب وأن يطلب منه 
العودة إلى منزله قبل أن يمنعه المطر من ذلك. ثم أظلمت السماء بغيوم تنذر بعاصفة» ثم 
هطل مطر غزير. طوى إيليا عباءته وهو منتش وركض إلى جانب عربة أحاب. وهكذا 
اغتصب يهوى وظيفة بعل كإله للعواصفء مثبتأ بذلك أن فعاليته فى الخصب لا تقل عن 
فعاليته في الحرب. خاف إيليا من رد فعل على المذبحة التي ارتكبها فهرب إلى شبه جزيرة 


8 


سيناء» ولجأ إلى الجبل حيث أظهر الله نفسه لموسى. وهناك عرف التجلي الذي طبع 
الروحانية اليهيوية (من يهوى) بطابعه. ثم تلقى أمرأً أن يقف في صدع صخرة كي يحمي 
نفسه من التأثير الإلهي: 
وإذا بالرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسّرت الصخور 
أمام الرب ولم يكن الرب في الريح وبعد الريح زلزلة ولم يكن الرب في 
الزلزلة. وبعد الزلزلة نار ولم يكن الرب في النار وبعد الدار صوت منخفض 
خفيف. فلما سمع إيليا لف وجهه بردائه وخرج ووقف في باب 
المغارة0 "2 
كان يهوى مختلفاً عن الآلهة الوئنية لأنه لم يكن في أي من قوى الطبيعة بل في 
مملكة بعيدة. 
لقد تخفى في الريح؛ فليس بالإمكان تصوره في وَهُم صمت ناطق. 
تحتوي قصة إيليا الرواية الأسطورية الأخيرة للماضي في التوراة اليهودية. فالتغير كان 
في الهواء في أرجاء العالم المنمدن. تعرف الفترة الواقعة بين عام ٠٠م‏ ق. م حتى 
ق.م باسم العصر المحوري ع8 [6<12.. فقد خلق الناس في جميع المناطق الرئيسية 
من العالم المتحضر - أيديولوجيات جديدة استمرت في دورها الحاسم والتوليدي. فالنظم 
الدينية كانت تعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة. ولأسباب لا نفهمها كلها 
نجد أن الحضارات الرئيسية قد تطورت في مسارات متوازية» حتى عندما كان هناك 
احتكاك تجاري (كما كان بين الصين وأوروبا). لقد أدى إزدهار جديد إلى نشوء طبقة 
تجارية» فكانت السلطة تنتقل من الملوك والكهنة من المعبد والقصر إلى السوق. لقد أدت 
الثروة الجديدة إلى ازدهار ثقافي وفكريء وإلى تطور الوجدان الفردي كذلك. لقد أصبح 
الاستقلال وعدم المساواة أكثر وضوحاً كلما تسارعت خطوات التغير في المدن. عندها بدأ 
الناس يدركون أن سلوكهم يلعب دوراً مؤثراً على مصير أجيال في المستقبل. لقد طورت 
كل منطقة إيديولوجيا مميزة كي تخاطب هذه المشكلات والاهتمامات: فكانت التاوية 
والكونفوشيوسية في الصينء والهندوسية والبوذية في الهند» والعقلانية الفلسفية في أوروبا. 
لكن الشرق الأوسط لم ينتج .حلا متسجماً ‏ ماعدا إيران وإسرائيل. لقد طور زرادشت 
والأنبياء العبرانيون على التوالي نسخاً مختلفة للتوحيدية. ففكرة الله التي قد تبدو غريبة 
مثلها مثل الرؤى الدينية العظيمة الأخرى فى تلك الفترة قد تطورت فى اقتصاد السوق» فى 
روح راشْتعالية عدوانية. ١ ١ ١‏ 


أقترح إلقاء نظرة سريعة على اثنين من هذين التطورين قبل أن نبدأ البحث في دين 
يهوى الذي دخله الإصلاح ‏ في الفصل التالي. لقد تطورت التجربة الدينية في الهند في 
عسارت «تائلة: بين أن 'المسبائل العى: توك حليها ميرف تؤدي إلى تسليط الضوع غلى 
السمات والمشكلات الخاصة للمنهوم الإسرائيلى لله. النزعة العقلانية عند أرسطو 
وأفلاظؤن جامة أنضاء لآن البهود والمسيحين والمسلنين |متمدوا أنكارهم متها وتخاولوا أن 
يعدلوها بما يتناسب مع تجربتهم الدينية» لأن مفهوم الله الإغريقي كان مختلفاً جدأ عن 
مفهوم الله في الاديان الثلاثة. 


في القرن السابع عشر غزا الآريون وادي الأندوس 5ناه 1‏ أي ما يعرف الآن باسم 
إيران - وهزموا السكان الفطريين. وفرضوا أفكارهم الدينية التى نجد تعبيراً لها فى مجموعة 
قصائد تعرف باسم ريج فيدا 608 - م81 حيث نجد حشداً كبيراً من الآلهة» تعبر عن 
كثير من القيم ذاتهاء مثلها في ذلك مثل الهة الشرق الاوسط التي كانت تمثل قوى الطبيعة 
كالغريزة مع القوة» الحياة والآهواء الشخصية. مع ذلك كانت هناك بوادر تشير إلى أن 
الناس بدأوا يدركون أن الآلهة المتنوعة هي بكل بساطة تمَظَهُرات لمطلق واحد مقدسء؛ ذلك 
الذي تعالى عليهم جميعاً. لقد كان الآريون ‏ كما كان البابليون - مدركين تماما أن 
أساطيرهم لم تكن روايات حقيقية للواقع بل كانت تعبر عن سر لم يكن باستطاعة حتى 
الآلهة أن تجد له تفسيراً وافياً. فعندما حاولوا تخيل أن الآلهة والعالم قد نشأت من عماء 
بدئي» استنتجوا أن مامن امرىء بإمكانه أن يفهم سر الوجود: 
من يعرف من أين نشأ 
متى نشأ هذا الفيض 
فالذي في السماء العليا فقط هو الذي يعرف 
أو ربما لا يعرف؟"". 
لا يحاول دين الفيدا أن يفسر أصول الحياةء ولا أن يقدم إجابات متميزة لأسكلة 
فلسفية. لقد صُمّمَ هذا الدين كي يساعد الناس كي يتآلفوا مع أعاجيب ورعب الوجود. 
لقد طرح أسكلة أكثر مما قدم إجابات لأن المراد منه أن يبقى الناس في موقف تعجبي 
الهندية - بحلول القرن الثامن ق.م, أي عندما كان 3 و 8 يكتبان تاريخيهما ‏ تعني أن 
الدين الفيدي القديم لم يعد صا حاً. فأفكار الناس الفطريين التي اضطهدت في القرون التي 


3١ 





تلت موجات الغزو الآري قد ظهرت إلى السطح مجددأء وأدت إلى جوع ديني جديد. 
فالاهتمام بالعاقبة الأخلاقية الذي بُعتَ من جديدء وكذلك مفهوم أن قدر الإنسان تحدده 
أفعاله جعلت الناس غير راغبين بإلقاء اللوم على الآلهة بل على سلوك لا مسؤول من 
جانب البشر. لقد رأوا أن الآلهة كانت رموزاً لحقيقة سامية واحدة. وهكذا أصبح الدين 
الفيدي منشغلاً بطقوس التضحية. لكن الاهتمام الجديد بممارسة اليوغا الهنية القديمة كان 
يعني أن الناس لم يكونوا راضين عن دين كان يركز على الأشياء الخارجية. لم تكن 
التضحية والقربان المقدس كافيين: أرادوا اكتشاف المعنى الداحلي في هذين الطقسين. 
فكما سنرى لاحقاً شعر أنبياء اسرائيل بعدم الرضى ذاته. في الهند لم تعد تعتبر الآلهة 
كائنات أخرى خارجية بالنسبة لعابديهاء وسعوا إلى تحقيق وجود داخلي للحقيقة. 


لم تعد الآلهة ذات أهمية كبيرة : فى الهند. ومن تلك الفترة فصاعداً سيحل معلم 
ديقي متداياك عوقة أغلى من :مرشة الآلية لش كان" الناكية على القيية الاسياية ,وعلن 
الرغبة بالسيطرة على القدر أمرأ ممتازا: تلك كانت البصيرة الدينية العظيمة في شبه القارة 
الهندية. فالهندوسية والبوذية لم تنكرا وجود الآلهة» لم تنعا الناس من عبادتهاء لآن كبتا 
ولكانا أكهذا مساق الأذى بالتابرج. "لق يست اليدوس :والبود يوق ص أسالبي جديةة 
لتجاوز الآلهة. أي للذهاب إلى ما ورائها. وهكذا بدأ الحكماء ‏ خلال القرن الثامن ‏ 
بمعالجة هذه القضايا في كتيبات سميت أرانيكاز 8823/2185 وأبانيشادز وكلاهما يعرفان 
باسم فيدانتا 7683248 (أي نهاية الفيدا). ففي نهاية القرن الخامس ق.م بلغ عدد هذه 
الكتيبات نحو مثتي كتيب. فلا نرى فيها تعميمات حول الدين ن الذي نطلق عليه اسم 
المسدوسية» لأ عدا اديه يتحاقي التْظمَ وينكر وجود تفسير واحد كاف للكون. لقد 
طورت الأبانيشادز مفهوماً متميزاً للربوبية التي تعجاوز الآلهة» لكنها موجودة بشكل وثيق 
في جميع الاشياء. 
خبر الناس - في الدين ع الغيدي ل عه اين اليج فأسموها براهمن» 
وتعرف طبقة الكهنة بهذا الاسمء وكان الناس يعتقدون أن هذه القدرة موجودة فيهم. وبا 
أن :طقين التضحية كان يقتي عالما مضغراً للكون: كله فقن أصبحخت كلمة براهين تعلق 
قدرة تغذي كل شيء بالحياة. فالعالم كله هو نشاط إلهي يفيض من الوجود البراهمي 
الغامض الذي كان المعنى الداخلي الرجنوة: كله“ قالابا شاد د عست الناون على 5 
إحساس براهمي في جميع الأكياف فكانت عملية كشف بلمعنى الحرفي للكلمة: أي 
كشف الغطاء عن السبب الدفين للوجود كله. كل شيء يحدث يصبح أحد مظاهر 


لك 


براهمن. بصيرة مصيبة تكمن في مفهوم الوحدة خلف الظواهر امختلفة. تعتبر بعض 
كتيبات أبانيشادز براهمن قدرة ذاتية» بينما تراها كتيبات أخرى لاذائية تماما. لا يمكن 
مخاطبة براهمن بكلمة «أنت [78101) لأنها كلمة حيادية» وكذلك الحال مع كلمة هو 
أو هىء ولا يمكن تعريفها على أنها إرادة إله مهيمن. لا يتحدث براهمن إلى البشرء ولا 
يقابل الرجال والنساء: إنه يتسامى عن جميع هذه النشاطات البشرية. ولا يرد علينا بطريقة 
ذاتية: الخطيئة لا تضايقه: ولا يمكننا القول أنه يحبنا أو يغضب مناء وليس من اللاثئق شكره 
أو مددحه لأنه تلق العالم. 

هذه القدرة الإلهية لو لم تكن من أجل الحقيقة لكانت غريبة تمامأء إنها منتشرة في 
الكوف وقينا لزاه وتلهجاء كد شفلك أماقف البوكا الناسن مدر كين لعالم ذا خجار: 
فخطوات اتتخاذ الوضع المناسبء والتنفس؛ والحمية» والتركيز العقلي قد تم تطويرها أيضاً 
بشكل مستقل في حضارات أخرى» وطورت كما يبدو - تجربة تنويرية وإشراقية تم 
برها بشكل مشلس: لكهنا مدواة آنا ينا الشرية: قالك الأ رايشادر انا هذه 
التجربة تمتلك بعداً ذاتياً جديداً هو القدرة المقدسة نفسها التي كانت تمد بقية مافي العالم 
بالحياة. لقد شمى المبدأ الأبدي فى كل فرد أتمان صودص]4 : عرضاً جديداً لنظرة القداسة 
القديمة في الوثنية» إعادة اكتشاف ‏ في شروط جديدة ‏ للحياة الواحدة داخلنا وللخارج» 
التي كانت مقدسة أساساً. يشرح كتيب شاندرغا أبنيشادز ذلك في حكاية الملح. درس 
شاب يدعى سريتاكيتو 5766816111 الفيدا طيلة /١١/‏ سنة» وكان 0 بنفسه. لكن 
الشاب لم يتمكن من الإجابة على السؤال الذي طرحه عليه والده أودالوكا 110081012 . 
بعد ذلك يبدأ الوالد بتلقينه درسا حول الحقيقة الأصلية التى كان الشاب يجهلها جهلا 
تماماً. طلب من ابنه أن يضع قطعة ملح في الم وان ينك لديا يراه في صباح اليوم التالي. 


طلب الوالد من ابنه أن يفصل الملح عن الماء فأجابه الشاب أن ذلك غير ممكن لأنه 

ذاب في الماء. فشرع الوالد يسأله: 

اشرب منه من فضلك. وقل ماذا يشبه؟ 

إنه 

ارشفه من وسطه. وقل ماذا يشبه؟ 

إنه ملح 

ارشفه من نهايته, وقل ماذا يشبه؟ 

إنه ملح. 


ارمه بعيداء وادن مني. 


4 


فعل الشاب ما طلبه منه والده. لكنه لم يستطع منع الملح من أن يظل ملحاً. 
قال له والده: طفلي العزيز! صحيح أنك لا تستطيع أن تدرك وجود الملح 
هنا لكنه موجود فعلاً هنا. 
هذا هو الجوهر الأول موجود في ذات الكون كله: ذلك هو الحقيقي: تلك 
هي الذات: فأنت موجود هنا يا ولدي. 
وهكذا فعلى الرغم من أننا لا نستطيع رؤيته فإن براهمن منتشر في العالم» وهو 
موجود في داخل كل منا وإلى الأبد مئل وجود أتمان0"©. 
لقد منعت أتمان الله من أن يصبح صنماًء أي حقيقة خارجية» موجودة في الخارج 
0 000000 ايعدعاه م 
00 لنا ثانية عن طريقة تجربة 0 ام 3 لا 2 ا 07 في 
كلمات أو تصورات. فيزاهمن .هو ومالا يمكن وصفه في كلمات. لكنه 1 نطق 
الكلمات. . إنه مالا يمكن للعقل أن يفكر بهء بل حيث يستطيع العقل أن يفكر»” "© 
ا محال أن نتكلم إلى الله لكوت جوم .أو أن تمكو بد الأعا ديك مل عن ا 
للتفكير. إنه حقيقة ندركها في النشوة فقط. في الإحساس الأساسي بالذهاب إلى ماوراء 
الذات: 
فالله يأتي إلى فكر أولئك الذي يعرفونه وراء الفكر, 
3 يأتي إلى الذين يتخيلون أن بالإمكان إدرا الك الفكر. 
إنه إنهامعرواف' في نضوة يانظة تفحح ياب الحياة ا 


الاين 


مثل الآلهةءلا يمكن إنكار العقل بل يتم تجاوزه.لا يمكن شرح التجربة البراهمية أو 
الأتمانية عقلانياً أكثر من كونها مقطوعة موسيقية أو مقطعا من قصيدة العقل» أمر ضروري» 
وكذلك المقدرة على خلق وتذوق عمل فنيء لكنه يقدم تجربة تمضي إلى ما وراء الحقيقة 
المنطقية المحضة. / المقيقة العقلية. :وهذه سعكون أيضاآً 0 ثابتاً ي تاريخ الله. 
علاقاته ا ومسؤولياته ا عن الس ومن م 00 نفسه في و وجود 
1 ارا ا ا كس سر 1 


14: 


معسولاً. لقد روعته المعاناة» فأراد أن يكتشف السر حتى نهاية ألم الوجود الذي كان 
باستطاعته رؤيته في كل شيء حوله. جلس سمت سنوات عند أقدام المعلمين الروحيين 
الوقدرين؟ وامل» الذما محينة دون اند تحرو ليما لم ترق له معتقدات الحكماءء 
وجعاعه. إفانة معييده بياتنا: وذات ليلة وضع نفسه في حالة نشوة حصل فيها على 
الاستنارة. فدبت البهجة في عالمه المصغر كله؛ واهترت صخور الأرضء» وسقطت الأزهار 
من السماء» وهب النسيم العطرء» وسعدت الآلهة في السماوات. فالآلهة والطبيعة والبشر 
كانوا مرتبطين سوياً فى حالة حبء تماماً كما هى الحال فى النظرة الوثنية. كان هناك أمل 
جديه بالسرر هن اللكاناة وبلوغ الاستنارة في نهاية الألم. وهكذا أصبح غوتاما بوذا 
لمستنير. ففي البداية أغوى الشيطان مارا 30625 بوذا بالبقاء حيث كانء وأن يستمتع 
بالنعمة التي وتفيها ديا لم يكن مجدياً محاولة تغر الكلية لكان سيق أحد الكرن 
أن مد آلهة ناشين التقليدئ عمسا تاهايراهها وساكرا ري'الدمارجاها إن يوذ متوسلين 
كي ايغرج طريقته للعالم.وافق بوذا على ذلك» وارتحل سائراً على قدميه طوال السنوات 
لستة والأربعين الباقية في أرجاء الهند مبشراً برسالته: في هذا العالم من المعاناة سيء واحد 
كان راسخاً هو دهاراما ودصةتةط7 أي حقيقة العيش المستقيم وهي التي بإمكانها وحدها 
ف رونا تن اليم ١‏ 

لم تكن لهذه الفكرة علاقة بالآلهة. لقد آمن بوذا ضمنياً بوجود الآلهة» لأنها كانت 
را من متاعه الثقافي» لكنه لم يكن يعتقد أنها ذات فائدة للبشر. فالآلهة أيضاً كانت 
رهينة في مملكة الألم والتغير» إنها لم تساعده في بلوغ الاستنارة» كانت منشغلة في دورة 
إعادة الولادة مثل الكائنات الأخرىء وفى نهاية المطاف تتلاشى. فى الحظات حاسمة من 
حياته - عندما اتخذ قرار التبشير مالم مقر أن الآلية اوس تار علي وأنها لمك 
دوراً فعلياً ‏ لم ينكر بوذا وجود الآلهة لكنه كان يعتقد أن الحقيقة المطلقة للاستنارة أعلى 
مرتبة من الآلهة. وعندما بمر البوذيون بتجربة النعمة الإلهية أو بإحساس بالتسامى فى التأمل 
فإنهم لا يعتقدون أن هذا ناجم عن احتكاك بكائن فوق طبيعي. تخالاك كبذه أمر 
طبيعي للبشرية» ولا يمكن لأي شخص أن يبلغها إلا إذا عاش بطريقة صحيحة» وتعلم فنون 
البوغا. .لقد خف بوذا تلافيلة خلن إنقاة أنفسهي بدلا من الاعيماة .على إله. 





فعندما التقى تلاميذه الأول في بيناراس بعك بلوغه الاستنارة لخص بوذا منهجه البنيئن 
على حقيقة أسئاسية واحدة: كل الوجود كان دوكها وطعللتط » كان يتألف من الألم 
قالياة كات متضرقة كلياء والأشاء مدهي دافن ترات لا معنى له. ما من سيء ذي 


معنى أبدي. يبدأ الدين بإدراك أن شيعاً ما خطأ. لقد أدى ذلك في الوثنية القديمة إلى 
أسطورة المقدس: عالم نمطي بدئي مقابل لعالمنا باستطاعته نقل قوته إلى البشر.لقد قال بوذا 
إن بالإمكان التحرر من الدوكها من خلال العيش. لا نستطيع تعريف الاستنارة لآن 
كلماتنا ومفاهيمنا مقيدة بعالم الحواس والتحول» فالتجربة هي البرهان الوحيد الموثوق. 
وكان تلاميذه يعرفون أن الاستنارة كانت موجودة لأن ممارستهم للحياة الخيرة تمكنهم من 
نحها. 

هناك رهبان غير مولودين» غير مخلوقين» غير مر كبين. 

ولولا هؤلاء لما كان هناك مفر من الرهبان المولودين 

اغخلوقين, المركبين, لكن بما أنه هناك غير مولودين؛ غير خلوقين 

غير مركبين لذلك هناك مفر من المولودينء امخلوقين المركبين7”". 


ينبغي على رهبانه ألا يتأملوا في طبيعة الاستنارة» وكل ماكان بوسع بوذا فعله هو أن 
يزودهم بطوف ليأخحذهم إلى الشاطىء البعيد» وعندما سل عمّا اذا كان البوذي الذي بلغ 
الاستنارة يعيش بعد موته, تجاهل السؤال لكونه غير لائق» فهذا السؤال ممائل للسؤال عن 
اتجاه اللهب عندما انطفاً. من الخطأ القول إن بوذياً عاش في استنارة إذا كان لم يبلغها. 
وكلمة يوجد 166« لا تحمل أي علاقة بأية حالة يمكننا فهمها. وبعد قرون تالية نجد أن 
اليهود والسنيحيين والمسلمين قدموا الإجابة نفسها علق السؤال المتعلق يوجود. اللا كات 
بوذا يحاول أن يبين أن اللغة ليست مجهزة كي تتعامل مع حقيقة تقع وراء التصورات 
والعقل. لم ينكر العقل بل كان يشدد على أهمية التفكير الواضح والدقيق» وعلى استخدام 
اللغة. لقد اعتقد أن التيولوجيا أو المعتقدات التي يتبناها شخص - مثل الطقس الذي شارك 
به - ليست ذات أهمية» وقد تكون هامة لكنها ليست ذات معنى نهائى. فالشىء الوحيد 
الهام هو الحياة الخيرة» فإذا ما عيشت كذلك فإن البوذيين يشعرون أن فكاراما كانت 
صحيحة حتى إن لم يكن في وسعهم التعبير عن هذه الحقيقة بكلمات منطقية. 

بالمقابل كان الإغريق مهتمين جداً بالمنطق والعقل. فأفلاطون (5710 - 45 *ق.م) 
كان منشغلاً باستمرار بمشكلات الابستمولوجيا وطبيعة الحكمة. كانت معظم أعماله 
الأولى مكرسة للدفاع عن سقراط الذي أجبر الناس على إيضاح أفكارهم من خلال طرح 
أسئلته التي تحرض على التفكير» وحكم عليه بالموت في عام 95 ق.م بتهمة عدم التقوى 
وإفساد الناشئة. لقد كان ذلك مشابهاً بشكل ما لما كان بين سكان الهند. لم يكن 
أفلاطون راضياً عن الاحتفالات القديمة» وعن أساطير الدين التى وجد أنها تحط من قدر 


ك5 


الدين. لقد كان أفلاطون متأثراً بفيناغورث الذي عاش في القرن السادس» ولربما كان 
فيشاغورث متأثراً بأفكار من الهند انتقلت إلى اليونان عبر بلاد فارس ومصر. لقد اعتقد أن 
ولادات جديدة إلى الايد. 


لقد أوضح التجربة البشرية المشتركة للإحساس بالغربة في عالم لا يبدو أنه عنصرنا 
بحق. علّم فيثاغورث أن بالإمكان تحرير الروح عن طريق طقوس تطهيرية تمكنها من تحقيق 
الانسجام مع الكون المستقر. وقد آمن أفلاطون أيضاً بوجود حقيقة مقدسة لا تتغير وراء 
عالم الحواس» وأن الروح كانت إلها هابطأ خارج عنصرها مسجونة في الجسدء لكنها 
قادرة على استعادة مكانتها المقدسة عن طريق تطهير الإمكانات العقلية فى العقل. لقد 
وصان أفلاطون قن أسيظورة الكهف الجهيرة علام وعموضن نحياة الإنسان. قاين نحياة 
تراحم تجاه جميع الكائنات الحية» التحدث والتصرف برفق وطيبة ورقة» وبالامتناع عن أي 
شيء مشابه للمخدرات أو العقاقير التي تحدث ضباباً في العقل. لم يزعم بوذا أنه ابتكر هذا 
النظام بل أصر على أنه اكتشفه «لقد رأيت دربا قديماً سار عليه بوذيون فى عصر 
270 هذه الطريقة مثل شرائع البوذية كانت مرتبطة ببنية الوجود الأباسة: فطرية 
فى شرط الحياة ذاته. فيها حقيقة موضوعية ليس لأن بالإمكان إيضاحها ببرهان منطقى يل 
ادها فاك كنالة ذو يضق ابناهدا أن نضا #التدالبة من لما السيمة الى ع دا 
ابجع أكتر بس اليد النادقية ذا انار يشوف انق ونعة اودر في عله را خرن العالم 
وطوال عصور أن أسلوب الحياة هذا يمنح إحساسا ذا معنى سام. 

لعن قبده :لاف الأعلاق: لكهاوانا" لجال والميتاء مطاف الانهارة ليحن 
الولادات الجديدة» في سلسلة من حيوات (جمع حياة) مؤلمة. باستطاعتهم تغيير قدرهم إذا 
استطاعوا إصلاح مواقفهم الانانية. شبّه بوذا عملية الولادة الجديدة بلهب يشعل مصباحاء 
وهذا يشعل مصباحاً وهلم جرا حتى يطفىء اللهب. فإذا كان امرؤٌ ملتهباً بموقف خخاطىء 
عند موته فإنه سيضىء مصباحاً آخر. فإذا أطفقت النار فإن حلقّة المعاناة تتوقف» ويتم بلوغ 
الاستنارة. فكلمة نيرفانا تعني حرفيا «الانطفاء» أو «التبريد». إنها ليست مجرد حالة 
سلبية بل تلعب دوراً في الحياة البوذية الممائلة لحياة الله. فكما يشرح إدوار 
كونز عممه00) 808:0 في كتابه عن البوذية /جوهرها وتطورها/ غالباً ما يستعخدم 
البوذيون الاستعارة نفسها التي يستخدمها الموحدون في وصفهم الاستنارة التي هي الحقيقة 
النهائية. 


/ا 


بلغنا أن الاستارة أبدية, ثابتة وغير قابلة للفناء» غير متحركة, 
لا تحدَ في عصر محدد., ولا يعتريها الموت, وليست ولادية, 
ولا تولَدُ إنها قدرة, نعمة وسعادة, الملاذ الأمين, 
المأوى» ومكان أمان لا انقطاع فيد إنها الحقيقة الحقة, 
الحقيقة العليا. إنها الخير:ء الهدف الأسمى. وهدف حياتنا الوحيد. 
إنها السكينة الأبدية الكامنة العصية على الفهو0"”". 
قد يعترض بعض البوذيين على هذه المقارنة لأنهم يجدون مفهوم الله محدداً جداً 
بحيث لا يسمح لهم بالتعبير عن تصورهم للحقيقة المطلقة. يعود السبب في ذلك إلى أن 
الموحدين يستخدمون كلمة الله بطريقة محددة للإشارة إلى كائن ليس مختلفا جدا عنا. 
يكندد بوذا كما فهل سكماك الأبانيشاووق - على أنه اليس بالإمكان: دين الإستارة أو 
مناقشتها وكأنها حقيقة بشرية أخرى. 
بلوغ الاستنارة لا يشبه «الذهاب إلى السماء» كما يفهمها المسيحيون. فقد رفض 
يرذا الإجابة عق أدفلة متلق بالاسعارة أو بالسائل اللطلقة الأنها كانك أسكلة غير متانيية 
أو غير لاثقة. إنه يدرك فقط ظلالاً للحقائق الأبدية متراقصة على جدار الكهف. بالإمكان 
أن يخرج من الكهف تدريجياًء وأن يبلغ الاستنارة والتحرر عن طريق تعويد عقله على النور 
الإلهى. 
ربما تراجع أفلاطون في مرحلة لاحقة من حياته ‏ عن إيمانه بالأشكال أو المثل 
ا م حاسمة لدى كثير من الموحدين عندما حاولوا التعبير عن مفهومهم 
«لله). كانت هذه المثل حقائق راسخة يمكن فهمها بقدرات الحاكمة التي يمتلكها العقل. 
إنها حقائق أكثر فعالية وأبدية واكقمالا من الظراس المادية المتغيرة التي تشكو من نقص فيها 
والتي ندركها بحواسنا. فأشياء هذا العالم هي مجرد صدى (يشارك في) أو «يحاكي) 
الأشكال الأبدية في المملكة الإلهية. فكل مثل أعلى يقابله تصور عام لدينا مثل الحب 
والعدال والجمال. 2 هذه المثل هو المثل الأعلى للخير. لقد وضع أفلاطون ابنطووة 
الأنماط البدئية القديمة في قالب فلسفي. تعتبر مثله الخالدة نسخة عقلية للعالم المقدس 
معاون الذي يوجد في الأشياء الدنيوية في حالة ظلية. فأفلاطون لا يناقش طبيعة الله 
بل اقتصر على عالم المثل المقدسة» فالجمال المثالى أو الخير المثالى يمثلان فعلاً حقيقة عليا. 
كان أفلاطون مقتنعاً أن العالم المقدس ساكناً ولا يعتريه التغير. فقد رأى | الإغريق أن الحركة 
والنقير دلائل على حقيقة أد: الشيء الذي له هوية حقيقة يبقى دائماً نفسه) ويتميز 
بالأبدية وعدم التغير. ومن هنا كانت الدائرة هي الحركة الأكثر كمالاً لأنها كانت تدور 


8 


إلى الأبد وتعود إلى نقطة البداية. دوران العوالم الأرضية هو تقليد للعالم المقدس في أفضل 
صيغة مستطاعة. وستؤثر هذه الصورة المتوازنة تماماً للألوهة تأثيراً كبيراً على اليهود 
والمسيحيين والمسلمين مع أنها لا تشترك إلا بالنذر اليسير مع إله التجلي الدائم الفعالية 
والمبادرة. ففي التوراة يغير رأيه حتى عندما يندم على خلق الإنسان فيتخذ قراراً بتدمير 
الذرية البشرية في الطوفان. 
هناك جانب صوفي في فكر أفلاطون ويجده الموحدون الأكثر انسجاماً. فالصور 

المقدسة عند أفلاطون لم تكن حقائق خارجية بل بالإمكان اكتشافها داخل الذات. ففى 
حوارة الدراي (المأدية) بي أفلاطون كيين أن .بالإمكان تطهير تحب سيا جميل وتحويله 
إلى نشوة تأمل للجمال المثالي. ديوتيما 2101102 معلم سقراط يوضح أن هذا الجمال 
فريد» أبدي ومطلق لا يشبه أبداً أي شيء نعرفه في هذا العالم. 

قبل كل شيء هذا الجمال أبدي. إنه لا يأتي إلى الوجود ولا يعبره؛ لا 

ينقص ولا يزيد إنه ليس جميلاً من ناحية وقبيحاً من ناحية» وليس جميلاً 

حيناً وقبيحاً حيناً آخر. ليس جميلاً في هذه العلاقة وقبيحاً في تلك. ولا 

جميلاً هنا وقبيخاً عناك. فهو لا ينفاوث وققا لمن .يراة» وهذا الجمال لن 

يظهر للمخيلة كجمال وجه أو يدين أو أي شيء مادي آخر أو مثل 

جمال فكرة أو علم؛ أو مثل الجمال الذي له مكانه في شيء آخر أكثر من 

نفسه. ليكن في شيء حي أو في الأرض أو السماء أو أي شيء آخر مهما 

كان. فمن يراه يراه في شكل مطلق؛ موجود وحده؛ داخل ذاته فريد 
202 


وابدي 


باختصار في مثل أعلى كالجمال قواسم كثيرة مع ما يسميه الموحدون «الله». فالمثّل ‏ 
على الرغم من تساميها فإنها توجد داخل عقل الإنسان. نحن الحداثيون نمارس التفكير 
كتساط كشو ء تفعله بينم تصورة أفلاطون كقح يداك للفقل: كانت موضوعات 
لفك يجفا فعالة فى ذهن الإنسان الذي عأتليك لفددراف الك عيالية بن كاه 
سقراط: أي فهم شيء كنا نعرفه من قبل لكننا نسيناه. فبما أن البشر آلهة هابطة لذلك فإن 
مثل العالم المقدس كانت داخلهم. وبالإمكان ملامستها بالعقل الذي هو ليس مجرد نشاط 
عقلانى أو دماغى بل إدراك حدسى للحقيقة الأبدية داخلنا. وسوف يؤثر هذا التصور كثيراً 
على المتصوفين في الأديان الثلاثة التي تنادي بوحدانية تاريخية. 

لقد اعتقد أفلاطون أن الكون بالأساس كان عقلانيً» فجاء اعتقاده هذا أسطورة 


5.5 


أخرى وتصوراً خيالياً للحقيقة. لقد دفع أرسطو (584 - 7077) ق.م الأمر خطوة أبعد من 
ذلك. فهو أول من قدر أهمية المحاكمة المنطقية التي هي أساس العلم كلهء وكان مقتنعاً أن 
الوصول إلى فهم الكون باستخدام الحاكمة المنطقية أمر ممكن» إضافة إلى محاولة فهم 
نظري للحقيقة فى الكتيبات المعروفة باسم الماورائيات فقد صاغ كلمة الميتافيزيقاء كما 
درس الفيزياء النظرية وعلم الأحياء التجريبي. كان يتمتع بتواضع فكري جمء وقال إنه 
مامن أحد يستطيع الوصول إلى فهم كاف للحقيقة» كل ما يمكننا فعله هو تقديم مساهمة 
يسيرة فى فهمنا الجماعى لهاء كان تقسيم أعمال أفلاطون مثار جدل كبير» فيبدو مناقضا 
لوجهة نظره في التسامي بما يتعلق في الصورء رافضاً وجوداً مستقلاً سابقاً لها. بيئما قال 
أرسطو إن الأشكال لها حقيقة مادامت موجودة في شكل ملموسء أي أشياء مادية في 
عالمنا نحن. 


على الرغم من توجهه المرتبط بالأرض» وانشغاله بالحقيقة العلمية كان لدى أرسطو 
فهماً دقيقاً لطبيعة وأهمية الدين والمثيولوجيا. فقد نوه إلى أن المدخلين في أديان الخفايا 
المتنوعة لا يطلب منهم تعلم أية حقائق «بل أن يعيشوا انفعالاات محددة وأ يوضعوا في 
تصرف سلطة محددة)”*©. ومن هنا كانت نظريته الأدبية الشهيرة القائلة إن المأساة 
كانت تؤدي إلى تطهير العواطف كالرعب والشفقةء هذا التطهير الذي كان يعادل مجربة 
الولادة من جديد. لم تكن المآسي الإغريقية التي كانت تشكل جزعءاً من الاحتفالات 
الدينية تقدم بالضرورة عرضاً حقيقياً لأحداث تاريخية» بل كانت محاولة للكشف عن 
حقيقة أكثر أهمية. كان التاريخ ‏ في حقيقة الأمرء أقل شأناً من الشعر والأسطورة: 
«فالاسطورة تصف ماحدث,ء بينما يصف الشعر ما قد يحدث). ومن هنا فإن الشعر نتاج 
أكثر جدية وفلسفية من التاريخ؛ فالشعر يتحدث عمّا هو كوني» بينما يتحدث التاريخ عمّا 
هو خاص)” ©. وسواء وجد أخيل أو أوديب تاريخيين فإن حقائق حياتهما لم تكن مرتبطة 
بالشخصيتين اللتين نعرفهما في هوميروس وسوف وكليس» وتعبر شخصياتهما عن حقيقة 
أكثر عمقاً حول الشرط الإنساني» لكنها مختلفة. كان عرض أرسطو لمفهوم التطهير في 
المأساة تمثيلاً فلسفياً لحقيقة الإنسان المتدين الذي قُهِم حدسياً على الدوام. فد طني ار 
أسطوري أو رمزي لأحداث لا يمكن احتمالها في الحياة اليومية باستطاعته أن يسترجع أو 
يحرر ويحول هذه الأحداث إلى شيء نقي وممتع. 


كان لتصون أرسطو لله أزا عبرا على المضديق اللاحقين» تقاضنة على مسيحبي 
العالم الغربي. لقد تحرى طبيعة الواقع وبنية ومادة الكون في كتابه /الفيزياء/. لقد أصبح ما 


6 


طؤرة عرفا فلكنقفا التمروعاه افيض القنعة لممدة الخلى: كان ماله ليل تورات 
يضفي كل منها شكلء ويتغير إلى الشكل الأدنى منه. الفيض في نظرية أرسطو مختلف 
عن الأساطير القديمة لأن الفيض يصبح أضعف كلما بَعُدَ عن مصدره. لمك بدن 
السلسلة كان مرك الذي له تمرك :وهويها اسمأة أرسطؤ واللدهر كان الله وجردا نقيأ 
وأبذياء ثابنا وروهيا. كان الله فكرا نقيا:وفن الرقت ذاته كان الفكر والفكن اندميا ف 
لحظة أبدية من التأمل في كال وهنا هو اليلق الأنس انمع ف فتما أن لاذه وبها يت 
وفانية لذلك فإن الله ال من عنصر مادي؛ وكذلك هى الحالة بالنسبة للوجود الأعلى 
برقة فاشرك الى لا جدرق عورالا بيس كل تتركة وتقاط فى الكونة أنه لا ينا أن 
يكون لكل حركة سبب نرجعه إلى مصدر واحد. إلذافظ البات ليه غاذت: لأ 
الكائقات يفا مشدودة نحو الوجود ع103ء8 نفسه. 


يحتل الإنسان موقعاً متميزاً: فروحه الإنسائية فيها نعمة إلهية هى العقل الذي يجعل 
الإنسان شبيهاً باللهه ومشتركاً معه في الطبيعة الإلهية. فهذه المقدرة الإلهية هي التي تضع 
الإنسان فى مرتبة فوق مرتبة الحيوان والنبات. فالإنسان ‏ روحا وجسدا ‏ كون مصغر عن 
الكو عه محتو داخخل ذاته أحط مواده إضافة إلى صفة العقل الإلهية. ولهذا السبب 
ون عل الإاشان أذ يصبح خالداً وإلهيأ عن طريق تطهير عقله. لض ال 
الفضائل الإنسانية» والتعبير عنها يكمن في تأمل الحقيقة الفلسفية التي تجعلنا إلهيين عن 
ا ا ا ل وو ا ا 1 
ناجم عن نشوة تسام ذاتي. قلة هم القادرون على بلوغ هذه الحكمة, بينما يستطيع معظم 
الناس بلوغ وزوعصمءطم أي ممارسة التبصر والذكاء في الحياة اليومية. 


على الرغم من الموقع العام الذي يحتله المحرك الذي لا يحرك في نظام أرسطو فإن 
صلته الدينية يسيرة. فالله لم يخلق العالم لأن هذا يشمل تغيراً غير ملائم» ونشاطاً آنياً. مع 
ذلك فكل شىء يصبو إليه» فهذا الله يبقى لا مبالياً تمامأ لوجود الكون لأنه لا يستطيع أن 
يتأمل أي شىء أدنى من ذاته. فهو بكل تأكيد لا يوجه العالم» ولا يعير حياتنا اهتماماً 
بشكل أو بآخر. ويبقى السؤال التالي: هل يعرف الله بوجود العالم المصغر حتى الذي فاض 
منه كنتيجة ضرورية لوجوده. مسألة وجود إله كهذا لابد أن تكون مسألة خحارجية 
بالكامل. ربما تخلى أرسطو عن لاهوته في مرحلة لاحقة من حياته. فكرجلين من العصر 
ا حوري كان أرسطو وأفلاطون مهتمين بالوجدان الفرديء والحياة الفاضلة» وبمسألة العدالة 


اه 


في المجتمع. مع ذلك كان فكرهما نخبوياًء إذ لم يُحْدِثْ عالم الصور النقي» والإله البعيد 
الذي نادى به أرسطو سوى تأثير قليل فى حياة الناس العاديين. وقد اضطر المعجبون بهما 
دن انمد نوسي الك الام قاور للق 

فى الأيديولوجيات الجديدة فى العصر امحوري كان هناك اتفاق تام على أن عنصر 
تْسَام و كِ الكباة الطريةه ركان أمراً أساسياً. لقد فسر الحكماء الذين تعرضنا لهم 
هذا التسامي تفسيرات متباينة» لكن رؤيتهم للتسامي كعنصر حاسم في تطور البشر كانت 
موحدة. إنهم لم ينبذوا المثيولوجيات الأقدم نبذاً مطلقاً بل أعادوا تفسيرها فساعدوا الناس 
على الارتقاء فوقها فنيسا. كانت :هذه الأيديرلوجنيات الآنبة تتشكل .طود أبياء. اسرائيل 
ترائهم كي يساير الظروف المتغيرة» فكانت النتيجة أن يهوى أصبح في نهاية الأمر الله 
الواحد. لكن كيف سيتناسب يهوى الغضوب مع هذه الرؤى المتغطرسة الأخرى؟ 


إن 


الفصل الثاني 


إله واحد 


رأى أحد أفراد الأسر الملكية اليهودية - فى عام 47// ق.م ‏ يهوى فى الهيكل الذي 
بناه الملك سليمان في أورشليم. كانت هذه الفترة فترة قلق بالنسبة لشعب إسرائيل. فقد 
توفي ملك يهودا عوزيا 172218 في هذه السنة» وخلفه ابنه أحاز 422 الذي شجع رعاياه 
على عبادة آلهة وثنية إلى جانب عبادة يهوى. وكانت مملكة إسرائيل الشمالية في حالة 
تنذر بفوضى وشيكة. فبعد وفاة الملك جيروبوم متحوط سل الثاني حلفه على العرش 
خمسة ملوك في الفترة الواقعة بين عام 545 - 75 ق.م. بينما كان يتطلع الملك 
الاشوري تغليث بليصر الثالث :و1165 طإءاع11 متلهفا لاحتلال أرايهم وضمها إلى 
امبراطوريته المترامية الاطراف. وفى عام 7 ق.م استطاع خليفته صرغون الثاني هزية 
ملكة الشمال» وأجلى سكانها عنها. لقد أجبرت القبائل الإسرائيلية الشمالية العشر على 
استيعاب الأمر واختفى ذكرها من التاريخ بينما كانت مملكة يهودا الصغيرة خائفة على 
وجودها. فبعد فترة على وفاة الملك عوزيا كان الملك أشعيا يصلى فى الهيكل والهواجس 
تملا صدره؛ فلربما كان مدركاً ومتضايقاً لأن الاحتفال بالهيكل بشكل باذخ كان توقيتاً 
غير ملائم. ربما كان أشعيا فرداً من الطبقة الحاكمة لكنه كان ذا آراء ديمقراطية وشعبية؛ 
وشديد الحساسية حيال محنة الفقراء. فبينما كانت رائحة البخور عابقة فى الهيكل أمام 
قدس الأقداس» كان المكان عابقاً برائحة دم القرابين؛ ربما شي أشعيا من أن دين اسرائيل 
قد فتقد كماله ومعناه الداخلى. 


لقد خيل إليه أنه يرى يهوى نفسه جالساً على عرشه في السماء فوق الهيكل 
مباشرة» هذا الهيكل الذي كان رمزاً لبلاطه السماوي على الأرض. ملا موكيه الحرم 


قحك 


ينظرا إلى وجهه. فصاح كل منهما على التوالي: قدوس» قدوس» قدوس 
صبوات ]53680 » مجده يلا الأرض كله("©. بدا وكأن الهيكل كان يهتر من 
أساساته مع صوتيهما. وامتلاً الهيكل بدخان غلف يهوى بحيث لا يمكن لأحد أن يرا 
سحابة دحان مائلة للسحابة والدحان اللذين حجباه عن موسى على قمة جبل سيناء. 
عندما نستتخدم كلمة قدوس اليوم لإلنا يشر عادة إلى حالة برد اا تهنا لي 
قادوش ف | العبرية لاتمت إلى الاخلاقية بصلة لكنها تعني الاخرية 01 أي 
انفصال جذري. لد أكد ظهور يهرى على جبل سيناء على البرزخ الهائل الذي اتسع 
فيعاة بين الإنسان والعالم المقدس. بعدئذك أخذ الأحبار يصيحون (يهوى هو آخر» آخر» 
آخر». لقد خبر أشعيا ذلك الإحساس بالمقدس الذي كان ينزل على فترات فيملاٌ الناس فتنة 
ورهبة. لد وصف رودولف أوتو في كتابه الكلاسيكي (فكرة المقدس) هذه التجربة الخيفة 
لحقيقة متعالية: إنها مخيفة لأنها تأتي كمس فيه اااي “غراءازك' الاشاء العادية: 
وهى فاتنة لانها تمارس ‏ بشكل متناقض - جاذبية لا تقاوم. هذه التجربة الزاخرة بالقدرة 
ليس فيها شيء عقلاني» ويقارنها أوتو بقدرة الموسيقا أو الجنس. إذ لا يمكن التعبير عن 
الانفعالات التي تستثيرها في كلمات أو مفاهيم تفيها حقها. في الحقيقة لا يمكننا القول إن 
هذا" الإتحمتاس بالآخن المتداتى :موعود القع الأث الا كان له ىم ميخطاطنا العادق 
للواقع”"2. فيهوى الجديد في العصر المحوري كان مايزال إله الجيوشء لكنه لم يعد مجرد إله 
محارب» ولم يكن كذلك مجرد إله قبلي منحاز عاطفيا لصالح اسرائيل: فعظمته لم تعل 
مقتضزة على أرض الميعاد .بل ملأت الأرض. كلها: 

لم يكن أشعيا مثل بوذا يمر بتجربة استنارة تجلب السكينة والسعادة» لأنه لم يكن قد 
أصبح بعد المعلم الكامل للناس. فامتلاً قلبه برعب قاتل فصاح بصوت عالٍ. 

قلق ويل ل إنى ملكت لأ إسان ين الشتفين» وآنا سباك ربق 
شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود0©. 

وهكذا كان مأخوذاً بقدسية يهوى المتعالية لذلك لم يكن مدركاً لشيء سوى عدم 
ل سو ا 1 أو 'يوغي اا ب 
اال و ل ا 1 
كثيرون إما بعدم الرغبة بالكلام تمجيداً له أو أنهم كانوا غير قادرين على فعل ذلك. 


6 


فموسى نسخة طبق الأصل عن جميع الأنبياء كان غير قادر على الكلام عندما ناداه الله 
من العليقة آمرأ إياه أن يكون رسوله إلى فرعون وأطفال اسرائيل؟». قدم الله تسهيلات لحل 
هذا المأزق فسمح لأخيه هارون أن يتكلم نيابة عن موسى. يتجسد هذا الدافع المنتظم في 
قصص نداءات النبوة صعوبة في نطق كلمة الله. فالأنبياء لم يكونوا متلهفين لإعلان 
الرسالة الإلهية» وأبدوا تردداً في حمل عبء مهمة تنطوي على الكثير من التعب والألم. 
وهكذا فقد تحول إله إسرائيل إلى رمز له قدرة على التعالي» وهذا التحول لن يكون عملية 
هادئة ساكنة بل مليئة بالألم والصراع. 


لم يصف الهندوس براهمن كملك عظيم أبدا لأن وصف إلههمٍ بكلساة بشرية 
كيل انيتال ينبغي أن الوح دريل شور كمه أشعيا حرفيا: لأما سانا 
لوصف ما لا يوصفء وهكذا نجد أشعيا يرتد إلى تراثات شعبه الأسطورية كي يقدم إلى 
سامعيه فكرة عما حدث له. فغالباً ما تصف المزامير يهوى متوجاً كملك على عرشه فى 
هيكله مثل بعل ومردوخ وداغون هوعة22052 تماماً. فآلهة جيرانهم كانت تنصب و 
في هياكل ممائلة. فتحت امجاز الأسطوري هناك تصور متميز تماماً للحقيقة النهائية التى 
بدأت تظهر الى إعرافل» فالحرية مم هذا لاله حي لقاء م شخض. وستطيم بهزت أن 
يكلم أشعيا وأن يجيبه على الرغم من هذه الآخرية المرعبة. لن يكون هذا أمراً مقنعاً لحكماء 
الأبانيشاةز لأن فكرة محاورة أو لقاء بين بزاهمن ‏ أتقان تعلى تمولاً إن شكل بغري وهذا 
أمر غير لائق أبداً. 1 

سأل يهوى: «من سأرسل؟ من سيكون رسولنا؟» فأجاب أشعيا كما أجاب موسى 
قبله: «ها أنا ذا هناء أرسلنى». الغاية من هذه الرؤيا ليست تنوير النبى بل تكليفه بمهمة 
عيانة كن متجر اك لبي أمابنا شكس ع خصيرة لنت لكن غرية السام هله الا 
ينجم عنها نقل للمعرفة - كما هي الحال في البوذية بل تنتهي في العمل. ولن تكون 
الاستنارة الصوفية هي السمة المميزة للنبي بل طاعته؛ وهذه ليست مهمة سهلة جدا. 
وأخيراً يوحي يهوى لأشعيا ‏ بأسلوب متعالٍ ينطوي على التناقض - أن الناس لن يتقبلوا 
الرسالةة عليه الأ"ييسس :عنما يفضيو كلماف الله وقعال: اذهب .قل لهذا الشعب 
اسمعوا سمعاً ولا تفهمواء وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا»2'0. وبعد سبع مئة سنة تالية استشهد 
يسوع بهذه الكلمات عندما رفض الناس سماع رسالته القاسية)0©. فبنوا البشر لا 
يستطيعون احتمال حقائق كثيرة. كان الإسرائيليون في عصر أشعيا على شفير الحرب 
والانقراض» ولم يرسل يهوى رسالة سارة لهم: كانت مدنهم ستدمرء وسيحل الخراب 
بالريف» وتشغر المنازل من سكانهاء وأن أشعيا سيعيش حتى يرى دمار المملكة الشمالية في 


عام 5 ق.م وترحيل القبائل العشرة. لقد غزا سنحاريب يهودا في عام ٠١١‏ بجيش 
آشوري عرمرم» فضرب الحصار على /17/ ست وأربعين مدينة وقلعة فيهاء وخوزق القادة 
المدافعين عنهاء وأجلى نحو /١٠٠١/‏ نسمة من السكان. وسجن الملك اليهودي في 
أورشايع «كما يسجن طائر في قفص)0, وهكذا كان غلن أشغيا القيام جهنة لا يشكر 
عايهاء وأن يحذر شعبه من الكوارث التي تهددهم: 

سيحدث فراغ كبير في البلاد 

فييقى عشر السكان فقط 

وستتم تعريتها كشجرة البطم 

التي لا يبقى منها سوى جذعها بعد قطعها("". 

فالتنيؤ بهذه الكوارث كان أمرا صعباً حتى على مراقب سياسي ماهرء فأي فتور 

متأصل ستقابل به رسالة أشعيا التي كانت تقدم تحليلاً للوضع. لقد رمى إله موسى امحارب 
القديم بآشور كي تلعب دور العدو, أي أن إله أشعيا رأى في آشور أداة له. فصرغون الثاني 
وسنحاريب هما اللذان قادا الإسرائيليين إلى المنفى وتدمير البلاد. «فيهوى هو الذي يطرد 


السكان من ديارهم)”” 3 


كان هذا الموضوع موضوعاً دائماً في رسالة أنبياء العصر المحوري. لقد ميز إله 
إسرائيل نفسه عن الالهة الوثنية بالإفصاح عن نفسه في أحداث راهنة ملموسة. وفي 
المثيولوجيا وطقس القربان. لقد أصر الأنبياء الجدد على أن كارئة سياسة ونصراً لاحقا قد 
كشفا الله الذي أصبح حاكماً وسيداً للتاريخ: كانت جميع الأنم في جيبه. فالآشوريون 
اورم رت ركلفونه الآنة علوظ اكون" لم دز كرا نيع بره أدزات فى يد 
كائن أعظم منهه”'؟. لقد تنبا يهوى بالدمار النهائي للآشوريين إلا أنه أفسح لمجال لأمل 
بعيد في المستقبل. لكن مامن إسرائيلي كان يود سماع أن شعبه قد جلب الدمار السياسي 
على رأسه بسبب سياساته القصيرة النظر وسلوك الناس الاستغلالي. ولن يشعر اسرائيلي 
بالسعادة لدى سماعه أن يهوى كان العمل المدبر للحملات الآشورية المظفرة فى عام 
7١١9 5‏ . وقد لعب يهوى الدور ذاته عندما ترأس جيوش يشوع وجدعون والملك 
داؤود. م وو ا ا ا 
كانت تبقط: النامن ف رهق 0 كان 596 مثل أشعيا يحاولون جعل مواطنيهم 


كه 


ناخد إله عرسي مزهرا بالنطر "كان إله لش عونا حو والفرية : كما مان 
تبذا 'منذية دوق أي ملق لعب العهة» التو والجمار يعرفان صا خبييناء لك واسرائيل لأ 
تعرفه شيعا تشعبي_ لا يقهم شيعا 0 © لقد ترز يهوي: من :القرابين الليوانية فى الهيكل) 
وكان يشعر بالغئيان من دهن العجول» ومن دم الثيران والماعز» ومن رائحة الدم التي كانت 
تتصاعد من امحارق» لم يكن باستطاعته احتمال احتفالاتهم؛ احتفالات السنة الجديدة 
وطقوس الحج(27. فمن يسمع كلام أشعيا كان يتعرض إلى صدمة. ففي الشرق الأوسط 
كانت هذه الاحتفالات من صلب الدين: فالآلهة الوثنية كانت تعتمد على الطقوس كى 
تحدد طاقاتها المستنزفة» وكان امتيازها يتوقف جزئياً على فخامة معابدهاء بينما كان ا 
يفول الآنر د أن هله لأسي لمن لها البكة: لفق شه أحسا مول لتر تتكماء وفاديلة 
آخرون من العالم المتحضر أن الطقوس الخارجية لم تكن كافية: ينبغي على الإسرائيليين أن 
يكتشفوا المعنى الداخحلي لدينهم. فيهوى كان يريد الرحمة أكثر نما كان يرغب في 
القرابين: 
وإن كثّرتم الصلاة لا أسمغ. أيديكم ملآنة دما. اغتسلواء تتَقّواء اغزلوا شر 
أفعالكم من أمام عيني» كفوا عن فعل الشرء تعلموا فعل الخير. اطلبوا 
الحق» أنصفوا المظلوم» اقضوا لليتيم» حاموا عن الأرملة9"©. 
لقد اكتشف الأنبياء بأنفسهم واجب الرحمة المهيمن الذي سيصبح السمة التي تسم 
جميع الأديان المتشكلة في العصر ا محوري. لقد نادت الأيديولوجيات الجديدة التي كانت 
تتطور في العالم المتحضر خلال هذه الفترة أن محك المصداقية هو تكامل التجربة الدينية 
بنجاح عبر الحياة اليومية. فربط تطبيق الشعائر بالهيكل وعالم الأسطورة البعيد جداً عن 
الراهن لم يعد كافيا. فبعد الإستنارة يجب على الرجال والنساء العودة إلى السوق وتطبيق 
الرحمة على جميع الكائنات الحية. 
هذا المثل الاجتماعي الأعلى الذي أدركه الأنبياء كان ضمنياً في عبادة يهوى منذ 
يان نه عدرت انق حرو على أن الله كان في صف الضعفاء والمضطهّدين. ثم وقع 
العقاب على الإسرائيليين لأنهم كانوا مضطهدين. في الفترة التي كان فيها أشعيا يبشر 
برسالته كان هناك نبيان آخران يبشران قبله برسالة ممائلة في المملكة الشمالية التي كانت 
تعمها الفوضى. الأول هو عاموس الذي لم يكن ارستقراطياً مثل أشعيا بل مجرد راع بسيط 
عاش في البداية في تيكوا 7610 في المملكة الجنوبية. في حوالي عام 5١‏ ق.م تلقى 


لاه 


عاموس أمراً مفاجتاً نقله إلى ملكة إسرائيل في الشمال. وهناك انفجر ثائراً: في المعبد القديم 
بيت إيل» وفرق الاحتفال هناك بنبوءة قدر مشؤوم. وحاول أمازيا 218ص كاهن بيت 
إيل إبعاده. ونستطيع سماع صوته الجهوري الممثل للمؤسسة في سخريته اللاذعة من 
الراعي الأخرق. كان طيغيا أن سخيل أن عاموسن كان ينتمي إلى صنف من العرافين الذين 
كانوا يتجولون جماعات يخبرون الناس بأقدارهم. فال له محتمرا «امض عدا أيها 
العبداف» ارجع إلى أرض يهودا واكسب عيشك هناك: : مارس تنبؤاتك هناك. فنحن لا نريد 
لمزيد من التنبؤ في بيت إيل. هذا هو الحرم الملكي, المعبد القومي». وقف عاموس دون 
ارتباك منتصب القامة وأجابه أنه لم يكن متدئاً عرافاً بل مبعوثاً مباشراً من يهوى: «لم أك 
ا ولا أنتمي إلى أي من أخوة الأنبياء» كنت راعياً أجني الجميز: فيهوى هو من أخذني 
من رعي الماشية» ويهوى هو من قال: امض وانقل رسالتي إلى شعبي)””'2. لم يكن بود 
سكان بيت إيل الاستماع إلى رسا ميو عي كان لني و عو ل مشصب 
نساؤهم في المدينة ويذبح أطفالهم» وسوف يموتون في المنفى بعيدا عن أرض إسرائيل. 
كانت العزلة تعتبر جوهر حياة النبي» كان يسير في دربه الخاص به مثله في ذلك 

مثل عاموس - متخلياً عن إيقاعات وواجبات ماضيه. فكان هذا شيئاً لم يختره هو بعد 
شيء حدث له. بدا وكأنه قد قُذِف خارج نطاق نماذج الوعي السويء ولم يكن باستطاعته 
تشغيل الضوابط المعتادة. كان مجبراً على التنبؤ سواء أراد أم لم يرد ذلك» لقد صاغ 
عاموس هذا الأمر كما يلي: 

والأمة قد وبي فين : لا ايطافي 

السيد الرب قلة تكلم فتن له عب 2 


لم يكن عاموس مستغرقاً في إلغاء ذاتي إستناراتي كما كان بوذاء لكن يهوى قد 
احتل مكانة أناه وخطفه إلى داخل عالم آخر. كان عاموس أول نبي يؤكد على أهمية 
العدالة الاجتماعية والرحمة؛ وكان مدركاً ألم البشرية المعذبة بكل دقة كنما كان يوذا: في 
نبوءات عاموس نحد يهوى يتكلم نيابة عن المضطهدين؛ معطياً صوته لمن لاصوت لهم 
وعن عم معاناة الفقراء. في السطر الأول من نبوءاته - كما وصلتنا - نرى يهوى يزأر رعباً 
من هيكله في أورشليم 15 أن رأى البؤس في كل بلدان الشرق الأدنى» ومن بينها يهودا 
وإسرائيل. فشعب إسرائيل سيء مثل سوء الغوييم دىةؤزمع (أي غير اليهود) لتجاهلهم 
الوحشية والاضطهاد الذي كان يلاقيه الفقراء» فيهوى لا يمكنه أن يتجاهل ذلك. لقد رأى 


مه 


كل مثال للخداع, والاستغلال» وغياب الرحمة التي تقطع الأنفاس: فيقسم يهوى بعزة 
يعقوب: 
«إني لن أنسى إلى الأبد جميع أعمالهم 7" . 
فهل كانوا حقا متهورين فينتظرون قدوم يوم الرب ليعز فيه يهوى إسرائيل ويذل 
الغوييم؟ كانوا يرون أن صدمة ما قادمة لا محالة: «ويل للذين يشتهون يوم الرب. لماذا لكم 
يوم الرب هو ظلام لانور»"'؟. فهل كانوا يعتقدون حقاً أنهم شعب الله الختار؟ لقد أساؤوا 
فهم طبيعة العهد كلياء التي كانت تعني المسؤولية لا الامتيازات. فصاح عاموس: 
مسرا عدا ارح" لدي تكلم يكوه كم جا يني اسرائيل على كل 
القبيلة التي أصعدتها من أرض مصر قائلاً إياكم فقط عرفت من جميع 
قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنويكه”2©. 
فالعهد كان يعني أن جميع شعب إسرائيل هو الذي وقع عليه اختيار الله. ولذلك 
كان يجب معاملتهم باحترام فالله لم يتدخل في التاريخ فقط كي يمجد اسرائيل بل كي 
يؤمن العدالة الاجتماعية. فهذا كان رهانه في التاريخ» وإذا دعت الضرورة فإنه يستخدم 
الجيش الاشوري لفرض العدل في بلاده. 


ليس مستغرباً أن يرفض معظم الإسرائيليين دعوة النبي إلى الدخول في حوار مع 
يهوى. لقد فضلوا ديناً يفرض القليل من الالتزام بالعقيدة سواء في هيكل أورشليم أم في 
عبادة الخصوبة القديمة عند الكنعانيين. لقد استمرت الحالة كذلك: فدين الرحمة تتبعه أقلية 
بينما يرضى معظم المتدينين بعبادة شكلية في الكنيس اليهوديء أو الكنيسة أو المسجد. 
كانت الأديان الكنعانية القديمة ماتزال مزدهرة في إسرائيل. ففي القرن العاشر ق.م أقام 
ملك جيروبوم الأول نصباً لثورين معتقديين في دان وبيت إيل. وبعد مضي مئني سنة كان 
لإسرائيايون مايزالون يشاركون في طقوس قمر والجنس المقدس هناكء وهذا ما نراه 
في نبوءات النبي يشوع الذي كان معاصراً لعاموس”' "". كما يبدو اعتقد بعض 
لإسرائيليين أن يهوى له زوجة مثله في ذلك مثل الالهة الأخرى. فقد اكتشف علماء 
لآثار نقوشاً مكرسة إلى (يهوى وزوجته عشيرة»). لقد كات يوشع منزعجاً من نقض 
إسرائيل للعهد وعبادة آلهة أخرى مثل بعل. لقد كان مهتما بالمعنى الداخلي للدين كسائر 
الأنبياء الجدد. فعندما يقول على لسان يهوى: «إنى أريد رحمة لا ذبيحة» ومعرفة الله أكثر 
من محرقات)7! "2) فإنه لم يكن يعني معرفة و فالكلمة غ02 مشتقة من الفعل 
العبيري 1202 أي يعرف» ويحمل في طياته مضامين جنسية» وهكذا يقول [ إن «آدم 





9ه 


عرف» زوجته حواء("©. ففي الديانة الكنعانية القديمة تزوج بعل الارض» وكان الناس 
يحتفلون بزواجهما بطقوس القصف والعربده. لكننا بحد أن يشوع قد أصر على أن يهوى 
قد احتل مكانة بعل منذ العهد» وتزوج شعب إسرائيل؛ ومن ثم كان لزاما عليهم أن يفهموا 
أن يهوى سيجلب لهم الخصوبة وليس بعل" "©. ولذلك نراه يندب إسرائيل كعاسشق صب 
مصمم على إغراء الأرض بالعودة من بعل الذي أغواها: 
«ويكون ذلك في اليوم يقول الرب إنك تدعينني رجلي ولاتدعينني بعد 
بعلي. وأنزع أسماء البعليم من فمها فلا تذكر أيضاً بأسمائها".) 
فيما هاجم عاموس الشر الاجتماعي ركز يشوع على غياب المعنى الداخلي في 
الدين الإسرائينية 00 الله او التي تعني توافقاً ان 0-6 
يعطينا بشو رؤية باماة 0 لأسلوية التي كان يطور فيه الأنبباء 0 عن 
عاهرة: 
قال الرب ليشوع اذهب خذ لنفسك امرأة زنىء وأولاد زنى لأن الأرض 
قد زنت تاركة ارب" 
على أية حالة لم يأمر الله يشوع أن يجوب الشوارع بحثا عن بغي 
فكلمة 0 651615 تعني حرفياً (زوجة عهر) إلا أن معناها أمرأة سيئة الطبع أو بغي 
في دين الخصوبة. 2 بطقوس الخصوبة يفيد أن من المحتمل أن زوجته جومر 
:مره قد غدت واحدة من الكادر المقدس في عبادة بعل. وهكذا كان زواجه رمزا 
لعلاقة يهوى باسرائيل الجاحدة. نيت جومر له ثلاثة أطفال سماهم أسماء رمزية مشؤٌومة. 
فابته البكر يدعى جزريل 062:66 باسم مكان معركة شهيرة» وابنتهما 
رهامة 1 (أي المككروهة) وابنهما الاصغر لو أمى طلم 0[ (أي ليس 
شعبي). فعند ميلاده ألغى يهوى العهد مع إسرائيل «لستم شعبيء وأنا لست إلهكم)” ©. 
فكما سنرى كان الأنبياء يتلقون إيحاء أن يقوموا بإيماءات تفصيلية كي يوضحوا محنة 
شُعبهم. لكن ييدو أن زواج يشوع لم يكن مخططاً له بأعضباتتك باردة منذ البداية. فالنص 
يوضح أن جومر لم تصبح بغياً مقدسة إلا بعل ولادة أبنائها الغثلاث» مدان الله قد أوحى 
له بزواجه. ففقدان زوجته كان تجربة محطمة له» وألهمه بالشعور الذي كان يحسه يهوى 


5 ٠ 


عندما تخلى شعبه عنه فمضوا يعهرون وراء آلهة بعل. ففي البداية كان يشوع ميالاً إلى 
هجر جومر وإنهاء علاقته بها: لكن الشريعة كانت تلزم الرجل أن يطلق زوجته الخائنة. 
لكن حبه جومر استمر فذهب إليها في النهاية وعاد بها إلى بيته من بيت سيدها الجديد. 
لقد رأى أن رغبته في إعادة جومر دلالة على رغبة يهوى بإعطاء إسرائيل فرصة أخرى. 


غيديا كان الأنبياء ينسبون مشاعرهم الإنسانية وتجاربهم إلى يهوى فإنهم بمعنى ما 
كانوا يخلقون إلهاً على صورتهم هم. فأشعيا الذي هو فرد من الأسرة الملكية قد رأى الله 
ملكا بينما نسب عاموس تعاطفه مع الفقراء المعذبين إلى يهوى» ورأى يشوع يهوى زوجاً 
000 ل ل 
وسع إله بعيد جداً عن ال لبشر - مثل فكرة أرسطو ١‏ «انحرك الذي لا يحرك) أن يلهم بتوجه 
روحاني. فهذا الإسقاط لا يصبح غاية بحد ذاته إل أنه قد يكون نفد ونانعا. يحي القول 
أن هذا التصور التخيلي لله في كلمات بشرية ة قد أوحى باهتمام اجتماعي غير موجود في 
الوندوسية: نقد اكد عت الأديان الإلهية الثلاثة فى المساواة والأخلاق الاجتماعية التى 
كانت عند عاموس وأشعيا. وهكذا كان اليهود رك شعب في العالم القديم يؤسس نظام 
الصالح العام الذي كان مدعاة إعجاب جيرانهم الوثنيين. 
كان يشوع مسكوناً برعب من الوثنية شأنه في ذلك شأن سائر الأنبياء» لقد تنبأ 
بالانتقام الإلهي الذي تخلبه القبائل الشمالية على أنفسها لعبادتها آلهةٌ صنعتها بأيديها: 
«والآن يزدادون خطية؛ ويصنعون لأنفسهم قائيل مسبوكة من فضتهم 
أصناماً بحذاقتهم كلها عمل الصناع. عنها هم يقولون ذابحو الناس 
يقبلون العجول7"©). 
بالطبع كان هذا الوصف غير منصف ودوني للدين الكنعاني. لم يكن الكنعانيون 
والنابليؤن يؤمتوك أيدا أن العمائيل الي كانوا يصنعونها للالهة كانت مقدسة, وكذلك لم 
يكونوا و ا كي يعبدوا تمغالاً. لقد كان التمثال أحد رموز الإله. فكما كانت 
أساطيرهم حول أحداث بدئية لا يمكن تخيلها كذلك صمم التمثال كي يوجه اهتمام 
العابد خارج ذاته. وهكذا فتمثال مردوخ في معبد ه1نهو إيساجيلاء والحجارة المنصوبة 
لعشيرة في كنعان لم يكن الناس يعتقدون أنها ممائلة للآلهة بل كانت بؤرة تركيز تساعد 
الناس على التركيز في عنصر التسامي في اخراة الاسسانة كيه الأساة من اليه 
جيرانهم بشكل ينم عن حقد أمر معروف. فهذه الآلهة الحلية الصنع كانت - في نظرهم - 
لاشيء أكثر من ذهب وفضة طرقها الحرفي طوال عدة ساعات» فعيونها لا ترى» وآذانها لا 


5١ 


تسمع» ولا تستطيع السير؛ وكان يحملها عابدوها في عربات. إنها كائنات وحشية وغبية 
دان عرتنة الإنسان فهي ليست أكثر من فزاعات في أرض مزروعة بالبطيخ. فإذا ماقورنت 
آلهة إسرائيل بيهوى فإنها ستبدو لا شيءء والغوييم الذين يعبدونها حمقى ومحط كراهية 
000 1 


لقد أصبحنا مدركين ‏ في أيامنا هذه لانعدام التسامح الذي كان لسوء الحظ ‏ 
سمة مميزة للوحدانية» حتى أننا لا نستحسن هذه العداوة تجاه آلهة أخرىء إنما كان هذا 
موقفاً دينياً جديداً. فبالأساس كانت الوثنية ديئاً متسامحاً شريطة ألا تهدد العبادات القديمة 
بوصول إله جديد, ومن ثتم كان هناك متسع دائم لإله آخر يضاف إلى الالهة التراثية في 

مجمع الآلهة. لقد كانت الأيديولوجيات الجديدة في العصر ا حوري تحل محل التبجيل 
ل افقد لقي الناس كل تشجيع 5 
البوذية والهندوسية - على الذهاب إلى ماوراء الآلهة بدلا من النظر باشمئزاز إليها. مع ذلك 
لم يكن أنبياء اسرائيل قادرين على تبنى هذه النظرة الأكثر هدوءاً حيال الالهة التى اعتبروها 
منافسة ليهوى. فذنب الوثنية الجديدة وعبادة ألهة زائفة في النصوص الود المقدسة 
توحي بما يشبه بالغثيان. إنه رد فعل ممائل لإشمئزاز بعض الآباء الكنسيين من الدافع 
الجنسي. فكونه كذلك فإنه ليس عقلانياًء ولأنه رد فعل فإنه يعبر عن قلق وكبت عميقين. 
فهل كان يخفي الأنبياء قلقاً دفيناً حول سلوكهم الديني الخاص بهم؟ ترى ألم يدركو 
بيسر أن تصورهم ليهوى كان ممائلاً لوثنية الوثنيين طالما أن كليهما كانا يخلقان إلههم على 
صورتهم هم؟ 

تسلط المقارنة مع الموقف المسيحي حيال النزوع الجنسي ضوءاً أكبر وبطريقة 
مختلفة. ففي هذه الفترة كان معظم الإسرائيليين يؤمنون ضمنياً بوجود الآلهة الوثنية. 
صحيح أن يهوى كان يستولي تدريهيا علي بعض وظائف الإلوهيم الكنعاني في حلقات 
محددة: كان يشوع مثلاً يحاول الدفاع عن يهوى. إنه كإله خصوبة كان أفضل من بعل. 
لكن + كي يضح - الإله المذكر يهوى كان يَجِدّ صعوبة في الاستيلاء على وظيفة إلهة مثل 
عشيرة, أو عشتان أو عناة اللواتى كان لهن أتباع كثر بين الإسرائيليين» خاصة بين النساء. 
تفى الرعه من أن الموحدين يصبروق اقلق أنتريهم لاحي له انه حيقى ذاكرا أساناً غلم 
أن البعض قد حاول إصلاح عدم التوازن هذا. ويعود ذلك جزئياً إلى أصوله كاله حرب 
قبلي. فمع ركته مع إلاهات تعكس سمة أقل إيجابية لعصر احور نرى فيها تراجعاً في مركز 
النساء والإناث. ويبدو أن النساء في مجتمعات بدائية يلقين تقديراً أكبر مما يلقاه الرجال. 


15 


فالمكانة المرموقة التي احتلتها إلاهات كبيرات في دين قديم تعكس تبجيل الأنثى. فنشوء 
المدن كان يعني تمجيد الصفات الذكرية والقوة الجسدية أكثر ما كان يعني تمجيد الصفات 
لأنثوية. ومن هنا جاء تهميش النساء ليصبحن مواطنات من الدرجة الثانية في حضارات 
لعالم المتمدن. كان مركز النساء سيا في اليونان ديد وهذه حقيقة ينبغي أن يتذ كرها 
0 عندما ينتقدون المواقف البطريركية في الشرق. لم يمتد المثل الأعلى الديمقراطي 

بعل :إلى اتنا انينا اللواتي عشن في عزلة وكن محتقرات ككائنات أدنى مرتبة» كان 
مجتمع الإسرائيلي قد بدأ يصبح أيضاً أكثر ذكورية في لهجته. في الأيام الأولى كانت 
النساء قويات يرين أنفسهن أندادأ لأزواجهن فديبورا مفلاً قادت الجيوش في إحدى المعارك. 
وتابع الإسرائيليون احتفالهم ببعض النسوة الأبطال مثل جوديت وإيستر. لكن بعد أن هزم 
يهوى الآلهة والإلهات الكنعانية الأخرى في الشرق الأوسط ليصبح الإله الأوحد» أصبح 
الرجال يديرون كل شؤون دينه. لقد توقفت عبادة الإلاهات فشكلت مظهراً لتحول ثقافي 
كان سمة مميزة للعالم المتمدن حديثا. 


انتصار يهوى لم يكن أمراً سهلاً بل صعباً للغاية. لقد تخلله التوتر والعنف والمواجهة 
ما يوحي أن دين «الإله الواحد» الجديد لم يكن يشق طريقه بسهولة إلى الإسرائيليين كما 
شقت البوذية والهندوسية طريقهما إلى سكان شبه القارة الهندية. فكما يبدو لم يكن 
يهوى قادراً على تحاوز الآلهة الأقدم منه بطريقة طبيعية سلمية» لذلك كان عليه ان يخوض 
هذه المعركة. وعكد 2 في المزمور /87/ يرسم خطة كي يحتل القيادة في مجمع الآلهة 
الذي لعب ورا هاما : فى الأسطورة البابلية والكنعانية: 





لا قات افق محفعز اللد فى ربط الالهة يفصي مقو القن رن ورا 
وترفعون وجوه الأشرار. اقضوا للذليل واليتيم. أنصفوا المسكين والبائس. 
نجوا المسكين والفقير. من يد الأشرار أنقذوا. لا يعلمون ولا يفهمون. في 
الظلمة يتمشون. تتزعزع كل أسس الأرض. أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي 
كلكم. لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون” ". 
فعندما يقف يهوى كي يواجه المجلس الذي ترأسه إيل منذ زمن سحيق عندها يتهم 
يهوى الالهة الأخرى يفقلها في معالجة التحدي الاجتماعي في ذلك العصر. إنه يمثل 
الروح الرحيمة للأنبياء» لكن زملاءه الآلهة لم يفعلوا شيئاً كي يرتقوا بالعدالة والمساواة عبر 
السنين. فى الأيام الغابزة كان تعدا لقبولهم كإلوهيم أي أبناء إيل إليون «هنر81 - 151 (الله 
المتعالي)” '© لكن الآن أثبعت الآلهة أنها قد غدت قديمة الطران إنها ستنقرض وتندثر مثل 
البشر الفانين. فالمزامير لا تصور يهوى وهو يدين زملاءه الالهة فقط حاكماً عليها بالمودت 


1 


بل فإنه من خلال عمله هذا قد اغتصب الامتياز الترائي الذي كان ملكا للإله إيل الذي 
كان مايزال يحتفظ بأبطاله في إسرائيل. 


فعلى الرغم من الضغط السيء الذي بمارسه في التوراة إلا أننا لا يجد شيئاً خطأ في 
الوثنية بحد ذاتها: سيغدو أمراً يثير الاعتراض والسذاجة عندما نرى أن صورة الله التي تم 
بناؤها بعناية محببة غدت مربكة بالحقيقة المعصومة التي يشير إليها. فكما سنرى في فترة 
لاحقة من تاريخ الله أن اليهود والمسيحيين والمسلمين قد استندوا على هذه الصورة الأولى 
للحقيقة المطلقة» وتوصلوا إلى مفهوم كان أقرب إلى الرؤى البودية أو الهندوسية بيئما لم 
يتمكن آخرون من القيام بهذه الخطوة عندما افترضوا أن مفهومهم له كان مقايلا “الس 
النهائي. لقد أصبحت انخاطر الناجمة عن التدين الوثني واضحة في حوالي عام / 
ق.م/ أي خلال حكم الملك يشوع ليهودا 105:35 . لقد كان متلهفاً إلى عكس 
السياسات التوفيقية التي قام بها سابقوه مثل الملك مِنَسّي 212225562 (40" - 317) 
والملك آمون مه 434 4 اللذان شجعا الناس على عبادة آلهة كنعان إلى جانب 
عبادة يهوى. فالأول قد وضع تمثالاً لعشيرة في الهيكل حيث كانت تزدهر عبادة 
الخصوبة. فبينما كان معظم الإسرائيليين أتباعاً لعشيرة» واعتقد بعضهم أنها زوجة يهوى» 
كان أتباع يهوى الاكثر تشددا يعتبرون مجدفين. يشوع الذي كان مصمما على تطوير 
عبادة يهوى قرر أن يقوم بأعمال الترميم في الهيكل. وبينما كان العمال يقلبون كل شيء 
في الهيكل قبل إن كبير الأحبار حلقيا 1111/19 اكتشف مخطوطاً قدياً اعتبر أنه عرض 
موعظة موسى الأخيرة إلى أبناء إسرائيل. أعطاها الحبر إلى أمين سر الملكء شابان 582620 
فقرأها هذا بدوره بصوت عالٍ فى حضرة الملك» فمزق الملك ثيابه رعباً: لاعجب أن يكون 
موق عاقيا دن أحنافة قد هارا تامأ في الامتثال لتعليماته الدقيقة التي أعطاها إلى 

ديف 

من المؤكد تقريباً أن «كتاب الشريعة 8ه.آ وط) ,ه عأوه8» الذي اكتشفه حلقيار 
شكل نواة النص الذي نعرفه باسم سفر تثنية الاشتراع. هناك نظريات كثيرة حول اكتشافه 
الذي تم توقيته فقد اقترح البعض أن حلقيا و شابان قد كتباه خفية بمساعدة النبية 
هولدة 1101021 التي استشارها يشوع فورأء ولن يكون بوسعنا أن نعرف ذلك بشكل أكيد 
فالكتاب يعكس تصاباً جديدا تماماً في إسرائيل» يعكس منظوراً من القرن السابع ق.م. فقد 
بين موسى في خطبته الأخيرة أنه يعطي العهد مركزية جديدة» وفكرة الاختيار الخاص 
لاسرائيل» فقد اختار يهوى شعبه من بين شعوب الأرض لا لميزة فيهم بل بسبب حبه 


55 


الكبير لهم. وبالمقابل طالبهم بالولاء التام له» ورفض عنيد لجميع الآلهة الأخرى. فنواة سفر 
تثنية الاشتراع تتضمن الإعلان الذي سيصبح لاحقاً القسم اليهودي على الإيمان: 

اسمع يا اسرائيل؛ الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك 

ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك 

بها اليوم على قلبك” ©. 

لقد عزل اختيار الله اسرائيل عن الغوييم ولذلك يجعل المؤلف موسى يقول ‏ عند 

وصولهم أرض ايعاد أنهم ينبغي ألا يقيموا أية صلات مهما كان نوعها مع السكان 
الأصليين دلا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم)”” ©. ويجب ألا يحدث زواج متبادل ولا 
اختلاط اجتماعي معهم. وقبل كل شيء يجب أن يمحوا الدين الكنعاني: «ولكن هكذا 
تفعلون بهم تهدمون مذابحهمء وتكسرون أنصابهم» وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم 
بالناره ثم يأمر موسى الإسرائيليين «لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اخختار 
الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض)9©. 


عندما يتلو اليهود هذا القسم اليوم فإنهم يعطونه تفسيراً توحيدياً: يهوى إلهنا واحد 
أحد. بيد أن معتنق سفر الاشتراع لم يكن قد وصل بعد إلى هذا المنظور. فكلمة يهرى 
إهاد 8020 لم تكن تعني الله أحد بل كانت تعني أن يهوى كان الإله الوحيد التي يُسْمَح 
لهم 'بسادقه. لقد كانتت الالهة الأخرى مائزال سكل تهديداً: كانت غباذانها بجذاية تغري 
الإسرائيليين بالابتعاد عن يهوى الذي كان إلهاً غيوراً. فإذا ما أطاعوا شريعة يهوى فإنه 
سيباركهم وسيجلب لهم الرخاءء لكن إذا هجروه فإن النتائج ستكون مدمرة: 
ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها وتعبد 
هناك آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من خشب وحجر... وتكون 
حياتك معلقة قدامك وترتعب ليلا ونهارا ولا تامن على حياتك. في 
الصباح تقول يا ليته المساء وفي المساء تقول يا ليته الصباح من ارتعاب 
قلبك الذي ترتعب ومن منظر عينيك الذي تنظر”” ". 
عندما سمع الملك يشوع ورعاياه هذه الكلمات في نهاية القرن السابع كانوا على 
وشك مواجهة تهديد سياسى جديد. لقد استطاعوا إبقاء الاشوريين على بعد مسافة عنهم 
وبذلك تجنبوا المصير الذي لاقته القبائل الشمالية العشر التي تعرضت للعقوبات التي وصفها 
موسى. وفي عام 5٠7ق.م‏ تمكن الملك البابلي نبوخذ نصر من سحق الآشوريين» وبدأ 
بيناء امبراطوريته. 





8م سم ااي ا 
يشوع إلى البدء بحملة إصلاح فورية. 


كان يتصرف بحماسة نموذجية, ف ”0 وأصنام رموز الخصوبة 
إلى خارج الهيكل وحرقه. حطم يشوع تمثال عشيرة الكبير» ودمر الغرف التخصصة لبغايا 
الهيكل اللواتي كن يحكن الملابس لعشيرة هناك. 2-20 المعابد القديمة التي كانت 
موثلا للوثنية في البلاد. وين للك الاير فصاعداً ل د 
القرابين إلى يهوى في هيكل أورشليم و ويقدم المؤرخ الذي دوّن إصلاحات يشوع 
بعد مطمي ١/‏ ار هئيه وها يلها لوده اله ى التي كانت تشمل الإنكار والقمع: 


وهدموا أمامه ملاب بح البعليم وماثيل الشمس التي عليها من فوق قطعهاء 
وكسر السواري والتماثيل والمسبوكات؛ ودقها ورشها على قبور الذين 
ذبحوا لها وأحرق عظام الكهنة على مذابحهم» وطهر يهودذا وأورشايم, 
وفي مدن منسى وأفرايم تسود حي وهال م خرايها جلها عدم 
المذابح والسواري ودق التماثيل تأعماء وقطلم جميع تمائيل الشمس في 
كل ارض إسرائيل ثم رجع إلى سن 
فنحن هنا بعيدون جدا عن القبول البوذي الرصين بالآلهة التي اعْتُقَدَ أنه شيدها. ينبع 
أعاد المصلحون كتابة التاريخ الإسرائيلي من جديدء فقد جرى تنقيح للكتب 
التاريخية التالية: يشوعء والقضاة» وصموئيلء والملوك بما يتناسب مع الإيديولوجيا الجديدة. 
بض 0 لاحقة أضاف اكبيرة 00 8 الخمسة لوانت أعطت سفر َشنِية 
يهوى 0 لخرب إبادة مقدسة فى 0 00 فقد أ يهرى الأ انين بعدم 
السماح للكنعانيين الأصليين أن يعيشوا في بلادهه”" 2. لقد دشن يشوع هذه السياسة 
بشمولية لا قدسية لها: 
يعدئذ جاء يشوع في ذلك الوقت وقرّض العناقيّين من الجبل من حبرون 
ومن دبير ومن عناب ومن جميع جبل يهودا ومن كل جبل اسرائيل. 


حرّمهم يشوع مع مدنهم فلم يتب عناقيون في أرض بني اسرائيل لكن بقوا 
في غرَّة وجحتث نّ وأشدودة20”, 


55 


إننا لا نعلم شيئاً عن هرة الكتعانيه وح ادو والعدج لل كرت درا 
كثيرة دون شلك» وقد أنغطي سفك الدم ا دينياً. إن مخاطر أيديو لوجيات ا 
التي لا يقبلها منظور التسامي ٍ عند اشعاء دراه بكل وضوح في الحروب المقدسة التي 
شوهت تاريخ الوحدانية. 00 من جعل الله 1 يتحدىن أهواءناء ويجبرنا على تأ 
عيوبدا نجده قد استخدم للمصادقة على حقدنا الأنانى ولجعل هذا الحقد مطلقاً. فهذه 
النظرة تجعل الله يتصرف كما نتصرف نحن» وكأنه مجرد كائن بشري أخر. من المحتمل 
أنا إلها كهذا أكثر جاذبية وشعبية من إله عاموس وأكسياء الذي يأمر ينقف ألذات دنا 
رحمة. 

لقد وجه نقد شديد إن اليهود لاعتقادهم أنهم الشعب اللختار. لكن منتقديهم 
مذنبون بالإنكار نفسه والذي كان وقود النقد الساخر الموجه ضد الوثنية فى العصور 
التوراتية. لقد طورت الأديان التوحيدية الثلاثة فكراً دينياً حول الاختيار في فترات مختلفة 
00 ب ل 0 لقد كان 
حرويهم المقدسة ضد امه ال ا لحادي 0 واثاني اء عشر اليلادي 
اليهود قد ضلوا السبيل. كما كانت الثيولوجيا الكلفانية التى تقول بالاختيار أداة شجعت 
الأمريكيين على الاعتقاد أنهم أمة الله. ومن المحتمل أن يزدهر هذا الاعتقاد في وقت يغيب 
الحالة في مملكة يشوع في يهودا. وللسبب ذاته فقد اكتسب هذا الهاجس فرصة عيش 
جديدة فى أشكال مختلفة فى نزعات أصولية منتشرة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين 
أثناء كتابة هذا الكتاب. بالإمكان التلاعب بإله شخصي مثل يهوى من أجل تأمين سلامة 
الذات المحاصرة بهذه الطريقة» بينما إله شخصي مثل براهمن منيع من ذلك. 

يجب أن ننوه إلى أنه لم يكن جميع الإسرائيليين يقرون بالنزعة الموجودة في سفر 
التئبية في السدوات التي دمر فيها نبوخذ نصر أورشليم في عام 7 ق.م. وترحيل اليهود 
إلى بابل. قفي عام 4 ٠‏ عام تنصيب نبوخذ نصر ملكا أحيا النبي أرميا النظرة امخطمة 
للتماثيل التي نادى بها أشعيا الذي قَلَبَ هذا المعتقد المتغطرس لشعب الله اختار على رأس 
هذا الشعب: لقد استخدم الله بابل أداة له كي يعاقب اسرائيل» واسرائيل فقط هي التي 
كان يجب وضعها «تحت العتّاب)7 ) عقاب المنفى لمدة /7١/‏ سنة. فعندما سمع الملك 


031 


يواكيم 19018115 هذه النبوءة خطف اللفافة من يد الناسخ» مزقها قطعا ثم رماها في 
النار. واضطر إرميا الذي خاف على حياته إلى التواري عن الانظار. 

تبين حياة إرميا الألم والتعب الهائلين اللذين تعرض لهما في صياغة هذه الرؤية 
الأكثر تحدياً لله. كان يكره أن يكون نبي وكان يشعر بانزعاج عميق عندما تعين عليه إدانة 
الشعب الذي كان 293 إنه لم يكن جمرة طبيعية بل 0-2 رقيق القلب. فعندما 
جاءه الهاتف صاح محا 

«أه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لان ولد). فكان على يهوى أن ريمد يده) 
فلامس فمه واضعاً كلماته فى فمه. كانت الرسالة التى عليه إبلاغها ملتبسة ومتناقضة: «قد 
وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني 


2 [مدقع4 
وبتعرس»؟) 0 . 


كانت تتطلب شداً مؤاً بين طرفين فالتوصل إلى تسوية بينهما أمر محال. أحس 
إرميا بالله كألم كان يشنج أطرافه «وصرت كإنسان سكران» ومثل رجل غلبته الخمر من 
أجل الرب7”6”؟6. لقد كانت هذه التجربة النبوية المرعبة اغتصاباً وغواية فى الوقت ذاته: 
قد أقنعتني يا رب فاقنعت وألححت علي فغلبتَ. 
ناديت ظلم واغتصاب. فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه. 
فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم 
أستطع””*. 
كان الله يشد إرميا بانحاهين مختلفين: فمن ناحية كان يشعر بانجذاب عميق تجاه 
يهوى الذي حقق كل الاستسلام الجميل للغواية» ومن ناحية أخرى كان يشعر باستلاب 
قدرة جرفته ضد إرادته. 
كان النبي عاموس رجلاً مستقلاً في تلك الفترة. وكان الشرق الأوسط مختلفاً عن 
مناطق العالم المتمدن الأخرى؛ ولم يكن لديه أيديولوجية دينية موحدة عريضة9*؟»: فإله 
الأنبياء كان يجبر الإسرائيليين على أن يخلصوا أنفسهم من الوعي الأسطوري الذي كان 
سائداً في الشرق الأوسطء ومن ثم المضي في اتجاه مختلف تماماً عن التيار الرئيسي. يمكننا 
ان نرى في عذاب إرميا مقدار الانحراف الهائل والاقتلاع الذي كان يتطلبه ذلك التوجه. 
يهوى. فحتى أنصار سفر التثنية الذين كانت صورة الله لديهم أقل تهديداً كانوا يرون أن 


18 


اللقاء بيهوى مواجهة كاشطة: فيهوئ يجعل موسى يشرح للإسرائيليين الذين أرعبتهم 
فكرة احتكاك مفاجىء مع يهوى أنه سيرسل لهم نبي في كل جيل كي يحتمل وطأة التأثير 
الإلهي. 


فحتى هذه الفترة لم يكن في اليهودية شيء يمكن مقارنته مع أتمان صهصى المبدأ 
الإلمي الجوهري فيإعيادة يهوى. فالناس قد فهموا يهوى كحقيقة متعالية خارسية؛ وكان 
بحاجة إلى الأنسنة بطريفة ا "كى القل كرابت كان الظرف السياسي فاسداً: اليو 3 
غزوا يهوداء وحملوا الملك والدفعة الأولى من الإجرايشين إلى المي واحيرا ستوضرية 
أورشليم. وبيئما كانت الظروف تزداد سوءاًء استمر إرميا في عزو الانفعالات البشرية إلى 
وار كماعتراك العادة وهو جحل اللدوندت على كرد رعرة وعجر اذا وبح بهرت 
بالذهول» ومهجور آثم مثل شعبه؛ فهو يبدو مثلهم مرتبكاً قري 0 فالغضب الذي 

يحس إرميا أنه يتعاظم في قلبه ليس غضبه هو بل غضب يهوى( “2 فعدنننا كان الأبياءٍ 
يفكرون بالله فإنهم كانوا يفكرون آلياً بالإنسان» لأن حضور الله في العالم مرتبط ارتباطاً 
وثيقاً بشعبه, فالله - في الحقيقة مكل عي الإساة هيدنا بريد أن نعل في الجالم 
وستصبح هذه الفكرة هامة جداً فى المفهوم اليهودي لله. فهناك دلائل شع إلى أت 
الكائنات البشرية تستطيع أن ت؛ تختضر بقدرات الله في عواطفهم وتجاربهم» أي يهوى هو جزء 
من الشرط البشري. 

كان إرميا يغضب على شعبه طالما أن العدو على الأبواب, علماً أنه كان يتوسل بين 
يدي الله لصالحهم. أصبحت النبوءات من يهوى أكثر عزاء بعد هزيمة أورشليم عام لالمه: 
لقد وعد أن ينقذ شعبه بعد أن لقنهم درساً ويعيدهم إلى بلادهم. لقد سمح البابليون لإرميا 
بالبقاء في يهوداء وأن يعبر عن ثقته بالمستقيل. ولذلك اشترى أرضاً لأن يهوى يقول ذلك 
«قال رب الجنود إله إسرائيل مكو د بير وسورلة وكروماً في فده الأ 
فليس مستغرباً إذا لام بعض الناس يهوى على هذه الكارثة. قابل إرميا ‏ أثناء زيارته مصر - 
مجموعة من اليهود الهاربين إلى الدلتاء ولم يكن لديه وقت مخصص ليهوى. ادعت 
نساؤهم أن كل شيء كان على مايرا م لأنهم يؤدون الشعائر التقليدية تمجيداً لعشتار /ملكة 
السماء/. فأمرهم إرميا بإيقاف هذه الشعائر. وما أن امطلوا: لأمر إرميا حتى حلت بهم 
كارثة» وهزيمة وفقر. ويد أن هذه المأساة عمقت فهم | إرميا لها01), فبعد سقوط أورشليم 
وتدمير الهيكل بدأ يدرك أن زخارف الدين الخارجية إنما كانت وبكل بساطة 00 لحالة 
ذاتية داخلية. ولذلك سيكون العهد مع إسرائيل مختلفاً تماماً في المستقبل: «أجعل شريعتي 
في داخلهم وأكتبها على قلوبهم)(27. 


51 


أما الذين ذهبوا إلى المنفى لم يكونوا مجبرين على استيعاب ذلك مثلما استوعبته 
القبائل الشمالية في عام 517 لقد عاشوا في مجتمعين: أحدهما في بابل نفسها والآخر 
على ضفة ترعة من الفرات تدعى شيبار مهماعط 0 التي كانت غير بعيدة عن نيبور 101م1ل( 
وعد ارون قلطقة أمموها كل أبيضى كاناحر فاك متك دقعة لفون وان : القن روا 
غام /1وه. قبع يقي وحيداً في بيه ووق أن يكلم إنشاناً طوال خمس سنوات,. .بعدائد رأى 
رقف قفرقة لبووى أذت إلى طرعة أرشا: «فكان الوهتت روياف أر أتهاما. وهنو بالقة 
الأهمية لدى المتصوفين اليهود بعد قرون لاحقة» وسنناقش هذا الأمر في الفصل السابع. 
رأى حزقيال سحابة من النور ضربها البرق» ثم هبت ريح قوية من الشمال. ووسط هذا 
الففوض العاصنن - لانه خريض عل 'تأكيد الطبيعة الظرفية للصورة ب«رأى مركية كبيزة 
تجرها أربعة حيوانات قوية. لقد كانت ممائلة لكاريبو 142161 المنقوشة على بوابات القصر 
في بابل. مع ذلك يجعل حزقيال رؤيتها أمرأ مستحيلاً: لكل وحش أربعة رؤوس» رأس 
وجهه وجه إنسان. وآخر وجه ثورء ونسر. ويسير كل دولاب في اتجاه مختلف عن 
المئلات ‏ الكعرى. القه' لخديف العدورة كن تتواكة عن الات "افرط لذن كان 
حزقال لسن كي يعهرة تحني أجيحة ارقايف كان ارت ميرك غال كضيوت ماه 
سريع التدفق»؛ وصوت شداي 57344281 كصوت عاصفة؛ أو كصوت معسكر وعلى 
المركبة شيء يشبه عرشاً يجلس فيه كائن يشبه شكل الإنسان: كان لاعاً كالنحاس والثار 
تنطلق من أطرافه. «كان شيئاً ما يشبه عظمة يهوى)7*». سجد حزقيال» وسمع هاتفاً 
يناديه. 


نادى الصوت حزقيال «بابن الإنسان) كى يؤكد على المسافة القائمة بين البشر 
وبملكة المقدس: بعد ذلك أتبعت الرؤيا يهوئ بخطة عمل غملية. كان على حزقيال أن يلغ 
كلمة الله إلى أبناء إسرائيل المتمردين. فالصفة غير البشرية للرسالة الإلهية يتم نقلها عبر 
صورة عنيفة» تمتك اين انحو النبئ حاملة لقافة مغلفة بؤلولة وندبي. أمر' حرقيال أن يأكل 
اللفافت» أي ان يستوعب كلمة الله ويجعلها جزءاً منه. وبدا طعمها كالعسل على الرغم من 
هذه التجربة الساحرة المرعبة في 0 وفي النهاية يقول حزقيال « فحملني الروح 
واخذني فذهبت مرا في حرارة روحي ويد الرب كانت شديدة علي)”' ©. وصل إلى تل 
أبيب وبقي أسبوعاً كامرىء مخبول. ْ 

فحياة حزقيال الغريبة تؤكد على مقدار غرابة العالم المقدس عن البشرء وحزقيال قد 
أجبر على أن يصبح رمزاً لهذه الغربة. فقد طلب يهوى إليه مراراً أن يقوم بحركات إيهائية 


كانت تضعه في منأى عن البشر الأسوياء. لقد صممت هذه الحركات كي توضح محنة 
إسرائيل في هذه الكارثة» ودلت في مستوى أكثر عمقاً على أن إسرائيل قد غدت دخيلة 
على العالم الوثني. وهكذا فقد مُنع حزقيال من الحداد على زوجته عند وفاتهاء كان عليه 
أن يستلقي طوال /550/ يوماً على جنبه و/.؛/ يوماً على جنبه الآخر. كان عليه أن يحزم 
أمتعته ويطوف حول تل أبيب مثل لاجىء لاتؤيه مدينة» لقد أوقع يهوى به قلقا كبيراً 
لدرجة أنه لم يستطع التوقف عن الارتعاش والتجوال دون أن يستريح. وأجبر على أكل 
الغائط في مناسبة أخرى كرمز للمجاعة التي كان على أفراد شعبه احتمالها أثناء حصار 
أورشليم. وهكذا أصبح حزقيال أيقونة للاستمرارية الجذرية التي تضمنتها عبادة يهوى: 
مامن شيء بالإمكان تبنيه بديهياء وكانت الاستجابات السوية مرفوضة. 


فالرؤيا الوثنية قد احتفت بالاستمرارية التي كان الئاس يحسون يوجودها بين الآلهة 
والعالم الطبيعي. لم نعف وز قيال شيعا ععرياً في الدين القديم الذي كان يسميه «قذارة». 
ففي إحدى رؤاه تم اقتياده في رحلة موجهة إلى الهيكل في أورشايم. وياللرعب فقد رأى 
وتحول الهيكل نفسه إلى مكان يوحي بالكوابيس فجدران غرفه كانت مزينة برسوم 
الأفاعى التى تلتف على بعضهاء وصور حيوانات كريهة» والكهنة يؤدون الشعائر «القذرة» 
في ضوء معتم» وكأنهم كانوا غارقين في ممارسة جنسية في غرفة خلفية. «أرأيت يا ابن آدم 
ما تفعله شيوخ بيت إسرائيل فى الظلام كل واحد فى مخادع تصاويرهع2©0, وفي غرفة 
أخرس حلامت انام يكنات مك :الآله العدك فقون واخروة كانوا يفدون السسن 
وظهورهم باتجاه الحرم. وفي النهاية رأى النبي المركبة الغريبة التي شاهدها في رؤياه الأولى 
وهى تطير بعيداً آخذة معها «عظمة) يهوى. مع ذلك فيهوى ليس إلها بعيدا تماماً. ففي 
الأيام التي سبقت دمار أورشليم يصوره حزقيال غاضباً على شعب إسرائيل» في محاولة 
يائسة للفت انتباههم ولإجبارهم على الاعتراف به. ينبغي أن تلوم إسرائيل نفسها فقط 
على وقوع الكارثة. لقد بدا يهوى غريبا عدة مرات. فقد شجع الإسرائيليين - كما شجع 
حزقيال ‏ على رؤية أن ضربات التاريخ لم تكن اعتباطية عشوائية بل فيها عدالة ومنطق 
أكثر عمقاً. كان يحاول العثور على معنى في عالم السياسة الدولية الذي لا يرحم. 

شعر بعض المنفيين في أثناء جلوسهم قرب أنهار بابل أنهم غير قادرين على ممارسة 
دينهم خارج أرض اليعاد. فالآلهة الوثنية كانت محلية على الدوام» وبدا لهم أن ترسيم 
الترانيم إلى يهوى في بلد أجنبي أمر محال: تلذذوا بفكرة رمي أطفال بابل بصخرة تخرج 


الا 


أدمغتهم من رؤوسهم «طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة»”" ©. بينما لا 
نعرف شيئاً عن نبي آخر كان يدعو إلى الهدوءء وقد يكون هذا النبي على أهمية كبيرة 
لآن 1 ومزاميره حالية لية من أي صراع م 0 0 الذي تحمله 0 لقد 
إيل وحبرون. وفي بابل لم يكن باستطاعتهم المشاركة في الطقوس الدينية التي كانت 
مركزية في حياتهم الدينية في بلادهم. كان يهوى كل مالديهم. فقام أشعيا الثاني بدفع 
هذه الفكرة خطوة عندما أعلن أن يهوى هو الله الوحيد. ففي كتابة أشعيا الثاني للتاريخ 
الإسرائيلي نجد أسطورة الخروج مزينة بالصور التي تذكرنا بانتصار مردوخ على تيامات؛ 

ويبيد الرب لسان بحر مصر ويهز يده على النهر بقوة ريحه ويضربه إلى 

سبع سواقٍ ويجيز فيها بالاحذية. وتكون سكة لبقية شعبه التى بقيت من 


0 1 1 00 - _- 
أشور كما كان لإسرائيل يوم صعوده من أارض مص 2 75 


لقد جعل أشعيا الأول التاريخ إنذار ا إلهياء وفي كتابه/ العزاء م00250120/ بعد 
الكارئة جعل أسُعيا الثاني اريخ يولد أملاً جديداً فى المستقبل. فإذا كان يهوى قد أنقذ 
إسرائيل فى الماضى فباستطاعته أن يفعل ذلك ثانية. كان يوجه مسائل التاريخ ونصب عينيه 
أن ججميع الغرييم ليسوا أكثر من قطرة ماء في دلو, فكان يهوى الإله الوحيد الذي يتكل 
عليه. تخيل أشعيا الثاني آلهة بابل القديمة ملفوفة على عربات وتدحرج بعيدا في مغيب 
ال 250 فعهدها قد ولى: «الست أنا يهوى؟» «ليس هناك إله بجانبى)7 

(أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري. له باوٌ ومخلص. ليس سواي التفتوا 
ِليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض 9 أنا الله وليس آخر)(”©. 

ا ا وقتاً في شجب آلهة الغوييم المنتصرين منذ الكارئة. لقد آمن أن 
يهوى هو الذي قام بالأفعال الأسطورية العظيمة التي أوجدت العالم وليس مردوخ ولا 
بعل. فهذه هي المرة الاولى التي يصبح فيها الإسرائيليون مهتمين بدور يهوى في عملية 
الخلق» وربما يعزى ذلك إلى احتكاكهم المتجدد بأساطير بابل الكونية. من الطبيعي ألا 
يحاولوا البحث عن عزاء في عالم الحاضر القاسي. فإذا كان يهوى قد هزم غيلان العماء 
في الزمن البدئي بالتالي سيكون خلاصهم أمراً أكثر سهولة. فالتشابه بين أسطورة الخروج 


7: 


وحكايات الانتصارات الوثنية على العماء المائى فى بداية الزمن كان يحرض المنفيين على 
التطلع بثقة إلى المستقبل في عرض جديد للقوة الإلهية. فيشير هنا مثلاً إلى انتصار بعل 
على لوثان ‏ غول البحر في أسطورة الخلق الكنعانية ‏ الذي كان يسمى أيضاً 
رهاب 12826 والتمساح واللجة: 
ستيقظي» استيقظيء البسي قوة يا زراع الرب. استيقظي كما في أيام 
لواحا في الادرر القديمة,. اليك أنثِ القاطعة رَهَبَ الطاعنة التنّين. 
البيت انق هن المنُشّفة البحر مياه الغمر العظيم الجاعلةَ أعماقٍ البحر 
طريقاً لعبور المقُدئين0©. 

لقد امتص يهوى منافسيه في مخيلة إسرائيل الدينية في نهاية المطاف. لقد فقد إغراء 
الوثنية بريقه في المنفى» فولد دين اليهودية. كان المتوقع أن تنتهي عبادة يهوى بينما نجدها 
قد أصبحت السبيل الوحيدة التى مكنت الناس من العثور على أمل في ظروف تبدو 





وهكذا أصبح يهرى الإله الأحد الوحيد. ولم تعد هناك 0 لتبرير إدعائه فلسفياً. 
كان الدين الجديد بجع دائماً لا لأنه كان بالإمكان شرحه عقلانياً بل لأنه كان ا في 
منع اليأس وبث الأمل. لم يعد اليهود المقتلعون من بلادهم يجدون اللا استمرارية فى عبادة 
يهوى غريبة ومزعجة. إنها كانت تعبيراً عميقاً عن ظرفهم. 

مع ذلك لم يكن في صورة الله التي قدمها أشعيا الثاني شيء مريح» لأن يهوى بقي 
خارج فهم العقل البشري: 

لأن أفكاري ليست أفكا ركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما 
علت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن 
أفكا ركه0*"), 

كانت حقيقة الله تقع خارج قدرة الكلمات والمفاهيم» ويهوى أيضأً لم يكن يفعل 
دائماً ما كان يتوقعه شعبه منه. واه جره يتمد ايه او بوسائهه - يتطلع 
لنبي إلى زمن تصبح فيه مصر وأشور شعب يهوى أيضاً : «مبارك سُعبي مصر» وعمل يدي 
أشور وميراثي ٠‏ إسرائيلة, 0“ . وبذلك أصبح 1 للوجود المتعالي الذي جعل تفسيرات 


عندما هزم الملك الفارسي قورش 09015 الامبراطورية البابلية في عام 5174 ق.م بدا 


7 


وكأن الأنبياء مبرئون. لم يفرضٍ قورش آلهة فارس على رعاياه الجدد؛ فتعبد في معبد 
مردوخ عندما دخل بابل منتصراء وأعاد تمائيل آلهة الشعوب التي هزمها البابليون إلى 
مواطنها الأصلية. وبما أن العالم كان معتاداً على العيش في امبراطوريات دولية شاسعة لذا 
كان من المحتمل أنه لم تكن لدى قورش حاجة تدعوه إلى فرض أساليب إجلاء السكان 
القديمة. فوطأة الحكم تصبح أخف إذا ما سمح للرعايا بعبادة آلهتهم في كتوم الخاصة 
بهم. . ققد شجع على أعادة بناء المعابد القديمة في امبراطوريته» مكرراً اعمة بأن الهتهم هي 
التي كلفته بالوطلوع بهذه المهمة. كان مثالاً للتسامح وصعة الرؤية حيال بعض 4 
الدين الوثني. لقد أصدر قورش - في عام 2ه ق.م ‏ أمراً يسمح لليهود بالعوذة إلى 
يهوداء وبناء الهيكل. إلا أن معظمهم اقترعوا على البقاء. ومنذ تلك الفترة فصاعداً لم تعش 
في أرض الميعاد سوق أقلية مو النيوض ‏ تهيرنا التوواة أن تعد :49 -يهودئ غادووا 
بابل وتل أبيب إلى بلادهم. وهناك فرضوا يهوديتهم الجديدة على أخوتهم المرتبكين الذين 
بقوا. 

نستطيع أن نرى السبب الذي استدعى هذا في مؤْلفات التراث الكهنوتي (0) التي 
كتبت بعد المنفى وأدخلت إلى متن أسفار موسى الخمسة. لقد قدم هذا التراث تفسيره 
الخاص للأحداث التي عرضها ل و28 كما أضاف (5) كتابين جديدين هما الأعداد 
واللاويين ن. فكما نتوقع فإن لدى (0) ميلا لتعقيد يهوى» ونظرة تمجيدية له. لم يكن يعتقد 
أن باستطاعة أي امرىء أن يرى الله فعلاً بالطريقة التي اقترحها ل. كان يشارك حزقيال في 
كثير من آرائه» ولذلك كان يرى أن هناك فارقاً بين الفهم البشري لله والحقيقة ذاتها. . ففي 
عرض (7) لقصة موسى على جبل سيناء نرى موسى يتوسل كي يرى يهوى فيجيبه (لا 
تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان الذي يراني ويعيش0(*'©. وكان على موسى أن يغطي 
نفسه بعيداً عن التأثير الإلهي في شق صخرة حيث يلمح يهوى مغادراً في مشهد معتم. 
لقد أدخل (5) فكرة ستصبح ذات أهمية كبيرة في تاريخ الله. يستطيع الرجال والنساء 
رؤية ما تبقى من نور خلفه الحضور الإلهي؛ ويسمي هذا 0 يهوى) مظهر من مظاهر 
حضوره.؛ وينبغي عدم الخلط بين يقية النور هذه وبين الله ذاته2''0. فعندما هبط موسى من 
الجبل كان وجهه يعكس هذا السناء فكان يسطع بنور لا يحتمل لدرجة أن الإسرائيليين لم 
يستطيعوا النظر إليه(''©. 

لقد كان نور يهوى أحد مظاهر حضوره على الأرضء فهو بذلك (أي م) كان 
يؤكد على الفارق بين صورة الله المحددة التي رسمها الناس وما بين قدسية الله ذاته. ومن 


74 


ان اخرري مسي ل ا سا أثناء العيه: نفلك 
تجسيد غير لائق. بدلا من ذلك فإنه يصور نور يهوى مالكاً الخيمة التي اجتمع فيها مع 
موسى. ومن ثم نور يهوى فقط هو الذي حل في الهيكل""2. 


كانت المساهمة الشهيرة التي قدمها (5) إلى أسفار موسى الخمسة هي عرضه لقصة 
الخلق في الفصل الأول من سفر التكوين والمستمدة من الإينوماإياتش. بدأ 4 بمياه اللجة 
البدئية (فكلمة 0 تعني فساد تهامة) التي يخلق منها يهوى السماء والأرض. لم تكن 
هناك معركة بين الآلهة؛ أو صراع بين اليم؛ ولوتان» أو رهاب. فيهوى وحده كان المسؤول 
عن خلق جميع الأشياء في الوجود. لم يكن هناك فيض أو صدور تدريجي للوجود بل 
حقق يهوى الاستقرار يقس إلى عليه ديا من إرادته. بالطبع لم يكن (58) يتصور العالم 
ماديا أنه يكين من نفس ماهية يهوى ذاتها. مفهوم «الانفصال» موضوع حاسم في 
لاهوت (5). لقد صنع يهوى الكون مكاناً مرتباً بنفصل الليل عن النهار» والماء عن اليابسة» 
والنور عن الظلمة. ففي كل مرحلة من الخلق كان يهوى يبارك الخلق ويقدسه ويعلنه 
«خرأ». فقصة الخلق هنا ليست مطابقة لقصة الخلق البابلية» وهى ليست فكرة كوميدية 
لاحقة. والبشر قد لا يشتركون في الطبيعة الإلهية لكنهم قد خلقوا على صورة الله: بالتالي 
عليهم الاستمرار في مهماته الإبداعية. التتعرق الخلق ستة أيام. كما في الإينوماإليتش ‏ تلا 
ذلك استراحة مبثية في اليوم الساعه ففى الرواية البابلية كان هذا اليوم وعدا للاجتماع 
العظيم «لتحديد الأقدار»» ولمنح الألقاب على مردوخ. أما في رواية (5) تمثل وقفة يوم 
السبت مقابلة رمزية مع العماء البدئي الذي كان سائداً ذ في اليوم الأول. يوحي التكرار 
واللهجة التعليمية أن قصة الخلق - كما صاغها () كانت موضوعة كي تنشد في القربان 
لمقدس مثل الإينومإليتش كي تمجد عمل يهوى» وتنصبه خخالقاً وحاكماً لإسرائيل!©. 


من الطبيعي أن يحتل الهيكل الجديد أهمية مركزية في يهردية () لأن الناس في 
الشرق" الأدن ٠‏ كانوا: يعتيروة: المعيد :زمر امضقرا عن" الكون.. كان بناء: الهيكل “عمل 
محاكاة إلهية يمكن البشرية المشاركة في مقدرة الآلهة على الإبداع. فخلال فترة النفي كان 
بعتلع:التهود يجدوة عرامع :في تمن :قايرت المهد القدعة: القيد القال الذي نصيب 
الله خيمته فيه» وشارك شعبه تشرده. فعندما وصف (8) بناء المحرم ‏ أي خيمة اللقاء في 
البرية» فقد اسعمد وصفه من الميفولوجيا القديمة. لم يكن تصميمها المعماري أصيلاً بل 
نسخة عن النموذج المقدس: يعطي يهوى موسى تعليمات مطولة جداً ومفصلة على جبل 


ه07 


سيناء: «فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أريك من مثال 
المسكن ومثال جميع أيقه هكذا تعيغون 20 لبن المقضوة: أخحدذ. الوضيفه المطول 
لهذاا حرم حرفياً. فما من إسرائيلي تخيل أن أسلافه قد بنوا وتابؤتا نه عمديب السظ لول 
ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف. وتغشيه بذهب نمي . من 
داخل ومن خارج تغشيه. وتصنع عليه إكليلاً من ذهب حواليه. وتسبك له أربع حلقات 
ل ل .20" )» فهذا العرض المطول يذكرنا كثيرا بقصة 
الخلق التي كتبها (5). فعند انتهاء كا ارا لتر ل 
ا 00 0 
الأول في السنة» فالمهندس المعماري للهيكل بيزاليل اهو تلهمه روح الله التي 
على خلق العالم أيضاً. وكلتا الروايتين تؤكدان على أهمية الراحة في يوم اليك" 0 كان 
بناء الهيكل أيضاً رمزاً للانسجام الأصلي الذي كان سائداً قبل أن يدمر الجنس البشري 
م لقد حدد يوم السبت في سفر التثنية كي يعطي كل امرىء يوم راحة - والعبيد 
ضمنا - ولكي يستذكر الإسرائيلي الخروج(*"©2. لقدا أعطن: (8) السيت» معنن جديدا: 
يصبح عمل محاكاة لمرو تع جم العام فعندما كان اليهود يلتزمون براحة 
السبت إنما كانوا يشاركون فى طقس أداه الله وحده فقط: أي كانت رمزية لعيش حياة 
الله. ففى الوثنية القديمة كان كل عمل بشري محاكاة لأفعال الألهة. لكن عبادة يهوى قد 
كفت عن هوة كبيرة بين العالمين: العالم المقدس والعالم البشري. وهكذا قد لاقى اليهود 
تشجيعاً على الاقتراب أكثر من يهوى عن طريق الالتزام بتوراة موسى. فققد أورد سفر التثنية 
قائمة بالشرائع المفروضة التي تشمل الوصايا العشر. فخلال المنفى وبعده تمت صياغة هذه 
الوصايا في تشريع معقد مكون من /5١7/‏ وصية في سفر تثنية الاشتراع. وتبدو هذه 
الإرشادات الدقيقة لشخص غير منتم غير هامة) وقد تم تقديمها فى لاهوت العهد الجديد 
في رؤية سلبية جداً. لم يجدها اليهود عبئاً ثقيلاً عليهم, كنا ين المسيصيون: بل وجدوا 
فيها سبيلاً رمزياً للعيش في حضور الله. كانت الشرائع الحميمية في سفر التثنية مؤشراً 
على خصوصية مركز إسرائيل”'2. ورآها () محاولة في قالب طقسي للإشتراك في 
قداسة فصل الله وشافيا من الفصل المؤلم بين الإنسان والله. بالإمكان إضفاء القداسة على 
الطبيعة إذا ما قلد الإسرائيليون أفعال الله: بفصل الحليب عن اللحمء والنظيف عن الدنسء 
والسبت عن بقية أيام الأسبوع. 


لقد تم إدخال أعمال التراث الكهنوتي في سفر التثنية إلى جانب قصص 3 و 8 


كا 


وأسفار موسى الخمسة. ويذكرنا هذا أن أي دين بارز إنما يتألف من عدد مستقل من 
الروحانيات والرؤى. فبعض اليهود يشعرون أنهم مشدودون إلى إله الأسفار الخمسة الذي 
أخختار إسرائيل كي تكون منفصلة بشكل عدواني عن الغوييم. وقد وسّع البعض هذه 
الأسفار لتشمل الاساطير الميسيانية (الخلص) عنهوزووء21 التي كانت تتطلع إلى يوم يهوى 
في نهاية الزمن» عندما يعز إسرائيل ويذل الاثم الاخرى. تشير هذه الروايات إلى رؤية الله 
ككائن بعيد جداً. وقد حصل اتفاق ضمني على توقف عصر النبوءة بعد المنفى. كان هناك 
احتكاك بالله أكثر مباشرة: تحقق هذا في الرؤى الرمزية فقط التي تنسب إلى الأشخاض 
العظام في الماضي الغابر مثل إنوخ ع0 ودانيال. 


لقى أحد هؤلاء الأبطال القدامى احتراماً كبيراً فى بابل كمثال على الصبر فى المعاناة 
إنقا ورك عن النس لسعم أجل :دلوق عله اليه الأسطورة كي يطرح أله اباس 
حول طبيعة الله وسؤولقة عن عذاب' البشرية: قفن القضية القدة كات 'الله قد. امتحن 
بريه أن لكي هذاراه تكانأه زه بإعادة تروةة المنايقة ليس الزولية الخد يذه لقضنة 
أيوب قسم المؤلن الأسطورة القديمة نصفين» وجعل أيوب يثور على تصرف الله حياله. 
يعجرا أيوت: على سياولة الأواهر الإلهية» ويتورط فى جدال فكري عويض .'فللمرة الأولى 
في تاريخ اليهودية الديني التفعت الخيلة الدينية إلى تأمل ذي طبيعة أكثر تجريداً. فقد زعم 
الأنبياء أن الله سمح بعذاب إسرائيل بسبب ذنوبهاء ويوضح مؤلف قصة أيوب أن بعض 
الإسرائيليين لم يعودوا راضين عن هذه الإجابة التراثية. فقصة ايوب تهاجم هذه النظرة 
وتكشف عدم كفاءتها الفكرية» وفجأة يتدخل الله كي يقطع عليه تأمله العنيد. يظهر الله 
ا في رؤيا اتخبيرا إلى عجائب العالم الذي خلقه: كيف جر يخوت تافه مثل أبوتن 
على مجادلة الله المتعالي؟ يذعن أيوب. فهذا الحل لن يرضي قارئاً معاصراً يبحث عن إجابة 
فلسفية أكثر تماسكاً عن مسألة المعاناة. فمؤلف القصة لا ينكر على الإنسان حقه في 
السؤال» وفى الوقت ذاته يقدم اقتراحاً بأن العقل وحده ليس كفؤاً كي يتناول مسائل 
معقدة كهذه. يجب أن يفسح التأمل الفكري الطريق إلى كشف مباشر من الله» مثل 
الكشف الذي تلقاه الانبياء. 

حتى هذه الفترة لم يكن اليهود قد بدأوا بالتفلسف بعد لكنهم وقعوا تحت تأثير 
العقلانية الإغريقية خلال القرن الرابع ق.م. ففي عام /97/ ق.م هزم الاسكندر المكدوني 
داريوس الثالث كسرى فارس وبداً الإغريق باستعمار آسيا وأفريقيا. لقد أسسوا دول المدينة 
في صور ع:نا1 وصيداء وغزه» وعمانء وطرابلس. وهكذا أصبح يهود فلسطين والشتات 


0/1/ 


محاطين بثقافة هيلينستية» وجدها البعض مزعجة بينما تحمس آخرون حيال المسرح 
والفلسفة والرياضة والشعر الإغريقي» لذلك تعلموا الإغريقية وتدربوا على الرياضة واتخذوا 
لأنفسهم أسماء إغريقية) كما حارب بعض اليهود في الجيوش اليونانية كمرتزقة. وترجموا 
نصوصهم المقدسة إلى اليونانية مقدمين بذلك النسخة المعروفة باسم النسخة السبعونية. 
وبذلك تمكن بعض الإغريق من معرفة إله إسرائيل فقرروا أن يعبدوا يهو أو (إياو 130 كما 
أسموه) إلى جانب عبادتهم لزيوس وديونيسيوس. وتم اجتذاب بعضهم إلى الكنس 
اليهودية» أو إلى منازل الاجتماعات التي خصصها يهود الشتات مكان العبادة في الهيكل. 
وهناك كانوا يقرؤون الكتب المقدسة ويصلون ويستمعون إلى المواعظ. فالكنيس لم يكن 
مشابهاً لأي شيء آخر في بقية العالم الديني القديم. فعدم وجود طقس أو قربان جعله أكثر 
شبهاً بمدرسة للفلسفة» كان يتوافد إليه كثيرون عند حضور واعظ ديني معروف إلى 
المدينة» تماماً مثلما كانوا يصطفون كى يصغوا إلى فلاسفتهم. لقد تبنى بعض الإغريق 
أجزاء مختارة من التوراة» وكانوا ينضمون إلى اليهود في مذاهب توفيقية. فخلال القرن 
الرابع ق.م. كانت قئة من اليهود والإغريق تماثل يهوى بأحد الآلهة الإغريقية. 

بقي معظم اليهود متحفظين» ونشأ تور بين البهود والإغريق. في الدن الهيلبيسية 
الواقعة في الشرق الأوسط. لم 5 الدين شأناً خاضا في العالم القديم؛ لأن الآلهة كان لها 
أهمية كبيرة للمدينة» فإذا ما أهملت عبادتها فإنها سوف تسحب رعايتها للمدينة. فاليهود 
الذين قالوا إن هذه الآلهة غير موجودة كانوا يسمون ملحدين وأعداء المجتمع. كانت هذه 
العداوة قد ترسخت بحلول القرن الثاني ق.م. فقد حدثت ثورة في فلسطين عندما حاول 
الحاكم السلوقي الظو وس كعم طم أم8 قنتطء م8 جعل أورشليم عا يفا شيارياء 
وإدخال عبادة زيوس إلى الهيكل. بدأ اليهود بانتاج أدبهم الخاص بهمء وكان يدافع هذا 
الأدب عن الحكمة والخوف من يهوى. كان أدب الحكمة لون أدبياً متين الأساس فى 
الشرق الأوسطء وقد حاول المخوض في معنى الحياة عن طريق البحث عن أفضل سبيل 
للعيش وليس عن طريق التفكير الفلسفي: قفي أغلب الأحيان كان براغماتياً جداً. فمؤلف 
كتاب الأمثال الذي كان يدونه في القرن الثالث ق.م ذهب إلى أبعد من ذلك بقليلء 
واقترح أن الحكمة كانت الخطة الكاملة التي وضعها الله عندما خلق العالم» فكانت أولى 
مخلوقاته. وسيكون لهذه الفكرة أهمية كبيرة لدى المسيحيين الأوائل د كما« صدرئ» في 
الفصل الرابع. يصور المؤلف الحكمة بحيث تبدو شخصاً منفصلاً: 


«الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منك الأزل مسحت 


م72 


ب اليج مين أوائل الأرض لا رست امسن الأرض كدت عندة عباتقاً 
وكنت كل يوم لذاته فرحة دائماً قدامه. فرحة في مسكونة أرضه ولذاتي 
مع بني أدم3"©. 
فالحكمة لم تكن كائناً مقدساً بل يقال أن الله تحديداً قد خلقها. إنها ممائلة لنور الله 
الذي وصفه المؤلفون الكهنة, ع ا 
الشؤون البشرية: يصور المؤلف الحكمة جوالة في الشوارع؛ منادية الناس كي يخشوا 
يهوى. في المرن الثاني ق.م رسم يسوع بن سيرا 5112 862 76505 - يهودي ورع من 
أورشليم ‏ لوحة ممائلة للحكمة: يجعلها تقف في المجلس الإلهي وتنشد مدائحها: لقد 
تدفقت من فم المتعالي مثل الكلمة المقدسة التي خلق الله بها العالم: إنها موجودة في كل 
نكان ابن اقلق + لكنها: الخدت سيك أنديا بن عب إلا 010 
كانت شخصية الحكمة رمزاً لقدرة الله في العالم» مثلها مثل نور يهوى. كان اليهود 
يطورون مفهوماً يمتِد يهوى بحيث كان من الصعب تخيله متدخلاً مباشرة في شؤون 
البشر. كانوا يفضلون» مثل (0) أن بميزوا بين الله الذي بوسعنا معرفته ونخرةُ عن الحقيقة 
الإلهية ذاتها. فعندما نقرأ عن الحكمة الإلهية مغادرة الله لتتجول في العالم بحثاً عن 
الإنسانية يصعب علينا ألا نتذكر الإلاهات الوثنيات مثل عشتار وعناة وإيزيس اللواتي 
هبطن من العالم المقدس في مهمة إنقاذية. لقد بلغ أدب الحكمة بعداً لاهوتياً في 
الاسكندرية في نحو عام /١دق.م/.‏ ففي كتاب /حكمة سليمان/ الذي ألفه أحد يهود 
الاسكندرية ‏ التي كان فيها تجمع يهودي كبير - نبه اليهود إلى ضرورة مقاومة الثقافة 
الهيلينستية المغوية» وإلى البقاء مخلصين لترائهم. فالخوف من يهوى هو مُكوّن الحكمة 
الحقيقية وليست الفلسفة اليونانية. ألف كتابه باللغة اليونانية» وشخص الحكمة أيضاً 
(صوفيا)» وزعم أن ليس بالإمكان فصلها عن الله اليهودي: 
صوفيا هي نَفْسُ قدرة الله. فيض نقي من نور الله القدير. وبالتالي لا 
يستطيع شيء غير نقي أن يجد طريقه إليها. إنها انعكاس للنور الأبدي. 
مرآة صافية لقدرة الله الفعالة» صورة غير خيريته0"”". 
ستغدو هذه الفقرة عا حجنا غيل المنتسحدين عندما وصلوا إلى مناقشة مرتبة يسوع. 
وهكذا فقد رأى المؤلف اليهودي أن الحكمة هى أحد جوانب الله الذي لا سبيل إلى 
معرفته) والذي كيل نفشه جما يتوافق مع الفههم البشري. فالحكمة هي الله كما أظهر ذاته 
للإنسان. فالفهم البشري لله يتسم بالغموض» وهو مختلف عن حقيقة الله الكاملة. 


2,2 


كان مؤلف /حكمة سليمان/ محقاً في إحساسه بالتوتر القائم بين الفكر اليوناتي 
والدين اليهردي. وقد رأينا أن “هناك اخعلافاً كبيراً - ورعا 'لا ب تسويته - بين مفهوم 
أرسطو لله الذي لا يكاد يعرف العالم الذي خلقه, والله : في التوراة المنشغل في سُؤون البشر 
بكل حرارة. فالله اليوناني بالإمكان اكتشافه بواسطة العقل البشري بينما جعل الله التوراتى 5 
نفسه معروفاً عن طريق الظهور. فهناك هوة تفصل يهوى عن العالم» بينما اعتقد الإغريق 
أن نعمة العقل جعلت البشر ممائلين لله وبالتالي باستطاعتهم الوصول إليه بواسطة 
إمكاناتهم. فكلما كان يقع موحد في غرام الفلسفة اليونانية فإنه كان يحاول تعديل إلهها 
بما يتناسب مع إلهه. وستكون هذه الفكرة إحدى الموضوعات الرئيسية في قصتنا. أحد 
الذين قاموا بهذه انحاولة هو الفيلسوف اليهودي الشهير /فيلون الاسكندري/ ٠٠١‏ ق.م ‏ 
ه؛ق.م كان فيلون أفلاطونياء وذا شهرة فريدة كفياسوف عقلاني. كتب مؤلفاته بلغة 
يونانية جميلة ويبدو أنه لم يتكلم العبرية, مع ذلك كان يهودياً ورعاً وملتزماً بالوصاياء لم ير 
تناقضاً بين إلهه وإله الإغريق. ونج رالاشارة إلى أن إله فيلون يبدو مختلفاً جدأً عن يهوى. 
ويبدو أن فيلون قد أربكته كتب التوراة التاريخية فحاول أن يحولها إلى رموز محكمة. 
وينبغي أن نشير إلى أن أرشماو قد اعتبر التاريخ غير فلسفي. فإلهه دون صفات بشرية: 
فالقول إن الله غاضب خطأ تماماً. كل مافى وسعنا معرفته عن الله هو وجوده كحقيقة 
وحيده. فيلون كيهودي ملتزم عملياًء لم يكن يؤمن أن الله أظهر ذاته لأنبيائه. فكيف كان 
هذا ممكناً؟ 

تع فيلون المسألة بإقامة فارق بين جوهر الله الذي لا سبيل إلى فهمه وبين أفعاله 
في العالم أي قدراته أو طاقاته. فكان هذا الحل مماثلاً للحل الذي قدمه (5) وكتّاب الحكمة 
الآخرين. إذ لا سبيل إلى معرفة الله كما هو بذاته. يجعل فيلون الله يخبر موسى (إن فهمي 
شيء أكبر من الطبيعة البشرية» وأكثر ما تحتويه السماء والكون»””©. فلكي يكيف الله 
ا احدودة فإن الله يتواصل عبر قدراته التي تبدو مساوية للمثل 
الأفلاطونية المقدسة ٠‏ مع أن فيلون ليس متسقاً دائماً في رأيه هذا). إنها 55 الحقائة ئق التي 
يستطيع العقل البشري استيعابهاء فيراها فيلون فيضاً من الله مثلما رأى أفلاطون وأرسطو 
الكون في حالة فيض أبدي من العلة الأولى. فقدرتان من هذه القدرات لهما أهمية كبيرة) 
أسماهما فيلون: قدرة ملكية نإاع0ز>[ تكشف الله ففي ترتيب الكون» وأخرى هى قدرة 
على الخلق يكشف الله عن ذاته في النعم التي يسبغها على البشرية. يشر بنش الا "قاط بين 
هاي القدرتين من جهة والجوهر الإلي الذي بيقى مغلفً بغموض لا سبيل إلى اختراقه من 
جهة أخرى. تمكننا هاتان القدرتان من لمح حقيقة تفع خارج أي شيء يمكننا تصوره؛ 


/مث٠‎ 


محث يلوه لحان عن ذات الله محاطة بالقدرة الملكية وقدرة الخلق بحيث تشكل 
الوثا. فعندما يشرح قصة زيارة يهوى لابراهيم ومعه الملائكة في مامر 712016 يقول إن 
هذه القصة هي تمثيل رمزي لذات الله هو من يكون - مع القدرتين الأسمى 


لو علم 3 بهذا الفهم لتملكته الدهشة: لأن اليهود وجدوا في فهم فيلون لَه فهماً 
غير صحيح بينما وجد المسيحيون فيه عونا لهم» وسنرى أن الإغريق قد بنوا على هذا 
الفارق بين جوهر الله الذي لا سبيل إلى معرفته والقدرات التي تجعله معروفاً لنا. لقد تخيل 
فيلون ‏ مثلما تخيل كتّاب الحكمة ‏ أن الله قد أعد خطة محكمة (اللوغوس) للخلق تقابل 
مملكة المثل عند أفلاطون» وتجسدت بعدئذ هذه المثل فى الكون المادي. نجد فيلون غير 
يق ينتاج أحياناً أن اللوغوت فق احدى القدراكه ر أعزانا خرص يتان وكاله بر 
أعلى مرخ القدرزاتالميل الأعلى الذي يستطيع البشر بلوغه. فعندما نفكر باللوغوس فإننا لا 
نشكل معرفة إيجابية عن الله: لأنا تقل خارج مجال العقل المميز إلى فهم حدسي هو 
أعلى ير امجترلة طريقة في التفكير وأثمن من أي شيء مكون من فكر صرف”” ©. لقد 
كان نشاطاً ماثللا لتأمل أفلاطون. شدد فيلون على أننا لن نبلغ الله أبداً كما هو في ذاته: 
الحقيقة الأسمى التي نستطيع فهمها هي المعرفة النشوية (من نشوة) بأن الله يتعالى تماماً عن 
إمكانية العقل البشري. 
لأيدى رض هذا ندغاة زلكانة الأ تدك غم رايد غاطقية يهيينة باهو 

جلبت له قدرة الإبداع والتحرر. كان يرى الروح ‏ كما رأها أفلاطون ‏ وكأنها حبيسة 
عالم المادة الفيزيائي. يجب أن تصعد الروح إلى الله مثواها الحق تاركة خلفها العاطفة 
والأحانسين وحتى اللحته! لأن عدم لحميها تقيدنا بالعالم غير الكامل. وفي النهاية بلغ 
نشوة رفعها فوق أكفان الأنا المملة إلى حقيقة أكبر وأكثر كمالاً. سبق ورأينا أن الله غالباً 
هو تصور أو ممارسة خيالية مبدعة. لقد فكر الأنبياء في تجربتهم» وشعروا أن بالإمكان 
عزوها إلى الوجود الذي أسموه الله. ويوضح فيلون أن في التأمل الديني قواسم مشتركة 
كثيرة مع أشكال الإبداع الأحرى. فقد تحدث عن أوقات تصارع فيها بقوة مع كتبه دون 
أن يدر تفدياء لكنة كان يشر اانا و كانه عد سيط الله علية! 

لقد أصبحت متلاً فجأة, والأفكار تتساقط كالثلج. 

فتحت تأثير السيطرة الإلهية تملؤني بسعار كهنة سيسيل» فأغدو جاهلاً لكل 

شيء: للمكان, للناس؛ للحاضرء لنفسيء لا قيل وما كتب» لأنني أكون قد 

بلغت تعبيراً أفكاراً متعة حياتية» رؤية حادة البصيرة» وضوحا ثميزا جدا 

للأشياء, قد تقع تحت البصر كنتيجة لأوضح عرض»” 5 


م١‎ 


بالنسبة لليهود من النحال قبول فرضية كهذه التي يقدمها العالم الإغريقي. ففي السنة 
التى توفى فيها فيلون حدثت مذابح منظمة ضد التجمع اليهودي في الإسكندرية 
وانتشرت مخاوف من عصيان يهودي مسلح. وعندما شيد الرومان امبراطوريتهم في 
شمال أفريقيا والشرق الأوسط في القرن الأول الميلادي أسلموا أنفسهم إلى الثقافة اليونانية» 
ولم يرثوا العداواة اليونانية لليهود. في أغلب الأحيان كانوا يفضلون اليهود على اليونانيين 
معتبرين إياهم حلفاء مفيدين في المدن اليونانية التي كانت عامرة بعداء مقيم تجاه روما. لقد 
أعطي اليهود حرية دينية تامة» وكان دينهم معروفاً بتراثه الكبير وكان يلقى الاحترام. 
كانت العلاقات بين اليهود والرومان جيدة عادة» حتى في فلسطين حيث كان السكان لا 
يتقبلون الحكم الأجنبي بسهولة أقل. كانت اليهودية في مركز قوي جداً في الامبراطورية 
الرومانية بحلول القرن الأول ق.م. فعشر مواطني الامبراطورية كانوا يهودأ وبلغت نسبة 
اليهود فى الاسكندرية فى زمن فيلون /4٠‏ من السكان. كان الناس فى الامبراطورية 
الوائية بيستون عن مار ل دبي شديةة «وكانت دكار الرحواية الى لدو النام ركان 
الناس يرون الآلهة المحلية مجرد أشكال لألوهة توجهها. وكان الطابع الأخلاقي العالي في 
اليهود يشد الرومان. والذين كانوا مترددين حيال الختان والالتزام بالتوراة كاملاً أصبحوا 
أعضاء شرف في الكنس» وكانوا يعرفون باسم «الخائفين من الله». كانت أعداد هؤلاء في 
ازدياد» ويقال إن أحد الأباطرة ويدعى فلافيات 1137138 قد اعتنق اليهودية مثلما اعتنق 
قسطنطين المسيحية لاحقاً. وقد قاومت جماعة سياسية من اليهود المتعصبين الحكم الروماني 
في فلسطين. ففي عام 11 ميلادية نظمت عصياناً ضد روماء وتمكنت من إبقاء الجيوش 
الرومانية في مواقعها طوال أربع سنوات. خشيت السلطات من امتداد العصيان إلى يهود 
الشتات فاضطرت إلى سحقه دون رحمة. ففي عام /7١/‏ م هزمت جيوش الامبراطور 
الجديد فيسباسيان 5:128ةم7765 أورشليم» و حرقت الهيكل حتى أساساته» وجعلتها مدينة 
رومانية اسمتها إليا كابتولانا 8 9ف«زاعة » وسيق اليهود إلئن المنفى من جديد. 


ففقدان الهيكل الذي كان مصدر إلهام لليهودية الجديدة أصبح مبعث حزن كبير. 
ويبدو أن يهود فلسطين - الذين كانوا محافظين فى أغلب الاسيان أكثر من يهود 
الهيلينيستية في الشتات - قد أعدوا أنفسهم لاحتمال الكارثة. فنشأت مذاهب عديدة في 
الأرض المقدسة» وحلّت نفسها من ارتباطها بهيكل أورشيلم. كانت طائفتا إسينز 1855605 
وكورمان «ددمه0 تعتقدان أن الهيكل قد أصبح فاسداً ومرتشيأء فانسحب أفرادها 5 
يعيشوا في تجمعات منفصلة مثل تجمع الطريقة الرهبانية قرب البحر الميت. وكانوا يعتقدون 


ىم 


أنهم كانوا يبنوك هيكلاً ديد لم تصنعه الأيدي» وسيصبح أسم هيكلهم هيكل 
الروح 86ذم5؛ وبدلا عن القرابين الحيوانية كانوا يطهرون أنفسهم» ويسعون إلى مغفرة 
الذنوب من خلال طقوس التعميد والوجبات الجماعية: فالله يعيش في أخوة متحابة لا في 


هيكل حجري. 


كان الفريسيون وع2037156 هم اليهود الأكثر تقدما على - جميع اليهود في فلسطين» 
فقد وجدوا أن الحل الذي قدمته وعمهوو8 نخبوياً جداً. صور العهد الجديد الفريسيين 
كقبور مبيضة؛ ومنافقين سمجين؛ فأتى هذاالوصف نتيجة للتشوهات التي لحقت بلاهوت 
القرن الأول الباؤدعي” كان" الاريسيون وود انيم ومين و كائرا يفون أن 
المطلوب من إسرائيل كلها هو أن تكون أمة واحدة مقدسة من الكهنة. فقد يكون الله 
حاضراً في أحط بيت بالإضافة إلى حضوره في الهيكل. وهكذا فقد عاشوا كطبقة 
كهنوتية رسمية ملتزمة بقوانين ن خخاصة بالطهارة التي كانت تنطبق على الهيكل فقط في 
بيوتهم. فكانوا يصرون على تناول وجباتهم في حالة من الطهارة الطقسية لاعتقادهم أن 
طاولة طعام كل يهودي هي مثل مذبح الله في الهيكل. كما طوروا إحساساً بوجود الله في 
أدق تفاصيل ال حياة اليومية» وبالتالي أصبح باستطاعة اليهود التوجه إلى الله مباشرة دون 
وساطة طبقة كهنوتية ودون طقس متقن. وكان بإمكانهم التكفير عن ذنوبهم باحبة تجاه 
جارهم؛ فامحبة كانت الأكثر أهمية في التوراة» وعندما يتدارس يهوديان التوراة سوياً فإن 
اللهويو جرة ينيها: فخلول الشترات الأرلك عن القرث الأول اللادئ قات ميان 
منافستان: أن الأولى شماي الأكبر م510 عط تهسسصموط5 والتي كانت الأقوى والثانية 
ترأسها الحبر حليل 11:|61 التي غدت الأكثر شهرة من بين الفرق الفريسية. وتروى قصة 
تسير على النحو التالي: اقترب وثني من حليل ذات يوم وأخبره عن رغبته بدخول اليهودية 
إذا تمكن المعلم من تلاوة التوراة بأكمله وهو واقف على ساق واحدة. فأجابه حليل «لا 
تعامل الآخرين إلا كبا" تحب أن يعاملوك). «هذه هي التوراة كلها اذهب وتعلمها)". 

بحلول سنه / الكارثية كان الفريسيون قد أصبحوا الطائفة التي تلقى أكبر تقدير 
وأهمية من بين بين اليهودية الفلسطينية. فقد أوضحوا لشعبهم أنهم ليسوا بحاجة إلى هيكل 
لعبادة الله» وهذا ما توضحه القصة الشهيرة التالي: 


بينما كان الحبر يونان بن زكي يسير خخارجاً من أورشليم ذات يوم سار 
الحبر هوشع خلفه وشاهد الهيكل أنقاضاً. اهرقم الويل لناء فذاك هو 
المكان الذي تغفر فيه خطايا العابل لئة اص ١‏ أنقاضاً. فال له الحبر 


7م 


يونان: «يا بنى لا تحزن. لدينا غفران فعال كهذا. وما هو؟ إنه افعال الطيبة 


ا حبق ركنا قال الأنني أريد اخحبة لا القرابين) 70" , 

ويقال أن بعد فتح أورسليم تم تهريب الحبر يونان إلى خارج المدينة امحترقة داحل 
تابوت. لد كان يونان هذا معارضاً للتمرد اليهودي: وأنه كان يعتقد أن اليهود سيعيشون 
ف خالة أقضل دون إقانة دولة كخاصنة رونم الم يلك الرومان أن مسحو له بتاسيين جمع 
فريسي يتمتع بحكم ذاتي في جابرنه 126126 غربي اورم كما أنشغت تجمعات 
مائلة في فلسطين وبابل اللتين بقيت الروابط بينهما قوية. وقد قدمت هذه التتجمعات 
علماء مثل تانايم «تنهددة1 وأبطال كنسيون مثل الحبر يونان» والحبر أكيفا 4102 
المتصوفء والحبر أسماعيل 158:036: لقد جمع هؤلاء المشنة 7115221 تنسيق شريعة 
شفوية جعل الشريعة الموسوية معاصرة. بعد ذلك بدأت مجموعة علماء تعرف باسم 
عمورايم سمنهءددر بكتابة شرح للمشنة» وأنتجت ثلاثة كتيبات تعرف مجتمعة باسم 
التلمود. في الحقيقة لقد تم جمع تلمودين: تلمود أورشليم الذي اكتمل جمعه في نحو 
نهاية القرن الرابع» والتلمود البابلي الذي يعتبر مرجعا أكثر وثوقية لم يكتمل جمعه حتى 
ويضيف إلى شرحه شرح من سبقه. يميل غير اليهود إلى الاعتقاد بأن الفكر الفقهى غير 
مترابط. بل كان تأملاً لا نهاية له في عالم الله وبقدس الأقداس الجديد. وكان كل 
مستوى من التأويلات يمثل جدران وباحات هيكل جديد مقدس» ويمثل حضور الله بين 


كان يهوض ذائما إلها تاليا يوه البشر من علي ومن الخارج. فجعله الأحبار حاضراً 
بين البشرء وفي أدق تفاصيل الحياة. ففقدان الهيكل وتجربة المنفى الجديد جعلا اليهود 
يشعرون أنهم بحاجة إلى إله بينهم. لم يقدم الأحبار أية معتقدات رسمية عن الله» خبروه 
حضورا ملموسا تقرييا بينهم. فقد وصفت روحانيتهم بأنها «صوفية سوية)0”"©. ففي 
الفقرات الأولى من التلمود بالإمكان أن يُدْرَكُ الله فى الظواهر الفيزيائية الغامضة. فقد 
تحدث الأحبار عن الروح القدس التي استقرت فوق الخليقة وفوق بناء المحرم جاعلة 
حضورها محسوسا في رياح تهب أو في نار متأججة. وسمعها آخرون في رنين جرس»ء أو 
في صوت رعد. فعلى سبيل المثال كان الحبريونان جالسا ذات يوم يناقش رؤيا حزقيال 
للمركبة الإلهية عندما نزلت نار من السماء» ووقفت الملائكة قربها: أكد هاتف من السماء 
أن الحبر كان مكلفابمهمة خاصة من الله6*0, 


5م 


كان إحساسهم بحضور الله قوياً جداً لدرجة أنه كان لابد لأية معتقدات موضوعية 
ومشيد و أن افق سكانياء. لقد قال الاحار عر ا ١‏ أن كل إسرائيلي كان واقفاً عند أسفل 
جبل سيناء قد عرف الله بطريقة مختلفة» وكأنما قد كيف الله نفسه بما يتوافق مع كل 
شخص «أي وفقاً لفهمه)2"7. فقد صاغ أحد الأحبار هذا الأمر كما يلي: «لا يأتي الله 
إلى الإنسان ثقيل الوطء بل يأني بشكل متناسب مع قدرة الإنسان على استقباله لهو(”. 
كانت هذه الرؤية تعني أن الإنسان لا يمكنه أن يصف الله وكأنه يتبدى لكل شخص 
بذات الشكل: لقد كانت معرفة ذاتية بشكل أساسى. كل فرد كان يعرف الله بطريقة 
مختلفة» بشكل يتناسب مع متطلبات طبعه الخاص. لقد عرف كل نبي الله بشكل 
تحلك لآق سحسية البرين كانيع كور عن ميعرقةه الدج انلكا سرف لالسقا طون موحدون 
آخرون مفهوماً تماثلاً جداً لهذا المفهوم. فحتى يومنا هذا الأفكار الثيولوجية عن الله هي 
مسائل خاصة في اليهودية ولا تعززها السلطة الدينية. 


إن أي معتقد رسمي سوف يحد الغموض الأساسي حول الله. لقد استنتج اتاد 
أنه عصي على الفهم. ولم يكن نبي حتى مثل موسى قادرا على النفاذ إلى غموض الله. 
فبعد بحث مطول اعترف الملك داؤود أن محاولة فهم الله أمر ليس بذي جدوى لأنه بعيد 
جداً عن قدرة عقل الإنسان على الفهم. لقد حُّم على اليهود لفظ اسم «الله)» لأن أية 
محاولة للتعبير عنه ستكون غير كافية: كان اليهود يكتبون اسم الله «يهوى» دون أن 
يلفظوه أثناء القراءة في التوراة. نستطيع أن نعجب بأفعال الله فى الطبيعة ‏ فكما قال 
الحبرحونا ه82 - يعطينا إعجابنا هنذا فكرة بسيطة عن الحقيقة الكاملة: رلا يستطيع 
الإنسان أن يفهم معنى الرعد أو الإعصار, أو العاصفة» أو تراتب الكونء أو طبيعته» فكيف 
يتباهى إذاً بكونه قادراً على فهم أساليب ملك كل الملوك؟)”؟*). فالغاية الكلية من فكرة 
الله هي أن تشجع إحساسا لدينا بغموض وأعاجيب الحياة) وليس أن نجد حلولا بارعة لها. 
وقد حذر الأحبار الإسرائيليين من «تمجيد الله كثيراً في صلواتهم لأنه لابد أن يكون في 
كلماتهم نقص ما)6*0. 
الأحبار عن إحساسهم هذا في المفارقة التالية: «الله هو مكان العالم» لكن العالم ليس 
مكانه)7”. فالله قد أحاط العالم وغلفه. وكأنما لم يكن يعيش فيه كما تعيش الخلوقات. 
وفى واحدة من أفضل الصور التى كانوا يفضلونها قالوا أن الله ملا العالم كما تملاً الروح 


هم 


الجسد: إنها تخبره لكنها تتجاوزه. قالو إن الله كراكب حصان. فبينما يكون الراكب على 
تلات تسيدا أعق اللوواقة لكك الرا قت املك منه وهر شلك بعتاند هده ميرد 
صورة غير كافية حتماً. وكانت هناك صور تخيلته «شيء ما) لا يمكن تعريفه وضخم 
نعيش ونتحرك فيه» وبيده وجودنا. فعندما تحدثوا عن حضور الله على الارض كانوا 
حذرين جدأ كحذر الكتاب التوراتيين في تمييزهم آثار الله التي يسمح لنا برؤيتها من السر 
الإلهي الأعظم الذي لا سبيل إلى الوصول إليه. لقد أحبوا الصور السنية ليهوى وللروح 
القدس التي كانت تذكر دائماً بالله الذي نخبره» وهي ليست ممائلة للذات الإلهية. 

إحدى المترادفات المفضلة لكلمة الله كانت كلمة الشيكنة طهماءاهط9 (أي حضور 
الله على الأرض) والمشتقة من الكلمة العبرية ه5521 «أي يعيش مع أو يعيش في خيمة 
أحد ما). صورة الله بعد هدم الهيكل - الذي رافق الإسرائيليين في التيه كانت توحي بأن 
من الممكن الوصول إليه: فقال بعضهم إن الله الذي عاش مع شعبه على الأرض كان ما 
يزال يعيش على قمة الهيكل على الرغم من أنه أصبح أنقاضاً. وجادل أحبار آخرون في أن 
دمار الهيكل قد حرر الله من أورشليم» لكنه من ساكني بقية العالم'". الشيكنة «مثل 
لغور الونهي 7 الروج القدسن»ه ّ يتصوروه رد إلهيأ منفصلاً 0 تا ل ب 

تعال وشاهد 1 أن ا محبوبون أمام الله 

فحيثما ذهبوا كان يتبعهم الله. 

فكما يقال «هل كشفت عن نفسي إلى بيت أبيكم عندما كانوا في مصر؟» 

كان الشيكنة معهم في بابل. «إكراماً لكم أَزْسِلتٌ إلى بابل». 

وعندما يتم خلاص إسرائيل ذ في المستقبل سيكون الشيكنة معهم. َ 

«الرب إلهكم ري اي أي أن الله سوف يعود مع أ 640 


كانت الرابطة ب بين إسرائيل وربها قوية ذا فعندما جافيقم في الماضي كان 
الإسرائيليون 0 للك و إدلق 3ق لصت اد كان الأنيا ر بطريقتهم المميزة 
أتمات مام ١.‏ 


ساعدت لدبي المنفيين 0 تنمية 0 بحضور الله حيثما كاي فتحدث 


كم 


عند باب الكنيس مباركاً كل خطوة يخطوها يهودي وهو في طريقه إلى المكان الذي 
يتدارسون فيه دينهم» وكا الشيكتة يفف أيضاً عند باب الكنيين عندما كانوا يرتلون 
الشيما 502 سويا("©. لقد شجع الأحبار الإسرائيليين على أن يروا أنفسهم «جماعة 
موحدة؛ وجسداً واحداً وروحاً واجدة(5". وهكذا أصبحت الجماعة هى الهيكل اليد 
مدخرة الله الجوهر. فعندما يدخلون الكنس ويرتلون «الشيما» بانسجام تام «بورع وصوت 
واحد وعقل واحد وإيقاع واحد؛ فإن الله يكون حاضراً بينهم. لكن الله يكره غياب 
الانسجام في الجماعة» فيعود إلى السماء حيث تنشد الملائكة ممجدة الله (بصوت واحدء 
وين واسدع49”0, فالاتان الأعلى بيك الله وإسرائيل يتحقق :فقظ عددما يكثمل الاتحاد 
السفلي يبن إسرائيلي واسرائيلي: لقد أخبرهم الأحبار دائماً أنه عندما تتدارس جماعة من 
اليهود التوراة فإن «الشيكنة) يكون 0 


شعر اليهود بقسوة العالم ا حيط بهم في المنفى» فساعدهم هذا الإحساس بالحضور 
على الشعور بأنهم محاطون بإله خيّر. فهم يربطون تمائمهم على أيديهم وجباههم 
ويرتدون الملابس الطقسية (]21)21) » ويعلقون الوصايا العشر التي تحتوي على كلمات 
إعلان الإيمان اليهودي فوق أيواب منازلهم. يوصي سفر تثنية الاشتراع اليهود بعدم محاولة 
يع هذه الممارسات الغريية والغامضة. فإذا فعلوا ذلك فإنهم يحدون من جدواهاء ويجب 
أن يسمحوا بأداء الوصايا هذه كي تدفعهم إلى الشعور بالحب الذي يحيطهم الله به لأن 
إسرائيل محبوب! فالتوراة تحيط بها الوصايا: «العلب السوداء التي فيها الوصايا توضع على 
اليد والذراع» والوضايا: علق الباب و2028 على دلابنييي 2399 كانت هذه الأشياء 
هدايا جل اجومرات الي يقدمها ملك إلى زوجته كي تجعلها تبدو أكثر جمالاً أمام ناظريه. 
يوضح التلمود أن بعض الناس كانوا ب بتسا ءاود فيما إذا كان الله يكترث كثيراً ذ في عالم 
مظلم عي 0" *ابالقة أصيحه زوخانية الأحبار حالة معيارية في اليهودية ليس فقط بين 
الذين هربوا من أورشليم بل بين يهود الشتات» ليس لأنها كانت مبنية على أساس نظري 
متين» فالكثير من ممارسات الشريعة لم يكن لها معنى منطقي. م قبول دين الأحبار لأنه 
كان عفيدا ولآن رؤيتهم منعت سُعبهم من السقوط في جة الباين: 

اقتصر هذا النوع من الروحانية على الرجال» فالنساء لم يكن مطالبات يذلك» 
وبالتالي غير مسموح لهن أن ييحن اخبارا أ يدرسن التوراة» أو يصلين في الكنيس. 
أصبح دين الله بطري ركياً مثل معظم الأيديولوجيات الأخرى في تلك الفترة. فاقتصر دور 
المرأة على الحفاظ على الطهارة الطقسية في المنزل. منذ زمن بعيد قدس اليهود الخلق عن 


لام 


طريق فصل بنوده المتنوعة» وبهذه ا حك إحالة النشاء إلى لم منفصا عن عالم 
0 عله مإ ليب مفسرأ ع ال في ماهو علا عد دم 
مباركات م, من الل ند أن لرجال 3 قد أثرنا 0 الله أثناء صلا * الصح لأنهم عقر 
وقد شدد الأسار على تذايهها انريم ل 
الأحيان. فعندما حرم الأتضبال"الكس يع آثناء لبقتن الأنون عي تليفات إى ممرفاك: 
فمدة الامتناع كانت موضوعة بدهياً لمنع الرجل من مبادرة زوجته: بل لأن الرجل قد 
يصبح متآلفاً مع زوجته» فتصده بالتالي» تقول التوراة أن «عليها أن تقول أنها غير جاهزة 
جنسياً لمدة سبعة أيام تتلو الحيض. وبذلك ستكون محبوبة لديه كما كانت في يوم 
زواجها» '©2. قبل الذهاب إلى الكنيس في يوم عيدء أُمر الرجل باستحمام طقسي ليس 
لأنه غير نظيف بل ليجعل نفسه أكثر قداسة من أجل الشعيرة الإلهية المقدسة. ومن نفس 
المنظور أمرثٌ المرأة باستحمام طقسى بعد الحيض كى تعد نفسها لقداسة ما يتلو ذلك؛ أي 
العلاقة الجنسية مع زوجها. ستكون فكرة قداسة الجنس هذه غريبة على المسيحية التي ترى 
أحياناً الجنس والله متناقضين تبادلياً. في مرحلة لاحقة غالباً ما أعطى اليهود تفسيراً سابياً 
لهذه الإرشادات الحبرية» بيد أن الأحبار أنفسهم لم يبشروا بروحانية تنكر الحياة» أو 
بروحانية زهدية كثيبة. 


على العكس من ذلك فقد شددوا على أن على اليهود فرض في الحفاظ على 
صحتهم وسعادتهم؛ وصوروا الروح القدس - مرارأً - هاجراً شخصيات توراتية مثل يعقوب 
أو ذاؤؤة أو اس عندها كانوا مرضي أو شين (وين02" ).وكاتوا ةيدن أحياناً باللزمنور 
/١١/‏ عندما يشعرون أن الروح القدس يغادرهم «إلهي» إلهي» لماذا تخليت عني؟1). ويثير 
كذااسوالاً علنا خرن عريسة دروم العامة بن عن الصتلريب. علّم الأحبار أن الله لم يكن 
يريد العذاب للرجال والنساءء؛ بل يجب احترام الجسد والعناية به لأنه كان على صورة الله. 
فتَجَنّبُ مسرات كالخمر والجنس قد يكون مجلبة الذنب لأن الله خلقها من أجل متعة 
الرجال» وبالتالي فالله غير موجود في المعاناة والزهد. فعندما كانوا يحرضون شعبهم على 
طرق عملية الحيازة» الروح القدس إنما كانوا يطلبون منهم ‏ بمعنى ما خلق صورتهم 
بأنفسهم كما خلقها الله. ليس سهلاً القول أين بدأ عمل الله» وأين ينتهي عمل الإنسان. 
فقد جعل الأنبياء الله مسموعاً على الأرض بما يتناسب مع رؤاهم له. وهكذا أصبح 
الأحبار منشغلين بمهمة كانت بشرية وإلهية في آن معاً. فعندما صاغوا تشريعاً جديداً اعتبر 


ىم 


تشريعاً إلهيا بمقدا ماهو تشريعهم اعم" نحن طريق الكنمية «الترايدة من تعاليم النوراة لين 
العالم إنما كانوا يوسعرن من حضور الله في العالم» وجعل حضوره أكثر فاعلية. وغدا 
الاحبار مُبَجَلِين على انهه بيدا امراف ١‏ كن مولن طون أن تقض ار نينت 

لقد ساعد هذا الإحساس بإله ملازم لهم على رؤية أن البشر مقدسين. فقد علّم 
الحبر أكيفا أن الوصية «عليك أن تحب جارك محبتك لنفسك هي البدأ العظيم في 
التوراة»0؟>2. وكان العدوان على كائن بشري يلقى استنكاراً من الله ذاته» لأنه خلقه على 
صورته. وَتحاهْلٌ الله كان يعتبر محاولة تجديفية معادلة للإلحاد. فالقتل أكبر الجرائم جميعاً 
لأنه انتهاك لحرمة: (يعلمنا التوراة أن أى. شخص يريق دما يا كأنه قد نسف الصورة 
الإلهية)”' ' ©. وتقديم خدمة لكائن بشري هو محاكاة لعمل الله: إعادة انتاج لرحمة الله 
وخيريته» لأن جميع البشر قد خلقوا على صورة الله بالتالي فالجميع متساوون. حتى كبير 
الأخبان تعب أن تخلة إذا اذ عا الإسان» وعم هذا مساو لكتكار و61 
قاللة كل كلق اهو إنناناً وانجداً كو ايعلمنا أن مق يدعر سعناة تإثيسان شتال عقو يها وكا مد 
العالم كله وبالمثل فإنقاذ حياة إنسان مثل إنقاذ العالم كله»(”2. لم يكن هذا رأياً بارعاً 
فقط بل مبداً قانونياً أساسياً: وهو يعني أنه غير مسموح بالتضحية بفرد من أجل الجماعة 
خلال مذبحة منظمة مثلاً. فإذلال أي إنسان حتى وإن يكن غوييم أو عبداً كان إحدى 
الكخرمات”' الخطيرة :مساويا للقتل» وإنكاراً لصوزة الله2؟* 2 كان مق الخرية حاسماك فمن 
الصعب أن تجد إشارة واحدة إلى السجن في أدب الأحبار كله لأن الله وحده صاحب 
الحق في تقييد حرية الإنسان. ونشر فضيحة حول شخص مساو «لإنكار وجود 
الله)”* ' '2. ينبغى على اليهود ألا يعتبروا الله أخا كبيراً يراقب كل حركة من عل بل يجب 
عليهم أن نموا شغرراً الله داخل كل كائن بشري» يحيث تصبح معانلاتنا مع الأحرين 
مظاهر مقدسة. 

لا تجد الحيوانات صعوبة فى العيش وفق طبيعتهاء لككن يبدو أن البشر يجدون 
صعوبة في أن بعر يعر كابلن يدر أن اله شرك كحمعان وعد لا رضانة 
لكن يهوى أصبح مع الزمن فكرة تساعد الناس على زرع الوك والاحترام تجاه أخوتهم 
البشر» فكان بذلك سمة مميزة لأديان ار امحوري» كانت مُثُل الحا تود امن 
الدين الثانى الإلهى الذي كانت جذوره ف ف فى التراث ذاته. 


5 





الفصل الثالث 
نور إلى غير اليهود 


بدأ دين شاف يشق طريقه في شمالي فلسطين في الوقت الذي كان فيه فيلون 
يشرح أفلاطونيته الجديدة في الاسكندرية» وحليل 15:1161 وشاماي نهصدم9 كانا 
يجادلان في أورشليم. لا نعرف عن يسوع سوى النذر اليسر. فالعرض الذي قدمه لنا 
ادر مرقس اللي لم تون إلا تكن بس لام ليه يعدا شما تبحر ريسن معان 
وفاته» كان أول عرض عن حياته. وبانقضاء هذه الفترة جرى تحميل الحقائق التاريخية 
بعناصر أسطورية كانت تعبر عن المعنى الذي حمله يسوع إلى أتباعه, أي أكثر ما كان في 
وسع كانت سيرة أن يدوه نرأئ المسيحيون الأوائل فيه موسى جديد» بحو جديد, أو 
المؤسس لإسرائيل جديدة. ومثلما كان بوذاء بدا يسوع أنه كان يحمل يعطناً من أعمق 
طموحات الكثيرين من معاصريه» وأنه كان يقدم مادة للأحلام التى كانت ملازمة للشعب 
اليهودي طوال قرون. فأثناء حياته اعتقد يهود كثر في ريظن أنه كان المسيح 
المنتظر 2655148: لقد دخل أورشليم» واستقبله اليهود على أنه ابن داؤودء وبعد سنوات 
قليلة قتله الرومان بالصلب المؤلم. فعلى الرغم من فضيحة المسيح المنتظر الذي مات كما 
عوك بجعم عاديإلا أناتلاماة ل دكن بربموع أن يميدترا أن إها نيم به كان في المكان 
غير الصحيح. فسرت:طائعات: تقول أله ته من عالم الموتى. وقال ب 00 قبره قد 
وجد خالياً بعد ثلاثة أيام من صابه. ورآه آخرون في الأحلام؛ وفي 0 واحدة رأه نحو 
شخص في ليلة واحدة. لقد اعتقد تلامذته أنه سيعود قربي كي يدشن مملكة الله 
المنتظرة» وبما أنه لم يكن في هذا الاعتقاد شيء من الهرطقة فقد قبلت هذه الطائفة كطائفة 
يهودية حقه على يد احبر جماليل اعناهصة 6 الحفيد الأكبر لحليل 111161 أحد 0 طائفة 
التانايم ممتهصصة1. وكان أتباعه يتعبدون في الهيكل كل يوم مثلما كان يفعل اليهود 


1١ 


الملتزمون تماماً. وبعد أن استمدت هذه الطائفة إلهاماً من حياة وموت وبعث يسوع ستغدو 
ديناً غير يهودي» وسوف يطور تصوره المميز لله. 


في فترة موت يسوع حوالي /.٠7م/‏ كان اليهود موحدين متحمسينء لذلك الع يكن 
يتوقع أحد أن يكون المسيح المنتظر شخصاً إلهي: : بل بكل بساطة بشرا عادياً متميزاً. وقد 
اقترح بعض الأحبار أن سما قوق كانه اتعرؤ فكي اميد الأرلن: وبذلك المعنى بالإمكان 
القول إن المسيح المنتظر كان مع الله قبل بداية الزمان مثل شخصية الحكمة الإلهية في 
الأمثال واممجمع الكنسي. توقع اليهود أن يكون المسيح المنتظر لفقي نهد اناك لالت 
داؤود ‏ الملك والقائد الروحي الذي أسس أول مملكة يهودية مستقلة في أورشليم. فالمزامير 
تسميه أحياناً داؤود أو ميسيا «ابن الله) لكن هذه التسمية كانت مجرد طريقة للتعبير عن 
قربه من يهوى. فمنذ العودة من بابل لم يكن يتخيل أحد أن يهوى كان له فعلاً ولد على 
غرار آلهة الغوييم الوثنيين. 


يقدم إنجيل مرقس - الأكثر وثوقية - يسوع رجلاً سوياً تامأ في أسرة فيها أخوة 
وأخوات. لم تعلن ملائكة عن ولادته ولم تنتشر على مزوده. ولم يكن متميزاً خلال 
طفولته أو مراهقته. وعندما بدأ يبشر دهش أبناء بلدته في الناصرة من أن ابن النجار ا حلي 
سيصبح معجزة. ا 
الزاهد الجوال: من امحتمل أنه كان أحد أتباع الأديرة الأيسنية مءوو©. كان يوحنا يعتبر 
مؤسسة أورشليم فاسدة لا سبيل إلى إصلاحهاء وكان يشتجبها في مواغظة. ا 
على التوبة, في 0 بالطهيس كن عرنق م 2 
252008 يوحنا. وخر مرقس 00 000 5 السموات قد 
انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه» وكان صوت من السموات. أنت ابني ا حبيب 
الذي به 0 0 ٠‏ وفي الخال تعرف يوحن المعمدان 0 يسوع بأنه جح 7 


ا ا 


هناك تضارب كبير حول الطبيعة الدقيقة لمهمة يسوع. فلم تدون الأناجيل سوى 
كلمات قلائل من كلماته» فمادة الأناجيل قد تأثرت بالتطورات اللاحقة التى حدثئت في 
الكنائس التي اسست بعد وفاة القديس بطرسء» مع ذلك هناك دلائل تشير إلى الطبيعة 
اليهودية لدعوته أساساً. لقد اتضح أن مجددي الدين كانوا شخصيات دينية مألوفة في 


45 


الجليل: كانوا متسولين مثل يسوع؛ ويعظونء ويداوون المرضىء ويطردون الشياطين. فكان 
لدى هؤلاء الرجال المقدسين من الجليل عدداً كبيراً من التلاميذ كانوا من النساء مثلهم في 
ذلك مثل يسوع. بينما يجادل آخرون في احتمالية أن يسوع كان فريسياً من نفس مدرسة 
حليل 11:0161» وكذلك بولص الذي قال إنه فريسى قبل أن يتحول عن دينه إلى المسيحية 
وقيل إنه كان يجلس عند قدمي الحبر جماليل اءذاهصة 20 . بكل تأكيد كانت تعاليم 
يسوع منسجمة مع معتقدات الفريسيين لكنه كان يعتقد أيضاً أن المحبة والطيبة هما الأكثر 
أهمية في الوصايا. كان مخلصاً للتوراة - مثل الفريسيين ‏ وقيل أنه كان يعظ بالتقيد 
الشديد بها أكثر مما وعظ به العديد من معاصريه”». وعلّم كذلك رواية حليل/ القاعدة 
الذهبية 12116 001065 156/ عندما كان يدافع عن إمكانية اختصار الشريعة كلها في 
البديهية القائلة: «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك)27؟2. وقد صُوّر عيسى في انجيل متى 
وهو يلقي خطباً عنيفة» بالأحرى غير مهذبة «(ضد الناسخين 5وأوط1ره50 و الفريسيين)؛ ا 
إياهم سائقين تافيين 9 بيضرقك "الس غم كوخ هذا يشريه الجقائق "وتقيظا خنار نا 
للمحبة التي يفترض أنها السمة المميزة لرسالته» كذلك فإن الشجب المر للفريسيين غير 
صحيح بكل تأكيد. فلوقا ‏ مثلاً - يعطي الفريسيين دوراً جيداً سواء في أنجيله أو في أعمال 
الرسل. ولو صحٌ أن الفريسيين كانوا أعداء ألداء ليسوع وطاردوةٌ حتى الموت» لو صح ذلك 
لكان بولص أنكر خلفيته الفريسية ففي إنبجيل متى تعكس النزعة المعادية للسامية التوتر الذي 
كان موجودا بين اليهودية والمسيحية خلال الثمانينات. فالأناجيل تصور يسوع يأو ل 
الفريسيين لكن نقاشهم كان إما ودياً أو قد يعكس عدم اتفاق مع أعتى مدرسة 
للسامية 201081ة5. 

بعد وفاة يسوع قرر أتباعه أنه كان إلهياء ولم يحدث هذا حال كما اسدرف لاحقا 
لأن الاعتقاد بأن يسوع هو الله في شكل بشري لم يتخذ صيغته النهائية هذه حتى القرن 
الرابع الميلادي. كان تطور الاعتقاد المسيحي بالتقمص عملية معقدة تدريجية. يسوع 
شخصياً لم يزعم أنه كان إلهاً. وقد سمي عند تعميده «ابن الله بصوت هاتف من السماء 
- ومن امحتمل أن هذه التسمية كانت مجرد تأكيد على أنه هو المسيح المنتظر الحبيب. لم 
يكن هناك شيء غير عادي في إعلان كهذا من الأعلى. لقد عرف الأحبار في أغلب 
الأحيان ما أسموه 861201 والتي تعني حرفياً «ابئة الصوت»؛ أي شكل إلهام قد حل محل 
التجليات النبوية المباشرة29. فقد سمع الحبر يونان بن زكي هذا الفو تخاو كدا ننه 
عندما نزل عليه الروح القدس وعلى تلامذته في شكل نار. بينما اعتاد يسوع على تسمية 
نفسه «ابن الإنسان). فقد حدث جدل كبير حول هذا اللقب» لكن يبدو أن العبارة 


053 


الآرامية الأساسية 8 83 قد شددت على ضعف وفناء الحالة البشرية: ويبدو أن يسوع 
قد خرج عن أسلوبه ِيَوٌ كد أنه كائن بشري ضعيف» آنه سوف يعدب وافوك داك يوم. 
تخبرنا الأناجيل أن الله أعطى يسوع قدرات إلهية مكنته ‏ مع أنه كان مجرد بشر ‏ 
من القيام بمهمات تشبه أفعال الله: شفاء المرضى» ومغفرة الذنوب. فعندما رأى الناس 
يسوع مؤدياً عتمله رأوا فية:ضورة حية تتتفين لكيه الله. ففي إحدى المناسبات أعلن ثلاثة 
من تلاميذه أنهم رأوا هذا الشبه أكثر مما رآه الآخرون. لقد حفظت هذه القصة في ثلاثة 
أناجا سفونة 'وسكون لوا أهية كيزه لجال بالسشمه لمحيو ديرا القغية أن 
يسوع اصطحب بولص وجيمسء وحنا إلى قمة جبل عالٍ يعرف باسم جبل توبار 10685 
في الجليل. وهناك تغير شكله «وتغيرت هيئته قدامهم» وأضاء وجهه كالشمس» وصارت 
ثيابه بيضاء كالنور)”. ثم ظهر موسى وإيليا فجأة ‏ اللذان يمثلان الشريعة والأنبياء ‏ » 
وقفا بجانبه» وتحادث الثلاثة سوياً. أغمي على بطرس» فصاح بصوت عالٍ غير مدرك لما 
قال: أن عليهم أن يبنوا ثلاثة معابد إحياء لذكرى هذه الرؤيا. ثم غطت غيمة بيضاء ‏ 
كالغيمة التي نزلت على جبل سيناء - قمة الجبل وأعلنت ابنة الهاتف: «هذا هو ابنى 
الحبيب اذى عر له اسمعوا)”». عندما فسر المسيحيون هذه الرؤيا بعد قرون و 
أن قدرات الله أشرقت من خلال بشرية يسوع المتحولة الشكل. كما أشاروا إلى أن يسوع 
لم يدع أبداً أن هذه القدرات الإلهية كانت مقتصرة عليه وحده؛ وقد أسمىي هؤلاء هذه 
القدرات ديناميات 165ومو2 مثلما أسماها فيلون. وقد وعد يسوع مراراً أن تلامذته 
سوف يتمتعون بهذه القدرات إذا ما آمنوا به. فلم يكن يعني أن كلمة الإيمان هي تبن للدين 
الصحيح بل غرس موقف خضوع داخلي وانفتاح إلى الله. فإذا كان تلامذته منفتحين إلى 
الله دون تحفظ فإنهم سيكونون قادرين على فعل كل شيء كان بإمكان يسوع أن يفعله. 
لم يكن يعتقد يسوع ما اعتقده الأحبار ‏ أن الروح كان حكراً على نخبة ذات امتياز بل 
ملكا لكل البشر من ذوي الإرادة اللذيرة . وتوحي بعض الفقرات أن يسوع اعتقد ‏ مثلما 
اعتقد الأحبار - أن الغوييم حت حتى قد يتلقون الروح أيضاً. فإذا أمن تلامذته فإنهم سيتمكنون 
من القيام بأشياء أكبر حتى . وبالتالي لن يكون في وسعهم غفران الذنوب», وطرد الشياطين 
فقط بل رمي جبل في البحر”' '2. إنهم سيكتشفون أن حيواتهم الفانية الضعيفة قد تحولت 
بقدرات الله التي كانت موجودة وفعالة في عالم المسيحية المنتظرة. 


بعد وفاة يسوع لم يستطع تلامذته التخلي عن إيمانهم بأنه قد قدم بشكل ما صورة 
عن الله. فقد بدؤوا يصلون له في فترة مبكرة. اعتقد القديس بولص أن قدرات الله يجب 


185: 





أن تكون في متناول الغوييم» وبدأ يبشر بالإنجيل فيما يعرف الآن باسم تركياء ومقدونية 
واليونان. اعتقد أن باستطاعة غير اليهود أن يصبحوا أفرادً في إسرائيل الجديدة حتى وإن لم 
يتقيدوا بشريعة موسى كلها. كان اعتقاده هذا تمخطيئاً لجماعة من التلاميذ الذين أرادوا أن 
يبقوا طائفة يهودية استثنائية؛ فاختلفوا مع بولص بعد جدالٍ حام. فمعظم الذين تبعوا بولص 
كانوا إما بوؤد “شتات أو من الخائفين من الله وهكذا بقيت إسرائيل الجديدة يهودية 
بعمق.. لم يدع بولص يسوع «الله) بل اسماه «ابن الله) بالمعنى اليهودي للعبارة. بالتأكيد 
لم يكن يعتقد أن يسوع كان تجسيدا لله ذاته» بل امتلك بكل بساطة ‏ قدرات الله 
وروحة اللنيق أظهرةا قدرة الله على الأرضن» وينبغي ألا نعتبرهما الجوهر الإلهي الذي لا 
سبيل إلى مغرفتة: “فليس 'مسعغرياً أن ند دائماً عند المسيحيين الجذد معنى. هذين القارقين 
بحيث أصبح في النهاية إنساناً أكد على ضعفه وعلى بشريته الفانية وسيغدو إلهاً. الاعتقاد 
بتجسد (حلولية) الله في يسوع كان دائما فضحا لليهود؛ واعتبره المسلمون لاحقأ تجديفا. 
إنه اعتقاد صعب ينطوي على بعض الخاطر» وقد فسره المسيحيون بشكل فج تماماً. مع 
ذلك كان هذا النوع من الإيمان بالتجسيد موضوعاً مستمراً في تاريخ الدين. فكما سنرى 
لاحقا فقد طور اليهود والمسيحيون ثيولوجيات ممائلة خاصة بهم تدعو للذهول. 

يمكننا أن نرى الحافز الديني الكامن وراء هذا التقديس المذهل ليسوع بإلقاء نظرة 
سريعة على بعض التطورات فى الهند فى الفترة الزمنية ذاتها تقريباً. كان فى البوذية 
والهندوسية ميل كاسح للولاء إلى كائنات ممجدة مثل بوذا أو الآلهة الهندوسية التي كانت 
تظهر في شكل بشري - فهذا النوع من الولاء الشخصي الذي يعرف باسم 


بها كتي 8211 كان يعبر عن تعلق بشري متكرر بدين مؤنسن. فكان هذا الميل توجهاً 
جديذا عاماء مع ذلك كان متكاملاً في كلا الدينين ‏ في الدين دون مساومة على 
الأولويانك الأسامييةة 


بعد موت بوذا فى القرن السادس ق.م كان طبيعياً أن يرغب الناس يذكرى منه» مع 
ولك شعووا أن تمثالاً لم يكن يليق به لأنه لم يعد موجوداً في الاستنارة أي معنى عادي. 
ب ذلك تطور الحب الشخصي لبوذاء وأصححة الحاجة إلى تأمل إنسانيته المستنيرة قوية 
جد لدرجة أن ظهرت التمائيل الأولى لبوذا في القرن الأول ق.م في قاندهار وفي شمالي 
غرب الهند» وماتورا على نهر جوما. فالطاقة والإلهام المستمدين من ثمائيل كهذه كانتا 
تمدانهم بأهمية مركزية في الروحانية البوذيةء حتى وإن يكن هذا الولاء إلى كائن خخارج 
الذات, فكان هذا الولاء مخبلفاً جداً عن الالتزام الداخلي الذي نادى به غاوتاما 
8 فجميع الاديان تتغير وتتطور) ا لم تفعل تفعل ذلك فإن الناس سوف يهملونها. 


كان 


لقد وجدت أغلبية البوذيين الولاء الشخصي انيه لوودة عل اح عر أنه كان يذكرها 
بحقائق أساسية كانت مهددة بخطر الضياع. فعندما بلغ بوذا الاستنارة لاول مرة» يتذكر 
ابرق أن بوذا قد أغرئ بأن يحتفظ يها لفدة لكن رحمعه على البقترية المعذية أجيرته 
على قضاء السنوات الأربعين التالية مبشراً بطريقته. فحتى الرهبان البوذيون - في القرن 
الأول الميلادي ‏ الذين حبسوا أنفسهم محاولين بلوغ الاستنارة بدوا أنهم قد فقدوا رؤية 
بوذا هذه. شعر كثيرون أن حياة الرهبنة أكثر من طاقتهم. في نهاية القن الأول الميلادي 
ظهر نوع جديد للبطل البوذي هو بود هيساتافا 111538908 800 الذي كان يقتدي ببوذا 
مؤجلاً استنارته الخاصة به ومضحياً بنفسه من أجل الناس» وكان مستعداً لاحتمال الولادة 
الجديدة كي ينقذ أناساً يتألون. وئرى مُكل هذا البطل في /مواعظ في كمال الحكمة/ الذي 
جمع في نهاية القرن الأول الميلادي: 

لا تتمن بلوغ استنارتهم؛ بل على العكس من ذلك. 

لقد مسحوا عالم الوجود المؤلم جداًء ومع ذلك فهم راغبون 

بالحصول على الاستنارة المثلى. إنهم لا يرتعشون عند الولادة والموت 

لقد انطلقرا من أجل صالح العالم. من أجل سكينة العالم» 

من الشفقة على العالم. لقد اتخذوا قرارهم: «سوف نصبح ملجأ العالم» 

مكان الرّاحة للعالم. الراحة النهائية للعالم» جَرْرَ العالم, أنوار العالم 

أدلاء سبل العالم إلى الخلاص2707. 

كان في هذا النموذج مصدراً لامتناهياً من الجودة» وبإمكانه مساعدة ذوي 
الروحانية الاقل منهم. فالشخص الذي كان يصلي إلى بود هيساتافا كان يولد من جديد 
في واحدة من جنات الكون البوذي حيث الشروط المفروضة لبلوغ الاستنارة أكثر يسراً. 
يشدد النص على عدم تفسير هذه الأفكار حرفياً. إذ لا علاقة لها بالمنطق العادي» 

ولا بأحداث هذا العالم» بل كانت مجرد رموز لحقيقة محيرة أكثر. وفى القرن 
الثاني الميلادي استخدم ناغارجونا 8 اللفيلسوف الذي اق مدر 
الخلاء 001 7010 الطريقة القائمة على الجدل والتناقض لإثبات عدم كفاءة اللغة 
المفهومية العادية. لقد أكد على أن الحقائق المطلقة لا يمكن فهمها إلا حدسياً فقط» عبر 
خطوات التأمل العقلي. فحتى تعاليم بوذا كانت تقليدية: مُثُلُ صنعها الإنسان وبالتالي لم 
تكن منصفة للحقيقة التي حاول أن يعبر عنها. طور البوذيون الذين تبنوا هذه الفلسفة 
اعتقاداً فحواه» كل شيء نعرفه هو مجرد وهم: في الغرب نسمي هؤلاء مثاليين. فالمطلق 


415 


الذي هو الجوهر الداخلي لجميع الأشياء هو خالٍ (فراغ)؛ لاشيء؛ لا وجود له بالمعنى 
العادي. فكان من الطبيعي مماثلة فرع هذا بالاستنارة. فبوذياً مثل غاوتاما بلغ الاستنارة 
أصبح منطقياً - استنارة وكان ممائلاً للمطلق. وكل من كان يسعى إلى الاستنارة كا يسعى 
أيضاً إلى المساواة مع بوذا. 


ليس عسيراً أن نرى أن هذا الولاء البهاكيتي لبوذا والبوهستافا كان ممائلاً للولاء 
المسيحي ليسوع. فقد جعل هذا الولاء الإيمان في متناول أناس أكشرء بالأحرى أكثر مما تمنى 
بولص أن يجعل اليهردية في متناول الغوييم. كان هناك تدفق ممائل للبهاكيتى فى 
الهندوسية في الوقت ذاته. كان يركز على شخصيتى فيشنو وشيفا وهما الأكثر أهمية من 
بين الألهة الفيدية. وهكذا فقد أثبت الولاء الشبعين من جديدء أنه أقوى من الراحة 
الفلسفية في الأبانيشادز. فكانت النتيجة أن طور الهندوس ثالوثاً: براهمن؛ شيفاء فيشنو. 
هؤلاء ثلاثة رموز أو وجوه لحقيقة واحدة لا سبيل إلى فهمها. 

سيكون أكثر نفعاً ‏ أحياناً ‏ تأمل سر الله تحت وجه شيفا الإله المتناقض: إله الخير 
والشر, المخصب والزهدء الخالق والمدمر. ففي الأسطورة المعروفة باسم يوغي زعملا كان 
شيفا عظيماً كذلك؛ ولذلك كان يلهم عابديه, تجاوز المفاهيم الشخصية للألوهة عن طريق 
التأمل: :يكنا كاك 'فيشيرعادة: أكر لطفا ومرحاء يبعت أن يظلهر :نقضة إلى" البس فى 
تجسيدات متنوعة. إحدى تجسيداته الأكثر شهرة هي شخصية كريشنا الذي ولد في أسرة 
نبيلق» لكنه ترعرع كراعي بقر. لقد أحبت النزعة الأسطورية الشعبية قصص مداعباته 
للراعيات» صورت هذه القصص الله كعاشق للروح» مع ذلك فظهور فيشنو للأمير 
أرجونا 8 في باهافاد جيتا 61:2 - 852598520 كان تجربة مرعبة: 


أنا أرى الآلهة في جسدك أيها الإل وحشوداً من مخلوقات مسوعة: 

براهمن الخالق الكوني على عرش من النيلوفر 

وجميع الرائين والأفاعي السماوية!""©. 

كل شىء موجود بشكل ما فى جسد كريشنا: «ليس له بداية أو نهاية؛ يملا الفضاء 

ويضمل كل إله ممكن: آلهة العاصفة المولولة» آلهة الشمس» آلهة النور» وآلهة الطاقس 
الديني)” “كيه ايها الروح إنسان لا تتعب»» وجوهر الإنسائية2 © . تندفع جميع الأشياء 
إلى كريشنا مثلما تجري الأنهار إلى البحر, أو كما تطير الفراشات حول لهب متأجج. كل 
ما كان باستطاعة أرجونا فعله وهو يتأمل المنظر المليء بالرهة هوا أن يوز ويرتعتن بعد أن 
فقد كل قدرته على الاحتمال. 


/ا5 





لقد لبى تطور البهاكتى حاجة شعبية ذات جذور عميقة: إيجاد نوع من علاقة 
شخصية مع المطلق فبعد إرساء براهمن كمتعالٍ تماماً أصبح هناك خطر أنه قد يصبح أكثر 
ندرة وبالتالي يتلا سى من الوعي البشري مثله مثل إله السيماء القديم. ويبدو ان نشوء المثل 
الأعلى في بودهيستافا في البوذية وأفاتار 15 فيشنو يمثل مرحلة احرى في التطور 
الديني عندما يصر الناس أن المطلق لا يمكن أن يكون أقل من بشر. تنكر هذه المعتقدات 
والأساطير الرمزية أن بالإمكان التعبير عن المطلق من خلال ظهور واحد فقط. وبالتالي كان 
هناك عدة بوذات» وبوهيستافات» وفيشنوات» أي شخصية واحدة ذات تمظهرات متنوعة. 
كما تعبر هذه الأساطير أيضاً عن مثل أعلى للبشرية: إنها تبين البشر مستنيرين أو متحدين 
(من الفعل تحدّى) كما أريد لهم أن يكونوا. 

كان هناك ظمأ مائل ار الإنويدان البيودية يكلو القزة” الأول اماي 
والذي أوسعن الدين الذي تعرفه الآن 35 المسيحية 1 ا محل 
التوراة ككشف أساسي لله ذاته إلى العاله'” '©2. فليس سهلاً أن نعرف بالضبط ماالذي عناه 
بقوله هذا. كانت رسائل بولص ردوداً ا على أمئلة محددة» أكثر مما هي عرض 
فكلمة 36ر0 أي المسيح كانت الترجمة للكلمة اليهودية ميسيا أي الشخص الممسوح 
وحتى كيهودي لم يعتقد بولص أن يسوع كان الله مجسداً. لقد كان يستخدم العبارة 
التالية باستمرار: «في المسيح) ليتحدث عن تجربته مع يسوع, المسيحيون يحيون في المسيح» 
وأنهم قد عُمَّدوا في موته والكنيسة تكوّن حجحسدة بشكل 200 فهذه لم نكن الحقيقة 
التي كان يستخدمها بولص بشكل منطقي. فمثله مثل الكثيرين من اليهود في تبنيه لنظرة 
معتمة للعقلانية اليونانية التي وصفها أنها «سخافة»؟©. لقد كانت تجربة ذاتية وصوفية 
جعلته يتحدث عن يسوع كنوع من جو عام «نعيش» ونتحرك؛ ونحقق وجودنا فيه)(2'". 
لقد اصبح يموع مصدر بجربة بولص الدينية: ولذلك كان يتحدث عنه َأُسَالِيْتَ ربا 
استخدمها معاصروه للحديث عن الله. 


عندما تحدث بولص عن الدين الذي سُلْمْ إليه قال: إن برع بات ومات من 
أجل ذنوينا» © كما بين أن تلاميذ يسبوع صُدموا في مرحلة مبكرة جلا بلطي 16 
وقد فشر بولص ذلك بأنه كان من أجل خيرنا نحن. وسوف نرى في الفصل التاسع أن 


3184 


النيوة موقن يعدو تقميرا ائلة للنهاية الفضائحية لمسيح منتظر آخر في القرن السابع 
عشر. لقد شعر المسيحيون الأوائل أن يسوع كان مايزال حي - بطريقة غامضة - وأن 
القدرات لعي حازها أصبحت مجسدة فيهم كما وعدهم. ونعرف من رسائل بولص أن 
امحين الأرائن عرفوا جميع التجارب غير العادية التي كانت تدل على ظهور نوع 
جديد من البشر: أصبح بعضهم شافين دينيين» وتحدث بعضهم بلغات سماوية» ونقل 
آخرون ما اعتقدوا أنها نبوءات أوحاها الله لهم. لقد كانت المراسم الكلسية ضاخيق شؤوناً 
ناو كلف هنا عن اد لد مقن كبيس له لقلاي أن مرك اللييم كان ا 
عقا بشكل ماء لقد أطلق «نوعاً جديداً من الحياة) و «خلقاً جديداً» وهاتان الفكرتان هما 
موضوعان ثابتان في رسائل بولص” ©. 

علق أية حال لم يكن هناك نظريات تفصيلية حول الصلب ككفارة ل«ذنب من 
الكبائرة.. وسترى أن هذه الثيولوجيا لم تنشأ حتى القرن الرابع» وكانت هامة في الغرب 
فقط. لم يحاول بولص وكذلك كتّاب العهد الجديد القيام بشرح الخلاص الذي عرفوه 
بشكل محدد ودقيق. مع ذلك كانت فكرة ا موت القرباني للمسيح ممائلة للمثل الأعلى في 
بودهيستافا الذي كان يتطور في الهند في هذا الوقت تماماً. وهكذا أصبح المسيح وسيطاً 
بين البشر والمطلق» مثله في ذلك مثل بود هستافا. والفارق بينهما هو أن المسيح كان 
الوسيط الوحيد, وأن الخلاص الذي أرساه لم يكن إلهاماً ما غير متحقق في المستقبل مثل 
إلهام البودهستافا بل امسرممعة ن8. أكد بولص على أن تضحية يسوع كانت فريدة. 
وعلى الرغم من أنه اعتقد أن عذاباته نيابة عن الآخرين كانت مفيدة فإن بولص كان 
واضحاً: عذاب يسوع وموته كانا في ضُرَة مختلفة تماما' "2. فهنا خطر كامن. فالبوذيه 
و/أفاتار/ وجهغ08ه المتناقضة الخيالية كا المؤمن أنه لا يمكن التعيبر عن الحقيقة النهائية 
بشكل كافي. فالتجسيد الوحيد في المسيحية يعني أن حقيقة الله التي لا تنضب قد ظهرت 
في كائن بشري واحدء وقد يؤدي إلى نمط وثني غير ناضج. 

لقد أكد يسوع أن قدرات الله لم تكن له وحدهء وقد طور بولص هذه الرؤية 
بالقول: إن يسوع كان المثل الأول لنمط جديد من البشر. فهو لم يفعل كل سشيء عجزت 
عن تحقيقه إسرائيل القديمة فقطء بل لقد أصبح آدم الجديد, البشرية الجديدة التي كانت 
تشمل جميع البشر حتى الفوبيم» وعليهم المشاركة في ذلك بطريقة م؟". لم يكن هذا 
الاعتقاد مماثلاً للاعتقاد البوذي أن جميع البوذيين قد أصبحوا واحداً مع المطلق - إذ أن 
المثل الأعلى للبشرية كان قائماً على المشاركة 


19 


لع ل لجان رسيي م 0 

موقف التضحية بالنفس كما 9 يسوع: 

«فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح الذي إذا كان في صورة الله لم 

يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. ا 

صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى 

الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضاء وأعطاه اسمأ فوق كل أسم. 

لكي تر باسم يسوعٌ كل رُكبةٍ من في السماء ومن على الأرض ومن 

تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله 

الآب77", 
من وجود قبلي مع الله قبل أن يصبح إنساناً في عملية «إفراغ للذات»» فقرر المشاركة في 
معاناة الشرط الإنسانى كما فعل بودهيستافا تماماً. كان بولص يهودياً أيضاً لدرجة جعاته 
يقبل فكرة وجود المسيح كله ثان بجانب يهوى منذ الأزل. وتوضح الترنيمة كذلك أنه 
بعد تمجيده مايزال متميزا عن الله وأقل مرتبة منه» الله الذي يرفعه ويسبغ عليه لقب 
كيريوس 1495105 فلا يستطيع احتماله بذاته. فأعطى هذا اللقب فقط «(إلى مجد الله 
الآب). 


بعد مضي نحو /40 سنة/ قدم كاتب انجيل يوحنا (الذي دونه في عام /١٠٠/م.‏ 
اقتراحاً تماثلاً. فقد وصف في مقدمته الكلمة «اللوغوس» التي كانت «مع الله من البداية) 
وكانت وسيلة الخلق: 

في البدء كان الكلمةع والكلمة كانت عند الله وكانت الكلمة الله. 
هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما 


كان)9 "2 


لم يستخدم الكاتب كلمة «اللوغوس» اليونانية بالمعنى نفسه الذي استخدمه فيلون: 
يبدو أنه كان أكثر انسجاماً مع اليهودية الفلسطينية أكثر مما كان مع اليهودية المهلننة. في 
الترجمات الارامية للتوراة المعروفة باسم 05نناع:72 التى كانت قد جمعت فى هذا 0 
فإن كلمة ميرما هسع»ء)< (أي كلمة) كانت اتستخدم لوصف فعل الله في العالم. إنها 
تؤدي الوظيفة نفسها التي تؤديها كلمات تقنية ة أخرى مثل 1واع عظمة» ٠»‏ «الروح القدوس» 
أو الشيكنة التي كانت تؤكد على الفارق بين حضور الله في العالم وبين حقيقة ذات الله 


١٠د‎ 


التي لا يمكن فهمها. كانت الكلمة ترمز إلى خطة الله فى الخلق الأساسية؛ مثلها مثل 
المكينة الإلهية. فعندما يتحدث بولص ويوحنا عن المسيح فإنهما يفعلان ذلك. وكأنما كان 
ذا وجود سابق» ولم يكونا يقترحان أنه كان ذاتاً إلهية ثانية بالمعنى التثليثي اللاحق. قالا إن 
يسوع قد تعالى على الآني وعن حالات الوجود الفردي. ولأن القدرة والحكمة اللتين كان 
يقدمهما كانتا فعاليتين مستمدتين من الله» لقد عبر بشكل ما «عما كان موجوداً هناك منذ 
البداية)2” '©, 


كانت هذه الأفكار مفهومة في نص يهودي تماماًء على الرغم من أن المسيحيين 
طاح وار د ولو لور كص ا ب ال 
مفهوما ع تماماً. م عيد اا اعرد عندما كان - مئات اليهود في 
ينزل على 0 يسوع. لقد سمعوا (كما من هبوب ريح عاصفة.. وظهرت لهم السنة 
منقسمة كأنها من نار)” ©. لقد أظهر الروح القدس نفسه لهؤلاء المسيحيين اليهود الأول 
مثلما ظهر لمعاصريهم التانيم «تندهة57. وفي الحال اندفع التلاميذ خارجاً وبدأوا بوعظ 
حشود من اليهود الذين يخشود الله من «فرتيين» ويهود. وعيلاميين والساكنين ما بين 
النهرين» واليهودية» وكبدوكية وبنتس» وأسياء وفريجية» وبمفيلية ومصرء ونواحي 
- (57؟) 
لمشية )د 7 


ولدهشتهم فقد سمع كل منهم الرسل وهم يعظون بلغة الروح القدس. وعندما 
نهض بولص كي يخاطبهم قدم هذه الظاهرة على أنها ذروة اليهودية. فالأنبياء قد تنبؤوا 
باليوم الذي يسكب الله فيه روحه على البشرء حتى النساء والعبيد سيرون رؤى ويحلمون 
أحلاماً””"©. سيدشن هذا اليوم مملكة المسيح المنتظر عندما سيعيش الله مع شعبه على 
الأرض. لم يقل بطرس إن يسوع الناصري كان إِلهأء بل كان وإنساناً أرسله الله لكم 
بمعجزات وأعاجيب ودلائل قام بها الله من خلاله عندما كان بينكم» وبعد موته الوحشي 
رفعه الله إلى الحياة وكرمه بمرتبة رفيعة خاصة «بيد الله اليمنى». فقد تنبأ الأنبياء ومنشدو 
المزامير بهذه الأحداث. وهكذا فإن «بيت إسرائيل كله) كان بوسعه التأكد من «أن يسوع 
كان المسيح المنتظر منذ أمد بعيد)7 ©. فكما يبدو كانت هذه الكلمة رسالة المسيحيين 
الأوائل. 

في نهاية القرن الرابع كانت المسيحية قد أصبحت قوية خاصة في الأماكن التي 


١٠١ 


أورد يؤل اعمال الرسل ذكرها أعلاه. فضربت جذرها في الكنس اليهودية في الشتات» 
وجذبت عدداً 0 من الذين يخشون الله أو المهتدين ديكا بدت يهودية بولص التي 
طالها الإصلاح أنها تخاطب الكثير من مازقهم. لقند تكلموا أيضا بالتتته ككيرة ة مفتقرين إلى 
عبوت مرج موقت رايط عسوم وأصبح الكثيرون من يهود الشتات يعتبرون الهيكل 

في أورشليم الذي كان مبللاً بدماء الحيوانات مؤسسة بربرية بدائية. تحفظ أعمال الرسل 
هذه النظرة في قصة ستيفان «عطمء]5 - يهودي هيلينستي تحول إل طائقة سبو ع2 ورجمه 
الل الخااك الايودي حت الت جيةة الرازينه ففي كلمته المؤثرة الأخيرة قال ستيفان 
أن الهيكل كان إهانة لطبيعة الله: المتعالي لا يعيش في ينك يدنه ايد أللق 27 :إعبدق 
عضن وهرد العنات التوووية الالمدية الى كلوه الأحبار د ضير الهيك 4 يتا وعد 
اغروه أن السيعية كادت قم إجاياك عن يعض نجنها ز لانهية غول مكالة التوراة برعا 
اليهودية. كانت المسيحية جذابة للذين يخشون الله بشكل خاصء هؤلاء الذين استطاعوا 
أن يصبحوا أعضاء كاملي العضوية في إسرائيل الجديدة دون عبء القوانين ن التي بلغ عددها 
1 قانونا. 


استمر المسيحيون ‏ خلال القرن الأول في تفكيرهم حول الله والصلاة له بصفتهم 
يهوداً» وكانوا يجادلون كالأحبار» وكنائسهم ممائلة لكنس اليهودية. وحدثت مشادات 
عنيقة في الثمانينات مع اليهود عندما كانوا يطردون المسيحيين من الكنس بسبب رفضهم 
التقيد بالتوراة. فقد رأينا أن اليهودية قد جذبت العديد إلى اعتناقها في العقود الأولى من 
لقرن الأول» لكن مركز اليهود تراجع بعد عام / / بعد الإشكالات التي عدت بانع 
الامبراطورية الرومانية ما أدى إلى تحول الذين يخشون الله إلى المسيحية. وقد أدى ذلك 
ان جل 'البهود. ودكوة مشي البيودية الو لغد تحرل النارن. عنقم التهوقية إلى 
المسيحية» ومعظمهم من العبيد والطبقات الدنيا. ولم تحن نهاية القرن الثاني حتى أصبح 
الوثنيون ذوو الثقافة العالية المستوى مسيحيين» وكانوا قادرين على شرح الدين الجديد إلى 
عالم وثني يشكل الشك سمة له. 


اعتبرت المسيحية في الامبراطورية الرومانية فرعاً من اليهودية وعندما أوضح 
المسيحيون أنهم ما عادوا أعضاء في الكنس فقد عوملوا باحتقار على أنهم جماعة من 
المتعصبين الذين ارتكبونا ذتباً كبيراً لعدم التقوى ولانفصالهم عن الدين الأم. كانت روح 
الجماعة الرومانية محافظة جداً: كانت تقدر سيلطة رت الأبيرة والحاداتك السلقية ركان 
التقدم عبارة عن عودة إلى عصر ذهبي وليس كمسيرة لا خوف منها إلى الأمام في 


لستقبل» ولم تكن القطبعة مع الماضي خطوة إبداعية» كما هي الحال في مجتمعنا الذي 
اع ا دستوراً. فالتجديد كإن يجي عر ونديوا: كان ١‏ الرومان تساورهم شكوك 
كثيرة من الحركات الجماهيرية التي رمت قيود التراث» وكانوا متأهبين لحماية مواطنيهم من 
حدوث هزة دينية. فروح قلق واضطراب كانت تعم الامبراطورية كلها. لقد جعلت تجربة 
العيش في امبراطورية دولية ضخمة الالهة القديمة تبدو صغيرة وغير كافية» بعد أن أصبح 
الناس عارفين الحضارات كانت غريية عنهم ومزعجة لهم. أدى ذلك إلى سعي الرومان إلى 
إحلال روح جديدة. لقد تم استيراد الأديان الشرقية إلى أوزوياء-فكان الباس رسدوق الهة 
مثل إيزيس وسيميل 56 إلى جانب الآلهة القديمة في روما على أنها حارسة للدولة. 
فخلال-القرن: الأول قدمّت الأديان السرية الخلاص إلى مدخليها؛ وما كان يبدو معرفة 
داخلية للعالم الآخر. بيد أن الحماس الجديد لم يشكل تهديداً للاستقرار القديم. فالآلهة 
الشرقية لم تطلب ا جذرياًء أو إهمالاً للشعائر المألوفة بل كانت» مثل قديسين جدد» 
تؤمن نظرة جديدة واسييادا بعالم أكثر إتساعاً. كان باستطاعة ١‏ الفرد أن ينضم إلى ما شاء 
من العبادات السرية المتنوعة: شريطة عدم محاولته تعريض الآلهة القديمة إلى الخطرء 
والحفاظ على مظهر مقبول» وهكذا ساد التسامح اه الأديان السرية» وتم امتصاصها إلى 
داخل النظام القائم. 
لم يكن يتوقع أحد أن يكون ذلك تحدياء أو أن يقدم إجابة على معنى الحياة. فكان 
الناس يلجؤون إلى الفلسفة بغية الحصول على ذلك النوع من الاستئارة. في أواخر ععهد 
الامبراطورية الرومانية كان الناس يعبدون الآلهة طاباً لعونها إذا ما ألمت بهم كارثة» ولتأمين 
مباركة إلهية للدولة» ولكي يكون لديهم إحساسٌ شافي باستمرارية الماضي. وهكذا كان 
الدين مسألة عبادة وطقس أكثر مما كان مسألة أفكارء وقائماً على العاطفة أكثر ما كان 
مبنياً على إيديولوجيا أو نظرية تبناها الناس عن وعي. فهذا الموقف لا يبدو غير مألوف في 
يومنا هذا فكثيرون من الذين يحضرون مراسم دينية في مجتمعنا ليسوا مهتمين باللاهوت» 
فهم لا يرون شياً غريبًء ويكرهون فكرة التغيير» فهم يجدون أن الطقوس القديمة تزودهم 
برابطة مع التراث» وتعطيهم إحساساً بالأمان. إنهم لا يتوقعون أفكاراً زاهية من الموعظة, 
وتزعجهم التغيرات في الطقوس. فبالطريقة ذاتها فإن وثنيون كثر ‏ في أواخر العصر 
الروماني - كرقيوا غيادة آلية الأنلكت نيرنا نعلت الأجيال التي كانت قبلهم. فالطقوس 
القديمة كانت تعطيهم إحساساً بالهوية» وكانوا يحتفلون بالتقاليد المحلية التي بدت أنها 
تاكيود يان اللكاء سم فلي وا كانثث عله ديناك. الطضبارة إغازا هشأء وينبغي ألا 
تهدد الآلهة الحارسة الساخطة بل أن تؤمن بِقَاء إنجازات الحضارة. فلو بدأت عبادة 





جديدة 'بإلغاء. :دين. الآباء لشعروا أن: تهديداً ما غامضاً بحيط يهم.. وهكذا كان 
للمسيحية الأسوأ من بين عالمين. فمن ناحية كانت تفتقر إلى التقدير القديم الذي حظيت 

به اليهودية» ومن ناحية ثانية خلوها من الطقوس الوئنية الجذابة التي كان باستطاعة 1 
فر رؤيتها وتذوقها.. فالمسينحية كانت كهديداً كامناً لأنها كانت تشندة على وجود 
إله واحدء ورفضها لجميع الآلهة الأخرى على أنها أوهام. فقد بدت المسيحية لكاتب 
السِيّر الرومانىجايوس سوتونيوس 5لائاه)06ا5 5لالة © (١ا- )١5٠60‏ حركة شاذة 
ولا عقلانية ا 28 51010623511110 ومنعت لأنها كانت جديدة7 "©. 


وهكذا تطلع الوثنيون المتقفون إلى الفلسفة لا إلى الدين من أجل الاستنارة. وبالتالي 
اعتبروا فلاسفة القديم مل أفلاطون ‏ وفيتاغورثك وإبيكيت قديسين وأنجماً لهمء ٠‏ بل 
واعتبزوهم (أبناء الله) حي انيرو أفلاطون مغلا «ابن أبولو؛ . لقد أبدى الفللاسفة تقديراً 
بارداً للدين» لكنهم زأوة كلقا أساضا عما كانوا يفعلونه. إنهم لم يكونوا أكاديميين 
مجففين في بروج عاجية بل الا تقع على عاتقهم مهمة؛ قلقين على إنقاذ أرواح 
معاصريهم عن طريق جذبهم إلى مبادىء مدارسهم. فسقراط وأفلاطون كانا متدينين في 
فلسفتيهماء » فوجدا أن دراستهما العلمية والميتافيزيقية قد ألهمتهما برؤية عظمة الكون. فقد 
اتجه الناس الأذ ذكياء إليهما بحلول القرن الأول» من أجل امحصول على تفسير لمعنى الحياة؛ 
وسغيا وراء إيديولوجيا ميمه ودافج أخلاقي. لقَد بدت المسيحية لهم عقيدة بربرية» وبدا 
الله المسيحي إلها ضاراً أو بدائياً يتدخل بأسلوب لا عقلاني في سُؤُون البشر. ليس فيه 
شيء مشترك مع إله الفلاسفة الذي لا يعتريه التغير, والنائي» مثل إله أرسطو. فهناك شيء 
واحد يوحي أن رعلا م أعزلة أفلاطون أو الاسكندر الكبير كانا ابنين لأحد الآلهة. لكن 


6 يهردي ميتة مذلة في زاوية مجهولة من الامبراطورية الرومانية كان مسألة أخرى 
تماماً. 


كانت الأفلاطونية الححدثة واحدة من أكثر الفلسفات شعبيّة في أواخر 
العصرالروماني. ففي القرنين الأول والثاني الميلاديين لم يكن فلاسفة الأفلاطونية المحدثة 
يشدهم أفلاطون المفكر الأخعلاقي والسياسي بل أفلاطون المتصوف. فتعاليمه كانت تساعد 
الفياسوف على تحقيق ذاته الحقة عن طريق تحرير روحه من سجن اللجسد» وبتمكينه من 
الصعود إلى العالم المقدس. لقد كان منهجاً نبيلاً استخدم علم الكونيات كصورة 
للاستمرارية والانسجام. فالأحد مم0 كان موتجدودا في تأمل هادىء لذاته خارج تخريب 
الزمن والتغير» في ذروة سلسلة الوجود العظيمة» كل الوجود مستمد من الواحد كنتيجة 


ضروزية لوجوده النفي: فالأشكال الأبدية فاضت عن الواحذه وبذورها أحيت الشمس 
والنجوم والقمر كل في فلكه الخاص. وكانت الآلهة تعتبر كوزراء ملائكة عند الواحد 
تنقل التأثير الإلهي إلى عالم البشر الأرضي. لم تكن الأفلاطونية بحاجة إلى حكايات بربرية 
عن 0 أو إله تجاهل التسلسل الراسخ ليتصل مباشرة بجماعة صغيرة 
من الكائنات البشرية. وكذلك 9 يكن الإله بحاجة إلى خلاص استعراضي من خلال 
مسيح مصلوب. فبما أنه كان مثيلاً لله الذي أمد الأشياء بالحياة كان باستطاعة الفيلسوف 
الصعود إلى العالم الإلهي بطريقة عقلانية مرتبة) اعتماداً على جهوده الخاصة. 
كيف كان باستطاعة المسيحيين شرح دينهم إلى العالم الوثني؟ لم تكن المسيحية 
تبدو ا ولا فلسفة بالمعنى الرومانى. زد على ذلك لا بد أن المسيحيين قد وجدوا تعداد 
معتقداتهم أمرأ مربكاًء وربما كانوا غير عارفين كيف يطوروا نظاماً فكرياً ميزاًء وبذلك 
كانوا مثل جيرانهم الوثنيين. لم يكن في دينهم اتساق ثيولوجي» لكن كان بالإمكان وصفه 
على أنه التزام جيد التأسيس. فعندما كانوا يذكرون معتقداتهم لم يكونوا يوافقون على 
مجموعة من الاقتراحات: فكلمة مرعلع,0© متلا نشو بها مشتقة من كلمة عرع00:0) أي 
«أن يعطي المرء قلبه». فعندما كانوا يلفظونها فإن معناها يتضمن موقفاً عاطفياً أكثر مما 
يتضمن موقفاً فكرياً. وهكذا شرح الأسقف ثيودور موبسوستيا 18أ5عنادم240 :128000 
لرعاياه في صقلية (795- 47/8): 


عندما تقول إنني أقيد نفسي أمام الله فإنك تعني أنك ستبقى ثابتاً في موقفك معه. 

إنك لن تفصل نفسك أبداً عنهء وإنك سوف تعتقد أنه أسمى من أي شيء آخر. 

أن تكوة معت وأن فيك من وآن شتلك يشكل متسجحم مع أواطرو3”؟ 

توق اطلنانيدة السيحيين إلى تقديم عرض نظري لدينهم» ويطورون وذ تعد الجدن 


اللاهوتي الذي سيغدو فريدا في تاريخ الدين العالمي. فقد رأينا مثا عدم وجود تناقض 
رسمي في اليهودية» ل أفكارا "خول الله كانت أساساً مسائل خاصة» ولا بد أن 


المسيحين فل شاركوهم في هذا الموقف. 

فخلال القرن الثاني حاول بعض الوثنيين الذين اعتنقوا المسيحية الوصول إلى 
جيراتهم غير المصدقين بدينهم كي يبينوا لهم أن دينهم لم يكن قطيعة مدمرة مع مع التراث. 
أحد هؤلاء المدافعين الأوائل هو جوستين سيزاريا عجدوء2© 5ناأ5ن[ )١155 ١٠١‏ الذي 
مات شهيد الدين. نستطيع أن نرى قلق تلك الفترة الروحي في بحثه الدؤوب عن معنى. 


لم يكن مفكراً بارزاً أو عميقاً. فقبل اعتناقه المسيحية جل, ناعنك دمي فبلسوفا برواقي 
وفيشاغورثي» لكنه 0 في فهم ما كانت تتضمنه نظمهم؛ ؛ لأنه كان يفتقر إلى الذكاء 
والطبع الملائمين للفلسفة. وعلى ما يبدو كان بحاجة إلى ما هو أكثر من العبادة والطقس 
في الدين فوجد الحل في المسيحية قفي كتابيه بعنوان /دفاع/ 8 وهه١م.‏ قال إن 
المسيحيين كانوا يتبعون أفلاطون الذي قال بوجود إله واحد. وأن الفلاسفة اليونانيين 
والأنبياء اليهرد قد تنبؤوا جميعاً بمجيء المسيح» فكان لعرضه هذا تأثير على وثنيي عصره 
بسبب وجود حماسة جديدة تجاه النبوءات. وقال أيضاً إن المسيح هو تجسيد اللوغوس أو 
العقل الإلهي الذي راه الرواقيون في نظام الكون. فاللوغوس فعال في العالم عبر التاريخ 
وقد ألهم اليونانيين والعبريين على السواء. بيد أنه لم يشرح معاني هذه الفكرة الجديدة نوعاً 
ماد كين كان بإسيطاعة كائق يشري أن يجستن اللوقوس؟ وهل “كان اللوغوض بعر تفن 
الصور التوراتية كالكلمة أو الحكمة؟ وما هي علاقة اللوغوس بالله الواحد؟ 

مجيحيون أخرون كانؤا يطوزوت ثيولوجيات أكثر جذرية ليس بدافع التأمل بحد ذاته 
بل لتهدئة قلق عميق. فالغنوصيون خاصة (أي العارفون) تحولوا من الفلسفة إلى المثيولوجيا 
لشرح المعنى الدقيق الذي استخدموه ليعبروا عن الانفصال عن العالم الإلهي. لكن جهلهم 
بالله والإلهي سرعان ما واجه أساطيرهمء فكان مصدراً للحزن والخجل. 
باسيليدس 8289:1065 الذي درّس فى الاسكندرية من عام ١٠‏ حتى ١١١‏ )؛ 
وفالنتينوس 115م1]م17216 الذي غادر 0 كى يدرس فى روما كان لديهما معلومات 
ضخمة وبينا أن الكثيرين من الذين تحولوا إلى المسيحية كانوا يشعرون بالضياع» وأنهم 
مقتلعون من جذورهم. 

و و ا الريؤجقة انوا كانيع" المضيلر: 
للوجود الأعلى الذي نسميه الله. لم يكن هناك شيء يمكننا قزله حالف أنه يمر اها مض 
فهم عقولنا المحدودةء لقد كانت ا كما سُرحها فالنتينوس: 


كامل» ذو وجود قبلي.. مستقر في مرتفعات لا مرئية» ولا اسم لهاء 

هذا هو ما قبل البداية» وما قبل الآب والابن. لا يمكن احتواؤه» وغير مرئثي» 

أبدي» ولا يتكاثر. هادىء. في عزلة عميقة طوال عصور لا متناهية. 

به كان الفكرء ويسمى أيضاً النور والسكون””". 

لقد فكر الناس بالمطلق دائماًء لكنهم لم يقدموا شرحاً وافياً له. من المحال وصف 


الربوبية لأنه ليس خييراً ولا شر وليس بالإمكان القول أنه «يوجد». نادى باسيليدس ‏ فى 
البداية بذلك» وأنه لم يكن هناك الله بل الربوبية فقط التي كانت بالتحديد لا شي لأنه 
لم يكن موجوداً بأي معنى يمكننا فهمه9©. 

لكن هذه اللاشيئية ووومعه1ط:870 كانت ترد أن مجعل نفسها معروفة ولم تكن 
راضية عن بقائها وحدها في العمق والصمت. ففي أعماق وجودها الذي لا يسبر غوره 
هناك ثورة داخلية. هذا الوجود الذي تمخض عن سلسلة فيوضات مائلة للفيرضات التى 
ضفها التبرلونجا الزقية الفنمقة كان الفيضن :الأول قر واللمة الذي يقد وتضيلي اله 
علماً أنه عصي على الفهم وبحاجة إلى إيضاح أكثر. بالتالي بدأت فيوضات جديدة من 
الله على شكل ثنائيات» كل منها كانت تعبر عن الصفات الإلهية. فالله خارج نطاق 
الجدس ذ كيرا أو تأنيئء وكان كل فيض مكون من ذكر وأنثى كما في الإينوماإليتش. وقد 
رمت هذه الخطة إلى تحييد المعنى الذكري عن التوحيدية التقليدية. وكلما ابتعدت 
الفيوضات عن مصدرها الإلهي أصبحت أضعف وأكثر وهناً. ثم توقف الفيض بعد انبثاق 
ثلاثين فيضا وكان العالم لخدن باليروما 2تصوروا2ط كاملا. لم يقترح الغنوصيون عالاً 
كوتياً غالية بالكامل» لأن كل امزع: كان يتمد أن الكرن على ء :يدهور وشياظين زفقو 
ووحاية دوه أشان القديى يولس إن عروق وماك بدر هللف وققرائته ملفا اعفد 
الفلاسفة أن هذه القدرات اللامرئية كانت آلهة قديمة» وجعلوها وسطاء بين الإنسان 
والواحد. 

كان هناك كارثة» هبوط بدئى وصفه الغنوصيون بأساليب شتى. فقال بعضهم إن 
الحكمة التي كانت الفيض لين عبطت من البهاء 01266 لأنها أوحت بمعرفة محرمة 
بالربوبية التي لا يمكن بلوغها. فهبطت من العالم المقدس بسبب افتراضها المغرور فشكل 
حزنها وضيقها عالم المادة. هامت الحكمة ذ فى الأكوان مَثْفِيَة ضائعة يملؤها حنين العودة إلى 
مصدرها الإلهي. عبر هذا الدمج للأفكا الشرقية والوثنية عن الإحساس الغنوصي العميق 
بأن عالمنا كان بإحدى معانيه شكلاً منحرفاً عن العالم السماوي؛ مولود من الجهل وخارج 
لكان التاسنيه. وقال غنوضيون آخرون أن الله الم يخلق العالم المادي لأنه لا يمكن أن 
يكون مهتماً بالمادة الحقيرة. فكان هذا العالم المادي من صنع أحد الإيونات 5دمعة. التي 
أستمرها الخالق 3 101011015م.21 لقد أصبح 006 ع الله وكان يطمح لأن يكون م ركز 
العالم المقدس» وبالتالي هبطء وخلق العالم في إحدى نوبات التحدي. لقد شرح فالنتينوس 
ذلك: «خلق العالم دون معرفة» شّكل الإنسان في جهل للإنسان» ولت الأرضن إلن النور 


دون فهم ار لكن اللوغوس الذي هو أحد الإيونات جاء كي يساعد, فهبط إلى 
الأرض متخذاً :ة نفس المظهر الجسدي ليسوع كي يعلّم البشر طريق العودة إلى الله. بيد أن 
هذا النوع من المسيحية انقرض بسرعة. لكننا سئرى الأعنها ان اليو و والسيسحيية؟ (السيية 
سيعودون إلى هذا النمط من المثيولوجيا بعد قرون تالية» أي بعد أن وجدوا أنه كان يعبر عن 
معرفتهم الدينية بالله بدقة أكثر ما كا يعبر عنه اللاهوت المعتقدي. لم يكن المراد من هذه 
الأساطير أن تكون وصفاً حرفياً للخلق والخلاص؛ بل كانت مجرد تعبيرات رمزية عن 
حقيقة داخلية. لم يكن الله والعالم السماوي حقيقتين خارجيتين بل كان ينبغي اكتشافهما 
فى الداخل: 

تخل عن البحث عن الله والخلق والمسائل الأخرى المشابهة. 

ابحث عنه بجعل نفسلك نقطة البداية. تعراف من الذي في داخلك» 

يجعل كل شيء ملكه ويقول: رسي عقلي. فكري, روحي» جسدي. 

تعلّمْ مصادر الحزن. والسعادة, والحب والكراهية. 

تعلم كيف يحدث الأمر أن يراقب المرء دون إرادة. 

ويحب دون رغبة. إن تتحرى هذه الأمور بدقة, 

فإنك ستجدها في نفسك590”". 

العالم المقدس كان يمثل مخطط الروح. وكان بالإمكان رؤية النور الإلهي عبر هذا 

0 00 إذا 3 لومي إلى أبن بكار فأثناء . الهبوط الأول ا الحكمة 0 
ا يجد جذوة مقدسة ارو فيصبح عارفاً للعنصر 0 ا 57 0 في 
إيجاد 3 إلى موطنه ا 


رحيم. فالثنائية ل من 1 كانا مميزين لعقيدة مارسيون مك212 ١٠‏ 

6) الذي أسس كنيسته المنافسة في روماء وجذب عدداً ع من الأتباع. قال يسو 
«ما من شجرة جيدة تثمر ثمراً ينك . فكيف خلق الله الخيّر العالم الذي كان مليئاً 
بالشر والألم؟ وقد راع الكتاب المقدس اليهودي مارسيون لأنه يصف إلهاً قاسياً فظاً 
يستأصل أمة بكاملها في حالة انفعالية كي يحقق العدل فقرر بناء على ذلك أن هذا الإله 
اليهودي كان من لامشتهي ا خحرب» وغير ثابت في مواقفه ومتناقض مع ذاته250, لقد 


١١8 


أوضح يسوع أن إلها أخن كان مروداً ولم يرد ذكره في الكتب اليهودية» كان هذا الإله 
الثاني اوادعا هادئأء وخيرأ"©. لقد كان مختلفاً تماماً عن الخالق العادل القاسي للعالم. 
وبالتالي ين ينبغى أن نتحول عن العالم الذي ليس في وسعه أن يخبرنا شيئاً عن هذا الإله 
الرحيم ل - وعلينا أن نهمل العهد القديم أيضاًء وأن نركز على ما جاء 
فى العيد احديد لدي مفدظ: ازاع يسوج لقد بينت الشعبية التي حظيت بها تعاليم 
مارسيون أنها كانت تعبيراً عن قلق عام. فعلى ما يبدو كان على وشك أن يؤسس كنيسة 
منفصلة. لقد وضع اصبعه على شيء هام في التجربة المسيحية. لقد وجدت أجيال من 
المسيحية صعوبة في إقامة علاقة إيجابية مع العالم المادي» وما يزال هناك عدد كبير من 
الذين لا يدرون ماذا يفعلون بالإله العبري. لقد أشار اللاهوتى تيرتوليان مهذاادمرع1 
3ك اعد شان انعا إن أذ الامارسيرن اعد كانت د سمالت م 
مع إله الفلسفة الإغريقية أكثر من سماته المشتركة مع إله الإنجيل. كان هذا الإله الهادىء 
الذي لا علاقة له بهذا العالم الناقص أقرب بكثير من الحرك الذي لا يُحرك الذي وصفه 
أرسطوء وهو أكثر قربا من قرب الإله اليهودي من يسوع المسيح. في حقيقة الأمر وجد 
الكثيرون في العالم الإغريقي ‏ الروماني أن الإله الإنجيلي إله محير مربك غير جدير 
بالعبادة. ففي عام /١178/‏ اتهم الفيلسوف الوثني كلسوس ودوا06 المسيحيين بتبني نظرة 
إقليمية ضيقة عن الله. فوجد رَعْم المسيحيين بأن الله سيتجلى لهم أمرأ مرعباً: كان الله 
موجودا جميع البشرء ومع ذلك اجتمع المسيحيون وبا في اجماعة خزييا بخيرة .دليقه 
مؤكدين: «أن الله قد هجر العالم كله وحركات السماوات» وأهمل الأرض الفسيحة كي 
يعير اهتمامه لنا وحدنا””' ©. فعندما اضطهدت السلطات الرومانية المسيحيين كانت 
تتهمهم بالإلحاد لأن مفهومهم عن الله كان يدين روح الجماعة الرومانية» فعن طريق فشل 
الناس في إعطاء الآلهة التقليدية مكانتها كانوا يخشون أن المسيحيين سيعرضون الدولة 
للخطرء فيقلبون الاستقرار الهش. وهكذا بدت المسيحية عقيدة بربرية تتجاهل إنجازات 
الحضارة. 
بكر بعض المثقفين الوثنيين باعتناق المسيحية في نحو نهاية القرن الثاني» وكانوا 
ل تعديل الإله المتعالي بما يتوافق مع المثال الروماني - الإغريقي. أول هؤلاء كان 
كلميدت الاسكندري )1١5  ١5.0(‏ الذي ربما درس الفلسفة في أثينا قبل إيمانه. ليك 
لديه شك بأن يهوى وإله الفلاسفة الإغريق كان واحداً والإله ذاته: فقد أسمى أفلاطون 
موسى الأتيكي عناألف فلو أن يسوع والقديس بولص علما بهذا اللاهوت لكان أدهشهم. 
تميز إله كلمينت بعدم التأثرء غير قادر على أن يتغير أو يتألم مثله في ذلك مثل إله أفلاطون 


وأرسطو. وكان باستطاعة المسيحيين المشاركة في هذه الحياة الإلهية عن طريق الهدوء 
وعدم قدرتنا على النفاذ إلى الله ذاته. لقد وضح كلمينت قاعدة لجف وتعائلة عدا للقواعد 
التفصيلية في السلوك التي وضعها الأحبارء عدا قواسمها المشتركة مع المثال الرواقي. ينبغي 
ل لس ان بحا رات الا ال علا حي د 
شتحيحة:-.وأن يتكلم بهدوءء ويمتنع عن العنف» والقهقهة أثناء الضحك» وأن يتجشا 
بلطف. فباتباع هذا التدريب المتقن للهدوء المدروس سيعرف المسيحيون وا داخلياً 
كها برضو الله منقوشة في وجودهم. ليس هناك هوة فاصلة بين الله والبشر. فإذا 
التزم المسيحيون بالمثال الإلهي سيجدون أن لهم 5 إلهياً «ويشا ركنا منازلناء وحالينا إلى 
الطاولة معناء ومشاركنا في كل جهد أخلاقي نقوم به في حياتنا) 27 


لقد اعتقد كلمينت أيضاً أن يسوع هو الله (الإله الي الذي 2 وعبد9 24 فهو 
الذي «غسل أقدامهم مطوقاً بمنشفة» فكان «إله ورب الكون دون تعالي)””*». فإذا حاكى 
المسيحيون المسيح فإنهم سوف يصبحون مقدسين «إلهيين لا يعتريهم الفساد» ولا يتأثرون. 
فالمسيح هو اللوغوس الإلهي, الذي أصبح إنساناء «وبذلك بإمكانك أن تتعلم من المسيح 
كيف تصبح إلهاً)49). أما في الغرب فقد عل أسقف ليون إيريناوس وناعهمعم1 -١0(‏ 
٠‏ عقيدة مماثئلة» فيسوع كان اللوغوس مجسدأء أي العقل الإلهي. وعندما أصبح 
إنساناً قدس كل مرحلة من التطور البشري فغدا أنموذجاً للمسيحيين. وينبغي عليهم 
محاكاته بالطريقة التي يتقمص فيها الممثل الشخصية التي يمثل دورهاء وبذلك سوف 
ينجزون قدرتهم البشرية الكامنة0”*©. لقد عدل كلمينت وإيريناوس الإله اليهودي با 
يتوافق مع مفاهيم كانت سمة مميزة لعصرهما وثقافتهما. مع ذلك فقواسم مفهومهما مع 
إله الأنبياء الذي كان يتميز أساساً بعواطفه وعدم تأثره قواسم قليلة. وسيغدو مفهوم 
كلمينت (عدم التأثير 61ط]2م4) ذا أهمية أساسية للمفهوم المسيحي لله. ففي العالم 
الإغريقي كان الناس تواقين إلى الارتقاء فوق فوضى العاطفة والاستقرارية كي يبلغوا هدوءا 
إنسانياً مثاليً» وقد ساد هذا المثال على الرغم من التناقض الملازم له 

لقد ترك لاهوت كلمينت أسغلة حاسمة دون إجابات: كيف يستطيع إنسان إن 
يصبح اللوغوس أو العلة الإلهية؟ وماذا كان يعني القول أن يسوع كان إلهياً؟ هل كان 
اللوغوس هو «ابن الله) نفسه؟ وماذا كان يعنيه هذا اللقب اليهودي في العالم الهيليني؟ 
وكيف تعذب الله الذي لا يتأثر في شخص يسوع؟ كيف كان بوسع المسيحيين الاعتقاد 
بأنه كان وجوداً إلهياً بينما يصرون في الوقت ذاته على وجود إله واحد فقط؟ لد أصبح 


١٠ 


المسيحيون مدركين لهذه المسائل خلال القرن الثالث. ففي مطلع هذا القرن اقترح 
سابيليوس وداذاا52366 - شخصية وهمية ‏ أن الكلمات الإنجيلية التالية: الآبء والإبن» 
والروح بالإمكان ممائلتها بالأقنعة التي يرتديها الممثلون كي يلعبوا دوراً مسرحياء ولجعل 
أصواتهم مسموعة للمشاهدين. وهكذا أصبح «الله الواحد) يعني شخوصاً مختلفين عند 
التعامل مع العالم. لقد جذب سابيليوس إليه بعض التلاميذ» لكن نظريته هذه لم ترض 
معظم المسيحيين: لأنها كانت تعني أن الله الذي لا يتأثر قد تعذب ‏ بمعنى من المعاني - 
عندما كان يلعب دور الابن» فوجدوا أن هذه الفكرة لا يمكن قبولها. وعندما اقترح أسقف 
انطاكية بولص ساموساتا 59702059318 (150- 0 أن يسوع كان مجرد إنسان استقرت 
فيه كلمة وحكمة الله كما استقرت في الهيكل من قبل» اعتبر الناس رأيه مناقضاً للعقيدة. 
وقد أدين لاهوته في المجمع المسكوني الذي عقد في إنطاكية عام /714؟/؛ لكنه تمكن من 
البقاء على موقفه بدعم من زنوبيا ملكة تدمر. كان واضحاً أن إيجاد طريقة لتعديل القناعة 
المسيحية بألوهية المسيح مع اعتقادهم الراسخ أن الله كان لجا كان أمرا في غاية 
اليد 


عندما غادر كليمنت الاسكندرية كي يصبح قسأ في خدمة: أسقت أورشليم ا 
مكانه تلميذه الشاب الذكى أورجين معع0:1 فى المدرسة التعليمية» كان عمره آنذاك 
عشرين سنة. كان أورحين: القتانت يي يا أن الشهادة كانت هي الطريق إلى 
السماء. فوالده ليونيدس 1,6001065 قد قضى نحبه في الحلبة قبل أربع سنوات» فحاول 
أورجين اللحاق به. بيد أن والدته أنقذته بإخفاء ملابسه. بدأ أورجين بالاعتقاد أن الحياة 
المسيحية كانت تعني التوجه ضد هذا العالم» لصحيه هذا الوقن الأعماء وطون قكة 

من أفلاطونية مسيحية. فدلا وية تقزة بيخ الله والعالم لا يمكن مجاوز ؛ رأى إمكانية 
عبورهاء انما بجسر الشهادة. قام بتطوير لاهوت شدد على استمرارية الله مع العالم. كان 
عالمه نور روحانى» تفاؤل وبهجة؛ وباستطاعة المسبيحي صعود سلسلة الوجود خطوة خطوة 
حتى يل إلى ' الله عتصره الطبيعئ :وموئلة, 

كان أورجين مقتنعاً بالرابطة بين الله والروح لكونه أفلاطونياً: فمعرفة الله كانت أمراً 
طبيعياً للبشرء وكان بالإمكان استحضارها وإيقاظها عن طريق ممارسات خاصة. فلكي 
يعدل فلسفته دار بما يتناسب مع الكتب المقدسة السامية طور طريقة رمزية لقراءة 
الانجيل. وهكذا ين ينبغى عدم فهم ولادة المسيح من عذراء كحدث فعلي بل على أنه ولادة 
الحكمة الإلهية ل الررة: وتببى كذلك أفكاراً من الغنوصية. فجميع الكائنات في العالم 


ا 


الروحانى قد تأملت الله الذي لا يوصف الذي كشف نفسه لها في اللوغوسء أي الكلمة 
والحكمة الإلهيتين. لكنها سئمت من هذا التأمل والهبوط من العالم المقدس في أشياء 
احتوت هبوطها. أما الآن فقد ضاع كل شيء. فباستطاعة الروح الصعود إلى الله في رحلة 
مستمرة طويلة تستمر بعد الموت. وسترمي تدريجياً قيود الجسدء لتعلو فوق الجنس كي 
تصبح روحاً نقية. فعن طريق التأمل تتقدم الروح في معرفة (غنوصية) الله التي ستحولها 
حتى تغدو مقدسة» كما بشر أفلاطون. فالله غامض لا يمكن التعبير عنه بكلمات أو 
مفاهيم بشرية» لكن الروح لديها المقدرة على معرفة الله كونها تشترك معه في الطبيعة 
الإلهية. بالتسبة لنا كان تأمل اللوغوس أمراً طبيعياً طالماً أن الكائنات الروحية كانت أساساً 
كل منها مساو للآخر. فعندما هبطت هذه الكائنات كان العقل المستقبل ليسوع فقط 
راضياً بالبقاء في العالم المقدس متأملاً كلمة الله وكانت أرواحنا مساوية لروحه. كان 
الاعتقاد بألوهة يسوع الإنسان أحد أطواره فقط» وسوف يساعدنا في طريقناء لكن في 
النهاية سوف يتسامى عندما نرى الله وجها لوجه. 


أداقق "الكنسية بععا من آراء أورسكين بدعوى الهرطقة في القرن التاسع. لم يعتقد 
أورجين ولا كليمنت أن الله خلق العالم من عدم؛ وستصبح هذه الفكرة عقيدة مسيحية 
لاحقاً. لم تكن رؤية أورجين لألوهية يسوع وخلاص البشرية ملتزمة - بكل تأكيد ‏ 
بالتعاليم المسيحية الرسمية لاحقاً. إنه لم يكن يعتقد أن موت المسيح كان خلاصاً له بل 
آمن أننا صعدنا إلى الله تحت دافعتنا نحن. وهناك نقطة هامة هى أنه بينما كان كليمنت 
وأورجين يكتبان ويعلمان أفلاطونيتهما المسيحية لم يكن هناك معتقد رسمي. لم يكن هناك 
أي شخص متأكداً من معرفة إذا كان الله خلق العالم» أو كيف أن كائناً بشرياً كان يعتبر 
إلهيا: وقد أدت الأحداث العاصفة في القرنين الرابع والخامس إلى تحديد المعتقد 
ا ل ا 


لقد خصى أورجين نفسه. وقال يسوع في الأناجيل أن بعض الناس خصوا أنفسهم 
من أجل مملكة السماء فطبق أورجين ذلك على نفسه. كان الخصي عمليه شائعة في أواخر 
الفترة الرومانية لكن أورجين لم يفعل ذلك بسكين, ولا بقرار مستمد من كراهية عصابية 
للجنس تميز بعض اللاهوتيين الغربيين مثل القديس جيروم 1620106 (79415- 7١‏ 4). يقترح 
العلامة بيتر براون 8200 مهاء5 أنها ربما كانت محاولة لإيضاح معتقده بوسطية الشرط 
الإنساني الذي ينبغي على الروح أن تتجاوزه حالاً. وكما يبدو سيتم ترك عوامل ثابتة 
كالجنس خخلفاً في المسار الطويل للإنتقال إلى الطور الإلهي» فمع الله لا وجود لمذكر أو 


١١ ؟‎ 


مؤنث. ففي عصر كان يرخي الفيلسوف فيه لحيته (كدلالة على الحكمة) كان خدًا 
أررعين الناعمان وضنوته الجهوري منظر ا مدعلة. 


درس أفلوطين )7١17  7١(‏ على يد أستاذ أورجين في الاسكندرية أمونيوس 
اكور وتطوع لاحقاً في الجيش الروماني على أمل الذهاب إلى الهند مع الجيش حيث 
كان متلهفاً للدراسة. لكن لسوء حظه مُنيت الحملة بالفشل فهرب إلى انطاكية» ثم أسس 
مدرسة للفسفة في روما. . هذا كل ما نعرفه عنه» لأنه كان رجلاً كتوماً جداً لم يتحدث 
أبداً عن نفسه» ولم يحتفل بعيد ميلاده قط. وجد أفلوطين المسيحية عقيدة غير مرغوب بها 
كليا مع ذلك أثر على أجيال لاحقة من الموحدين في الأديان الثلاثة» وهذا ما يدعونا الى 
إعطاء نحة تفصيلية لرؤيته لله. وصف أحدهم أفلوطين بأنه مثل إراقة الماء لأنه قد تمثّل 
لتيارات الرئيسية التي كانت قبل 8٠٠٠0(‏ سنة) من التأمل اليوناني» ونقلها في شكل استمر 
في التأثير على شخصيات بارزة في عصرنا مثل ت. س. إليوت و هنري بيرغسون. لقد 
أنشأ نظاماً مصمماً لتحقيق فهم للذات مسسداً الى أفكار أفلاطون. إنه لم يكن مهتماً 
إطلاقاً بإيجاد تفسير علمي للكونء ولا بمحاولة شرح الأصول المادية للحياة. فبدلاً من 
لنظر إلى خخارج العالم من أجل تفسير موضوعي» كان يحث تلاميذه على الإنسحاب إلى 
داخل أنفسهم 5 يبدأوا استكشافهم في أعماق النفس. 


البشر مدركون أن هناك شيء ما خطأ في شرطهم؛ ويشعرون باختلاف مع أنفسهم 
ومع الآخرين داحل طبيعتهم الداخلية التي لا سبيل إلى الوصول إليها وأنهم فقدوا إمكانية 
التوجه. فالصراع وغياب البساطة هما اللذان يميزان وجودنا. مع ذلك فإننا نسعى باستمرار 
إلى توحيد الظواهر الكثيرة وإلى تقليلها إلى كل مرتب. فعندما ننظر إلى شخص فإننا لا 
نرى أعضاء جسده بشكل متفرق بل ننظم آلياً هذه العناصر في كائن بشري متكامل. هذا 
الدافع للوحدة أمر أساسي في الطريقة التي تعمل بها عقولنا ويجب أن تعكس الطريقة 
جوهر الأشياء عموماً. فلكى تجد الحقيقة الكامنة في الواقع ينبغي على الروح أن تعيد 
تشكيل ننشهاء وآن تشع الظبير والامكراق في التأمل كما نصحنا أفلاطون. يجب أن 
تنظر الروح إلى ما هو خخلف الكون خلف العالم المدرك» وخلف حدود الفكر حتى نرى 
في قلب الواقع. لن يكون هذا صعوداً إلى خارج أنفسنا بل هبوطأ إلى داخل أعمق 
الفجوات فى عقولنا: أي صعوداً داخلياً إذا أمكن القول. 


كانت الحقيقة النهائية وحدة بدئية أسماها أفلوطين ال (واحد »م0) وتدين جميع 





١117 


الأشياء في وجودها إلى هذه الحقيقة الفعالة» لأن ال (واحد) هنا هو البساطة ذاتها وليس 
بالإمكان قول شيء عنها: صفاتها ليست مختلفة عن جوهرها ثما يجعل الوصف العادي 
غير ممكن. لقد كانت وحسبء وبالتالي فال (واحد) اسم لها. وإذا كان لا بد من التفكير 
ياك وواعنم إبضانناً سيكون في الصمت صدق أكبر( ؟». (لا نستطيع أن نقول إنها توجد 
فهى بذاتها ليست شيئاً مميزاً عن الأشاياء كلها”*») وقد شرح أفلوطين هذه الحقيقة «إنها 
ك0 شيء ولا شيء)؛ قد تكون غير متمائلة مع أي من الأشياء الموجودة ومع ذلك فهي 
كلها جميعاً”**». وسنرى أن هذا المفهوم سيكون موضوعاً ثابتاً في تاريخ الله. 
بيد أن هذا العبيت لا مكن أن يكون الحقيقة كاملة طللما أننا تادزوة على يلو 
يعطق قرفة عل المقدين. عد ااسيكون طيويا من اال إذابت بقي ال (واحد) مُغلفاً في غموض 
لا يمكن النفاذ إليه. فال (واحد) يجب أن يتجاوز ذاته وأن 5 إلى ما وراء بساطته كي 
يجعل ذاته مفهوماً لدى الكائنات غير الكاملة مثلنا نحن. بالإمكان وصف التعالي الإلهي 
كونشوة) وهي تسمية مناسبة أنه خروج خارج الذات في سخاء محض: «ساعياً إلى 
لاشيء, ممتلكاً لاشيء, مفتقراً للاشيء؛ ال (واحد) الكامل؛ فاض فولد فيضه الجديد0*)). 
لا وجود لشيء شخصي في هذه جميعا. رأى أفلوطين ال (واحد) خارج جميع المجالات 
البشرية» من بينها مجال الشخصية. لقد عاد إلى أسطورة الفيض القديمة لشرح إشعاع 
الأشياء التى توجد من هذا المصدر البسيط تماماً. استتخدم عدداً من التشبيهات لوصف 
هذه العملية: كان كنور يسطع من الشمسء أو الحرارة التي تشع من نار بحيث تصبح أكثر 
دفقاً كلما اقتربت من مركزها المتأجج. فإحدى تشبيهاته المفضلة هو تشبيه ال (واحد) 
بنقطة في منتصف دائرة» فهذه النقطة تحتوي كل إمكانية إنشاء الدوائر المستقبلية التى 
تكون النقطة مركزاً لها. كان الله ممائلاً للأثر الموجي الذي يحدثه رمي حصاة في بركة 
ماء. لم يكن هذا الفيض ممائلاً للفيوضات في أسطورةٍ كال (إينوماإليتش) حيث اصبح كل 
زوج من الآلهة التي انبقق أحدها عن الآخر أكثر كمالاً وفعالية» فمخطط أفلوطين كان 
عكس ذلك تماماً. فكما في الأساطير الغنوصية كلما ابتعد الكائن عن مصدره ازداد ضعفاً. 
اعتبر أفلوطين الفيضين الأولين اللذين صدرا عن ال (واحد) مقدسين 0 مكنانا 
من المعرفة والمشاركة في حياة الله. وشكل هذان الفيضان مع ال (واحد) ألوهة ثلاثية 
فكانت هذه الدلائل بشكلٍ ما قربية من الحل المسيحي النهائي للثالوث. فالعقل هو الفيض 
الول يقابله مملكة المثل عند أفلاطون: جعل بساطة ال (واحد) مفهومة» لكن المعرفة هنا 


كانت حدسية أنية لا يمكن اكتسابها بالبحث المضنى وعمليات المحاكمة بل بالإمكان 
استيعابها مثلما تستوعب حواسنا الاجسام التي ندرك فيها وجودها. تستوعب الروح التي 
تفيض من العقل بنفس الطريقة التي يفيض بها العقل من ال (واحد)» زهي أبغد قايلا عن 
الكمال» وفي هذه المملكة يمكن اكتساب المعرفة منطقيأء ولذلك فإنها تفتقر إلى البساطة 
المطلقة والإنسجام. فالروح تقابل الواقع كما نعرفه: كل ما تبقى من الوجود المادي 
والروحي يفيض من الروح التي تعطي عامنا أية وحدة وانسجام تمتلكهما. ينبغي أن تؤكد 
1 أفلوطين لم يتخيل ثلائية ال (واحد)» العقل والروح كإله «هناك خارجاً». فالإله قد 

خلق الوجود كله. فكان الله الكل فى الكل ب الكائنات الأدنى موجودة فقط 
مادامت تشارك فى الوجود المطلق لل وا 1 


تم وقف التدفق الخارجي للفيض بحركة مقابلة للعودة إلى ال (واحد). طبرب 
من فعاليات عقولنا وعدم رضانا عن الصراع والتعددية فإن جميع الكائنات 7 تحن إلى 
ابر ةن إنها تتوق إلى العودة إليه. فهذه ليست يعوا إل واقع خارجي بل 5 
داخلياً إلى أعماق العقل. يتبغي أن تتذكر الروح البساطة التي نسيتهاء وأن تعود إلى ذاتها 
الحقة. فما دامت جميع الأرواح حية في الواقع نفسه لذلك بالإمكان مقارنة البشر بكورس 
يقف حول قائد فرقته» فإذا ما شرد أحد أفراد الكورس سيحدث نشاز» لكن إذا ركز 
الجميع عليه فإن المجموعة كلها سوف تكون في انسجام معه «(سوف ينشدون كما يجب» 
كونهم معه0 7 )), 


الزواحد) هو غير شخصي ولا جنس له وهو ناس لنا تماماً. والعقل مُذَكر والنفس 

مؤنثة» ويدل هذا على رغبة أفلوطين في الحفاظ على الرؤية الوثنية للتوازن الجنسي 
والانسجام فالله عنده لا يشبه الله الإنجيلي: إنه لا يخرج كي يلاقينا ويوجهنا إلى بيتنا 
الأول ولا يحن إليناء أو يحبناء أو يكشف عن نفسه لناء, وليس لديه معرفة لما هو خارج 
ذاته2”©. مع ذلك فالروح البشرية كانت جذلى أحياناً في فهم نشوي «من نشوة) 
للإواحد). وهكذا لم تكن فلسفة أفلوطين عملية منطقية بل بحثاً روحياً: 

«فمن جانبنا يجب أن ننحي جانباً كل شيء آخرء وأن نستقر على هذه 

الحالة وحدهاء وأن نصبح هذه لوحدهاء بغوين بن جديع عرالقنا. يجب 

أن نسرع في الهروب من هناء وألا نصبر على قيودنا الأرضية كي نعائق 

الله بكل وجودنا بحيث لا يبقى جزء منا غير متعلق بالله. فهناك نستطيع أن 

نرى الله وأنفسنا كما قالت الشريعة: أنفسنا في سناءء بملؤنا نور الفكر أو 

بالأحرى نور ذاته, نقي» مرح, أثيري.. نصبح آلهة 69 , 


١١ 


لم يكن هذا الإله جسماً غريياً بل هو ذاتنا في أفضل صورها. «فلا يتحقق هذا عن 
طريق المعرفة أو الفكر الذي يكتشف الوجودات الفكرية في العقل بل عن طريق 
حضور 1513اه232 الذي يتخطى كل معرفة) 9" 

كانت المسيحية تشق طريقها الخاص بها في عالم؛ السّيطرةٌ فيه للمثل الأفلاطونية. 
عندما حاول مفكرون مسيحيون تفسير تجريتهم الدينية عادوا بشكل طبيعي إلى الرؤية 
الأفلاطونية المحدئة التي قدمها أفلوطين وتلامذته الوثنيون اللاحقون. فمفهوم الاستنارة كان 
غير شخصي وخارج مجالات البشر» وأمرااطبيقيا للبشتوية. كان هذا المفهوم يا مدا عر 
المثال الهندوسي والبوذي في الهند. وعلى الرغم من الاختلافات السطحية بين أنصار 
النزعة الوحدانية وبين رؤى الواقع الأخرى إلا أنه كان هناك أوجه تشابه عميقة. فعندما 
يتأمل البش المطلق يبدو أن أتكرة وتجارب متمائلة تتشكل لديهم. إحساس بالحضور 
والنشوة والرهبة في حضور حقيقة ها قد تسمى بالاستنارةء الواحد» براهمن» أو الله» 
ويبدو أن هذا الإحساس هو حالة عقلية وتصور طبيعي يسعى البشر إليه إلى ما لا نهاية. 

كان بعض المسيحيين مصممين على مصادقة العالم اليوناني» بينما لم يُرِدُ آخرون أي 
شيء له أية علاقة به. فقد ظهر نبي جديد في بداية الاضطهاد في عام ٠/‏ يدعى 
مونتانوس 1815 »: ظهر فيما يعرف الان باسم تركيا الحديثة» وزعم أنه الله: 


«أنا الله القدير الذي نزل إلى الإنسان»» وكان يصيح (أنا الآب والابن والبارقليط 
(أي الروح القدس) »). وزعم رفيقاه بريسّيلا 150112 وماكسميلا 1118دء< 23 مزاعم 
ممائلة ”©. كانت المونتانية (نسبة إلى مونتانوس هذا) عقيدة رؤوية شرسة رسمت صورة 
مفزعة لله. فلم يكن أنصارها دري فلن أن يديروا ظهورهم إلى العالم» وأن يعيشوا حيأة 
عذاب فحسب بل لقنوا أن الشهادة هي الطريق الوحيد الأكيد إلى الله. فموتهم المؤلم من 
أجل الدين سوف يسرع من مجيء المسيح. فالشهداء كانوا جنود ال 
مع قوى الشر. لاقت هذه العقلية الرهيبة استحساناً لدى التطرف الكامن فى الروح 
المسيحية؛ فانتشرت كانتشار النار في الهشيم في ت ركياء وتراقيا عمط 1 ورا وبلاد 
ام م 1 ا كم 
عادة التضحية بالولد بكر لبي 0 تنص 9 عبادة بقل نكاد ا ماي قله 
الهرطقة شخصا لا يقل عن تيرتوليان اللاهوتي الذي كان يتزعم الكنيسة اللاتينية. وفي 


1١15 


الشرق بشر كلمينت وأورجين بعودة سعيدة سالمة إلى اللهء لكن في الكيسة الغربية كان 
هناك ! إله مخيف أكثرء وكان يطلب موتأ بشعا كشرط للخلاص. كانت المسيحية في هذه 
المرحلة دينا كفاحياً في أورويا الغريية وهال الريقياء ومنذ البداية كان هناك ميل نحو 
التطرف والقسوة. 


كانت المسيحية في الشرق تخطو خطوات كبيرة» وبحلول عام /ه؟/ كانت قد 
أصبحت أحد الأديان الأكثر أهمية في الامبراطورية الرومانية. بعدئذ أخذ المسيحيون 
يتحدثون عن كنيسة عظيمة وعن منطلق ديني واحد يمنع التطرف والشذوذ. قال هؤلاء 
اللاهوتيون الأرثوذوكسيون ببطلان رؤى الغنوصيين المتشائمة وكذلك رؤى مارسيون 
والمونتانيين» واستقروا من أجل الطريق المتوسط. كانت المسيحية قد بدأت تصبح عقيدة 
مدينية تتحاشى تعقيدات العبادات السرية والزهدية غير المرنة. بدأت تلقى قبولاً لدى أناس 
حادي الذكاء. فكانوا قادرين على تطوير الدين في مسارات باستطاعة العالم الروماني 
اليونانى أنا اتفهمها: وقد لاقت كيولا بين انسل فالإنجيل لا يفرق بين ذكر وأنثى. وأصر 
أقذغلى الرجال تقدير زوجاتهم مثلما قدّر المسيح كنيسته. وهكذا توافرت في المسيحية 
جميع المزايا التي جعلت اليهودية دين جذاباً ذات يوم دون مساوىء الختان» تلك العادة 
الغريبة. لقد تأثر الوثنيون بنظام الصالح العام الذي أرسته الكنائس» وبسلوك المسيحيين 
الرحيم تجاه كل فرد. فخلال صراعها من أجل البقاء من الاضطهاد الخارجي ومن الفرقة 
الداخلية أنشأت الكنيسة أيضاً تنظيماً كفؤاً جعلته نموذجاً مصغراً تقريباً عن الامبراطورية 
ذاتها: كان التنظيم متعدد الأعراق: كاثوليكي دولي؛ مسكوني يديره بيروقراطيون أكفاء. 


لقد أصبحت الكنيسة عامل استقرار فلاقت استحسان الامبراطور قسطنطين الذي 
اعتنق المسيحية بعد معركة جسر ميليفيان 23/111712 عام ١١5١‏ وجعل المسيحية رسمية في 
السنة التالية» وبذلك أصبح المسيحيون أحراراً في تملك الأرض والعبادة» فقدموا مساهمة 
متميزة فى الحياة العامة. على الرغم من أن الوثنية قد ازدهرت طوال أكثر من قرنين إلا أن 
اليك فد أفنت يت الدين الرسمى فى الامبراطورية» وبدأت تجذب معتنقين جدد شقوا 
طريقهم إلى داخل الكنيسة سعياً وراء مصلحة مادية. فالكنيسة التي بدأت حياتها كطائفة 
مضطهدة تتوسل من أجل التسامح سرعان ما وجدت نفسها تطالب بالالتزام بقوانينها 
وممنتدانه إن الأسيات "الكامنة. وزع نتضان المسيحية: عامطة» :وباناكيد: لولة بوهم 
الامبراطورية الرومانية لها لما كتب لها النجاح؛ علماً أن هذا الدعم قد جلب معه إشكالات 
لابد منها. فهي قبل كل شيء دين محنة) ولم تكن المسيحية في أفضل حالاتها أبدأ في 


١١/ 


قسطنطين يجلب السلام إلى الكنيسة حتى ظهر خطر جديد من الداخل شق الصف 
المسيحى إلى معسكرات متحارية بضراوة. 


1١1١8 


الفصل الرابع 
التالوث: الإله المسيحى 


سيطر ولع لاهوتي شديد على كنائس مصر وسوريا وآسيا الصغرى في نحو عام 
٠"ام.‏ كان البحارة ينشدون أهازيج شعبية تعلن أن الآب وحده هو الله الحق» وأنه فريد 
لا سبيل إلى الوصول إليه» والابن كان غير خالد» وليس غير مخلوق لأنه قد تلقى الحياة 
والوجود من الآب. ونسمع كذلك عن أحد الخدم في الحمامات العامة الذي كان يخطب 
بالمستحمين مؤكداً على أن الإبن قد أتى من العدم. ونسمع كذلك عن صيرفي كان 
يستهل إجابته بمقالة حول الفارق بين تراتب الخلوق والله غير المخلوق قبل أن يقدم سعر 
الصرف لزبونه. وعن باز أخبر زبونه أن الاب كان أعظم من الابن. وكان الناس يناقشون 
هذه المسائل العويصة بالحماسة نفسها التي يناقش فيها الناس كرة القدم اليوه”'2. فقام 
أريوس ونائتة بإشعال فتيل الجدل: كان أريوس عضواً ك مجلس كتيسة الاسكندرية» 
وسيماً جذاباً وذا صوت ناعم معبر» ووجه يدم عن سوداوية. فقد أصدر تحدياً وجد أسقف 
الاسكندرية» أن من النحال تجاهله, لكن ما هو أكثر صعوبة هو الرد على هذا التحدي 
بالحجة: كيف كان يسوع المسيح إلهاً مثل الله الآب؟ لم يكن آريوس ناكرا لألوهة المسيح 
لأنه أطلق على يسوع تسمية (إله قوي) و«الله الكامل)”©. لكنه جادل: إذا اعتقدنا أنه كان 
إلها بطبيعته فإن هذا تجديف» فيسوع قد قال أن الآب أعظم منه. أدرك ف الاسكتدر اسفن 
الاسكندرية ومساعده الذكي أتانازيوس على الفور أن هذا القول لم يكن مجرد تأنق 
لاهوتي بل أن آريوس كان يطرح أمئلة هامة حول طبيفة الله. كان أريوس في ذلك الوقت 
رجل دعاية بارع» فقد صاغ أفكاره توا وسرعان ماكان عامة المسيحيين يناقشون 
القضية بحماسة مماثلة لمناقشتها من قبل أساقفتهم. 


أصبح الجدال حامياً جداً لدرجة أن الامبراطور قسطنطين قد تدخل شخصياً وطلب 


١18 


عقد مجمع مسكوني في نيقيا وعهءالا (في تركيا الحديثة) لتسوية المسألة. واسم , أريوس 
في يومنا هذا كلمة عابرة تطلق على الهرطقة. لكن عندما اندلع التزاع لم يكن هناك موقق 
عقيدي رسمي من المسألة وكان مؤكداً أن مسائل أخرق مدر مثل فيما إذا كان 
أريوس مخطياً أم لا وماذا لم يكن شي مطليه شيء جديد: فأورجين الذي كان يحظى 
بتقدير كلا الجانبين طرح معتقداً ممائلاً. مع ذلك كان المنا خ الفكري في الاسكندرية قد 
تغير منذ عهد أورجين» فلم يعد الناس مقتنعين بأن بالإمكان دمج إله أفلاطون بإله الانجيل 
بنجاح. فقد توصل آريوس والاسكندر وأتانازيوس إلى الإيمان باعتقاد مدهش حتى 
للأفلاطونى: لقد اعتبروا أن الله خلق العالم من عدم مستندين برأيهم هذا إلى الكتاب 
المقدس (في الحقيقة لا يرد هذا الاعتقاد في سفر التكوين). فالمؤلف الكهنوتي كان يعني أن 
الله خلق العالم من عماء بدئي؛ وبذلك أصبحت فكرة أن الله لق الكون كله من فراغ 
مطلق جديدة كل الجدة. كانت غريبة عن الفكر اليوناني» ولم د 506 لاهوتيون من أمقال 
كليمنت وأورجين اللذين التزما بمخطط الفيض الأفلاطوني. وفي القرن الرابع تبنى 
المسيحيون النظرة الغنوصية للعالم على أنه هش أصلا وغير مكتمل» ومنفصل عن الله بهوة 
شاسعة. فالاعتقاد الجديد بالخلق من عدم كان يؤكد هذه النظرة الغنوصية إلى الكون. وأن 
العالم معتمد على الله فى الوجود والحياة. فلم يعد الله والبشرية متشابهين كما كانا في 
الفكر اليونانى. فالله قد خحلق كل كائن من لجة العدم» وفى أية لحظة باستطاعته أن يسحب 
يده الممدّة بالحياة. لم يعد هناك سلسلة وجود عظيمة تفيض إلى الأبد من الله وليس هناك 
عالم وسط من كائنات روحانية تنقل المانا الإلهية إلى العالم. لم يعد بوسع الناس صعود 
ار ا الله بجهودهم هم. . فالله الذي خلقهم ب العلام فى انام الأول وأبقاهم 
فى الوجود إلى الأبد هو فقط الذي بإمكانه تأكيد خلاصهم الأبدي. 

كان المسيحيون يعرفون أن يسوع المسيح قد أنقذهم بموته وقيامته. لقد خلصهم من 
الموت» وسوف يشاركون وجود الله الذي كان هو الوجود والحياة ذاتها ذات يوم. فقد 
مكنهم المسيح بطريقة ما من عبور الهوة التي كانت تفصل الله عن البشرية. كان السؤال 
هو: كيف قام الله بذلك؟ فلم يعد هناك عالم سماوي» مكان الكمال فيه وسطاء وأقانيم. 
فإن المسيح أو الكلمة كان ينتمي إلى ملكة الله التي أصبحت الآن مملكة الله وحده أو أنه 
كان ينتمي إلى تراتب مخلوق هش. فقد وضع آريوس وأتانا زيوس المسيح على الجانب 
المقابل من البرزخ: فقد وضعه اثانا زيوس في العالم المقدس بينما وضعه أريوس في التراتب 


الخلوق. 


أراد آريوس أن يؤكد على الفارق الأساسي بين الله المتفرد عن سائر مخلوقاته. 
فسذنا كب إلى, الأستققن الاسكتدر كان الله «الوحيد الذي لم يولدء الأزلي الوحيد؛ 
لواحد الع دون بداية» الحق وحده, الوحيد الذي له الخلود؛ الحكيم الوحيد, 2 
الوحيد؛ الحا كم الوحيد)(2©0 . كان آريوس على دراية تامة بالكتاب المقدس فقدم ع1 عن 
لنصوص تدعيعاً لرأيه بأن المسيح الكلمة هو مخلوق على شاكلتنا نحن. 0 
كانت الوصف للحكمة الإلهية في الأمثال تقول بكل وضوح إن الله قد خلق الحكمة منذ 
لبداية”'؟. ويقول النص إن الحكمة كانت سبب الخلق» وهذه فكرة تكررت في استهلال 
جيل يوحنا. كانت الكلمة مع الله في البداية: 





من خلاله وجدت جميع الأشياء. 
ما من شيء خلق إلا من خلاله(2. 

كان اللوغوس هو الأداة التي استخدمها الله كي يدعو المخلوقات الأخرى إلى 
الوجود. ولذلك كان اللوغوس مختلفاً كلياً عن جميع الكائنات الأخرى وذا منزلة رفيعة 
استثنائية. لكن بما أن اللوغوس مخلوق من قبل الله فإن اللوغوس مختلف أساساً ومتميز 
غن الله تفبية 

أوضح القديس يوحنا أن يسوع كان هواللوغوسء وقال أيضاً إن اللوغرس كان 
الله" ». مع ذلك لم يكن اللوغوس هو الله بحكم طبيعته» لكن الله رفعه إلى منزلة مقدسة. 
كان اللوعرس مكنا عدا كينا لأن الله شلفه مباكرة زعي الأكي الأخرىئ كلها عه 
خلاله. لقد رأى الله أنه عندما أصبح اللوغوس إنساناً فإنه سيطيعه تماماً فأسبغ القداسة على 
يسوع مقدماً. لكن ألوهة يسوع لم تكن طبيعية له: بل كانت مكافأة أو هبة فقط. كان 
باستطاعة آريوس أن يقدم نصوصاً عديدة تدعم وجهة نظره. فحقيقة مثل أن يسوع نادى 
الله «أباه» تتضمن فارقاً بينهما. فالأبوة بطبيعتها تتضمن وجوداً سابقاً وتفوقاً ما على 
البق كن ريوس على تواضع وضعف المسيح مستنداً في ذلك إلى فقرات إنجيلية. لم 
يكن في نية آريوس أن يشوه سمعة يسوع كما زعم أعداؤه. كانت لديه فكرة بازعة عن 
فضيلة التيح وطاعتة خب الموت.الذي كان يو كد خلاصنا. كان إله آريوس قريياً جدأ من 
إله الفلاسفة الإغريق» بعيداً ومتعالياً تماماً عن العالم» والتزم أيضاً بمفهوم الخلاص اليوناني. 
فالرواقيون على سبيل المثال علّموا دائماً أنه كان من الممكن لكائن بشري فاضل أن يصبح 
إلهيً» وكانت هذه النظرة أساسية أيضاً في النظرة الأفلاطونية. اعتقد آريوس متحمساً أن 
السبحين نفادم وجعلوا مقدسين» وأنهم سيشتركون في طبيعة الله. فكان هذا ممكناً 
تقل لأ يسوع قد أضاء لنا طريقاً. لقد عاش حياة بشرية كاملة» وأطاع الله حتى الموت 


١1١ 


على الصليب كما قال القديس بولص؛ وبسبب طاعته حتى الموت رفعه الله إلى مرتبة 
مجيدة وأعطاه اللقب الإلهي الرب 91.020؟. فلو لم يكن يسوع كائنا بشريا لما كان لدينا 
أمل» ولما كان في حياته شيء ذو ميزة لو أنه كان الله في طبيعته» ليس فيه شيء بالنسبة 
ينا كي لهذا جيه ا الس ا 
مقدسين يض فيمحاكاة المسيح الخلوق الكامل ب يصبح المسيحيون «مخلوقات كاملة لا 
يعتريها التغير ولا التحول)0". 
كن كان 'لذذى أتانازيونن نظرة أقل تفاؤلاً تقدرة :الإنسان تمه الله قرا البشرية 

ضعيفة ضعفاً متأصلاً: لقد أتينا من العدمء وسقطنا في العدم عندما أخطأنا. فعندما تأمل 
الله خحلقه: 

رأى أن كل الطبيعة المخلوقة لو أنها تركت إلى قوانينها الخاصة لكانت في 

حالة تدفق ومعرضة للفناء. منعاً لهذاء وحفاظاً على الكون من التفكك 

وأن يصبح لا وجودأء صنع الله جميع الأشياء من خلال اللوغوس 

الأبدي الخاص به. وأنعم على الخلق بالوجود”"» 

فعن طريق المشاركة في الله فقط أي عبر لوغوسه الخاص ‏ يستطيع الإنسان تجنب 

العدم» لأن الله وحده كان الوجود الكامل. فلو كان اللوغوس مخلوقاً حساساً سريع 
العطب فلن يكون قادرا على إنقاذ البشر من الفناء. لقد ججعل اللوغوس جسدا كى يعطينا 
الحياة. لقد نزل من عالم الموت والتحلل كي يمدنا بمشاركة في خلود وعدم تأثر الله. 
ولكان هذا الخلاص محالاً لو كان اللوغوس مخلوقاً ضعيفاً يستطيع أن ينزل عائداً إلى 
العدم. فالله الذي خلقه فقط باستطاعته إنقاذم, وذلك يعني أن المسبيح أي اللوغعوس الذي 
الاسلي يندا ليد انديكوة من طريفة الآجة ذاتيا' فكها قال أنانا نوس أصيعت 
الكلمة إنساناً كي يكون باستطاعتنا أن نصبح مقدسين7' "©. 


عندما انعقد مجلس الأساقفة في نيقيا في ٠‏ أيار سنة 706 م لحسم هذه الكارثة 
0 سوى قلة ضثئيلة على رأي أتانازيوس بالمسيح. وتبنى معظمهم موقفاً وسطاً بين 
آريوس وأتانا زيوس. مع ذلك تمكن أتانازيوس من فرض لاهوته على امجتمعين» ولم يرفض 
التوقبع على هذا الرأي سوى آريوس واثنين من رفاقه الشجعان علماً أن أنفاس الامبراطور 
كانت تصل حتى أعناق المندوبين. وهكذا أصبح الخلق من العدم عقيدة مسيحية رسمية 
لأول أمرة» مشددة على أن المسيح لم يكن مجرد مخلوق أو أقنوم. فالخالق والمخلص كانا 


ولجدا. 


ل نحن نؤمن بإله واحد ‏ الأب القدير, خالق جميع الأشياء المرئية 
واللامرئية وبإله واحد ‏ يسوع المسيح» ابن الله. الاب بن الوحيد الولود 
من الله. أي هو من مادة الآب نفسها. إله من إلهى نور من نور, إله حق من 

1 حق, مولود وليس مخلوقاً. . من ماذة واحدة ‏ من مادة واحدة هي مادة 

الاب, الذي 3 خلاله خلقت جميع الأشياى الأشياء الموجودة فى 

السماءء وتلك الأشياء الرغودة على الأرض. عر انض ادر 

وصعد 7 السماوات؛ فرت يأني كي تداك الأحياء والأمرات, وأننا 

نؤمن بالروح القدس'"". 

أدخلت هذه الموافقة السرور إلى قلب الامبراطور قسطنطين الذي لم يكن لديه أدنى 
فهم بالقضايا اللاهوتية. لكن لم يكن في نيقيا إجماع. فبعد أن انفض المجلس استمر كل 
أسقف يعلم ما كان يعلمه من قبل واستمرت الأزمة الأيروسية (إنسبة | إلى أريوس) ستين سنة 
أخرى. رد آريوس وأتباعه بهجوم مضاد تمكنوا بموجبه من الفوز برعاية امبراطورية» بينما 
نقق: آتانا يوني ها لا يكل عن عمس :مزاع كاذ مع جذا أن يجت معقده زايطا 
فكلمة 131 تعنى عرف (مصنوع من المادة نفسها) كانت جدلية جداً لأنها لم 
ترد في الكتاب المقدس, ولها معنى مادي. وبذلك فإن قطعتى نقود نحاسيتين كان 
بالإمكان القول عنهما إنهما 5158ناه20ره81 لأنهما مصنوعتان من المادة نفسها. زد على 
ذلك فقد أثار معتقد أتانا زيوس أسكلة هامة كثيرة. قال إن يسوع كان إلهاً لكنه لم برخ 
كيف يكون اللوغوس «من المادة نفسها) مادة الآب» دون أن يكون إلها ثانيا. وفي عام 
9 ظهر مارسيلوس أسفقك انيرا 8 - صديق وزميل أتانا زيوس والذي نفي معه 
في إحدى المرات. جادل مارسيلوس بأن اللوغوس لا يمكن أن يكون وجودا إلهيا أبدياً: لقد 
كان صفة فقط أو قدرة كامنة ملازمة داخل الله. فبالإمكان إتهام الصيغة النيقية - كما 
كانت - بالتثليث» أي الاعتقاد بوجود ثلاثة آلهة: الآب, الابن والروح. فبدلاً من 
الكلمة 91 مثار الجدل اقترح مارسيلوس كلمة تسوية هي 110220101151011 أي 
من طبيعة ممائلة أو مشابهة. 
أثارت طبيعة هذا النقاش الملتوية السخرية في أغلب الأحيان» وبخاصة من قبل 

غيبون 16600 الذي وجد من السخف أن يهدد حرف نصف صوتى الوحدة المسيحية . 
والأمر الهام هو استمرار المسيحيين بعناد في فهمهم ألوهة المسيح؛ على الرغم من الصعوبة 
الكبيرة ة في صياغة ذلك في كلمات مفهومية. فقد عر مارسيلوس وآأخرون كثر بالقلق 


1١ * 


م عن 0 قر إلى -0 الإلهية. فقد اعتقد 00 0 يبدو أن 
وعند اكتمال الخلاص ان تيدؤت عانذا إلى الطبيعة الإلهية 0 ا الله الواحية الكل 
في الكل. 

تمكن أتانا زيوس من إقناع مارسيلوس وتلاميذه في نهاية المطاف بأن يجمعوا قواهم 
لأن انويع المشتركة فيما بينهم أكثر من قواسمهم مع أنصار آريوسء» هؤلاء الذين قالوا 
أذ اللوغوس: كان مك عليئنة الآت: تلسياء وأنه كان غمائية في طبيعته لطبيعة الأب كانوا 
وأخرة؛ ‏ يعتون: ما ينوت :ويتخاصمون على مقرفات الغريةع ك, فالاولوية هي معاداة 
هذا الجدال لشخص من الخارج مضيعة للوقت: لم يكن باستطاعة امرىء إثبات أي شيء 
بالتحديد بشكل أو بآخر. واتضح أن الجدال كان يؤدي إلى مزيد من الانقسام فحسب. 
وكان 'المغازكون يرون أن هذا البقائ الذي مور حول طبيغة 0 اسح عد 
العم مغ يسوع فكانا ل من ا ا هذه ا برموز مفهومية ا 
لأنفسهم وللآخرين. فالكلمات لا يمكن أن تكون إلا رمزية لأنه لم يكن بالإمكان وصف 
الحقائة 2 0 0 ولسوء 0 كان عناك 5 5 2 0 إلى 
هذا رده لا ل د 0 
الرمز البشري والحقيقة الإلهية. فالمسيحية كانت دائماً دين النقائض: فقد تغلبت التجربة 
الدينية القوية لدى المسيحيين الأوائل على اعتراضاتهم الإيديولوجية» وتوجت بفضيحة 
المسيح المنتظر المصلوب. ففي نيقيا اختارت الكنيسة الوقوف إلى جانب مفارقة التجسيد 
على الرغم من عدم انسجامها الظاهري مع الوحدانية. 


حاول أتانا زيوس في كتابه /حياة أنطون/ هذا الزهد الصحراوي الشهير أن يبين 
كيف أثر معتقده الجديد على الروحانية المسيحية. فأنطون المعروف بأنه أب الحياة الرهبانية 
عاش حياة صارمة مرعبة في الصحراء المصرية. مع ذلك نجد في /أقوال الآباء/ المجهولة 
المؤلف بديهياك لرهيان الضحراء الأوائل: جذه رظهر إنضاناً ‏ حساتاً والسنانيا» متيرماً من 
الضجرء متأملا في المشاكل البشرية» ويقدم نصيحة مباشرة بسيطة. وفي سيرة حياته يقدمه 


أتانا زيوس في ضوء ممختلف تماماً. افعلى سبيل امثال ثراه متحولاً | صن الع اق 
ما دعا إليه أيروس. وقد بدأ مسبقاً يتمتع بطعم تألبهه المستقبلي لأنه يشترك مع الله في 
ل فعلى سبيل المثال عندما قام من القبور حيث أمضى عشرين سنة 
يصارع الشياطين يقول أتانا زيوس أنه لم تظهر على جسد أنطون أمارات الشيخوخة. لقد 
كان توي كانت ويضعه هدوءه وعدم تأثره في و عن الناس الآخرين: وكانت 
روحه غير مشوشة» ومظهره الخارجي ينم عن الهدويم) 059, لقد حاكى المسيح بشكل 
كامل. فكما اكتسى اللوغوس حماً ونزل إلى العالم الفاني وحارب قوى الشر كذلك نزل 
ألطون إلى مستقر الشياطين. فلا يذكر أتانا زيوس التأمل أبدأ» هذا التأمل الذي كان بالنسبة 
إلى السيحيين الأفلاظونيين مقل. كلمينت وأورجين الستبيل: إلى "التألة والخلاضن: فلم يعد 
مكنا للفانين أن يصعدوا إلى اللء ؤياة الصريقة رمن خباو ل 'قدراتهض ليخي بدلاً من ذلك 
فح فلن الميسين أن يقلدوا نزول الكلمة التي كدت سد إلى العالم المادي الفاسد. 
كان المسيحيون مايزالون مربكين: فإذا كان هناك إله واحد فقطء فكيف يكون 
اللوغوس إلهاً أيضاً؟ ظهر أخيراً ثلاثة لاهوتييين في كابا دوسيا في شرقي تركيا هم: باصيل 
أسقف قيصرية 02652168 (575 - 11076) وأخوه الأصغر غريغوري أسقف نيسا 19558( 
(5 - 891)» وصديق لهما هوغريغوري نازيا نزوس (9؟7 - 840©) فأطلق عليهم اسم 
الكابا دوسيين؛ كانو! روحانيين حتى أعماقهم. كانوا يجدون متعة كبيرة بالتأمل والفلسفة» 
لكنهم كانوا مقتنعين أن التجربة الدينية وحدها بإمكانها أن تقدم المفتاح لمسألة الله. وكانوا 
مدربين في تيداة: الفلاشقة الاغريقيف ومدر كين قانا للفارق الحاسم , بين المضمون الحقيقي 
للحقيقة ومظاهرها الوهمية؛ وقد لفت العقلانيون الإغريق الأوائل الانتباه إلى هذا الفارق. 
فقد قارن أفلاطون الفلسفة (التي يعم التعبير عنها بكلمات العقلء فكانت بذلك قادرة على 
البرهان) بالتعليم الذي لايقل أهفية 0 المثيولوجيا فيراوع التفسير العلمي. فقد 
رأينا أن أرسطو قد أقام فار قا ممائلاً عندما أشار إلى أن الناس كانوا يحضرون أديان الخفايا لا 
ليتعلموا أي شيء بل كي يخبروا شيئاً ما. موف عن هذه النظرة ذاتها في معنى 
مسيحي عندما أقام فارقاً بين الدوغما #دوعه12 وكيريغما #دمعنو25 وكلتاهما أساسية في 
الدين. فالكيريغما هي التعليم العام الذي تقوم به الكنيسة والمبني على الكتاب المقدس. 
وتحمل الدوغما المعنى الأعمق للحقيقة الإنجيلية التي بالإمكان فهمها عن طريق التجرية 
الدينية فقطء ويعبر عنها في شكل رمزي. فإلى جائب رسالة الإنجيل الواضحة هناك تراث 
سري يتم نقله من الرسل «في شكل سري»»؛ فكان هذا «تعليم سري وخاص). 


١6 





بحيث يصون هذا الصمت الطابع المقدس للسر. فلا يسمح لغير المدخلين 

الاطلاع على هذه الأشياء: ويجحب ألا يفشى معناه عن طريق كتابته. 

فوراء الرموز المقدسة وتعاليم يسوع المشرقة هناك دوغما سرية تمثل فهماً 

للدين أكثر تطور 3). 

الفارق بين الحقيقة الخفية والخارجية سيكون ذا أهمية كبيرة في تاريخ الله. ولن 
يقتصر هذا الفارق على اليونانيين والمسيحيين بل سيشمل اليهود والمسلمين فيطورون تراثا 
سوبا ففكرة معتقد «سري» لم يكن يعني منع الناس من الحصول عليه. لم يكن باصيل 
يتحدث عن شكل مبكر من ماسونية حرة. إنه كان يلفت الانتباه إلى الحقيقة القائلة بأنه 
ليس ممكنا التعبير عن ب جميع الحقائق الدينية أو تعريفها بوضوح وبشكل منطقي. فبعض 
الرؤى ل ل يف ده الخاض اناما أسماه 
أفلاطون التأمل. فطالما أن الدين كله كان موجهاً نحو حقيقة لا يمكن وصفها تقع خارج 
مجال المفاهيم العادية, فإن الكلام سيكون محدودا ومربكا. فإذا لم يروا هذه الحقائق بعين 
الروح فإن الناس الذين ليس لديهم خبرة كبيرة قد يفهمون الفكرة بشكل خخاطىء تماما.» 
فبالإضافة إلى المعنى الحرفي للنصوص المقدسة فإن لها أيضا معنى روحيا ليس سهلا 
إيضاحه دائماً. فقد سان بوذا كذلك إلى ١‏ أن أسئلة محددة كانت «غير لائقة) أو (غير 
ملائمة» لأنها 7 غير إلى جمائو تم خارج ما يمكن أن تصل إليه الكلمات. إنك ستكتشفها 
فقط بالمرور بأساليب استبطانية تأملية* بمعنى أن عليك أن توجدها بنفسك. ومن ن لخدمل أن 
محاولة وصفها هو مجرد عرض مزخرف لإحدى رباعيات بيتهوفن الأخيرة. فكما قال 
باصيل إن هذه الحقائق الدينية المراوغة بالإمكان الإيحاء بها عبر إشارات رمزية فى القربان 
المقدس أو عبر الصمت وهذا أفض[0*"©. 
ستغدو المسيحية الغربية ديناً أكثر ميلاً نحو الثرثرة وستركز على الكيريغما وتشكل 

هذه واحدة من مشكلاتها الأساسية مع الله. وفي الكنيسة الأرئوذكسية اليونانية» سيغدو 
مجرد صورة شبه زائفة» صنم: ليس باستطاعته الكشف عن الله ذاته2 '©. يجب على 
المسيحيين أن يكونوا مثل ابراهيم الذي وضع جميع الأفكار عن الله جانباً واعتنق ديناً «غير 
خليط وخاليا من أي مفهوم)2©9. شدد غريغوري فى كتابه /حياة موسى/ على وأن الرؤيا 
والمعرفة الحقة التي نسعى إليها تتكون بدقة من عدم الرؤية» فى وعى منا أن غايتنا تتجاوز 
كل معرفة» وفي كل مكان تنقطع عنا بظلمة كونه عصياً على الفهم)2"0 لا نستطيع أن 


١11 


نرى الله فكرياً لكن إذا سمحنا لأنفسنا أن تغلفنا السحابة التى نزلت على قمة سيناء فإننا 
سنشعر بحضوره. لقد عاد باصيل إلى الفارق الذي أقامه فرك بو جره الل وقدراته فى 
العالم: «نحن نعرف ربنا عن طريق قدراته فقط. لكننا لا نحتمل الاقتراب من 
جوهره)” .2١‏ وهذه ستكون فكرة أساسية في كل اللاهوت المستقبلى فى الكنيسة الشرقية. 


كان الكابادوسيون تواقين أيضاً إلى تطوير فكرة الروح القدس التي شعروا أنها قد 
عوجت بطريقة روتينية في نيقيا: «ونحن نؤمن بالروح القدس» بدت أنها أضيفت إلى 
مذهب أتانازيوس كفكرة لاحقة. بينما كان الناس مربكين حول الروح القدس» فهل كان 
ببساطة ردنا لله أم أنه شيء أكثر من ذلك؟ فكما أشار غريغوري نازيانروس (قَهِمَ 
بعضهم الروح كقدرة» وبعضهم فهمها كمخلوق» وبعضهم الآخر على أنها الله» وآخرون 
لبسوا متأكدين مما سيسمونه”' '2. تحدث القديس بولص عن الروح القدس على أنه متجدد 
خالقاً ومقدسأء لكن هذه القدرات لا يمكن أن يقوم بها إلا الله. نحم عن ذلك أن الروح 
القدس الذي قيل ان حضوره داخلنا هو خلاصنا لابد أن يكون إلهياً وليس مجرد مخلوق. 
وقد استخدم الكابادوسيون صيغة استخدمها أتانازيوس في نزاعه مع أبروس: الله كان له 
جرز واحد بقي عصياً على فهمناء لكن ثلاثة تعبيرات جعلته معروفاً. فبدلاً من البدء 
مناقشتهم لله بطبيعته العصية على الفهم بدأ الكابادسيون بتجربة البشر مع تعبيراته الثلاثة. 
فبما أن جوهر الله غير قابل للوصف فإننا نستطيع أن نعرفه من تلك المظاهر التي تجلت لنا: 
الآب» الابن والرت: فهذا لا يعني أن الكابادوسيين لم يكونوا مؤمنين بكائنات مقدسة 
ثلاثة كما تخيل 1 بعض اللاهوتيين ين الغربيين. فكلمة 05]3515م7197 كانت مربكة لغير الملمين 
باللغة اليونانية لأن لها معانى عديدة. فقد اعتقد بعض اللاهوتيين مثل القديس جيروم أنها 
تحمل المعنى نفسه الذي تحمله كلمة 2زون0 (الجوهر)». وكان اليونانيون يؤمنون بجواهر 
مقدسة ثلاثة. لكن الكابودسيين شددوا على وجود فارق هام بين الكلمتين ينبغي أن نضعه 
في اعتبارنا. وبذلك فإن جوهر مادة ما هو الذي جعل شيئا ما على ما هو عليه وكان 
علق عادة على مادة كما كانت داخل ذاتها. وبالمقايل كان كلمة 7519505]25(5 تستخدم 
لتعنى. مادة: ‏ منظوراً إليها من الخارج. وأحيائاً كان الكابادوسيون يفضلون استخدامٍ 
ا تروووم2 بديلاً عنها. فكلمة «ووومم كانت آمل تعني قوة لكنها اكتسبت عدداً 
من المعاني الثانوية: فقد تشير إلى ملامح وجه شخص ما؛ أي تصويراً خارجياً الحالته 
العقلية واستخدمت كذلك لتعني دوراً تبناه شخص عن وعي» أو شخصية أراد أن يلعب 
دورها. وبالتالي فإن كلتا الكلمتين كانت تعنيا التعبير الخارجي للطبيعة الداخلية لشخص 
ما أو الذات الفردية كما رآها مشاهد. وهكذا عندما قال الكابادسيون إن الله كان جوهراً 


١١ / 


واحداً في تعبيرات ثلاثة إنما كانوا يعنون أن الله كما هو في ذاته كان د كان هناك 
وعي ذاتي إلهي وحيد. لكن عندما يسمح أن ترى مخلوقاته شيئاً ما من ذاته فإنه ثلاثة 
تعبيرات, 

وهكذا فإن اللشيرات الآبء الاين والزوت يتبغى آلا تتفت بباللة .ات لأنا كنبا 
شرح غريغوري النياسي «جوهر الطبيعة الإلهية لا اسم لهء ولا يمكن الحديث عنه. 
وكلمات الآب والابن والروح هي مجرد كلمات نستخدمها لنتحدث عن القدرات التي 
عرف الله بها عن نفسه)(7") ٠‏ مع ذلك فهذه الكلمات ذات قيمة رمزية لذنها تترجم 
الحقيقة التي لا توصف إلى صور يمكننا فهمها. لقد عرف البشر الله على أنه متعالٍ (الآب 
مخبأ في نور لا يوصف)» وكمبدع (اللوغوس)» وكفيض «الروح القدس). لكن هذه 
النبوزات في حول 0 وحات ناقصة للطبيعة الإلهية ذاتها التي تقع بعيداً جد خارج 
كل مجاز ولغة مفهومية2""2. ولذلك فإن الثالوث يجب ألا يُرى كحقيقة فعلية بل كمثال 
مقابل لحقائق فعلية في حياة الله المستتر. 


فقد لخص غريغوري في رسالته /إلى ألا لبيوس: أنه لا توجد ثلاثة آلهة/ معتقده 
الهام بعدم الفصل أو التلازم بين الشخوص أو التعبيرات المقدسة الثلاث. ينبغي ألا يفكر 
المرء أن الله شق نفسه إلى ثلاثة أجزاء فتلك فكرة غروتسك «زخرفة)» وفي الحقيقة 
تجديف. فقد عبر الله عن ذاته كلياً فى كل من هذه التعبيرات الثلائة عندما أراد أن 
يكشف عن ذاته للعالم. وهكذا يعطينا الثالوث علامة للنموذج «لكل عملية تمتد من الله 
إلى الخلق): فكما يبين الكتاب المقدس أن أصل النموذج في الآب» وينتقل عبر قدرة 
الابن» ويصبح فعالا في العالم عن طريق فيض الروح. لكن الطبيعة الإلهية حاضرة كذلك 
في كل مظهر من العملية. ففي خبرتنا نستطيع أن نرى التداخل غير المستقل لهذه 
التعبيرات الثلاث: فلما كنا عرفنا أبداً الآب لو لم يكن تجلياً للابن» ولا التعرف على الابن 
دون الروح المستقرة فيه الذي يجعله معروفاً لنا. فالروح يرافق كلمة الآب المقدسة تماماً كما 
يرافق التَقّسَ الكلمة التي ينطقها الإنسان. فالشخوص الثلاث لا توجد جنباً إلى جدب في 
قد تكون مختلفة عن الطب لكنها لا تستقر في عالم منفصل من الوعي. فالعلوم الثلاثة 
ينتشر كل منها في الآخرء تملا العقل بأكمله ومع ذلك تبقى متمايزة عن بعضها("". 

وأخيراً فالثالوث له معنى فقط كتجربة صوفية أو روحية: ينبغي أن تعاش هذه 
التجربة؛ وألا نفكر بها لأن الله قد مضى بعيداً خارج نطاق المفاهيم البشرية. فالثالوث لم 


١8 


يكن صياغة منطقية أو فكرية بل مثالا تخيلياً يدحض العقل. فقد أوضح غريغوري 
نازيائزوس هذا عندما شرح أن تأمل الثلاثة في واحد يحرض انفعالاً عميقاً وغامراً كان 
يدحض الفكر والوضوح الفكري: 

وما أن أتصور الواحد حنى يشرق علي بهاء (الغلائة)» 

وما أن أميز الثلاثة حتى أَحْمَلَ خلفاً في ال(واحد). 

عندما أفكر في أي من (الثلالة), أفكر به على أنه الكل فيُملاً عيناي. 

والجزء الأكبر مما أفكر به يهرب مني” "». 

ما يزال المسيحيون اليونانيون والروس الأرئوذكسيون يجدون أن التأمل في الثالوث 
هو تجربة دينية ملهمة. بينما الثالوث بالنسبة لكثير من المسيحيين الغربيين مربك. وهذا أمر 
مكل لآن العرنيين. يأخذون ما أسماه الكابلاسيوة التعزيرات الكيريخمانك» يتما أسناها 
اليونانيون حقيقة دوغمائية يمكن فهمها عن طريق الحدس فقط» وكنتيجة لتجربة دينية. 
وبالطبع لم يكن لها أي معنى منطقي. ففي موعظة سابقة شرح غريغوري استعصاء معتقد 
الثالوث على الفهم يجعلنا في مواجهة السر المطلق لله ويذكرنا بأنه ينبغي ألا يكون لدينا 
أمل في فهمه”” '©2. يجب أن يمنعنا من الإدلاء بأقوال سطحية حول الله الذي 0 أن 
ل ا ا ا م 
نتخيل أن لي ا م لس ١‏ 
نحاول تخمين كيف أن التعبيرات الثلاثة للربوبية كانت واحدة» ومتميزة عن بعضها 
ومتطابقة في الوقت ذاته. فهذا يقع خارج نطاق الكلمات والمفاهيم وقدرات البشر على 
الحلي 7 

ينبغي ألا يفشر الثالوث بطريقة واقعية. إنها ليس نظرية عويصة بل هي نتيجة التأمل. 

فعندما أريك هذا الأعتقاد المسيتحيين فى الغرت خلال القرث الثامن عشرء :وخاولوا التكهن 
به إنما كانوا يحاولون جعل الله عقلانياً وتمكناً فهمه في عصر العقل ذاك. فكانت هذه 
الحالة إحدى العوامل التي أدت إلى ما يسمى موت الله في القرنين التاسع عشر والعشرين 
كما صرق لأهها, أخد الأسيات التي حدت بالكابادوسيين إلى تطوير هذا النموذج كان 
منع الله من أن يصبح عقلانياً كما كان في الفلسفة اليونانية» وكما فهمه هراطقة من أمثال 
أيروس. فلاهوت آرووس كات واضنناً ومنطقياً. فالثالورث كان يذكر المسيحيين بأن الحقيقة 
التى نسميها الله لا يمكن فهمها عن طريق الفكر البشري. وعقيدة التجسيد كما تم التعبير 
عنها فى نيقيا كانت هامة لكن كان ممكناً أن تؤدي إلى صنمية ساذجة. فقد يبدأ الناس 
التفكير بالله ذاته على أنه شي ومن الممكن أن نتخيله يفكر ويتصرف ويخطط مثلنا. ومن 


١08 


هنا لم يتبق إلا خطوة 00 الآراء المتحيزة إلى الله وبذلك نجعلها 
مطلقة. فالئالوث كان محاولة لتصحيح هذا الميل. فبدلا من رؤية الثالوث كقول حقيقة عن 
الله رما ينبغي أن نراه قصيدة أو رقصة ثيولوجية بون ما يعتقده ويقبله مجرد بشر فانين عن 
الله والإدراك الذكي بأن أي قول: كهذا أو كيريعنا قد يكورن شرطا فقط. 
الفارق بين الاستخدام اليوناني والغربي لكلمة نظرية هو فارق ثقافي. ففي المسيحية 
الشرقية تعني كلمة 7560518 التأمل دائماً. أما في الغرب فقد أصبحت تعني فرضية 
عقلانية ينبغي شرحها منطقياً. فتطوير نظرية عن الله كان يعني أن بالإمكان احتواء الله في 
نظام فكري بشري» فاجتماع نيقيا لم يضم إلا ثلاثة لاهوتيين لاتين فقط. فمعظم 
المسيحيين الغربيين لم يكونوا أكفاء لدخول هذا المستوى من النقاشء وبما أنهم لم يفهموا 
بعضاً من المفردات اليونانية فقد شعر الكثيرون بعد الرضا عن معتقد الثالوث» ولربما لم يكن 
قابلاً للترجمة إلى مصطلح آخر «فكل ثقافة ينبغي عليها أن تخلق الفكرة الخاصة بها عن 
الله. فلو وجد الغربيون التفسير اليوناني للثالوث غريياً عنهم لكانوا صاغوا تفسيراً خاصاً 
بهم. 
فاللاهوتي اللاتيني الذي عرّف الثالوث للكنيسة اللاتينية هو القديس أوغسطين الذي 
كان أفلاطونياً متحمساء ومواليا -- ولذلك كان متحررا من هذا المعتقد اليوناني 
أكثر من بعض زملائه الغربيين. فكما شرح فإن سوء الفهم كان ه في أغلب الأحيان يعزرى 
إلى المصطلحات الفنية. 
من أجل وصف أشياء لا توضصف قد يكو باستطاعنا أن تعبر بطريقة نا 
عما لسنا قادرين على التعبير عنه تماماً بأية طريقة. فقد تحدث أصدقاؤنا 
اليونانيون عن جوهر واحد وثلاث تعبيرات» بيتما تحدث اللاتين عن 
جوهر واحد أو تعبير واحد وثلائة شخوص""©. 
فبينما قارب اليونانيون الله بتناول هذه التعبيرات الثلاث» ورافضين تحليل وحدانيته 
وجوهره غير المعروفين» نجد أوغسطين شخصياً والمسيحيين الغربيين من بعده قد بدأوا 
بالوحدة الإلهية ثم فرعر في مناقشة مظاهرها الثلاثة. كان المسيحيون اليونانيون يبجلون 
أرغسطين ويرون فيه أحد آباء الكنيسة العظام لكنهم كانوا يشكون في لاهوته التثليي 
لأنهم شعروا أنه جعل الله يبدو عقلانياً لدرجة كبيرة» ومتحولاً إلى شكل بشري. لم تكن 
مقاربة أوغسطين ميتافيزيقية - مثل مقاربة اليونانيين لهذا الموضوع ‏ بل كانت سيكولوجية 


وشخصية 5 جداً. 


التأثير 520 عدا القنزى برل : ارك أي مفكر 
حوس ار القديمة ملق ابل اك ا للم 
للبشرية. له 0 مس ب 
قلوبنا حتى تستقر فيك)2*0©, اعتنق المانشية 50أوعط 242210 بيئما كان يعلم البلاغة في 
قرطاجة» وهذه عبارة عن شكل من أشكال الغنوصية من بلاد الرافدين» لكنه تخلى عنها 
فى النهاية بعد أن وجد أن نظرتها الكونية لم تكن مقنعة. كما وجد فكرة التجسيد خاطئة 
لبر الله. رام وى كايا لكي اروس + أسقد 1-5 0 بأن 
التعميد 00 أولى. لقد شعر أن المسيحية كانت تستدعى أن يظل عازباء وكان كارها 
لانخاذ تلك الخطوة: «رب أعطني العفة» لكن ليس الآن» كما كان يدعو*". 
كان اعتناقه المسيحية ها الخركة شتورم أند درانغ 8 2104 50 حركة 
أدبية ألمانية في أواخر القرن الثامن عشر تميزت بالثورة على حركة التنوير الفرنسية والحاكاة 
الألمانية لهاء فكان تحوله إلى المسيحية كرلا نينا وولانة حديذة مؤلمة فكانت بذلك سمة 
مميزة للتجربة الدينية الغربية.فذات يوم بينما كان جالساً مع صديقه أليبيوس في الحديقة في 
ميلانو أكِ 0 إلى رأسه؟ 

ووضعها مام عن لبر 

وذلك دفع عاصفة هائلة حاملة معها دموعاً مدرارة 

أن أذرفها مع تأوهات مرافقة. نهضت من جانب أليسيوس 

(بدت لي العزلة أكثر ملائمة للبكاء).. 

ألقيت نفسي تحت شجرة تين» وتركت دموعي تنساب بحرية. 

أنهار تدفقت من عيني. أضحية مقبولة لك. 

ا فد قلت القاعرارا يد 0 
5 00 إلينا في الغرب. فاعتناق وفطي سيد يبدو مثل إزالة 
عقيدة سيكولوجية» يسقط بعدها المؤمن منهكاً بين ذراعي الله وقد صرف كل 

م كان أوغسطين يستلقي باكياً على الأرض سمع فجأة صوت طفل في منزل 


١١ 


بيخاوان ينشد العبارة ءع2.]آ ء70[1 «أي التقط واقرأء التقط واقرأ»» فاعتبرها أوغسطين نبوءة 
فقفز واقفاً على قدميه واندفع عائداً إلى صديقه المندهش الذي طال عذابه» وخطف منه 
العهد الجديد, ثم فتحه على كلمات القديس بولص إلى الرومان: «لا في البطر والسكر 
ولا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد» بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً 
للجسد لأجل الشهوات» وبذلك انتهى ري الطويل. «لم أكن أود أن أقرأ ا مزيد, ولم 
تكن هناك حاجة لفعل ذلك) كما تذكر أوغسطين. (فمع الكلمات الأخيرة 25 هذه 
الجملة وكأن"تور خلا من كل القلق. خمر قلنية خيبوت ”كل الشكركة) 610 


قد يكون الله أيضاً مصدر سرور: فلم يكن قد مضى وقت طويل على إيمان 

أوغسطين عندما مر بحالة نشوة ذات ليلة مع أمه مونيكا في أوستيا على نهر التبير. 
وسنناقش هذه القصة بشكل مفصل في الفصل السابع. فكون أوغسطين أفلاطونياً فقد 
كان يعرف أن الله موجود في العقل. وفي الفصل العاشر من /الاعترافات/ ناقش مقدرة 
أسماها الذاكرة» فهى أكثر تعقيداً من المقدرة على التذكرء وأقرب إلى ما يسميه علماء 
النفتن "واللاشعورة.. إن الذاكزة كانت بالنسية إليه الشغون واللاشعون وتعقيدها وتترغها 
ملأاه حيرة. لقد كانت «سراً يوحي بالرهبة»» عالم من الصور لا يسبر غوره» ووجودات 
ماضينا وسهول وكهوف لا تحصى”' ©. فقد نزل أوغسطين عبر هذا العالم الداخلي كي 
يجد الله الذي كان في داخله وفوقه هو في أن يوحي بالتناقتض. فليس من المستحسن 
البحث عن إثبات أو برهان لله في العالم الخارجي. فبالإمكان اكتشافه في عالم العقل 
الواقعي فقط: 

أحببتك متأخراً أيها الجمال المغرق في القدم والجديد في آن. 

متأخراً أحببتك؛ وانغمست حالتي الكثيبة في تلك الأشياء 

الجميلة التي خلقتها. لقد كنت معي ولم أكن معك. الأشياء الجميلة 

أبقسي بعيداً عنك, فإذا لم يكن وجودها فيك فليس لها وجود على 

الإطلاق 20 

ولذلك لم يكن الله واقعاً موموعيا :بل بتضورا روصا في الأعماق المعقدة للذات. 

فأوغسطين لا يشارك أفلوطين وأفلاطون في رؤيته هذه فحسب بل يشارك البوذيين 
والهندوس والشامان في الأديان غير التوحيدية. مع ذلك فإلهه لم يكن إلهاً غير شخصي 
بل إلهاً شخصياً جداً مستمداً من التراث اليهودي ‏ المسيحى. فقد تلطف الله على ضعف 
الإنسان ومضى بحثاً عنه. 


لقد ناديت وصرخت عالياً فحطمت صممي. لقد كنت مشعاً متألقاً. 


١7 


فأذهيت العمى عن عيني. كنت عبقاً وأنا أستدشق أنفاسي, والآن 
ألهث وراءك. لقد ذقتكء فلا أشعر إلا بالجوع والظمأ إليك. 
لقد لمستني؛ وأنا على نار كي أبلغ السكينة التي كانت سكينيتك9©, 
لا يرى اللاهوتيون اليونانيون عادة تجاربهم الشخصية في مؤلفاتهم اللاهوتية» لكن 
لاهوت أوغسطين نبع من قصته الفريدة جدا. 
قاد افتتان أوغسطين بالعقل إلى تطوير نظرته التثليثية النفسية في كتيب /الثالوث/ 
الدفي كيه في سقالع لقره الخافين, فبما أن الله خلقنا على صورته لذلك ينبغي أن نكون 
قادرين على فهم الثالوث في أعماق عقولنا. فدلا عن اليذه بالتجريد الميتافيزيقي والفوارق 
العقلية التي عرف بها اللوناوون بدأ أوغسطين استكشافه بلحظة صدق لا بد أَنْ خبرها 
معظمنا. فعندما نسمع عبارات مثل «الله نور) أو «الله هو الحق) فإننا نشعر غريزياً بمتعة 
روحية متسارعة» ونشعر أن الله يعطي حيواتنا معنى وقيمة. لكننا نسقط بعد هذه الإشراقة 
اللحظية إلى الخلف في الإطار العادي لعقولناء عندما تسيطر علينا (الأسياء المعتادة والأشياء 
الدنيوية)27 "© فمهما حاولنا لن نستطيع أن نمسك ثانية بتلك اللحظة من التوق الذي لا 
يمكن التعبير عنه. فالعمليات الفكرية العادية لا يمكنها مساعدتنا. دلا من لؤلك ييحت أن 
نصغى إلى (ما يعنيه القلب» بعبارات مثل «هو الحق)9 ©. لكن هل بالإمكان أن نحب 
حقيقة لا نعرفها؟ يمضي أوغسطين ليين أنه مادام هناك ثالوث في عقولنا يكس صورة اله 
- مثل أية صورة أفلاطونية ‏ فإنا نحن إلى نمطنا البدئي» النموذج الأصل الذي خلقنا عليه. 
فإن نبدأ تأمل العقل محباً ذاته فإننا لا نجد ثالوثاً بل ثنائية: الحب والعقل. لكن مالم 
يكن العقل مدركاً لذاته ‏ أي ما نسميه وعي الذات فلن يستطيع أن يحب نفسه. جادل 
أوغسطين قبل ديكارت بأن معرفة أنفسنا هق المصدر الراسخ لكل يقينية أخرى. حتى 
معرفتنا للشك تجعلنا واعين لأنفسنا؟©. 
توجد ثلاث خصائص داخل الروح: الذاكرة» الفهم والإرادة مقابلة للمعرفة, معرفة 
الذات والحب. هذه الفعاليات العقلية - مثل الشخوص المقدسة الثلاثة. هي اماما واحدة 
لأنها لا تشكل ثلائة عقول منفصلة بل هلأ كل منها العقل بأكمله ويعم على الأخرى. 
(أتذكر أن لدي ذاكرة ونهنا وإرادة» أدرك ني أفهم وأريد وأنك كر أريد إرادتي الخاصة 
و وفهمي)0". هذه الخصائص الغلاث ل د وصفه 
الكابادسيون «تشكل حياة واحدة» وعقلاً واحدأء وحوهرا واحدا)؟” 


هذا الفهم لآليات عمل عقلنا هو فقط الخطوة الأولى. فالثالوث الذي نتعرف عليه 


١7 


داخلنا ليس الله ذاته بل أثر من الله الذي خلقنا. وقد استخدم كل من أثانازيوقين 
وغريغوري النياسي تشبيه انعكاس صورة في مرأة لوصف الحضور المتحول لل داخل روح 
الإنسان. وكي نفهم هذا التحول بشكل صحيح يجب أن نتذكر أن اليونانيين كانوا 
يعتقدون أن صورة المرآة كانت حقيقة تتشكل عندما يمتزج الضوء الصادر من عين الرائي 
بالضوء المنبعث عن المادة وينعكس على سطح المرآة””*». اعتقد أوغسطين أن الثالوث في 
العقل كان أيضاً انعكاساً يشمل حضور الله وكان موجهاً نحوه”'*». لكن كيف نصل إلى 
ما خحلف هذه الصورة المنعكسة وكأنها صادرة عن مرآة بشكل قاتم, إلى الله ذاته؟ فالمسافة 
الهائلة بين الله والإنسان لا يمكن قطعها بجهد بشري فقط لأن الله قد أتى كي يقابلنا في 
شخص الكلمة المجسدة بحيث نستطيع أن نجدد صورة الله داخلناء الصورة التي تأذت 
وتشوهت بالخطيئة. فنحن نفتح أنفسنا أمام الفعالية الإلهية التي سوف تحولنا عن طريق 
قاعدة ثلاثية يسميها أوغسطين ثالوث الإيمان: معطاء2 (مستوعبا حقائق التجسيد في 
عقولناء 0غهة[ممسعغهه © (تأملها) » مناععاء10 (الاستمتاع بها). فمن خلال تنمية إحساس 
مستمر بحضور الله داخل عقولنا فى هذه الطريقة سيكشف الثالوث نا" *2. فلم تكن هذه 
المعرفة مجرد حيازة عقلية للمعلومات بل تدريبا إبداعيا سيحولنا من الداخحل عن طريق 
كشف بعد إلهي في أعماق الذات. 


مر العالم الغربي بعصور مظلمة ومرعبة» فكانت القبائل البربرية .نتدفق في أوروبا 
وتسقط الامبراطورية الرومانية: فكان سقوط الحضارة فى الغرب ذا تأثير حتمي على 
الروحانية المسيحية هناك. فأمبروس الناصح اشب" لأ عطق ذاقق. ونان جا كان وفاعيا 
ناميا ب! ادك الكلية فضيلته الأكثر أهمية» وكان على الكنيسة صيانة معتقداتها البكر ‏ 
كجسد مريم العذراء الطاهرة ‏ بحيث لا تخترقها معتقدات البرابرة الزائفة الذين تحول 
الكثيرون منهم إلى مذهب آريوس. فقد ميز حزن عميق أعمال أوغسطين اللاحقة» لقد أثر 
سقوط روما على اعتقاده بالذنب البدئي الذي سيغدو مركزياً في الطريقة التي نظر فيها 
الناس الغربيون إلى العالم. فقد اعتقد أوغسطين أن الله قد حكم على البشرية بلعنة أبدية 
بسبب الذنب الذي ارتكبه أدم. وينقل هذا الذنب إلى أحفاده عبر العمل الجنسي الذي 
كان ملوثاً بما أسماه أوغسطين بالشهوانية. كانت الشهوانية رغبة لاعقلانية للاستمتاع 
با نخلوقات بدلاً من الاستمتاع بالله» ويشعر المرء بها أثناء العمل الجنسي عندما تغمر عاطفة 
وانفعال ما عقلانيتنا كلها؛ عندها يُنسى الله تماماً وتعربد الخلوقات دون خجل كل منها في 
الآخر. هذه الصورة للعقل وقد انحط في فوضى من الأحاسيس والانفعالات التي لا 
ضابط لها كانت ممائلة وبشكل مزعج لروما مصدر العقلانية والقانون والاستقرار في 


١ 


الغرب وقد مرغتها القبائل البربرية. فمعتقد أوغسطين القاسي رمح فنا صورة نرعة 
لإله لا يعرف الصفح: 

مطروداً من الفرودس بعد خطيئته لف آدم ذريته أيضاً بعقوبة الموت 

واللعنة. تلك الذرية التي زرعها في نفسه عن طريق الخطيئة. فأية ذرية 

ولدت عبر شهوانية جنسية أوقعت به عقاباً مناسباً لعدم الطاعة منه ومن 

زوجه التي كانت سبب الخطيئة ورفيقته في اللعنة. سوف تجر الذرية عبر 

العصور وزر اخطيئة الأولى والتي ستؤدي إلى مزيد من النطايا والأحزان 

إلى ذلك العذاب الأخير الذي لا نهاية له مع اللملائكة المتمردين.. هكذا 

كانت المسألة البشرية التي حلت عليها اللعنة . كانت تستلقي تمددة» كلا 

كانت تنفمس في الشر. تسقط على رأسها من شر إلى آخر. 'وانضمت 

إلى عصبة من الملائكة المذنية. فكانت تدفع جراء عادلاً لخيانتها 

وعقرقها””». 

لم ينظر اليهود ولا المسيحيون اليونان الأرئوذكس إلى هبوط آدم في ضوء مأساوي 
كهذاء وكذلك لن يتبنى المسلبون لاحقاً هذا التفسير اللاهوتي القاتم للذنب الأصلى. هذا 
الاعتقاد الذي يشكل لوحة الله الصارمة التي كانت فريدة في الغرب قد اقترحها تيرتوليان 
من قبل. 
لقد تركنا أوغسطين مع ميراث صعب. دين يعلّم الرجال والنساء أن ينظروا إلى 

عيب تاريخي في بشريتهم وقد يغربهم هذا عن أنفسهم» » وهذا التغريت: واضح” في الثبوه 
الجبس عموماً والنساء خصوصاً. فمع أن المسيحية كانت إيجابية أساساً حيال النساء إلا 
أنها قد طورت ميلا لكراهية النساء ذ في الغرب في عصر أوغسطين. رسائل العدينن سيروم 
عابقة بكراهية الأنثى التى تبدو أحياناً مربكة. وانتقد تيرتوليان بدوره النساء على أنهن 
مغويات شريرات وخطر أبدي على الرجال: 

ألا تعرفن أن كلاً منكن هي حواء؟ 

حكم الله على جنسكن أن يعيش في هذا العصر: فالخطيئة يجب أن تعيش 

بالضرورة أيضاً أنتن بوابة الشيطان. أنتن فاضحات الشجرة امحرمة. 

أنتن أول الخارجين على الشريعة الإلهية. 

أنت هي من أقنعت ذلك الذي لم يكن الشيطان شجاعاً بما فيه الكفاية 


كي يهاجمه. 
أنتن دمرتن دون مبالاة كبيرة الإنسان صورة الله. 
حتى ابن الله كان عليه أن يموت بسب خيذلانكن7* . 


١ 


كتب أوغسطين إلى أحد أصدقائه: «ما هو الفرق؟ أكان ذلك في زويجة أو أم انا 
تزال هي حواء الغاوية التي يجب أن نحذر منها في أية امرأة)” **. وفي الحقيقة نجد 
أوغسطين في حيرة واضحة: أكان على الله أن يخلق الجنس الأننوي؟! وفي النهاية (إذا 
كانت الصحبة الجيدة والحديث الذي كان آدم بحاجة إليهء لكان من الأفضل 000 
رجلان سوياً كأصدقاء» وليس امرأة ورجل)”*. الوظيفة الوحيدة للمرأة هي إنجاب 
الأطفال الذين ينقلون الخطيئة إلى الجيل التالي مثل مرض سار. فالدين الذي ينظر شذراً إلى 
نصف الجنس البشري» والذي يعتبر كل حركة غير إرادية للعقل والقلب والجسد شهوانية 
جنسية فإنه يغرب الرجال والنساء عن شرطهم. فالمسيحية الغربية لم تتعاف تماماً من هذه 
العزوبية العصابية التي ماتزال ترى في رد الفعل غير المتوازن تجاه فكرة ترسيم النساء كهنة. 
بينما تقاسمت النساء الشرقيات عبء الدونية الذي حملته نساء العالم المتحضر في هذا 
العصرء وحملت أخواتهن في الغرب وصمة إضافية للجنسية المذنبة المقيتة التي سببت لهن 
النبذ في كراهية وخوف. 1 ا 

هذه سخرية مضاعفة. فبما أن الله أصبح جسداً واشترك في بشريتنا إذن كان يجب 
أن تشجع هذه الفكرة المسيحيين على احترام الجسد. هناك نقاش حول هذا الاعتقاد 
الصعب. فخلال القرنين الرابع والخامس طرح هراطقة من أمثال أبولوناريوس ونيسطوريوس 
و وعطء 2 أسئلة صعبة جداً. كيف كان لألوهة المسبيح أن تتلازم مع بشريته؟ أو لم تكن 
مريم م الله بل هي بالتأكيد أم يسوع الإنسان؟ كيف كان ممكناً أن يكون الله عاجزأء طفلاً 
رضيعاً يحبو؟ أليس أكثر دقة أن نقول ان الله عاش مع المسيح في علاقة حيمية كما في 
معبد؟ فعلى الرغم من عدم الاتساق الواضح فقد بقي الأرثوذوكس متشبثين بسلاحهم. 
فسيريل 11ر0 أسقف الإسكندرية رفض دين أتانازيوس. الله قد نزل فعلاً إلى عمق عالمنا 
الناقص ااه وأنه ذاق طعم الموت والهجر. بدا من انال مصالحة هذا الاعتقاد مع 
الاعتقاد الراسخ بأن الله لا يمكن وصفه أبداء وغير قادر على التأثر أو التغير. كان إله 
الإغريق النائي يقسم اهساسا لانن الإلهي هنطهمى وبذلك كان إلهاً مختلفاً كلياً عن الله 
الذي كان يفترض أن يصبح متحسداً في يسوع المسيح. شعر الأرثوذوكس أن الهراطقة 
الذين أوجدوا فكرة إله لا حول له ولا قوة ويتعذب فكرة خاطعة, فكانوا بذلك يريدون أن 
يفرغوا الله من سره وأعاجيبه. وبدت مفارقة التجسيد ترياقاً للإله الهليني الذي لم يفعل 
شيئاً كي يهز رضانا عن ذواتناء والذي كان عقلياً بالكامل. 


وفي عام 015 أغلق الامبراطور جوستنيان مدرسة الفلسفة العريقة في أثينا التي 


١77 


كانت المعقل الأخير للنزعة الوثنية الفكرية. وكان مدرسها الأخير برو كلوس العظيم 4١5(‏ 
- 4815) ليذ حمينا لأفلوظين. استمرت الفلسفة الوثنية 08 وبدت مهزومة على يد 
الدين المسيحي الجديد. وبعد مضي أربع سنوات ظهرت أربع كتيبات صوفية كتبها ‏ كما 
بدا - دينس الأريوباغيتي أول أثيني اعتنق المسيحية على يد القديس بولص. لكن هذه 
الكتيبات قد كتبها مسيحي يوناني عاش في القرن السادس وأغفل كتابة اسمه» وكان 
ذلك قدرة رمزية أكثر أهمية من هوية المؤلف. تمكن دينس الزائف من تعميد رؤى 
الأفلاطونية المحدثةء ومن خخلق تزاوج بين إله اليونانيين وإله انجيل المتعالي. 

كان 'فينش.«وزيك الآباء' الكايادوسيين أيضا: فقد تتاول القارق .بين الكبريتها 
والدوغما بجدية كبيرة أكثر مما فعل باصيل. فقد أكد فى إحدى رسائله أن هناك تراثين 
لاموين وكلقهها منعنة من الأناجيا كان« لفيا الكبوينمات واضحاً وممكناً معرقته 
بينما كان الانجيل المعتقدي صامتاً وصوفياً وكلاهما يعتمدان على بعضهما وأساسيان فى 
الإيمان المسيحى. كان أحدهما «رمزياً ويفترض مسبقاً الإدخال الدينى». أما الآخر افكان 
تلسقية وتادراً على اللزيهات».والذي لذأ يضق متشوجا معنا عكان التعدت بيي 7 
فالكيريقها عع ريغص من خلدل حنيهه الظاهرة كن تراث الدوغما الخفي أو الصامت 
كان 0 أ يتطلب إدخخالاً: إنه يؤثر ويثبت الروح بالله عن 31 إدخالات لا تعلّم أي 
شىء)0*». وقد شدد دنيس على ذلك فى كلمات تذكرنا بأرسطو. هناك حقيقة دينية لا 
يمكن التعبير عنها في كلمات بشكل كاف أو بالمنطق أو الحوار العقلاني. إنما يتم التعبير 
عنها رمزياً بكلمات وإشارات الطقس أو المعتقدات التي كانت «غلالات مقدسة) حجبت 
المعنى الذي لا يمكن التعبير عنه بالنظر والتي عدّلتٌ أيضاً الله الغامض كليا بما يتناسب مع 
حدود الطبيعة البشرية» وعبرت عن الحقيقة بكلمات يمككن فهمها تخيلياً إذا لم تكن تفهم 
مفهومي0؟ ). 


لم يكن المعنى الخفي أو السري مقتصراً على نخبة ممتازة بل متيسراً لجميع 
المسيحيين. لم يكن دنيس يدعو إلى منهج مبهم مناسب للرهبان والزهاد فقط. فالقربان 
المقدس الذي كان يحضره جميع المؤمنين كان الطريق الرئيسي إلى الله» وهذه الفكرة 
سيطرت على لاهوته. فالسبب فى كون هذه الحقائق مختبئة خلف حجاب واحد هو عدم 
استثناء الرجال والنساءء ذوات الإرادة الطيبة بل لرفع جميع المسيحيين فوق المدركات 
الحسية والمفاهيم إلى حقيقة الله ذاته التي لا يمكن التعبير عنها. فالتواضع الذي ألهم 


١ 71 


الكابادوسيين بالدعوة أن كل الاذهوت يجت أن يكون: ضباميا أصيبحت» بالسنية لدثيين 
طريقة جسورة للصعود إلى الله الذي لا يمكن التعبير عنه. 


في الحقيقة لم يكن دنيس يود استخدام كلمة «الله) على الإطلاق» ومن امحتمل أنها 
أبنت مضامين 3 ججسميدية غير كافية) وكان يفضل ان يسستخدم بدلا منها كلمة 
بر وكليس تووعناعط7 التى كانت تتقلق أساسا بالقربان المقدس. و كانت" هده الكلمة تعني 
في العالم الوثني بذلا للمانا الإلهية عن طريق القربان والتأله. وقد استخدم دئيس هذه 
الكلمة على حديث ‏ الله الذي بالإمكان فهمه كما يجب» وت عدي القدرة 
الإلهية الملازمة في الرموز المكشوفة. هذا وقد وافق جميع الكابادوسيين على أن جميع 
كلماتنا ومفاهيمنا عن الله غير كافية» ويجب ألا نعتبرها موادي ليه خويعار 
عقولنا. وحتى كلمة الله كانت خاطية د لأن الله كان «فوق الله» أي (إاسر 0 
الوجود)” "2. ب نحن أن يدرك المسيحيون أن الله ليس هو الوجود المتعالي ) الوجود الأعلى 
من كل اك ا كائنات أدنى. فالأشياء والناس لا تتراتب مقابل الله > 
منفصلة أو وجود بديل قد يكون موضوع المعرفة. فالله ليس واحداً من الأشياء 0 توجدء 
وهو بالتأكيد لا يشبه أي شيء مما نعرفه. إنه لأكثر دقة أن نسمي الله «لاشيئا) ويجب علينا 
060 إنه فوق جميع 
الأسماء مثلما هو فوق كل وجود»””"2. فالاتحاد معه ليس أقل من إسباغ طابع ألوهة على 
طبيعتنا . لقد كشف الله لنا عن بعض أسمائه فى الكتاب المقدس: اللاب» الابن) والروح» 
فالغاية من ذلك ليس تقديم معلومات عنه بل كي يشد الرجال والنساء إليه» وليمكنهم من 
مشا ركته في طبيعته الإلهية. في كل فصا لس كه |الامحاء الاي هذا ويس يسلية: 
كيريغماتية كشفها الله. خيرهء حكمته. أبوته وما شابه. ثم يشرع بعدئذ في تبيان أنه على 
الرغم من أن الله أظهر شيئاً من ذاته في هذه الأسماء إلا اننا وكقين عي انك اله 
فإن ل ا هذه الصفات والأسماء. وبذلك علينا أن نتحول 
أى ماهو الله وا ليس الله معاأء «الخيّر) وليس الخيّر. عه الي تحدثها هذه النقائض عملية 
ن المعرفة واللامعرفة معأ وسترفعنا فوق عالم الأفكار الدنيوية إلى الوجود الذي لا 
0 التعبر عنه: 


نجي لون جح انه مين وحدة أو ثا! لوثاً بالمعنى الذي نعرفه فيه 


وهكذا بدأ بالقول: 

إنه يوجد فهم. عقل. معرفة لمس» تصور مخيلة مخيلة, اسم وأشياء كنيرة 
أخرى. لكن لا يمكن فهمه. لا شيء يمكن أن يقال عنه. لا يمكن تسميته. 
إنه ليس واحداً من الأشياء الموجودة0”70, 


1١748 


فقراءة الكتاب المقدس ليست عملية اكتشاف حقائق عن الله بل يجب أن تكون 

ا ا . فهذه الطريقة هي سرية» إفراغ القدرة الإلهية التي 

من الصعود إلى الله ذاته, وكما علّم الأفلاطونيون دائما نصبح إلهيين. | إنها طريقة 

تجعلنا نتوقف عن التفكير «يجب أن نترك وراءنا جميع تصوراتنا عن الله .وأن نوقف جميع 

قدرات عقولنا)*'©. وعلينا أن نترك نكراننا لصفات الله خلفنا. عندئذ فقط سنبلغ نشوة 
الاتحاد بالله. 


عندما يتحدث دينس عن النشوة فإنه لا يشير إلى حالة خاصة للعقل أو إلى شكل 
بديل للوعي تتحقق عن طريق تدريب يوغاوي غامض. يستطيع كل مسيحي بلوغ ذلك 
بهذه الطريقة المتناقضة عبر الصلاة والسرية القربانية. إنها ستوقفنا عن الكلام؛ وتحضرنا إلى 
مكان الصمت «بينما نغرق في ذلك الظلام الذي خارج الفكر. سنجد أنفسنا أننا لا نفهم 
الكلمات فقط بل في الحقيقة نكون صامتين وغير عارفين)2"”7. فقد وجد ديدس - مثل ما 
وجد غريغوري النياسي في قصة صعود موسي جبل سيناء بعد تعليمياً. فعندما صعد 
موسى الجبل فإنه لم ير الله ذاته على القمة بل أُحضِرٌ إلى المكان الذي كان فيه الله. لقد 
غلفته سحابة كثيفة من الغموض ولم يستطع أن يرى شيئاً: فكل شيء نستطيع رؤيته أو 
فهمه رمز (الكلمة التي يستخدمها دينس هي 08:20157) «نظرة)» يكشف حضور حقيقة 
تقع خارج كل فكر. فموسى مضى في ظلام اللامعرفة وبذلك بلغ الاتحاد بذلك الذي 
يتجاوز كل فهمء سوف نبلغ نشوة ممائلة «ستأخذنا خارج أنفسنا» وتوحدنا مع الله. 


وهكذا فهذا هو الممكن فقطء وكأن الله يأتي كي قابلنا على الجبل. فهنا يفترق 

دنيس عن الأفلاطونية المحدثة التى تصورت الله كسكوني وبعيدء عصي تماماً على المعرفة 
البشرية» لم يكن إله الفلاسفة اليونان مدركاً للمتصوف الذي استطاع أحياناً بلوغ النشوة 
من الاتحاد معهء بينما يلتفت إله الإنجيل نحو البشرية. ويبلغ الله أيضاً نشوة أخذته خارج 
نفسه إلى مملكة الوجود المخلوق الهشة: 

يجب أن نتجرأ كي نؤكد (لأنها هى الحقيقة) أن خالق الكون ذاته في 

حنينه الخيّر والجميل إلى الكون إنما يُنقل خارج ذاته في قدراته الإلهية تجاه 

جميع الأشياء تي لها وجود.. وبذلك يُسحب من عرشه المتعالي فوق 

جميع الأشياء ليستقر داخل قلب جميع الأشياء. عبر قدرة نشوية فوق 

الوجود» وبها يبقى داخخل ذاته" ". 


15 


لقد أصبح الفيض حباً متدفقاًء إرادياً وجارقاً أكثر منه مجرد عملية آلية فطريقة دينس 
في النفي والنقائض لم تكن مجرد شيء نقوم به بل شيء يحدث لنا. 

كانت النشوة بالنسبة إلى أفلوطين فرحاً يأتينا قليلاء وبلغه مرتين أو ثلاثاً طوال 
حياته. بينما رأى دينس النشوة كحالة مستمرة لكل مسيحي» فكانت هذه هي الرسالة 
الخفية في الكتاب المقدس والقربان المقدس تظهر في أقل إشارات. وهكذا عندما يغادر 
امحتفلون المذبح عند بداية القداس يسير الكاهن غير الجفوع وَأقنا إياهم بالماء المقدس قبل 
العودة إلى احرم. فهذا ليس مجرد شعيرة تطهيرية مع انها هي كذلك ايضا. إنها تحا كي 
النشوة الإلهية إذ يغادر الله بها عزلته ويظهر نفسه مع مخلوقاته. يحتمل أن أفضل طريقة 
للنظر إلى لاهوت دينس هى أن ننظر إليه كما لو أنه رقصة روحية بين ما يمكننا أن نؤكده 
عن الله واستحسان كل شيء نستطيع قوله عنه لا يمكن أن يكون إلا وفيا فكينا هو لامر 
في البوذية فإن إله دينس له جانبان: جانب متجه نحونا ويظهر نفسه في العالم والجانب 
اتعرهن اجاني التي كنا رفي واد «والتدي برقي عفنا علق القهم اما إنه ييقى 
من داه «في سرية أبدية وفي الوقت ذاته منغمساً كلياً في الخلق, إلها لس كود آخر 
إضافياً إلى العالم. وهذا أصبحت طريقة دينس معيارية في اللاهوت اليوناني. وفي الغرب 
سيستمر اللاهوتيون بالحديث والشرح. فقد تخيل بعضهم أنهم عندما كانوا يلفظون كلمة 
«الله) فإن الوجود الإلهي تزامن فعلاً مع الفكرة في عقولهم. وينسب بعضهم أفكارهم 
ومثلهم إلى الله قائلين إن الله أراد هذاء ومنع ذاك, وخطط للآخر بطريقة كانت صنمية 
بشكل خطير. فقد بقي إله الأرئوذوكسية اليونانية خفياًء وبقي الثالوث يذكر المسيحيين 
الشرقيين بالطبيعة الشرطية لمعتقداتهم. وفي النهاية قرر اليونانيون أن اللاهوت الحق يجب 
ان يلتقي مع مبدئي دينس: اللاهوت الصامت» والقائم على النقائض. 

طون اليوتانيون بو اللاتين أرقيا آراء مختلفة هامة حول ألوهة المسيح» فقد حدد 
ماكسيموس الكونفسير (0٠8ه‏ - 535) المفهوم اليوناني حول التجسيدء» ويعرف 
هااكسيحوس يانه أبو اللدقوت البيزنطي. لقد اعتقد ماكسيموس أن البشر يحققون أنفسهم 
عندما يتم اتحادهم مع الله فقط» تماماً كما اعتقد البوذيون أن الاستئارة كانت قدر البشرية 
الملائم. وبذلك كان الله ليس وجوداً خارجياً غريباً إضافياً واختيارياً مفروضاً على الشرط 
الإنساني. ففي الرجال والنساء قدرة كامنة تجاه الله وسيصبحون كاملي الإنسانية إذا ما تم 
ذلك. فاللوغوس لم يصبح إنساناً كي يكفر عن خطيئة آدم؛ فلو أن آدم لم يخطئ لكان 
التجسيد قد حدث أيضنا: فقد حلق البشر مشابهين للوغوس» وهم سيحققون قدرتهم 


1١2 


الكاملة إذا ما اكتمل هذا الشبه. فعلى جبل تابور أظهرت لنا بشرية يسوع المبجلة الشرط 
البشري الإلهي الذي يجب أن نطمح إليه جميعاً. لقد مجعلت الكلمة جسداً كي يصبح 
الجنس البشري كله إِلهاء تأله بنعمة الله: : لأن يصبح إنسانا مانا كانت روما ددا 
بالطبيعة» وأن ب يصبح إلهاأ كاملا رواسا وسندا بالنعية الآلية» فكما أن الاستئارة البوذية لم 
ل ل ور 
كذلك أظهر يسوع الإله لنا الحالة التي يمكننا بلوغها من خلال النعمة الإلهية. كان 
باستطاعة المسيحيين أن يبجلوا يسوع الله الإنسان بالطريقة نفسها التى كان البوذيون 
ييجلون فيها صورة غاوتاما الذي بلغ الاستنارة: لقد كان المثال الاول لإنسانية متحققة 
وتمجدة بحق. 

فبينما جعلت النظرة اليونانية للتجسيد المسيحية أقرب ما تكون من التراث الشرقي 
نجد أن النظرة الغربية ليسوع قد أخحذت مساراً أكثر غرابة. لقد عبر أنسيلم أسقف 
كانتربري )١١١ 5 - ١١859‏ عن اللاهوت الكلاسيكي في كتيبه الماذا أصبح الله إنساناً/. 
كانت الخطيئة تحدياً ذا أهمية كبيرة» وكانت كفارتها أساسية إذا لم تحبط تماماً مخططات 
الله الجتعي البشري: لقد حُلِقَت الكلمة جسداً كي يكفر بالنياية عنا. أمرت العدالة الإلهية 
أنه يجب دفع الدين من قبل أحد ما كان إلهأ وإنساناً في آن معاً: فكانت أهمية الذنب 
تعني أن ابن الله فقط كان بوسعه أن يحفق خلاصنا. لكنه كإنسان كان 000 لأن 
الخلص أيضاً كان يجب أن يكون فرداً من الجدس البشري. كانت خخطة قانونية مرتبة 
صورت الله يفكرء ويحكم, ويزن الأشياء وكما لو أنه كائن بشري. وعززت هذه الصورة 
ا الغربية لإله قاس رضي بموت ابنه موت شائناً قدمه 0 شرع 


إلى تخيل ثلاثة شخوص ص إلهية أو 0 اهل .م 0 المعتقد برمته» ويعرفون الله بالآبع 
ويجعلون يسوع صديقاً إلهيا لكن ليس في مستوى واحد. وقد وجد المسلمون واليهود هذا 
المعتقد محيراً بل وتجديفاً على الله. مع ذلك فقد طور المتصوفون اليهود والإسلام مفاهيم 
ممائلة للإله. ففكرة كنوسيس 1220515 هي نشوة الله التي تفرغ ذاتها مثلاً ستكون حاسمة 
في كل من القبالة والصوفية. في الثالوث ينقل الآب كل ما هو عليه إلى الابن» معطياً كل 
شيء ‏ حتى إمكانية التعبير عن ذاته في كلمة أخرى. وما أن تنطلق تلك الكلمة فإن الاب 
ييقى صامتاً: لا يوجد شيء يمكننا قوله حوله لأن ما نعرفه عن الله هو اللوغوس أو الابن. 
ولذلك ليس للاب هوية» لا «أنا» بالمعنى العادي ويدحض مفهومنا للشخصية. ٠‏ قفي أصل 


الوجود ذاته هناك اللاشيى؛ ولم يره دينس فقط بل أفلوطين أيضاً وفيلون وبوذا. وطالما أن 
الآب يُقدَّم عادة كغاية للسعي المسيحي» » فإن المرحلة المسيحية تصبح تقدماً باتجاه لا مكان, 
ولا أين» ولا أحد. كانت فكرة إله شخصي أو مطلق مشخص هامة جداً للبشرية. 
فالهندوس والبوذيون كان عليهم أن يسمحوا بالولاء الشخصي لبها كتي 881. لكن 
الرمز أو معنى الثالوث يوحي بأن النزعة الشخصانية يجب تجاوزهاء وأنه ليس كافياً تخيل 
الله كإنسان ضخم يتصرف ويتفاعل مثلنا تماماً. بالإمكان رؤية معتقد التجسيد كمحاولة 
أخرى لتحييد خطر الوثنية. : ففي الماضي كان الناس يرون الله كوجود آخر كلي «موجود 
هناك), قد يصبح وبكل 0 مجرد صنم أو إسقاط يمكن البشر من إخراج وعبادة 
أهوائهم ورغباتهم. وقد حاولت الترائات الدينية الأخرى منع هذا بإصرارها على أن المطلق 
هو رهن الشرط الإنساني كما هي الخال في المنظور البراهمي الأتماني. فاريوس 
والنسطوريون أرادوا جميعا جعل يسوع إما بشرياً أو إلهياًء ولقوا مقاومة» جزئياً بسبب 
ميلهم هذا لإبقاء البشرية والألوهة في عالمين منفصلين. 

صحيح أن حلولهم كانت أكثر عقلانية إلا أن الدوغما المناقضة للكريغما ‏ ينبغي 
أن تكون محدودة بالذي يمكن تفسيره بالكامل» فلا تعود أكثر من شعر أو موسيقى. عبر 
أتانازيوس عن الاعتقاد بالتجسيد وكذلك ماكسميوس - بارتباك. فكانت محاولة لتوضيح 
الرؤية الكونية بأن الله والإنسان يجب أن يكونا غير منفصلين. ففي الغرب حيث لم تتم 
صياغة التجسيد بهذه الطريقة هناك ميل لإبقاء الله خارجياً بالنسبة للإنسان ووجوداً بديلاً 
للعالم الذي نعرفه. بالتالي من السهل جداً جعل هذا الله إسقاطأء أصبح مؤخراً أمراً 


مشكوكا به 


فعن طريق جعل يسوع إلهاً بشرياً وحيداً فقد رأينا أن المسسيحيين تبنوا مفهوماً وحيداً 
للحقيقة الدينية: كان يسوع كلمة الله الأولى والأخيرة إلى الجنس البشري الذي اعتبر 
الوحي المستقبلي أمرا غير ضروري. وبالتالي - مثلهم مثل اليهود - فقد تم فضحهم عندما 
ظهر نبي في الجزيرة العربية خلال القرن السابع» وادعى أنه تلقى وحياً مباشراً من إلههم؛ 
وأنه أحضر كتاباً مقدساً جديداً إلى شعبه. هذه النسخة الجديدة للتوحيد التى عرفت 
بالإمثلام انتشرت شترعة مذهلة في أرجاء الرق الأوسظ وشمال أفزيقيا: وكات الكثيرون 
من معتنقيه المتحمسين في هذه البلدان (حيث لم تكن الهيلينية على أرض مريحة لها) 
تحولوا وهم يشعرون بالراحة من النزعة التثليثية اليونانية التي عبرت عن سر الله في مصطلح 
كان ويا عنهم» وتبنوا مفهوماً أكثر سامية للوجود الإلهى. 


الفصل الخامس 
الوحدة: إله الإسلام 


ظهر تاجر عربي من مدينة مكة المزدهرة في احجان في اتتجرعاء :11م لم يكن قد 
قرأ الإنجيل أبدأ» ومن ن امحتمل أنه لم يكن قد سمع بأشعيا أ أو إرميا وحزقيال» ومر بتجربة 
كانت خارقة ومماثلة لتجاربهم. كان محمد بن عبد الله أحد أفراد قبيلة قريش المككية - 
يأخذ أسرته إلى جبل حراء على مشارف مكة كي يقوم بعزلة روحية خلال شهر رمضان» 
وكانت هذه عادة منتشرة بين عرب شبه الجزيرة. كان محمد يمضي تلك الفترة مصليا لله 
القدير إله العرب» ويوزع الطعام والصدقات على الفقراء الذين كانوا يأتون لزيارته خلال 
هذه الفترة المقدسة. من امحتمل أنه أمضى وقتاً كثيراً فى تفكير قلق. ومن أواخر سيرة حياته 
نعرف أنه كان مدركاً تماماً لانحراف مقلق عم مكة على الرغم من نجاحها الراهن الذي 
كان يدعو إلى الإعجاب. فقبل هذه الفترة بجيلين كانت قريش تعيش حياة قبلية قاسية 
على شاكلة القبائل البدوية الأخرى. فكل يوم كان يتطلب صراعاً مريراً من أجل البقاء. 
لكن خلال السنوات الأخيرة من القرن السادس أصبح القرشيون ناجحين جداً في التجارة 
فجعلوا مكة المستوطنة الأكثر أهمية في الجزيرة العربية» وأصبحوا أغنى ثما رأوا في 
شطحات أحلامهم وتبعاً لذلك تغيّر غنمط أسلوب حياتهم. وحلت قيم رأسمالية عنيفة لا 
ترحم محل القيم القبلية القديمة, نما جعل الناس يشعرون بالضياع وفقدان الاتجاه. وعرف 
محمد أن القرشيين كانوا في مسار خطر وبحاجة إلى إيديولوجيا تساعدهم على التكيف 
مع ظروفهم الجديدة. 

في هذه الفترة كان لا بد لأي حل سياسي من أن يرتدي طابعادينياًء وكان محمد 
مدركاً أن القرشيين يصنعون ديا جديداً من المال» ولم يكن في هذا غرابة لأنهم لابد قد 


١47 


شعروا أن ثروتهم الجديدة قد أنقذتهم من مخاطر الحياة البدوية وأدت إلى تراجع سوء 
التغذية والعنف القبلي اللذين استوطنا سهوب الجزيرة العربية حيث كانت كل قبيلة تواجه 
إمكانية الانقراض يومياً. لقد أصبح لديهم الآن ما يكفي تقريباً كي يأكلواء فجعلوا من مكة 
مركزاً دولياً للتجارة ومركزاً مالياً كبيراً. وهكذا راح يتملكهم الشعور بأنهم أسياد 
مصائرهم: وكما يبدو تخيل بعضهم أن ثروتهم سوف تعطيهم خلوداً ما بينما كان 
محمد يرى أن هذا الإيمان الجديد بالاكتفاء الذاتي يعني تفكك القبيلة. في الماضي كانت 
القبيلة تأتي في المقام الأول والفرد في المرتبة الثانية: فكل فرد فيها كان يعرف أن بقاءه رهن 
ببقائها. وبالتالى كان على الأغنياء الاعتناء بالفقراء والضعفاء في جماعتهم العرقية. بيد أن 
نزاغة' فردية: حلت محل هذا المثل الجماعى» وأصبحت المخافسة هى الحالة المعيارية. بدأ 
الأفراد بجمع روات خضي دون أن يبروا اهكان بالتركفية الأحعق منهم. فكل 
القبائل أو الجماعات الأسرية في القبيلة كانت في حالة تناحر من أجل نصيب من الثروة 
في مكة؛ وسشعرت بعض العشائر الأقل حظاأً في الثروة (مثل بني هاشم عشيرة محمد) أن 
بقاءها كان محفرفاً بامخاطر. كان محمد مقتنعاً أنه مالم نتعلم قريش وضع قيمة سامية في 
مركز حياة أفرادهاء وما لم يتغلبوا على أنانيتهم وجشعهم فإنها ستمزق نفسها أخلاقياً 
وسياسياً في صراع مميت. 
كانت الحالة في بقية الجزيرة العربية كبيبة أيضاً. فقد عاسشت القبائل البدوية في 
بكي حبار وجدرني انين شرس مع بعضها بعضاً من أجل ضرورات ال حياة الأساسية. 
فمن أجل مساعدة الناس على تنمية الروح الجماعية التي كانت أساسية للبقاء طوّر العرب 
إيديولوجيا انتيوه المروءة التي أغخرت العديد من وظائف الدين. كان هناك مجمّع ألهة 
وثنية يتعيدٌ العرب في صوامعها؛ لكنهم لم يطوروا مثيولوجيا 0 هذه الآلهة 
والأماكن المقدسة لحياة الروح. لم يكن لديهمٍ أي مفهوم عن غواطياة الأخرىئ: التي اعتقدوا 
بدلاً عنها بالدهر ‏ بالإمكان ترجمته بالزمن أو القدر, ومن امحتمل أن هذا الموقف كان 
أهاسيا في مجتمع كانت نسبة الوفيات فيه مرتفعة جداً. غالباً ما يترجم الغربيون المروءة 
كع اع يارو ذات دلاللات أوسع بكثير من دلالات الرجولة: كانت المروءة 
تعنى الشجاعة في المعركة» الصبر واحتمال الآلم والولاء المطلق للقبيلة. كانت تتطلب 
فضا المروءة أن يطيع العربي سيده أو زعيم قبيلته دون اعتبار لسلامته الشخصية. كان 
عليه أن يكرس نفسه لواجبات الفروسية» وللثأر إذا ما ارتُكب خطأ ضد قبيلته وأن يحمي 
أفرادها الضعفاء. ولضمان بقاء القبيلة عند الشدائد كان السيد يتقاسم ثرواته وممتلكاته 
بشكل متساو مع أفرادها وكان يثأرلموت أحد أفراد قبيلته بقتل فرد من قبيلة القاتل. فهنا 


١ 


نرى الأخلاق امجماعية في غاية الوضوح: لم يكن من الضروري معاقبة القاتل شخصياً لأن 

من الممكن أن يختفي فرد ما دون أن يترك أي أثر في مجتمع ما قبل الإسلام في الجزيرة 
العربية» وبدلا من ذلك يُنتقى فرد من أفراد القبيلة المعادية ويُقتل. وبذلك كان الثأر أو 
-0 لا در لخد ادن بن الام الااعص اص في هلقة ١‏ رود 


الانتقام فإن 0 ل تحظى عراف وكان أفراد القبائل الكعرق يعرفون أن ع 
بإمكانهم قتل أفرادها دون عقوبة. وهكذا كان الثأر شكلاً جاهراً وخخشناً من العدالة الي 
كانت تعني عدم السماح لقبيلة بالتطاول على قبيلة أخرى» وكان يعني كذلك أن القبائل 
قد تصبح متورطة في حلقة عنف لا يمكن إيقافها. كل ثأر يؤدي إلى ثأر آخر إذا ما شعر 
الناس أن الثأر لم يكن متناسباً مع الجريمة الأصلية. 


كانت المروءة تمارس حضوراً قوياً متعدد الوجوه: تشجع على المساواة وتقويتها 
وتعميقها وتشجع على عدم الاكتراث بالسلع المادية التي 0 أنها كانت أساسية في 
منطقة لم يككن يتوافر فيها ما يكفي من الأساسيات كي تُرَرّع. مبدأ الأريحية والكرم 
فضيلتان هامتان علمتا العرب عدم 0 بالغد. فهذه الفضائل ستصبح هامة جداً في 
الإسلام كما سنرى. لقد لعبت المروءة دوراً جيداً في حياة العرب طيلة قرون» لكنها في 
القرن السادس لم تكن قادرة على الاستجابة لظروف الحداثة. فخلال الفترة الأخيرة 1 
فترة ما قبل الإسلام التي يسميها المسلمون الجاهلية (أي زمن الجهل) يبدو أن سخطأ واسع 
الانتشار وقلقاً روحياً كانا يسمان هذه الفترة. كان العرب محاطين بامبراطوريتين عاتيتين 
هما الامبراطورية الساسانية فى فارس والامبراطورية البيزنطية. بدأت الأفكار الجديدة من 
الباداة اللمعترة تنك إلى اللزيرةه. فالتحان الدين كانوا ايسائروك إلى سورية أن الفراق 
يعودون ومعهم قصص عن أعاجيب الحضارة» مع ذلك بدا العرب وكأنه محكوم عليهم 
ببربرية أبدية. كانت القبائل منشغلة في حروب مستمرة جعلت جمع مصادرهم الضغيلة 
أمراً محالأء كي يصبحوا الشعب العربي الموحد الذي كانوا يدركون وجوده بشكل غير 
واضح. لم يكونوا قادرين على حمل قدرهم وتأسيس حضارتهم بأيديهم. يدلا من ذلك 
كانوا عرضة لاستغلال القوى العظمى. إن المنطقة الأكثر خصوبة ومعرفة في جنوب الجزيرة 
والمعروفة الآن باسم اليمن التي كانت تستفيد من الأمطار الموسمية» أصبحت مجرد ولاية 
من ولايات فارس. الأفكار الجديدة التي كانت تتسلل إلى المنطقة جلبت معها خصوصيات 
النزعة الفردية التي نسفت الروح الجماعية القديمة: فالاعتقاد المسيحي بالحياة بعد الموت - 


١: 


مثلاً ‏ جعل المصير الأبدي لكل فرد ذا قيمة مقدسة. فكيف كان بالإمكان جعل الفردية 
منسجمة مع المثل الأعلى القبلي الذي جعل دور الفرد ثانوياً أمام المثل الأعلى الجماعي الذي 
كان يؤكد على أن خلود الفرد ‏ الذكر أو الأنثى ‏ إنما يكمن في بقاء القبيلة؟ 

لقد كان محمد ذا عبقرية استشائية. فعندما توفي في عام 175 كان قد جمع جميع 
القبائل فى الجزيرة العربية فى جماعة موحدة أو أمة. لقد جلب للعرب روحانية فريدة 
تتناسب 5-0-0-5 ريت أغلال كدرات انصرة ومككينع لال ننه يمه عن اسن 
امبراطوريتهم العظيمة التي امتدت من الهيملايا إلى جبال البيرينيه» فكانت حضارة فريدة. 
عندما كان محمد يجلس مصلياً في الكهف الصغير على قمة جبل حراء أثناء اعتكافه في 
شهر رمضان عام 51١‏ لم يكن باستطاعته أن يتصور هذا النجاح الظاهرة. فعلى شاكلة 
الكثير من العرب أصبح محمد يؤمن أن الله الإله الكبير في مجمع الالهة العربية القديمة 
كان مماثلاً لله الذي عبده اليهود والمسيحيون. وقد اعتقد يه 
الذي باستطاعته فقط أن يحل مشاكل شعبه» لكنه لم يكن يعتقد ولو للحظة أنه هو من 
سيكون ذلك النبى: في الحقيقة كان العرب يشعرون بعدم الرضا لأن الله لم يرسل لهم أبداً 
نبيأ أو كتاباً مقدساً خاصاً بهم على الرغم من أنهم أقاموا صومعته في وسطهم منذ زمن 
قديم جداً. اذ بحلول القرن السابع توصل العرب إلى الاعتقاد بأن الكعبة الصومعة - المكعبة 
الشكل الضخمة في قلب مكة - كاقت ذكرية لله اأساضاء غلن الرقم دمن وسود الإله 
النبطي هبل في الكعبة في ذلك الوقت. كان المكيون فخورين جداً بالكعبة التى كانت أهم 
مكان مقدس في الجزيرة العربية. وكان العرب يتوافدون من أرجاء الجزيرة لأداء الحج في 
مكة كل سنةء يؤدون الشعائر التراثية في فترة تبلغ عدة أيام. يحرم العنف في الحرم وفي 
المنطقة المقدسة حول الكعبة. وهكذا كان بوسعهم الاتجار بسلام عارفين مسبقاً أن 
العداوات القبلية القديمة كانت مؤجلة مؤقتاً. وكان القرشيون يعلمون أنهم ما كانوا 
ليحققرا نجاحهم المادي لولا الكعبة» وأن امتيازهم بين القبائل العربية يعتمد على رفادة 
الكعبة وعلى صيانة موجوداتها المقدسة القديمة. مع أن الله خص وبكل وضوح قريشاً 
يمحبته الخاصة إلا أنه لم يكن قد أرسل لهم رسولاً مثل ابراهيم أو موسى أو يسوع: ولم 
يكن لدى العرب كتاب مقدس بلغتهم. 


الو اسك متسر لوب ب ل را م أله وبامقايل كان ادرب 


١41 


يكرهون هؤلاء الذين كانت لديهم معرفة ليست في حوذتهم هم. لم تحقق اليهودية 
والبيحية لبر تقدم قليل في المنطقة مع أن العرب كانوا يعترفون بأن هذا الشكل المتقدم 
بن الدين كاد أعلى مستوى من وثنيتهم التراثية. وكانت قبائل يهودية لايعرف أصلها في 
يغرب وفَدَكَ إلى الشمال من مكة؛ وبعض من القبائل الشمالية على الحدود الفاصلة بين 
الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية التي اعتنقت المونوفيزية 6ازسزطممده21 أو المسيحية 
النسطورية. كان البدو متمسكين باستقلاليتهم بضراوة» وكانوا مصممين على عدم 
الخضوع للقوى العظمى مثل إخوانهم في اليمن» كما كانوا مدركين تماماً أن الفرس 
والبيزنطيين قد استخدموا اليهودية والمسيحية كي يزيدوا من صنائعهم في المنطقة. ويحتمل 
أنهم كانوا مدركين غريزياً أنهم قد عانوا بما فيه الكفاية من اقتلاع ثقافي بينما كانت 
تراثاتهم تتآكل. آخر شيء كانوا بحاجة إليه كان إيديولوجيا أجنبية مطرزة بلغات وتراثات 
غريبة عنهم. 

يبدو أن بعض العرب حاول اكتشاف شكل للوحدانية أكثر حيادية غير ملوثة 
بارتباطات إمبريالية. ففي القرن الخامس يخبرنا المؤرخ المسيحي الفلسطيني 
سوزومينوس 6015 20 أن بعض العرب في سوريا اكتشفوا ما أبسهوة دين ابراهيم 
الحنيف الذي عاش قبل أن ينزل الله التوراة أو الانجيل» وبالتالي لم يكن يهودياً ولا 
مسيحيا. ويخبرنا محمد بن اسحق (0 - 7717) أول كاتب سيرة للنبي أن اربعة من قرشيي 
مكة قد قرروا أتباع الحنفية دين ابراهيم يم الحق» وقد جادل بعض العلماء الغربيين أن هذه 
الطائفة الحنفية القليلة هي قصة تقوى ترمز إلى القلق الروحي الذي كان في الجاهلية) لكن 
لابد أن ليا امنامياً رقنا فالمسلمون الأوائل يعرفون ثلاثة من هؤلاء الأحناف الأريعة وهم: 
عبيد الله بن جحش (ابن عمة محمد)» وورقة بن نوفل الذي أصبح مسيحياً في النهاية 
(أحد مستشاري محمد الروحيين) وزيد بن عمر خخال عمر بن المخطاب (أحد المقربين من 
محمد» والذي أصبح الخليفة الثاني للامبراطورية الإسلامية). فهناك قصة تروى عن زيد 
قبل أن يغادر مكة كي يبحث في سوريا والعراق عن دين ابراهيم. كان وين واقفاً قريت 
الكعبة متكثاً على جدا رهاء وقريش تؤدي طقس الطواف حولها بالطريقة التي كانت مبجلة مبجلة 
في ذلك العصرء قال زيد: (يا معشر قريش» والذي نفس زيد بيده ما من أحد منكم يتبع 
دين ابراهيم سواي). ثم أضاف حزيناً: «يا إلهي لو أني أعلم كف ريت أن هو كني 
عبدتك كذلك, لكنني لا أعلم)("©. 


١ /ا‎ 


لقد تحققت لهفة زيد إلى وحي إلهي على جبل خراء : في عام لاني اليه الهايمة 
عشرة من رمضان عندما استيقظ محمد من نومه هلعا وكان يشعر أنه محاط بحضور 
مقدس منهك. وقد وصف لاحقاً هذه التجربة ‏ التي تفوق الوصف ‏ بكلمات عربية ميزة. 
قال إن ملاكاً قد ظهر له وأعطاه أمراً موجزاً: «اقرأه مثل الأنبياء العبرانيين الذين كانوا 
يترددون غالباً فى نطق كلمة الله. رفض محتجاً: «ما أنا بقارى»». إنه لم يكن كاهنا ولا 
واحداً من مفسري الأحلام الذين يسقطون في نشوة والذين كانوا يزعمون قراءة النبوءات 
الملهمة. قال ابن اسحاق: لكن الملاك غطاه بكل بساطة بضمة قوية إليه فشعر أن نَفَسَهُ قد 
اعتصر من جسده. ولما لم يعد محمد يستطيع احتماله تركه الملاك وأمره ثانية «اقرأه ورفض 
محمد ثانية» ثم ضمه الملاك ثانية حتى شعر أنه قد وصل نهاية احتماله. وفي الضمة المرعبة 
الثالثة وجد محمد الكلمات الأولى من كتاب مقدس جديد يتدفق من فمه: 
«اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وريك الأكرم 
الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم”". 
لقد تم نطق كلمة الله لأول مرة في اللغة العربية» وسوف يسمى هذا الكتاب 
القرآن. 
استعاد محمد وعيه في حالة خوف وتغير ير. كان خائفاً من أنه قد أصبح كاهناً سيء 
السمعة وهو الذي كان الناس يستشيرونه إذا أضاع أحدهم جملا له. كان العرب يعتقدون 
أن الكاهن مسكون بجني أحد الأشباح التي يعتقد أنها تغشى الأماكن الطبيعية» وقد 
تصبح نزوية فتقود الناس إلى الخطأ. كما اعتقدوا أن الشعراء ممسوسون بجن خاص بهم. 
ولذلك قال حسان بن ثابت ‏ شاعر يثرب الذي أسلم لاحقا ‏ عندما كان يتلقى نداء الشعر 
الباطني كان جنيّه يظهر له» ويلقيه أرضاً ويخرج عنوة الكلمات الموحاة من فمه. كان هذا 
هو الشكل الوحيد للإيحاء الذي كان معروفاً لدى محمد. وفكرة أن يصبح مجنوناً (أي 
مسه جني) قد ملأته يأسأ لدرجة أنه قد تمنى الموت. كان يكره المتكهنين عدا هؤلاء الذين 
كانت نبوءاتهم غير مفهومة ومشوشة» وكان حريصاً جداً على تمييز القرآن عن الشعر 
العربي التقليدي. بعدئذ خرج من الكهفء وقرر أن يرمي نفسه من قمة الجبل ليلقى حتفه. 
لكنه رأى على سفح الجبل كائاً عرفه فيما بعد انه جبريل: 
«عندما كنت في منتصف الطريق على الجبل سمعت هاتفاً من السماء 
يقول: «يامحمد أنت رسول الله وأنا جبريل». فرفعت رأسي إلى السماء؛ 


١8 


فإذا جبرائيل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يامحد 
أنت رسول الله وأنا جبرائيل. قال: انيت افر إليه وشغلني ذلك عما 
أردت؟ فما أتقدم وما أتأخر؛ وجعلت أصلاف وجهي عنه في أفاق السماء 
فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك20©, 


جبريل في الإسلام هو النظير للروح القدس في الوحي, أي الوسيلة التي يتصل بها 
الله مع الناس. فجبريل لم يكن مجرد ملاك عادي بل حضور غامر كلي الوجود ولا سبيل 
إلى الهرب منه. كان في محمد ذلك الخوف المتعاظم من الحضور المقدس الذي أسماه 
الأنبياء العبرانيون «قدوس»»؛ الآخرية ووعممء0:0 الإلهية الخيفة. لقد شعر هؤلاء الأنبياء 
أنهم مشرفون على الموت» وفي حالة إرهاق جسدي ونفسي لدى مرورهم بهذه التجربة. 
لكن محمد لم يكن مثل أشعيا أ و إرميا لأنه لم يكن لديه عزاءات من تراث راسخ كي 
تلعهةه: بدت التجربة مرعبة بعد أن هبطت عليه من الغيب فتركته في حالة صدمة عميقة. 
فعاد غريزياً وهو في كربه إلى زوجه خديجة. 


زنى: متمد لاه رقو يرج اق اسحيدرها صائحاً: «دثروني» دثروني). : راجيا ززاغا 
قيلي رمن 0 المقدسة. م ل 
وصلة رحمك)!0؟ لم يكن تصرف الله عشوائيا. فقد اقترحت خديجة على محمد أن 
يستشير خخالها ورقة بن نوفل الذي الذي أصبح مسيحياً وعارفاً بالكتب المقدسة. لم يكن 
نذا زرفة تك على الإظلاق في أناميعهد ند تلفي الرجي من رب مون والأياء ونه 
عالق ددا عو نتوين اير 9 لداعتي ل 


كان نزول القرآن مختلفاً عن التوراة التي أوحيت إلى موسى ‏ كما في الرواية 
الموجودة في العهد القديم في لقَاء واحد على قمة جبل سيناء. فالقرآن نزل على محمد أية 
آي وسطراً تلو آخر في فترة تبلغ /١/‏ سنة. كان نزول الوحي تجربة مؤلة فقد 1 
محمد هبوط الوحي (لم أتلق الوحي مرة إلا وشعرت أن روحي تكاد أن تتخرج مني)) 
كان عليه أن يصغي متمعناً | إلى الكلمات الإلهية. قال إن مضمون الرسالة الإلهية كان 
أحياناً واضحاً: بدا وكأنه كان يرى جبريل ويسمع ما كان يقوله. وأعياناً أخرى 
كان اداه موه ووو تكن عننها اكرن دكا لرسالتها” . ويُصوره 207 
اليو الأوائل للفترة الكاقكة وما باهتمام إلى ما ندعوه الآن اللاشغون. أي بالأخرئ 


1. 


كشاعر يصف عملية «الاستماع» إلى قصيدة كانت تعلو إلى السطح من أعماق عقله 
اسيل يا ا رامل را ففي 
القرآن يكير الله "محمد أن يستمع إلى المعنى غير المترابط بانتباه» أي بما سماه وردزورث 
يه ال ا ا لك 
الانتظار حتى يفصح المعنى الحقيقي عن نفسه في وقته المناسب. 

ولا تك به لسانك لتغجل به. إن علينا جَمْعَهُ وقرآته. 

فإذا قرأته فائبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه)0. 

لقد كانت عملية صعبة مثلها مثل كل عملية إبداعية. كان محمد يدخل في حالة 

نشوة» وكما يبدو كان يفقد وعيه أحياناً. كان يتصبب عرقأء حتى في يوم بارد» وكان 
غالبا ما يشعر بوطأة واغثلية مقل الخرن الذي كان يججيره على أن يخفض رأسه بين ركبتيه: 
كان المتصوفون اليهود يتخذون هذا الوضع عند الدحول إلى حالة وعي بديلة؛ بينما لم 
يكن تحندا يعرف ذلك. 


ليس مستغرباً إذا وجد محمد هذه الإيحاءات عبئاً هائلاً عليه: فهو لم يكن يعمل 
فقط في إيجاد حل سياسي جديد كل الجدة لشعبه بل كان أيضاً يؤلف إحدى الروائع 
الأدبية الروحية العظيمة على مر العصور. لقد اعتقد أنه كان يضع كلمة الله التي يجب 
عدم نطقها ‏ في لغته العربية» لأن القرآن ذو أهمية مركزية للروحانية الإسلامية مثل أهمية 
يسوع اللوغوس في المسيحية. إننا نعرف عن محمد أكثر مما نعرف عن أي مؤسس لأي 
دين رئيسي آخر. وفي القرآن الذي بالإمكان تحديد تواريخ سوره بدقة معقولة نستطيع ر ويه 
كيفية نشأة رؤياه وتطورها لتصبح أكثر كونية في مداها. في البداية لم يكن يتطلع إلى ما 
حققه لاحقا بل كان هذا يُوحى له شيا فشيئاء بينما كان يستجيب المنطق الأحداث 
الداحلي. لدينا في القرآن ما يشبه تعليقاً عاضر على بدايات الإسلام» وهذا مر فريد في 
تاريخ الدين» ففى هذا الكتاب المقدس يبدو الله وهو يعلّق على الحالة المتطورة للأحداث: 
يرد على بعض من منتقدي محمد, ويشرح أهمية معركة؛ أو يتحدث عن نزاع داخل 
الجماعة الإسلامية الأولى» ويشير كذلك إلى البعد الإلهي في الحياة الإنسانية. فالقرآن لم 
ينزل على محمد بالترتيب الذي نقرؤه فيه اليوم بل بطريقة أكثر عشوائية: حسيما تليه 
الأجدات: وكما استمع إلى معناها الأكثر عمقاً. فكلما كانت تُوحى آية. كان محمد 
يقرؤها بصوت عالٍء وكان المسلمون يحفظونها غيب ويكتبها قلة من المتعلمين. بعد مضي 
تخق عشرين سنة على وقاة لنبي تم أول جمع رسمي للوحي. وضع كتّاب الوحي السور 
الأطول في البداية والأقصر ذ في النهاية. وهذا الترتيب ليس عشوائياً كما قد يبدو؛ ؛ لأن 


١ ه٠‎ 


القرآن ليس قصة ولا جداليآ يحتاج إلى ترتيب متسلسل. إنه يتعرض لواضيع متنوعة: 
حضور الله في العالم الطبيعي» حيراك الابيياة أو يوم القيامة. فالقرآن يبدو مملاً ومكرراً 
بالنسبة الى غربي لا يتذوق جمال اللغة العربية؛ وييدو له أنه يتعرض للموضوع ذاته مرة تلو 
أخرى. فالقرآن لم يكن من أجل الد راسة الخاصة بل من أجل تلاوة طقسية. فعندما يسمع 
المسلمون القرآن يرتل في المساجد فإنهم يذ كرون بمعتقدات دينهم كلها. 


عندما بدأ محمد بحمد الدمره شي مكة لم يكن لديه سوى تصور «متواضع "عن دوزه: لم 

يكن دق :ال يوسن ديا كولياً مار يرى نفسه جالباً الدين القديم» دين الله 
الواحد إل قريش. في البدابٍ يه لم يخطر له حت حتى أن يدعو القبائل العربية الأخرى بل كانت 
دعوته موجهة إلى المككيين وإلى من هم في جوارهه”©. لم تكن لديه أحلام بتأسيس 
ثيوقراطية ومن المحتمل أنه لم يكن يفهم ما تعنيه هذه الكلمة: يجب ألا تكون له شخصياً 
وظيفة سياسية في المدينة» بل هو مجرد نذيرها”' '©. لقد أرسله الله كي يحذر القرشيين من 
امخاطر اا لني تحيط بهم. ولم تكن رسالته في بدايتها محكومة بالاخفاق على أية حال» بل 
كانت رسالة أمل تحمل السرور. ولم يكن على محمد أن يثبت لقريش وجود اللهى نهم 
جميعاً يؤمنون ضمئياً بالله الذي خلق السموات والأرضء وكان يعتقد معظمهم أنه كان 
الله النائ عند البيوة والتسغيرن: وهكذا: كان الأمان يوسوة الله أمرا يديهيا: 

دولئن سألتهم من خلق السمواتٍ والأرض وسخر الشمسس والقمز لَيعُوانٌ 

الله فَأنّى يؤفكون. ولئن سألتهم من نزّل من السماء ماء فأحيا به الأرض 

من بعد موتها ليقولن الله. قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون©. 

المشكلة التي كانت تواجهه هي أن القرشيين لم يكونوا يفكرون في مضامين هذا 

الاعتقاد. فالله قد خلق كل واحد منهم من نطفة مني كما أوضح الوحي الأول» وكانوا 
يعتمدون على الله في طعامهم وبقائهم» وبع ذلك كانوا يعتبروث أنفسهم مركز الكو في 
افتراض غير واقعي (كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى أرأيت الذي ينهى”' ')» غير 
أخذين في الاعتبار مسؤولياتهم كأفراد في مجتمع عربي جدير بالاحترام. جميع الآيات 
الأولى في القرآن 35 تشجع تشجع القرشيين على أن يصبحوا مد ركين لنعمة الله التي يستطيعون 
رؤيتها أنى ينظرون. عندئذ يدركون فضل الله عليهم على الرغم من جاحهم الجديد 
ويقدرون اتكالهم الكامل على خالق النظام الطبيعي: 

يل الإنسانُ ما أَكْفَره. من أيّ شيءٍ عَلَقَهُ. من نطفة حَلَقَهُ فقدّره. ثم 

السشبيل يَسّره. ثم أماته فَأقيره. ثم إذا شاء أنْشَره. . كلا نا يقض ما أمَرَه. 

فلينْضرِ الإنسانٌ إلى طعامه. أنّا صبنا الماء صباً. ثم سَّقَفْنا الأرض شقا. 


١ةها١‎ 


فأنبها فيها عاً. وعنباً وقضباً. وزيتوناً ونخلاً. وحدائق غلباً. وفاكهةٌ وأبَاً.. 
متاعاً لكم ولأنعامكه”"2. 
فوجود الله أمر مسلّم به ولا جدال فيه. ففي القرآن نجد أن الكافر بنعمة الله ليس 
ملحدا كما نفهم من الكلمة التي نعني بها من لا يؤمن بالله. بل من لا يكون شاكرا له 
أي من يرى بكل وضوح ما هو مدين لله به لكنه يرفض تمجيده وينكر جميله. 


لم يكن القرآن يعلم القرشوين أ شيء جديد» مور باستمرار بأشياء معروفة 
مويه يخ متها بار اسع فكثيراً ما يستهل القرآن موضوعاً بعبارة كن ات الم 
تعتبروا. ال تكن كلق الله تيدر أوامر اعتباطية من أعلى بل كانت تدخل في حوار مع 
القرشيين. فهي ُذَّ كرهم - مشلا أن الكعبة هي بيت الله الذي يتوقف عليه نجاحهم, الذي 
كان بمعنى من المعاني ديناً عليهم. كان القرشيون يحبون القيام بالطواف الطقسي حول 
الكعبة لكن عندما وضعوا أنفسهم ونجاحهم المادي في مركز الحياة نسوا تماماً معاني هذه 
الشعائر القديمة وتوجهها. عليهم أن ينظروا إلى آيات نعمة الله وقدرته في العالم الطبيعي. 
فإذا ما فشلوا في إعادة إنتاج نعمة الله في مجتمعهم فإنهم سيفقدون كل صلة بالطبيعة 
الحقة للأشياء. جعل محمد أصحابه ينحنون في صلاة طقسية مرتين فى اليوم. فهذا المظهر 
الخارجي سيساعد المسلمين على تنمية موقف ولي ويإعادة توجيه ري يسمى دين 
محمد بالإسلام «أي عملية تسليم وجودي يقوم به كل مسلم إلى الله). فالمسلم رجلاً 
كان أم أنثى ‏ هو من سلّمِ وجوده كله إلى الخالق. ذُعِرَ القرشيون عندما رأوا هؤلاء 
انميق الأوائل: يؤاووق :الصادةة ووه أنه آم غير تقيول القرفا هن قبيلةة قي العسلقة ب 
التي ترافقها استقلالية بدوية متغطرسة طوال قرون ‏ أن يكون مستعداً للسجود على الأرض 
كعبد. كان على المسلمين الانسحاب إلى شعاب مكة كي يؤدوا صلاتهم سراً. قَرَدُ فعل 
القرشيين قد أوضح بكل جلاء أن محمداً قد شخص روحهم بكل دقة. 

كان الإسلام ‏ في كلمات عملية - يعني أن على المسلمين واجب خلق مجتمع 
تسوده العدالة والمساواة» ويعامل فيه الفقراء والضعفاء باحترام. فرسالة القرآن الأخلاقية 
الأولى في غاية البساطة: تكديس الثروات خطأً كبير. لا بأس في أن يجمع المرء ثروة إلا 
أن تََاسْمَ ثروة امجتمع بالعدل فضيلة؛ بإعطاء نسبة محددة من ثروة المرء إلى الفقراء2؟ ©. 
فالزكاة المرافقة للصلاة هما ركنان أساسيان من أركان الإسلام الخمس. فَعَلّ محمد ما 
فعله الأنبياء العبرانيون قبله عندما دعا إلى نظام أخلاقي يمكننا أن نطلق عليه أخلاقاً 


١ ؟‎ 


اشتراكية كنتيجة لعبادته الله الواحد. لا وجود لمعتقدات إلزامية حول الله: فالقرآن يرتاب 
جا من التأمل اللاهوتي ‏ المنطقي» فيستبعده على أنه زنى» تورط في الظن حول أشياء 
ليس في وسع أحد معرفتها أو إثباتها. فمعتقد المسيحية: التجسيد والثالوث هي أمثلة 
أساسية على الزنى» فنن لسر إذا وجد اللجلجود هذه المفاهيم تحديفاً. فى اليهودية تم 
تصور الله كضرورة أخلاقية. وبما أن محمداً لم يكن على اتصال عملي باليهود أو 
المسيحيين وكتبهم المقدسة لذلك فقد اتجه مباشرة إلى جوهر الوحداتية التاريخية. 


فى القرآن نجد أن الله أكثر لاشخصانية من يهوى» يفتقر إلى عواطف وانفعالات الله 
في الكتاب التوراتي المقدس. سب اا تتام لاني كلسي وا 
متعالٍ بي جداً نستطيع أن نتحدث عنه من خلال «رموز» فقط0"'©. ولذلك نجد القرآن يحث 
امسلمين دائماً على رؤية العالم كتجلٌه يجب عليهم أن يقوموا بجهد تخيلي كي يروا عبر 
جزئيات العالم قدرة الوجود الأول الكاملة) الحقيقة المتعالية التي تمد جميع الأشياء اليا 
ينبغي على المسلمين أن ينموا داخلهم موقفاً رمزيأ أو تقديسيا. 
«إن في خَلْقِ السموات والأرض واختلاف اللَيل والنهار والفلك التي تجري 
في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض 
بعد موتهاء وبثَّ فيها من كل دابة, وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين 
السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون"». 
يشدد القرآن دائماً على استخدام العقل في فك رموز آيات أو رسالة الله. يجب على 
المستلمين ألا يتخلوا عن عقولهم بل عليهم أن ينظروا إلى العالم بتمعن وفضول. فهذا 
الموقف بالذات هو الذي مكن المسلمين لاحقأ من بناء تراث جميل للعالم الطبيعي الذي لم 
يكن يُعَلَ خطراً على الدين كما عدّته المسيحية. فدراسة لآليات عمل العالم الطبيعي تبين 
أنه ذو بعد ومصدر متعال يمكننا أن نتحدث عنه في رموز أو إشارات: ويجب ألا تفسر 
قصص الأنبياي» أو روايات يوم القيامة: أو مباهج الفردوس بشكل حرفي بل كرموز لحقيقة 
أسمى لا يمكن وصقفها. 
لكن الآية الأعظم من بين الآيات جميعاً هي القرآن ذاته. يجد الغربيون القرآن كتاباً 
ا والسبب في ذلك هو الترجمة. فترجمته من اللغة العربية تحديدا آم صَعنت جداً: 
حتى الأدب العادي؛ وعبارات الساسة الدنيوية» يبدو وقعها متكلفاً وغريباً عند ترجمتها إلى 
الانجليزية. ويصيح هذا صحيحاً جداً بالنسبة الى القرآن المتميز بلغة مختصرة ومكثفة ومأحة 
جداً. فَالشوَد الأولى تعطي انطباعاً بلغة بشرية مطحونة ومتشظية تحت التأثيرالإلهي. يقول 


1١1 


المسلمون أنهم عندما يقرؤون القرآن ما يشعرون أنهم يقرؤون كتاباً مختلفاً تماماً عن 
القرآن لغياب جماليات اللغة العربية. فالمراد من القرآن - كما يوحي اسمه أن يوكل نضوك 
عال» ووقع اللغة في النفس أمر أساسي في تأثيره. فالمسلمون يقولون إنهم عندما يسمعون 
ترتيل القرآن ف المسجد يشعرود بأنهم محاطون بصوت ذي بعد سماوي مثلما كان 
محمد محاطاً بضم جبريل له في غار حراء. إنه ليس كتاباً يقرأ فقط من أجل الحصول على 
معلومات بل اراد منه أن يقدم إحساساً بالله» وينبغي ألا يقرأ على عجل: 

وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرَّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث 

لهم ذكراً. فتعالى الله الملك الحق, ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي 

إليك وخيّه وقل رب زدني علم"". 

فعن طريق تناول القرآن بالطريقة الصحيحة يمر المسلمون بإحساس متسام»؛ وبوجود 

لا نهائي وبقدرة كامنة خلف الظواهر العابرة والسابحة في العام الدنيوي. وبذلك فإن 
قراءة القران هي تدريب روحي قد يجد المسيحيون فهمه أمراً يا لأن ليس لديهم لغة 
مقدسة» ولهذا السبب نجحد العبرية والسنسكريتية والعربية مقدسة لدى اليهود والهندوس 
والمسلمين. يسوع هو كلمة الله. والعهد القديم اليوناني لا شيء فيه مقدس. أمّا اليهود 
فلديهم موقفٌ ممائلٌ من التوراة: فعندما يدرسون الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم لا 
يجولون بأبصارهم على الصفحة: وغالباً ما يقرؤون الكلمات بصوت عالٍ دون قراءة 
الكلمات التي يعتقدون أن الله قد استخدمها عندما لى الزمنى هلان حل لديا وأعيانا 
يهزون أجسامهم إلى الأمام والخلف مثل لهب أمام أ نْقْسِ الروح العام . فكما يبدو فإن 
اليهود الذين يقرأون كتابهم بهذه الطريقة فإنهم يخبرون كتانا ميلقا جذا عزم المسيحيين 
الذين يجدون معظم أسفار موسى الخمس مملة وغامضة للغاية. 


يس كاب السين الأوائن باسعمزاز التعتصب والزهية التى: كان العزن يكتفروت بها 
لدى سماعهم القرآن للمرة الأولى» فقد أسلم الكثيرون فور لاعتقادهم أن الله وحده هو 
القادر على صياغة هذا الجمال اللغوي الخارق في القران. وغالبا ما كان يصف يصف المسلم هذه 
التجربة على أنها إقتحام إلهي قَصَدّ حنيناً دفيناً وأطلق فيضاً من المشاعر. فالفتى القرشي 
عمر بن الخطاب الذي كان خصماً عنيداً لمحمد» كان قد نذر نفسه إلى الوثنية القديمة» 
وكان على استعداد لاغتيال النبي. لكنه اعتنق الإسلام لا برؤيا يسوع الكلمة بل بسماعه 
القرآن. فهناك روايتان لقصة إسلامه تجدر الإشارة إلى كليهما. الأولى تروي أن عمراً قد 
اكشي أن أحند قد اعتقت الإسلام .سرا. ولدى 'سماعه 'تلاوة سورة جديدة زر غاضيا 


١5 


رامياً فاطمة المسكينة إلى الأرض أثناء دخوله المنزل. لكنه ربما شعر بالمنجل عندما رآها 
تنزف لأن وجهه قد تغير لونه. التقط اللخطوط قائلاً: «ماهذا الهراء؟) وأخذ يقرأ امخطوط» 
اذ كان عمر أحد القرشيين القلائل الذين كانوا يقرؤون. وكان له سلطة معترف بها على 
الشعر العربي الشفوي؛ وكان الشعراء يستشيرونه بالمعاني الدقيقة للغة. لكنه لم يكن قد 
صادف أبداً شيئأ ممائلاً للقرآن. فقال مبدياً إعجابه: «ما أجمل وما أنبل هذا الكلام(", 
واعتئق دين الله الجديد على الفور. لقد وصل جمال الكلمات رغم ما كان يضمره من 
حقد وضغينة إلى مركز تلت لم يكن مدركاً له. فنحن جميعاً نمر بتجربة مائلة كالذي 
يحصل عندما تلامس قصيدةٌ ما وَثّر معرفةٍ كامن في مستوى أعمق من المستوى العقلاني. 
أما في الرواية الثانية لإسلام عمر فتسير على النحو التالي: ذات ليلة قابل عمر محمداً في 
الكعبة وهو يرتل القرآن بهدوء وحده أمام المحراب. كان عمر يود الاستماع إلى الكلمات» 
فتسلل تحت القماش الدمشقي الذي كان يغطي المكعب الغرانيتي الضخمء ودار حتى 
أصبح واقفاً أمام النبي مباشرة. وعندما قال له «لا شيء بيننا سوى غطاء الكعبة) سقطت 
كل دفاعاته ما عدا واحدا. بعدئذ فعل سحر اللغة العربية فعله: «عندما سمعت القران رق 
قلبي وبكيتء ودخل الإسلام قلبي)0©. فالقرآن هو الذي منع أن يكون الله مجرد وجود 
قدير «هناك خارجا»ء وإنما جلبه إلى داخل عقل وقلب وكيان كل مؤمن. 


بالإمكان مقارنة تجربة عمر والمسلمين الآخرين الذين حولهم القرآن إلى الإسلام 
بالتجربة الفنية التي وصفها جورج شتاينر 5161267 060186 في كتابه /(حضورات حقيقية/: 
هل هناك أي شىء فيما نقول؟ إنه يتحدث عما يسميه «طيش الفن والادب والموسيقا 
الجادة الذي ا عن الخصوصيات الأخيرة لوجودنا). إنها حالة غزو تقتحم «منزل 
وجودتا الضغير الخذرء ويأمرناء بدّل خياتك». فبعد صدور أوامر كيده فإن النزل الخ ايعوند 
صالحاً للسكن كما كان من قبل)7 ©. يبدو أن المسلمين مثل عمر قد تعرضوا لإدراك 
لمستقر ممائل» لصحوة وإحساس بالأهمية مزعج مكنتهم من القيام بقطيعة مع الماضي 
والتراث. فحتى القرشيون الذين رفضوا اعتناق الإسلام كان القران مصدر إزعاج لهم» 
لأنهم وجدوا أنه يقع خارج نطاق مجالاتهم المألوفة: لم يكن القرآن شبيهاً بإلهام الكاهن 
أو الشاعر ولم يكن كذلك مثل تمائم ساحر. وتبين بعض القصص أن قسماً من القريشيين 
المقتدرين بقوأ ابتين في معارضتهم التي كانت تهتز ‏ كما يبدو لدى سماعهم إحدى 
السور. لقد أوجد محمد شكلاً أدبياً جديداً كلياً لم يكن الناس مستعدين له وكان يدخل 
النشوة في قلوب الآخرين. ويبدو محتملاً جداً انه ما كان للاسلام من دون تجربة القرآن 


١ همه‎ 


هذه أن يضرب جذوره. فكما رأينا بقي الإسرائيليون القدماء نحو / ٠ ٠‏ سنة حتى تمكنوا 

من إحداث قطيعة مع ولاءاتهم الدينية القديمة كي يقبلوا الوحدانية؛ ولد أذ محمد تمكن 
من مساعدة العرب على إنجاز هذا الانتقال الصعب في مدة /٠؟/‏ سنة فقط. فمحمد 
كشاعر ونبي؛ والقرآن كنص وتجلٍ هو بالتأكيد مثال مذهل غير عادي للانسجام العميق 
الموجود بين الفن والدين. 


فخلال السنوات الأولى من رسالته جذب محمد الكثيرين من الجيل الشاب إلى 
دينه» هؤلاء الذين خدعتهم روح الرأسمالية في مكة» ومن الجماعات المهمشة دون 
امتيازات» ومن النساء والعبيد وأفراد من قبائل أضعف. وتخبرنا المصادر القديمة» بدت مكة 
وكأنها كانت ستقبل دين الله المعدّل الذي جاء به محمدء بينما بقي أفراد المؤسسة الأكثر 
غنئ متحفظين على فهم الحالة. ولم تحدث قطيعة رسمية مع قادة قريش حتى منع محمد 
المسلمين من عبادة الآلهة الوثنية. وكما يبدو فإن معيدا في السنوات الثللاث الأولى من 
رسالته لم يؤكد على المضمون الوحداني لرسالته, وربما تخيل الناس أن بإمكانهم الاستمرار 
في عبادة آلهتهم التقليدية إلى جانب عبادة اللهء «الله المتعالي») كما كانوا يفعلون دائما. 
لكن عندما أدان محمد هذه العبادات القديمة على أنها وئنية خسر معظم أتباعه في ليلة 
واحدة» وبذلك أصبح أقلية مضطهد ومكروهة. فكما نكما رابا بن دن يتطلب الإيمان بإله 
واحد فقط تحولاً مؤلاً في الوعي . وكحالةٍ المسيحيين الأول انهم المسلمون بالإلحاد الذي 
كان مهدداً للمجتمع. فمكة التي كانت فيها حضارة مدنية جديدة جداً لا بد أنها قد 
بدت إنجازاً هشاً لجميع القرشيين الذين كانوا يتفاخرون بالاكتفاء الذاتى» ولا بد أن العديد 
قد شعروا بالخوف العميق واليأس الذي شعر به أولئك المواطنون في روما الذين ضجوا 
مطالبين بالدم المسيحي. ويبدو أن القرسشيين قد وجدوا أن القطيعة مع آلهة الأجداد كانت 
تهددهم بمخاطر كبيرة. ولم يمض وقت طول حتى أضبخت حياة محمد مهددة بالخطر. 
يؤرخ العلماء الغربيون هذه القطيعة مع قريش إلى الحادثة المشكوك في صحتها والتي تعرف 
باسم /الآيات الشيطانية/ التي أصبحت معروفة منذ صدور قصة سلمان رشدي اللمأساوية. 
كانت ثلاثة إلهات من الآلهة العربية تحظى بمكانة خاصة لدى عرب الحجاز هرّ: اللات 
«أي الإلهة» و«العزى» (أي العزيز أو المقتدر) التى كانت صوامعهما منتشرة فى الطائف 
ونخلة خاصة التي تقع إلى الجنوب الشرقي ا و«مناة) أي «المميتة) التى كانت 
صومعتها في «قضيض 0110234 على ساحل البحر الأحمر . لم تكن هذه الآلهة مشخصة 
بشكل كامل مثل جونو أو أثينا. وكانت تسمى غالباً بنات الله لكن لا تتضمن هذه 
التسمية بالضرورة مجمع آلهة متطور تماماً. كان العرب يستخدمون كلمات مترادفة للتعبير 


١5 


عن علاقة مجردة: وهكذا فإن بئات الدهر (تعني حرفياً بات القدر) كانت اتعني سوء 
الطالع فقط»ء أو تقلب الأيام. ولربما عنت عبارة بئات الله (كائنات إلهية). لم تُصِوٌد هذه 
الآلهات بتماثيل حقيقية في صوامعهن بل بحجارة كبيرة واقفة مثل الحجارة التي كان 
يستخدمها الكنعانيون. كان العرب يعبدونها لا بطريقة بدائية ساذجة بل كبؤرة «تركيز) 
الألوهة. وهكذا أصبحت صوامع هذه الإلهات نقاط علام روحية أساسية في الساحة 
العاطفية عند العرب مثلها في ذلك مثل الكعبة» فأجدادهم كانوا يتعبدون هناك منذ زمن 
سحيق» وهذا كان يعطيهم إحساساً شافياً بالاستمرارية. 
قصة الآيات الشيطانية ليست واردة في القرآن ولا في أي من المصادر المدونة أو 
لشفوية الأولى. وليست موجودة في سيرة ابن اسحق الأ كثر ولوقية:ولم يوردها سوق أبو 
جعفر الطبري (0 377) الذي عاش في القرن العاشر. فيخبرنا أن محمدا كان متضايقا من 
لصدع الذي تطور بينه وبين معظم قبيلته بعد أن حرم عبادة الإلهات الثلاث. وبعد أن 
ألهمه الشيطان تفوه بآيات خادعة كان تسمح بتبجيل بنات الله كشفيعات؛ أي كملائكة. 
ففي هذه الآأيات الشيطانية المزعومة لم تكن الإلهات الثلاث بمرتبة الله بل كائنات روحية 
د كريه ترط 0 الإنسان عند الله. ويقول الطبري أن جبريل قد أخبر النبي أن 
هذه الآيات كانت من أصل شيطاني» ويجب حذفها من القرآن وأن يستعاض عنها 
بالأيات التالية التي أعلنت أن بئات الله كن مجرد اسقاطات الخيلة وشطحاتها: 
أفرأيتم اللّاتَ والعِرّى. ومناة الثالثة الأخرى. أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنثى. تلك 
إذاً قِسمةٌ ضيزى. إن هي إلا أسماء سكيثمرها أنتم وآباؤكم وما أنزل الله 
بها من سلطان إن أعرن إلا ان وما تهوى الأ وقد جاعهم من رههم 
الهدى. أم للإنسان ما تتّى. فلله الآخرَة والأولى. وكم من ملك في 
السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء 
ويرضى'' ". 
كانت هذه الإدانة م الإدانة الأكثر جذرية للآلهة الوثنية السلفية لأنها ألغت أية 
فرصة للمصاحة مع قريش. وأصبح محمد موحداً غيوراً من هذه الفترة فصاعداً وأصبح 
الشرك أكبر الذنوب ييه 
لم يقدم محمد أي تنازل للشرك في حادثة الآيات الشيطانية وكأنها لم تحدث. ومن 
غير الصحيح أيضاً تخيل أن دور الشيطان كان يعني تدنيساً مؤقتا للقرآن بالشر. فالشيطان 
في الإسلام شخصية سهلة الانقياد أكثر مما كانت في المسيحية. فالقرآن يخبرنا أنه سوف 





١ /اه‎ 


مُهَل إلى يوم الدين» وغالياً ما استخدم العرب كلمة الشيطان للإشارة إلى مغو بشري أو 
إغراء طبيعي”' لد 0 هذه الحادثة ل 0 0 كان ا 4 محمد ا 
أن معظمٍ الأنبياء قد ارتكبوا 0 00 مماثلة عندما كائنا ينقلون الرسالة 0 الله 
كان دائماً يصحح أخطاءهم» وكان يرسل 2-6 نينا أَغَلقَ 0 من السابق. هناك بديل 
وأسلوب أكثر دنيوية للنظر إلى هذه المسألة هي: أن اراك مدا ذخ عيله على ضوء 
رثى جديدة سن ايمل أ فنان اصع 00 تبين أن محمد كان يرفض رم 
ادا ند ل الأمر غير أساسى لكنه كان نت م د 
كانوا يطلبون منه السماح لهم بعبادة آلهة الأجداد وأن يستمر هر وأصحابه في عبادة الله. 
كان محمد يرفض هذا الاقتراح بعنف. وقد صاغ القرآن هذا الآمر بكل وضوح: «لا أعبد 
ما تعبدون, ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)” ". فالممنلموت يسلمون إلى 
الله وحده ولآن يخضعوا لآلهة زائفة - ولو كانت ألهة أو قر قيما يرعاها المَرسشيون. 

مفهوم وحدانية الله كان الأساس الأخلاقى فى القرآن. كانت كلمة الشرك تعنى 
الخضوع إلى سلع مادية أو وضع الثقة في كائنات أدنى من الله لذا يعد الشرك أكبر ذنب 
في الإسلام. وكالتوراة يصب القرآن سخريته على الآلهة الوثنية: إنها آلهة غير فعالة أبداً. 
فهي لا تستطيع تقديم العون أو الطعام. ووضعها في مركز حياة المرء أمر غير جيد لأنها لا 
قدرة لها. زوفلا من ذلك - يجب على المسلم أن يدرك أن الله هو ال حقيقة الفريدة والنهائية: 

قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤاً أحد ". 

تقد شدد المتهيون كما ده اتانازيويس أيطا دقان أن القالق الواسق هو مصدر 
الوجود وبيده قدرة الخلاص» وقد عبروا عن هذه الرؤّية فى الثالوث والتجسيد. يعود القرآن 
إلى فكرة الوحدانية الإلهية المتعالية» ويرفض تخيل أن يلد الله ابناً: ليس هناك إله سوى الله 
خالق السموات والأرض» وهو وحده القادر على أن ينقذ الإنسان» وأن يرسل إليه العون 
الروحي والمادي الذي يحتاجه. فعن طريق الاعتراف به فقط على أنه الصمد أي «العلة 
الوق لكل ما في الوجود» يبلغ المسلمون بعدا للحقيقة تقع خارج الزمن والتاريخ. 
وسياخذهم هذا البعد خارج انقساماتهم القبلية التى كانت تمزق مجتمعهم. كان محمد 
يعرف أن الوحدانية هي عدو القبلية: فوجود إله واحد في مركز العبادة سيلم شمل المجتمع 
والفرد كذلك. 


١ مه‎ 


ليس هناك مفهوم تبسيطي لفكرة الله على أية حال. فهذا الإله الواحد ليس كائناً 
مثلنا يمكننا معرفته أو فهمه. فعبارة الله أكبر التي تدعو المؤمنين إلى الصلاة تميز بين الله 
0 الوجود» وبين الله كما هر في دان وبين أي شيء يمكننا قوله عنه. فالله الذي لا 

ل إلى فهمه أو الوصول إليه قد أراد أن يجعل نفسه معروفاً. في تراث قديم /أي 
00 0 الله محمد: كنت سرأ دفينا. أردت أن أغرفٌ» ولذلك خلقت العالم كي 
أغدو معرو(* ؟ '» فعن طريق تأمل آيات الطبيعة والقرآن يتمكن المسلمون من لمح ذلك 
لجانب من الألوهة التي التفتت نحو 07 اناي يسميها القرآن وجه الله. ويوضح 
لإسلام لنا ‏ مثلما أوضح الدينان ١‏ الأقدم منه ننا نرىالله عبر قدراته فقط. وتكيّف هذه 
القدرات وجوده الذي لا سبيل إلى فهمه بما يتناسب وفهمنا المحدود. فالقران يحث 
لمسلمين على تدمية وعي أبدي «التقوى» بوجه أو بذات الله الذي يحيط بنا من كل جانب 
«فأينما تولوا فثمٌ وجه الله إن الله واسع عليم)". يرى القرآن الله كما رآه الآباء 
الميتخيون بلطلو رعو ويتدو دو وجوه سيو لكر من عليهاة فالا ونا وج زيلته در 
الجلال والإكرايع9"). :للد الأسماء الحسنى التي يبلغ تعدادها /95/ اسمأ وتؤكد على أنه 
الأعظم ومصدر جميع الصفات الإيجابية التي بجدها في الكون. وهكذا العالم موجود لأنه 
هو الغني «غني ولا نهائي», إنه واهب الحياة «امحيي»؛ العارف بالأشياء جميعاً «العليم)» 
منتج الكلام «الكلمة». فلولاه لما كانت حياة أو معرفة أو كلام. إنها تأكيد على أن الله 
فقط له الوجود الحق والقيمة والإيجابية. مع ذلك تبدو أسماء الله وكأن كلا منها يلغي 
الآخر: «القاهر) الذي يهيمن ويكسر ظهور أعدائه «الحليم) الذي قدرة احتماله لامتناهية. 
«القابض) الذي يأحذ بعيداً » «الباسط» الذي يعطي بسخاء. حاضيا الذي ينزل إلى 
أدنى مرتبة» «الرافع» الذي يعز.... تلعب أسماء الله دوراً مركزياً في التقوى الإسلامية: 
فهي تُردد وتعد على حبات المسباح» وترتل كحلقة» فهذه الأسماء تذ كر المسلمين أن الله 
الذي يعبدون لا يمكن احتواءه في مجالات بشرية» ويرفض التعريف المبسط. 


الشهادة هى أول ركن في الإسلام: وأشهد أن لا إله إلا الله وأن يندا رسول 
الله). له تكن هله الشهادة مجرد تأكيد لوجود الله بل اعترافاً أن الله هو الحقيقة الوحيدة» 
والوجود الكامل الحق الوحيد. الله هو الوجود الحق الوحيد في الجمال والكمال: جميع 
الكائنات التي تبدو موجودة ولها هذه الصفات إنما تملكها طالما أنها تشارك في هذا الوجود 
الأساسي. وينبغي على المسلمين أن يكملوا حياتهم بجعل الله فقط بؤرة زر كبر: في خباتهيم 
وأولويتهم الوحيدة. فتأكيد وحدانية الله لا يتم عبر إنكار أن آلهة أخرى مثل بنات الله ليس 
أملاً للعبادة. فقول إن الله واحد لم يكن مجرد تعريف عددي بل كان دعوة لجعل الواحد 





١5 


العامل المحرك في حياة المرء والمجتمع» » فبالإمكان رؤية وحدانية الله في الذات المتكاملة حقاً. 
وكانت وحدانية الله تتطلب من المسلمين الإقرار بالإيحاءات الدينية في أديان خرف 
هناك إله واحد فققطء وجميع الأديان الحقة لا بد أنها مستمدة منه وحده. الإيمان بالحقيقة 
العليا الوحيدة مشروط ثقافياً» وسيتم التعبير عنها في مجتمعات مختلفة في طرق مختلفة. 
لكن بؤرة كل عبادة حقة يجب أن تكون موحاة من الله ومتجهة إلى الوجود الذي أسماه 
العرب دائماً «الله». أحد أسماء الله في القرآن هو «النور»» فالله هو مصدر كل معرفة» وهو 
السبيل الذي من خلاله يستطيع الناس لمح المتعالي: 

الله نور السموات والأرض مَكَلُ نوره كمشكاة فيها مصباح؛ المصباح في 

زجاجة, الزجاجة كأنها كوكب ذُرّيٍ يُوقَدُ من شجرة مباركة زيتونة لا 

شرقية ولا غربية يكاد رَيْتُها يُضِيءٌ ولو لم تمسسة نان نورٌ على نور يَهُدي 

الله لنوره من يشاء. ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليج””". 

تذكرنا أداة التشبيه «ك» بالطبيعة الرمزية الأساسية في الخطاب القرآني عن الله. 
فالنور ليس هو ذات الله بل يشير إلى الاستنارة التي يسبغها على ظهور محدد (المصباح 
الذي يشع في قلب الفرد) (المشكاة). لا يمكن تعريف النور ذاته بحامليه» لكنه مشترك 
بينهم جميعاً. فكما أشار المفسرون المسلمون منذ عصور قديمة إلى أن النور رمز جيد للتعبير 
عن الحقيقة الإلهية تحديداًء التي تتعالى على الزمان والمكان. وقد فسرت صورة شجرة 
الزيتون في هذه الآية على أنها إشارة إلى استمرارية الوحي الذي ينبع من جذر واحد 
ويتفرع بعدد تنوع التجربة الدينية التي لا يمكن تعريفها أو حصرها في أي تراث محدد أو 
محلية: إنها لا شرقية ولا غربية. 
عندما اعترف ورقة بن نوفل بمحمد نبياً حقاً لم يكن يتوقع لا هو ولا محمد أن 

يعتنق الإسلام. ومحمد لم يطلب من اليهود أو المسيحيين اعتناق دينه إلا إذا رغبوا بذلك» 
لأنهم قد تلقوا وحياً خاصاً بهم. وبالتالي لم ير القرآن الوحي لاغياً لرسالات ورؤى أنبياء 
سابقين بل أكد على استمرارية تحربة البشر الدينية. إنه لمن الأهمية بمكان أن نشدد على 
هذه النقطة لأن الغربيين اليوم يشعرون أنهم ميالون إلى اتهام الإسلام بعدم م 
فمنذ البداية رأى المسلمون الوحي في شروط استثائية أقل مما رآه فيها اليهود أو 
المسيحيون. فتهمة عدم التسامح التي يوجهها أناس كثيرون إلى الإسلام لا تنبع دائماً من 
رؤية لله مخالفة لرؤيتهم بل تنبع من مصدر آخر تهاماً0 '©: لا يتسامح المسلمون مع الظلم 
سواء ارتكب ذلك من قبل حكامهم من أمثال شاه إيران محمد رضا بهلوي أو من قبل 
الدول الغربية القوية. ان القرآن لا يدين التراثات الدينية الأخرى بدعوى أنها زائفة أو 


1١1 


ناقصة: بل يي أن كل نبي يستمر ويؤكد على رؤى هذا المنهج. فالقرآن يبين أن الله قد 
ا ا ويقول التراث الإسلامي أنه قد بععث نحو / 

تبيأء وهذا عدد رمزي يعني اللانهائية. وهكذا نرى القرآن 0 
ل لايد 1 كلا »وان على السسلسين أن يؤْكدوا على صلتهم بالأديان الأقدم من 
الإسلام: 


دولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقالوا 

آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له 

لو 

أمر طبيعي أن يشير القرآن إشارات خاصة إلى الرسل الذين كان يعرفهم العرب/ مثل 
نوح وابراهيم» وموسى ويسوع الذين كانوا أنبياء اليهود والمسيحيين» ويذكر أيضاً هود 
وصالح اللذين أرسلا إلى الشعوب العربية القديمة في مدين وثمود. ويؤكد المسلمون اليوم 
على أنه لو كان محمد عارفاً بالهندوسية والبوذية لكان ضمّن حكماءهم الدينيين. فبعد 
وفاة النبي مُنِحَ هؤلاء حرية دينية كاملة في الامبراطورية الإسلامية» مثلما أَعْطِي اليهود 
والمسيحيون. ويجادل المسلمون ‏ استناداً إلى المبدأ نفسه أن القرآن كان سكم الشامان 
والمقدفين حنك الوكود الأمريكين أو عند بدائيي استراليا لو كانوا معروفين في حينه. 
إن عاد عمد ورتير يه ريه ارو عا الا رقم را الحك. فبعد 

الانشفاق عن قريش أصضبيحت الحياة مستحيلة أمام المسلمين في مككة. كان العبيد وا محررون 
الذين لم تكن لهم حماية قبلية كانوا يعذبون بوحشية حتى أن بعضهم قد توفي تحت 
التعذيب؛ وفرضت مقاطعة على بئي هاشم في محاولة لتجويعهم وإخضاعهم بالتالي: ومن 
امحتمل أن هذا الحرمان قد تسبب في وفاة زوجته الحبيبة خديجة» وفي النهاية أصبحت 
جاه ميدي خط ودع العرت الرايوه فى اوكرت تابون لو تراك مايرتهم والمجرة 
إلى يثرب: فكانت هذه خطوة لا سابقة لها إطلاقاً: لان القبيلة بالنسبة للعربي كانت هي 
القيمة المقدسة فى شبه الجزيرة فكان هذا الرد. خرقاً للبادىء أساسية. كانت يثرب على ما 
نيدو عزقة بخروي لا دما بين المساغات القبلة اللتوعة: :ركان كير من الوشيين علق 
استعداد لقبول الإسلام كحل روحي وسياسي لمشكلات الواحة. كانت في يثرب ثلاث 
قبائل يهودية كبيرة قد أعدت عقول الوثنيين لتقبل الوحدانية» أي أنهم لم يشعروا بما شعر 
به القرشيون بتشويه سمعة الآلهة العربية. وهكذا انطلق نحو //7١/‏ مسلماً مع أسرهم 
قاصدين يثرب في صيف عام 5757م. 


١5١ 


في السنة التي سبقت الهجرة إلى رتت عدّل محمد دينه كي يجعله أقرب إلى 
ل ل 
الغفران اليهودي وَأ المسلمين أن يصلوا ثلاث 2000 5 
م الصلاة مرثين حقىن ذلك التاريخ. كان باستطاعة المسلمين الزواج من النساء اليهوديات» 
وكان عليهم الالتزام ببعض قوانين الحمية. زد على ذلك كان المسلمون ييممون وجوههم 
أثناء الصلاة نحو القدس مثلما كان يفعل اليهود ور . في البداية كان يهود المدينة 
مستعدين لإعطاء وإلى فرصة: فالحياة قد أصبحت لا تطاق فى الواحة» وكانوا يشكون فيه 
خاصة مئذ أن بدا مال سانيا مجاه دينهم. في النهاية تحولوا ضده وانضموا إلى الوثنيين 
الذين كانوا معادين للوافدين الجدد من مكة. كان لدى اليهود أسباب دينية سليمة 
لرفضهم: لانهم كانوا يعتقدون أن عصر النبوة كان قد انتهى) وكانوا ينتظرون المسيح 
المنتظر ومع ذلك كانت تحركهم اعتبارات سياسية: أذ عن الايام الغابرة كانت لديهم 
سلطة في الواحة عن طريق رمي ثقلهم مع هذا الطرف أو ذاك من القبائل العربية المتحاربة. 
لكن محمداً جمع هذه القبائل مع قريش فى الأمة الإسلامية الجديدة: قبيلة قوية ضمت 
اليهود أيضاً. وحينما بدأ اليهود يروك أن م ركزهم في المدينة راح ينحدر انقلبوا وأصبحوا 
معادين محمد. مرحي ا امي لي وسار قصص المسلمين» وليضحكوا 
ويسخروا من دينهم)”' ©. وكان من السهل عليهم؛ بسبب معرفتهم بالكتاب المقدسء 
إيجاد بعض الثغرات في قصص القرآن التي كان بعضها مختلفاً تماما في روايته عن النص 
التوراتي. كانوا يسخرون من إدعاءات محمد قائلين إنه لأمر غريب أن يدعي امرؤ أنه نبي 
ا 5 
كنال د افيص لور كانز عل مكف ا معي ا شاركوا المسلمين في 
مقدرة مشرفة: كانوا يناقشون التوراة معه. ويبينون له كيف يرد على انتقادات اليهود» 
فساعدته معرفته الجديدة بالتوراة على تطوير رؤاه. ققد تلم ميخنلدن ولأول مرةاءالتسلميل 
0 0 للأنبياء» 0 ذلك ابيا له فيما سبق م باستطاعته الآن أن 5 
بالنسبة لاناس من ا كالعرب 1 ومن 0 0 00 التورأة والإنجيل قد 


١17 


أدخلوا عناصر غير صحيحة إلى الحنفية - دين ابراهيم الحنيف» مثل الشريعة الشفوية التي 
شرحها الأان والاعتقاد التجديفي بالثالوث. وعلم محمد كذلك أن اليهود قد سُمٌ سُمُوا في 
كتابهم المقدس «الشعب الذي لا دين له) الدون واوا إلى الوثنية كي يعبدوا العجل 
الذهبي. تطور الجدل ضد اليهود في القرآن تطورا دا وبين بن إلى أ كمد كلم المسلموان 
بالخطر نتيجة رفض اليهود لهم؛ وبل اللتوس الااقا. اتوراي اذا كك على إل سس آ' 
جميع «معتنقي الأديان الأقدم منه("” ') قد وقعوا في المخطأء وعلى أن أصل جميع الأديان 


واأحد. 


كما تعلم محمد من بعض يهود المدينة الودودين قصة اسماعيل الابن البكر 
لإبراهيم. اا كان ا الاك م ايه غيورة 
اراهيم . وعده أن يصبح رار 7 لأمة عظيمة. وقد أضاف 0 ا بعض 
الأساظيو محلية إلى هذه القصة قائلين إن ابراهيم ترك هاجر واسماعيل في وادي مكة) 
ار 0 على وشك الموت عطشا 
ون ابراهيم فك زان يفاعي لاحنا روات الأتك ولك يدا الكفية ارال قعيف لله 07 
وهكذا أصبح البجاع ا آنا العرب» وابراهيم أب للبهود لايد أن هذه القصة كان لها وقع 
موسيقى على أذنى محمد: لقد جلب إلى العرب كتابهم. والآن أصبح بإمكانه أن يمل 
جذور دينهم إلى تقوى أجدادهم. ففي كانون الثاني عام 4 57م. أي عندما أصبح واضحاً 
أن عداوة يهود المدينة كانت أبدية: أعلن دين الله الجديد استقلاله. فأمر محمد المسلمين 
أثناء الصلاة الإشارة الدينية الأكثر إبداعاً. فعن طريق التوجه إلى الكعبة التى كانت مستقلة 
3 الدينين اع أدرك المستلحون ربكل براعة 0 لا شيره لك دين 3 سابق بل 
لد دود دب أى . 0 متحارية. وكارا 0 د دين 50 ول 5 كان 
وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدواء قل بل ملة ابراهيم حنيفاً وما كان من 
المشركين. قولوا آمنا بالله وما أنزل إليناء وما أنزل إلى ابراهيم واسماعيل 
واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيّون من 
7 
ربهم: لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون”"". 


إن تقهيا كني بشرك للتحفيقة على اللفحدائه كان بكل تأكيدا وثبية. 


يرجع المسلمون تأريخهم الإسلامي لا إلى ولادة محمدء ولا إلى السنة التي تلقى 
فيها: أول وعي يل :ال السنة التى هاجروا فيها إلى المدينة (عندما بدأ المسلمون ينجزون 
الخطة الإلهية في التاريخ بجعل الإسلام حقيقة سياسية: فقد رأينا أن القرآن يدعو جميع 
المؤمنين إلى العمل من أجل إقامة مجتمع تسوده العدالة والمساواة. وقد أخذ المسلمون هذا 
النداء السياسى بجدية كبيرة حقاً. فلم يكن في نية محمد أن يصبح قائدا سياسياً في 
البدايق لكن الأحداث التي لم يكن بوسعه التنبؤ بها دفعته باتجاه حل سياسي جديد كلياً 
للعرب. فخلال السنوات العشرين للهجرة ووفاته عام +58 دخل المسلمون الأول في 
عا على استعداد لاستئصال الأمة. 


في الغرب قُدَّمَ محمد على أنه قائد محارب فرض الإسلام على عالم متردد بقوة 
السلاح إلا أن حقيقة الأمر كانت شيئاً مختلفاً تماماً. لقد كان محمد يحارب من أجل 
حياته» وكان يطور لاهوت الحرب العادلة في القران» وسيوافقه معظم المسيحيين على 
ذلك؛ ولم يجبر محمداً أحداً على اعتناق دينه. فقد نص القرآن بكل وضوح «لا إكراه في 
الدين». وفي القرآن تعتبر الحرب بغيضة؛ والحرب العادلة الوحيدة هي حرب الدفاع عن 
النفس. وفي بعض الأحيان من الضروري أن نحارب صوناً لقيم ممتازة» تماماً مثلما اعتقد 
المسيحيون بضرورة محاربة هتلر. كان محمد يتمتع بمواهب سياسية رفيعة المستوى. ففي 
حوالي نهاية حياته كانت قد انضمت معظم القبائل إلى الأمة ‏ علماً أن محمداً كان يعلم 
أن إسلامهم كان إما اسمياً أو سطحياً. في عام 57١‏ فتحت مكة بواباتها محمد الذي 
أخذها دون سفك دماء. وفي عام 777 أ قبيل وفاته بوقت قصير قام بحجة الوداع 
فأبقى على الشعائر الوثنية العربية القديمة كالحج الذي كان عزيزاً جداً على العرب وجعله 
الركن الخامس من أركان دينه. 


رض الحج على المسلمين مرة في الحياة إن كانت ظروفهم الحياتية تسمح بذلك. 
فمن الطبيعي أن يتذكر الحجيج محمداً لكن كُسرت شعائر الحج كي تذكرهم بابراهيم 
وهاجر واسماعيل أكثر مما تذكرهم بنبيهم. تبدو هذه الشعائر لإنسان غير مسلم غريبة 
مثلها مثل أية طقوس دينية أو اجتماعية؛ لكنها قادرة على إطلاق تجربة دينية عالية التركين 
وتعبر بشكل تام عن الجوانب الذاتية والجماعية في الروحانية الإسلامية. فالآن الحجيج 
الذين يجتمعون في مكة في الوقت المحدد ليسوا عرباً فقط, لكنهم قادرون على جعل 


155 


الطقوس العربية طقوسهم. فعندما يتوافدون إلى الكعبة بملابس الإحرام التي تلغي جميع 
الفوارق العرقية أو الطبقية فإنهم يشعرون بأنهم قد تحرروا من مشاغلهم الأنانية في حياتهم 
اليومية» وأنهم مندمجون في مجتمع له هدف واحد وتوجه واحد. إنه يصيحون بانسجام 
وها نحن في خدمتك أيها الرب (لتيك اللهم لتيك)» قبل أن يبدأوا الطواف حول الكعبة 
وقد أوضح المعنى الأساسي لهذه الشعيرة الفيلسوف الإيراني علي شريعتي: 

(بينما تطوف وتقترب من الكعبة تشعر وكأنك جدول صغير يرفد 0 

كتير أودائلة تشمو ل غان موةة نفدت الصلة بالا رهن وفيا حك 

نفسك عائما يحملك الطلوفان. وبينما تقترب من المركز يعصرك ضغط 

الحشود لدرجة تشعر معها أنك قد وُهبت حياة جديدة. فأنت الآن جزء 

من الناس. انت الآن إنسان» حي وخالد.. فالكعبة هي شمس العالم التي 

يجذبك وجهها إلى داخل مدارها. لقد أصبحت جزءا من هذا النظام 

الكوني. أن تطوف حول الله سرعان ما تنسى نفسك. لقد تحولت إلى 

ذرة تنصهر تدريجياً وتتلاشى. هذا هو الحب المطلق في ذروته)؟©. 

لقد شدد اليهود والمسيحيون أيضاً على روحانية الجماعة. فالحج يمد كل فرد مسلم 

بتجربة كمال ذاتي في جو الأمة, والله في وسطها. فكما في معظم الأديان: السلام 
والانسجام هما موضوعان هامان في الحج» وما أن يدل الحجاج في الإحرام حتى يحرم 
كل نوع من العنف» حتى قتل حشرة أو النطق بكلمة نابية. ومن هنا كان السخط الذي 
عم العالم الإسلامي خلال موسم الحج عام 07م ١‏ عندما قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة 
قتل فيها /4.7/ شخصاً وجرح /5494/ آخرون. 


توفي محمد بشكل غير متوقع بعد فترة مرض قصيرة في حزيران عام . 
فحاولت بعض القبائل البدوية الارتداد عن الأمة لكن الوحدة السياسية في الجزيرة العربية 
كانت قد ترسخت. وفي فى النهاية قبلت القبائل المرتدة دين الله الواحد: لقد بين النجاح 
المحمدي المدهش للعرب أن الوثنية التي خل متهم دا طوال قرون كانت دون فاعلية في 
العالم الحديث. لقد أدخل دين الله روح الجماعة الرحيمة التي انق نيجه الأديان 
المنطورة: فالأّخوة والعدالة الاجتماعية هما فضيلتاه المميزتان له. والمساواة ما تزال سمة مميزة 
لمن ات 


كانت حياة محمد تتضمن المساواة بين الجنسين. جرت في يومنا هذا العادة على 


يا 


القول أن الإسلام دين يحط من قدر النساءء لكن دين الله كان موقفه إيجابياً من النساء. 
فى الجاهلية ‏ أي الفترة التى سبقت الإسلام كانت الجزيرة العربية ماتزال تحتفظ بالمواقف 
بلاطا تجاه النساء, ا سات قبل العصر المحوري. كان تود الووجات شانماء كن 
يقن في منازل آبائهن. وكانت نساء النخبة يتمتعن بسلطة وامتياز لا بأس بهما. فروجة 
محمد الأولى خديجة تاجرة ناجحة. لكن معظم النساء كن على قدم المساواة مع العييدء 
وون. حقوق.سيامبية أو إننائية» وواد الببات: كان عادة شائعة. كانيف النساء عن أوائل 
المعتنقين للإسلام» وكان يهن عكروعاً عزير ا بيذ على قلي مسحت لقند حرم القران 
وأد البنات تحرياً تامً. وسخر من حزن العرب حينما يرزقون بالإناث. وقد أعطى الإسلام 
لمرأة حقوقاً قانونية في الإرث والطلاق: معظم النساء الغربيات لم يكن لهن مثل هذه 
المقوق حي القرت العاسم عن لق عس تحي د الننتاء على الفتب دور قفال: في شوون 
الأمته وكق شيرق عن أزاتو يقنك قياضي و كوج انتانق مح اف يلقي زان ضاغية: 
فى إخدى: الناسبات شخت سناء المدينة إلى الرسول أن الخال كانوا يعزلوهن أثناء 
رمي القران» وطلبن منه أن يأمر الرجال بالكف عن ذلكء» وهذا ما فعله. وتساءلت 
النساء لماذا خاطب القرآن الرجال فقط فى الوقت الذي أسلمت فيه النساء أيضاً. فكانت 
اليه نول ارس كاك القند كه حاط لديا نه كه على الما راك ال سين 
أخلاقياً وروحياًة*"©. ولذلك خاطب القرآن النساء صراحة» وقلما يحدث هذا فى اليهودية 
أن افع ١‏ 


لكن لسوء الحظط سرعان ما اختطف الرجال الدين ‏ كم في المسيحية 5 وفسروه 
بطريقة كانت لها نتائج سلبية على المسلماتء فالقرآن لا يفرض الحجاب على جميع 
النساء بل على زوجات محمد فقط للدلالة على مركزهن. وما أن تبوأ الإسلام مكانته في 
العالم المتحضر حتى تبنى المسلمون تلك العادة الدنيوية التى أنزلت النساء إلى المرتبة الثانية. 
لقد تبنى المسلمون عادة تحجيب النساء وعزلهن في الحرملك من فارس وبيزنطة المسيحية 
حيث كانت النساء مهمشات منذ أمد بعيد. كانت مكانة النساء فى فترة الخلافة العباسية 
)١158 - 760(‏ سيئة مثل مكانة أخواتهن في المجتمع اليهودي والمسيحي. واليوم تحث 
الحركات النسائية الإسلامية الرجال على العودة إلى روح القرآن الأصيلة. 


يذكرنا هذا أن بالإمكان تفسير الإسلام ‏ مثله مثل أديان أخرى - بطرق مختلفة 
عديدة» مما أدى إلى نشوء مذاهبه وأقسامه. أولى هذه هى السنة والشيعة التى تعاظم 


1١1181 


الصراع بينهما على القيادة بعد وفاة محمد المفاجئة. لقد انتخبت الأغابية أبا بكر صديق 
محمد الحميم» بينما قال البعض أن النبى ي كان يريد علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج 
بنته كي يكون خليفته. لقد قبل علي شخصياً قيادة أبي بكرء لكن خلال السنوات 
قلات التالية يبدو أن مركز الولاء كان العشدين الدين لم يوافقوا على سياسات الخلفاء 

لأوائل: أبو بكر وعمر. وعفمان. . وفي سنة 755 أصبح علي الخليفة الرابع؛ ويسميه الشيعة 
«الإمام) أو قائد الأمة. أما فيما يتعلق بالقيادة فإن الخلااف بين السنة والشيعة كان سباسنا 
أكثر مما كان دينياً ويعتبر هذا دليلاً على أهمية علم السياسة في الدين الإسلامي» ومن 
ضمنه مفهوم الله. شيعة علي بقيت أقلية وسوف تنظم لاحقاً احتجاجاً قوياً يتمثل في 
شخصية الحسين بن علي المأساوية - حفيد محمد الذي رفض قبول الأمويين الذين استولوا 
على الخلافة بعد موت أبيه علي» فقتل مع نفر قليل من مؤيديه على يد الخليفة الأموي يزيد 
في عام 6٠57م‏ على سهل كربلاء قرب الكوفة. جميع المسلمين ينظرون إلى المذبحة 
اللاأخلاقية التي ارتكبت بحق الحسين» نظرة رعبء لكنه أصبح بطلاً خاصاً بالشيعة» 
ويذكرنا هذا بأن من الضروري أحياناً محاربة الطغيان حتى الموت. فى هذا الوقت كان 
المسلمون قد بدؤوا بتأسيس امبراطوريتهم. للق الأريعة 'والراشدون) كانرا موسي قد 
الإسلام فقط بين عرب الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية اللتين كانتا في حالة سقوط. في 
عَهِد الأمويين استمر التوسع إلى آسيا وشمال أفريقياء ففي هذه الفتوحات لم يكن الملهم 
هو الدين بقدر ما كان مستمدا من تاسيس امبريالية عربية. 





لم يُجبر أحد على اعتناق الإسلام في الامبراطورية الجديدة» وحتى بعد موت محمد 
بقرون عديدة لم تكن محاولة هداية الآخرين من أديان أخرى لاعتناق الإسلام تلقى 
تشجيعاًء وفي حوالي سنة /٠٠١/‏ كان القانون يمنع ذلك. كان المسلمون يعتقدون أن 
الإسلام كان للعرب مثلما كانت اليهودية لأبناء يعقوب. لقد أَغطي أهل الكتاب ‏ أي 
اليبهود والمسيحيون ‏ حرية دينية (الذمة)» حرية حمت الاقليات. وعندما بدا الخلفاء 
العباسيون يشجعون الناس على اعتناق الإسلام» كانت الشعوب السامية والآرية في 
الامبراطورية تواقة لاعتناق الدين الجديد: لقد كان نجاح الإسلام مكوّناً (أي مساعداً على 
التشكل والتكوّن) مثلما كان فشل وإذلال المسيح في المسيسية, فالسياسة ليست مرا 
عرضياً فى حياة المسلم الدينية الشعخصية » كما في المسيحية التي لا تفق بالنجاح الدنيوي. 
فالمشلدون يعتبرون أنفسهم ملزمين بإنجاز مجتمع عادل وفقاً لإرادة الله والأمة لها أهمية 
مقدسة قد باركها الله كما بارك السعي لتحرير الإنسانية من الاضطهاد والظلم. فسلامة 


١ 11/ 


الأمة السياسية له المكانة نفسها فى الروحانية الإسلامية كخيار ثيولوجي محدد. فإذا وجد 
الميتخيوة تقدير اسلو السياحة أمراً غريباء ينبغي عليهم أن يفهموا أن عاطفتهم تجاه 
نقاش ثيولوجي مبهم تبدو شاذة أيضاً بالنسبة لليهود والمسلمين. 

كان التأمل في طبيعة الله في السنوات الأولى من التاريخ الإسلامي نابعاً في أغلب 
الأحيان من اهتمام سياسي حول دور الخلافة والمؤسسة. لقد أثبعت النقاشات العلمية حول 
من يقود الأمة وما هي مواصفاته أنها نقاشات شكلية في الإسلام؛ مثل النقاش حول 
شخص وطبيعة 07 المسيحية. فبعد انقضاء الخلافة الراشدة وجد المسلمون أنفسهم 
يعيشون في عالم مختلف جداً عن مجتمع المدينة الصغير المتناحرء وغدوا الآن سادة 
امبراطورية مترامية» وكان قادتهم محفزين بالدنيوية والجشع. كان هناك رخاء وفساد بين 
الأرستقراطية والبلاط» وكان هذا شديد الاختلاف عن حياة التقشف التي عاشها النبي 
وأضتحايه:: كان الستمون: الأتقياء» يتخدون: الوشنية رسال القران: الابسماعيةم كساولوا 
جعل الإسلام متناسباً مع الظروف الجديدة ما أدى إلى ظهور عدد كبير من الحلول 
والمذاهب. 


قدم الفقهاء الحل الأكثر شعبية» وكذلك فعل الترائيون الذين حاولوا العودة إلى مل 
محمد والراشدين. أدى ذلك إلى تشكيل القانون الشرعى (أي العرف اللمبنى على القرآن 
والحياة والقواعد السلوكية التي مارسها النبي). كان يتم تناقل عدد مربك من التراث 
الشفوي حول كلمات «الحديث» وممارسة محمد «(السنة) وأصحابه الأول. فتم جمعهما 
خلال القرنين الثامن والتاسع على يد عدد من جامعي الحديث: أكثرهم شهرة محمد بن 
اسماعيل البخاري» ومسلم بن عجاج القرشي. وبما أن محمد قد استسلم كلياً لله كان 
على المسلمين أن يحذو حذوه في حياتهم اليومية. فعن طريق محاكاة أسلوب حديث» 
وأكل؛ واغتسال» وتعبد» وحب محمد كان القانون المقدس الإسلامى يساعد المسلمين 
على أن يعيشوا حياة منفتحة على الإلهي. فعن طريق قولبة أنفسهم وفقاً للنبي كانوا يأملون 
في بلوغ انفتاحه الداخلي لله. فعندما يتبع المسلمون سنة كالبادرة بالتحية» أو الرفق 
بالحيوانات» واللطف مع اليتامى والفقراء» مثلما كان كرياً وصادقاً فى تعامله فإنه يعم 
تذكيرهم بالله. يجب ألا تكون المظاهر الخارجية غايات بحد ذاتها بل ا لبلوغ التقوى 
«معرفة الله) كما وصفها القران وكما مارسها النبى» والتى تتكون من تذكر مستمر 
(الذكر)..حديكا جدال كبير حول صخة السنة والحديث: اعنبرها البعطل كر مصداقية مما 


١58 


عيرم أخرون: ل فإن مسألة العيظة التاريخية 7 التراثات أمر الل امي 
إلى دن حياة 0 


تهقه المسلماك والأجاديت المجموعة حول النبي بشؤون الحياة اليومية, لكنها مهتمة 
بالماورائبات أيضا) :ونشوع الكون: واللاهوت. ويعتقد أن عدداً من هذه الأقوال قد ورد 
على لسان الله إلى محمد. تؤكد هذه الأحاديث الشريفة على ذات الله وحضوره فى 
المؤمن. فيرتب حديث مشهور المراحل التي يفهم المؤمن عبرها الحضور الإلهي الذي 5 
مدا قن المزمق تثريا: تبدأ بالالتزام بأوامر القرآن والشريعة» ثم تتقدم لتصل إلى أعما 
التقوى الطوعية: 
١‏ مرت لوخي عر أوالاري أغلى عاو بر بلك اننا فرمها 117 
. ويستمر عبدي بالاقتراب مني عبر النوافل حتى أحبه: وعندما أحبه 
امج أذنه التي يسمع بهاء وعينه التي يرى بهاء ويده التي يمسك بها 
وقدمه التي يسير عليها” ". 
فالله المتعالي - كما في اليهودية والمسيحية ‏ هو أيضاً حضور ملازم نقابله هنا على 
الأرطويا و /السمراعة"المنانيون تبدية عبناي بزننا الخصيون الإنوى بطق 'مائلة لكلف الارق 
التي اكتشفها الدينان السابقان. ْ 
بنى المسلمون الذين طوروا هذا الوعمن الروع على الحا جاه محمد ويعرف هؤلاء 
0 الحديث أي التراثيون. وقد لاقى الورع استحساناً لدى عامة الناس لأن أخلاقهم 
كانت أخلاق مساواة صارمة. لقد عارضوا رفاهية القصور الأموية والعباسية» لكنهم لم 
يقفوا في صف التكتيكات الثورية الشيعية؛ لم يعتقدوا أن الخليفة يجب أن تتوافر فيه مزايا 
روحانية استثنائية» فهو بكل بساطة متصرف. ومن خلال التأكيد على الطبيعة المقدسة لكل 
من القرآن والسنة» فإنهم زوّدوا كل مسلم بوسائل الاحتكاك المباشر مع الله الاحتكاك 
الذي كان مدمراً وحدّياً جدا مع السلطة المطلقة. لم تكن هناك حاجة تدعو إلى وجود 
طبقة من الكهنوت لتعمل كوسطاء لأن كل مسلم مسؤول أمام الله عن مصيره. 
فقبل كل شىء علّمت التراثات أن القرآن كان حقيقة أبدية ‏ مثل التوراة واللوغوس 
- الذي كان فيه بشكل ما جانب من الله ذاته» فقد استقر في عقله قبل بدأية الزمن. 
وكان اعتقادهم بأن القرآن غير مخلوق يعني أن باستطاعة المسلمين سماع الله اللامرئي 


١18 


مباشرة لدى سماعهم ترتيل القرآن. فالقران كان يمثل حضور الله بينهم. كلامه على 
شفاههم عندما يرتلون كلماته المقدسة» وعندما يمسكون الكتاب المقدس فكأتما كانوا 
يلمسون الله ذاته. وقد اعتقد المسيحيون الأول بأن يسوع الإنسان هو الله مجسداً بطريقة 
ممائلة. 

شىء وجد منل البداية. 

شيء سمعناه ورأيناه بعيونناء 

وراقبناه» 

ولمسناه بأيدينا. 

الكلمة الذي هو الحياة» 


/ ةك 


لقد أَثْرت المثْرلّة الدقيقة (ليسوع الكلمة) كثيراً على المسيحيين. في الفترة اللاحقة 
بدأ المسلمون بمناقشة طبيعة القرآن: بأي معنى كان النص العربى هو حقأ كلمة الله؟ فقد 
بغة وض التلدين أن هذا الإملاه للقراة عدي شر السيدين الذي مدي 0ك 
أن يسوع كان هو اللوغوس. 

على أية حال طورت الشيعة تدريجياً أفكاراً بدت أقرب إلى التجسيد المسيحي. 
فبعد موت الحسين المأساوي أصبح الشيعة مقتنعين أن ذرية والده علي فقط هي التي يجب 
أن تقود الأمة» فأصبحت مذهباً متميزاً في الإسلام. وبما أن جميع أولاد محمد لم يتجاوز 
أحدهم فترة الطفولة لذلك كان علي قريبه الذكر الذي يمت إليه بصلة قرابة رئيسية. ففي 
القرآن كثيراً ما طلب الأنبياء من الله أن يبارك ذريتهم» فوسع الشيعة هذا المفهوم للمباركة 
الإلهية فاعتقدوا أن أفراداً فقط من أسرة محمد عبر بيت على هى التى كانت تعرف الله 
حق المعرفة (العلم). وهم وحدهم من باستطاعتهم تزويد الأمة بالتوجيه الإلهي. فلو استلم 
أحد ذرية علي السلطة لكان بوسع المسلمين أن ينظروا خلفهم إلى عصر العدل الذهبي» 
ولكانت قيادة الله قد تمت وفقاً لمشيكته. 

لقد تطورت الحماسة لشخص علي في طرق مذهلة. فبعض جماعات الشيعة ترفع 
علياً وذريته إلى مرتبة فوق مرتبة محمد ذاته؛ وأعطتهم منزلة تقرب من القداسة. استمدوا 
نظرتهم هذه من التراث الفارسي لإله مختار أنمجب أسرة ينتقل فيها المجد الإلهى من جيل 
إلى جيل. ففي نهاية العهد الأموي توصل بعض الشيعة إلى الاعتقاد بأن سلطة العلم كانت 
محصورة في نسل واحد من أحفاد علي؛ وسيتعرف المسلمون على الشخص الذي أراده 


١0 


الله :ماما نا للأمة في عند الأسرق فسواء أكان في السلطة أم لا فإن إرشاداته كانت 
ضرورية بشكل مطلق. ولذلك على كل مسلم واجب البحث عنه ومبايعته قائداً له. لم 
ينظر الخلفاء إلى هؤلاء الأئمة بعين الرضا فاعتبروهم أعداء للدولة: فقتل العديدون من 
الأئمة بالسم» وكان على بعضهم أن يتتخفى . ويعين كل إمام أجَد أقاربه م يرث العلم 
قبل وفاة الإمام. وهكذا تم تبجيل الأئمة تدريجياً بصفتهم تعبيرات إلهية: فكل منهم حجة 
الله على الأرضء وبعنى غامض نوعاً ما هو الإله مجسداً في كائن بشري. فكلماته 
وقراراته وأوامره كانت قرارات وأوامر وكلمات الله. فكما رأى المسيحيون في يسوع أنه 
الطريق» والحقيقة» والنور الذي يقود البشر إلى الله كذلك بجل الشيعة أئمتهم بصفتهم 
مدخلا (باب) إلى الله؛ السبيل وموجهاً لكل جيل. 

تتبعت فروع الشيعة التسلسل المقدس بشكل مختلف: فقد بَجَلت الاثنا عشرية اثني 
عشر من ذرية علي عبر الحسين حتى عام 919 حين توارى الإمام الأخير واختفى من 
امجتمع البشري, وبما أنه ليس له ذرية فقد انقطع نسله. أما الإسماعيليون الذين يعرفون 
باسم «السبعاويين) فقد اعتقدوا أن السابع من بين هؤلاء الأئمة كان الإمام الأخير. وقد 
ظهر تأثير فكرة المنتظر بين الاثني عشريين الذين يعتقدون أن الإمام الثاني عشر أو المتواري 
سوف يعود كن شن عضرا ذهبياً: كانت هذه أفكار خطرة؛ ولم تكن هدامة ينها بل 
بالامكان تمي عا هوه بشكل تبسيطي فج. كما طورت الشيعة الأكثر تطرفاً تراثا 
سرياً قائمأ على تفسير القرآن رمزياً. وهذا ما سنراه فى الفصل القادم. كانت تقيتهم مبهمة 
بالنسبة لمعظم المسلمين الذين كارا سرون هنف النكوة المدميدية هربا مق البح يل 
وكان الشيعة أفراداً من الأرستقراطية والمثقفين. ففي الغرب ميل إلى تصوير التشيع على أنه 
طائفة إسلامية تلازمها الأصولية» لككن هذا التقييم ليس دقيقاً. لقد أصبح التشيع تراثا 
معقداً وفيه كثير ثما هو مشترك مع أولئك المسلمين الذين حاولوا تطبيق الجدل القرآني 
بشكل منهجي على القرآن. يعرف هؤلاء العقلانيون باسم المعتزلة الذين شكلوا جماعات 
متميزة» وكانوا ذوي التزام سياسي راسخ. كانوا ينتقدون رفاهية البلاط بشدة» وكانوا 
نشطاء سياسيا ضد المؤسسة. 

ألهمت المسألة السياسية نقاشاً لاهوتياً حول حكم الله على الشؤون البشرية. فقد 
زعم مؤيدو الأمويين أن سلوك الأمويين غير إسلامي وأن ذلك لم يكن خط فيهم لأن الله 
قدّر عليهم مسبقاً أن يكونوا ما هم عليه. ففي القرآن مفهوم قوي جداً للوجود الكلي المطلق 
والمعرفة بكل شىء وهناك أيات كثيرة بالإمكان استخدامها لدعم هذه النظرة القدرية. بيد 


١ا/ا‎ 


أن القرآن يشدد بالقدر نفسه على المسؤولية البشرية. الا يتين اللدرما يعو كلا ليعيرو له في 
أنفسهم)» وبالتالي فقد شدد منتقدو المؤسسة على الإرادة الحرة والمسؤولية الأخلاقية. لكن 
المعتزلة اتخذوا سبيلاً وسطأ وانسحبوا (اعتزلوا) من معارضة متطرفة. لقد دافعوا عن الإرادة 
الحرة كى يصونوا الطبيعة الأخلاقية للبشر. فالمسلمون الذين كانوا يعتقدون أن الله فوق 
مجرد مفاهيم بشرية للحق والباطل كانوا ينتقدون عدالته. فإله حرق جميع المبادىء 
السامية ومضى بها بعيداً قط لأنه إله لن يكون هذا إلهاً بل وحشاً وليس أفضل من خليفة 
مستبد. فقد أعلن المعتزلة ‏ ما أعلنه الشيعة ‏ أن العدالة كانت جوهر الله: فليس بوسع أحد 
تخطئة أي امرىء» وليس بوسعه المشاركة في أي شيء مناقض للعقل. 


فهنا دخل المعتزلة في صراع مع التراثيين الذين جادلوا أن الله بخلقه الإنسان فإنه 
مؤلف وخالق قدرهء وأن المعتزلة كانوا يهينون وجود الله الكلي. لقد تذمروا من المعتزلة 
لأنهم جعلوا الله عقلانيا كثيرا فغدا شبيها جدا بالإنسان. لقد تبنوا معتقد القدرية كي 
يؤكدوا عدم إمكانية فهم الله أساساً: فإذا زعمنا أننا نفهمه فلن يكون الله بل مجرد إسقاط 
بشري. فالله متعالٍ عن المفاهيم البشرية للخير والشر ولا يمكن تقييده بمعاييرنا وتوقعاتنا. 
وهذا عمل شر أو غير عدل لأن الله سمح له أن يكون كذلكء وليس لأن لهذه القيم 
الإنسانية بعد متسام يقيد الله نفسه 

المعتزلة في قولهم إن العدالة - هي مثال إنساني محض ‏ هي جوهر الله كانوا على 
خطأً. فمشكلة القضاء والقدر والإرادة الحرة التى أثرت على المسيحيين أيضاً تشير إلى 
صعوبة مركزية في فكرة إله شخصي. فبالإمكان القول إن إلها غير شخصي مثل براهمن 
موجود خارج الخير والشر اللذين يعتبران قناعين للألوهة التي لا سبيل إلى سبر كنهها. لكن 
إلهأ مشخصاً بطريقة غامضة ماء وله دور فعال في تاريخ خ البشر يجعل تفده معراضا للنقن. 
فليس سهلاً جعل هذا الإله أكبر من حياة طاغية أو قاض جائر وبجعله يحقق آمالنا 
نستطيع أن نحول الله إلى توري 27089 أو اشتراكيء عنصري أو ثوري وفقاً لآرائنا 
الشخصية. الخطر الذي يتأتى من هذا قاد البعض إلى رؤية إله شخصى فكرة غير دينية لأنها 
بكل بساطة تغرقنا في أهوائناء ويجعل أفكارنا الإنسانية مطلقة. 

تجنباً لهذا الخطر أتى التراثيون بالفارق الذي مجده الزمن والذي استخدمه اليهود 
والمسيحيون على السواءء أي الفارق بين جوهر الله وقدراته. فادعوا أن بعضاً من تلك 
القدرات التي مكنت الله المتعالي من نقلها إلى العالم مثل القدرة» المعرفة» الإرادة» السمع؛ 
البصر الكلام التي تنسب إلى الله في القرآن - أنها وجدت معه منذ الأزل بالطريقة نفسها 


١ ؟/ا‎ 


التي وجد فيها القرآن غير المخلوق. كانت متميزة عن جوهر الله الذي لا سبيل إلى معرفته 
والتي سوف تراوغ فهمنا دائماً. فكما تخيل اليهود أن حكمة الله أو التوراة قد وجدت مع 
الله من قبل بداية الزمن كذلك كان المسلمون يطورون فكرة ممائلة كي تعطي فكرة عن 
شخصية الله وكي تذكر المسلمين أن ليس بالإمكان احتواءه كلياً بالعقل البشري. لولم 
يقف الخليفة المأمون 8١7(‏ - 8575) إلى جانب المعتزلة» ولو لم يجعل أفكارهم معتقداً 
إفاكما زعا كا تهنا ادل العويص إلا على قلة من الناس. لكن عندما بدأ الخليفة 
بتعذيب التراثيين كي يفرض الاعتقاد المعتزلي على الناس شعر عامة الناس بالرعب من هذا 
نيلوك غير الإسلامى ي . فالزعيم الترائي أحمد بن حنبل ( - 865) الذي نجا من الموت 
في التحقيق معه أصبح بطلاً شعبياً. فقداسته ومقدرته ‏ لقد صلى هن أجل معدبية وتحديه 
لخلافة» وإيمانه بالقرآن المنزل أصبح كلمة السر لثورة شعبية ضد عقلانية المعتزلة. 





رفض ابن حنبل تشجيع أي نوع من النقاش العقلاني حول الله. ومكداعيدها رع 
المعترلي الحيان القرابيصي (0 - 855) حل تسوية تعتبر القرآن كلام الله وأنه حقاً مُتدْلا إلا 
أنه عندما صيغ في كلمات بشرية أصبح مخلوقاء أدان ابن حنبل هذا الاعتقاد. وكان 
لقرابيصى على استعداد تام لتعديل وجهة نظره ثانية فأعلن أن اللغة العربية المكتوبة 
والمنطوقة فى القرآن كانت منزلة طالما أنها مستمدة من كلام الله الأزلى. بيد أن ابن حنبل 
أعلن أن هذا الرأي غير شرعي أيضأء فمن العبث والخطر أن نتأمل في أصل القرآن بهذه 
لطريقة العقلانية. فالعقل لم يكن أداة مناسبة لاستكشاف الله الذي لايوصف. واتهم 
المعتزلة بأنهم يجردون الله من كل سرء وأنهم يجعلوه صيغة مجردة ليس لها قيمة دينية. 
عندما استخدم القرآن كلمات تجسيد بشرية لوصف قدرات الله في العالم» أو عندما قال 
القرآن إن الله يتكلم ويرى ويجلس على عرشه أصر ابن حنبل على تفسير هذه الكلمات 
حرفياً دون التساؤل كيف. بالإمكان مقارنة ابن حنبل مع مسيحيين راديكاليين 'مثل 
اتانازيوس الذي أصر على تفسير متطرف لعقيدة التجسيد في وجه الهراطقة الأكثر 
عقلانية. كان ابن حنبل يشدد على عدم قدرة الإنسان على وصف الله الذي يوجد خخارج 
كل منطق وتحليل مفهرمي. 

مع ذلك يؤكد القرآن باستمرار على العقل والفهم فكان موقف ابن حنبل ينم عن 
سذاجة في العقل. فقد وجد مسلمون كثرٍ رايد خالا واتهافياً فأبو الحسن بن اسماعيل 
الأشعري )44١  4107/(‏ الذي كان معتزلياً ثم تحول إلى ترائي بحلم رآه قد تسوية. فقد 
رأى النبي في الخلمء وله على دراسة الحديث. بعد ذلك ذهب الأشعري إلى الطرف 
الآخر وأصبح تراثياً متحمساً وأصبح سوط الإسلام ضد المعتزلة. بعاد را جلها آخر بدا 





١ 


ف بيعي رسا اوقا له: «لم أطلب منك الكف عن الجدال العقلاني بل أن تؤازر 
الأحاديث الصحيحة)(* 2 ومن تلك الفترة فصاعداً ع الأشعري باستتخدام الأساليب 
العقلانية المعتزلية ف يرفع الروح اللاأدرية عند ابن حنبل. فحيث نادى المعتزلة بأن وحي 
الله لا يمكن أن يكون غير عقلاني» كان الأشعري يستخدم العقل والمنطق ليبين أن الله 
كان خارج نطاق فهمنا. كان المعتزلة في خطر تخفيض الله إلى مفهوم جاف لكنه 
متماسك. بينما أراد الأشعري أن يعود إلى الله الممتلىء دماً في القرآن» على الرغم من عدم 
اتساق طرحه. كان الأشعري مثل دينس الأريوباغيتي لأنه اعتقد أن التناقض سيؤدي إلى 
زيادة فهمنا لله. رفض أن يخفض الله إلى مفهوم بالإمكان مناقشته وتحليله مثل أية فكرة 
إنسانية أخرى. كانت الصفات الإلهية المعرفة» القدرة» الحياة وماشابه حقيقية تنتمي إلى 
الله افد الأول الكميا: كانت شتيرة ع عرش اللدي لأن. الله اسان واتحن «منوط 
ومتفرد. لا يمكن اعتباره كاثناً معقداً لأنه هو البساطة ذاتها. ليس في ومعنا تحليله عن 
طرق تين فاته الققيذة أو قيضده إلى جراد أضعي. لقن وقضن الأشهرين: أي ميحاولة 
لإزالة النقائتض: فقد أصر على أنه عندما يقول القرآن أن الله يجلس على عرشه يجب علينا 
أن نقبل هذا كحقيقة حتى وإن تكن خارج نطاق فهمنا لنتصور روحاً محضة جالسة. 
كان الأشعري يحاول أن يوجد سبياة تمطارين بين الظلامية العنيدة والعقلانية 
المتطرفة. فبعض ا حرفيين قالوا: إذاكان المباركون سوف يرون الله في السماء ‏ كما ذكر 
القرآن - فلا بد أن يكون له مظهر مادي, وقد مضى هشام بن الحكم بعيداً ليقول إن: 
الله له جسد» معرف») واسع. عالٍ وطويل» ذو أبعاد متساوية يشع نور 
أبعاده الثلائة كبيرة. في مكان خلف مكان مثل قضيب من معدن نقي» 
يشع فيما حوله مثل لؤْلؤة كروية من جميع الجوانب» وله لونء وطعم 
ورائحة وملمس” ©. 
قبل بعض الشيعة آراء كهذه بسبب اعتقادهم أن الأئمة كانوا تجسيدات للإله. أصر 
المعتزلة على أنه عندما يتحدث القرآن عن يدي الله مثلاً يجب أن يفهم ذلك مجازياً 
ككناية عن كرمه وسخائه. عارض الأشعري الحرفيين عن طريق الإشارة إلى أن القرآن أكد 
على أننا نستطيع أن نتكلم عن الله في لغة رمزية» لكنه عارض التراثيين أيضاً في رفضهم 
الإجمالي للعقلي. قال إن عتحمدا لم تقابله هذه المشكلات ولو حدث ذلك لكان قدم 
توحييا للمسلمين. على المسلمين واجب استخدام القياس كأدوات تفسيرية للاحتفاظ 
بمفهوم ديني صحيح عن الله. 


١ 7: 


كان الأشعري تحار دانم مرقع نسوزة وسظ. ولذلك عاد يان القرآن كان كل 
الله المنزلة الأبدية» لكنها حبر وورق» والكلمات العربية المكونة للآيات المقدسة كانت 
مخلوقة. وأدان اعتقاد المعتزلة بالإرادة الحرة» لأن الله وحده هو الخالئق لأفعال الإنسان» 
وعارض نظرة التراثيين أيضاً في أن البشر لا يساهمون إطلاقاً في خلاصهم» فكانت 
تسويته تنطوي على ضرر لد ما: يخلق الله الأفعال لكنه يسمح للبشر امتلاك جدارة أو 
عدم جدارة للقيام يده الأ فعال: لم ليوك ارين مثل ابن حنبل لأنه كان مستعداً لطرح 
أسئلة» وأن يستكشف هذه المشكلات الماورائية» مع أنه كان يختتم قوله في النهاية: من 
الخطأ أن نحاول احتواء الحقيقة التي لا توصفء الخفية التي نسميها الله في ل 
تومو الي اسن اشيرق تراث علم الكلام الإسلامي الذي يترجم عادة بكلمة 
«اللاهوت». استمر خلفاؤه في القرنين العاشر والحادي عشر في تطوير أفكاره. فالأشاعرة 
الأوائل" أرادوا #اسيي إطار ميتافيزيقي اناف لم لاه الله. فأبو بكر الباقلاني 
)٠١١+ 0(‏ اللاهوتى البارز الاول من المدرسة الاسعرية وافق فى كتابه /التوحيد/ المعتزلة 
في قولهم أن بإمكان البشر إثبات وجود الله بلمنطق والجدل العقلاني: فالقرآن يصور 
ابراهيم وهو يكتشف الخالق الأزلي عن طريق التفكير منهجياً بالعالم الطبيعي. لكن 
الباقلاني رفض مقولة أن بإمكان البشر التمييز بين الخير والشر دون وحي لأنهما ليسا 
تكالق طيعين عل أرحدهها اللنة الله اتن عيذ عقاميم يعبرية عتنا بعر سدق أو ياطل: 

طور الباقلاني نظرية تعرف باسم المذهب الذري أو السببية التي حاولت أن تجد 
أساساً عقلياً لشهادة المسلم: لم يكن هناك إله أوحقيقة أو يقين سوى الله. كل شيء في 
العالم معتمد على اهتمام الله المباشر بشكل مطلق. فالكون كله تم تخفيضه إلى ذرات 
فردية لا تحصى: الزمان والمكان ليسا مستمرين» وما من شيء له هوية محددة خاصة به. 
فالكون الظاهري قد حُفْضَ إلى العدم على يد الباقلاني مثلما فعل أتانازيرس. لقد أحيا 
الكون وأمر خلقه في الوجود في كل ثانية. ل تك هناك قرانق طنيعية تفرع بقاء الكوت. 
على الرغم من أن مسلمين آخرين يكيفون أنفسهم مع العلم بنجاح كبير إلا أن الأعرية 
كانت عدائية بالأساس تجاه العلوم الطبيعية» ومع ذلك كان لها مرجعها الديني. كانت 
محاولة ميتافيزيقية لشرح حضور الله في كل جزء من تفاصيل ال حياة اليومية» وتذكر أن 
الدين لم يكن يعتمد على المنطق العادي. فإذا ما استُخدم المنطق كمبدأ أكثر من استخدامه 
عرضاً حقيقياً للحقيقة فقد يساعد المسلمين على تطوير الشعور بالله (التقوى) الذي وصفه 
القرآن. يكمن ضعف الأشعرية في استبعاد الدليل العلمي لصالح النقيض» ؛ وتفسيرها الحرفي 
لموقف ديني مراوغ محير بالأساس. نقد أحدمك الأشغرية فجوة بين الطريقة التي كان ينظر 


١ ه/ا‎ 


فيها المسلم إلى الله والطريقة التي كان يفكر فيها بأمور أخرى. لقد حاول المعتزلة 
والأشاعرة ‏ في طرق مختلفة ‏ ربط التجربة الدينية بالله بالفكر العقلاني العادي فكان هذا 
الربط هاماً. كان المسلمون يحاولون أن يجدوا فيما إذا كان بالإمكان الحديث عن الله 
مثلما تناقش المسائل الأخرى. فقد رأينا أن اليونانيين قد اتفقوا على توازن لم يكن متوازنء 
وأن الصمت هو الشكل الملائم فقط للاهوت. ووصل المسلمون إلى النتيجة ذاتها في نهاية 
المطاف. 


كان محمد وأصحايه ينتمون إلى مجتمع أكثر بدائية من مجتمع الباقلاني. لقد 
امتدت الامبراطورية الإسلامية إلى العالم المتحضرء وكان على المسلمين مواجهة أساليب 
فكرية أكثر تعقيداً في تصور الله والعالم. عاش محمد وبشكل غريزي - في الصدام 
العبري القديم مع الله فكان على الأجيال اللاحقة أيضاً أن تعيش من خلال بعض المشاكل 
التي وجهتها الكنائس المسيحية» وتراجع البعض إلى لاهوت التجسيد على الرغم من إدانة 
القرآن للتأليه المسيحي للمسيح. فالمغامرة الإسلامية توضح أن مفهوم إله شخصي متعالٍ 
ميال إلى توليد النوع نفسه من المشكلات ويفضي إلى النوع نفسه من الحلول. 

أوضحت تجربة علم الكلام أنه على الرغم من إمكانية استخدام طرائق عقلانية لتبيان 
أن الله كان عصياً على الفهم عقلانياً إلا أن هذا يجعل المسلمين قلقين. فلم يصبح علم 
الكلام أبداً بأهمية اللاهرت فى المسيحية الغربية. فالخلفاء العباسيون الذين آزروا المعتزلة 
وجدوا أنهم لا يستطيعون 9 معتقداتهم على المؤمنين» ولم يفلحوا في ذلك. أما 
العقلانية فقد استمرت في التأثير على مفكرين في العصور الوسطى؛ لكنها بقيت مسعى 
أقلية» وأصبح معظم المسلمين لا يثقون بالمشروع كله؛ فالإسلام مثل المسيحية واليهودية قد 
نشأ من تجربة سامية لكنه اصطدم بالعقلانية اليونانية فى مراكز الهيلينية فى الشرق الأوسط. 
وكان مسلمون أخرون يحاولون هلننة الله الإسلامي بشكل أكثر 0100 وأدجارا عصرا 
فلسفياً جديداً إلى الأديان الوحدائية الفلاث. وسوف تتوصل هذه الأديان إلى استنتاجات 
هامة عدا لكديا مقتلفة خول فاغلية الفلمتفة ولافها سير :الله 


١/5 


الفصل السادس 
إله الفلاسفة 


خلال القرن التاسع احتك العرب بالعلم والفلسفة الإغريقيين» وكانت النتيجة 
تفتحا ثقافياً بالإمكان رؤيته كانتقال بين النهضة والتنوير. فقد جعل فريق من المترجمين ‏ 
الذين أغلبهم من المسيحيين النسطوريين ‏ النصوص الإغريقية متوفرة بالعربية» فأدوا عملاً 
زائعا بلكب وكات الحرف السلمون انداك للرجوة» العلل و الكييياء والظيه :وال ناضفياتة 
بنجاح كبير لدرجة أن معظم الاكتشافات العلمية خلال القرنين التاسع والعاشر قد تحققت 
في الامبراطورية العباسية؛ وكانت أكبر مما تحقق في أية فترة سابقة من التاريخ. ظهر نمط 
جديد للمسلم الذي كان منسجماً مع المثل الأعلى الذي أسماه الفلسفة. وعادة ما تترجم 
هذه الكلمة إرامه761105 لكنها ذات معنى أوسع وأكثر غنى: كانت مثل الفلسفة 
الفرنسية في القرن الثامن عشرء أراد الفلاسفة أن يعيشوا عقلانياً بما يتوافق مع القوانين التي 
اعتقدوا أنها تسير الكون» وأن بالإمكان رؤيتها في مستوى من الوجود. ركزوا في البداية - 
على علم الطبيعة؛ وبعدئذ كان لا مفر من تحولهم إلى الميتافيزيقا الإغريقية» فصمموا على 
تطبيق مبادئها على الإسلام. كانوا يعتقدون أن إله الفلاسفة الإغريق هو نظير الله. وقد 
شعر المسيحيون اليونانيون بصلة مع الهيلينية لكنهم قرروا أن إله اليونانيين يجب تعديله بإله 
الكتاب المقدس الأكثر تناقضاً. وفي النهاية - كما سنرى ‏ أداروا ظهورهم إلى تراثهم 
الفلسفي لاعتقادهم أن العقل والمنطق ليس لديهما سوى الشيء اليسير كي يساهما في 
07" بينما توصل الفلاسفة إلى نتيجة عكسية: فقد اعتقدوا أن العقلانية كانت تمثل 
الشكل الأكثر تطوراً للدين» فطوروا فكرة عن الله أعلى من فكرة الله المتجلي في الكتاب 
المقدس. 


1١و‎ 


في يومنا هذا نرى عادة العلم والفاشقة فصمين للديدة لك الفلاسفة كانوا رالا 
أتقياء» وكانوا يرون أنفسهم أبناء مخلصين للنبي. كمسلمين فاضلين كانو وأقون سياشياً: 
كانوا يكرهون م البلاط؛ ويريدون إصلاح مجتمعهم بما يتوافق مع أوامر العقل. كانت 
مغامرتهم هامة لأن دراساتهم الفلسفية والعلمية كان يسيطر عليها الفكر الإغريقي . كانت 
الحاجة ملحة من أجل إيجاد رابطة تربط إيمانهم بهذه النظرة الموضوعية, الأكثر عقلانية. 
ليس من الصواب إحالة الله إلى مجال فكري منفصل»؛ ورؤية الدين منعزلاً عن الاهتمامات 
البشرية الأخرى. لم يكن في نية الفلاسفة إلغاء الدين لكنهم أرادوا تنقيته مما اعتبروه عناصر 
بدائية ومحدودة. لم يكن يساورهم شك بأن الله موجود ‏ في الحقيقة كانوا يعتبرون 
وجوده يفصح عن نفسه؛ لكنهم شعروا أن إثبات ذلك منطقياً كان أمراً هاما لتبيان أن الله 
كان منسجماً مع مثلهم الأعلى العقلاني. 

كان هناك مشكلات على أية حال. فقد رأينا أن إله الفلاسفة الإغريق كان شديد 
الاختلاف عن إله التجلى : فالإله الأعلى عند أرسطو وأفلوطين كان أزلياً وعديم 
التأثر علاطتوووممم1 ولا يهتم الأحرات الدنيوية» ولم يكشف عن نفسه في التاريخ ‏ ولم 
يخلق العالم» ولن يقيمه في نهاية الزمن. في الحقيقة إن تاريخ التجلي الرئيسي للأديان 
الوحدانية ‏ قد استبعده أرسطو لأنه أدنى من الفلسفة. لم يكن له بداية أو وسط أو نهاية 
لأن الكون فاض وإلى الأبد من الله. لقد أراد الفلاسفة الذهاب إلى ما خلف التاريخ كي 
يروا عالم الإله المثالي الذي لا يعتريه التغير فكان التاريخ بالنسبة لهم مجرد وهم. فعلى 
الرغم من تأكيد الفلسفة على العقلنة إلا أنها كانت تتطلب ديناً خاصاً بها وكان الأمر 
يتطلب شجاعة فائقة كي تعتقد الفلسفة أن الكون حيث بدا العماء والألم أكثر وضوحاً 
من النظام +0206 الهادف كان فعلاً ميحكوماً بمبدا العقل. كان على الفلامقة أيضا أن 
كما خياب بمعنى لا نهائي وسط أحداث كثيراً ما كانت كارثية وخرقاء كانت نتجري 
في العالم من حولهم. كان في الفلسفة نبل لأنها بحث عن الموضوعية وعن رؤية غير 
محددة بزمن. كانوا يريدون دينا كونيا غير محدد بإحدى مظاهر الله» وجذوره ليست 
رهينة مكان وزمان محددين. اعتقدوا أن من واجبهم أن يترجموا وحي القرآن إلى 
المصطلح الأكثر تطوراً عبر العصورء مصطلح وضعته أنبل العقول في جميع الثقافات. لقد 
اعتقد الفلاسفة أن الله كان هو العقل ذاته 0 من أ يروه 1 افيا 

إيمان كهذا بعالم عقلاني كلياً يبدو بسيطأ وساذجاً بالنسبة لنا اليوم» لأن اكتشافاتنا 
العلمية قد كشفت منذ أمد بعيد عدم كفاءة براهين أرسظو لإثبات وجود الله. بينما كان 


١/4 


هذا المنظور أمراً مستحيلاً لأي امرىء من القرنين التاسع والعاشر. بين أن تحرية الفالاشتقة لها 
علاقة بمأزقنا الديني الراهن. فقد ورطت الثورة العلمية في الفترة العباسية المشاركين فيها 
بأكثر من اكتساب معرفة جديدة كما هي الحال فى يووا هذاء تطلبت الاكتشافات 
العلمية تنمية عقلية مختلفة حولت الطريقة التي كان ينظر فيها الفلاسفة إلى العالم. فالعلم 
يتطلب إيماناً عميقاً بأن هناك تفسيراً عقلانياً لكل شيء؛ ويتطلب كذلك مخيلة وشجاعة 
ليستا ممائلتين للإبداعية الدينية. فالعالم - شأنه شأن النبي أو المتصوف ‏ يجبر نفسه أيضاً 
على مواجهة الظلام ومملكة الحقيقة غير المخلوقة التي لا يمكن التنبؤ بها. كان لا مفر من هذا 
لتأثير على مفهوم الفلاسفة عن الله فجعلهم ينقحون» وحتى يهجرون معتقدات 
معاصريهم القديمة. وبالطريقة ذاتها فإن الرؤية العلمية لعصرنا قد جعلت إنكار شخصية 
لإله أمرأ مستحيلاً بالنسبة لكثير من الناس. إن التعلق باللاهوت القديم ليس فقط انهياراً 
عصبياً بل قد يتضمن إحساساً مضراً بفقدان التكامل. حاول الفلاسفة مزاوجة رؤاهم 
لجديدة بالتيار الرئيسي في الدين الإسلامي. أتوا ومعهم أفكار ثورية ألهمها الإغريق حول 
لله. مع ذلك فإن الفشل الاخير لتقواهم العقلاني لديه شيء ليخبرنا به حول طبيعة الحقيقة 
لديية, 


كان الفلاسفة يسعون إلى ما هو أكثر من بعث كامل للفلسفة اليونانية والدين أكثر 
نما فعل الموحدون السابقون. فقد حاول المعتزلة والأشاعرة بناء جسر بين الوحي والعقل 
الطبيعي» لكن بالنسبة لهم إله الوحي أصبح هو الأول. لقد أسس علم الكلام النظرة 
الوحدانية التراثية للتاريخ على أنه نجل وقد حادلات بأن الحداناً محددة ملموسة كانت 
غانيية الأنها قذمك البتين الرحية المموفن نينا وكات الأشاغرة يشكون بوسود قوانين عانية 
ومبادىء غير محددة بزمن. مع أن هذه الذرية دموندوه:ة كان لها قيمة إبداعية ودينية إلا 
أنها كانت غريبة بشكل سافر عن الروح العلمية؛ ولم تستطع إرضاء الفلاسفة الذين 
أسقطت فلسفتهم التاريخ ‏ الللموس الخاص ‏ لكنها نمت تقديراً للقوانين العامة التي رفضها 
الاشاعرة. كان ينبغي اكتشاف إلههم عبر جدل منطقي وليس عبر إيحاءات خاصة في 
لحظات زمنية متنوعة لأفراد. هذا البحث عن الحقيقة الموضوعية المعممة كان سمة مميزة 
لدراساتهم العلمية وحددت شروطا للطريقة التي خبروا فيها الوجود النهائي. فالله الذي لم 
يكن هو ذاته بالنسبة لكل فرد ‏ يعطي أو يأخذ تلويناً ثقافيً لا بد منه - لم يستطع أن يقدم 
حلاً مرضياً للسؤال الديني الأساسي التالي: «ما هو المعنى النهائي للحياة؟». لا تستطيع 
السعي إلى حلول علمية لها استخدام كوني في امبر وأن تصلي إلى الله الذي كان يعتبره 
المسلمون المؤمئنون الهاجس الوحيد بالنسبة لهم. مع ذلك فقد كشفت دراسة القرآن أن 





78و 


محمداً نفسه كان لديه رؤية كونية» وأكدت على أن جميع الأديان ذات التوجيه الصحيح 
قد أتت من الله. لم يشعر الفلاسفة أن هناك حاجة كي يتخلوا عن القرآن. بدلاً عن ذلك 
حاولوا إيضاح العلاقة بين الاثنين: كلاهما كانا سبيلين صالحين إلى الله» ومناسبين 
لاحتياجات الأفراد. لم يروا تناقضاً أساسياً بين الوحي والعلم» بين العقلانية والإيمان. لذلك 
طوروا ما يسمى بالفلسفة النبوية؛ أرادوا أن يجدوا جوهر الحقيقة الموجودة في قلب جميع 
الأديان التاريخية التي كانت تسعى إلى تحديد حقيقة الله ذاته منذ فجر التاريخ. 


لقد استمد الفلاسفة إلهاماً من العلم والميتافيزيقا الإغريقيون» لكنهم لم يتواكلوا على 
الهيلينية كعبيد لها. فالإغريق - في مستعمراتهم في الشرق الاوسط - كانوا يميلون 
لاتباع منهج معياري 5:2003:0 وعلى الرغم من وجود توكيدات مختلفة في الفلسفة 
الهيلينية كان يتوقع من كل دارس أن يقرأ مجموعة من النصوص بترتيب خاص. أفضى 
هذا إلى درجة من الوحدة والترابط. بيد أن الفلاسفة لم يتقيدوا بهذا المنهج بل قرؤوا 
النصوص حسب توفرها. 

وكان لابد من أن يُحدث هذا رؤى جديدة. فبالإضافة إلى رؤاهم العربية 
والإسلامية فقد تأثْر فكرهم بفكر فارسي وهندي وغنوصي. 


كان يعقوب بن اسحاق الكندي (ك4 )87١‏ أول مسلم طبق الطريقة العقلانية على 
القرآن» وكان على علاقة وثيقة بالمعتزلة» ولم يتفق مع أرسطو في عدة قضايا هامة. تعلم في 
البصرة لكنه استقر فى بغداد حيث حظى برعاية الخليفة المأمرن. كان نتاجه وتأثيره هائلين: 
ممع فاته الرياصياتة والعلوم والفلشفةه ليك أن اففيانة ارقدين كان عتضيا على 
الدين. فبخلفيته المعتزلية لم يكن بوسعه أن يرى إلا أن الفلنيقة هن هق رصقم الوح : 
فمعرفة الأنبياء الموحاة لهم قد تجاوزت دائماً رؤى الفلاسفة البشرء ولن يشاركه رأيه هذا 
معظم الفلاسفة اللاحقين. كان الكندي متلهفاً أيضاً إلى البحث عن الحقيقة في تراثات 
دينية أخرى. فالحقيقة كانت واحدة» وكان واجب الفيلسوف البحث عنها في أي زي 
لغوي أو ثقافي تزيت عبر كل العصور. 


يجب ألا نخجل من الاعتراف بالحقيقة» ويجب أن نتمثلها من أي 
مصدر جاءت» حتى ولو وصلتنا من أجيال سابقة ومن شعوب أجنبية. 
فبالنسبة لمن يسعى إلى الحقيقة لا قيمة أعلى من الحقيقة ذاتها. إنها لا 
ترخصه أو تحط من قدره ومن يجدها فإنها تسمو به وتكرمه("©. 


فالكندي هنا منسجم مع القرآن في نسق واحد.لكنه مضى إلى أبعد من 


يل 


ذلك لأنه لم يقصر نفسه على | الأنبياء بل التفت إلى الفلاسفة الإغريق. 
فاستخدم مناظرات أرسطو حول وجود احرك الأول. دافع عن أنه في 
عالم عقلاني لكل شيء علة. 0 
الكرة ة بالتدحرج. كان المبدا الأول هو الوجود 86128 نفسه: كامل, لا 
يمكن فناؤه» ولا يتغير. لكن الكندي بعد أن توصل إلى هذه النتيجة 
افترق عن أرسطو والتزم بالمعتقد القرآني في قصة الخلق من 
عدم وانطتصرظ. يعرف العقل على أنه خلق شيء من لا شيء. وهذا 
اداه عم إن الوجود الوحيد الذي باستطاعته الفعل بحق في هذا 
المعنى» وهو العلة الحقيقية لكل فعالية نراها في العالم من حولنا. 


بيد أن الفلاسفة توصلوا إلى رفض الخلق من عدم: وبالتامي لا يمكن وصف الكندي 
على أنه حقاً فيلسوف. مع ذلك كان رائداً في امحاولة الأدشيد كي يجعل الحقيقة الدينية 
منسجمة مع الميتافيزيقا المنهجية. كان خلفاؤه أكثر تحررية منه. أبو بكر محمد بن زكريا 
الرازي (50م) الذي وصف أنه اللاملتزم الأكبر في التاريخ الإسلامي رفض ميتافيزيقا 
أرسطو ‏ وعلى شاكلة الغنوصيين ‏ رأى الخلق من عمل صانع الكون موعدانصة©: فالمادة 
لايمكن أن تبدأ من إله روحى بالكامل. ورفض كذلك الحل الأرسطىء الحرك الأول؛ 
وكذلك المعتقدات القرانية اي والنبوة. فالعقل والفلسفة قط ف اللذان بوسعهما 
إنقاذنا. لم يكن الرازي مرعدا فى خقبية الأمرى ولد اشوا كان أول مفك عكر ركف 
مفهوم الله الذي لا سبيل لوصفه من منطلق علمي. لقد كان طبيبا ماهرا ورجلا كريما 
لطيفاً عمل لسنوات رئيساً لمشفى بلدته الري 096و2 في إيران. فمعظم الفلاسفة لم يدفعوا 
بعقلانيتهم إلى هذا الحد. ففي نقاش مع مسلم أكثر تقليدية قال: ما من فيلسوف حق 
بإمكانه الاعتماد على التراث الراسخ بل عليه أن يفكر بالأشياء بنفسه, لأن العقل وحده 
هو الذي يوصلنا إلى الحقيقة. الاتكال على معتقدات موحاة كان غير مُجْدٍ لان الاديان لا 
تتفق. كيف يستطيع أي امرىء أن يعرف من كان مصيباً؟ لكن خصمه ‏ الذي سمي 
بشكل مربك الرازي 221 -2041 طرح نقطة هامة. وماذا عن عامة الناس؟ فمعظم 
هؤلاء غير قادر على فهم الفكر الفلسفي: هل ضاعوا بذلك» أو مقدر عليهم الخطأ 
والتشوش؟ أحد الأسباب التي جعلت الفلاسفة أقلية في الإسلام هو النخبوية الفلسفية. 
كاقت الفلسلقة تمجه بالضرورة إلن الذين لديهع مقداراً معيناً من ر 601 (حاصل الذكام 
وبالتالي كانت ضد الروح الجماعية التي بدأت تقسم المجدمع المسلم. 


١8١ 


تناول الفيلسوف أبو نصر الفارابى (0 - )98٠0‏ مشكلة الجماهير غير المتعلمة» غير 
القادرة على فهم العقلانية الفلسفية. بالإمكان اعتباره المؤسس الحقيقي للفلسفة» وقد بين 
الكونية الجذاية لهذا امثال الأعلى للمسلم. كان الفارابي ما نسميه برجل النهضة؛ فلم يكن 
طلنياً فقط بل كان مسقا وتتضسرقا: في كتابه «آراء أل المدينة الفاضلة) أوضح كذلك 
الاهتمام الاجتماعي والسياسي الذي كان مركزياً في روحانية المسلم. دافع أفلاطون في 
كتابه والجمهررية» أن بتعا فاقلا بحن أن قوده فلسوكت. وفنا ادع عفلؤنية, كان 
قادراً على إيضاحها للناس العاديين. دافع الفارابي أن النبي محمد كان هو الحاكم الذي 
تصوره أفلاطون. فقد عبر عن الحقائق الأزلية في شكل إبداعي فهمه الناس» ولذلك كان 
الإسلام مناسباً مثالياً لخلق مجتمع أفلاطون امثالي. وكانت الشيعة الشكل الإسلامي 
الأكثر ملاءمة لتحقيق هذا المشروع» بسبب اعتقادها بالإمام الحكيم. مع أنه كان صوفياً 
مارساً فقد رأى الفارابي الوحي عملية طبيعية تماماً. إن إله الفلاسفة الإغريق الذي كان 
بعيداً عن الاهتمام بالفطنايا التي تهم البشرء لم يكن له أن يتكلم إلى كائنات بشرية» أو 
يتدخل في أحداث دنيوية كما جاء في الاعتقاد الترائي. إلا أن ذلك م يكن يعني أن الله 
بعيد عن اهتمام الفارابي الرئيسي. كان الله مركزياً في فلسفته. وبدأ كتابه بنقاش الله. 
كان هذا إله أرسطو وافلوظيهة كان هو اول جميع الكائنات. فالمسيحي اليوناني الذئ نا 
على فلسفة دنيس الاريوباغيتي 876082816 126005 الصوفية يعترض على نظرية جعلت 
الله وجوداً آخر على الرغم من طبيعته العليا 6110م1ا5. لك. ن الفارابي بقي قريباً عدا ين 
أرقطو لم يكن يعتقد أن الله قرر فجأة أن يخلق العالم. لأن ذلك كان يعني أن الله 
السكون )5 الأزلي في تغير غير مناسب. 


رأى الفارابي ‏ مثلما رأى الإغريق ‏ سلسلة الوجود صادرة وإلى الأبد من الواحد في 
عشر فيوضات متعاقبة يشكل كل منها عوالم بطليموس: السماء الخارجية» عالم النجوم 
الثايتة) عوالم زحلء المشتري» المريخ» الشمسء الزهرة» عطارد» والقمر. عندما نصل عالنا 
تحت القمري نصبح مد ركين لتراتب وَجودٍ يدور في الاتجاه المعا كس مبتدئاً بالمادة التي 
لعاف نينا مار بالنباتات والحيوانات وتنتهي بالبشرية على القمة. 


الروح والفكر يشتركان مع العقل الإلهي» بينما يأني جسده من الأرض. فجن ,طرق 
عملية التطهير التي وصفها أفلاطون وأفلوطين يستطيع البشر أن يتخلصوا من قيودهم 
الارشية ويعودوا إلى اللهى موطنهم الطبيعي. 


اليل 


هناك اختلافات واضحة عن الرؤية القرآنية للوجود. لكن الفارابي رأف أن الفلسلقة 
هي السبيل الأفضل لفهم الحقائق التي عبن غنها الأنبياك باسلوت مجازي شعري كي 
يفهمها الناس. لم تكن الفلسفة لكل امرىء. ومع حلول منتصف القرن العاشر بدأ عامل 
سري يدخل الإسلام» وكانت الفلسفة إحدى جوانبه. الصوفية والشيعية فسرتا أيضاً 
الإسلام بشكل مختلف عن العلماء ‏ أي المتدينين المختصين فقط بالشريعة المقدسة والقرآن. 
لذلك أبقوا معتقداتهم سرية لا لأنهم أرادوا استبعاد عامة الناس بل لان الفلاسفة 
والمتصوفين والمتشيعيين كانوا يفهمون جميعاً أن تفسيراتهم المبتكرة والمغامرّة للإإبلام قد 
يساء فهمها بكل سهولة. فالتفسير الحرفي أو التبسيطي معتقدات الفلسفة ولأساطير 
الصوفية أو إمامية الشيعة قد تربك الناس الذين ليس لديهم المقدرة أو التدريب أو الطبع 
للتعامل مع مقاربة تخيلية أو عقلانية أو رمزية للحقيقة النهائية. في هذه المذاهب السرية 
امرك الس بام ار مح و د 
التمييز بين الدوغما 2 0 ري 0 يطور الغرب تراثاً سرياً بل التزم 
عم اسورد ان ل ل اي ا 
والقضاء على غير الملتزمين. وفي الإسلام مات المفكرون السريون عادة في فرشهم. 


الاعتقاد الفارابى بالفيض أصبح 000 عو لدى الفلاسفة. أما المتصوفون ‏ كما 
مر 1ك عادر ارو عن الفيض أكثر انسجاماً من معتقد الخلق من عدم. فبعيداً عن 
اعتبار الفلسفة والعقل كمعاديين للدين» غالبا ما وجد المتصوفون المسلمون وأنصار القبالة 
اليهودية أن في رؤى الفلاسفة إلهاما لصيغتهم الدينية الأكثر تخيلية» وكان هذا واضحا في 
الشيعة على وجه الخصوصء فعلى الرغم من أنهم بقوا أقلية إسلامية إلا أن القرن العاشر 
قرف رأنه القزن العتيى » لأن الشيعة كدت من احتلال متاصس يادي بارقة في أريعاء 
الامبراطورية. : 

المغامرة الشيعية التي كُلْلَتْ بالنجاح كانت تأسيس خلافة شيعية في تونس عام 
48 معارضة للخلافة السنية في بغداد» فكانت هذه إنجازاً للطائفة الإسماعيلية التي 
تعرف بالفاطميين أو السباعيين تمييزاً لهم عن الشيعة الاثني عشريين الذين قبلوا سلطة اثني 
عشر إماماً. انشق الإسماعيليون عن الاثني عشرية بعد موت جعفر الصادق الإمام السادس 


1١م‎ 


فى عام 75 . كان جعفر قد عين ابنه اسماعيل خليفة له. لكن عندما توفي شاباً قبل 
الاثني عشريون بسلطة أخيه موسى. 
أما الاسماعيليون فبقوا موالين لاسماعيل. واعتقدوا أن الذرية انتهت به. أصبحت 
خلافتهم في شمال أفريقيا قوية جداً. وفي عام +337 نقلوا عاصمتهم إلى القاهرة حيث 
بنوا مسجد الأزهر الكبير. 
على أية حال لم يكن تبجيل الأئمة مجرد حماسة سياسية. فقد رأينا أن الشيعة 

اعتقدوا أن أئمتهم كانوا يجسدوك حضور الله على الأرض بطريقة غامضة. وقد الشووا 
تقية سرية خاصة بهم كانت تعتمد على قراءة رمزية للقرآن وكانوا يعتقدون أن محمداً قد 
أودع معرفة سرية في ابن عمه وصهره علي بن أبي طالب, وأن هذا العلم يتم تناقله عبر 
سلالة من أئمة معينين؛ زمري نم ا 00 ا 
ل لا ع لاسا ال 
فل اع هع الخبر العادييق: فالنساطرة تبنوا نظرة ممائلة لهذه النظرة بيسوع. لقد رأى الشيعة 
ما رآه النساطرة في يسوع - أُمتهم «معابد»» أو «كنوز) المقدس» 'تفيض منهم المعرفة 
الإلهية العرفانية. فهذا العلم لم يكن مجرد معلومات سرية بل وسيلة تحوّل وزيمان داخلي. 
فتحت توجيه الداعي «المرشد الروحي» كان يتم انتشال المزيد من الكسل وفقدان 
التفسير السري للقرآن. هذه التجربة الاساسية كانت عملية صحوة وهذا ما نراه فى قصيدة 
ناصر خسرو - 1611155830 [21251112 الفيلسوف الاسماعيلى فى القرن العاشر. تصف هذه 
القصيدة ويا الإمام التى غيرت حياته: 

هل سمعت يوماً عن البحر الذي ينساب من نار؟ 

هل رأيت تعلبا وقد أصبح لينا؟ 

الطبيعة ان تحوله ‏ إلى جوهرة 

أنا ذلك الحجر الكريم» فشمسى هو 

الذي بسناه امتلاً هذا العالم المظلم ضياء 

غيرتي عليه تمنعني من ذكر اسم | الإمام في هذه القصيدة 

لكنني أستطيع القول إن أفلاطون بالنسبة له سيغدو عبداً 


185 


صورة الحكمة, ينبوع المعرفة والصدق 
يا وجه العلم» وشكل الفضيلة 

قلب الحكمة, وغاية البشر 

يا عزة الكبرياء, أقف أمامك شاحباً 
وعارياً. مرتدياً مئزرا صوفياً 

وقبلت يدك وكانها كانت قبر 

النبي أو الحجر الأسود في الكعبة””© 


فكما جَسَدَ المسيح على قمة جبل 12005 البشرية المؤلهة بالنسبة للمسيحيين 
الأرثوذكس اليونانيين» ومثلما جَسَدَ بوذا تلك الاستنارة الممكنة لجميع البشر» كذلك 
تحولت طبيعة الإمام البشرية بانفتاحها الكلى على الله. 


خشي الاسماعيليون من تركيز الفلاسفة على العوامل العقلانية والخارجية للدين» 
ومن إهمالهم لجوهره الروحي؛ ولذلك فقد عارضوا الفكر الحر الرازي» وفي الوقت نفسه 
طوروا فلسفتهم الخاصة بهم وعلمهم اللذين لم يعتبروهما غايتين بحد ذاتهما بل كنوع من 
تدريب روحي لتمكينهم من فهم المعنى الداخلى «الباطن) للقرآن. قَتَأمْل التجريدات العلمية 
والرياضية نَقَى عقولهم من المجاز الحسي وحررهم من عيوب وعيهم اليومي. فبدلا من 
استخدام العلم للحصول على فهم حرفي ودقيق للوجود الخارجي ‏ كما نفعل نحن - فقد 
استخدمه الإسماعيليون لتطوير مخيلاتهم. لقد التفتوا إلى الأساطير الزرادشتية في إيران 
نتذكر أن فى مجتمعات أكثر تقليدية كان الناس يعتقدون أن خبرتهم هنا كررت أحداثاً 
وقعت في العالم السماوي: معتقد أفلاطون بالمثل أو الأنماط البدئية الأبدية قد عبر عن هذا 
الاعتقاد المتكرر في مصطلح فلسفي. ففي إيران ما قبل الإسلام - على سبيل المثال - كان 
للوجود وجه مزدوج: فهناك شتماء مرئية وسماء سماوية لا يمكننا رؤيتها بفهمنا العادي. 
وكان هذا ينطبق على حقائق مجردة وروحية. فكل صلاة نؤديها أو عمل خير نقوم به هنا 
والآن في السماء المرئية كانت تضاعف في العالم السماوي الذي كان يعطيها وجودا حقا 

كان الناس يشعرودت أن هذه الأماط السماوية صحيحة بالطريقة نفسها التي كانوا 
يشعرون بها حيال الأحداث وامثل التي تسكن مخيلاتنا فتبدو أغلب الأحيان حقيقية 
وذات معنى لنا أكثر من وجودنا الدنيوي. قد يرى هذا الأمر على أنه محاولة لتفسير قناعتنا 


١ هم‎ 


بأن حيواتنا والعالم الذي نعرفه لهما معنى وأهمية على الرغم من كمية الأدلة المثبطة 
للنقيض من ذلك. ففي القرن العاشر أحيا الاسماعيليون هذه الميثولوجيا التي تركها 
السلمؤنة ‏ الفرمن عندنا افا الاسلام» والتي كانت ماتزال جزءاً من ميرائهم الثقافي» 
وصاغوها بمخيلة مبدعة بمعتقد الفيض الأفلاطوني. لقد تصور الفارابي عشر فيوضات بين 
الله والعالم المادي الذي كان يوجه العوالم البطليموسية. بعدئذ جعل الاسماعيليون النبي 
والأئمة «الأرواح؛ هذا المخطط السماوي. 


كان محمد في العالم النبوي الأعلى في السماء الأولى» وفي السماء الثانية علي» 
وكان كل إمام من الأئمة السبعة يستقر في العالم الذي يليه بالترتيب. أما فاطمة فكانت 
في العالم الأقرب إلى العالم المادي» ألا وهي التي جعلت هذه الذرية أمرأً ممكناً. ولذلك 
هي أم الإسلام وكانت تقابل صوفيا هننامه5 إلهة الحكمة. هذه الصورة المؤلهة للأئمة 
تعكس التفسير الاسماعيلي للمعنى الحقيقي للتاريخ الشيعي. هذا التاريخ لم يكن 
مكرة “عافن داك :دكووية خا رتحية: كان كير فده مأشاويا: «فتواكه عد لاه البكتر 
اللامعين هنا على الأرض كانت تقابل أحداثاً في العالم السماوي أي في الترتيب 
النمطي عله برع ع0 . 

ينبغي ألا نتسرع ونسخر من هذا على أنه وهم. ففي أيامنا هذه نفخر بأنفسنا 
لاهتمامنا بالدقة الموضوعية» لكن الباطنيين الاسماعيليين الذين سعوا وراء البعد الباطنى 
الدين كاتواعيعين ردك كاب ذا لقد استكويا الرموية نتن الشدرلو أو الرساين 
التي لها علاقة طفيفة بالمنطق» شعروا أنها كانت تكشف حقيقة أعمق ما تدر كه الحواس؛ 
أو يعبر عنه بمفاهيم عقلانية. وبالتالي طوروا طريقة لقراءة القرآن أسموها التأويل. 
شعروا أن هذه الطريقة سترجعهم إلى النمط الأصلي للقرآن الذي نطق به في العالم 
السماوي في الوقت الذي كان فيه محمد يرتله في العالم الأرضي. لقد قارن 
هنئري كوربان قطه0 9م116 المؤرخ للتشيع الإيراني 0 التأويل مع مبدأ الانسجام 

في الموسيقى فبدا لامر وكأن الاسماعيلي كان يسمع «صوتاً» - آية قرآنية أو حديئاً على 
عدة مستويات في الوقت ذاته» كان يحاول تدريب نفسه على سماع نظير هذا الصوت 
في السماء بالإضافة إلى سماع الكلمات العربية. إلا أن المحاولة أسكتت مقدرته النقدية 
الصاخبة وجعلته مدركاً للصمت الذي يحيط بكل كلمة تماماً. بالطريقة نفسها التي 
يستمع فيها هندوسي إلى الصمت المحيط الذي لا يوصف عند لفظ المقطع المقدس 01084. 
فبينما كان يستمع إلى الصمت أصبح مد ركاً للهوة الموجودة بين كلماتنا ومثل الله 


كما 


والحقيقة الكاملة"». لقد كان تدريياً ساعد المسلمين على فهم الله لأنه جدير أن يفهم 
كما شرح المفكر الإسماعيلي البارز أبو يعقوب السجستاني (4 - .)910١‏ 

تحدث المسلمون عن الله مجسداً في أغلب الأحيان جاعلين إياه أكبر من الإنسان 
الحني ء بينما فرغه آخرون من كل معنى ديني » وخفضوه إلى مُجوّد مفهوم. دل ين ذلك 
فقد دافع عن استخدام النفي المزدوج. يجب أن نبدأ الحديث عن الله بكلمات النفي بالقول 
مثا إنه (لا وجود) )بدلا من «وجود)» «غير جاهل) 00 (حكيم) ) وهلم جرا. لكن 
يجب أن ننفي على الفور النفي امجرد أو الذي لا حياة فيه كأن نقول إن الله ليس لا 
جاهلاً ةمع - امم أمم أو هو ليس لاشيء 8 - 20 206 بنفس الطريقة التي 
نستخدم فيها الكلمة عادة. فعن طريق الاستخدام المتكرر لهذا التدريب اللغوي فإن الباطني 
سيغدو مدركاً لعجز اللغة عن التعبير عن سر الله. 


وصف أحمد حميد الدين الكرماني (١7١٠م) ‏ مفكر اسماعيلي متأخر ‏ السلام 
والرضا الكبيرين اللذين كان يحدثهما هذا التدريب فى كتابه (رهف العقل) كان تدرياً 
عدا جتان يعلة" ذ كةو الكة كان يدير كل مي دن قاض “اطاة الابواعيلة 
بإحساس ذي معنى. تحدث الكتاب الاسماعيليون عن الباطن بكلمات الاستنارة والتحول. 
فلم يكن المراد من التأويل تقديم معرفة عن الله بل خلق إحساس تعجب ينير الباطني في 
مستوى أعمق من المستوى العقلي. كذلك لم يكن التأويل هروباً لآن الاسماعيليين كانوا 
نشطاء سياسيا. 

فى الحقيقة عءف جعفر الصادق - الإمام السادس - الدين أنه العمل. كان على 
المؤمن أن يثبت إيمانه في العالم الدنيوي كما دعا إلى ذلك النبي والأئمة. شارك إخوان 
الصفا الاسماعيليين بهذه المثل. وهؤلاء جمعية سرية ظهرت في البصرة خلال القرن 
الشيعي؛ ويحتمل أنهم فرع من الاسماعيلية. لقد كرسوا أنفسهم - مثلما فعل 
الاسماعيليون ‏ إلى تحصيل العلم خاصة في ميادين الرياضيات والتنجيم؛ والعمل السياسي. 
سعى إخوان الصفا إلى البحث عن الباطن أي عن معنى الحياة الخفي. فكانت رسائلهم 
موسوعة من العلوم الفلسفية حظيت بشعبية كبيرة ووصلت حتى إسبانيا. لقد دمجوا العلم 
والفلسفة» واعتبروا أن الرياضيات هي مقدمة للفلسفة وعلم النفس. كشفت الأعداد 
الصفات الختلفة المتأصلة في الروح وكانت أسلوباً للتركيز مكن الخبير أن يصبح عارفاً 
بآليات عمل عقله. فكما رأى القديس اوغسطين أن معرفة الذات خطوة لا غنى عنها في 
معرفة الله كذلك أصبح الفهم العميق للذات حجر الأساس في الصوفية الاسماعيلية. 


١ لام‎ 


المتصوفون السنة الذين شعر الاسماعيليون بصلة كبيرة معهم كان لديهم البديهية التالية: 
دق يعرف تشيه يرف الرن اد وقد وردق هذه المقؤلة في الويالة الأول مع رسائن 
إخوان الصفا2"0. فبينما كانوا يتأملون أعداد الروح فقد سيقوا إلى الواحد البدئي» مبداً 
الذات الإنسانية في قلب النفس ولاءبووط. كان الإخوان 1 جدا من الفلاسفة. كانوا 
مثل المسلمين العقلانيين» أكدوا على وحدة الحقيقة التي ينبغي السعي إليها في كل مكان. 
فالساعي إلى الحقيقة يجب ألا ينأى عن أي علم؛ ؛ ولا يسخر من كتاب» ولا يتعلق متعصياً 
5 عقيدة راعذ لد شناغوا فهو أفلاظويا :مدنا لله راوا أنه الوابجد الأفلوطيني 
العصي على الفهم والوصف. كذلك التزموا بالاعتقاد الأفلوطيني بالفيض وكرسوا المعتقد 
القرآني بالخلق من عدم: فالعالم عبر عن العقل الإلهي, وباستطاعة الإنسان المشاركة في 
المقدس وأن يعود إلى الواحد عن طريق تطهير قدراته العقلية. 

وصلت الفلسفة إلى ذروتها بمؤلفات أبي علي ابن سينا (9140 - 107 )٠١‏ الذي 
يعرف في الغرب باسم ابن سينا 22مع1:ة. ولد في أسرة شيعية بالقرب من بخارى في 
آسيا الوسطىء وتأثر بالإسماعيليين الذين كانوا يأتون إلى أبيه ويجادلونه. لقد أصبح الطفل 
المعجزة: فعندما كان فى السادسة عشرة كان مستشارا لأطباء هامين وفي الثامنة عشرة 
كاذ قد اق الرياضيات» والمنطق والفيزياء. عانى من صعوبة مع أرسطوء لكن هذه 
الضعربة زالت عندما قرأ مؤلف القاراني «مقاصد ميتافيزيقا ا لقد عاش طبيياً 
ال فى الامبراطورية الإسلامية متكلاً على نزوات أرباب نعمته. ففى إحدى مراحل 
خيانه أصبح :وزير السلالة 'البؤيهية الشيغية. التي : حكمت: "قينا يعرف الآن غربي إيران 
وجنوبي العراق. لم يكن معلماً متحذلقاً بل مثقفاً : ون الفكز كبا وكاق هرانا أبضا لاه 
كما قيل مات مبكراً في سن 008 لإفراطه في شرب الخمرة والجنس. 

لقد أدرك ابن سينا أن على الفلسفة أن تتكيف مع الظروف المتغيرة داخل 
الامبراطورية الإسلامية. كانت شمس الامبراطورية العباسية آخذة بالأفول وبالتالى لم يعد 
سهلاً رؤية دولة الخلافة على أنها المجتمع الفاسفي المثالي الذي وصفه أفلاطون في 
جمهوريته. ومن الطبيعي أن يتعاطف ابن سينا مع المطامح الشيعية السياسية والروحية. بيد 
أنه كان أكثر انجذاباً إلى فلسفة الأفلاطونية المحدثة التي نجح في إعطائها طابعاً إسلامياً أكثر 
ما فعل أي فيلسوف قبله. فقد اعتقد أنه إذا أرادت الفلسفة أن تفى بادعاءاتها بأنها تقدم 
صورة تامة للوجود فيجب أن تجعل المعتقد الدينى للناس العاديين ذا معنى أكبر ‏ الذي 
كيفما اختار المرء تفسيره - كان حقيقة رئيسية في الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية. 


1١384 


لطي ون« القوح الوص كتيكة أدنى من القلفقة وان اين نينا اسفن أن كسيد 
كان أعلى مخ أي فيلمبوف لأنه لم يكن متمد على :العقل التشري ين كان لديه امعرقة 
مباشرة وحدسية بالله. فكان هذا مماثلاً للتجربة الصوفية عند المتصوفين وقد وصفه أفلوطين 
نفسه على أنه الشكل الأعلى للحكمة. بيد أن هذا لم يكن يعني أن العقل لا يستطيع 
تكوين معنى عن الله. قام ابن سينا بتفسير عقلاني لوجود الله مبني على براهين أرسطو 
التي غدت نماذج لدى فلاسفة العصور القروسطية لاحقاً في اليهودية دقام فلم يكن 
لذيه أذن قلف وكذلك الفلامقة ح يأذ الله كان مرجردا. ولم يَشُكوا أبداً في أن العقل 
البشري المجرد باستطاعته الوصول إلى معرفة بوجودٍ (وجود أعلى) ملاعم نا5. 
فالعقل كان أكبر قدرة مكرمة فقد صدر عن العقل الإلهي وبالتالي كان له دور هام في 
المعرفة الدينية. رأى أبن سينا أن والبدا دينياً 51 على من لديهم مقدرة عقلية كي 
يكتشفوا الله بأنفسهم لأن العقل بإمكانه أن يشذب المفهوم عن الله ويحرره من الخرافة 
والتجسيدية. فابن سينا ومن أتى بعده من الذين أعملوا فكرهم لتقديم تفسير عقلاني لوجوذ 
الله. لم يكونوا يجادلون بالمعنى الذي نفهمه نحن من الكلمة. لقد أرادوا استخدام العقل 
لاكتشاف قدر ما يستطيعون حول طبيعة الله. 


يبدأ بوعاده ابن مدا بإيضباج الطريقة التي تعمل بها عقولنا. فحيثما ننظر في العالم 
وق وصودات: مركة ذال جد عبد فى قنامة انعرف #الستدرة قلق سيل القال . 
تتكون من الخشب واللحاء واللب» والنسغ والأوراق. فعندما نحاول فهم شيء فإننا نحلله 
إلى أجزائه المكونة له الى أن لايعود بوسعنا القيام بمزيد من التجزيء. تبدو العناصر البسيطة 
أساسية لنا والموجودات المركبة التى تتشكل منها تبدو ثانوية. إننا باستمرار نبحث عن 
البساطة وعن موجودات هي أنفسها غير قابلة للاختزال. كانت إحدى مسلمات الفلسفة 
بأن الواقع لإ نلوء1 يشكل كلاً منسجماً متطقياء وكان ذلك يعني أن بحثنا الذي لا نهاية 
له عن البساطة يجب أن يعكس أشياء على نطاق واسع. لقد شعر ابن سينا كما شعر 
جميع الأفلوطينيين أن التعددية التي نراها فيما حولنا يجب أن تكون معتمدة على الوحدة 
الأساسية. فبما أن عقولنا تعتبر الأشياء المركبة ثانوية ومشتقة» فلابد أن هذه النزعة قد 
جلف عو كيوها خارجها» أق. عن بعتيقة أغل ‏ ويسيطةة الأشياء. التي تتكائر عن 
مشروطة والكائنات المشروطة هي أدنى من الحقائق 5ع ناهء التي تعتمد عليها كما هي 
الحالة في الأسرة: الأطفال في منزلة أدنى من منزلة الأب الذي أعطاهم وجودهم. شيء ما 
هو البساطة ذاتها ستكون ما يسميه الفلاسفة «وجود ضروري مع 'زجوووعه 71 أي شيء 


لن يعتمد على أي شيء آخر من أجل وجوده. فهل هناك وجود كهذا؟ ففيلسوف مثل ابن 


١08 


سينا اعتقد بديهياً أن الكون كان عقلانياًء وفي كون عقلاني لا بد من وجود «وجود غير 
مُسَكّب 861118 21116311560 محرك لا يُحدَك). في قمة سلسلة الوجود شيء ما لابد أنه قد 
بدأ لسلة سبب ونتيجة. وغياب هذا الوجود الاسمى يعني ان عقولنا لم تكن منسجمة 
مع الحقيقة ككل. وذلك بدوره يعنى ان الكون كان منسجما وعقلانيا. هذا وجود بسيط 
تهاماً يعتمد عليه حقيقة مركب مضاعف وهو ما أسمته الاديان «الله) ولانه تين شي ء 
لابد أنه كامل مطلقاً وجدير بالتمجيد والعبادة. ولأن وجوده كان مختلفاً جداً عن وجود 
أي شيء آخر. لذلك لم يكن له ند في سلسلة الوجود. 


كان الفلاسفة والقرآن متفقين على أن الله هو البساطة ذاتها: كان الواحد. وبالتالي 
لا يمكن تحليله أو تقسيمه إلى جزئيات مكونة أو إلى صفاتء ولآن هذا الوجود البسيط 
بشكل مطلق لذلك ليس له علة ولا صفات» ولا بعد زمني» ولا يوجد شيء يمكننا قوله 
عنه. فالله لا يمكن أن يكون موضوعاً لفكر استطرادي لأن أدمغتنا لا تستطيع التعامل معه 
بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع كل شيء آخر. فالله أساساً فريد لا يمكن مقارنته بأي 
شيء آخر موجود بالمعنى المركب العادي. وبالتالى عندما نتحدث عن الله من الأفضل أن 
نستخدم المنفيات 65 كي نميه عن كل شيء آخر بشكل مطلق نتحدث عنه. لكن 
عا أن الهو عبد الأكيك جميعاً يمكننا أن نسلم بأشياء محددة حوله. ولأننا نعرف أن 
لخي متوحود فإ الله الاءيد أنه اشير بالشيرورة أو “امنا اشرو يو لأا مهرفك أن اللياة 
والقدرة والمعرفة موجودة فلابد أن يكون الله حياً ومقتدراً وذكياً أساساً وبالشكل الكامل. 
قال أرسطو أن الله هو عقّل محضء وفى الوقت ذاته هو فعل الحاكمة «التعليل) بالإضافة 
إلى موضوع وفاعل الفكر ‏ بإمكانه تأمل ذاته وليس لديه معرفة بواقع مركب أدنى منه. 
هذا المفهوم لم يكن متفقاً مع صورة الله في الوحي الذي يقال إنه يعرف جميع الأشياء وإنه 
موجود فعال في ترتيب الخلق. حاول ابن سينا التوصل إلى تسوية بين هاتين الصورتين: 
فالله منزه جداً عن النزول إلى معرفة وضعية كمعرفة كائنات محددة كالبشر وأفعالهم. 
وكما قال أرسطو «هناك أشياء يفضل عدم رؤيتها على رؤيتها»©. فلا يمكن أن يلطخ 
نفسه ببعض دقائق ال حياة التافهة على الأرض. لكن فى فعله الأبدي لمعرفة الذات فإنه يفهم 
كل شي واقاض مةااوكن شه أرجده: إنه فزت أ رهلة"الفرو قات الم كيف رذكره كامل 
جداً لدرجة يصبح التفكير والفعل واحداً ولذلك فإن تأمله الأبدي لذاته يولد عملية الفيض 
التي وصفها الفلاسفة. لكن الله يعرفنا نحن وعالمنا بشكل عام وكوني فقطء إنه لا يتعاطى 
مع التفاصيل. 


1١56 


توك انل ينين اضيا قري كردا الاصيقك التتدريدى الطريحة «اللفاة إراق أنه يريقلة 
بتجربة المؤمنين الدينية» المتصوفين والباطنيين. وبما أنه مهتم بالسيكولوجيا الدينية فقد 
استخدم مخطط الفيض الأفلوطيني كي يفسر تحربة النبوة . فعند كل طور من الأطوار 
العشرة لنزول الوجود من الإواحد)؛ قَدّر ابن سينا أن المدركات امحضة العشرة مع الأرواح 
أو الملائكة التي وضعت كلاً من العوالم البطليموسية في حالة حركة ‏ من مملكة متوسطة 
بين الإنسان والله - والتي تمائل عالم الواقع النمطي البدئي» قدّر أن ذلك هو ما تخيله 
الباطنيون. هذه العقول 5معموعن1اء:م1 تمتلك أيضاً مخيلة» فى الحقيقة» إنها 
الخيلة 2 في حالتها النقية» وعبر هذ العم الوسطي للمخيلة لا عبر 
تعليل استطرادي ‏ يصل الرجال والنساء إلى أكمل فهم لله. وآخر العقول في عالمنا هو 
العقل العاشر وهو روح القدس للوحي والذي يعرف باسم جبريل مصدر النور والمعرفة. 
الروح البشرية مكونة من فكر 10:61 عملي يرتبط بهذا العالم» وفكر تأملي قادر على 
العيش بمحبة وثيقة مع جبريل. وبذلك من الممكن بالنسبة للأنبياء أن يحظوا بمعرفة تخيلية 
حدسية للهء مماثلة للمعرفة التي تتمتع بها العقول وعهمءععزااء10 والتي تتجاوز العقل 
الاستطرادي العملي. 

لقد أظهرت تجربة الطنوفيق: أنه كان ممكناً للناس الحصول على رؤية الله التي كانت 
مسي تسق دون استخدام المنطق والعقلانية. قزل من استخدام القياس استخدموا 
وسائل تخيلية رمزية ومجازية. فالنبي محمد أكمل هذا الاتحاد المباشر بالعالم الإلهي. هذا 
التفسير السيكولوجي للرؤية والوحي سوف يمكن المتصوفين الذين لديهم ميل أكثر للفلسفة 
من مناقشة تجربتهم الدينية كما سنرى في الفصل التالي. 

يبدو أن ابن سينا قد أصبح متصوفاً في نهاية حياته. ففي كتابه «كتاب الإشارات 
والتنبيهات 556586 - 85]ن]1) أصبح منتقدا للمقاربة العقلانية لله التي وجدها مخيبة. 
كان يتحول باتجاه ما أسماه «الحكمة المشرقية) «اءلالإزتعطكة له -ةمطائطاة. وهذه لا 
تشير إلى الموقع الجغرافي في الشرق لكنها تشير إلى مصدر النور. أراد أن يكتب كتاباً سرياً 
تعتمد فيه الطرق على مبدأ الإشراق 19830 بالإضافة إلى الاستدلال المنطقي» ولا نعرف 
فيما إذا كتب هذا الكتاب أم لاء فإذا فعل ذلك فإنه لم يصلنا. لكن كما سنرى في الفصل 
التالى فإن الفيلسوف الإيرانى يحيى السهروردي قد أسس مدرسة الإشراق التي دمجت 
القسقة وال زوعنافة بالطريقة التي تخيليا ابن فنا 

لقد ألهمت قواعد علم الكلام والفلسفة حركة فكرية ممائلة بين يهود الامبراطورية 


53 


الإسلامية. لقد بدؤوا يكتبون فلسفتهخ باللغة العربية مدخلين عنصراً تأملياً وميتافزيقياً إلى 
اليهودية لأول مرة. الفلاسفة اليهود لم يشغلوا أنفسهم بكل مجال العلم الفلسفي لكنهم 
ركزوا على المسائل الدينية بشكل كامل تقريباً. وكانوا بذلك مختلفين عما فعله الفلاسفة 
المسلمون. لقد شعروا أن عليهم أن يردوا على تحدي الإسلام بلغته» وتطلب ذلك خلق 
انسجام بين الله الشخصاني 262500211566 في الكتاب المقدس وبين الله عند الفلاسفة. 
لقد قلقوا - كما قلق المسلمون ‏ من اللوحة التجسيدية للّه في الكتب المقدسة والتلمود 
وسألوا أنفسهم كيف يكن أن يكون مثل إله الفلاسفة. لقد أقلقتهم مشكلة خلق العالم 
والعلاقة بين الوحي والعقل. وكان من الطبيعي أن يتوصلوا إلى استنتاجات مختلفة لكنهم 
كانوا معتمدين كثيراً على المفكرين المسلمين. وهكذا فإن سعدية بن يوسف (887 - 
445 كان أول من قام بأول تفسير فلسفي لليهودية» كان تلمودياً لكنه كان أيضاً معتزلياً. 
لقد اعتقد أن العقل بإمكانه الوصول إلى الله عن طريق قدرات العقل ذاته. فكفيلسوف 
رأى الوصول إلى تصور عقلاني لله هو «ابجانم » أي واجب ديني. لم يكن 
يساوره شك فى وجود الله على شاكلة العقلانيين المسلمين. بدت حقيقة الله 
القالى و امحة عدا ل وكوي قط أن وشوقك :أله تاعة إلى يهان موده إلى المتمانة 
شك دينى أكثر من كونه أمراً إيمانيء وهذا ما تناوله فى كتابه «كتاب معتقدات 


وآراء) 5متصاصه لصه 5أعناء8 . 


لم يكن مطلوباً من اليهودي أن يجهد عقله حتى يقبل حقائق الوحي» كما قال 
سعدية. لكن ذلك لم يكن يعني أن الله في متناول العمل البشري. اعترف سعدية أن فكرة 
الخلق من عدم كانت مليئة بمصاعب فلسفية وأن من المحال شرحها بكلمات عقلانية وأن 
إله الفلسفة غير قادر على اتخاذ قرار مفاجىء» وعلى البادرة بالتغير. كيف كان ممكناً أن 
عالماً مادياً له أصله فى إله روحانى كلياً؟ قد وصلنا هنا إلى حدود العقلء ويجب أن نقبل 
بيساطة أن العالم كان غير ارك كلما اعتقد الأفلاطونيون» بل كان له بداية زمنية. فكان 
هذا التفسير هو التفسير الوحيد الممكن المتفق مع الكتاب المقدس ومع الإدراك السليم. فإذا 
قبلنا هذا التفسير يمكننا أن نستنتج حقائق أخرى حول الله. الترتيب المخلوق مصمم بذكا 
فيه حياة وقدرة: ولذلك فالله الذي خلقه لابد أن لديه حكمة وحياة وقدرة. هذه الصفات 
ليسست أقانيم منفصلة 5هوةهكدمبزط كالاعتقاد المسيحي المقترح بالثالوث بل مجرد هيئات 
الله. فبما أن لغتنا البشرية لا تستطيع أن تعبر بشكل كاف عن حقيقة الله لذلك علينا أن 
نحلله بهذه الطريقة» ويبدو أننا ندمر بساطته المطلقة بذلك. فإن نرد أن نكون دقيقين قدر 
استطاعتنا حول الله يمكننا أن نقول فقط أنه موجود. لم يحوّم سعديه كل وصف إيجابي 


١3 


لله وكذلك لم يضع إله الفلاسفة اللاشخصي ولبعيد فوق إله الانجيل المتجسد 
والشخصي. فعلى سبيل المثال عندما يحاول تفسير المعاناة التي نراها في العالم يلجأ سعدية 
إلى الحلول التي قدمها كتّاب الحكمة والتلمود؛ المعاناة هى عقاب على ذنب» إنها تطهرنا 
وتدزينا كي معنا متواهين. وهذا رضي فيلسوفاً حقا لأنه يجعل الله بشرياً جداً ويسبت 
إليه خخططا ونوايا. لكن سعدية لا يرى إله الكتاب | المقدس المتجلي أدنى من إله الفلسفة. 
فالأنبياء كانوا أعلى أي مسرت في النهاية بإمكان العقل أن يحاول فقط أن يوضح 


مضى بعض اليهود إلى أبعد من ذلك كما فعل سليمان بن غابيرول 01:ئطم) 
)٠١7٠0١-١55(‏ في كتابه «نبع الحياة) انآ 1ه متؤنستده1 لم يستطع قبول اعتقاد 
الخلق من عدم لكنه حاول أن يعدل نظرية الفيض كي يسمح الله بدرجة من العفوية 
والإرادة الحرة. لقد قال أن الله أراد أو رغب عملية الفيض محاولاً بذلك أن يجعلها أقل 
ميكانيكية وليدل على أن الله كان مسيطراً على قوانين الوجود بدلا من كونه 
موضوع 61 زانا5 الديناميكية نفسها ونسيومبرك . لكن غابيرول أخفق في أن يوقي شرح 
كيف أن المادة كانت مستمدة من الله. وكان يهود آخرون أقل إبداعاً. لم يكن باهيا بن 
باقردة طدلبطلة0 صطز وتتطد8 (0 )1١8٠١‏ أفلاطونياً تامأ بل انسحب إلى طرق علم 
الكلام كلما كان ذلك مناسباً له. فقد جادل ‏ مثلما فعل سعدية ‏ أن الله قد تلق العالم 
في سلحظة محددة, فالعالم بالتأكيد لم يظهر إلى الوجود بمحض المصادفة: لأن تلك ستكون 
فكرة سخيفة مثل سخافة تخيل وجود فقرة مكتوبة بشكل تام على صفحة بمجرد سكب 
حبر على الصفحة. فترتيب وهدفية العالم توضح أنهلة ون مم ورد خالق كما أوضح 
الكتاب المقدس. وبعد أن طرح هذا الاعتقاد الفلسفي جداً تحول باهيا من علم الكلام إلى 
الفلسفة ناقلاً برهان ابن سينا بأن وجوداً يدها عنؤويا كان لا بد من وجوده. 

اعتقد باهيا أن الناس الذين عبدوا الله كما ينبغي هم الأنبياء والفلاسفة» فالأنبياء 
كان لديهم ععرفة خدسية مباشرة باللةه :وكات لدى الفيلسوف معرفة عقلانية. به. وكل 
امرىء آخخر كان يعبد مجرد إسقاط لنفسه» أي إلهاأ على صورته. فكانوا بذلك مثل عميان 
بتودهم بشتر اخرون: هذا إذا لم يتمكنوا من إثبات وجود وحدانية الله بأنفسهم. كان باهيا 
نخبوياً مثل أي فيلسوفء وكان لديه ميول صوفية قوية: فالعقل بإمكانه أن يخبرنا أن الله 
قد وجد لكن ليس باستطاعته أن يخبرنا أي شيء عنه. فكتابه «واجبات القلب) كما 
يوحي عنوانه قد استخدم العقل كي يساعدنا على تنمية موقف لائق تجاه الله. فإذا ما 


5 


تعارضت الأفلاطونية المحدثة مع يهوديته كان يتخلى عنها بكل بساطة» وتجربته الدينية مع 
الله كانت لها الأولوية على أية طريقة عقلانية. 


إذا لم يستطع العقل أن يخبرنا أي شيء عن الله فما هي الغاية من النقاش العتلاني 
لمسائل ثيولوجية؟ لقد عذب هذا السؤال المفكر أبو حامد الغزالي »)١١١١  ٠١١48(‏ 
شخصية حاسمة تمثل رمزاً في تاريخ الفلسفة الدينية. ولد في خخراسان» ودرس علم الكلام 
على الجويني اللاهوتي الأشعري البارز» وفي سن الثالثة والثلاثين عين مديراً للمسجد 
النظامي في بغداد» ا رسالته هي الدفاع عن المعتقدات السئية ضد التحدي الشيع 
الاسماعيلي. ولقد جعله طبعه القن فصاو بع اكنينه مثل كلب صغير 4671365 معالجاً 
المشاكل حتى الموت الزؤام ورافضاً أن يقنع بإجابة تقليدية سهلة كما يخبرنا: 
لقد نَقَدتُ في كل لجة مظلمة» وقد شننت حرباً على كل مشكلة» لقد 
غصت في كل هوة. لقد محصت عقيدة كل طائفة. لقد حاولت أن 
أصل إلى أعماق معتقدات كل جماعة. فعلت كل هذا كي أتمكن من 
تمييز الحق عن الباطل» بين التراث الصحيح وهرطقة المبدع0©. 
كان يبحث عن يقينية لا شك فيها كتلك التى شعر بها فيلسوف مثل سعدية لكن 
خحيبته كانت متزايدة. بغض النظلر كم كان فد وكا إلا أن اليقينية المطلقة كانت 
تراوغه. فمعاصروه كانوا ييحثون عن الله في سبل عديدة وفمًا لاحتياجاتهم الشخصية 
والمزاجية: في علم الكلام من خلال إمام» في الفلسفة وفي صوفية التصوف. ويبدو أن 
ا لو ل ا 
ذاتها”' '». وجميع أتباع المذاهب الإسلامية الأربعة التي بحثهاء ادّعوا الإيمان الراسخ, 
لكن الغزالي سأل: كيف يمكن تأكيد هذا الادعاء بشكل موضوعي؟ 
كان الغرالى درك > هنل أ ريت نقاضين + أن القيية كاتنت مجالة -تقصية ولبنن 
بالضرورة أن تكون صحيحة موضوعياً فقد قال الفلاسفة إنهم حازوا على معرفة أكيدة عن 
طريق الجدل العقلاني. وأصر الصوفيون على أنهم وجدوها عبر الممارسات الصوفية» وكان 
الاسماعيليون يشعرون أنها موجودة في تعاليم إمامهم فقط. لكن الحقيقة التي نسميها الله 
لا يمكن اختبارها تجريبيا ولذلك كيف نتأكد من أن معتقداتنا ليست سوى أوهام؟ فقد 
أخحفقت البراهين العقلانية التقليدية في إقناع المعايير الصارمة التي وصفها الغزالي وبدأ 
علماء الكلام باقتراحات موجودة في القرآن» لكن هذه كانت قد صنفت على أنها خارج 
نطاق الشك العقلي. واعتمد الاسماعيليون على تعاليم إمام متخفي لا سبيل إلى الوصول 


إليه. لكن كيف نستطيع أن نتيقن من أن الإمام ملهم من الله» وإذا كنا لا نستطيع أن نجده 
فما هي الغاية من هذا الإلهام؟ كانت الفلسفة غير مقنعة. فكرس الغزالي جزءاً لا بأس به 
من لاهوته الجدلي ضد الفارابي وابن سينا. وقد دفعه اعتقاده أن بالإمكان دحضهما من 
قبل خبير في ميدانهما إلى دراسة الفلسفة طوال ثلاث سنوات حتى أتقنها(' '©. في كتابه 
«تهافت الفلاسفة» قال أن الفلاسفة كانوا يتوسلون إلى المسألة. فلو أن الفلسفة قد حصرت 
نفسها في العالم المادي» والظواهر المرئية كما في الطبء والفلك والرياضيات لكانت 
مفيدة جد لكنها لم تستطع أن تخبرنا شياً عن الله. كيف يستطيع أمرؤ أن يثبت 
معتقدات الفيض بشكل أو بآخر؟ وما هى السلطة التى خولت الفلاسفة أن يؤكدوا على أن 
الله كان يعرف فقط الأشياء العامة الكونية أكثر مما يعرف دقائق الأمور؟ هل بوسعهم إثبات 
هذا؟ فجدالهم أن الله كان منزهاً عن معرفة الموجودات المنحطة كان غير كافي: فمتى 
كان الجهل في أي شيء أمراً ممتازا؟ فليس هناك سبيل لتبرير أي من هذه الطروحات بشكل 
مقنع» وهكذا فقد كان الفلاسفة غير عقلانيين وغير فلسفيين في سعيهم إلى معرفة تقع 
خارج قدرة العقل ولا يمكن التأكد من صحتها عن طريق الحواس 


لكن أين ترك ذلك الباحث النزيه عن الحقيقة؟ هل كان إيمان راسخ سليم بالله 
محالاً؟ فحت وطأة بحثه تعرض الغزالي إلى محنة شخصية أدت إلى انهياره. وداه 
غير قادر على البلع أو الأكل؛ وشعر أنه منهك بوطأة قدر مشؤوم ويأس. وفي النهاية - أي 
في نحو عام ٠١94‏ وجد أنه لم يكن قادراً على الكلام أو إلقاء محاضراته: 
«القد ربط الله لسانى حتى منعت من تقديم مشورة. لذلك اعتدت أن ألزم 
نفسي بالتعليم في يوم محدد خحدمةٌ لطلابي» لكن لساني لن ينطق كلمة 


واحدة)59 08 


ثم رقد في حالة وهن إكاينيكي. شخ اران يداي من زان علي 
الجذور وأخبروه أنه إذا لم يتخلص من 5 قلقه الدفين فإنه لن يشفى أبدأً . ولخوفه من أنه في 
خطر من نار جهنم إن لم يسترد إيمانه» لذلك استقال من مركزه الأكاديمي الممتاز ومضى 
لينضم إلى المتصوفين. وهناك وجد ما كان يبحث عنه: فدون أن يتخلى عن عقله لاله 
كان دائماً يكره الأشكال المتطرفة من الصوفية ‏ اكتشف ان القواعد الصوفية كانت تقدم 
إعندانا نباهر ا لك احدسياً بشيء ما بالإمكان تسميته الله. ٠‏ ويوضح العلامة البريطاني 
جون بوكر «وط::80 مناو1 أن الكلمة العربية المقابلة ل ععمءوزعه أي الوجود) مشتقة من 
الجذر وَجنَ2©"0: فكلمة وجود تعني را «الشيء الذي بالإمكان وجوده») فكانت بذلك 
ملموسة أكثر من الكلمات اليتافيزيقية اليونانية» ومع ذلك أعطت المسلمين مهلة أكبر 


١5 


ه66 1. فالفيلسوف الذي يتحدث العربية كان يحاول أن ينبت أن الله كان موجوداً لم 
يكن عليه أن يقدم الله على أنه جسم آخر بين عدة أجسام: لذلك كان عليه أن يثبت فقط 
أن بالإمكان إيجاده: سيظهر الإثبات المطلق الوحيد لوجود الله عندما يقابل المؤمن الله 
رجه له ين امرك لك روايانت نايس >الأبماء متلا واللصوقن الديك زعمرا أنه قد 
مروا بهذه التجربة في هذه الحياة ينبغي التعامل معها بحذر. فقد زعم المتصوفون بالتأكيد 
أنهم قد عرفوا وجود الله: وكلمة وَجْدُ كانت كلمة فنية للتعبير عن خشيتهم اثناء نشوتهم 
من الله الذي أعطاهم يقينية تامة «يقين) أي أن تجربتهم كانت حقيقة وليست مجرد خيال. 
ينبغي الاعتراف أن تلك الروايات قد تكون مزاعمها باطلة» لكن بعد أن عاش الغزالي عشر 
سنوات كمتصوف وجد التجربة الدينية أنها السبيل الوحيد لإثبات حقيقة تقع خارج 
الفكر البشري والعملية الدماغية. فالمعرفة الصوفية لم تكن معرفة ميتافيزيقية أو عقلانية بل 
كانت مائلة للمعرقة الحدسية لأنبياء الماضى: .وهكذا ود المتضوفون- حقائق الإسلام 
الأماسية بأنفسهم عن طريق عيش تجربته المركزية من جديد. 

ولذلك صاع ١‏ لغزالي عقيدة صوفية ستغدو مقبولة لدى المؤسسة الإسلامية» نظر فيها 
بازدراء إلى متصوفي الإسلام, وهذا ما سنراه في الفصل القادم. لقد نظر إلى الوراء - كما 
فعل ابن سينا إلى الاعتقاد القديم بمملكة بدئية ارج عالم التجربة الحسية لهذا العالم 
الدنيوىق: كس المرئي «علم الشهادة) نسخة أدنى عما أسماه عالم العقل الأفلاطوني «عالم 
الملكوت» الذي اعترف به أي فيلسوف. فالقرآن والكتاب المقدس عند اليهود والمسيحيين 
قد تحدثا عن هذا العالم الروحاني. عد وقف الإنسان في عالمي الحقيقة هذين: كان ينتمي 
إلى العالم المادي وإلى عالم الروح الاعلى لان الله قد حفر الصورة الإلهية في داخله. وفي 
كتابه «مشكاة الأنوارة يشرح الغزالي سورة النور القرآنية التي أوردتها : في الفصل 
السابق* '©. النور في هذه الآيات يرجع إلى الله والأجسام الضفة الأخرى: المصباح 
والنجم. وعقلنا منير أيضاً فهو لا يمكننا فقط من رؤية الأجسام الأخرى لكنه مثل الله 
يستطيع تجاوز الزمان والمكان؛ إنه ينهل من العالم الروحاني نفسه. لم يشر الغزالي إلى 
قدراتنا التحليلية الدماغية باستخدام كلمة العقل» فهو يل كر قراءه أنه يجب ألا يأخحذوا 
شرحه بمعناه الحرفي: يمكننا أن نناقش هذه المسائل فقط بلغة مجازية هى الحافظة مخيلة 
مبدعة. بعض الناس يتلكون مقدرة أعلى من العقل» وسماها الغزالي «الروح التنبؤية) ومن 
لا يمتلكون هذه المقدرة يجب ألا ينكروا وجودها بدعوى أنهم ليسوا على علم بها. 
ونكرانهم سيكون عبثا تماماً مثل زعم أصم أن الموسيقى هي وهم لأنه لا يستطيع تذوقها. 
يمكنا أن نتعلم شيئاً ما عن الله بواسطة محاكمتنا العقلية وقدراتنا التخيلية» لكن النوع 


١55 


الأمثل للمعرفة لا يحصل عليها سوى الأنبياء أو المتصوفون لأن لديهم قدرة خارجية وهبها 
الله لهم تمكنهم من ذلك. يبدو رأيه هذا نخبوياً غير أن المتصوفين في تراثات أخرى قد 
ادعوا امتلاك مثل هذا الحدس وصفات استقبالية 606معمع: يتطلبها التأمل الزينى 26 أو 
البوذي وكلاهما هبة خاصة مثل موهبة كتابة الشعر. وهذه الموهبة ليست موجودة في كل 
شخص. لقد وصف الغزالي هذه المعرفة الصوفية بأنها إدراك بأن الخالق وحده موجود أوله 
وجود. ويؤدي هذا إلى تلاشي الذات واستغراقها في الله. المتصوفون قادرون على الارتفاع 
فوق عالم النجاز :م طم هعم الذي غليه: أن يرضي البشر الأقل موهبة» المتصوفون: 

قادرون على رؤية أن ليس هناك وجود في العالم إلا الله. وأن وجه كل 

شيء فانٍ ماعدا وجه الله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال 

والإكرام»... في الحقيقة كل شيء سواه هو لا وجود - إذا ما نظرنا إلى 

الأمر من منظاز الوجود الذي يتلقاه من العقل الأول ععمعع ‏ لاعام1 أرط 

في الخطط الافلاطوني - ووجوده ليس بذاته بل بعلاقته مع وجه الخالق» 

ولذلك فإن الشيء الوحيد الموجود بحق هو وجه الله ©. 

فبدلاً من أن يكون الله موجوداً خارجياً موضوعياً بالإمكان إثباته عقلانياً» الله وجود 

محيط بكل شيء ووجود نهائي, ولا يمكننا فهمه كما نفهم الوجودات التي تعتمد عليه 
وتستمد منه وجودها الضروري: علينا أن نئمي طريقة خاصة للرؤية. عاد الغزالي إلى مزاولة 
واجباته التعليمية في يغداد. لكنه لم يتخل عن قناعته أن من ا محال أن نشرح وجود الله عن 
طريق المنطق والبرهان العقلاني. في كتابه «المنقذ من الضلال) دافع متحمساً أن لا الفلسفة 
ولا علم الكلام يقنعان امرءاً معرضاً لخطر فقدان إيمانه. وقد وصل الغزالي إلى شفير الشكية 
«السفسطة) عندما أدرك أن من انحال تماماً إثبات وجود الله خارج الشك العقلاني» الحقيقة 
التي نسميها الله تقع خارج مملكة الإدراك الحسي والفكر المنطقي» ولذلك لم تستطع 
الميتافيزيقا ولا العلم إثبات أو دحض وجود الله. أما بالنسبة للذين لا يمتلكون تلك الموهبة 
الصوفية أو النبوية فقد وضع الغزالي تدريباً يكن المسلمين من تنمية وعي بوجود الله في 
دقائق الحياة اليومية. لقد ترك تأثيراً لا يمحى على الإسلام. فلن يقوم المسلمون ثانية 
بالافتراض السطحي أن الله كان وجوداً مثل أي وجود آخخر والذي بالإمكان البرهنة على 
وجوده علمياً أو فلسفياً. ومن هنا فصاعداً ستغدو الفلسفة الإسلامية غير منفصلة عن 
الروحانية ومناقشة صوفية لله. 


أثر الغزالى على اليهودية أيضاً فالفيلسوف الإسباني يوسف بن صديق (4 - 47 )١١‏ 
استخدم برهان ابن سينا لوجود الله لكنه كان حريصاً على عدم القول بأن الله لم يكن 


١17/ 


مجرد وجود آخر ‏ أحد الأشياء التى توجد بالمعنى المادي الذي نفهمه من الكلمة. فإذا 
زعمنا أننا نفهم الله سيعني ذلك أن له نهاية 6]زتة8 وغير كامل. فأدق قول يكننا قوله 
حول الله هو أنه عصي على الفهم؛ » متسام جدأ عن قدراتنا الفكرية الطبيعية. نستطيع أن 
نتكلم عن قدرة الله في العالم بكلمات إيجابية لكتنا لا يمكننا أن نتحدث عن جوهر الله 
«الذات» التي ستراوغنا دائماً. الطبيب الطليطلي يهوذا هاليفي )١١5١ - ٠١88(‏ تبع 
الغزالي عن كثشب. فالله لا يمكن البرهنة عليه عقلانيء لكن ذلك لا يعني أن الإيمان بالله 
كان غير عقلاني بل لأن تفسير وجوده منطقياً لم يكن له جدوى دينية وتخبرنا باليسير 
جداً: لا توجد طريقة لاتأكد من كيف استطاع إله لا شخصي وبعيد كهذا خلق هذا العالم 
لمادي الناقص» وفيم إذا كان له علاقة بالعالم بأي شكل ذا معنى دون درجة من شك 
معقول. فعندما يزعم الفلاسفة أنهم أصبحوا متحدين بالعقل ععمعع زااء1ه1 الإلهي الذي 
يأمر الكون عبر نفوذ العقل فإنهم بادعائهم هذا إنما يضللون أنفسهم. فالأنبياء هم 
الوحيدون الذين كان لديهم معرفة مباشرة بالله» ولم يكن لهؤلاء علاقة بالفلسفة. 


لم يفهم هاليفي الفلسفة مثلما فهمها الغزالي لكنه وافق على أن المعرفة الموثوقة 
الوحيدة بالله كانت عن طريق التجربة الدينية. فكما فعل الغزالى كذلك طالب هاليفي 
بمقدرة دينية خاصة لكنه زعم أنها كانت امتيازاً محصوراً باليهود فقط. حاول هاليفي تليين 
موقفه هذا باقتراحه أن باستطاعة الغوييم #زانزوج الوصول إلى معرفة الله من خلال القانون 
الطبيعي لكن كان الهدف من كتابه الفلسفي العظيم «تموعساعط1») هو تبرير المكانة 
الفريدة لإشرائيل من إن الجتعوني. لقد اعتقد هاليفي كما اعتقد أخبار التلمود أن 
باستطاعة أي يهودي اكتساب الروح النبوية من خلال التقيد الدقيق بتعاليم ال50112001. 
والله الذي سيقابله لم يكن حقيقة موضوعية بالإمكان البرهنة على وجودها علمياً بل هو 
تجربة ذاتية أساساً. وبالإمكان رؤيته حتى كامتداد للذات الطبيعية لليهودي: 
ينتظر هذا المبدأ الإلهي - وكأنما ينتظر ‏ لأجله» من أجل الذي يقابله كي 
يربط نفسه بحيث ينبغي أن يصبح إلهه كما كانت الحالة مع الأنبياء 
والقديسين. فكما تنتظر الروح دخولها الجنين كي تكتمل القدرات 
الحيوية الأخرى لتمكنها (الروح) من استقبال هذه الحالة العليا للأشياء. 
وبالطريقة نفسها التي تنتظر فيها الطبيعة مناخاً معتدلاً كي تتمكن من 
ممارسة تأثيرها على التربة كي تنتج الخضرة ©. 
ليس الله حقيقة دخيلة غريبة وكذلك ليس اليهودي كائناً مستقلاً ممنوع 
عنه المقدس ع«زوزق بالإمكان رؤية الله على أنه الإنسانية الكاملة, الإنجاز لقدرة الرجل 


١58 


والمرأة» زد على ذلك فالله الذي يقابله اليهودي هو إله له وحده» وهذه فكرة سنعالجها 

بعمق أكبر في الفصل التالي. يحرص هاليفي على التمييز بين الله الذي بمستطاع اليهود 
معرفته وبين جوهر الله ذاته. فعندما يدعى الأقياة والقديسون بأنهم عرفوا الله فإنهم لم 
يروه كما هو في ذاته بل في القدر ات الإلهية داخله التي هي نوع مما تبقى من وهج الحقيقة 
السامية التي لا سبيل إليها. 

على أية حال لم تمت الفلسفة نتيجة للاهوت الجدلي الذي وضعه الغزالي» ففي 

قرطبة حاول فلاسفة مسلمون إحياء الفلسفة» وجادلوا بأنها الشكل الأعلى للدين. 1 
الوليد بن أحمد بن رشد )١1198-1173(‏ المعروف في أوروبا بأسم 161065م أصبح 
مترجنعاً في الغرب لليهود والمسيحيين. فقد ترجمت مؤلفاته خلال القرن الثالث عشر إلى 
العبرية واللاتينية» وكذلك تعليقاته على ارسطو كان لها تأثيراً هائلاً على لاهوتيين بارزين 
من أمثال ميمون بن موسىء وتوما الأكويني, وألبرت العظيم. وفي القرن التاسع عشر 
بارك أشنت رينان على أنه الروح الحرة؛ وبطل العقلانية في وجه الإيمان الأعمى. أما في 
العالم الإسلامي فكان ابن رشد أكثر من شخصية هامشية. ففي حياته وتأثيره المتقطع 
نستطيع أن نرى قطيعة بالأساليب بين بين الشرق والغرب في مقاربتهما وتصورهما لله. لقد 
عار ابن وسد متحمبا وان القوالي للطلاسقةوللطريقة الي تاش يها جذة اناق امبر 
علانية. لم يكن مثل سابقيه الفارابي وابن سيناء لقد كان قاضياً ‏ فقيهاً بالشريعة - وفيلسوفاً 
أيضا لقن كات العلماء مرقابرة من الفلسفة كاثماء ومن إلههااللائ كان ملفا كليا لكت 
استطاع ابن رشد أن يوحد أرسطو مع تقوى إسلامية أكثر تراثية. كان مقتنعاً أنه ليس هناك 
تناقض مهما كان بين الدين والنزعة العقلانية. فكلاهما يعبران عن حقيقة واحدة لكن 
بطرق مختلفة» وكلاهما كانا يتطلعان باتجاه الإله ذاته. فليس كل شخص قادر على الفكر 
الفلسفي وبالتالي فإن الفلسفة كانت من أجل النخبة المثقفة فقط. فالفلسفة قد تريك 
الجماهير وتقودهم إلى الخطأ الذي يعرض خلاصهم الأبدي إلى الخطر. ومن هنا أت 
أهمية ذلك التراث السري الذي كان يحفظ هذه المعتقدات عن غير المؤهلين لتلقيها. 
وكذلك كانت الحالة مع الدراسات الصوفية والباطنية للإسماعيلية» فإذا تناولها أناس غير 
مؤهلين فمن امحتمل أن يعتلوا أو قد يقعوا فريسة لجميع أنواع الاضطرابات الفيزيولوجية. 
فعلم الكلام كان خطيراً أيضاًء ويقصر عن الفلسفة الحقة» وقد أعطى الناس الفكرة المضللة 
بأنهم كانوا متورطين في نقاش عقلاني مناسبء بينما في الحقيقة لم يكونوا كذلك. 
لكاي أنار علم الكلام منازعات معتقدية لا ثمرة منهاء وقد تؤدي فقط إلى إضعاف إيمان 
الناس غير المتعلمين» ويجعلهم قلقين. 


اعنقكد ابو روشه أن كول ماق دوف كان اها أسساسنا للخلاص - وهذه نظرة 
جديدة في العالم الإسلامي. كان للفلاسفة السلطات الرئيسية على العقيدة: فهم وحدهم 
كانوا قادرين على تفسير النصوص المقدسة وقد وصفهم المران ب«الراسخون في 
العله”""2». على عامة الناس أخذ القرآن على ظاهره وقراءته حرفياًء في حين أن الفيلسوف 
هو من يستطيع تناول التأويل الرمزي. لكن حتى الفلاسفة كان عليهم الخضوع إلى 
مجموعة من المعتقدات الإلزامية التي عددها ابن رسشد كما يلي : 

١‏ وجود الله كخالق هذا العالم. 

 '*‏ وحدانية الله. 

صفات المعرفة والقدرة» والإرادة, والسمع, والرؤية, والكلام, التي 

وصف بها الله في القران. 

4 تفرد الله وتنزهه عن الشبه. التي أكد عليها القرآن: ليس كمثله شيء. 

ه ‏ خلق الله العالم. 

5 صحة النبوة. 

/ا ‏ عدالة الله. 

م البعث يوم و00 

ينبغي الإقرار بهذه المعتقدات كلاً واحداً لأن القرآن ينص صراحة على ذلك. 
والفلسفة لم تقر دائماً بالاعتقاد بخلق العالم» على سبيل المثال» وهكذا ليس واضحاً كيف 
ينبغي فهم هذه المعتقدات القرآنية. فعلى الرغم من أن القرآن يقول بجلاء أن الله خلق 
العالم» إلا أنه لا يقول كيف فعل الله هذاء ولا فيما إذا كان العالم قد حُلِقَ في الحظة 
محددة من الزمن. لقد ترك هذا الفلاسفة أحرارا فى تبنى معتقد العقلانيين. ويقول القرآن 
كذلك :يان :الله لهاصفات مكل المعرفة: كني لاتعرف الوطانها يس ع ان ستيونا 
للمعرفة هو مفهوم بشري وغير كافي. فالقرآن لا يتناقض بالضرورة مع الفلاسفة عندما 
يقول أن الله يعرف كل شيء نعرفه نحن. 

كانت الصوفية ‏ في العالم الإسلامي ‏ بالغة الأهمية لدرجة أن مفهوم ابن رشد عن 
الله المبني على اللاهوت العقلاني تماماء كان تأثيره قليلاً. لقي ابن رشد التقدير لكنه كان 
شخصية ثانوية في الإسلام. إِلّا أنه أصبح هاما جداً في الغرب الذي اكتشف أرسطو من 
خلاله» وطور مفهوماً عن الله أكثر عقلانية. كان لدى معظم المسيحيين الغربيين معرفة 
محدودة جدا بالثقافة الإسلامية» وكانوا جاهلين بالتطورات الفلسفية بعد ابن رشد. ومن 
هنا يُعتقد غالباً أن حياة ابن رشد كانت علامة نهاية الفلسفة الإسلامية. فى الحقيقة ثمّة 
فيلسوفان بارزان خلال حياة ابن رشد كان لهما تأثير كبير في العالم الإسلامي كانا في 


60 ؟* 


العراق وإيران. الح ا د ا ل 


ا تلميذ عند ابن رشد في 0 5 كان 5 الكبير والفيلسوف 
الحبر موسى بن ميمون ))١١١4  ١١*5(‏ ويعرف باللاتينية باسم 312101065 كان 
ميمون مواطنا فى قرطبة - حيث كان ابن رشد ‏ عاصمة إسبانيا المسلمة حيث كان هناك 
إجماع نانك كل 3 اكتساب نوع محدد من الفلسفة كان أمراً أساسياً لفهم أعمق لله. 
اضطر ميمون إلى الهرب من إسبانيا عندما سقطت قرطبة فريسة لطائفة البربر المتعصبة 
من 11201250105 التي اضطهدت التجمع اليهودي. ولم يجعل هذا الصدام المؤلم مع 
النزعة الأصولية القروسطية ميمون معاديا للإسلام ككل. فقد استقر هو ووالده فى مصر 
حيث شغل منصباً رفيعاً في الحكومة حتى أصبح طبيب السلطان. وتالد حتت لكايه 
الشهير «دليل امحتار» وجادل فيه أن الدين اليهودي لم يكن مجموعة معتقدات اعتباطية بل 
أكان تجا ان تميادى و عتالائية ليم كان ميمون يعتقد ‏ كما اعتقد ابن رسّد ‏ أن 
الفلسفة كانت الشكا ل الأكثر تقدماً للمعرفة الدينية وهى الطريق الملكي العريض - إلى الله 
الذي يجب غدة الكدى نع الجداس: بل ضيه أن يكون حكرا على التبة الفلسفية, 
اعتقد أن بالإمكان تعليم عامة الناس تفسير النصوص المقدسة رمزيا كي لا يحصلوا على 
نظرة تجسيدية لله» وكان في موقفه هذا -مخالفا لابن رشد. واعتقد كذلك أن معتقدات 
محددة كانت ضرورية من أجل الخلاص» وتقتر سعنفذا اكوا مق لوقه عقي بيدا اعائلة 
لعند أبن رق 

-1١‏ وجود الله. 

؟ ل وحدانية الله. 

ب الله معنى إ1[ه:00م1201 غير متجسد. 

4 س أزلية الله. 

ه ‏ تحريم عبادة الأصنام. 

؟ - صدق البوة. 

/ا ‏ موسى كان أعظم الأنبياء. 

8 أصل الحقيقة الإلهي. 

ه ‏ المصداقية الآزلية للتوراة. 

٠‏ الله يعرف أعمال البشر. 

١‏ يحاكمهم في الوقت المناسب 


؟ - سوف يرسل المسيح المنتظر. 

“و بعث الموتى22 "2 

كانت هذه لمرو ها عدي 1 فى اليهودية ولم تصبح أبداً مقبولة كلياً كما في 
الإسلام. إن مفهوم المعتقد القويم از المناقض لناهومهط)2)0 كان غريياً عن 
التجربة الدينية اليهودية. فعقائد ابن وشد وميمون تعني أن مقاربة فكرية وعقلانية للدين 
تؤدي إلى معتقدية «دوغمائية) وإلى المطابقة بين دين محدد الهوية فنع إيمان صحيح. 

0 كان ميترد ره الله كان 0 ١‏ بيات نري 
دعي اي 0 الاح 1 عي لطس 
الحكايات 20015 وعلمونا أن الحديث عن الله كان ممكناً فقط بأية لغة رمزية خيالية 
ذاك عقر وتفرق: كذلك أنه لمكن مفارتة الله ملق شىء موجوق ولذلك يفضل 
استتخدام مفردات سلبية عندما نحاول وصفه. 

فعلى ستل الخال بؤلاع القوك «إنه يوجد) ينبغي أن ننكر عدم وجوده وهلم جرا. 
فكما كان الأمر مع الاسماعيليين كذلك الامر مع ميمون: استخدام لغة النفي كان قاعدة 
ا 0 لتعالي الله وتذكرثا أن الحقيقة كانت مختلفة تماما عن آية فكزة تستطيع 

نتن اليش المساكين. أن نتصورها عنه. فنحن لا نستطيع أن نقول أن الله «خيّر) لأنة أبعيك 
بكثير عن أي شيء قد نعنيه بكلمة «الخير). فكانت هذه 0 لإبعاد عيوبنا عن الله 
وتمنعنا من إسقاط آمالنا ورغباتنا عليه. وتلك الطريقة ستخلق متاق إلها على عنورتنا وشبهنا. 
نستطيع أن نستخدم النفي كي نكوّن مفاهيم إيجابية عن الله وهكذا عندما نقول أن الله 
«ليس عاجزا» بدلاً من قولنا إنه «قدير» يمع منطقياً أن الله لابد أن يكون قادراً على 
الفعل وبما أن الله «ليس غير كامل»» فلابد أن تكون أفعاله كاملة» وعندما نقول أن الله 
اليس جاهلا) فإننا تعني أنه حكيم يمكننا أن نستنتج أنه حكيم تماماً وعارف. هذا النوع من 
الاستنتاج بالإمكان القيام به حول قدرات الله فقطء ولا يمكن استخدامها للحديث عن 
جوهره الذي يبقى خارج متناول عقلنا. 

وعندما يحين وقت الاختيار بين الله في الكتاب المقدس وبين إله الفلاسفة فإن 
0 كان ار دائماً الأول. فلي م من أن الاعتقاد كنل من ع ١‏ يكن 


لسر ري لا را ا بر مر ا 


تحديداً عن طريق العقل وحده. واعتبر أن النبوة أعلى من الفلسفة. وكل من النبى 
والفيلسوف تحدئا عن الله ذاته. فالنبي كانت لديه نعمة الخيال الخصب والفكر. كانت 
لديه معرفة حدسية مباشرة بالله أعلى من المعرفة التي نحصل عليها با محاكمة المسهبة. ويبدو 
أن ميمون كان متصوفا لحد ما عندما تحدث عن الرعشة «الإثارة) التي ترافق هذا النوع من 
معرفة الله انفعال تال لكمال القدرات المتخيلة(” ©. 

فعلى الرغم من تشديد ميمون على العقلنة ققد تبنى أن المعرفة الأسمى لله مستمدة 
من الخيلة أكثر مما هي مستمدة من الفكر وحده. انتشرت أفكاره في أوساط اليهود في 
جنوبي فرنسا وإسبانياء وما إن جاءت بداية القرن الرابع عشر حتى أدت إلى حركة تنوير 
فلسفية يهودية في المنطقة. فكان بعض هؤلاء الفلاسفة اليهود أكثر عقلانية من ميمون. 
فليفي بن غرسون 060 موق ألاعآ ١١848(‏ - 44؟١1١)‏ من باغنولز و1ممع83 في 
جنوبي رهبا انكر أن يكون لله علم بالشؤون الدنيوية» فكان إلهه إله الفلاسفة أكثر ثما 
كان إله الكتاب المقدس. لكن كانت هناك ردة فعل لا مفر منها. نقد تحول بعض اليهود 
إلى الصوفية وأسسوا قاعدة القبالة السرية كما سنرى لاحقاً. وارتد آخرون عن الفلسفة» 
عند تعرضهم لأساة وجدوا أن إله الفلسفة البعيد كان غير قادر على مواساتهم فيها. 

وخلال القرنين الثالك والرابع عشر بدا حروب الفتح المضاد المسيحية كي تدقع 
حدود الاسادم إلى الخلف ه فى إسبانية فجلبت معاداة السامية من أورفنا الغربية إلى شبه 
الجزيرة» فأدى هذا إلى تدمير ا الإسبانية» فى نهاية المطاف. وخلال القرن السادس 
عشر تحول اليهود عن الفلسفة وطوروا مفهوماً جديداً كلياً عن الله. مفهوم ألهمته 
الميثولوجيا أكثر ثما استمد إلهامه من المنطق العلمي. 

نفد هوق الدو" الشنلنني » التبيضنة القوردة لع .بق التراناف الويكدائية الأخرى 
فالحملة الصليبية الاولى من 32 ٠١99-٠‏ كانت ل تعاون مكتتراك قام ب الغري 
الجديد, ا دلالة 07 أن أوروبا كانت قلا بيدأت تتعافي 3 البربرية العلويلة لأسف 
مدعو : 0 المسيحية في 0 الشمالية. 1 مسيحية بة الإنجار ولههم 
والساكسونيين 5875085 والفرانكيين امود كانت بدائية. كان هؤلاء شعياً عدوانياً 
وعسكرياً لذلك أرادوا ديناً عدوانياً. فخلال القرن الحادي عشر كان الرهيان 
البندكيون عمأءناعمء8 1 في ١‏ 0 د وامنازل التابعة . قد تحاولوا.. ربط هذه 
كالحج مشلا 0 الصليبيين الأوائل رأوا في 9 / 08 الأدنى رحلة حج إلى 


الح 


الأرض المقدسة لكن مفهومهم عن الله والدين كان ما يزال بدائياً. فجنود القديسين مثل 
القديس جورج والقديس ميركوري والقديس ديمتريوس كان هؤلاء يشكلون أكثر من إله 
واحد في تقواهم, وفي الممارسة لم يكونوا يختلفون إلا قليلاً عن الآلهة الوثنية. كانوا يروك 
يبرع كل الامطاعي العليري أكثر ما كانوا يرونه اللوغوس مجسداً: لقد حشر فرسانه كي 
وعد أرق جد افد ارق المقدسة من الكافرين. وعندما بدؤٌوا رحلتهم كان بعض 
الصليبيين قد قرر الثأر لموته بذبح التجمعات اليهودية على طول وادي الراين. وهذا العمل 
لم يكن فكرة أساسية لدى البابا أوربان الثاني 11 ه10 عندما حشد الصليبيين لكن بدا 
للكثير من الصليبيين أن السير ثلاثة آلاف ميل نحاربة المسلمين أمر غير صحيح؛ هؤلاء 
الذين لا يعرفون عنهم شيئاًء بينما الناس الذين قتلوا المسيح فعلاً - كما كانوا يعتقدون ‏ 
كانوا أحياء بالقرب من أبواب منازلهم. فخلال المسيرة المرعبة إلى القدس ‏ عندما نج 
العطلينيون فح الاتقراضنت كائذا يعتمدون في بقائهم على الاعتقاد أنهم لابد هم شعب الله 
امختار الذين حظوا بحمايته الخاصة بهم. وأنة كان يقودهم إلى ارم المقدسة مثلما قاد 
الإسرائيليين ذات يوم. في كلمات عملية كان دينهم مايزال الإله القبلي البدائ 0 
في الأسفار الأولى من ع الكتاب المقدس» وعندما فتحوا القدس أخيراً في صيف عام ١٠١59‏ 
هبطوا على سكان المدينة المسلمين واليهود بحماسة يشواع0 34 وذبحوهم بوحشية 
أحدقة: صلدمة لمعاصريهم. 

من هذه الفترة فصاعداً كان المسيحيون في أوروبا يعتبرون اليهود والمسلمين أعداء 
الله وبقوا يشعرون بعداء عميق تجاه المسيحيين الارثوذكس اليونانيين لفترة طويلة» 
هؤلاء الذين جعلوهم يشعرون أنهم برابرة وأدنى منهم مستوى<'. إلا أن هذه الحالة 
لم تكن دائماً واحدة. فخلال القرن التاسع استمد بعض مسيحي الغرب المتعلمين 
إلهاماً من اللاهوت اليوناني. وهكذا فالفيلسوف السلتى 0618© دونس سكوتز 
إيرجينا 2218622 5ناأمح5 286 6 - /الام) الذي غادر لاذه الأصلية كي يعمل في 
بلاط شارل الشجاع ملك فرانك الغربية ع1[مج:2 غوع7787 كان قد ترجم العديد من مؤلفات 
الآباء الكنسيين اليونانيين إلى اللاتينية خدمة للمسيحيين الغربيين» خاصة مؤلفات دئيس 
الأريوباغيتي 6م16 ونرتصو©. لقد اعتقد متحمساً أن الإيمان والعقل ليسا متنافرين. 
ولعد رأى مثلما رأ الفلاسفة واليهود والمسلمون أن الفلسفة هي الطريق الرحب إلى 
الله. وأن أفلاطون وأرسطو هما معلمان يريدان عرضاً عقلانياً للدين المسيحي. فالكتاب 
المقدس ومؤلفات الاباء بالإمكان إنارتها بقواعد المنطق والبحث العقلاني. لكن ذلك لم 
يكن يعني تفسيراً حرفياً: بعض فقرات الكتاب المقدس يجب أن تفسر رمزياً لأنه كما شرح 
في «عرض لراتب دنيس السماوية) لاهوته كان نوعاً من الشعره”"©. 


استخدم إيرجينا أسلوب دنيس الجدلي في مناقشة موضوع الله الذي بالإمكان 
مناقشته عبر النقائض الذي يذكرنا بنقاط القصور في ف فهمنا البشري. فامقارينات السليبية 
والإيحابية لله كانتا ناجعتين: كان الله عصياً على الفهم؛ وحتى الملائكة لا تَعْرْفُ أو لا 
تفهم ميمه نايف لكن صياغة قول مثل أن الله حكيم أمر مقبول» لأننا عندما نرجع 
كلمة حكيم إلى الله فإننا نعرف أننا لا نستخدمها بمعناها العادي. فنحن نذكر أنفسنا بهذا 
من خلال المضي في إبداء قول سلبي مثل «الله ليس حكيماً» هذا التناقض يجبرنا على 
الانتقال إلى الطريقة الثالثة التي استخدمها دنيس في الحديث عن الله عندما نستنتج «الله 
الت هر حكيم). هذا ما أسماه اليونانيون قول الرؤيون 8م200 لأننا لا نفهم ما نعنيه 
ما هو الأكثر حكمة. فهذه لم تكن لعبة فعلية بل قاعدة عن طريق تجاور قولين مانعين 
تبادليا يساعدنا على تنمية إحساس بالسر الذي تمثله كلمتنا «الله) لآنها لا يمكن حصرها 
في مفهوم بشري وحيد. 
وعندما طبق إرجينا هذه الطريقة على القول «أن الله يوجد» فقد توصل كالمعتاد إلى 
لافتراض: «أن الله هو أكثر من وجوده. فالله لا يوجد كسائر الأشياء التى خخلقهاء وهو 
يتن عر ووه اح توعوف إلى "حابي كنا أضاز دفدس» طن إرعها كالية ال نهدا 
لقول عصي على الفهم لأنه لا يبين ما هو ذلك الذي هو أكثر من «وجود». لأنه يقول إن 
لله ليس أحد الأشياء ال موجودة بل هو أكثر من الأشياء الموجودة؛ أثنا ماهية ذلك «الوجود) 
فهذا ما لم يُعدف”""©. في الحقيقة الله هو «العدم) وطلقه: غرف إزجينا أن هذا غريت 
لوقع ونب قارئه ألا يشعر بالخوف. كان منهجه مصمماً كي يذكرنا أن الله ليس 
ا اع زطه ) لأنه لا يمتلك ١‏ «وجوداً) شِ أي معنئ من المعاني التي نستطيع فهمها. الله 
هو أكثر من وجود 511 2000 0110110 '2. حالة وجوده مختلفة عن وجودناء مثل 
اختلاف وجودنا عن وجود الحيوان» أو اختلاف وجود الحيوان عن وجود الصخرة 0 
إذا كان الله هو (العدم) أو اللاشيء فهو أيضاً «وكل شيء): لأن هذا «الوجود الأعلى) يعنى 
أن الله وحده ذو وجود حقء إنه جوهر كل شيء يشترك في هذا. ولذلك كل من 
مخلوقاته هو نجل له بوهوطممعط: » دليل على حضور الله. يتجسد ورع إيرجينا 
السلتي 1غ!ءه في ابتهال القديس بطرس الشهير: (يا إلهي كن في رأسي وفي فهمي) وهذا 
ما قاد إيرجينا إلى التشديد على ملازمة الله 1 . فالإنسان في مخطط الأفلاطونية 
المحدثة يختزل الخلق كله في ذاتهى» وهو الأكثر كمالاً بين هذه التجليات. ولذلك اعتقد 
إرجينا - كما اعتقد أوغسطين ‏ أننا نستطيع اكتشاف الثالوث دائخل أنفسنا وإن يكن في 


مرأة قائمة. 





فى لاهوت إرجينا النقائضىء الله هو في أنِ واحد ‏ كل شيء ولا شيء, الكلمتان 


ه." 


في حالة توازن مع بعضهما وهما ثابتتان بتوتر ثابت كي توحيا بالغموض الذي ترمز إليه 
كلمتنا «الله). وهكذا عندما يجيب على سؤال وجهه إليه اح المدرسين: ما الى قصلة 
دنيس عندما سمى الله لا سّىء) فيجيبه إرجينا أن العناية الإلهية كانت عصية على 
الفهم ني كانت «(ماهية فائقة) 512617655601121 - عن أكثر من العناية الإلهية 8000655 
ذاتها ‏ وطبيعة فائقة. وهكذا: 
عندما يتم تأمله بحد ذاته «فإنه» لا يكونء ولا كانء ولن يكون لأنه 
مفهوم أنه ليس واحداً من الأشياء التي ا لأنه يتجاوز جميع الأشياء 
لكنه ‏ بتزول ما لا يوصف - إلى داخل الاشياء التي توجد فإنه يُرى بعين 
العقلء وهو وحده الموجود في جميع الاشياء» وهو موجود» ووجدء 
وسوف يكون7” "©. 
ولذلك عندما نفكر بالحقيقة الإلهية بذاتها (إنها ليس دون معقولية سميت ب 
«لاشيء»؛ لكن عندما يقرر هذا العدم (الخواء» الإلهي أن يظهر من لاشيء في شيء ماء 
عل يخارد واحد يخبره؛ لامكا اتسميته بت تملياً أي ذلك : 0 الإلبيا" '!. لا 
ققط أن نرى الله الذي يحيي العالم اخلوق 595 نفسه في الأزهار والطيود والأشتجار 
وكائنات بشرية أخرى 5 
فى هذه المقاربة مشكلات. فماذا عن الشر؟ هل هذا كما يؤكد الهندوس - 
أحد مظاهر الله في العالم؟ لا يحاول إيرجينا تناول مشكلة الشر بعمق كاف بيد أن 
معتنقي القبالة اليهودية يحاولون لاحقاً اكتشاف الشر داخل الله لقد طوروا أيضاً لاهوتاً 
يصف الله مبتدأ من اللاشيكية ليصبح شيئاً بطريقة مماثلة جداً للعرض الذي قدمه إرجينا مع 
أن هذا العرض لا يشبه أبداً أياً من كتّاب القبالة الذين قرأهم. 
لقد أوضح ارجينا أن اللاتين كان لديهم الكثير كي يتعلموه من اليونانيين» لكن في 
ص 65 قطعت الكنائس الشرقية والغربية العلاقات فيما بينها في انفصال اتضح أنه 
أبدي علماً أن مامن أحد أراد ذلك في تلك الفترة. كان للنزاع بينهما بُعدّ سياسي لن 
أناقشه لكنه تمحور حول نزاع على الثالوث. ٠‏ وفي عام ١70‏ عُْقَدَ د مجمع مسكوني ضم 
الأساقفة الغربيين في فريجوس ع1 في جنوبي فرنسا وأضاف سّبه جملة إلى العقيدة 
التي أقرها مجمع نيقيا 6م20106. مفاد الإضافة أن الرويج الفدفن انطلق لا من الاب فحسب 
بل من الابن أيضاً (عندو110) . كان الأساقفة اللاتين يريدون أن يشددوا على المساواة بين 
الاب والابن معاً لأن ا من رعاياهم تبنى أراء أريوس فجعل الروح تنطلق من الاب 


51 


والإبن معا أ. واعتقدوا أن ذلك يؤكد على مركزيهما المتساويين. سرعان ما أصبح شارلان 
امبراطور الغرب ومع أنه يكن لديه دراية على الإطلاق بالقضايا اللاهوتية فقد وافق على 
الإضافة الجديدة بيدما أدانها اليونايون. تمسك اللاتين بموقفهم وأصروا على أن أباءهم قد 
علموا هذا المعتقد وهكذا رأى القديس أوغسطين الروح القدس كمبداً في وحدة الثالوث» 
بدعوى أنه كان الحب بين الاب والابن. ولذلك كان القول أن الروح قد انطلق منهما معا 
كان قولاً صعحريما وسُبه الجملة الجديدة شددت على الوحدة الأساسية للشخوص الغلا نة. 


لكن الإغريق لم يكن لديهم ثقة دائماً بلاهرت التثليث عند أوغسطين لأنه كان 
تجسيدياً أكثر من اللازم. وفي حين بدأ الغرب بمفهوم وحدة الله» ومن ثم اعتبر الشخوص 
الثلاثة ضمن تلك الوحدة» نحد أن اليونانيين قد بدؤوا دائماً بالتعبيرات الثلاثة وأعلنوا أن 
وحدة الله - أي جوهره ‏ كانت خارج إدراكنا. لقد اعتقدوا أن اللاتين جعلوا الثالوث 
مفهوماً أكثر مما يلزم» وكانوا يشكون أيضاً بأن اللغة اللاتينية كانت غير قادرة على التعبير 
عن هذه الأفكار التثليثية بدقة كافية. فالإضافة قد شددت بشكل مبالغ فيه على وحدة 
الشنخوص الثلاثة» بينما كان اليونانيون يجادلون أن هذه الإضافة قد جعلت الثالوث 
عقلانياً أكثر مما ينبغي» بذلا من الإشارة إلى عدم إمكانية فهم الله كأمر أساسي. نقد 
جعلت الإضافة الله واحداً بئلائة جوانب أو أشكال وجود. في الحقيقة لم يكن في تأكيد 
اللاتين شيء يدعى هرطقة, مع أنها لم تكن تناسب الرو 0 عنأقطمهمة اليونانية. كان 
من الممكن تسوية النزاع لو توفرت الإرادة لذلك لكن التوتر بين الشرق والغرب تصاعد 
خلال الحملات الصليبية خاصة عندما اجتاحت الدفعة الصليبية الرابعة العاصمة البيزنطية ‏ 
القسطنطينية ‏ في عام 4 ١١٠١‏ فأحدئت جرحاً قاتلاً في الامبراطورية اليونانية. فالخطر الذي 
كشفه الابن م8 كان أن اليونانيين واللاتين كانوا يطورون تصورات مختلفة لله. فالثالورث 
لم يكن أمرأً مركزياً للروحانية الغربية بينما بقي كذلك عند اليونانيين. لقد شعر اليونانيون 
أنهم بالتشديد على وحدة الله بهذه الطريقة كان الغرب يعوّف الله نفسه ب «جوهر بسيط» 
بالإمكان تعريفه ومناقشته» مثل إله الفلاسفة؟©. وفى الفصول اللاحقة سنرى أن 
اليحون العزبييق كانوا 'قلقين دول الاعتقاد القالونك» وآت كثيرين منهم سيسقطونه كله 
خلال عصر التنوير في القرن الثامن عشر. بالنسبة لجميع اونا والأهداف فإن الكثير من 
المسيحيين الغربيين ليسوا تثليثيين حقاً. إنهم يتذمرون من أن الاعتقاد بشخوص ثلاثة في 
إله واحد 5 غير مفهوم, وبذلك فإنهم لا يدركون أن هذا الأمر بالنسبة لليونانيين كان 
الأمر كله 

بعد هذا الخلاف سار اليونانيون واللاتين في دربين مختلفين. في الأرثوذكسية 
اليونانية تعني كلمة وزعهاوعط: دراسة الله وبقيت كذلك بكل دقة؛» وظلت مقتصرة على 


57 


التأمل بالله فى المعتقدات الصوفية الأساسية للثالوث والتجسيد. إنهم سيجدون تناقضات 
في فكرة لاهوت الله ععومع ؟ه نتومامعط1” 3 لاهوت العائلة /إانة؟ عط 6ه نإعهامعط]” 
فهم لم يكونوا مهتمين بالمناقشات النظرية وتعريفات القضايا الثانوية على وجه الخصوص 
نما كان” الغرت مهعم 'يشكل تزايك تيد هله المنانة -ولكون رايا صحيينا 0 
لكل شخص. فحركة الإصلاح على سبيل المثال قسمت المسيحية إلى معسكرات متحاربة 
لأن الكاثوليكيين والبروتستانتيين لم يفلحوا في الاتفاق على الآليات التي حدث فيها 
الخلاص وبالضبط حول ماهية 156:وطءعا8 القربان المقدس. كان المسيحيون الغربيون 
يتحدون اليونانيين باستمرار أن يطرحوا رأيهم في هذه القضايا الخلافية لكن اليونانيين كانوا 
يتلكؤون في ذلكء وإذا ما أجابوا كانت إجابتهم تبدو غير متقنة. لقد أصبحوا غير واثقين 
من النزعة العقلانية فوجدوها أداة غير ملائمة لمناقشة موضوع الله الذي يجب أن يفر من 
المفاهيم والمنطق. كانت الميتافيزيقا مقبولة في الدراسات الدنيوية لكن اليونانيين ازداد 
شعورهم أنها قد تهدد الإيمان بالخطر. كانت الميتافيزيقا تتوجه إلى الجزء المزدحم الأكثر 
ثرثرة في العقل» بينما لم تكن نظريتهم رأياً فكرياً بل صمت منضبط أمام الله الذي 
بالإمكان معرفته فقط عن طريق التجربة الصوفية والدينية» ففي عام ٠١5‏ حوكم 
الفياسؤوف والإنساني جون إيتالوس 113105 1012 بتهمة الهرطقة بسبب استخدامه المفرط 
للفلسفة ولتصوره عملية الخلق المستمد من لأفلا طواية المحدثة. حدث هذا الانسحاب 

المتعمد من الفلسفة قبل وقت من انهيار الغزالي في بغداد ليتخلى عن علم الكلام كي 
يصبح متصوفاً. 

إن لأمر يدعو للتأثر والسخرية أن يبدأ المسيحيون الغربيون بالنزول إلى الفلسفة في 
اللحظة التي بدأ اليونانيون والمسلمون يفقدون الإيمان بها. لم تكن مؤلفات أفلاطون 
وأرسطو متوفرة باللغة اللاتينية خلال العصور الوسطى. فكان لا مفر من أن يتخلف الغرب. 
كان اكتشاف الفلسفة محفزاً 0 يبدو أن لاهوتي القرن الحادي عشر أنسيلم 
كانتربري لإقناط ةعاضق 04 مراعومم الذي ناقشنا | راءه حول التجسيد في الفصل الرابع» 
كان يعتقد أنه من الممكن إثبات أي شيء. فإلهه لم يكن لا شيء 8«ذ2/0 بل هو الوجود 
الأسمى من جميع الموجودات وكان بوسع حتى غير المؤمن أن يُكوّنَ فكرة عن وجودٍ 
متعال كان ذا «طبيعة واحدة) أسمى من جميع الأشياء الموجودة» وحده مكتفي بذاته في 
يهاء أزلي»” *"©. وقد أصر أيضاً على أن معرفة الله ممكنة عبر الإيمان فقط وهذا ليس 
متناقضاً كما قد يبدو. ففي دعائه الشهير تأمل سوه بكلمات أشعيا «مالم تؤمن فلن 
تفهم)». 

إني أتوق كي أفهم بعضاً من حقيقتك التي يؤمن بها قلبي ويحبها. إننى 


0 


لا أسعى إلى أن أفهم لكي يكون عندي إيان, لكن لدي إيمان كي 
أفهم 12161168251 4نا07600 » وحتى أني مقتنع بأني لن أفهم ما لم 
م 
العبارة التي يستشهد بها كتيراً ومع كي أتعقل عع م ااملم2 ليست تنازلاً 
فكرياً. فأنسيلم لم يكن يقول باعتناق العقيدة كالأعمى على أمل أن تكون ذات معنى 
ذات يوم. في الحقيقة بغي ترجمة تأكيده: (أنا ألزم نفسي كي أستطيع أن أفهم». هذه 
المرة كلمة 8600© ما تزال دون المعنى الفكري لكلمة «معتقد وذاء0» اليوم» بل كانت 
تعني موقف ثقة وولاء. ا ان 
المعرفة الدينية بالله لها الأولوية وتأني قبل النقاش أو الفهم المنطقي . 
لقد اعتقد أنسيلم ‏ مثلما اعتقد الفلاسفة المسلمون واليهود ‏ أن بالإمكان مناقشة 
وجود الله عقلانياً وقد صاغ برهانه الذي يسمى عادة بالجدل الأنطولوجي. عدف أنسيلم 
الله ك «شيء ما لا يمكننا أن نفكر بشيء أعظم منه70”"© . وهذا يعنى أن الله قد يكون 
يوضوعا فكريا: وبالتالي بالإمكان أن يتصورهٍ ويفهمه العقل البشري. وال إن هذا الشيء 
ايف أنتروضه نوع أن الوجووهر اك كيالا أو تاماً من اللاوجودء لذلك فالشىء الكامل 
الذي ستخيله.بيحبي. أن يكرن له وحود.والا سيكوة: غير كامل:: كان برهان 5 بارعاً 
وفعالاً في عالم يهيمن عليه الفكر الأفلاطوني حيث كان يعتقد أن المثل كانت تشير إلى 
أنماط أزلية. إنه لمن غير المحتمل أن يُقنع هذا البرهان متشككاً في يومنا هذا. فكما ألمح 
اللاهوتي البريطاني جون ماكواري 212001121716 هط10 : تستطيع أن تتخيل أنك تملك 
٠‏ جنيه لكن لسوء الحظ لن يجعل ذلك المال حقيقة في جيبك7 ". 
كان إله اسيل وعدا ع8 ولم يكن اللاشيء الذي وصفه دنيس وإرجينا. كان 
راغباً أن يتحدث عن الله بكلمات أكثر إيجابية أكثر مما فعل معظم الفلاسفة السايقين. إنه 
لم يقترح مبدأ - طريقة النفي ءالخدع21 1713 بل بدا أنه يعتقد أن من الممكن الوصول إلى 
فكرة كافية لحد ما عن الله بواسطة العقل الطبيعي الذي كان يقلق دائماً اليونانيين 
حول اللاهوت الغربي. وبعد أن أثبت وجود الله بشكل مرض شرع أنسيلم في 
شرح معتقدات التجسيد والثالوث التي أصر اليونانيون أنها تتحدى العقل والمفهومية. في 
كتابه /لماذا أصبح الله إنساناً م عدوءء8 600 بإطبوم الذي تعرضنا له في الفصل 
الرأبع» اعتمد على المنطق والفكن المقلاي أكثر ثما اعتمد على الوحي. وتبدو شواهده من 
الكتاب المقدس والآباء أمراً عرضياً محضاً في مسار جدله الذي كما رأينا - عزا الدافع 
الإنساني إلى الله بشكل أساسي. وبذلك لم يكن المسيحي الغربي الوحيد الذي حاول 


و 


شرح سر الله في كلمات عقلانية. فمعاصره بيتر بيتر أبلار لتقاءطة ععاء5 (5/ا 1١١‏ 
/ا 4 )١١‏ لوسرب الباريسي الفاتن قدم أبضاً ريا للثالوث الذي أكد ع ا 
الإلهية نوعاً ما على حساب التمييز بين الشخوص الثلاثة. وقد طور أيضاً مبدأ عقلانياً 
متحركاً ومعقداً لسر الغفران: لقد صلب المسيح كي يوقظ الرحمة فينا وبعمله هذا أصبح 

تأبلاز كان أضلا فيلسوقا وكان لآهوته تقليدياً بالأحرئ, وقد أصبح شخصية قيادية 
فى النهضة الفكرية فى أوروبا خلال القرن الثاني عشرء وكان له أتباع كثرء وقد أدى هذا 
إلى نزاع مع برنار 5-50 رئيس دير لإءعططى صداء2ء]15ن) في 01227210 بورغندي 
الذي كان الرجل الأ قر د في أوروبا. كان البابا يوجين الثاني 11 عمءع81 والملك 
الفرنسي لويس السابع في جيبه. وقد ألهمت بلاغته ثورة رهبانية في أووكنا” فعشرات 
الشبان تركوا منازلهم 8 يتبعوه في الترتيب 01516522 الذي كان يسعى إلى إصلاح 
الشكل عدنصن1[© فى الحياة الدينية البندكية عم01عمء8. فعندما وعظ برنار الحملة 
الضليبية الغانية فى عام :71:44 كاد الناس فى قرئسا وأمانيا الذين كانوا فائرين تاه الحملة 
أن يمزقوه إرباً من حماستهمء فأخذوا يتقاطرون للانضمام إلى الجيش بأعداد كبيرة لدرجة 
اران "كني سور إلى النانا أن اأريف: وذ مهجورا كان زيار رحد ذكا اع 
التقوئ” الخارجية التى, ميرت يها أوزؤيا: المسيحية يغذا “داخليا جديدا. -فالتقوى 
ال سماء وةئ يبدو أنها أثرت على استطورة الكأس المقدس 2811© 510198 التى تصف 
رحلة روحية إلى مدينة رمزية ليست من هذا العالم بل تمثل رؤية الله. كان برنار لا يثق من 
أعماقه بالنزعة الفكرية التي تميز بها بعض العلماء مثل أمثال أبلار فأقسم أن يسكته. لقد 
اتهم أبلار «بمحاولة جعل فضيلة الدين المسيحي تساوي لا شيء لأنه يعتقد أن عن طريق 
العقل البشري يستطيع أن يفهم كل ماله علاقة بالله)”" ©. وأشار إلى ترنيمة القديس بطرس 
بالدعوة إلى المحبة. زعم برنار أن الفيلسوف كان يفتقر إلى الحب المسيحي: «إنه لا يرى 
شيا كأحجية, لا شيء كما في مرأة» لكنه ينظر إلى كل شىء وجهاً لوجه)0””©. فالحب 
ومارسة العقل كانا أمران لا يحتملان. وفي عام ١١4١‏ أمر أبلار بامثول أمام مجلس 5مع5 
الذي ملأه مؤيديه ا ا المبنى كي يرعبوا أيلا ر عند وصوله. ولم يكن ذلك 
أمرأ يصعب القيام به لأن أبلاز كان قد أضيت بداء بار كسون: هاتجمه برتان لذغة أودت 
بحياة أبلار في السنة التالية. 


531 


0 القلب والعقل لا ينفصمان. فلربما قرر فلاسفة مسلمون من أمثال 

سينا والغزالي أنه ليس في وسع العقل وحده أن يجد الله لكنهم تخيلوا في نهاية 
0 فلسفة تأتمر بالمثل الأعلى للحب وبقواعد الصوفية. وخلال القرنين الثانى عشر 
والقالك »عن خاول المفكروت الباوزوة في العالم الإسلامي ذبع القلى:والغقل» .وروا أن 
الفلسفة لا تنفصم عن روحانية الحب واغخفيلة وصعّد المتصوفون هذه الرؤية. بينما بدا برنار 
خائفاً من العقل وأراد أن يبقيه منفصلاً عن أقسام العقل الحدسية والعاطفية» فكان هذا أمراً 
خطيراً: لأنه قد يؤدي إلى شتت غير صحي في الإدراك الذي كان مجلبة للقلق مثل 
النزعة العقلانية القاحلة. كانت الصليبية الموجهة بمواعظ برنار كارثة لأنها اعدمدت على 
نزعة مثالية غير مدجنة بإدراك سليم والتي كانت في حالة تنكر فاضح لروح الجماعة 
ليح أن رضي 17 كاقت. ععادلة برنان الأرلار قمر كك معن المميةة لد 
حرض الصيين عي البرهنة على حبهم للمسيح بقتل الكفار وطردهم من الأرض المقدسة. 
كان برنار محما في خوفه من النزعة العقلانية التي سعت إلى شرح سر الله وهددت 
بإضعاف الحس الديني من رهبة وتعجبء لكن أنانية لا حدود لها تخفق في إخضاع 
أهوائها للنقد قد تقود إلى أسوأ مبالغات دينية. ما كان مطلوباً هو ذاتية ذكية عارفة وليس 
انجرافاً عاطفياً للحب الذي يكبح العقل بعنف ويتخلى عن الرحمة التي يفترض أن تكون 
سمة دين الله. مفكرون قلائل قاموا بمساهمة خالدة للمسيحية الغربية كتلك التى قدمها 
توماس الإكويني )1١74 - ١١55‏ الذي سعى إلى تركيبة من فلسفة أوغسطين والفلسفة 
اليونانية التى أصبحت متوفرة حديئاً فى الغرب. كان العلماء الأوربيون يتقاطرون إلى 
إسبانيا خلال القرن الثانى عشرء حيث كانوا يلتقون بالعلماء المسلمين. فقد قاموا بمشروع 
ترجمة هائل لأعمال أفلاطون وأرسطو وفلاسفة العالم القديم الآخرين على أمل إحضار 
هذه الثروة الفكرية إلى الغرب» وساعدهم في عملهم هذا المثقفون المسلمون واليهود. 
عدت غذه اللركنات ترزرة اللفة الاكقنة للناين ف أوزويا الفتهالية ولول مر كرقد 
عمل المترجمون أيضاً على المعارف الإسلامية اليه من ضمنتها مؤلفات ابن رشد 
بالإضافة إلى اكتشافات العلماء والأطباء العرب. وفي الوقت ذاته الذي كان فيه بعض 
المميسيين الأوروييين" سكين على تدميز الإسلام م فى الشرق الأدنى؛ كان المسلمون في 
إسبانيا يساعدون الغرب على بناء صرح حضارته. كنات /ع2نع ه01 ع1" مصسصسد 05 / 
موجز اللاهوت لتوما الاكويني كان محاولة لإكمال الفلسفة الجديدة بالتراث المسيحي 
الغربي. كان الاكويني متأثراً بنقد ابن رشد لأرسظن تأثرا خاضا. فلم يعتقد - كما اعتقد 
الستلخ وأبلار ب أن أفنرانا كالثالوث بالإمكان البرهنة عليها بواسطة العقل» وميز بكل دقة 


51١ 


بين حقيقة الله التى لا تدرك وبين المعتقدات البشرية حوله.لقد اتفق مع دينس: أن الطبيعة 
اللقكنة للذعصية على العقل الشترئي م مرفكل ما يضرفه الأنسات عن الله هو أن ترف اند لا 
يعرفه) وأنميعرشنه :أن ماهية الله تتجاوز جميع ما نستطيع معرفته عنه)” *©. فهناك قصة 
تروى عنه بعد أن أنهى إملاء الجملة الأخيرة من كتابه هذا وضع الاكويني رأسه حزيناً بين 
ذراعيه) وعندما سأله الناسخ عن الأمز: لجايه يان كل مااكية كان كقشة بالمقارنة مع ما قد 
زأق: 

سعى الاكويني لوضع تجربته الدينية في لحمة الفلسفة الجديدة وكان ذلك أمراً 
ضرورياً كي يمفصل الدين بحقيقة أخرى لا أن يحيله إلى عالم منعزل خاص به. فالنزعة 
الفكرية المفرطة ضارة بالإيمان لكن إذا كان لا يجب أن يصبح الله تجييراً متساهلا لأنانيتنا 
فإن التجربة الدينية ينبغى أن توجه بالتقويم الصحيح لضمونها. عرف الاكويني الله 
بالرجوع إل اميك الله سينه الذى ديه إلى مون ران أكون 31 ركان 
أرسطو قد قال أن الله وجود ضروري ع8<اء8 بوتهووءه716. وبذلك فقد ربط الإكوينى إله 
الفلاسفة بإله الكتاب المقدس. وقد أوضح بكل جلاء أن الله ليس مجرد وجوه اخ مدل 
الي الله بأنه وجود ذاته. كان ملائماً ولأنه لايدل على أي شكل محدد بل وجود 


ذاته)0” ©. ولن يكون من الصواب أن نلوم الاكويني على النظرة العقلانية لله التي سادت 
فيما بعد في الغرب. 


لسوء الحظ يعطي الاكويني انطباعا بأن من الممكن مناقشة الله بالطريقة نفسها التي 
تناقش فيها الأفكار الفلسفية الأخرى أو الظواهر الفانيعية بسبت امعهلال تتاقشقه لله 
بإيضاح لوجوده من الفلسفة الطبيعية. فهذا يوحي أن بإمكاننا معرفة الله بالطريقة نفسها 
التي نعرف بها الحقائق الدنيوية الأخرى. إنه يعدد خمسة براهين على وجود الله وهذه 
ستصبح ذات أهمية كبيرة في العالم الكاثوليكي» وسوف يستخدمها البروتستانتيون 
كذلك: 
١‏ جدال أرسطو للمحرك الأول. 
"١‏ ل برهان ممائل يؤكد أنه لا يمكن أن توجد سلسلة لا نهائية من العلل: لا بد 
أن هناك نهاية. 
ل الجدل من الجواز بروم«ءوهم0 , الذي اقترحه ابن سينا الذي يتطلب 
جدل الجائز والضروري. 
4 جدل أرسطو من الفلسفة بأن تراتب الجودة في هذا العالم يعني الكمال 
الذي هو أفضل الجميع. 


51 


جدل البنيان. الذي يدافع بأن الترتيب والغاية اللذين نراهما في الكون لا 
يمكن أن يكرن نتيجة للمصادفة فقط. 

في يومنا هذا هذه البراهين غير صحيحة» مع أنها من منظور ديني مشكوك في 
طني فإذا ما أتدياة كل انطناء مكن من جدل البنيات - يتضمن كل يرهان أن الله هو 
وجود آخرء حلقة أخرى في سلسلة الوجود. إنه الوجود الأسمى, الوجود الضروري» 
اللو جود الأكثر كمالا. صحيح أن استخدام كلمات مثل العلة الأولى التوخوة مرورق 
تعني أن الله ! عن كك و شيء في ارماك تن نعرفها بل هو السبب أو الشرط 
لوجودها. فهذه كر تأكيذ نية الأكريني. بع ذلك فإن قراء كتابه بوم درنز5 لم يقوموا 
بهذا التفريق الهام؛ وتحدثوا عن 2 وكأنما 0 فقط الوجود الأسمى من الجميع. وهذا 
تخفيض قد يجعل هذا الوجود الأسمى صنما خلق على صورتنا ويحول بسهولة إلى أنا 
أعلى هيه - :عمنا5 دنيوي. من امحتمل أن افتراضنا أن أناساً كثيرين فى الغرب يعتبرون الله 
كوجرد ميق الطريقل قراس هذا بن عر متيخين لبط الله يليل القديد إلى الفلسفة 
الأرسطية التي كانت رائجة في أوروبا كان أمراً هاما. فالفلاسفة كانوا أيضاً قلقين من أن 
فكرة الله يجب أن تبقى متمشية مع العصور وألا تحال إلى أقلية منقرضة:» إن فكرة وتجربة 
الله ينبغي تجديدها في كل جيل. فكان على معظم المسلمين ‏ إذا أمكن القول ‏ إن يصوتوا 
بأقدامهم وأن يقرروا أن أرسطو لم يكن لديه الكثير ليسهم في دراسة الله مع أنها كانت 
قد سميت بالميتافيزيقا: فكان إلهه بكل بساطة استمرارية لحقيقة فيزيائية أكثر من كونه 
حقيقة من ترتيب مختلف كلياً. ففي العالم الإسلامي مزج التقاش المستقبلي لله الفلسفة 
بالصوفية. فالعقل وحده لم يستطع الوصول إلى فهم ديني للحقيقة التي نسميها الله. لكن 
التجربة الدينية كانت بحاجة نه ومبادىء الفلسفة إذا أرادت ألا تصبح 
القغالاً افوضويا "مشاهلا أ خطر بحت 


المعاصر الفرانسيسكانى للإكوينى هو بونافينتورا 16دطم2296ه8 (١؟؟١‏ - 
1 كانت لديه نفس الرؤية ريا لقد حاول خلق انسجام بين الفلسفة والتجربة 
الدينية إغناء متبادلاً لكلا العالمين. في /الطريق الثلاثية /نهه/ه 9014 ءهجطا 156/ حذا حذو 
أوغسطين في رؤية الثلاثيات في كل مكان من الخلق وأخذ هذه التثليئية الطبيعية نقطة 
انطلاق له في كتابه /رحلة العقل إلى الله/ 4ه مغ سنك عطاغه 'إعصستول عط1/. في 
الحقيقة كان يعتقد أن بالإمكان البرهنة على الثالوث بالعقل الطبيعي انجردء لكنه تفادى 
مخاطر شوفينية العقلانيين بالتأكيد على أهمية التجربة الروحية كمكون أساسي لفكرة الله؛ 


517 


فاتخذ فرانسيس اصيمق ووثووة 1ه ؤ5أءمة2 مؤسس رهيئنته كمثال عظيم للحياة 
المسيحية. فعن طريق النظر إلى أعنداك تحائة استطاع لاهوتي كله إن نهنا دليلاً على 
معتقدات الكنيسة. وسيجد الشاعر التوسكاني دانتي الجيري ترءنطعذلثف عنمدط 
(56؟1- )1871١‏ أيضاً كائناً بشرياً مثله تجسيداً لللّه ‏ وهذا الكائن في حالة دانتي ليس 
سوى امرأة فلورنسية (بياتريس بورتيناري 51ةه20:]1 م10:)ع8). هذه المقاربة الشسخصانية 
لله كاقت ”مونية مرو القدهن: | افسطية 


استخدم بونافينتورا إثبات أنسيلم ددزعاودرة. الأنطولوجي كدليل على وجود الله أثناء 
مناقشته لفرنسيس على أن وجود الله تجلى. جادل بأن فرانسيس قد بلغ مستوى من الجودة 
فى هذه الحياة بدت اين بشرية) وبالتالى كان ممكناً لنا أثناء عيشنا على 5 أن 
«انرى ونفهم أن الأفضل هو أكثر من الذي لا يمكننا تخيل شيء أفضل منه2"00. وكوننا 
قادرين على تكوين مفهوم مثل «الأفضل» قد أثبت أن الأفضل لابد أن يوجد في كمال 
الله الأسمى. فإذا دخلنا إلى داخل أنفسنا ‏ كما نصحنا كل من أفلاطون وأوغسطين - فإننا 
سنجد صورة الله منعكسة «فى عالنا الداخلى)7 ©, لقد كان هذا الاستبطان أساسياً. 
فمشاركتنا في القربان المقدس في الكنيسة أمر هام. لكن ينبغي على المسيحي أن كك 
إلى أعماق ذاته حيث يُنْقَل في نشوة إلى ما فوق العقل» ويجد رؤية الله الذي تعالى عن 
مفاهيمنا البشرية المحدودة. 


اعنين بوتافيتقورا والاكوين. :الشعرية "الديية أمرا أنانياة. وكاناا مخلمين رات 
افيه لأن فى الميودنة والأسلام كان امكيف سوق وماد عه كاف تيرد العقل قن 
المسائل اللاهوتية. لقد طوروا براهين عقلية على وجود الله كى يخلقوا سكام بين نانيع 
الديني ودراساتهم العلمية. لم يكن يساورهم شك 50000 وكان العديدون منهم 
مدركين لعيوب منجزاتهم. فلم يكن المراد من هذه البراهين أن تقنع غير المؤمنين» لأنه لم 
يكن بينهم ملحد بالمعنى الحديث للكلمة. ولذلك كان هذا اللاهوت الطبيعى ليس مقدمة 
لتجربة دينية بل مرافقاً لها: لم يكن الفلاسفة يعتقدون أنه ينغي عليك أن قي نفلك 
عقلانياً بوجود الله قبل أن تتاح لك تجربة صوفية. فإن النتيجة كانت الإيمان تماماً فسرعان 
ماحل إله المتصوفين محل إله الفلاسفة في العوالم اليهودية والإسلامية والأرثوذوكسية 
اليؤنانية: 


الفصل السابع 
إله المتصوفين 


طورت اليهودية والمسيحية والإسلام ‏ بدرجة أقل ‏ فكرة إله شخصىء ولذلك ميل 
إلى الاعتقاد أن هذا المثال يمثل الدين فى أفضل صوره. فالإله الشخصى قد ساعد الموحدين 
على تبجيل المقدس» وحقوق الفرد الثابتة» وعلى تنمية احترام للشخصية الإنسانية. وهكذا 
فقد ساعد التراث اليهودي - المسيحى الغرب على اكتساب النزعة الإنسانية التحررية التى 
يقدرها الغرب كثيراً. فهذه القيم كانت أساساً محفوظة في إله شخصي يقوم بكل مايقوم 
به كائن بشري: فهو يحلب» يحاكم» يعاقب» يرى» يسمعء يخلق ويدمر كما نفعل نحن. 
لاحقة رمزا للتعالى» وغدت أفكاره غير أفكارنا» وكانت دروبه تحلق فوق دروبنا مثلما تعلو 
الا ل فالإله الشخصي يمكس رؤية دينيةهامة؛ :فآية قيمةاسامية لمكن أن تكون 
إلا قيمة بشرية. فكانت هذه النزعة التشخيصية مرحلة هامة ولاغنى عنها في التطور 
الألاقى والدينى. فقد نسب أنبياء اسرائيل انفعالاتهم وعواطفهم إلى الله» وكان على 
البوديين والهتدوص أن بيتخلوا ولا شخصيا إلى 'تحسيد اللقيقة العليا. :وكذلك جلت 
المسيحية شخصاً بشرياً مركز ال حياة الدينية» فكانت بذلك فريدة في تاريخ الدين: أي 
قامت بدفع النزعة التشخيصية المتأصلة في اليهودية إلى مداها. فمن المحتمل أن الدين 
لايستطيع أن يضرب جذوره دون درجة ما من هذا النوع من تحديد الهوية والتجسيد 
العاطفى. 

مع ذلك قد يصبح إله 9 شخصي عائقاً محزناً, فقد يكون مجرد صنم محفور على 
صورتناء اسقاطاً لاحتياجاتنا المحددة ونخاوفنا ورغباتنا. فنحن نفترض أنه يحب مانحب 


نك الا 


رركو ساكو مسري اموفنا بردلا مق أذ تجبرنا على التسامي عليها. فعندما نشعر أنه 
فاشل في منع كارئة» أو يرغب في مأساة اند يندز لنا فاسياً ومتوحشاً. فالاعتقاد السطحي 
أن كارنة ما هي إزادة الله يجنا تتبن أشياء هى أغتلا. غير ١مقيولة‏ التاد ولو أن لاد 
ع 08 ذلك تحديداً له. ولكان ذلك يعني أن الميل الجنسي يصبح مقدساً لدى 

نصف الجنس البشري على حساب النصف الآخرء ويؤدي إلى عدم توازن عصابي في 
المقدار الجنسي لدى الإنسان. وقد يكون الإله الشخصي خم ا .كيولا من أن سيا إن 
خارج حدودناء فإنه قد يشجعنا على البقاء راضين داخلهاء وقد يجعلنا قساة متوحشين 
ومكتفين ذاتيأء ومتحيزين كما يبدو هو. وقد يشجعنا على أن نحاكم؛ وندين» ونهمش 
يدلا من أن يلهمنا امحبة التي فعته أن تكن ابيا ميزاً لكل دين متقدم. ولذلك يبدو أن 
فكرة الإله الشخصي مرحلة في تطورنا الديني» وييدو أن جميع الأديان العالمية قد أدركت 
هذا الخطر فسعت إلى تجاوز المفهوم الشخصي للحقيقة المتعالية. 

بإمكاننا أن نقرأ الكتاب اليهودي المقدس على أنه قصة التشذيب» وقصة التخلي 
عن يهوى القبلي والمشخص الذي أصبح يهوه طناطالا. ومما لاجدال فيه هو أن المسيحية 
هي الدين الاكثر تشخيصا من بين الاديان التوحيدية, وقد حاولت مع ذلك تعديل عبادة 
الله المجسد بإدخال عقيدة الثالوث المتجاوز للتشخيص. كما أن المسلمين عانوا من تلك 
الآيات القرآنية التي تتضمن كلمات مثل «الله «يرى» يسمع» ويحاكم) مثل البشر. فهذه 
الأديان التوحيدية طورت تراثا صوفياً جعل إلهها يتسامى على النطاق الشخصيء ليصبح 
أكثر تمائلا مع حقائق الاستنارة» والأتمان البراهمية اللاشخصية. فالقادرون على الصوفية 
الحقة هم قلة من الناس فقط. لكن في هذه الأديان الثلاثة (عدا المسيحية الغربية) أصبح الله 
الذي يعرفه المتصوفون هو الإله المعياري وسط المؤمنين» حتى فترة حديثة نسبيا. 

لقد كانت الوحدانية التاريخية صوفية أساسأء فقد سبق أن رأينا الفارق بين تجربة 
متأمل مثل بوذا عن تجربة الأنبياء. فاليهودية والمسيحية والإسلام جميعها هي أديان عملية 
أساسأء مكرسة لضمان أن إرادة الله نافذة على الأرض كما هي في السماء. والدافع 
المركزي في هذه الأديان النبوية هو مواجهة أو لقاء شخصي بين الله والبشرية. فهذا الله 
معروف ا فهو يستدعينا إلى نفسه., يعطينا الخيان رفض أو قبول حبه واهتمامه» 
وهو يتصل مع البشر بواسطة حوار أكثر من اتصاله عن طريقة التأمل. فهو ينطق كلمة 

تصبح البوّرة الرئيسية في الولاء» والتي يجب أن تتجسد بشكل مؤلم في شروط الحياة 
لأأساوية والناقصة على الأرض. في المسييحية - التي ف الع تجسيدية بين الأديان الثلاثة) 


517 


عد العلاقة مع الله بانحبة. لكن الغاية من امحبة هي تدمير الأناء بمعنى من المعاني. فسواء 
فى الحوار أو الحب فإن الأنا هي 25 أبدية. وقد تكون اللغة بحد ذاتها قدرة تضفي 
ل عق 0 في مفاهيم تجربتنا الدنيوية. 


والأحدات السياسية الجارية ار ثم كان 27 فى 0 البدائية ا 5 
تحول الموحدون إلى الصوفية عادت الميثولوجية كي تؤكد نفسها من جديد على أنها 
الوسيلة الرئيسية للتجربة الدينية. هناك علاقة فقهية بين الكلمات الثلاث التالية: 
(أسطورة طالم)» (صوفية سن 5 /201)ء (سر [تعا5لامم)ء وهي د مشتقة من الفعل 
اليوناني 0 أي يغلق العينين والفم. وبالتالي فإن هذه الكلمات الثلاث لها جذر 
في تجربة الظلام والصمت2©27: وهي ليست كلمات شائعة في الغرب في أيامنا هذه. فغالباً 
ماتستخدم كلمة أسطورة كمرادف لكلمة كذبة: وإذا ماوردت في حديث عام فإنها تعني 
شيئاً ما غير صحيح. فالسياسي أو النجم السينمائي يستبعد الروايات البذيئة 0 
بتوليماة. إنها أضاطين: ويهير العلقاءة كذلله إلى آراء خاطئة من الماضي بقولهم: إنها 
أسطورية. فمنذ عصر التنوير توحي كلمة سر بشيء تاق اتناس وغاليا 1 
بالتفكير المبهم. وفي الولايات المتحدة تسمى قصة 0 تر وهي جوهر هذا النوع 
الذي يوحي بأنه ينبغي أن تحل المشكلة بشكل مرض. وسوف نرى أنه حتى المتدينين 
أصبحوا يعتبرون كلمة «سر) كلمة سيئة في عصر التنوير. وكذلك الأمر فإن كلمة الصوفية 
ترتبط في أغلب الأحيان بالمهووسين» أو المشعوذين» أو الهيبيين. فبما أن الغرب لم يكن 
أبداً متحمساً للصوفية ‏ حتى خلال أوجها في أصقاع أخرى من العالم» لذلك نجد قلة من 
الناس تفهم الذكاء والانضباط الأساسيين في هذا النوع من الروحانية. 

مع ذلك هناك بوادر تشير إلى أن مد الصوفية قد يعود. فمنذ عام ١55٠‏ مايزال 
الغربيون يكتشفون فوائد بعض أنواع من اليوغا. الأديان مثل البوذية - التي لها مزية عدم 
التلون بوحدانية غير كافية ‏ والتي قد حظيت بازدهار كبير في أورويا والولايات المتحدة. 
فالمؤلف الذي كتبه جوزيف كامبل 1أءطمدده© م1056 في الميثولوجيا لاتى رواجاً كبرا. 
وبالإمكان فهم الحماسة الدينية الكبيرة تجاه التحليل النفسي في الغرب كرغية بنوع ما من 
الصوفية» لأننا سوف نرى أوجه تشابه مذهلة بين كلا العلمين. لقد كانت الميفولوجيا 0 
محاولة لتفسير عالم النفس الداخلي. ولذلك اتجه فرويد ويونغ غريزيا إلى الأساطير القديمة 
كأسطورة أوديب كي يشرحا علمهما الجديد. وقد يشعر الناس في الغرب بحاجة إلى 
بديل عن النظرة العلمية انحضة للعالم. 


517 


فالدي: الصوفي اكثر مباشرة: ويميل إلى ان يحون اكثر نفعا فى وقت اعحنة من نفع 


له 


1 ب 0 4 2 5 - © > اس 3 11 1 ١‏ - 
ادي أمسيكر على و بشحل مسيق . فقواعد الصوفية تَتِتَاعد اخبير على العودة إلى 


الواحد 20263 أبداية 5 الأصاية, وعلى تنمية إحساس ثابت بالخضور . فالصوفية اليهودية 
اميك ة ١ع‏ كن قاف خلال القرنين الثانن والثالث ‏ والتى كانت بالغة الصعوبة بالنسبة الجمود 


كنات ا لال نمس اينات كان اليهود يريدون الهروب يعدا 
من عالم كانوا يعيد ود فيه مم طهدين مهمشين لى عالم , سماو أكبر قدرة. ققد تخيلوا 


الله كملك مقتدر لايمكن الوصول إليه إلا عبر 5 محفوفة باتخاطر عبر السماوات 
السيع. واستخدم المتصوفون لغة طنانة بليغة بدلا من أن يعبروا عن شهدم املو لجار 
امباشر البسيط. كره الأحبار هذه الروحانية» وكان المتصوفون قلقين في معاداتهم. مع ذلك 
لابد أن الصوفية» صوفية العرش (بمو1ء5(501 مومعط1) كما سمي لبت حاجة هامة 


. 


طانا'أنها استمرت فى النمؤ إلى تجانت" الدارين الكبرية الكنيرة التى «دسعك ديرا فق 
القبالة 18662181 الصوفية اليهودية الجديدة خلال القرنين الثانق عشر والثالث عشر. 
توحي التصوص الكلاسيكية لصوفية العرش التي دونت في بابل في القرنين الخامس 
والسادس أن المتصوفين الذي كانوا متحفظين على جاريهم كانوا د اع 
التراث الحبري ع يعتبرونٍ الجيل الول : من لجان معنا ل: الحبر أكيفا هناش والحبر 
اسماعيل 84 والح ر يونان أبطالاً لهذه الروحانية. لقد كشفوا عن نزعة تطرف حديدة فى 
الروح الم ليهودية بينما كانوا يحخمسوك قاقلة جديدة إلى الله بالنيابة 0 سُعبهم. 

كان لدى الأحيار تجارب دينية بارزة كما رأينا. ففي المناسبة التي نز زل ف فيها الروح 
القدس على الحبر يونان وعلى ابد تسكن نار من السماء كانوا يناقشون المغزى من 
00 الغريبة لرؤية عربة ا ويبدو أن العربة الغا ا قيال 

8 و م مص حر 

بالأمل حول مغزى قصة الخذلق 2 ا الغامض إلى عرق لله في 
أعاا لي سماواته قد أكد على الخخاطر لر التى تحيق بهذه الرحلة الروحية: 


قال أحبارنا: إن أربعة أشخاص دخلوا بستاناً وهم: عزاي, بن زوماء أهير, 
والخبر أكيفا. قال الخبر أكيفا لهم: عندما تصلون إلى صخور من رخام 
لاتقولوا: «ماء, ماء». لايسكن وسط بيتي عامل غش, المتكلم بالكذب 
لايتبت أمام عيني. تأمل بن عزاي ومات. وعنه يقول الكتاب المقدس: عزيز 
في عيني الرب موت أتقيائه. وتأمل بن زوما ومات. وعنه يقول الكتاب 
المقدس: هل وجدت العسل؟ كل كفايتك كي لاتصاب بتخمة فتتقيأة. 
وقطع أهير الجذور (أي أصبح من الهراطقة). ورحل الخبر أكيفا بسلاه”؟©. 


5718 


كان الحبر أكيفا قد بلغ من النضج مافيه الكفاية كي يعبر الطريق الصوفي دون أذىء» 
فالرحلة إلى أعماق العقل محفوفة بمخاطر شخصية كبيرة لأننا قد لانكون قادرين على 
احتمال مانجده هناك. وهذا مادعا جميع الأديان إلى التأكيد على أن الرحلة الصوفية 
لايمكن أن يحتملها الإنسان إلا بإشراف خبير يتمكن من ضبط مسار التجربة» ويرشد 
المريد عبر الأماكن الخطرة» ويتأكد من أنه لايزيد عن قوة احتماله مثل المسكين بن عزاي 
الذي ماتء وبن زوما الذي فقد عقله. ويشدد جميع المتصوفين على الحاجة إلى الذكاء 
والاستقرار العقلي. ويقول معلمو الزينية 268 أنه من غير امجدي أن يسعى شخص عصابي 
إلى علاج له في التأمل لأن ذلك سيجعله أكثر مرضاً. وينبغي ألا تعتبر ضلالاً السلوك 
الغريب والهمجي لبعض القديسين -- الأوروبيين الذين كانوا يحظون بتقدير كبير 
كمتصوفين. وتبين القصة السرية للحكماء والتلموديين أن اليهود كانوا مدركين لهذه 
المخاطر من البداية» فهم لم يسمحوا للشباب أن يصبحوا مُدْخَلينَ في قواعد العدااد حي 
يكتمل نضجهمء وينسع أن يكون التصيوق نزوي لدأ كن هن أنه "سابع ميا 


“لوعن اللصيوة أن برتحل إلى عرش الله عبر مملكة السموات السبع الأسطورية 
فكانت هذه الرحلة تحليقاً وهمياً فقطء ولم تؤخحذ حرفياً أبداء يل اعتبرت.ضعوداً رمزياً عبر 
مناطق العقل الغامضة, فقد يشير التحذير الغريب الذي أبداه الحبر أكيفا حول صخور من 
رخام إلى كلمة السر التي يجب أن ينطقها المتصوف في مراحل حاسمة متنوعة في رحلته 
لخيالية» وكانت تعتبر هذه الصور جزءاً من تدريب متقن. فكما نعرف في أيامنا هذه أن 
اللاشعور هو كتلة مولدة للصور التي تطفو إلى السطح في الأحلام والهذيان وفي النفس 
لشاذة أو في الظروف العصابية كالصرع أو الانفصام. لم يتخيل المتصوفون اليهود أنهم 
كانوا «فعلاً طائرين في السماءء أو داخلين إلى القصر الإلهي بل كانوا ينظمون الصور 
لدينية التي كانت تماد أذهانهم بطريقة مرتبة وذقيفة: فهذا كان يتطلب مهارة كبيرة 
وتخريا واستعداداً محددين. كان يتطلب كا اثلث للتدريب الذي تتطلبه اليوغا أو 
لزينية 265 اللتان تساعدان أيضاً الخبير أن يجد طريقة عبر متاهات الممرات 3 النفس. 
فالحكيم البابلي هاي غاون 0200 :112 483 - )٠١8‏ شرح قصة الحكماء الأربعة عن 
طريق تدريب صوفي معاصر. فالبستان يشيرء إلى صعود روح الصوفي إلى السماء السابعة 
حيث قصر اللهء ومن يود القيام هده الرصلة الناحليه الوهمية يحب أن يكون مباركا 
وتتوافر فيه صفات محلدة. فإن يود تأمل العربة السماوية وقاعات الملائكة عليه القيام 
يعض التدريبات الممائلة لتدريبات اليوغا والمتأملين في أصقاع العالم أجمع: 








محاة ة, يحب أن يضع رأسه بين وكبعيه هامسا 


2 03 


يجب أن يصرم أيا 

بصوت خفيض» 0 الله ورجهه إلى الأرض. وكنعيحة لذلك فإنه 

0 السحيقة. وسييدر وكأنه رأى الخارات السبع 
بعينيه, متنقلاً من قاعة إلى ا 


5 0 وكات ار 08 الذي ما مل إلى الستماء الثالنة قبل نحو 
بع عترة سق لم لمكن رمز , متأكداً من الكيفية التي يفسر بها هذه الرؤياء لكنه اعتقد 
ن الرجل (قد حمل إلى ! لهردوس »2 وسمم أشياء ينبعبي زيم وصفها بلغة بشرية)*” 4 


فالرؤى ليست غَايات بحد ذاتها بل ثم بى الجرية دينية لا يدك وصفهاء لأنها 
تتسجاوز المقاهيم العادية. وهذه الرؤّى مشروطة بتراث يي الدينى . فأطالم لم البهودي 
سيرى رؤى للسمار أت السبع لان مسخيلته الديتية مليثة بهذه ام ايه . ويرى البوديود 
كذتك صيوراً منوعده ة لبودا وبودهيستافاء وير السيحيون مرعم العذراء. 2 للدملا أن يعببر 
الحالم هذه المظاهر العقلية موضرعية أو 0 أي نيه آخر غير 0 ارما الي 
التعامل وتفسسير الرموز التي تظهر أثناء الأمل الركر ولك و الدإخلى. 


إحدى أغرب هذه الرؤى اليهردية القديمة. وأكثرها مناراً للجدل مرجودة 

في لقره لاد «أي يعد الارتفاع»ء يصيفب نص من القرن قامس و الشخصن الذي / 
حرقيال على عرش اللى وتسمي هذه الرؤيا الشخص باسم باجةده؟ا أي , اللالق؛). 
العمل أن وصفها الغريب ترؤية الله يقوم على ققرة من نشيد الأنشاد الذي كان نصه 
التوراني لدى الكبر أكيفاً. العروس تصض ححبيبها. 

حبيبي غض ومُوَرْد 

يعرف لو كان بين عشرة آلاففب 

رأسه ذهبي» ذهبي ختالص 

ع اواك جع عا مالك ترات 

عيناه كالحمام على مجاري المياه 

معسولتان باللين جالستان في وقبيهما. 

خذاه كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية. 

شقتاه تقطران مرا رائعاً. 


يداه حلقتانت من ا مرصعتان بالريرجد 
بطنه عاج ج أبيض “عل بالياقوت الأزرق. 
ساقاه عمود | رخيام مؤسستاك على قاعدتين ص أبريز. 


0 


1١‏ 1 مه 
57 كلبنانة 1 


182 


رأى البعض أ 03 الوضتق ذله لله إنما يشير إلى رعب أعيال مو اليهودء ويد 
شيور كوماه طقصره0) تتسخط5 بقياس كل طرف من أطراف الله المذكورة هنا. فى هذا 0 
الغريب قياسات محيرة لايستطيع العفل أن يفهمها. الوحدة الأساسية في القياس هي 
باراسنغ صوههرة5 تعادل نحو /١8١/‏ بليون إصبع؛ وكل إصبع قيد سن طرق الأرطن 
إلى الطرف الآخر. وهذه الأبعاد الهائلة تمير العقل» وتضع نهاية نحاولة تتبع أو تصور إصبع 
بهذا الحجم. وتلك هي الغاية. يحاول شيور كوماه أن يخبرنا 1 من امال قياس الله أو 
وصفه بكلمات بشرية. إن مجرّد اخاولة توضح استحالة هذا المشروع» وتعطينا معلومة 
جديدة عن تعالى الله. فليم ع ال ار الله 
الروحي ) الكامل 1 أن يجدوها تجديفاً. ولهذا ١‏ انيت انقو هذه القصة ميا عزن غير 
القارفين: وإذا مانظرنا إليها كنص فإنه يعملي الخبيرين المستعدين لمقاريتها بالطريقة 
الصحيحة وبإشراف روحي موجه نظرة جديدة عن تعالي إله يتجاوز جميع امجالات 
البشرية. لم يكن المقصود منها أن تفهم بشكل حرفي؛ وهي تنقل معلومات سرية بكل 
تأكيد. إنها سالة امتصاص متعمدة كانت تخلق إحساساً بالرهبة والعجب. 
تعرفنا هذه القصة على مقومين أساسيين للوحة الله الصوفية؛ وهما شائعان في 

الأديان الثلاثة المقوم الأول إنها تخيلية أساساً. أما المقوم الثاني فهو أن هذه اللوحة غير قابلة 
للوصف. ارب اا امح ري ادو روا الو 
في نهاية صعودهم. ليس هناك شيء رفيق ميحبب أو شخصي إطلاقاً حول هذ ذا الله وتبدو 
قداسعه ره وعندما يرونه كان ا الأبطال 0 يرددون الأناشيد التي تقدم م معلومات 
قليلة جداً عن اللهء لكنها تتخلق تأثيراً ها 

ممة قداسة, سمة قدرة, سمة مخيفة سمة رهبةء 

سمة خشرع, سمة يأسء: سمة رعبء تلك هي سمة لياس الخالق. 

أدوناي نعدمككى إله إسرائيل المتوج, يأتي إلى عرش مجده. لباسه منقوش 

بالداخل والخارج: ومغطى كله بل يهوى» يفرى. 


5 


فإذا كنا لانستطيع تخيل شكل منزر يهوى» فكيف نستطيع أن نأمل رؤية الله ذاته 
من ا حمل أن أشهر النصوص الصوفية اليهودية هو/ كتاب الخلق طة اعلا ععاء5 من 
القرن الخامس. لاتوجد فيه محاولة لوصف عملية الخلق واقعيأء وهو رمزي دون خجلء 
ويصور الله يخلق العالم بواسطة لغة وكأنه كان يؤلف كتاباً. لكن اللغة قد تحولت 
بالكامل» ورسالة الخلق لم تعد واضحة. فكل حرف من الابجدية العبرية ذو قيمة عددية 
فعن طريق جمع الأحرف مع الأعداد المقدسة وإعادة ترتيبها في تشكيلات لانهاية لها كان 
المتصوف يبعد عقله عن المضامين العادية للكلمات. كانت الغاية هي تغييب العقل وتذ كير 
اليهود أن ما من كلمات أو مفاهيم يمكنها أن تمثل الحقيقة التي كان يشير لها الاسم. 
فتجربة دفع اللغة حتى نهاياتها وجعلها تكتسب أهمية ليست لغوية كان يخلق إحساساً 
بآخرية الله. لم يكن المتصوفون يريدون حواراً مباشراً مع الله الذي عرفوه قداسة مسيطرة 
أكثر منه صديقاً أو أبأ عطوفاً. 
لم تكن صوفية العرش فزيدة. ويقال أن النبي محمد قد مر بتجربة مماثلة عندما قام 
برحلته الليلية من الجزيرةالعربية إلى الهيكل في أورشليم. لتلج مره خبرين فى رمه علي 
خصاد اتنتاوي» ولدى وضراء جياه إبرافيع وموس ولستوع وعد من الأنبياء الآخرين 
الذين أيدوه في مهمته النبوية. ثم بدأ جبريل ومحمد صعوداً خطراً في معراج عبر السماء 
السابعة» على رأس كل سماء نبي» وأخيرا وصل إلى العالم الإلهي. تحتفظ المصادر القديمة 
بصمتها حيال الرؤيا الأخيرة التي تشير إليها هذه الآيات القرآنية: 
ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى. 
إذ يغشى السدرة مايغشى. مازاغ البصر وماطغى, لقد رأى من آيات ربه 
الكبرى©. 
لم ير محمد الله ذاته بل رموزاً فقط أشارت إلى الوجود الإلهى: ففى الهندوسية 
شجرة المعرفة تحني حدود الفك رالعقلاني» إذ لاتوجد طريقة يظهر فيها الله إلى 5 الفكر 
العادية أو اللغة. فالصعود إلى السماء هو رمز إلى ابعد مدى تصله الروح الإنسانية الذي 
يعلّم عتبة المعنى النهائي. 
رمزية الصعود شائعة» وقد عرف القديس أوغسطين صَعوواً إلى الله مع أمه 
مونيكا في 05814 التي وصفها أفلوطين بلغته: 


رفعتُ عقولنا إلى أعلى بحب غامر باتجاه الأزلي ذاته. صعدنا خطوة خطوة 


555 


خارج كل أشيائنا المشتركة. والسماء نفسها حيث الشمس والقمر والدجوم 
تسكب النور على الأرض. صعدنا إلى أبعد من ذلك حتى بالتفكير 
الداخلي والحوار وتعجبنا من أعمالك ودخلنا إلى داخل عقولنا0©. 
كان صعود أوغسطين مليئاً بالصور اليونانية في سلسلة الوجود العظيمة بدلاً من 
الصور السامية للسماوات السبع. لم تكن هذه رحلة فعلية عبر الفضاء الخارجي إلى الله بل 
صعود عقلي إلى واقع داخلي. يبدو هنا التحليق الخيالي وكأنه شيء معطى من الخارج 
عندما يقول «رفعت عقولنا إلى أعلى» وكأنه هو ومونيكا 34010 كانا متلقيين سلبيين 
لله. لكن هناك قصد في هذا الصعود الثابت باتجاه «الوجود الأزلي). وهناك كذلك صور 
تمائلة لصعود نلحظه في حالة نشوة الشامان متموط؟ من سيبيريا إلى مععند؟ اعل و1 


كما عبر عنه جوزيف كامبل0"©). 


يعني رمز الصعود أن المفاهيم الأرضية قد يُرِكَثْ خلفاً. ولايمكن وصف معرفة الله 

التي لا تتحقق أخيراً على الإطلاق, لأن اللغة العادية لم تعد صالحة في هذه الحالة. فاليهود 
التصوفون يصفون أي شيء عدا الله. فهم يصفون مثزره» وقصرهء وبلاطه السماوي» 
والحجاب الذي يحجبه عن نظر البشرء ويمثل وصفهم هذا الأنماط الأبدية. ويؤكد 
المسلمون الذين تأملوا تحليق محمد إلى السماء على الطبيعة المتناقضة لرؤيته الأخيرة لله: 
فهو قد رأى ولم ير الحضور الإلهي” '2. ما أن يدخل المتصوف عالم الخيال في ذهنه حتى 
يصل إلى نقطة لاتستطيع المفاهيم ولا اللخيلة أن تحمله إلى أبعد من ذلك. وكان أوغسطين 
ومونيكا كتومين حيال هذه الذروة التي بلغاها في تحليقهما مؤكدين على تجاوزها الزمان 
والمكان والمعرفة العادية «تحدثا وهما يلهثان من أجل الله» وفي لحظة تركيز كاملة في القلب 
لامساه بشكل ما(2. بعدئذ كان عليهما أن يعودا إلى الكلام العادي حيث لكل جملة 
بداية ومنتصف ونهاية: 

لذلك قلنا: لو حدثت هذه النوبة لأي امرئ لكان سقط صامتاً. إذ كانت 

صور الأرض والماء والهواء ساكنة. إن تغلق السماوات ذاتهاء والروح ذاته 

لايحدث صوتاء ومتجاوزاً ذاته لا عن طريق التفكير بذاته. فإذا 

مااستبعدت جميع الأحلام والرؤى في الخيلة» إذا كانت كل اللغة وكل 

شيء عابر ساكناً؛ لأنه إذا استطاع امرؤ أن يسمع عندئذ هذا ماسيقولونه 

جميعاً «إننا لم نخلق أنفستاء نحن خلقنا هو ذلك الذي يوجد إلى 

الأزل. . ذلك ماكان عندما في تلك اللحظة سيدا وفي ومضة قدرة 

عقلية بلغنا الحكمة الأزلية التي تستقر خارج الأشياء كلها(" "2 


الا 


لم تكن هذه رؤيا طبيعية لإله شخصي: إنهما لم يسمعا صوته بأي وسيلة من 
وسائل التواصل الطبيعي: من خلال كلام عادي» أو صوت ملكك اونغ كلذل الطبيعة أو 
الرمزية في حلم. بدا وكأنهما قد «لامسا» الوجود الذي يقع خارج هذه الأشياء 


على الرغم من أن هذا النوع من الصعود مشروط فكريا بكل وضوح فإنه يبدو 
حقيقة حياتية لاجدال فيها. ومهما اخترنا لتفسيرها فإن الناس في ارجاء العالم وفي كل 
مراحل التاريخ قد مارسوا هذا النوع من التجربة التأملية. أطلق الموحدون على هذه الرؤية 
المناحية «رؤية الله»» وأعتقد أفلوطين أنها كانت معرفة الواحد «عره عط1»). وأسماها 
البوذيون نحة الاستنارة. الغاية هي أن هذا شيء أراد حصن الذي ين لديهم موهبة روخ مفةه 
القيام بها. فالمعرفة الصوفية للّه ذات عضا محددة شائعة بين الأديان 0ص إنها معرفة 
ذاتية تتضمن رحلة داخلية» وليست فيا لحقيقة موضوعية خارج الذات» ويتم القيام بها 
عبر الجزء المولد للصور في العقل» أي الذي يسمى عادة اميل أكثر مما هي مقدرة منطقية 
فطريةة أغيرا إعا خى يكلف اصع فق وال عه “ورياك فقا أو مودي مد 
تؤدي إلى رؤيا نهائية» فهي لاتأتي إليهم دائماً دون معرفتهم. 


يبدو أن أوغسطين قد تخيل أن البشر المتميزين كانوا قادرين أحياناً على رؤية الله في 
هذه الحياة: وأورد مثالين على ذلك هما موسى والقديس بولص. لكن البابا غريغوري 
العظيم  54٠0(‏ 4 10) الذي كان معلماً مشهوداً له فى الحياة الروحية بالإضافة إلى كونه 
حبراً قديراً لم يوافق أوغسطين فيما ذهب إليهء لم يكن متقفاء وبا أنه كان رومانياً نموذجياً 
كان لديه نظرة روحانية أكثر براغماتية فاستخدم تشبيهات السحابة» الضباب أو الظلام 
كي يوحي بغموض كل معرفة بشرية لله. لقد بقي إلهه محتجباً عن البشر في ظلام لايمكن 
اختراقة» ظلام أكثر إيلاماً بكثير من غيمة الجهل التي عرفها المسيحيون اليونانيون مثل 
غريغوري نيسا 9وولال< ودنيس. كان الله تجربة مقلقة بالنسبة لغريغوري؛ فقد أصر على أن 
الله صعب المنال. فليس هناك سبيل تستطيع استخدامه كي نتحدث عنه بألفة» و كأنما بيننا 
وبينه شيء مشترك. فنحن لانعرف شيئاً عن الله إطلاقاً لايمكننا التكهن حول سلوكه على 
أساس معرفتنا بالناس: «إذن هل هناك حقيقة فيما نعرفه عن الله؟ فعندما نكون عقلاء 
لانستطيع أن نعرف تماماً أي شيء عن الله)”*'©. كثيراً مايتحدث غريغوري عن الألم 
والجهد في مقاربة الله. سعادة وسلام التأمل يمكن بلوغهما للحظات قلائل بعد صراع 


كبير.فقبل تذوق حلاوة الله على الروح أن تشق طريقها نارج الظلام الذي هو عنصرها 
الطبيعى: 


إنها لاتستطيع أن تنبت بصيرتها على ذلك الذي رأته بلمحة سريعة داخل 
ذاتها. لأنها مجبرة بحكم عاداتها أن تغوص إلى أسفل. فى هذه الأثناء 
تلهث وتكافح وتسعى جاهدة للصعود فوق ذاتها لكنها تغوص عائدة 
منهكة إلى داخل ظلمتها المألوفة""©, 
بالإمكان الوصول إلى الله بعد «جهد جهيد يبذله العقل) الذي عليه أن يتصارع معه 
مثلما صارع يعقوب الملاك. الطريق إلى الله محفوف بالذنوب والدموع والإعياء. وكلما 
اقترب العقل منه لايسع الروح أن تفعل شيقاً سوى أن تبكي «تعذبها رغبتها إلى الله. ٠‏ فهي 
تجد راحتها في الدموع فقط لأنها تكون قد أنهكت:©! بقي غريغوري ترلكذا روها عد 
القرن الثاني عشرء واستمر الغرب يجد ‏ بكل وضوح - الله إجهاداً. 
فى الشرق تميزت المعرفة المريخة اله بالنور بدلا من الظلام. وطور اليونانيون شكلا 
مخعلفاً للصوفية البششرة في العالم أجمع. لم تكن هذه الصوفية تعتمد على التخيل والرؤيا 
بل كانت قائمة على التجربة الصامتة التي وصفها دينس الأورباغيتي. لقد تجنبوا جميع 
المفاهيم العقلانية عن الله. فكما شرح غريغوري نيسا في كتابه شرح نشيد الأنشاد/ 0 
مفهوم يدركه العقل يصبح عائقاً في وجه من يبحث». كان هدف المتأمل هو المضي إلى 
ماوراء الأفكار وجميع العصضووات مهينا: كاك لأبها ل تكون سوى إزياك:: يعد كذ 
سيحصل على «إحساس بالحضور»»؛ لايمكن تحديده» وبالتأكيد يتجاوز كل المعارف البشرية 
عن علاقته بشخص آخر"". لقد أُطلقَ على هذا الموقف الخشية؛ أو «الهدوء الداخلي؛ قما 
دامت الكلمات والأفكار والتصورات تقيدنا بالعالم الدنيوي هنا والآن» فلا بد أن يكون 
العقل قد أسكتته عمداً أساليب التركيز بحيث ينمي صمتاً انتظارياً. عندئذ بوسع المتأمل أن 
يأمل في فهم وجود يتجاوز كل شيء باستطاعته فهمه. 
كيف كان ممكناً معرفة الله الذي لاسبيل إلى فهمه؟ كان اليونانيون يحبون ذلك 
الترع من النقائض والخشية» وكانوا يلتفتون إلى الفارق القديم بين جوهر الله وقدراته أ 
أفعاله في هذا العالم والتي مكنتنا من فهم شيء عن الإلهي» فبما أنه ليس باستطاعتنا أبداً 
فهم الله كما هو بذاته لذلك فإن مانعرفه في الصلاة إنما هي القدرات لا الجوهر. بالإمكان 
وصف هذه القدرات على أنها أشعة الألوهة التي كانت تنير العالم» وتتدفق من الإله» 
لكنها مختلفة عن الله ذاته كاختلاف أشعة الشمس عن الشمس ذاتها. فهذه القدرات 
كانت تظهر إلهاً صامتاً تماماً ولاسبيل إلى معرفته. فكما قال القديس باصيل 82511: 


حا 


«نعرف إلهنا من خلال قدراته» فلا نوافق على أننا نقعرب من الجوهر ذاته لأن قدراته تنزل 
ا ري ني امنه9 2 شميك هذه لاني مهد القدم 
كر عق عع 5 مفهوماً . 0 اد في 1 الله. فيما كان الغرب . يرى الله 0 
الوصنول اإلنه 0 فى قدرة لاتتوقف وكان حاضراً فيها 0 ما. 

عندما نتعرف على القدرات في الصلاة» فإننا بالتالي نتحادث مع الله بشكل أر 
بآخر بينما تبقى الحقيقة التي لاسبيل إلى معرفتها مغلفة بالغموض. إفاجريوس بونتوس (-») 
8 المعروف بخشيته أصر على أن المعرفة التي لدينا عن الله في الصلاة لاعلاقة لها 
بالمفاهيم أو التصورات» بل إن معرفة مباشرة بالله تتجاوز كل المفاهيم والتصورات ولهذا 
السبب من الأهمية بمكان أن يعري الورعون أرواحهم كي تصبح عارية. فقد أخبر 
إفاجريوس رهبانه: 


«عندما تصلون لاتشكلوا داخلٍ أنفسكم أية صورة عن الله ولاتدعوا عتولكم 
توركل ع نانين أي تشكر, فبدلاً سن ذلك يجب عليهم «أن يقتربوا من اللامادي 
بطريقة لامادية»”” الاق لتر نوما عبرل سبيعية وبالتالي فهذه التجربة لم تكن 
عملية تأمل لأن «الصلاة تعني عزلا للفكر' 0 . فبالأحرى كانت فهماً حدسياً لله سوف 
يؤدي إلى إحساس بوتعنة ل كناد ميا تحرّر من الحيرة والوفرة وفقدان الأنا» وهي تجربة 
مائلة للتجربة التي أوجدها لمتأملون في أديان غير وحدانية مثل البوذية. فعن طريق الفطام 
المنهجي لعقولهم عن انفعالاتهم كالكبرياء» الجشع, الحزن, أو الغضب التي تقيدهم بالأنا 
سيتجاوز المختشون أنفسهم ويصبحون إلهيين مثلما كان يسوع على جبل التابور بعد أن 
حولته القدرات الإلهية. 

لقد شدد ديودوخوس: قاط 21000 أسقف فوتيك عغف]وام فى القرن الخامس على 
أن هذا التأليه ليس مؤجلاً إلى العالم الآخر بل بالإمكان بلوغه هنا على الأرض. لقد علّم 
طريقة تأمل كانت تكتمل النفقسن: بينها يسنشيق المتقون :الهواء عليه أن يدعو: يسرع ابن 
اللى واثناء الزفير يرددون «ارحمنا». وفي مرحلة لاحقة شذب الخاشعون هذا التدريب على 
النحو الي على لمتأملين أن يجلسوا ورؤوسهم وأكتافهم محنية» ناظرين إلى القلب أو 
السرة. نبغي أن يكون تنفسهم بطيئا بشكل يتيح لهم توجيه اهتمامهم إلى داخلهم» إلى 
ا كاف التدويين عبارماء وينبغي توخي الحذر, لأنه لايمكن ممارسته إلا 


511 


تحت إشراف خبير. وبشكل تدريجي يجد المتأمل أن بوسعه أن يضع أفكاره العقلانية برفق 
اننا كراهب بوذيء ويتلاشى التصور الذي كان يحيط بالعقل» وسيشعر أنه هو وصلاته 
واحد. لقد اكتشف المسيحيون اليونانيون الهم أساليب بقيت تمارس مندذ قرون 2 
الأديان الشرقية. فقد رأوا في الصلاة نشاطاً سيكوسيات "ينها افق امسر الغرنيون 
من أمثال أوغسطين وغريغوري أن الصلاة يجب أن تحرر الروح من الجسد. لقد أصَدٌ 
0 الكونفيسر 107 156 كلامطلعتة131 على «أن الإنسان كله يجب أن 
يصبح إلهأء مؤلهاً بنعمة الله الذي أصبح إنساناً ليصبح رجلاً كاملاً روحاً وجسداً 
بطبيعته» ويصبح إلها كاملا روحا وجسدا عن طريق النعمة الإلهية). سيشعر الخاشعون 
بهذه التجربة كتدفق طاقة ووضوح قوي؛ وآمرة جداً لايمكن أن يكون مصدرها سوى الله. 
فقد رأى اليونانيون في هذا التأليه استنارة طبيعية للإنسان» كما وجدوا إلهاماً في يسوع 
المتحول على جبل التابور» تماما كما كانت ضور بوذا مصدر إلهام للبوذيين» بوذا الذي 
بلغ أسمى مرتبة إنسانية. فعيد التحوّل هام جداً في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية» إنه 
يسمى عيد «الظهور)) أي تجلي الله. لم يعتقد لاون أن القوة» والجفاف». والهجر 
مقدمة لمعرفة الله: هذه مظاهر اضطرابات عصبية يجب علاجها. لم يكن اليونانيون يؤمنون 
بليل الروح المظلم. كان الدافع المهيمن عليهم هو التابور بدلاً من الجثمانية 6صهسععطاء© 
(أي الحديقة التي اعتقل فيها المسيح خارج القدس) والجلجلة (المكان الذي صلب فيه 
المسيح). 
ليس باستطاعة امرئ بلوغ هذه الحالات العلياء لكن المسيحيون الآخرون» بإمكانهم 
الحصول على نحة من هذه التجربة الصوفية فى أيقوناتهم. أما في الغرب فقد أصبح الفن 
الديني شيئاً فشيئاً تمثيلياً: صور الفن أحداثاً تاريخية من حياة المسيح أو القديسين. وفي 
بيزنطة لم تكن تعني الإيقونة إعادة تمثيل لأي شيء في هذا العالم» بل كانت محاولة 
لتصوير التجربة الصوفية التي لايمككن وصفهاء والتي يمر بها الخاشعون في شكل مرئي كي 
تلهم غير المتصوفين. فالمؤرخ البريطاني بيتر براون يشرح ذلك: «في اجا العالم المسيحي 
الشرقي كانت الإيقونة والرؤيا تضفي كل منهما الشرعية على الأخرى. نوع من تجميع 
عميق في مركز يؤري للمخيلة الجمعية. .. أكدت أن الخارق للطبيعة قد طغى بحلول القرن 
السادس على السمات البارزة الدقيقة في الأحلام وفي مخيلة كل شخص» “ولتي صورت 
عموماً في الفن. لقد كان للأيقونة قوة حلم متحقق)”' '. لم يكن امراد من الأيقونات أن 
تُعَلَم المؤمنين» أو أن توضح بعلرحة أن أفكاراً أو معتقدات» بل كانت مركز تأمل يزود 
المؤمن بنوع من نافذة على العالم الإلهي. 


5 / 


لقد أصبحت الأيقونات في مركز المعرفة البيزنطية لله وبحلول القرن الثامن 
أ ضرتفي وا لخلاف عقائدي حاد 2 الكئيسة اليونانية. وبدأ الناس يتساءلون عما 
كان الفنان رمم عندما ريسم البيع؛ أنه اخال. أن يحاول الفنان تصوير إلهه. لكن إذا 
زعم الفنان أنه كان يرسم بشرية يسوع فقط فهل كان هذنياً بالنسطورية أي المعتقد 
الهرطقي بأ بشرية يسوع والطبيعات الإلهية كاقت مختلفة مان فمحطموا الأيقونات 
كانوا يريدون تحريمهاء لكن راهبان شرعا في الدفاع عنها هما: حنا الدمشقي  "5557(‏ 
7 من رهبانية القديس ساباس 5898825 بالقرب من بيت لحم والثاني ثيودور (5 175 - 
م من رهبانية ستوديوز 5610105 بالقرب من استانبول. قال هذان الراهبان أن 
محطمي الأيقونات كانوا مخطبين في تحريمهم تصوير المسيح لأن التجسيد ‏ أي العالم 
الملدي والجسد البشري قد أعطيا بعد إلهيا وبالتالى فإن باستطاعة الفنان أن يصور هذا 
التنط امن البشرية:ألؤلهة: كان الفدان برسم 'صورة الله لأن المشيخ اللوغوس كان أيقرقة الله 
دون منازع. لايمكن احتواء الله في كلمات ولا يمكن اختصاره في مفاهيم بشرية» لكن 
بالإمكان وصفه بريشة الفنان أو في إشارات القربان الرمزية. 

كان ودع اليونانيين قائماً على الأفؤتارك إلى حد كبير» ثما أدى إلى هزيمة محطمي 
الأيقونات بمطالبة جماهيرية في عام 2٠١‏ . لم يؤد هذا التأكيد على أن بالإمكان توصيف 
الله إلى التخلى عن لاهوت دنيس. فقد دافع الراهب نيسيفوراس 60:25مع711 في كتابه 
لتبرير أكبر للصور المقدسة) أن الايقونات كانت «معبرة عن صمت الله وموضحة بذاتها 
عن سر لايمكن وصفه. ويتجاوز الوجود. فدون توقف ودون كلام كانت تمتدح نعمة الله 
في إيقاع اللاهوت المبجل انار ثلاثً"”©. فبدلاً من تلقين المؤمنين عقائد الكنيسةء 
ومساعدتهم في تشكيل مثل واضحة حول دينهم كانت الأيقونات تبقيهم في حالة 
إحساس بالسر. وعندما يصف تأثير هذه الرسوم الدينية يقارنه بتأثير الموسيقا: التأثير الذي 
لايوصف من بين الفنون» ومن الممكن الأكثر مباشرة. فالموسيقى تنقل الانفعال والمعرفة 
بطريقة لايمكن التعبير عنها بالكلمات أو المفاهيم. وقد أكد والعر باتر 91م ]11/21 - في 
القرن التاسع عشر أن الفن كله كان يطمح إلى بلوغ حالة الموسيقى. وكان المسيحيون 
اليونانيون في بيزنطة القرن التاسع يرون اللاهوت تواقاً لبلوغ مرتبة فن الأيقونات. فقد 
وجدوا أن بالإمكان التعبير عن الله في عمل فني بشكل أفضل مما يعبر عنه نقاش عقلاني. 
وبعد جدال في التعليل اللاهوتي [150108108:طك على امتداد القرنين الرابع والخامس كانوا 
يطورون لوحة الله التي كانت تعتمد على تجربة المسيحيين التخيلية. 


كان هذا ماعبر عنه تماما سيميون 82602 )١١77  4149(‏ رئيس دير صغير في 


لا 


دير القديس ماكراس 2120735 في القسطنطينية الذي أصبح يعرف فيما بعد بلقب 
اللاهوتي الجديد. فهذا النمط من اللاهوت لم يقم بمحاولة تعريف الله. فقد شدد سيميون 
على أنه لاسبيل إلى الحديث عن الله بأية طريقة إطلاقاًء وأن العصي على الفهم هو ممكن 
الفهم7” ©. فبدلاً من الجدال حول طبيعة الله اعتمد اللاهوت الجديد على التجربة الدينية 
الشخصية المباشرة. فكان مستحيلاً معرفة الله في كلمات مفهومية وكأنه مجرد وجود آخر 
نكون أفكاراً عنه» فالله كان سراً. والمسيحي الحق هو الذي حاز على تجربة واعية بالله 
الذي أظهر نفسه في بشرية المسيح المتحولة. فسيميون نفسه قد تحول من حياة دنيوية إلى 
التأمل بتجربة بدت أنها هبطت عليه من السماء. ففى البداية كان لديه فكرة عما كان 
يحدث» لكنه أصبح را درك أنه كان ول عدن ول وكأنما كان تنص فى 
النور الذي كان من الله ذاته. لم يكن هذا النور كالنور الذي نعرفه بالطبع» لقد كان خارج 
«الشكل أو الصورة أو التمثيل؛ ولايمكن معرفته إلا حدسياً عبر الصلاة»” "2 لم تقتصر هذه 
التجربة على النخبة أو الرهبان فقطء فالملكوت الذي أعلنه المسيح في الأناجيل كان اتحاداً 
بالله وبوسع كل امرئ معرفته هنا والان دون الانتظار حتى الحياة الآخرة. 
وققان: ان ابره «القيتة البجورة سرون وعين معروديه كريا وسهدا. ويدلا مزق 

الغا باليلمة المبعحيلة أي ومق «امسائل الى الاتوفطنك .بالكلمات: رعاو" 2١‏ حيث 
هبانه على التركيز على ما بالإمكان معرفته 0 متحولة في أرواحهم. فكما قال الله 
لسيميون فى إحدى رؤاه: «أجلء أنا الله» الواحد الذي أصبح إنساناً إكراما لك. وانظر 
إنني خلقتك كما ترى» وسوف أجعلك إلهياً»”"". لم يكن الله حقيقة موضوعية خارجية 
بل كان أميايا دائيا واستنارة شخصية. مع ذلك فرفض سيميون الحديث عن الله لم يقده 
لى قطيعة مع الرؤى اللاهوتية الماضية» لأن اللاهوت الجديد مبني بقوة على تعاليم أباء 
لكنيسة. وفي كتابه /ترانيم الحب الإلهي/ عبر سيميون عن المعتقد اليوناني القديم بتأليه 
لبشرية كما وصفه كل من أتانازيوس وماكسيموس: 

أيها النور الذي لايستطيع أن يسميه أحد, لأنه لااسم له. 

أيها النور بأسماء عديدة, لأنه يفعل في الأشياء جميعاً. 

كيف ترج نفسك بالعشب؟ 

فبينما تبقى دون تغير» لايمكن وصفك» 

فكيف تحافظ على طبيعة العشب دون أن يفنى'7"؟ 

فتعريف الله الذي كان يقوم بهذا التحول أمر محال لأنه كان خارج الكلام 

والوصف. مع ذلك كتجربة متحققة قد حولت البشرية دون أن تخرج عن كمالها «كان 


ع 





حرو 


الله حقيقة لاتقيل الجدل». لقد طور اليونائيون أفكاراً عن الله - مثل الثالوث والتجسيد ‏ 
أدت إلى فصلهم عن الموحدين الآخرين. مع ذلك كانت تجربة المتصوفين العقلية ذات 
قواسم مشتركة كبيرة مع تجربة المتصوفين المسلمين واليهود. 
مع أن النبي محمد كان مهتماً أساساً بتأسيس مجتمع عادل فإنه هو وبعض من 

رفاقه المقربين كان لديهم ميل صوفي» وطور المسلمون سريعاً ترائهم الصوفي المتميز فخلال 
القرنين الثامن والتاسع نشأ شكل زهدي من الإسلام إلى جانب الطوائف الأخرى؛ وكان 
الزهاد مهتمين بمثل مااهتم به المعتزلة والشيعة بثراء البلاط وبالتخلي الظاهري عن تمسك 
الأمة الأولى بالدين. لقد سعوا إلى العودة إلى حياة المسلمين في المدينة الأكثر بساطة من 
حياتهم» فلبسوا ملابس خشنة من الصوف التي كانوا يعتقدون أن النبي كان يفضلهاء 
ومن هنا جاءت تسميتهم «الصوفيين». لقد بقيت العدالة الاجتماعية أمراً حاسماً في 
تقواهم كما أشار إلى ذلك العلامة الفرنسي لويس ماسيغون 202551808 وأنامآ: 

«الدعوة الصوفية كقاعدة هي نتيجة ترد داحلي للوجدان على المظالم 

الاجتماعية» ليس على مظالم الآخرين فقط بل بالاساس وبالتحديد ضد 

أخطاء المتصوف»ء ورغبة عارمة بتطهر داخلي للعثور على الله باي 

0 

في البداية كان للمتصوفين قواسم كثيرة مشتركة مع الفرق الأخرى. فالمعتزلي 

العقلاني العظيم واصل بن عطاء (4 - 74/8) كان تلميذ الحسن البصري (0 - 77/8) زاهد 
المدينة المنورة الذي بجَل لاحمًا كأحد أباء الصوفية. كان العلماء قد 0 عيزون بين 
الإسلام والأديان الأخرى بحدة:» ويرون فيه الدين الوحيد الحق» وبقي المتصوفون مخلصين 
للرؤية القرآنية لوحدة الدين وسبيله الصحيح. كان الكثير من المتصوفين يبجلون يسوع على 
أنه نبي الحياة الداخلية. وقد عَدَّل بعضهم الشهادة لتصبح «لا إله إلا الله ويسوع هو 
رشوله» التئ: كانت :فيا صبحيتة لكنها كانت :ضمنياً استرازية. فحيك: يتحدث الفرآن 
عن إله العدل النتى يلهم اللقوف والقشية محمد الزاهلاة رايعة العدوية وى د ١‏ 0٠م‏ تتتحدث 
عن الحب بطريقة يجدها المسيحيون مألوفة: 

طريقتان أحبك بهماء أنانية. وأخرى تليق بك 

إنه حب أناني لاأفعل شيئا سوى التفكير بك 

إنه لانقى حب عندما لاترفع الحجاب أمام نظرتي العابدة 

فالتمجيد ليس لي في هذه الطريقة أو تلك 

لك التمجيد في كليهما. إني أعترف0", 


حرم 


وهذا ممائل لدعائها الشهير: ربي إني أعبدك لاخوفاً من نارك» ولاطمعاً في جنتك: 
بل أعبدك كما أنت بجمالك الأزلي0©. لقد أصبح حب الله علامة بارزة فى الصوفية. 
ربما تأثر المتصوفون بالزهاد المسيحيين في الشرق الأدنى لكن كان نحمد تأثير حاسم عليهم: 
كانوا يأملون معرفة" الله كلما عرفها محمد عندما تلقى الوحي. ومن الطبيعي أنهم تأثروا 
بصعوده الصوفي إلى السماءء الذي أصبح المنظور الأسمى لمعرفتهم بالله. 


لفك أنشاوا أساليتب وقواعد ساعدت المتصوفين في أرجاء العالم على بلوغ حالة وعي 
بديلة. أضاف المتصوفون ممارسات الصيام والسهر الليلي» وإنشاد أسماء الله الحسنى 
كحلقة أساسية لمقتضيات الشرع الإسلامي الأنابية تاتز هذه المارسات كان رود 
أخياناً إلى شلوك نينا شاذا لاضابط له وكانوا يعرقون بالقترفييق واعدورين مره 
أول هؤلاء أبو يزيد البسطامي  0(‏ 875) الذي قارب الله كعاشق كما فعلت را 
أعتقد أن عليه أن يتعذب كي يرضي الله و5 يضحي باحتياجاته ورغباته - يصبح 
واحدا مع حبيبتة» كما يحدث في قصة حب بشرية. فالقواعد الاستبطانية التي تبناها 
لبلوغ غايته قادته بعيدا عن تصوره الشخصي لله. فبينما كان يقترب من نواة هوية الله شعر 
أن ما من شىء يقف بينه وبين الله» فى الحقيقة قد ذاب وتلاشى كل شىء فهمه على أنه 
ذات: 1 1 ١‏ 
تأملت الله بعين الحقيقة وقلت له: 
من هذا؟ فقال: «هذا ليس أنا وليس غير أناء فليس هناك إله غيري». ثم 
حولني من هويتي إلى داخل ذاته. ثم تحدثت إليه بلسان حاله قائلا: 
كيف تصير حالى بحالك؟ فقال «أنا أكون خلالك فلا إله إلا أنت0"". 
كان هذا إلهاً خارجياً «هناك) غريب عن البشر. اكتُشِفَ الله بممائلة غامضة في 
أعماق الذات. وأفضى التدمير المنهجى للأنا إلى إحساس بالامتصاص في وجود لايوصف. 
لقد أصبحت هذه الحالة من الفناء مركزية فى مثل الصوفية الأعلى. فقد أعاد البسطامي 
تفسير الشهادة بطريقة ما كان بالإمكان وكفها إلا تجديفاً لو لم يعتبرها مسلمون آخرون 
كثر أنها هي المعرفة الحقة للإسلام الذي أمر به القرآن. 
عُرف متصوفون آخرون باسع المتصوفين المعتدلين الذين فضلوا روحانية أقل إفراطً. 
فجنيد البغدادي )41١١  (‏ الذي أرسى أرضية لكل التصوف الإسلامي اللاحق أعتقد أن 
نزعة التطرف عند البسطامي قد تكون خطرة وعلَم أن الفناء يجب أن يعقبه البقاء أ 
العودة إلى ذات متسامية. فالاتحاد مع الله يجب ألا يدمر قدراتنا الطبيعية بل أن يحققها: 


5 


فالمتصوف الذي مزق أنانية غامضة كي يكتشف الحضور الإلهي في قلب وجوده سوف 
يعرف تُحقيق الذاث وضبط النفس بدرجة أكبرء إنه سيصبح أكثر كمالا إنسانياً. فعندها 
كان المتصوفون يكرون بتجرية الفناء والبقاء فإنهم يبلغون حالة اسماها المسبيحي اليوناني 
«تأليهأ». فضالة المتصوف ‏ حسب ,أي الجنيد ‏ هي العودة إلى حالة الإنسان البدئية في 
يوم الخلق: العودة إلى الإنسانية المثالية التي أرادها الله لهم؛ عودة إلى مصدر وجوده. 
فتجربة الانفصال والتغريب م ركزيتين للمتصوف ولهما نفس الاهمية للتجربة الغنوصية أو 
الأفلاطونية. وربما تمائل الانفصال الذي يتحدث عنه الفرويديون وأنصار كلين مزء1[© 
اليوم» على الرغم من أن المحللين النفسانيين يعزونه إلى مصدر غير وحداني. فعن طريق 
التدريب المنضبط الدقيق الذي يشرف عليه سيد متصوف قال الجنيد أن بالإمكان إعادة 
المسلم إلى الاتحاد مع خالقه» وبلوغ ذلك الاحساس الأصلي بحضرة الله مباشرة» هذا 
الإحساس الذي خبره عندما ولد من عضو آدم التناسلى كما يقول القرآن. فنهاية الانفصال 
والحزن اتحاد جديد مع ذات أعمق» هى ا الذات المراد تحقيقها. لم يكن الله وجوداً 

الآن قد عرفت يا ربي» 

ماذا يكمن في قابي. 

في السر معزلا عن العالم 

لساني كلم معبودي 

بشكل ما غدونا متحدين, أصبحنا واحداً 

مع أننا منفصلين إلى الأبد في حالتينا. 

بالرغم من أن خشية عميقة 

حجبت وجهك عني 

أشعر بك تلامس أعماقي”””© 


يعود التأكيد على الوحدة إلى المثل الأعلى القرآني /التوحيد/: فعن طريق جمع ذاته 
المشتتة سيتمكن المتصوف من معرفة حضور الله في تكامل شخصي. 


كان الجنيد مدركاً تماماً نخاطر الصوفية. سيكون من السهل علىالناس غير المدربين 
الذين لم يستفيدوا من نصيحة السيد والتدريب الصوفي الصارم أن يسيئوا فهم نشوة 
المتصوف» وبالتالي يحصلون على فكرة تبسيطية عما أراد بقوله أنه كان واحداً مع الله. 


دوس 


ويالنا كيك آثارت مزاعم البسطامي اللمبالغة غضب المؤسسة الدينية. ففي هذه المرحلة المبكرة 
كانت الصوفية تضم أقلية» واعتبرها العلماء بدعة لاأصل لها في الدين. . فحسين بن منصور 
تلميذ جنيد المعروف باسم الحلاج رمى بكل التحدوات مع الرياح وأصبح شهيد إيمانه 
الصوفي. بجول 5 العراق منادياً بخلع الخليفة ا نظام اجتماعي جديد. أودع 
الجن ال دللث وصّلِبَ مثلما صلب بطله يسوع. ففي حالة نشوته كان يصيح (أنا الحق». 
فوفقاً للأناجيل صاح يسوع الصيحة ذاتها عندما قال (أنا الطريق والحق والحياة». أدان 
القرآن تكراراً الاعتقاد المسيحي بتجسيد المسيح على أنه تجديف» ولذلك لم يكن مستغرباً 
إذا شعر المسلمون بصيحة الحلاج «أنا الحق) أنها تجديف, لأن الحق أحد أسماء الله وإذا ما 
ادعى إنسان هذا الإسم لنفسه فإنه يعني أنه قد جعل من نفسه إلها. كان الحلاج يعبر عن 
إحساسه بالاتحاد مع الله بأنه كان قريباً جداً لدرجة أنه كان يحس بتماهي الهوية عندما 
قال في إحدى قصائده: 


فإذا لسري أبصرتة وإذا أبصرته أبصرئنا9 ") 


لقد كان تعبيراً جسوراً عن تماهي الذات والاتحاد مع الله الذي أسماه الجنيد الفناء. 
رفض الحلاج إعلان التوبة عندما أتهم بالتجديف على الله فمات كقديس: 
عندما تم إحضاره كي يصلب. ورأى الصليب والمسامير, التفت إلى الناس 
وتلا دعاءً ينتهي بالكلمات التالية: «هؤلاء هم عبيدك الذين تجمعرا كي 
يذبحوني غيرة على دينك ورغبة في كسب رضاك. سامحهم ياربي» 
وارحمهم. لأنك لو ظهرت لهم كما ظهرت لي لما فعلوا مافعلوه. ولو أنك 
أخفيت عنى ما أخفيته عنهم لما تعرضت لهذه امحنة. فالحمد لك فيما تفعل؛ 
والحمد لك على ماتشاء”*©. 
صيحة الخلاج أنا الحق توضح أن إله المتصوفين ليس حقيقة موضوعية بل ذاتية 
عميقة. وقال الغزالي عن الحلاج أنه لم يكن مجدفاً على الله بل كان غير حكيم في إعلان 
حقيقة سرية قد تكون مضللة لغير المدخلين. دكن تكد الشيادة ليبن ها حقيقة سوى 
الله لذلك بحي الناس هم مقدسون أساساً فالقرآن يقول أن الله خلق آدم على صورته 
وبذلك يستطيع تأمل ذاته كما في مرأو "2 ولهذا السيسة أمر الله الملائكة أن تسحد 
وتعبد الإنسان الأول. قال المتصوفون إن خطأ المسيحيين هو أنهم اعتقدوا أن ينانا واحداً 
قد احتوى في شخصه التجسيد الكامل لله. فا لمتصوف الذي استعاد رؤيته الأمتلية للقن 


روفرف 


اكتشف الصورة الإلهية داخل ذاته كما ظهرت في يوم نال قاللتدوة الغرويم الدى اديه 
المتصوفون يصور الله ساحباً مسلماً نحوه؛ قريياً جدأً لدرجة أنه قد أصبح مجسداً في كل 
واحد مع عبده: (عندما أحبه أصبح أذنه التي بها يسمع» وعينه التي بها يرى. ويده التي 
بها يمسك. وقدمه التى يمشي عليها). كما توضح قصة الحلاج العداوة العميقة التي قد 
توجد بين المتصوف والمؤسسة الدينية التي لديها مفاهيم مختلفة عن الله والوحي؛ فالوحي 
بالنسبة للمتصوف هو حدث يحدث داخل روحه بينما يعتقد معظم التقليديين وبعض من 
العلماء أنه حدث ثابت راسخ في اي فقد رأينا أن الفلاسفة المسلمين ه في القرن الحادي 
عشر: مثل ابن سينا والغزالي وجدوا أن النقاشات الموضوعية لله كانت غير مرضية لذلك 
تحولا إلى التصوف. لقد جعل الغزالي الصوفية مقبولة لدى المؤسسة الدينية» وقد أوضح 
أنها الشكل الأكثر مصداقية لروحانية المسلم. فخلال القرن الثاني عشر ربط الفيلسوفان: 
الايراني يحي السهروردي» والاسباني المولد محي الدين بن العربي ربطا الفلسفة 
الإسلامية بالصوفية بشكل لاانفصام بينهماء وجعلا الله الذي عرفه المتصوفون حالة معيارية 
في أجزاء عديدة من الإمبراطورية الإسلامية. لقد قتل السهروردي مثلما قتل الحلاج - على 
يد علماء حلب في عام ١١5١‏ لأسباب لاتزال غامضة. فقد قام بالربط بين ماأسماه الدين 
الشرقي والإسلام؛ وكان هذا شغله الشاغل طيلة حياته ثم أكمل المشروع الذي اقترحه ابن 
سينا. لقد زعم أن جميع حكماء العالم القديم قد دعوا إلى معتقد واحد: فبالأساس كانت 
هذه الدعوات قد ابتدأت بدعوة هيرمس ووجع]] (الذي ماثله السهروردي بالنبى ادريس 
في القرآن أو إنوخ «ءودع في (الكتاب المقدس). وفي العالم اليوناني نقله أفلاطرن 
وفياغورث؛ وانتقل في الشرق الأوسط عبر الزرادشتية. فمنذ أرسطو على أية حال لف 
الفموط اذا دون اسك عقلية ودكرية أسيق آنا ميت لكنه كانه ينل شور مرا متك 
إلى آخر حتى وصل أخيرا إلى السهروردي نفسه عبر البسطامي والحلاج. كانت هذه 
الفلسفة المتواترة صوفية وتخيلية لكنها لم تكن تشمل التنكر للعقل. كان السهروردي متياً 
فكرياً مثل الفارابي لكنه شدد على أهمية الحدس فى مقاربة الحقيقة. فكما ورد فى القرآن» 
أنت الحقيقة كلها من الله؛ ويجب السعي إليها حيشما كانت. فقد توجد الحقيقة في الوثنية 
والزرادشتية مثلما توجد في تراث الوحدانية. فالصوفية - ليست على شاكلة الدين 
الدوغمائي الذي يعرض نفسه إلى نزاعات طائفية تنادي في أغلب الأحيان بأن عدد السبل 
إلى الله بعدد الناس. فالصوفية تحديداً سوف تطور فهماً بارزاً لدين الآخرين. 


يلقب السهروردي بشيخ الإشراق. فقد عرف الله عبر النور مثله مثل الإغريق. 
فكلمة الإشراق في العربية تشير إلى أول ضوء للفجر الذي يأتى من الشرق» إضافة؛ إلى 


5 


إشارتها إلى الاستنارة: وبالتالي فالشرق ليس هو الموقع الجغرافي بل مصدر النور والطاقة. 
قفي العقيدة السهروردية الشرقية يتذكر البشر مصدرهم بشكل معتم» ويشعرون بالقلق في 
هذا العالم من الظل» ويتوقون إلى العودة إلى مثواهم الأول. قال السهروردي أن فلسفته 
سوف تساعد المسلمين على العثور على توجههم الصحيح كي ينقوا الحكمة الأزلية 
داخلهم عن طريق المخيلة. 

كان نظام السهروردي البالغ التعقيد محاولة للربط بين جميع الرؤى الدينية في 
العالم في دين روحي واحد. يجب البحث عن الحقيقة حيثما كانت. وبالتالي فقد ربطت 
فلسفته الكو سمولوجيا الإيرانية ماقبل الإسلام بنظام الكواكب البطليموسي, وبخطة الفيض 
في الأفلاطونية المحدثة. مع ذلك لم تستشهد أية فلسفة بالقرآن مثلما استشهدت هذه 
الفلسفة. فعندما ناقش السهروردي علم نشوء الأكوان فإنه لم يكن مهتماً في تقديم عرض 
لأصول الكون المادية. وفي كتابه الرائع /حكمة الإشراق/ بدأ بمناقشة مشكلات الفيزياء 
والعلوم الطبيعية» لكن دراسته هذه لم تكن سوى مقدمة للجزء الصوفي من كتابه. لقد 
كان مثل ابن سيناء غير راض عن التوجه الكامل للفلسفة ال موضوعى والعقلانى. علماً أنه 
كان يؤمن أن التأمل الميتافيزيقي والعقلاني لهما دورهما في فهم الحقيقة الكلية. فالحكيم 
الحق في رأيه ‏ ينبغي أن يكون متفوقاً في الفلسفة والصوفية» ولابد من وجود دائم لهذا 
الحكيم في العالم. كانت نظرته قريبة جداً من نظرة الإمامية الشيعية: اعتقد السهروردي أن 
هذا القائد الروحي هو القطب الحق الذي لايمكن أن يستمر العالم دون حضوره؛ حتى ولو 
بقي متخفياً. فالصوفية الاشراقية السهروردية ماتزال تمارس في إيران» وهي منهج سري 
ليس لأنها خاصة بل لأنها تتطلب تدريياً روحيأ ومقدرة على التخيل؛ أي نفس التدريب 
الذي يخضع له الاسماعيليون والمتصوفون. 

ربما أطلق اليونانيون على نظام السهروردي دغماتيك بدلاً من كيرغماتيك. كان 
يسعى إلى اكتشاف النواة التخيلية الموجودة فى صلب الدين والفلسفة» فقد شدد على أن 
العقل ليس كافياء إلا أنه لم ينكر حق العقل في الغوص إلى أعمق الخفايا. يجب أن يتسم 
البحث عن الحقيقة بالعقلانية العلمية إلى جانب الصوفية السرية والمقدرة على الفهم يجب 
أن تنمى وتأتمر بالفكر النقدي. 

كانت فلسفة الاشراق ‏ كما يعني اسمها ‏ رمز النور الذي يرى كمرادف تام لكلمة 
الله.. ففي القرن الثاني عشر كان الله غير مادي» ولاسبيل إلى وصفه على الرغم من كونه 
أكثر حقائق الحياة وضوحاً في العالم: واضحة بذاتها كلياء وليست بحاجة إلى تعريف» بل 


5 


بحس بها كل امرئ أنها العنصر الفاعل الذي جعل الحياة ممكنة. كانت حقيقة واسعة 
الانتشار: فأية آية تعود إلى أجسام مادية كانت تأتي من النور مباشرة» مصدر خارج 
الأكياء .ترون لاون في كوسمولوجيا الفيض السهروردية كان المقابل لوجود الفلاسفة 
الضروري الذي كان بسيظاً جداً. ٠‏ نتج عن ذلك تسلسل متراتب تنازلي نوات كل نور 
معتمد في الاستقلالية على نور الأنوان وطور ذات ظلية كانت مصدر مملكة مادية تماثل 
أحد عوالم بطليموس. وكان هذا تشبيهاً لطبقات البشر. كان هناك دمج ممائل بين النور 
والظلام داخل كل منا: كان الروح القدس يسبغ النور أو الروح على اجنين (أو 0 
يسميه ابن سيناء نور عالمنا). تتوق الروح إلى الاتحاد مع عالم الأنوار الأعلىء فإذا 
هت بشكل مناسب من القطب (إمام عصره) أو أحد مريديه, فإنه يمككن لها أن تلتقط 

0 منه هنا على الأأرض. 

لقد وصف السهروردي استنارته في /الحكمة/. فقد سيطرت عليه مسألة معرفية 
كابس :لكنة لم سطع أن يحرز تعنما: فاطلاعه خلى الكتب .لم يقل لد .شنا :ثم رأى 
منظراً للإمام» القطبء, شافي الأرواح: 

فجأة لمي رقّة, وحدث ومض يخطف الأبصار ‏ ثم نور شفاف على شكل شرر, 

نظرت متمعناً. كان هناك, اقترب منيء وحياني بلطف أزال ارتباكي وهلعي. 

أفسح المجال لشعور بالألفة. وبعدئذ بدأت أشكو له عن مشكلتي مع هذه المسألة 

المعرفية. 

قال لي: استيقظ وستكون مشكلتك محلولة"". 

كانت عملية اليقظة أو الاستنارة مختلفة جداً عن إلهام النبوة الثقيل الوطء: فيها 
سمات مشتركة مع استنارة .بوذا الهادثة. لقد كانت الضوفية تدخل روحائية أكثر هدوءاً 
في أديان الله. 00 عن الاصطدام بوجوده من الخارج تأتي الاستئارة من داحل الملتصوف 
ذاته» إذ ليس هناك نقل لحقائق. فتدريب الغخفيلة البشرية ة سيمكن الناس من العودة إلى الله 
عن طريق إدخالهم في عالم المثل» أي عالم الصور النقية. 

اخذ السهروردي عن الاعتقاد الإيراني القديم بعالم نمطي بدئي حيث لكل شخص 
أو جسم في هذا العالم المادي الدنيوي نظيره ف في العالم السماوي وبنى على هذا الاعتقاد. 
فالصوفية تحيي الميثولوحيا القديمة» وأديان الله قد تم هجرها ظاهرياً. فالعالم السماوي الذي 
أصبح في نظام السهروردي عالم المثل أصبح الآن مملكة وسطاأً بين عالمنا وعالم الله» 
ولايمكن فهمها عن طريق العقل ولا الحواس. فمقدرة الخيلة المبدعة التي مكنتنا من 


لين 


اكتشاف مملكة اماد البدئية 0 مثلما كشف احير الرمزي 0 ع العنى 
كان امقر الحقيقي للأحداث 0 أو “عالم الملائكةاء. عند 7 به 3 ناقشناه فى 
الفضل الشابئ» "هلال سيكو أمرا انيما جميع المتصوفين الإسلاميين كطريقة لتفسير 
تجاربهم ورؤاهم. كان السهروردي يتحرى الرؤى التي كانت متمائلة بشكل مذهلء سواء 
رآها الشامان» أو اللتصوفونء أو الوجديون في حضارات عديدة. وقد حظيت هذه الظاهرة 
باهتمام كبير. فمفهوم يونغ عن اللاشعور ا جمعي هو محاولة لتحري هذه التجربة 
التخيلية العامة للبشرية. حاول علماء آخرون مثل فيلسوف الدين الأمريكي» الروماني 
الآ سيا إلياد علوناة وععه 381 أن يبين أن ملاحم الشعراء القدية أنو| 

مير 5 وبعض انرا 
الحكايات الخرافية إنما تستمد من الرحلات الوجدية والتحليق الصوفى”©. 


لقد أكد السهروردي أن رؤى المتصوفين ورموز الكتاب المقدس: كالسماءء الجحيم 
أو يوم القيامة» أكد أنها حقيقية مثل الظواهر التي نخبرها في هذا العالم لكن ليس بنفس 
الطريقة. ليس بالإمكان البرهنة عليها عملياً بل بالإمكان رؤيتها بالمقدرة التخيلية المدربة 
التي مكنت الحالمين من رؤية البعد الروحي في الظواهر الأرضية. فهذه التجربة لامعنى لها 
لأي امرئ لم يتلق التدريب المطلوب»؛ مثل الاستنارة البوذية تماماً التي لايمكن بلوغها إلا 
بعد القيام بالتدريب العقلي والأخخلاقي الضروريين. فأفكارنا ومثلنا ورغباتنا وأحلامنا ورؤانا 
لها مايقابلها في عالم المثل. فقد تنبه النبي محمد على سبيل المثال ‏ إلى هذا العالم 
الوسط ‏ أثناء حلمه الليلي الذي أخذه إلى عتبة العالم الإلهي. وقد زعم السهروردي أن 
رؤؤى (متصوفي العرش من اليهود) قد حدثت عندما تعلموا الدحول إن عالم المثل خلال 
تدرييات التركيز الروحي التي كانوا يتلقونهاء فالطريق إلى الله لم تكن عبر العقل فقط ‏ 
كما ظهر للفلاسفة ‏ بل عبر الخيلة المبدعة» أي مملكة التصوف. 

يشعر الناس في الغرب - اليوم - باليأس إذا قال لاهوتي بارز إن الله - بمعنى عميق - 
هو نتاج امخيلة» مع ذلك يبغي أن نوضح أن امخيلة هي المقدرة الدينية الأساسية» وقد عرّفها 
جان بول سارتر بأنها «المقدرة على أن تفكر بما هو ليس موجودً)” *"©. فالبشر هم 
الحيوانات الوحيدة الى لديها المقدرة على تصور شىء ما ليس -حاضراً أو غير موجود بعد 
بل مك لفحي وفكذا نان اغزلة هن المجلبالككامرع يورا ] مازاتا. الهانية "قن 
العلم والتكنولوجيا والفن والدين أيضاً. فمهما عُرَقْتْ فكرة الله فربما هي المثال الرئيسي 
على وجود غائب ‏ على الرغم من مشكلاته البنيوية» وقد ألهم البشر طوال آلاف السنين» 


ونا 


فالطريقة الوحيدة التي بها نستطيع فهم الله الذي ييقى خارج ماتدر كه حواسناء وخارج 
البرهان المنطقي هي عن طريق الرموزء ووظيفة العقل التخيلي الأساسية هي أن يفسر هذه 
الرموز. كان السهروردي يسعى إلى تفسير إبداعي لهذه الرموز التي كان لها تأثير حا سم 
على الحياة البشرية» على أن الحقائق» ماتزال تشير إليها أنها وهمية. بالإمكان تعريف الرمز 
على أنه شيء أو فكرة يمكننا أن ندركه بحواسنا أو بعقولنا لكننا نرى في الرمز شيئاً أكثر ما 
نرى في الشيء ذاته. فالعقل وحده لن يمكننا من فهم الشيء الاني أو الخالد أو الكوني على 
وجه الخصوص. تلك هي مهمة الخيلة المبدعة التي ينسب إليها المتصوفون والفنانون رؤاهم. 
إن أكثر الرموز الدينية فعالية هي تلك التي تأمر بها المعرفة والفهم الذكيان للشرط 
الإنسانى. فالسهروردي الذي كتب بلغة عربية جميلة كان ميتافيزيقياً بارعاً جدأء وكان 
فناناً مدعا وسصوقاً أيها كان رهص ؤي أسياء لارتجود النادقة ظاهرية ينها فكان قاذرا 
على مساعدة المسلمين على خلق رموزهم» وعلى ان يجدوا معنى جديدا واهمية في الحياة. 


كان محي الدين ابن العربي )١١1٠0 -1١١78(‏ أكثر انرا من السهروردي. 
نستطيع أن نرى حياته كرمز للفراق بين الشرق والغرب. كان والده صديقاً لابن رشد 
الذي كان متأثراً جداً بورع الشاب في المناسبة التي التقيا فيها. تحول ابن العربي إلى 
الصوفية أمناء مرض شسديد ألم به. غادر أوروبا في سن الثلاثين قاصداً الشرق الأوسظ: ٠‏ حج 
وأمضى سنتين مصلياً ومتأملاً في الكعبة؛ لكنه استقر أخيراً في ملاطية على نهر الفرات. 
وغالباً ما كان يلقب بشيخ العقبة طوطعاى (أي المعلم العظيم). لقد أثر تأثيراً عميقاً على 
المفهوم الإسلامي لله. لكن فكره لم يؤر على الغرب الذي اعتقد أن الفلسفة الإسلامية قد 
انتهت بابن رشدء وهكذا فقد آمنت المسيحية الغربية بإله ابن رشد الأرسطى بينما 
اختار معظم المسلمين» حتى وقت قريب نسبياً - إله المتصوفين ن التخيلي. 1 

في عام رأى ابن العربي أثناء طوافه حول الككعبة رؤيا كان لها تأثير اعد 
ومستمراً عليه: رأى فتاة شابة تدعى نظام محاطة بهالة سماوية؛ فأدرك أنها كانت تجسيداً 
للحكمة, أي الحكمة الإلهية. فهذا التجلى جعله يدرك أن من المحال أن نحب الله إذا 
اعتمدنا على الجدل الفلسفي العقلاني فقط. كانت الفلسفة تؤكد على تعالى الله المطلق» 
وتذكرنا أن ما من شيء يشبهه. فكيف نا أن نحب وجوداً غربياً كهذا؟ بيد أنه باستطاعتنا 
أن نحب الله الذي نراه في خلقه «إن تحب كائناً لجماله» فإنك لن تحب أحداً سوى الله 
لأنه هو الوجود الجميل)» هذا ل المكية. «وهكذا بل تمي حرام فإن 
موضوع الحب هو الله وحده)2 0 فالشهادة تذكرنا أنه لاوجود لإله أو الحقيقة مطلقة 





578 


سوى الله. وبالتالي لاوجود لجمال مستقل عنه . لانستطيع أن نرى الله ذاته» لكننا نستطيع 
أن نراه كما اختار أن يككشف عن ذاته في مخلوقات» مثل نظام التي ألهمت قلوبنا بالحب. 
على المتصوف خلق تحليات الله بنفسه كي يرى فتاة مثل نظام كما كانت فعلا. فالحب 
كان بالأساس اشتياقاً لشيءٍ يبقى غائباً. لقد أصبحت نظام «موضوع مسعاي وأملي» 
العذراء الأكثر نقاء». 


وكما شرح في مقدمة كتابه /الديوان/ الذي هو مجموعة قصائد 
«في الأشعار التي نظمتها للكتاب الحالي فإنني لاأنغي عن التلميح إلى 
الإلهام الإلهي والرؤى الروحية, وإلى أوجه الشبه بين عامنا وعالم الملائكة 
الشفاف لقد الترمت بطريقتي المعتادة ذ في التفكير وفي الرموزن لأن أشياء 


العالم اللامرئي تحذبني أكثر نما تجذبني أشياء الحياة الواقعية, لأن هذه 
الشابة تعرف قاماً ماكنت أث شير إليه0 6 


لقد حولت الخخيلة المبدعة, نظام» إلى تجل لله. 


مر دانتي الخيري بتجربة ممائلة في فلورنسا بعد مضي نحو /6١/‏ سنة تالية» عندما 
رأى بياتريس بورتيئاري. عندما نحها شعر أن روحه ترتعش بعنف» وبدا له وكأنه سمعها 
تصيح «توقف أيها الإله الأكثر قدرة مني» والذي يأتي كي يحكمني»» ومنذ تلك اللحظة 
فصاعداً كان دانتى مسيراً بحبه لبياتريس؛ التى تملكته «بسبب القدرة التى أمدته بها 
لم019 كانت ببائرين صوزة حب إلهي لهي وترئق ف “/الكويديا الإلهية/ كيين 
أحضر هذا الحب دانتي في رحلة وهمية عبر الجحيم إلى المطهر ثم إلى السماءء ومنها إلى 
رؤية الله. لقد استمد دانتي إلهامه من روايات صعود محمد إلى السماء» وكان رأيه بالغخيلة 
المبدعة ماثلاً بالتأكيد لرأي ابن عربي. قال دانتي أنه ليس صحيحاً أن اخخيلة تدمج الصور 
المستمدة من العالم الدنيوي فحسب - كما قال أرسطو ‏ بل كان مصدرها جزئياً من الله: 
آو أيتها الخيلة التي تحمليننا بعيداً 
من أنفسنا فتبقى منذهلين؛ ونعاني الصمم على الرغم من قراع ألف طبل حولنا. 
ما الذي يحركك عندما لاتريك الأحاسيس شيئاًا 
الور يحركك متشكلا في السماء بإرادة منه, 
من يرسلك إلى أسفلء أو أنه من صنع الذات59*)؟ 
في القصيدة كلها يطهر دانتي لقف حو العو اارقة بوالقببية دروكا لوضف 
المادي اس للجحيم يفسح ا إلى الصعود العاطفي الصعب إلى قمة المطهر» ومنه إلى 


19 


الفردوس الأرضي حيث تلومه بياتريس لأنه رأء ى كيانها المادي غاية بحد ذاته: كان عليه 
أن برها ريوا أو: طهنورا يقوده من العالم إلى الله. ففي الفردوس لاتوجد مقطوعات وصف 
مادية» حتى الأرواح المباركة وهمية» وتذكرنا بأن ما من شخصية بشرية 1 أن تصبح 
موضوعاً نهائيا للتوق البشري. وفي النهاية تعبر الصورة الفكرية الباردة عن التعالي المطلق 
لله الذي هو حارج ممخيلتنا. قد اتيم وال وله لوحة باردة لله في ارو كن 
التجريد يذكرنا أننا لانعرف عنه شيكاً في نهاية المطاف. 


كان ابن العربي مقتنعاً أن المخيلة هي مقدرة ينعم بها الله. فعندما كان المتصوف 
يخا تجلياً لذاته فإنه كان يولّد هنا على الأرض حقيقة كانت موجودة وأكثر كمالاً في 
مملكة الأنماط البدئية. فعندما نرى الإلهي في أناس آخرين فإننا نقوم بمحاولة تخيلية لإماطة 
0 الحق: خلق الله اتخلوقات مثل حجبء ومن يعرفها على هذا النحو يُعاد 
إلى الله لكن من ينظر إليها على أنها واقعية فإنه يُحْرَمُ من حضرة الله ؟©. وما بدا 
كروحانية شخصانية جداً مركزة على كائن بشري قادت ابن العربي إلى مفهوم عبر 
شخصي 70506550881 للّه. بقيت هذه الصورة للأنثى هامة بالنسبة لله: كان يعتقد أن 
النساء تجسيدات للحكمة هنطمه؟ الأكثر فعالية. أي الحكمة الإلهية؛ أنه يلهمن الحب 
في الرجال» هذا الحب الموجه نحو الله مباشرة. ينبغي أن نعترف هنا أن هذه النظرة 
ذكورية؛ لكنها كانت محاولة لإدخال بعد أنثري إلى دين إله كان يعتبر ذكورياً كاملاً في 
أغلب الأحيان. 


لم يعتقد ابن العربي أن الله الذي عرفه كان له وجود موضوعي. مع ذلك فد كان 
ميتافيزيقياً بارعاًء ولم يكن يعتقد أن بالإمكان البرهنة على وجود الله منطقياً. كان يحب 
أن يسمى نفسه تلميذ /الخضر/» ويطلق هذا الإسم على شخصية غامضة تظهر في القرآن 
كموجه روحي لموسى الذي جلب الشريعة الخارجية إلى الإسرائيليين فالله قد أعطى الخضر 
معرفة خاصة به عن ذاته» ولذلك نجد موسى يتوسل إليه كي يعلّمه لكن المخضر يخبره أنه 
لن يطيق معه صبراً لأن معرفته تقع خارج تجرية موسى الدينية” “© افليس عستتخدياً ميحاولة 

فهم المعلومات الدينية التي لم نخبرها نحن بأنفسنا. ويبدو أن معنى ١‏ سم الخضر يدل على 
اسم 11 . فحتى نبي له طبيعة موسى لايستطيع بالضرورة فهم 
أشكال الدين الخفية لأنه يجد نفسة - في القرآن - غير قادر على الصبر على الطريقة التي 
يعلمه بها الخخنضر. ويبدو أن معنى هذه الحادثة الغريبة يوحي أن مطبات الدين الخارجية 
لاتتطابق دائماً مع عامله الصوفي أو الروحي. فالناس - كالعلماء مثلاً ‏ قد يكونون غير 


5 


قادرين على فهم إسلام متصوف مثل ابن العربي. فتراث المسلم يجعل المخضر معلم كل 
الذين يسعون إلى الحقيقة الصوفية التي هي أعلى مرتبة ومختلفة تماماً عن الأشكال الخارجية 
الحرفية إنه لايقود تلميذه | إلى أحد مفاهيم الله الذي هو مثل مفهوم كل واحد بل يقوده إلى 
إله ذاتي بالمعنى الأعمق للكلمة. 


يحتل الخضر مرتبة هامة عند الاسماعيليين أيضاً. فعلى الرغم من أن ابن العربي 
كان :سيا إلا أن تعاليمه كانت قريبة جدأً من التعاليم الاسماعيلية» وبالتالي أدخلوها إلى 
لاهوتهم فكان هذا مثلاً آخر للدين الصوفي الذي كان قادراً على تجاوز التقسيمات 
الطائفية. لقد أكد اين عربى مثلم فعال الاسماعيليون على رحية الله الى كانت قف 
على شين كاد عم الأمبالاةا الره ند الفلاسفة. اله الممصوقيق كان خرافا: فى تاق 
مخلوقاته. واعتقد الاسماعيليون أن كلمة الله مشتقة من جذرها العربى ولهٌ: أي يكون 
حزيناً أو يتنهد و ففى الحديث الشريف يقول الله: «كنت كتزاً دفيناً وثُقَتٌُ كى 
أعرفٌ. ثم خلقت الخلق كي يعرفوني». ليس هناك برهان عقلاني على حزن الله إنما نعرفه 
فقط من خلال توقنا إلى شىء ماء فإما أن نلبى أعمق رغباتناء واما أن نفسر مأساة الحياة 
وأنيا فطلا آنا معدر فوج على :متورة الله كلك غلينا أن بتكن الله المعال الأخلن .' ويجث 
أن يعكس توقنا إلى الحقيقة التي نسميها الله تعاطفاً مع رحمة الله. تخيل ابن العربي الإله 
الوحيد متنهداً» يملأه توق» لكن هذا التنهد (نَمّسُ رحماني)» لم يكن تعبيراً عن شفقة ذاتية 
جياشة. كانت فيه قدرة إبداعية فعالة خلقت كونتا كله. فقد زفر أيضاً كائنات بشرية 
أصيعت لوقوي أ0ه1 أي كلمات تعبر عن الله لذاته. يستتبع ذلك أن كل كائن بشري 
ال سيك اليل :للد سيره يرا إناف يطريقة خافية لكر 


كل واحدة من هذه اللوغويات الإلهية هى أسماء الله الحسنى التى سمى نفسه يهاء 
جاعلاً نفسه حاضراً في كل تَجلٍ من تجلياته» | إذ سن بالا كات تانكس لدف عبن بعر 
واحد لأن الحقيقة الإلهية لاتنضب. وبالتالي فإن الإلهام الذي خلقه الله في كل واحد منا 
فريد مختلف عن الله الذي يعرفه عدد لايحصى من البشر الذين هم لوغويات (ه). ستعرف 
فقط إلهنا لأننا لانستطيع التعرف إليه موضوعياًء ومن حال معرفته بنفس الطريقة التي يعرفه 
فيها أناس آخرون. يقول ابن العربي: دكل كائن له إله. إله خاص به؛ فليس ممكناً أن يكون 
لديه كلية الإله». وكان يحب الاستشهاد بالحديث «فكروا في نعم الله ولاتفكروا 
بالجوهر «الذات)*». إذ لاسبيل إلى معرفة حقيقة الله الكلية» يجب أن نركز على الكلمة 
امحدودة المنطوقة في وجودناء وكان يحب أن يسمى الله العماء أي «السحابة» أو 


«العمى)0*؟»2 كى يؤكد على أنه لاسبيل إلى فهمه, لكن هذه اللوغوي البشرية تكشف 


54١ 


أيضاً الله المستتر لذاته. إنها عملية ذات مسلكين: الله يتنهد كي يصبح معروفاً ويتخلص 
من عزلته من قبل الناس الذين يكشف عن نفسه فيهم. فحزن الله غير المعروف يهدأً بالله 
المتجلى فى كل كائن بشري يجعله معروفا لنفسه. فالإله المستتر في كل فرد يتوق إلى 
العودة إلى مصدرة» وهذا اجنين الإلهي يلهم توقنا. 


كانت الألوهة والإعترنة "مظهوي: ني قياف الالهية الي تيبي الكون بأكمله. كانت 
هذه الرؤى ممائلة للفهم اليوناني لتجسد الإله في يسوع, لكن لم يك بامقطائعة ايخ العربي 
قبول فكرة أن كل كائن بشري ‏ مهما كانت قداسته ‏ يعبر عن حقيقة الله اللامتناهية. 
فأعتقد بدلاً عن ذلك أن كل امرئ كان تجلياً فريداً للإله. لد طور رمز الإنسان الكامل 
الذي جسد سر الله المتجلي في كل جيل خدمة لمعاصريه. مع أنه لايجسد بالطبع حقيقة 


الله كلها أو جوهره المستتر ى. كان النبي محمد هو الإنسان الكامل في جيله» وفنديدا زكرا 
فعالاً للإله. 


كانت || لصوفية التخيلية الاستبطانية بحثاً عن سبب الوجود في أعماق الذات. فقد 
صريك المتصوف من اليقينات التي كانت تتسم يها :شكال الدون الأعر .دوغيائية:فنما 
أن لكل رجل وامرأة معرفة فريدة بالله» بالتالي ليس باستطاعة دين ما أن يعبر عن السر 
الإلهي كاملة. فليس هناك -حقيقة موضوعية عن الله يتوجب على الناس تأييدهاء لأن هذا 
الله يتجاوز مجال الشخصية؛ والتكهنات حول سلوكه وميوله أمر محال ومن غير المقبول 
إحساس المرء بتعصب حيال دينه على حساب دين آخر؛ لأن مامن دين لديه حقيقة الله 
بأكملها. لقد طور ابن العربي موقفاً إيجابياً تجاه الأديان الأأخرى المذكورة في القرآن» 
وبذلك نادى بالتسامح الديني: 
قلبي قادر على كل شكل: صومعة الراهب, معبد الأصنام, مرعى للغزلان, 
مريدوا الكعبة» ألواح التوراة والقرآن. الحب هو الدين الذي اعتنقه. فحيثما 
تسير جماله مايزال الدين الحق ديني430. 
فإله الإنسان ا في البيت» في الكنيس في المعبد» في الكنيسة والمسجد لأنها 
جميعاً تقدم خحشية من للها و مااستخدم ابن ب عبارة «الله الذي خلقته 
الأديان»» وحرفياً ا 3 قش الاعتقاد). وقد تكون العبادة انتقاصاً إذا ماكان معناها الله 
الذي خلقه البشر في دين محددء وإذا مااعتبر نظيراً لله ذاته. فهذا سيؤدي إلى عدم 
التسامح والتعصبء فبدلاً من صنمية كهذه قدم ابن العربي هذه النصيحة: 


لاتفيد نفسك بأية عقيدة وحيدة بحيث تكذب اللمعتقدات الباقية» وإلا 


54 


ستخسر خيراً كثيراً. بل ستتخفق في التعرف على الحقيقة الفعلية للمسألة, 
فالله الكلي الوجود والقدرة ليس محدوداً في عقيدة وحيدة لأن الله يقول 
«فأينما تولوا فم وجه الله». فكل امرئ يمجد مايعتقده. فإلهه هو مخلوقه 
هوه وبتمحيده إنا يمجد نفسه. وبالتالي فإنه يوجه اللوم إلى المعتقدات 


الأخرى, ولو كان عادلاً لما فعل ذلك, لكن كراهيته مبنية على الجهل” 00 

إننا لانرى أي إله سوى الاسم الشخصي الذي تكشف لناء وأعطي وجوداً ملموساً 
في كل منا. وبالتالي فإن فهمنا لربنا الشخصي مشوب بالتراث الدينى الذي ولد فينا. لكن 
المخصوف العارف يعرف أن إلهنا هذا هو بكل بساطة ملاك أو رمز ممهدد للإله الذي ينبغي 
عدم الخلط بينه وبين الحقيقة المستترة ذاتها. وبالتالي يرى جميع الأديان امختلفة تجليات 
صحيحة. فبينما يقسم الله في الاديان الاكثر دوغمائية البشر إلى معسكرات متحاربة نجد 
إله المتصوفين قوة موحدة. 

كانت تعاليم ابن العربي عويصة بالنسبة للغالبية العظمى من المسلمين» ولذلك لم 
تصل إليهم. فخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر لم تعد الصوفية حركة أقلية بل 
أصبحت اتحاهاً إنلذيا مسيظ را ة فى أجزاء عديدة من الإمبراطورية الإسلامية. فتأسست في 
هذه الفترة الطرائق الصوفية» كل منها له تفسيره الصوفي للدين» كان للشيخ المتصوف 
تأثير كبير علىالعامة» وكانوا يقدرونه كقديس بالطريقة نفسها التى كان فيها الشيعة 
يقدرون أئمتهم. تميزت هذه الفترة بعدم الاستقرار السياسي: كانت الخلافة في بغداد 
تتفسخ, وكانت القبائل المغولية تدمر المدن الإسلامية الواحدة تلو الأخرى. كان الناس 
يريدون إلهاً أكثر مباشرة وتعاطفاً من الله البعيد الذي دعا إليه الفلاسفة والفقهاء. 
فالممارسات الصوفية /الذكر/ أي ترديد أسماء الله الحسنى كانت حلقة لبعث النشوة» 
فانتشرت خارج الطرائق. فالتدريبات الصوفية التي تقوم على التركيز» وأسالييها المصممة 
بدقة كبيرة: كالتتفس والوضع الجسديء ساعدت الناس على الشعور بحضور متعال 
داخلهم. لم يكن كل فرد قادراً على الحاللات الصوفية الأعلى بل ساعدت هذه التمارين 
الروحية الناس على التخلي عن مفاهيم الله التجسيدية التبسيطية» وعلى معرفته كحضور 
داخل الذات. فقد استخدمت بعض الطرائق - الموسيقا والرقص - لزيادة التركيز» وأصبح 
فرعا 0 نظن الناسن: 

شهر الطرق الصوفية هي المولوية التي يعرف أفرادها في الغرب ب «الدراويش الذين 

يدورون)» وكان رقصهم المناسب طريقة للتركين» فعندما يدور المتصوف حول نفسه 
كالمغزل» كان يشعر أن قيوده الذاتية كانت تتداعى بينما كان يذوب في رقصه» معطياً 


547 


إياه إحساساً بالفناء. مؤسس هذه الطريقة هو جلال الدين الرومي ١١١1(‏ - 77؟٠١)‏ 
الذي يناديه مريدوه «مولانا» أو (سيدنا». ولد في خراسان في اسيا الوسطى لكنه هرب إلى 
قونية في تركيا الحالية قبل وصول الجيوش المغولية. بالإمكان اعتبار صوفيته كاستجابة 
إسلامية لهذه الكارثة التي من المحتمل أنها جعلت الكثيرين يفقدون إيمانهم بالله. أفكار ابن 
الرومي مماثلة لأفكار معاصره ابن العربي» لكن قصيدته (المثنوي) التي غرفت بأنها /كتاب 
الصوفية المقدس/ لاقت قبولا بين الناس» وساعدت على نشر إله المتصوفين وسط المسلمين 
العاديين. في عام ١١44‏ أصبح رومي تحت تأثير تعويذة الدرويش المتجول شمس الدين 
ادق اققرء: ووفى "لادان "الكامل فى -صيلة «القك عقاف اهدي اللزيل آنه بيدا درن 
للنبى: واضر على متاذاته محمد. كانت م تو م ا لأنه كان يعرف عنه 
غنم الترائه بالجريعة والقانوف الإسلامى المتدين لأنه كات بسير قبن قوق تفاقاك كيده 
شعر مريدو الرومي بالقلق من الخبل الواضح الذي ألم بسيدهم. وعندما قتل شمس في 
أعمال حو ع بع روي را فكرس المزيد من الوقت للموسيقى والرقص 
الصوفيين. كان قادرا على تحويل حزنه تخيليا إلى رمز لحب الله. توق الله إلى البشرية 
وتوق البشرية إلى الله. سواء تحقق ذلك أم لاء فكل امرئ كان يبحث عن الله الغائب» 
وكان يشعر أنه منفصل عن مصدر الوجود: 

استمع إلى قصب اماء كيف يحكي حكاية, شاكياً من الفراق. فمنذ أن 

رحلت عن أيكة القصب أقمت مندبتي. الرجال والنساء يتأوهون؟ أريد 

صدراً مرقته الشدة. كي أفضي إليه بقدرة رغبة الحب كل امرئ متروك 

بعيداً عن مصدره يتمنى عودة الزمن الذي يتحد فيه معه(01» 

لقد اعتّقد أن الإنسان الكامل يلهم مزيداً من الناس العاديين بالسعي إلى الله: 
فشمس الدين أطلق في الرومي شعره /المثنوي/ الذي كان يغص بآلام هذا الفراق. 
رأى الرومي الكون كتجل لأسماء الله الكو واس اما راد التستر قن الامرونة عن 

قله الاسماب ركف عو عغضيك أن بحم اللدى يسما صرت اعنام أو هن عقا 
الرحمة التي كانت متأصلة في الطبيعة الإلهية. كان المتصوف 0-0 ف صراع لايتوقف 
(الجهاد) كي يميز رحمة وحب وجمال الله في جميع الأشياء وليعري كل شيء آخر. 
حرضت المثنوي المسلم على إيجاد البعد المتسامي في الحياة البشرية» وعلى أن ينفذ من 
خلال المظاهر إلى الحقيقة المستترة داخله. فالأنا هي التي تعمينا عن السد الكامن في جميع 
الأشياف تكن نا أن تخرج خارج الأنا حتى تصبح واحداً مع علة الوجود كله وليس 
كائنات منفصلة معزولة. أكد الرومي أن الله تجربة ذاتية 0 ويروي الحكاية الظريفة عن 


56 


52 والراعي كي يوضح الاحتوام الذي يجب أن نبديه لفهم الآخرين لله فذات يوم 
سمخ حوبت راغي يتحدث بألفة إلى الله: أراد الراعي أن يساعد الله أينما كان بغسل 
ملابسهء بانتشال القمل منهاء بتقبيل يديه وقدميه عند النوم. «كل مايمكنني قوله. تذكرك 
وحاتمة الصلاة» إي وآه او أصاب الرعب موسى. فإلى من تخيل الراعي نفسه 
يتحدث؟ إلى خالق السماء والأرط؟ لقد بدا اد وكأنه كان يتحدث إلى عمه: تاب 
الراعي وهام في الصحراء دون عزاء لكن الله وبخ موسى. إن الله لم يكن يريد كلمات 
معتقدية بل حباً متقداً وتواضعأء لم يكن هناك سبل صحيحة للتحدث عن الله: 

ماييدو لك خطأ هو صحيح بالنسبة له. وماهو سمٌ لامرئ عسل شخص آخر. 

الطهر والدنس, الكسل والاجتهاد في العبادة: لاتعني هذه شيئاً لي 

أنا بعيد عن كل ذلك. يجب ألا نعتبر طرق العبادة أن إحداها أفضل من الأخرى. 

فالهددوس يقومون بأشياء هندوسية, والدراويش المسلمون في الهند يفعلون 

مايفعلرن 

كل هذا تسبيح وكله صحيح. ففي أعمال العبادة ليس أنا من أَبَجَلْ إنهم 

العابدون. لاأسمع الكلمات التي يرددونها. أنظر إلى التواضع في الداخل. 

الخضوع الصريح هو الحقيقة ليست اللغة. انسوا العبارات. أنا أريد الاتقاد 

كونوا أصدقاء مع اتقادكم, أوقدوا تفكيركم وأشكال تعبيركه؟”. 

فأي كلام عن الله كان عبثاً مثل كلام الراعي لكن عندما كان المؤمن ينظر عبر 
الحجب ليرى كيف كانت الأشياء حقاً فإنه سيجد أن مايراه يكذب جميع المفاهيم البشرية 
المسبقة. 


في هذه الأثناء كانت المأساة قد ساعدت اليهود في أوروبا على تكوين مفهوم جديد 
عن الله فالنزعة الصليبية المعادية للسامية فى الغرب كانت تجعل الحياة أمرأ لايطاق في 
التجتمعات النهودية) فكان الكفرون ززيدون إليا شخضيا أ كر مباشرة من الإله البعيد الذي 
عرفه متصوفوا العرش. خلال القرن التاسع هاجرت أسرة كالونيموس 12210205 من 
جنوبي إيطاليا إلى ألمانياء وأحضرت معها بعضاً من أدب التصوف. وبحلول القرن الثاني 
عشر كان الاضطهاد قد أدخل تشاؤماً جديدا في التقوى الأشكينازية وقد غُيرٌ عنه في 
لفاك" نلئة ام 'أقراة هذه الأسلرة؟ عفد كل ادير مويل الأب كان كناب 
بن يهوذا الورمى (4 - )١١*٠0‏ الذي نسخ عددا من الكتيبات والنصوص الصوفية. لم 


قن 


يكن هؤلاء مفكرين فلاسفة ولا مفكرين منهجينء وتوضح أعمالهم أن أفكارهم كانت 
مقتبسة من مصادر عديدة. كانوا متأثئرين كثيرا بالفيلسوف سعدي بن يوسف الذي 
ترجنت عولقاته إلى العزية»وبالتسرون المتيحييق كل فزانسيسن الأساي تفن هذه 
المصادر المتنوعة تمكنوا من خخلق روحانية بقيت هامة عند يهود فرنسا وألمانيا حتى القرن 
السابع عشر. لقد أعلن الأحبار أن إنكار المرء لمسراته ذنب يرتكبه؛ فهذه المسرات قد خلقها 
الله. لكن الورعين الالمان نادوا بإنكار للذات ولذلك كان موقفهم مشابها لموقف الزهد 
المسيحي. فاليهودي يجب أن يرى ملكوت الله في العالم الآخر إذا أدار ظهره إلى 
المسرات؛ وإذا تخلى عن اللهو كتربية الحيوانات الأليفة في المنزل أو اللعب مع الأطفال. 
يجب على الأطفال أن ينمو إحساساً باللامبالاة تجاه الآخرء فلا يتأثروا بالسخرية 
والإهانات.. بالإمكان مخاطبة الله كصديق. فصوفية العرش لم تحلم بمخاطبة الله 
باستخدام كلمة أنت كما فعل اليعازار. وتسللت هذه الألفة إلى القربان المقدس» فقد تم 
تصور إله كان في حالة فيض وكان حاضرا في الوقت الذي كان فيه متعاليا: 

كل شيء هو فيك وأنت كل شيء, أنت تملا كل شيء وتوجهه, فعندما 

خلق كل شيء؛ كنت في كل شيء قبل أن يخلق كل شيء أنت كنت 

كل شيء9. 

لقد تم تعديل هذا الفيض بتبيان أن لاأحد يستطيع مقاربة الله ذاته, بل الله فقط كما 

أظهر نفسه إلى البشر في عظمته أو في «الاشعاع العظيم المسمى شيكنه». لم يكن الورعون 
قلقين من عدم الاتساق الظاهري؛ لكنهم ركزوا على مسائل عملية أكثر ما ركزوا على 
مسائل لاهوتية. فعلّم هؤلاء أخوتهم اليهود طرائق التركيز وحركات تزيد إحساسهم 
بحضور الله. كان الصمت أساسياً: يجب على الورع أن يغلق عينيه بإحكام» وأن يغطي 
رأسه بشال صلاة كي لايتشعت انتباهه» وأن يضكّر معدته وأن يصلك أسنانه. وضعوا طرقاً 
خاصة تشد إلى الصلاة» وجدوها أنها تشجع هذا الإحساس بالحضور. فبدلاً من تكرار 
كلمات القربان فقط يجب أن يقرؤوا الحروف المكونة لكل كلمة؛ ويحسبوا معادلها 
الرقمي» وأن يمضوا إلى أبعد من المعنى الحرفي للكلمة. يجب أن يركز اهتمامه إلى أعلى 
كي يشجع إحساسه بحقيقة أسمى. 


كان اليهود في الإمبراطورية الإسلامية أكثر سعادة من اليهود في بقية العالي لأنهم 
لم يتعرضوا للإاضطهاد وبالتالي لم يكن هناك داع لهذه التقوى الاشكنازية. فكانوا يطورون 


5475 


علا خديدا من اليهودية كاستجابة للتطورات الإسلامية. فكما حاول الفلاسفة اليهود ع 
الكناي قد فلسفياً كذلك حاول يهود آخرون أن يعطوا إلههم تقسيرا ريا ضيوفا. 
كان هؤلاء المتصوفون أقلية بادئ المي فكانت صوفيتهم سرية ينقلها سيد إلى مريد 
أسموها القبالة أو التراث الموروث. في النهاية سيتوجه إله القبالة إلى معظم البهود ويستولي 
على اللخيلة البهودية بطريقة لم ييلغها إله الفلاسفة. فقد هددت الفلسفة أن محل الله إلى 
تحريد بعيد, لكن إله المتصوفين كان قادراً على ملامسة تلك الخاوف والقلق الذي يكمن 
في مكانٍ أكثر عمقاً من العقلاني. كان متصوفوا العرش راضين بتأمل عظمة الله من 
الخارج: بيدما سعت القبالة إلى النفاذ إلى حياة الله الداخلية وإلى الوعي البشريء فبدلاً من 
التأمل عقلانياً في طبيعة الله والمشكلات الميتافيزيقية بعلاقته مع العالم» تحول القباليون إلى 
الخيلة. 

لقد استفاد القباليون» مثلما استفاد المتصوفون - من التمييز الغنوصي والأفلاطونية 
المحدثة بين جوهر الله والله الذي نلمحه في الكشفي وفي الخليقة. لاسبيل إلى معرفة الله 
ذاته) فهولا شخصي ولايمكن تصوره. فقد أسموا الله المستتر 5014 12 ((تعني حرفياً) دون 
نهاية. لانعرف عنه شيعاً: ولايرد ذكره ف فى التوراة أو التلمود لقد كتب مؤلف مجهول من 
القرن الثالث عشر أن 504 22 ين قاقر ل أن يصبح موضوع إلهام للبشرية”” ©». على 
العكس من يهوى لم يكن لل 501 50 اسم مونق» إنه ليس شخصاً. عقا إنه لكر هه 
أن نشير إلى الربوبية بالضمير هوء لغير العاقل. كان هذا فراق جذري عن إله التوراة 
والتلمود الشخصي جداً. لقد طور القباليون أساطيرهم كي تساعدهم على استكشاف 
مملكة جديدة من الوعي الديني. في محاولة لشرح العلاقة بين 504 25 ويهوى دون الوقوع 
فى الهرطقة الغنوصية» أنشأاً القباليون طريقة رمزية لقراءة الكتاب المقدس. لقد تخيلوا طريقة 
د طكلها فيل المتصوقوة ب يكفياك. الله بها عي ةا اليكيرية. لقا أطهر' ال 8867 تنه إل 
لمتصوفين اليهود في عشرة وجوه مختلفة عن الحقيقة الإلهية التي فاضت من أعماق 
لربوبية التي لاسبيل إلى معرفتها لأنه لايمكن سبر أغوارها. فكل مرحلة من التقوى كانت 
تمثل مرحلة في الكشف عن الله المستتر» ولها اسم رمزي نخاص بهاء ويحتوي كل من هذه 
لعوالم الإلهية على السر الكامل لله الذي يناقش تحت اسم خاص. فجعلت التفسيرات 
لقبالية كل كلمة من الكتاب المقدس تشير إلى واحد أو آخر من العوالم 5011 العشرة: 
وكل أية تصف حدثاً أو ظاهرة لها نظيرها في الحياة الداخلية النفسية. 


لقد رأى ابن العربى أن تنهد الله الرحيم ‏ الذي كان يكشفه للجنس البشري - مثله 





/اغ 5 


مثل الكلمة الي خلقت العالم. وبالطريقة ذاتها كان السفروت 561:0 هو في آنِ واحد 
الأسناء التي أعطاها الله لذاته والوسائل التي خلق بها العالم فهذه الأسماء تشكل اسمه 
الواحد العظيم الذي لايعرفه البشر. فكانت تمثل المراحل التي نزل بها الله المستتر من 
وجوده المنعزل الذي لاسبيل إلى معرفته إلى العالم المادي. وهي مرتبة في لائحة كما 9و 

١‏ العرش العظيم 

؟ ‏ الحكمة 

؟ ‏ العقل 

ل الرحمة 

ه ‏ القدرة (تتبدى 2 لي محاكمة شديدة) 

الشفقة. تدعى أحياناً الحمال 

ا الصبر الأبدي 

_الجلال 

8 الأساس. المنطلق 

٠‏ الملكوت «الشيكنة» 

تُصَوّر هذه الأسماء على شكل شجرة نامية رأسأ على عقب. جذورها في أعماق 
الله المستتر الذي لاسبيل إلى فهمه (انظر الشكل ص »)55١‏ وقمتها في الملكوت أي في 
العالم. تعبر الصورة العضوية عن وحدة الرمز القبالي. والله المستترهو النسغ الذي يجري 
فى أغصان الشجرة فيمدها بالحياق» موحداً لها فى وجود معقد وغامض. على الرغم من 
0 فارق بين الله المستتر وعالم أسمائه إلا أن الإثنين هما واحد مثلما يعتبر الفحم هو 
الجمر. تمثل هذه الأسماء العشرة عوالم النور التي تبين ظلمة الله المستعر الذي يبقى في 
غموض لاسبيل إلى النفاذ إليه.إنها مع ذلك سبيل آخر لتبيان أن مفاهيمنا عن الله لايمكن 
أن تعبر تماما عن الحقيقة التي تشير | 
ليس عالم السفروت حقيقة بديلة «هناك» بين الربوبية والعالم. إنها ليست درجات 

شل ين السماء والارضر؟ لكنها تكمن في العالم الذي نخبره بالحواس. وبما أن الله هو 
الكل في الكل فإن عوالم الأسماء موجودة وفعالة في كل شيء موجود. إنها تمثل أيضاً 
مراحل الوعي البشري التي يصعد المتصوف عبرها إلى الله عن طريق النزول في عقله هو. 
فقد صُوّْرَ الله والإنسان على أنهما لايفترقان. رأى بعض القباليين فى «السفروت» أعضاء 
الإنسان الأو لى التي أرادها الله أصلا. وهذا مادعا إليه الكتاب المقدس عندما قال إن الله 
خلق الإنسان على صورته: فالوجود الدنيوي هنا يقابل حقيقة بدئية في العالم السماوي. 


518 


فصور الله كشجرة أو كإنسان كانت صوراً تخيلية لحقيقة تحدت الصياغة العقلانية. لم 
يكن القباليون عدائيين حيال الفلسفة معظمهم كان يحترم سعدي» جاد وميمون بن 
موسى» لكنهم وجدوا أن الرمزية والميثولوجيا مُرضية من أجل النفاذ إلى سر الله أكثر من 
الميتافيزيتًا. 

الكتاب القبالي الأهم هو كتاب /الزهار/ ١575‏ أي كتاب النور)» ربما كتبه 
المتصوف الاسباني موسى الليوني 0ع ]0 5ع2405. عندما كان شاباً شعر بجاذبية تشده 
تدريجياً إلى الصوفية وتراث القبالة السري. هذا الكتاب هو نوع من الرواية الصوفية التي 
تصور التلمودي سميون بن يوهاي ‏ في القرن الثالث ‏ متجولاً في أرجاء فلسطين مع ابنه 
اليعازار» ومتحدثا إلى تلاميذه عن الله والطبيعة والحياة البشرية. فهي خالية من بناء واضح 
وليس فيها تطور منهجي في الموضوع أو الأفكار فمقاربة من هذا النوع ستكون غريية عن 
ف الزهار الذي رفض إلهه أي منهج فكري أنيق. اعتقد موسى الليوني - كما اعتقد ابن 
العربى - أن الله يعطى كل متصوف كشفاً شخصياً فريدآء وبالتالى لاحدود للطريقة التى 
بالإمكان تفاسير التوراة بها. فكلما يتقدم القبالي تتكشف له ا فوق مرتبة في المع , 
أوضح الزهار الفيض الغامض للأسماء العشرة كعملية يصبح بها الإله المستتر شخصا. في 
المراحل الثلاث العليا ‏ عندما يوك الله المستتر أن يكشف عن ذاته ‏ تدعى الحقيقة الإلهية 
هو (»ع2)6 وعندما ينزل عبر «السفروت» الوسط ‏ هسيدء» دن» تيفرث» نتشة) هود ويزد ‏ 
فإن (هو) يصبح «أنت). وفي نهاية المطاف أي عندما يصبح الله عام في الملكوت فإن 
«هو) نفسه يسمى ذاته «أنا 1). ففي هذه النقطة كما لو أن الله قد أصبح فرداء وتعبيره عن 
ذاته تامأ يستطيع الإنسان أن يبدأ رحلته الصوفية. فما أن يحرز المتصوف فهما لأعماق 
ذاته حتى يصبح مدركاً لحضور الله داخله» بعدئذ يستطيع أن يصعد إلى العوالم العليا 
اللخكضية مهارن بعدره المخصية” والأناية:. إنها 'عودة إلى تضكر «وجودنا الذي 
لاسبيل إلى تخيله» وإلى عالم الحقيقة غير المخلوقة الخفية. من هذا المنظور فإن عالمنا من 
الانطباع الحسي هو الدرع الأخون الأبجد للحقيقة الإلهية. 

في القبالة - كما في الصوفية - فإن قصة الخلق ليست مهتمة بأصول الكون المادية. 
فالزهار يرى سفر التكوين كعرض لرواية رمزية لكارئة حدثت داخل الله المستتر» والتي 
جعلت الرب يخرج عن استبطانه الذي لايسبر غوره» ويكشف عن ذاته: فكما يقول 
الزهار: 





في البداية عندما بدأت إرادة الملك تصبح نافذة, نقش إشارات في الهالة 

الإلهية. انبئق لهب أسود من أعماق معتزل 57501, مثل ضبابة تشكلت من 

اللاشكل» وأحاطت حلقة بهذه الهالة, لابيضاء ولا سوداء, لاحمراء 

ولاخضراء, ولا لون لها"”. 

فكما ورد في سفر التكوين أول كلمة لفظها الله هي «فليكن هناك نور)» وفي شرح 

الزهار لسفر التكوين ورد: «نادى الله بيرشيت ]1اوعم86 العبرية بعد كلمته الافتتاحية: 
هذا اللهب القاتم هو العرش العظيم دون شكل ودون لون. يفضل قباليون آخرون أن يطلقوا 
عليه كلمة لاشيء هدنط:ه/< . فالشكل الأعلى للألوهة الذي يستطيع العقل البشري 
تصوره مساو للاشيئيية 710111810655 لأنه ليس له مثيل من الأشباء في الوجود. وبالتالي 
تنبئق جميع العوالم الأخرى من رحم اللاشيئية. هذا تفسير صوفي للاعتقاد الترائي بالخلق 
من لاحي تستمر عملية تعبير الرب عن ذاته بيدما يبتعد النور الذي ينتشر في عوالم أكثر 
إتساعاً يتابع الزهار: 

لكن عندما بدأ هذا اللهب يأخذ حجماً واتساعاً. فإنه وَلّدَ ألواناً مشعة. 

لأنه انبفق بثر في أعماق المركز تدفقت منه ألسنة النيران على كل شيء 

أدنى منه مخبئا في أسرار الله المستتر الغامضة. انفجر البئر» ومع ذلك لم 

ينفجر مولداً الهالة الأبدية التي أحاطت به. لقد كانت مدركة بالكامل 

حتى تحت تأثير انفجاره سطعت نقطة سماوية خفية. لايمكن معرفة أو فهم 

أي شيء خلف هذه النقطة التي تُسمى بيرشيت,ء البداية كلمة الخلق 

ال 

هذه النقطة هي الحكمة, الاسم الثاني الذي يحتوي على الشكل المثالي لجميع 

قاد امخلوقة. تتطور النقطة إلى قصر أو بناء يصبح (ععمءععء 1م156 :طهمة8 العقل) 
الاسم الثالث. تمثل هذه العوالم العليا حدود الفهم البشري» يقول القباليون إن الله يوجد 
في 81585 «كمن 1/0) العظيمء هذه الكلمة التي تتصدر كل سؤال. لكن الحصول على 
إجابة ليس أمراً مكناً فعلى الرغم من أن الإله المستتر يعدّل ذاته تدريجياً بما يتوافق مع 
الحدود البشرية لذلك لاسبيل لدينا لمعرفة من هو «0ط#» : كلما صعدنا إلى أعلى كلما 
يبقى مغلفاً بالظلمة والسرية. 


يقال أن «السفروتات» السبعة تمائل أيام الخلق السبعة الواردة في قصة الخلق في سفر 
التكوين. لقد تمكن يهوى من الانتصار على إلهات كنعان القديمة وعلى عباداتها الجنسية 
أثناء الفترة التوراتية. لكن بيئما كان القباليون يجاهدون كي يعبروا عن سر الله كانت 


5١ 


الميفولوجيا القديمة تؤكد نفسها من جديد بشكل مُمَنّْ. يصف الزهار أن 5م81 هو الأم 
الكبرى التى اخترق اللهب القاتم رحمها كي يعطي ولادة السفروتات السبعة الأدنى. 
فالسفروت التاسع يوحي بتأمل القضيب 81110م» صور كقناة تتدفق خلالها الحياة الإلهية 
في الكون في عمل إنجاب صوفي. وفي السفروت العاسّر تظهر الرمزية الجنسية القديمة 
للخلق وأصل الآلهة” بوضوح شديد. كات املكوت قي التلموه شتخصية حتادية ذون. حنمن 
ونوع. بيئما يصبح الملكوت في القبالة ذا مظهر أنثوي لله. لقد عَوّف كتاب 
/البهير :8:1/٠٠٠١م‏ أحد أقدم نصوص القبالة عكف الملكوت بالشخصية الغنوصية 
صوفياء الفيض الأخير من الفيوضات الإلهية التي هبطت من السماء والآن هائمة ومغرّبة 

عن الرب في العالم. يربط الزهار هذا النفي للملكوت بهبوط آدم كي تروي القصة في 

يبفر التكوين .. تقول القصة أن آدم سمح له برؤية السفروت الأوسط :في اشجرة الحياة 
والملكوت في شجرة الها دامس جراد ارات السحيو غبار مهيز لكوت 
وحدم فاصلاً الحياة عن المعرفة ومزقاً وحدة السفروت. فلم يعد في وسع الحياة الإلهية أن 
تتدفق دون انقطاع في هذا العالم الذي عل عن مصدره الإلهي. فعن طريق الالتزام 
بالتوراة يستطيع شعب اسرائيل معالجة منفى الشكنة وتوحيد العالم بالرب من جديد. ليس 
مستغرباً إذا وجد العديد من التلموديين المتزمتين هذه الفكرة مقيتة» لكن نفى الملكوت 
الذي كان يعكس صدى الأساطير القديمة لإلهات همن بعيداً عن العالم'الإلمي أضبلخ 
واحداً من أكثر العناصر سُعبية في القبالة. فالملكوت الأنثى جلبت بعض التوازن الجنسي 
إلى فكرة الله التي كانه إن ماقي الذ كرف وقد لبت حاجة دينية هامة بكل وضوح. 


كانت فكرة النفي الإلهي موكقية” آنا إلى" سباي رالا اتناك" الع عو سيت 
معظم القلق الإنساني. يعرف الزهار الشر كشيء قد أصبح منفصلاء أو شيء دخل في 
علاقة لم يكن امناشياً لها. فإحدى المشكلات في الوحدانية الأخلاقية هي أنها تعزل الشرء 
لأننا لانستطيع قبول فكرة وجود الشر في إلهنا. فهناك خطر من أننا لن نكون قادرين على 
احتماله داخل أنفسناء وبالتالي يتم استبعاده بعدئذ ليصبح غولياً ولا إنسانياً. كانت صورة 
الشيطان المرعبة في المسيحية الغربية إسقاطاً مشوهاً. في محاكمة (دن) أو 
شتيرك أطعدمعع110ل صرعؤ5 عه داد1 من السفروت الخامس» 00 الزهار أن جذر الشر 
موجود في الله ذاته. صُوّر (دِن) على أنه يد الله اليسرى, والرحمة على أنها يده اليمنى. 
فطالما أن (دن) يعمل بانسجام مع الرحمة الإلهية فإنه إيجابي ومفيد, لكن إذا انفلت (دن) 
وأصبح منفصلاً عن الرحمة فإنه يصبح 0 ارا لايخبرنا الزهار كيف حدث هذا 
الانفصال. وسوف نرى أن القباليين المتأخرين فكروا في مشكلة الشر التي رأوها نتيجة 


0١ 


لحادث بدئي وقع في المراحل المبكرة جداً من كشف الله لذاته. فإذا ماتم فهم القبالة بشكا 
حرفي فإن معناها يتدنى» لكن أساطيرها أثبتت ل 
والمأساة بيهود اسبانيا خلال القرن الخامس عشر كان إله القبالة هو الذي ساعدهم على 
جعل معاناتهم ذات معنى. 

نستطيع أن نرى حدة سيكولوجية في القبالة في مؤلفات المتصوف الإسباني أبراهام 
أبو العافية 46112112 0د 46:2 )١1551١ - ١١ + ١(‏ الذي كتب معظم مؤلفاته في الوقت 
الذي كتب فيه الزهار. لكن أبا العافية ركز على الطريقة العملية لبلوغ الاحساس بالله أكثر 
من تركيزه على طبيعة الله ذاته. فهذه الأساليب مماثلة لتلك التى يستخدمها المحللون 
النفسيون اليوم في بحثهم الدنيوي عن الاستنارة فكما أراد الصوفيون معرفة الله مثلما عرفه 
محمد زعم أبوالعافية أنه وجد طريقة لبلوغ الإلهام النبوي فأنشأ شكلاً يهودياً لليوغا 
تحنم تدريبيات عادية من الت ركيز (التنفس» وترديد ترانيم» وتبني وضع جسدي خاص 
لبلوغ حالة وعي بديلة. كان أبو العافية قبالياً غير عادي» واسع المعرفة» درس التوراة 
والتلمود والفلسفة قبل تحوله إلى الصوفية بتجربة دينية غامرة في سن الواحدة والثلاثين 
فكما يبدو كان يعتقد أنه المسيح النتظر لليهودٍ والسيعيين أضاء ارقل راق إسبانيا 
كلها انها مريدين لهء وغامر حتى الشرق الأدنى. وفي عام ١١/8٠١‏ ا على أنه 
مبعوث يهودي. وعلى الرغم من انتقاده للمسيحية جهارأ إلا أنه كان يستحسن التشابه بين 
الإله القبالى ولاهوت الثالوث. فالسفروتات الثلاث العليا هي بقايا اللوغوس والروح؛ العقل 
وحكمة الله الذي انطلق من الآب» اللاشيئي فقد نوره الذي لاسبيل إلى بلوغه. وكان 
يحب أن يتكلم عن الله بطريقة تثليثية. 


5 نجد هذا الله من الضروري «أن نطلق العنان للروح» وأن نفك العقد التي 
تقيدها»» وعبارة فك العقد موجودة أيضاً في البوذية التبتية وهذا دليل آخر على التوافق 
الأساسي للمتصوفين في أرجاء العالم. بالإمكان مقارنة هذه العملية بمحاولة تحليل نفسانية 
لإطلاق العقد التي تعوق صحة المريض العقلية. كقبالي كان أبو العافية أكثر اهتماماً 
بالفدرة الإلهية التي تحيي الخليقة كلها والتي لايمكن أن تفهمها الروح. فطالما نملا عقولنا 
بأفكار مبنية على إدراك حسى من الصعب علينا أن نميز عنصر الحياة المتعالي. فعن طريق 
تدربيات اليوغا علم مريديه المضي إلى أبعد من الوعي المادي, لاكتشاف عالم جديد 
بأكمله. كانت إحدى طرقه «دمج الأحرف» الذي أخذ شكل تفكير باسم الله. كان على 
القبالي أن يدمج الأحرف المكونة لاسم الله في أشكال مختلفة بأسلوب يعد العقل عن 


م 


المادي إلى طريقة فهم أكثر تجريداً. فنتائج هذا التدريب الذي يبدو غير واعد لإنسان دخيل 
كانت ممتازة لأفراده. وقد قارنه أبو 0 بالاحساس عند الاستماع إلى التناغم الموسيقي» 
فأحرف الأبجدية تحل محل النوتات في السلم الموسيقي واستتخدم أيضاً طريقة لربط 
الأفكار أسماها القفز والانزلاق, وهي ممائلة للممارسة التحليلية الحديثة التي تدعى التداعي 
الحر ويقال أن هذه الطريقة قد حققت نتائج مذهلة» وقد شرح أبو العافية ذلك: إنها تجلب 
إلى النور عمليات عقّلية كامنة» وأنها حررت القبالي «من سجن الاجواء الطبيعية» وقادته 
إلى حدود العالم الإلهي»(”». بهذه الطريقة يتم فتح أقفال الروح» فيكتشف المدخل 
مصادر قدرة نفسية كانت تنير عقله وتخرج ألم قلبه. 


لقد شدد أبو العافية على أن الرحلة الصوفية في العقل لايمكن القيام بها إلا بإشراف 
معلم من القبالة تماماً مثلما يحتاج فيها مريض إلى التحليل النفسي وبباشراف معالجه. كان 
مدوكاً تماماً للأخطار, وقد عانى شخصياً من تجربة دينية مدمرة في سبايه كادت أن تودي 
به إلى اليأس. في يومنا هذا يُدْحَل المرضى إلى داخل شخص اتحلل النفسي المعالج كي 
يوائموا القوة والصحة التى يمثلها ا محلل. وقد كتب أبو العافية أن القبالى فى أغلب الأحيان 
(يرى ويسمع شخص ترش3ه الروحي الذي يصبح لمحرك من الداخل؛ الذي يفتح الأبواب 
المغلقة داخل المريض). إنه يشعر بدفق طاقة جديد وتحول داخلى غامر جداً لدرجة أنه يبدو 
قتائرا عن 'مصدر إلبى: عدم أنيد مريلاي :آنا العافة تسيا آخير الشوة أن السبوك 
يصبح مسيحه المنتظر. في نشوة يواجه برؤيا ذاته المتحررة والمستئارة: 
اعلم أن روح النبوة بأكملها تتشكل بالنسبة للنبي 
في أنه يرى فجأة شكل ذاته واقفاً أمامه وهو ناس نفسه 
وذاته تحور منه.. وقد قال معلمونا عن هذا السر في التلمود: عظيمة 
هي قوة الأنبياء الذين يقارنون بين الشكل الذي منه :ناخ الذي شكله. 
(أي يقارنون الله بالبشر)80*) 
تردد المتصوفون اليهود دائماً حيال زعم الاتحاد مع الله. فقال أبو العافية ومريدوه أنه 
عن طريق الاتحاد مع مرشد روحي» أو بلوغ تحرر شخصي فإن القبالي يكون قد لامسه الله 
بشكل غير مباشر. هناك أوجه اختلاف واضحة بين الصوفية القروسطية والعلاج النفسي 
الحديث؛ لكن كلاهما قد أرسيا أساليب ممائلة من أجل الاشفاء والتكامل الشخصى. 


كان المسيحيون في الغرب متباطئين في تطوير تراث صوفي ») فقد سقطوا خلف 
الموحدين في الإمبراطورتين البيزنطية والإسلامية» ومن المحتمل أنهم لم يكونوا مستعدين 


54 


في أوروبا الشمالية. لقد قدمت ألانيا تحديداً ‏ سرباً من المتصوفين همايستر إيكهارت 
(507-1755؟١1).‏ جون تاولر )١551١ - ١7٠١(‏ وغيرترود العظيم (59؟١‏ - )١2١7‏ 
وهئري سوزو .)١1707-١555(‏ وقدمت انجلترا مساهمة هامة من خلال أربعة متصوفين 
عظام جذبوا إليهم أتباعاً بسرعة سواء في القارة و وفي بلادهم أيضاً مثل ريتشارد 
رول من هامبول ١١90‏ - 15549 والمؤلف امجهول لكتاب /غيمة المجهول/» وولتر 
هيلترن (0 - .)١7557‏ وديم جوليان :)١14115- 1١515(‏ وكان بعضهم أكثر تقدما .من 
الآخرين فريتشارد رول على سبيل المثال يبدو أنه حصر اهتمامه فى تنمية إحساسات غريبة 
وكانك” روعتايعه مصع أحيانا ببدوجةا نا من الأثائية. الكن. المظام من برين افولا فد 
اكتشفوا بأنفسهم رؤى عديدة كان قد أنجرها اليونانيون والمتصوفون والقباليون. 

كان المايستر إيكهارت الذي أثر على تاولر وسوزو متأثراً بدينس الأريوباغيتي 
وميمون موسىء وكان راهباً دمينيكانياً مثقفاً لامعا ومحاضراً فى فلسفة أرسطو فى جامعة 
باريس. وفي عام ١75‏ قادته تعاليمه الصوفية إلى نزاع مع أسقفه أسقف كولون الذي 
حاكمه بتهمة الهرطقة: فاتهم بإنكار خيرية الله لقوله أن الله ذاته ولد في الروح» ولأنه 
بشربازلية العالم. وقال أحد منتقديه المتشددين أن: الخطأ يكمن في تفسير بعض ملاحظاته 
حرفياً بدلا من تفسيرها زمزيا كما أريد لها؛ كان إيكهارت شاعراً يستمتع كثيراً بالتناقض 
والاستعارة. فبينما كان يعتقد أن الإيمان بالله أمر عقلانى كان ينكر فكرة أن العقل وحده 
يستطيع أن يشكل مفهوماً كافياً عن الطبيعة الإلهية: فهو يجادل «اثبات شيء معروف يتم 
إما بالحواس أو بالفكر). لكن «فيما يتعلق بمعرفة الله لايمكن الحصول على إيضاح من 
الفهم الحسي لأنه روحيء ولامن الفكر لأن الله يفتقر إلى أي شكل معروف لناو**». لم 
يكن الله فووا انور يمكن إثبات وجوده مثل أية مادة فكرية عادية. 

أعلن إيكهارت أن الله كان لاشيء”' '2. وهذا لايعني أنه وهمء بل يعني أن الله كان 
نوعاً من وجود أكثر كمالاً وغنى مما هو معروف لنا. لقد سمى الله أيضاً «الظلام) لا كي 
يشير إلى غياب النور بل ليدل على حضور شيء ما أكثر ضياءاً. ميز إيكهارت كذلك بين 
«الرب) الذي يجب وصفه بكلمات سلبية مثل «صحراء) «برية) (ظلام)» «لاشيء)» والله 
المعروف لدينا باسم الآب والابن والرو('©2, كان إيكهارت يحب استخدام تشبيه 
أوغسطين للثالوث في العقل البشريء وكان يعني بذلك أنه على الرغم أن من الحال معرفة 
الثالوث بالعقلء فإن الفكر وحده كان يفهم الله كشخوص ثلاثة: وحالما يبلغ المتصوف 
الاتحاد باللهء راها 0 الم عاق اليونانيون على هذه يا ا إيكهارت وافقهم 


مه 


مئلما حملت هريم المسيح في رحمها. وقد رأى رومي [صتناظ أن ناذه العدراء: ارين 
ري وشدد إيكهارت على أن ذلك كان تعاوناً 

بالإمكاق ممرقة اللوحرى خلال ريه عنوفية فقظهم وان عن الأفصيل أن توح عند 
بكلمات سلبية كما اقترح ميمون. كان علينا أن ننقي مفهومنا لله بالتخلص من مفاهيمنا 
عندما قال: «آخر وأسمى فراق هو عندما يطلب إذناً من الله)("'2. فستكون عملية مؤلة. 
تحدث إيكهارت عن عملية ممائلة للفناء التي وصفها المتصوفون» فوصفها بالانفصال9©. 
فكما يعتبر المسلم أن تبجيل أي شىء عدا الله صنمية أو شركأء نادى إيكهارت أن على 
المتصوف ألا يكون عبداً لأية أفكار نهائية حول الله. وهكذا فإنه سيبلغ «التماهي مع الله 
حين يصبح وجود الله وجودي وكينونته كينونتي)7 "©. وبما أن الله أساس الوجود فليس 
هناك حاجة كي نبحث عنه «هناك» أو نتصور صعوداً إلى شيء ما خارج العالم الذي 
عرفتاه. 

لقد عادى الحلاج العلماء بصيحته «أنا الحق»» وكذلك صدمت معتقدات إيكهارت 
الصوفية أساقفة ألمانيا: فما معنى أن تقول أن باستطاعة أي امرئ أن يصبح واحداً مع الله؟ 
لعد ناقش اللاهوتيون اليونانيون هذه المسألة مطولاً في القرن الرابع عشر. فيما أنه لاسبيل 
إلى فهم الله فكيف كان ممكناً أن يعبر عن ذاته للبشر؟ وإذا كان هناك فارقاً بين جوهر الله 
وقلدراتة كما قال الآباء ‏ فمقارنة الله الذي يقابله المسيحي في الصلاة 0 ذاته كان 
تجديفاً بكل تأكيد؟ لقد قال غريغوري بالاماس رئيس أساقفة سالونيك أن باستطاعة 
المسيحي أن يحظى بمعرفة مباشرة للّه ذاته مهما بدا ذلك متناقضا. صحيح أن جوهر الله 
هو دائماً خارج مدى فهمنا لكن قدراته لم تكن تتميز عن الله ويجب ألا تعتبر مجرد بقية 
رهج لله. فالمتصوف اليهودي كان على استعداد أن يوافق على أن الله المستتر يبقى دائماً 
مغلفاً ااام لايمكن النفاذ إليه» لكن السفروتات (التي 0 00 عند البونانيين) 
اي ا عابر اسح قل وهر 
ا لاني أن معرفة ال ا أن هذا التأكيد كان 


الحا 


قول عن الله يجب أن يكون نقائضياًء وبهذه الطريقة فقد يستطيع الناس الاحتفاظ 
بإحساس بسره وعدم إمكانية وصفه. يصوغ بالاماس الأمر كما يلى: 

نصل إلى مشاركة في الطبيعة الإلهية» ومع ذلك تبقى عصية على الفهم. 

فنحن بحاجة إلى تأكيد كليهما في الوقت ذاته. وأن نصون النقائض 

كقاعدة للمعتقد الصحيه*". 

لم يكن في معتقد بالاماس شيء جديد فقد لخصه سميون (سمعان) اللاهوتي 

الجديد في القرن الحادي عشر. لكن بارلام كالابريان دحض بالاماس. درس بارلام في 
إيطاليا وكان متأثرا جدا بالنزعة العقلانية الأرسطية عند توما الإكويني. لقد عارض الفارق 
اليوناني التقليدي بين (جوهر) الله و (قدراتمم؛ متهماً بالاماس بشق الله إلى جزأين 
منفصلين. فقد اقترح بارلام تعريفاً للّهِ يعود إلى قدامى العقلانين اليونان وأكد على بساطته 
المطلقة. وقال إن الفلاسفة اليونانيين من أمثال أرسطو قد تلقوا الاستنارة من اللهء وعَلَّمِ أن 
لا سبيل إلى معرفة الله» وأنه بعيد عن العالم وبالتالي كان مستحيلاً أن يرى البشر الله. 
بوسعهم أن يشعروا بتأثيره بشكل غير مباشر في الكتاب المقدس أو في أعاجيب الخلق. 
أذان امكلين الكلشية الإرلود كيية بارلام في عام ١4١‏ » لكنه تلقى دعماً من رهبان 
آخرين كانوا متأثرين أيضاً بالإكويني. أصبح هذا الموضوع نزاعاً بين إله المتصوفين وإله 
الفلاسفة. وبذلك تم تغريب بارلام ومؤيديه من أمثال غريغوري اكنيديوس» ونيسافوراس 
غرتكروين) وتوماين برواشوز سيدوايسن ع الاعولت: بيرئطةء: الذي شدة على /الضيهت 
والغموض والنقائض. فضل هؤلاء لاهوت أوروبا الغربية الأكثر إيجابية الذي عرف الله 
كوجود أكثر منه لاشيء. ومقابل الإله الغامض عند دنيس وسيمون وبالاماس رسموا إلها 
بالإمكان التحدث عنه. لم يثق اليونانيون دائماً بهذه النزعة في الفكر الغربي» وفي وجه 
تسلل الأفكار العقلانية اللاتينية أعاد بالاماس التأكيد على لاهوت النقائض في 
الأرئوذكسية الشرقية. يجب عدم تخفيض الله إلى مفهوم يمكن التعبير عنه بكلمة بشرية. 
وافق بارلام على أنه لاسبيل إلى معرفة الله لكن أصر على أن البشر قد عرفوه. فالنور الذي 
حول بشرية يسوع على قمة جبل تابور لم يكن جوهر الله الذي لم يره إنسان بل كان الله 
نفسه بطريقة غامضة. ان الطقس المقدس الذي وفقاً للاهوت اليوناني - حفظ الرأي 
الأرثوذ كسئ؛ أعلن أن على جبل تابور: (رأينا الآب كنورء والروح كنورة. لقد كان كشفاً 
لما كنا عليه ذات يوم؛ وماسنكون عليه عندما نصبح إلهيين مثل المسيح)9 '©. فما رأيناه 
عندما تأملنا الله في هذه الحياة لم يكن بديلاً عن الله بشكل ماء بل الله ذاته. كان هذا 


اه" 


تناقضاً بالطبع لكن الله المسيحي كان نقيضاً وصمتأء مثل الوضع الصحيح الوحيد قبل 
السر الذي أسميناه الله وليس 8 فلسفية كانت تحاول ترسيخ الصعاب. 


لقد حاول بارلام أن يجعل مفهوم الله متسقاً أيضاء فمن وجهة نظره كان يتبغي إما 
أن يُعِف الله بجوهر أو لايعرف حاول أن يقصر الله على جوهره, وأن يقول أن من المحال 
أن يكون الله حاضراً خارج ذاته في قدراته. لكن ذلك يعني أن تفكر بالله كأي ظاهرة 
أخرى» تقوم على مفاهيم بشرية محضة فيما يتعلق بالممكن واللاممكن. أصر بالاماس أن 
رؤية الله كانت نشوة تسام متبادلة عن طريق المضي خارج ذاته كي يجعل نفسه معروفا 
نخلوقاته: «الله أيضاً يخرج من ذاته ويصبح متحداً مع عقولنا من خلال تلطفه بنا»(”"©. ان 
انتصار بالاماس ‏ الذي بقي لاهوته معيارياً في المسيحية الأرثوذكسية ‏ على العقلانيين 
اليونانيين في القرن الرابع عشر يمثل انتصاراً أكبر للصوفية في الأديان التوحيدية الثلاثة. 
فمنذ القرن الحادي عشر توصل الفلاسفة المسلمون إلى نتيجة مفادها أن العقل الذي 
لايمكننا الاستغناء عنه في دراسات الطب والعلم غير كاف عندما ندرس موضوع الله. 
فالاعتماد على العقل وحده كان مثل محاولة أكل الحساء بالشوكة. 


لقد اكتسب إله المتصوفين سطوة على إله الفلاسفة في معظم أرجاء الإمبراطورية 
الإسلامية وسنرى - في الفصل التالي. أن إله القبالة أصبح مهيمناً في الروحانية اليهودية 
خلال القرن السادس عشر. كانت الصوفية قادرة على النفاذ إلى العقل بعمق أكبر مما 
كانت عليه أنماط الدين الفقهية أو العقلية. كان بوسع إله الصوفية التوجه إلى آمال أولية: 
ومخاوف وقلق, وبالتالي أصبح إله الفلاسفة المتعالي واهناً. بحلول القرن الرابع عشر كان 
الغرب قد أطلق دينه الصوفي وقام بانطلاقة واعدة جداً لكن الصوفية لم تككن واسعة 
الانتشار كانتشارها في التراثات الأخرى.. فانخلترا وأمانيا والأراضى 'المنخفضة قدمثت 
متصوفين بارزين» لكن المصلحين البروتستانت في القرن السادس عشر شجبوا هذه 
الروحانية غير المنسجمة مع الكتاب المقدس. وكان متصوفون بارزون تابعون للكنيسة 
الكاثوليكية الرومانية مثل القديسة تيريزاء وأفيلا 1118 مهددين بمحاكم التفتيش المناهضة 
لحركة الإصلاح» وهكذا بدأت أوريا ترى الله في كلمات أكثر عقلانية» كنتيجة لتأثير 
حركة الإصلاح. 


الفصل التامن 
إله المصلحين 


كاف القزنان لاسن والسادس عقن حاسهين بالشمة نقلق الله من اشر وكاتت 
فترة عصيبة للغرب المسيحي تحديداً. لم ينجح هذا الغرب في اللحاق بالحضارات الأخرى 
وحسب بل كان على وشك أن يباغتها. وشهد هذان القرنان النهضة الإيطالية التى امتدت 
إلى أوزوها السمَالية بسبرغة :ؤاكتعنافالعائم انيد ويداية القورة الغلمية التي سيكؤة لها 
اثار مدمرة على بقية العالم. بحلول نهاية القرن السادس عشر كان الغرب على وشك خلق 
نوع ثقافي مختلف كلياً. ولذلك انسمت هذه الفترة الانتقالية بالانجازات والقلق» واتضح 
ذلك في تطور المفهوم الغربي لله في هذه الفترة. فعلى الرغم من النجاح المادي كان اهتمام 
الناس في أوروبا يتزايد فيما يتعلق بدينهم أكثر من ذي قبل. لم يكن عامة الناس خصوصاً 
راض عب شكال الدين الفروسطية. لأنها لم تعد تلبي احتياجاتهم في العالم الجديد 
الشجاع. فقد عبر مصلحون عظام عن هذا القلق» واكتشفوا سبلاً جديدة لتناول موضوعَئ 
الله والخلاص» فأدى ذلك إلى شق أوروبا إلى معسكرين متحاربين هما الكاثوليك 
والبروتستانت» وتأصلت بينهما الكراهية وعدم الثقة. كان المصلحون - الكاثوليك 
والبروتستانت» يحرضون المؤمنين على تحرير أنفسهم من الطاعة العمياء للقديسين 
والملائكة؛ وأن يركزوا على الله وحده. في حقيقة الأمر بدت أوروبا ممسوسة بالله. وبحلول 
بداية القرن السابع عشر كان البعض يهوم بخيالاته حول الإلحاد. فهل كان هذا يعني أنهم 
كانوا على استعداد للتخلي عن الله؟. 

كانت هذه الفترة كارثة على اليونانيين واليهود والمسلمين أيضاً. ففي عام 1017 ١‏ 
فتح الأتراك العثمانيون العاصمة المسيحية القسطنطينية؛ ودمروا إمبراطورية بيزنطة» واستمر 
المسيحيون الروس في السير على خخطا الترائات الروحية التي طورها اليونانيون. وفتح 


58 


فردينائد وإزابيلا غرناطة المعقل الإسلامي الأخير في أوروبا في عام ١437‏ أي في السنة 
التي اكتشف فيها كولوهبس العالم الجديد. وبعد فترة طَرِدَ المسلمون من شبه جزيرة إيسيريا 
بعد أن كانت موطناً لهم طيلة /8٠١/‏ سنة. كان تدمير إسبانيا المسلمة قاتلا لليهود. ففي 
آذار عام ١497‏ أي بعد أسابيع قليلة من سقوط غرناطة حير الملوك المسيحيون اليهود 
الإسبان بين التعميد أو الطرد, فكان الكثيرون منهم مرتبطين بوطنهم فأصبحوا مسيحيين» 
على أن بعضهم استمر في ممارسة شعائر دينه سراً مثلهم في ذلك مثل المورسيكيين المسلمين 
الذين تحولوا إلى المسيحية. وكانت محاكم التفتيش بالمرصاد لليهود الذين تحولوا إلى 
المسيحية بدعوى الهرطقة. رفض نحو /١5٠١,.٠0/‏ يهودي التعميد فأمجلوا عنوة عن 
إسبانياء فالتجؤوا إلى تركيا ودول البلقان وشمال إفريقيا. كانت إسبانيا أفضل وطن لليهود 
في أرجاء العالم منذ الشتات الأول» ولذلك ندبوا إنهاء الوجود اليهودي على أنه أكبر 
كارثة حلت بشعبهم منذ تدمير الهيكل في عام 7١‏ ق.مء ودخلت تجربة النفي بعمق أكبر 
في الوعي الديني اليهودي أكثر من ذي قبل. فأدت إلى شكل جديد من القبالة» وإلى نشوء 
مفهوم جديد لله. 

كاك هده الستواك عضيية على المسلمين آيضا في أنحاء أخرى من العالم. ربا 
أدت السنوات التي تلت الغزوات المغولية إلى نزعة محافظة جديدة لأن الناس حاولوا 
استرداد ماضاع منهم. فمي القرن الخامس عشر اعلن علماء مدارس الدراسات الإسلامية 
«أن أبواب الاجتهاد قد أقفلت». ومن تلك الفترة فصاعداً كان على المسلمين تقليد أعلام 
الماضي العظام» خاصة في دراسة الشريعة» فكان من غير المرجح ظهور أفكار جديدة حول 
الله في هذا المناخ المحافظ أو في أي مجال آخر. مع ذلك من الخطأ أن نعتبر هذه الفترة 
بداية انحطاط في الإسلام كما اقترح الأوروبيون غالباً. فكما يشير المارشال ج - .س. 
هودغسون 50 في كتابه/ مغامرة الإسلام, الوجدان والتاريخ في حضارة 
عالمية/ إننا بكل بساطة لانعرف مايكفي عن هذه الفترة كي نصدر تعميمات جائرة. فمن 
الخطأ على سبيل المثال ‏ أن نفترض وجود تراجع في العلم الإسلامي في تلك الفترة لأنه 
ليس لدينا دليل كاف بشكل أو بآخر. 

كانت هذه النزعة امحافظة طافية على السطح خلال القرن الرابع عشر في أبطال 
الشريعة مثل أحمد بن تيمية الدمشقي )١11707  0(‏ وتلميذه ابن القيم الجوزية. فابن تيمية 
الذي كان يحبه الناس حباً جماً أراد أن يوسع الشريعة بحيث يجعلها تنطبق على جميع 
الظروف التي قد يواجهها المسلمون. فلم يكن المقصود أن تصبح قانوناً قمعياً» بل كان يريد 


15 


أن يطرح القواعد القديمة جانباً كي ب يجعل الشريعة أكثر التصاقاً بحياة المسلمين ولتهدئة 
قلقهم خلال هذه الفترات العصيبة: ينبغي أن تقدم لهم الشريعة إجابات منطقية واضحة 
0 مشكلاتهم الدينية العملية. وفي يا للشريعة هاجم علم الكلام والفلسفة 
والأشعرية. لقد أراد العودة إلى المصادر أي إلى القرآن والحديث اللذين تقوم عليهما الشريعة 
شأنه في ذلك شأن كل مصلح ‏ وأن يستبعد كل الزوائد اللاحقة: «لقد تحريت كل 
الطرق الفلسفية واللاهوتية فوجدتها غير فادرة على علاج أية مساوئ أو إرواء أي ظمأء 
أفضل طريقة مفضلة لدي هي القرآن)<"2. وأضاف ابن الجوزي الصوفية إلى تلك اللائحة 
مدافعاً عن التفسير الحرفي للقرآن» وأدان عقيدة المتصوفين التي كانت ممائلة تماماً 
للمصلحين البروتستانت في أوروبا. ابن تيمية وابن الجوزية مثلهما مثل لوثر وكالفن لم 
يعتبرهما معاصروهما سلفيين بل تقدميين أرادا تخفيف العبء عن شعبهما. ويحذرنا هو 
دغسون من استبعاد مايدعى بالنزعة المحافظة في هذه الفترة على أنها «ركود)» فيشير إلى أن 
مامن مجتمع قبل مجتمعنا كان قادراً على التقدم أو تصوره بنفس المجال الذي نشهده 
اليوم”"2. فقد عنف الدارسون الغربيون مسلمى القرنين الخامس عشر السادس عشر على 
إخفاقهم في أخذ النهضة الإيطالية باعتبارهم. صحيح أن النهضة كانت واحدة من 
التفتحات الثقافية العظيمة في التاريخ لكنها لم تتجاوز أو تختلف كثيراً عن سلالة 
سونغ عمن5 في الصين التي كانت مصدر إلهام للمسلمين خلال القرن الثاني عشر 
كانت النهضة تاسعة في :الغرب لكن لم يكن باستطاغة أحد أن يتنبأ ولادة العصر التقني 
الحديث الذي نستطيع أن نرى بنظر أعشى أنها كانت تؤذن به. فإذا كان المسلمون بعيدين 
عن النهضة الغربية» فإن هذا لا يكشف بالضرورة عن عدم كفاءة ثقافية لاسبيل إلى 
إصلاحها. ليس مستغرباً إذا كان المسلمون أكثر اهتماماً بأمورهم أكثر من اهتمامهم 
بالإنجازات خلال القرن الخامس عشر. 
كان الإسلام مايزال أكبر قوة عالمية خلال هذه الفترة» وكان الغرب آنذاك مدركاً 
أنها تقف على عتبة أوروبا. لقد تأسست ثلاث إمبراطوريات مسلمة خلال القرنين الخامس 
عشر والسادس عشر: الأتراك العثمانيون في آسيا الصغرى وأوروبا الشرقية» والصفويون في 
إيران» والمغول في الهند. تبين هذه المغامرات الجديدة أن الروح الإسلامية كانت بعيدة عن 
الاحتضارء بل كان بوسعها تزويد المسلمين بالإلهام كي ينهضوا ثانية ليحققوا احا تعد 
كارئة وانحطاط. لقد حققت كل من هذه الإمبراطوريات انفتاحاً ثقافياً بارزاً خاصاً بها: 
كانت النهضة الصوفيه فى إيران وآسيا الوسطى ممائلة للنهضة الإيطالية: كلاهما عبرتا عن 


551١ 


نفسيهما في الرسمء وبدتا أنهما تعودان بشكل إبداعي إلى الجذور الوثنية لثقافتيهما. 
كانت النزعة امحافظة مسيطرة على الرغم من سلطة هذه الإمبراطوريات الثلاث وابهتها. 
فبينما كان المتصوفون والفلاسفة الأوائل مثل الفارابي وابن سينا مدركين انهتم.“كانوا 
يحرئون أرضاً جديدة» إلا أن هذه الفترة شهدت تكراراً حاذقاً ودقيقاً لموضوعات قديمة. 
يجعل .هذا #بدايز الغرنيين أكثر«صعوبة أن :هلماءنا تاهلوا هذه المقامرات الإنتلاضة الأكر 
حداثة مدة طويلة» ولأن الفلاسفة والشعراء أيضاً كانوا يتوقعون أن تكون عقول قرائهم 
علفة بجوو وأمكان مره الماضي. 

على أية حال كان هناك أوجه تشابه مع التطورات الغربية المعاصرة. لقد أصبح نمط 
جديد من الشيعية الإمامية دين الدولة فى إيران فى عهد الصفويين» ويعتبر هذا بداية عداوة 
بون الشيعة والسنة لاسابق لها. فحتى هذه الفترة كانت هناك قواسم مشتركة كثيرة بين 
لمثقفين أو المتصوفين في كلا الفريقين. لكن لسوء الحظ شكل الطرفان معسكرين 
متنافسين» على كله اشرو الطائفية في هذه الفترة في أوروبا. لقد تسلم الشاه 
اسماعيل الصفوي ‏ مؤسس السلالة الصفوية ‏ مقاليد الحكم في أذربيجان في عام 
0 » ووسع سلطته لتشمل غربي إيران والعراق» وكان مصمماً على مسح السنية 
وفرض المذهب الشيعي على رعاياه بقسوة لامثيل لهاء وكان يرى نفسه إمام جيله, كان 
لهذه الحركة نقاط تشابه مع حركة الإصلاح البروتستانتية في أوروبا: جذور كايهما في 
تراثات الاحتجاجء ومناهضتان للأرستقراطية» ومرتبطتان بتأسيس حكومات ملكية. لقد 
ألغى المصلحون الشيعة الطرق الصوفية في مناطقهم بطريقة تذكر بحل الأديرة التي قام بها 
البروتستانتيون. لقد ألهموا السنة في الإمبراطورية العثمانية بتصلب ممائل فقاموا باضطهاد 
الشيعة في مناطقهم. فالعثمانيون الذين رأوا أنفسهم على الخط الأول في الحرب المقدسة 
ضد الغرب الصليبي نمو تصلباً جديداً تجاه رعاياهم المسيحيين. من المخطأ على أية حال أن 
نرق الرسسة الاترانية وأكيزيا مؤسسة متعصبة. فالعلماء الشيعة في إيران الذين أخذوا 
يتساءلون داعين للإصلاح» كانوا في موقفهم هذا مختلفين عن نظرائهم العلماء السنة» 
رفضوا إقفال باب الاجتهاد» وأصروا على حقهم في تفسير الإسلام بشكل مستقل عن 
الشاهانات. لقد رفضوا قبول السلالة الصفوية والقاجار لاحقاً على أنهما خلفاء الأئمة. لقد 
تحالفوا مع الشعب ضد الحكام فأصبحوا أبَطال الأمة في وجه الاضطهاد الملكي في 
أصفهان 6 لاحقاً. لقد طوروا تراثا يدافع عن حقوق التجار والفقراء في 5-5 
انتهاكات الشاهانات» فمكنهم هذا من تعبئة الشعب ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي 
الفاسد في عام ١591/9‏ 


51 


لقد طورت شيعة إيران فلسفتها الخاصة بها التي استمرت في تراث السهروردي 
الصوفية. كان 0 هذه الفلسفة الشيعية مير ديماد له 1 3 371"( كان 
عالاً ولاهوتياً أيغناً لقد عوّف النور الإلهي بالاستنارة التي بلغتها شخصيات رمزية مثل 
لخم والاممة 5 كذ على اللاشعور وعلى العنصر النفسي في التجربة الدينية مثلما 
فعل السهروردي. كان المدافع الأكبر ع المدرمة الإيرانية هذه هو تلميذ المير ديماد» صدر 
الدين شيرازي الذي يعرف عادة باسم ملا الصدر )١114٠  ١51/1(‏ ويعتبره مسلمون 
كثيرون المفكر الإسلامي الأكثر عمقاً. ويرى البعض أن عمله يمثل صورة مصغرة لدمج 
الميتافيزيقا والروحانية التي أصبحت سمة مميزة للفلسفة الإسلامية» وبدأ الغرب يعرفه بعد 
ترجمة إحدى مؤلفاته إلى الانجليزية. 


اعتقد ملا الصدر ‏ كما اعتقد السهروردي؛ أن المعرفة ليست مسألة تحصيل 
معلومات بل هي عملية تحول» وكان عالم المثل الذي تحدث عنه السهروردي حاسماً في 
تفكيره: فقد رأى الشيرازي أحلاماً ورؤى كأعلى شكل للحقيقة» وبذلك كانت الشيعة 
الإيرانية ماتزال ترى الصوفية الأداة الأكثر ملاءمة لاكتشاف الله أكثر من كونها محض 
علم وميتافيزيقا. قال الشيرازي إن الاقتراب من الله هو الغاية من الفلسفة» ولايمكن حصره 
في معتقد أو دين واحد. فكما أوضح ابن سينا: الله هو الحقيقة العليا وهي وحدها لها 
وجود حقيقي. وهذه الحقيقة تبلغ سلسلة الوجود كلها من المملكة الإلهية حتى الغبار. كان 
الشيرازي من القائلين بوحدة الوجودء فكان يرى الله المصدر لجميع الأشياء الموجودة: 
فالكائنات التى نراها ونعرفها هى مجرد أوعية تحتوي النور الإلهي بشكل محدود. فالله 
فعان أبطا على المطه الديوي» افرسلنة الرتهرق لاتق أددالله وعده موجوو جل ات 
لوحدة الشمس مع حزم النور التي تشع منها. وقد ميز ‏ كما فعل ابن العربي - بين جوهر 
الله أو «العماء» وتحلياته المختلفة. رؤيته ممائلة للرؤية الإغريقية والصمت 5]5هطه لإقط 
والقباليين. كان يرى أن الكون كله مشع من العماء يشكل «جوهرة واحدة) ذات طبقات 
عديدة تمائل تدرجات كشف الله لذاته فى صفاته أو آياته» وتمئل كذلك عودة البشرية إلى 
مصدر الوجود. ١‏ 

لم يكن الاتحاد بالله مؤجلاً إلى العالم الآخر بل بالإمكان بلوغه بالمعرفة. ولاحاجة 
للقول أنه لم يكن يعني معرفة عقلية فقط: ففي صعود المتصوف إلى الله عليه أن يسافر عبر 
عالم المثل: مملكة الرؤيا والخيال. فالله ليس حقيقة بالإمكان معرفتها موضوعياً بل بالإمكان 
العثور عليها داخل المقدرة الصانعة للصور التي يمتلكها كل فرد مسلم. فعندما يتحدث 


تجن 


القرآن عن الفردوس أو جهدم أو عرش الله فإنه لايشير إلى حقيقة كانت في موقع منفصل» 
بل إلى عالم داخلي مخباً تحت غلالات الظواهر المحسوسة: 

كل شيء يطمح إليه الانسان» كل شيء يرغب به موجود لحظياً أمامه. أو 

بالأحرى علينا أن نقول: أن يتصور رغبته هي ذاتها كي يدرك الحضور 

الحقيقي لمادتها. لكن الحلاوة والسرور هما تعبيرات للفردوس والجحيم» 

والخير والشرء فكل مايمكن أن يصل إلى الإنسان» ‏ جزاؤه في العالم 

الآخر ‏ ليس له مصدر آخر سوى الجوهر (أنا» الإنسان ذاته» الذي تشكله 

نواياه وخططه ومعتقداته الداخلية وسلوكه”0”. 


فالشيرازي - مثل ابن العربي الذي كان يقدره الشيرازي كثيراً - لم يتصور الله 
جالساً في عالم آخرء في سماء موضوعية خارجية ستكون ملاذ جميع المؤمنين بعد الموت. 
يجب اكتشاف السماء والعالم الإلهي داخل الذات» في عالم المثال الذاتي الذي هو ملكية 
ثابتة لكل كائن بشري. ما من شخصين سيكون لهما نفس السماء أو نفس الله. 

الشيرازئ :الذي" كان: قذي كيرا الفلايقة السنيت والبوتائنيق والتضوفين والائنة 
الشيعيين يذكرنا أن الشيعة الإيرانية لم تكن متعصبة أو مغلقة على ذاتها دائماً. ففي الهند 
ما العديد من المسلمين تسامحاً ممائلاً تجاه الترائات الأخرى. وعلى الرغم من أن الإسلام 
كان مهيمنا ثقافيا في الهند المنغولية بقيت الهندوسية مع ذلك نشطة ومبدعة» وتعاون بعض 
المسلمين والهندوس في المهن والمشروعات الثقافية. وعلى مدى زمن طويل كانت شبه 
القارة الهندية خالية من التعصب الديني. خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر أكد 
أكثر أشكال الهندوسية إبداعاً على وحدة الغاية الدينية: كل السبل صالحة طالما أنها تؤكد 
على حب داخلي للإله الواحد. وقد تردد صدى هذا فى الصوفية والفلسفة اللتين كانتا 
الموقعين الإسلاميين المهيمنين في الهند. فقد شكل عل سكن والهندوس مجتمعات 
متداخلة دينياًء أكثرها أهمية هي السيخية «ؤوفطاز5 التي أسسها غورناماك في القرن 
تفانع غمري هذا الشكن لتدين للزجدانية عزن ينقد أن الله هر'زله الوندوضية ذال من 
الجانب الإسلامي كان العلامة الإيراني مير أبو القاسم الفندريسكي (ل - )1514١‏ المعاصر 
للمير ديماد والشيرازي. دَرٌّس مؤلفات ابن سينا في اصفهان؛ وأمضى قسماً كبيراً من حياته 
في الهند يدرس الهندوسية واليوغا. انه لمن الصعب أن نتخيل خبيراً كاثوليكياً رومانياً 
ك توما الإكويني في هذه الفترة يبدي حماسا مماثلاً لدين لم يكن في التراث البراهمي 
حتى. 


5514 


اتضحت روح التسامح والتعاون هذه بشكل مذهل في سياسات الإمبراطور المغولي 
أكبر الذي حكم من سنة ٠0‏ حتى ١6١6‏ » والذي كان يحترم جميع الأديان. أصبح 
ا د ال الهندوسية عليه وتخلى عن الصيد الذي كان رياضة يستمتع بها كثيراًء 
وحرم تقد القرابين اللحيوانية في عيد ميلاده أو في الأماكن المقدسة. ٠‏ وفي عام ه/ا8١‏ 
دنا للعبادة كان ملتقى العلماء من جميع الأديان كي يتناقشوا حول الله. فكانت 
البعئات التبشيرية اليسوعية هنا هي الأكثر عدوانية. فقد أسس طريقتهٍ الصوفية المكرسة إلى 
«وحدانية الله المقدسة» /التوحيد الإلهى/ الذي أعلن إياناً جذرياً بالله الواحد الذي 
باستطاعته الكشف عن نفسه في أي دين صحيح التوجه. وقد رثاه أبو الفضل علامي 
)١1707 - 1681(‏ في قصيدة بعنوان /أكبر نامه/ أي (كتاب أكبر) حاول فيها تطبيق 
مبادئ الصوفية على تاريخ الحضارة. كان علامي يرى في أكبر حاكم الفلسفة المثالي 
والإنسان الكامل في عصره. لقد أدت الحضارة إلى سلام كوني عند إقامة مجتمع متحرر 
وكريم على يد حاكم مثل أكبر الذي جعل التعصب أمراً مستحيلاً. بالإمكان تحمقيق 
ا د وأن دين محمد لم يحتكر الله. لم يشارك 

جميع المسلمين أكبر في روف ورا كيه اعروة تخطرا علق الدين.. وامشمرت مسساسية 
57 طيلة الفترة التي كان فيها المغول في موقع قوة. وما أن .ندات سلطتهم تضعف 
حتى بدأت جماعات كثيرة الثورة على الحكام المغوليين» فتصاعدت النزاعات بين المسلمين 
والهندوس والسيخ. ربما اعتقد الإمبراطور أورغجذب واءمومعهيد0 ١١18(‏ - 007) أن 
بالإمكان إعادة الوحدة عن طريق انضباط أكبر داخل المعسكر المسلم: سن تشريعاً يضع 
حداً لمظاهر التراخي مثل شرب الخمرة» أدى إلى جعل التعاون مع الهندوس أمرأ مستحيلاء 
وقلل عدد الأعياد الهندوسية؛ وضاعف الضرائب على التجار الهندوس. فكان التعبير الجلي 
لهذه السياسات المذهبية انتشار تدمير المعابد الهندوسية؛ فكانت نقيضاً تاماً لنهج أكبر 
المتسامح ثم التخلي عنها بعد موت أورنجذب. لكن الإمبراطورية المغولية لم تتعاف من 
التعصب المدمر الذي سهله ودشنه اسم الله. 

كان الشيخ البارز أحمد السيرهندي )١576 ١١75(‏ واحداً من أهم خصوم 
أكبز الأشداء خلال حياته. وكان متصوفاً أيضاً مثل أكبر. وكان مريدوه يرون فيه الكمال. 
وقف السيرهندي مناهضاً للتراث الصوفى عند ابن العربي الذي توصل تلامذته إلى اعتبار 
الله الحقيقة الوحيدة. وكان الشيرازي قد أكد هذا المفهوم لوحدة الوجود. كان ذلك إعادة 
صياغة للشهادة: لاوجود لحقيقة سوى الله. فالمتصوفون المسلمون مثل المتصوفين في أديان 
أخرى كانوا يعرفون شكلاً من الوحدانية؛ وكانوا يشعرون أنهم واحد مع الوجود كله 


55 


بينما استيعد السيرهندي هذا المفهوم لأنه ذاتي محضء فبينما كان المتصوف يركز على 
الله وحدهء وكل شيء سواه يميل إلى التلاشي من وعيه لككن هذا لم يتطابق مع حقيقة 
موضوعية. حقيقة إن الحديث عن أية وحدانية أو تماد بين الله والعالم كان سوء فهم خطير 
للمفهوم. حقيقة لم يكن هناك إمكانية لمعرفة الله مباشرة» الذي هو خارج متناول البشر 
تاماً: «(إنه الواحد القدوس» ماوراء الماوراىى وثانية وراء الماوراى وثالثة وراء الماوراي)0). ليبس 
هناك علاقة بين الله والعالم ماعدا علاقة غير مباشرة من خلال التأمل وآيات الطبيعة. زعم 
السيرهددي أنه شخصياً قد اجتاز | إلى ماوراء حالة ار ان العربي - إلى 
بإله الفلاسفة البعيد» حقيقة موضوعية لكن لاسبيل إلى فهمها. تبنى تلاميذه آراءه 
متحمسين بينما لم تتبناها غالبية المسلمين الذين بقوا مخلصين إلى إله المتصوفين ١‏ 
الخفى. 

بينما كان مسلمون مثل أكبر وفنيديرسكي يسعون إلى تفاهم مع الناس من أديان 
أخرى كان الغرب المسيحي قد أوضح في عام ١437‏ أن ليس في وسعه التسامح حيال 
التقارب بين ديني إبراهيم الآخرين. لقد كان العداء للسامية في القرن الخامس عشر قد 
ازداد في أرجاء أورويا وكان اليهود يطردون من مدينة إلى أخرى: من لينز 1102 وفيينا نأ في 
عام ١47١‏ » ومن كولون في عام 5 ١47‏ ؛ ومن أوغبورغ في عام 575 ١‏ » ومن بافاريا 
عام ١54547‏ ورثانية في عام )١55٠‏ » ومن هورافيا عام ١4514‏ » ومن بيروجيا عام 
١ 8‏ ومن فيسينزا عام 86 ؛ ١‏ »ء وبارما 58 ١ع‏ ولوكا وميلانو 5/85 ١‏ ومن توسكانيا 
5 . ينبغي أن نرى طرد اليهود السفرديم من إسبانيا ضمن هذه النزعة الأوروبية الأكبر 
حكياء انكر البهوة الأسنان الدزى اسشقروا ف ١‏ الإمب اطورية الحتماية يعاتوق من عيبا 
بالاقتلاع ممزوج بإحساس بذنب لاعقلاني لكنه لايمحى الخلاص. وهذا الإحساس ماثل 
للذنب الذي كان يحسه الذين تمكنوا من النجاة من الهولوكست النازي. وأنه لمن المفيد أن 
يشعر بعض اليهود بانجذاب إلى الروحانية التى أنشأها اليهود الشرقيون خلال القرن السادس 
عش كي ساعدهم على لني للبهم. 

ربما نشأ هذا النوع الجديد من القبالة فى ولايات البلقان التى كانت جزءاً من 
الإمبراطورية العثمانية حيث أسس الكثير من اليهود الشرقيين تجمعات لهم. ويبدو أن مأساة 
عام ١4347‏ قد أدت إلى توق إلى خلاص اسرائيل الذي تنبأ به الأنبياء. فقد هاجر بعض 
اليهود على راسهم يوسف كاروء وسليمان الخباز من اليونان إلى فلسطين ‏ أرض اسرائيل. 


511 


فقد سعت روحانيتهم إلى علاج الذل الذي ألحقه الطرد باليهود وبإلههم. قد أرادوا «أن 
يرفعوا الملكوت من الغبار) كما قالوا لكنهم لم يكونوا يسعون إلى حل سياسيء ولم 
يتصوروا عودة جماعية لهم إلى أرض الميعاد. لقد استقروا في صفد والجليل» وقاموا بإحياء 
صوفي بارز أدى إلى الكشف عن معنى عميق في تجربة تشردهم. كانت القبالة تتوجه - 
حتى هذا التاريخ إلى النخبة فقط» لكن بعد الكارثة تحول اليهود في أرجاء العالم إلى 
روحانية أكثر صوفية. لقد بدت لهم عزاءات الفلسفة جوفاء: فبدا أرسطو قاحلاً وإلهه 
بعيدا لامسيل إلى الوضول:إليه. لام الكقيروة الفلسفة على الكارثة راعيين أنها قد أصتغت 
النزعة اليهودية» وأخمدت الإحساس بنداء إسرائيل الخاص بها. لقد أقنعت عاميتها وتكيفها 
اللطيف, الكثيرين من اليهود بقبول التعميد. ومن جديد لن تكون الفلسفة ذات أهمية 
روحية عند اليهود. 


كان الناس تواقين إلى معرفة لله أكثر مباشرة» وقد بلغ هذا الحنين درجة تركيز 
شهواني تقريياً في صفد. كان القباليون يتجولون عبر تلال فلسطين؛ ويستلقون على قبور 
التلموديين الكبار في مسعى منهم كعنا نيا لامر لامتصاص رؤياهم إلى داخل حياتهم 
المضطرية. كانوا ييقون يقظين طيلة أسبوع تقريياً مثل عاشقين خائبين ينشدون أغاني حب 
لله وينادونه مشي عشق. لقد وجدوا أن ميثولوجيا وتدريبات القبالة كانت تحطلم 
تحفظهم؛ وتلامس الألم في أرواحهم بطريقة لاتوصلهم إلى الميتافيزيقا أو دراسة التلمود. 
فبما أن ظروف المنفيين الإسبان كانت مختلفة عن ظروف موسى ليون مؤلف /الزهار/ 
فقد كانوا بحاجة إلى تعديل رؤيته بحيث تتوافق مع ظروفهم الخاصة. لقد توصلوا إلى حل 
خيالي غير عادي ساوى التشرد المطلق مع الورع على إطلاقه. كان نفي اليهود يرمز إلى 
الاقتلاع الجذري من قلب الوجود كله. فليس الخلق كله فقط لم يعد في مكانه المناسب 
بل كان الله منفياً عن ذاته. لقد حققت قبالة صفد الجديدة شعبية خلال فترة وجيزة» 
لأصييدف : شركة داهن )لابن انهو التركين فحنت بل أقطف أبلة عديدا إن 
أشكيناز أوروبا الذين اكتشفوا أن ليس أمامهم مدينة تؤويهم في المسيحية. ويوضح هذا 
النجاح غير العادي أن أساطير صفد المربكة والغريبة - كما تتراءى لدخيل - كانت لها 
المقدرة على مخاطبة روك اليهود» وبذلك كانت آخر حركة يهودية تبناها كل يهودي 
تقزياء تألدوتت تخيرا غدينا في الوعي الديني بين يهود العالم. كاديك تدرياف القبالة 
الخاصة للنخبة المدخلة فقطء إلا أن أفكارها ومفهومها له أصيكت تقب ا معاريا التو 


اليهودية. 


1 


كن تشتف هذه الزقية الخديذة للهبغلينا أن تهج أن المراد من هد الأساطي هو 
فوم فوا يدكن. حرو لد كان العرالروة 'الفتفلبيزن جلا كين أن «الرموق التي كاير 
يستخدمونها كانت بالغة الجرأة» فكانوا يحومون حولها بتعابير مثل دو كأما» أو (يمكن 
للمرء أن يفترض). لكن أي حديث عن الله كان حديثاً إشكالياء ليس أقله الاعتقاد 
التوراتي بخلق الكون. لقد وجد القباليون هذا أمراً صعباً في طريقتهم مثلما وجده 
الفلاسفة. فقد تبنى كلاهما تشبيه الفيض الأفلاطونى الذي يشمل الله والعالم الذي يفيض 
منه إلى الأبد. لقد شدد الله على قدسية الله وانفصاله عن العالم» لكن /الزهار/ اقترح أن 
عالم الله كان يشمل الحقيقة كاملة فكيف كان بالإمكان أن يكون الله منفصلاً عن العالم 
إذا كان هو الكل في الكل؟ لقد رأى يعقوب القرطبي الصفدي هذا التناقض بكل جلاء 
فحاول إزالته. فالله المستتر في لاهوته لم يعد ربا عصياً على الفهم لكنه فكرة العالم: لقد 
كان واحداً في جميع الأشياء المخلوقة في حالتها المثالية الأفلاطونية» لكنه منفصل عن 
تجسيدها المعاب على الأرض: «إن كل شىء يوجد محتوىٌ فى وجوده. والله يوجه كل 
الوجود. وجوهره موجود في سفروته, وهو ذاته في كل شيء, ولايوجد شيء خارجه)7”», 
وبذلك اقترب كثيراً من أحدية ابن العربي والشيرازي. 


حاول بطل وقديس قبالة صفد, اسحق لوريا )١517 - ١5*14(‏ أن يشرح تناقض 
التعالي والتلازم الإلهى بشكل أكثر إسهاباً فى واحدة من أكثر الأفكار إدهاشاً حول الله. 
كان 000 معظم ا المتصوفين تحفظاً شديداً حول تجربتهم المقدسة. فإحدى تناقضات 
هذا النوع من الروحانية هي أن المتصوفين يزعمون أنه لايمكن وصف تجاربهم الصوفية» مع 
ذلك فهم مستعدون لكتابتها برمتها. كان القباليون حذرين من هذا فكان لوريا من أوائل 
القديسين الذين جذبوا إليهم مريدين لطريقته بسحر شخصيته. لم يكن كاتباء وتعتمد 
معرفتنا لمنهجه القبالي على الاحاديث التي دونها تلميذاه حاييم فيتال )١57١ - ١١857‏ 
في كتابه /شجرة الحياة/ ويوسف بن طابول» ولم ينشر هذا الغخطوط حتى عام ١957١‏ . 


لقد واجه لوريا السؤال الذي حير الموحدين طيلة قرون: كيف تمكن إله لامتناه كامل 
من لق عالم محدود مُلَمَرَ بالشر؟ من أين يا ترى أتى الشر؟ وجد لوريا الإجابة عن طريق 
تخيل ماحدث قبل فر فيض السفروت: عندما عكف الله المستتر على نفسه في لحظة استبطان 
عالية» كي يجد متسعاً للعالم فقد أخلى الإله المستتر منطقة داخل ذاته» وبهذا الانكماش؛ 
أو «الانسحاب») ) خلق الله مكاناً لم يكن فيه؛ مكان فارغ تمكن من ملئه بعملية متزامنة من 
الكشف عن ذاته والخلق معا. فكانت محاولة لوريا جريئة لشرح معتقد الخلق الصعب من 


518 


لاشيء: أول عمل قام به الإله المستتر كان نفياً فرضه على ذاته من خارج ذاته» وكأنه قد 
هبط بعمق أكبر داخل وجوده هوء ووضع حدا على ذاته. فكانت فكرة ممائلة للعماء 
البدئي الذي تخيله المسيحيون في الثالوث حين أفرغ الله ذاته في ابنه في عمل تعبيراً عن 
الذات. وطيلة القرن السادس عشر كان الانسحاب بالنسبة للقباليين أساساً رمزاً للدفي 
الكامن في بنية كل الوجود الخلوق قام به الله المسعتر ذاته. 

تصوروا أن «المكان الخالي) الذي خلقه الله بانسحابه كان على شكل دائرة يحيط 
بها الله المستتر من جميع الجوانب. فكان هذا توهو بوهو ناطاهطناطه7 أي القفز المذ كور 
في سفر التكوين. فقبل ارتداد الانسحاب امتزجت قدرات الله المتنوعة بانسجام سويأ 
فشكلت لاحقاً السفروت»؛ إنها لم تكن متباينة إحداها عن الأخرى؛ فقد وجدت رحمة 
الله وشدته وحكمته داخخل الله في حالة انسجام تام. لكن أثناء عملية الانسحاب فصل الله 
المستتر حكمه الشديد عن بقية صفاته ورماها في المكان الخالي الذي تخلى عنه. وهكذا لم 
يكن الانسحاب عمل حب تفريغ للذات بل بالإمكان رؤيته كنوع من تطهير إلهي: 
استأصل الله غضبه أو حكمه الشديد (التي رآها كتاب الزهار كجذر للشر) من داخل 
وجوده: أظهر عمله البدئى قسوة وخشونة تجاه ذاته. وبعد انفصال الرحمة عن الغضب 
وبقية أسماء الله كان أمراً مدمراً. مع ذلك لم يهجر الإله المستتر المكان الخالي كلياً. فقد 
نفذ «خيط رفيع) من النور الإلهي إلى هذه الدائرة التي اتخذت شكل ماأسماه كتاب 
الزهار آدم قضمون أي الإنسان الأول. 

بعدئذ حدث فيض السفروت» ولم يكن هذا ماحدث في كتاب الزهار. قال لوريا 
أن السفروت قد تشكل في آدم قضمون: السفروتات الثلاثة الأعلى: العرش» الحكمة» 
العقلء» شعت من أنفه وأذنيه وفمه على التتالى. بعد ذلك حدثت كارثة أسماها لوريا 
«تحطيم أوعية). كان السفروت بحاجة إلى أن ع محتوى في أغطية خاصة به أو أوعية 
كي بميز ويفصل إحداها عن الأخرىء ولمنعها من العودة ثانية إلى وحدتها السابقة. لم تكن 
57 الأوعية أو «الأنابيب)» مادية بالطبع بل مكونه من نور أكثف شكلت مايمائل «الدرع) 
للنور الأنقى للسفروت. فعندما شعت السفروتات الثلاث العليا من آدم قضمون قامت 
أوعيتها بدورها تماماً. لكن عندما فاضت السفروتات الست التالية من عينيه لم تكن 
أوعيتها قوية بما فيها الكفاية كي تحتوي النور الإلهي فتحطمتء وبالتالي تبعثر النور. فصعد 
بعضه إلى أعلى وعاد إلى الرب. لكن بعض جمرات إلهية سقطت في القفز الفارغ وبقيت 
محتجزة في حالة عماء. ومن ذلك الحين فصاعداً لم يعد شيء في مكانه المناسب. حتى 


امل 


السفروتات الثلاث العليا نزلت إلى عالم أدنى نعيجة لهذه الكارثة. لقد دُمْرَ الانسجام 
الأصلي؛ وضاعت الجمرات الإلهية في قفر لاشكل له توهو بوهو في منفى عن الرب. 
تذكرنا الأسطورة الغريبة هذه بالأساطير الغنوصية الأقدم منها حول الاقتلاع البدئي. 
إنها تعبر عن التوتر الذي غلف عملية الخلق كلها التي هي أقرب ماتكون إلى الا 
الكبير الذي يتصوره العلماء اليوم اكثر من قربها من التسلسل المرتب السلمي الذي وصفه 
سفر التكوين. لم يكن سهلا على الله المستتر أن يظهر من حالته المستترة: تمكن من القيام 
الله صنع عوالم أخرى ودمرها قبل أن يخلق هذا العالم» لكنه لم يصنع كل شيء. قارن 
بعض القباليين بين هذا التحطيم بانفجار أو ولادة فلقة البذار. كان الانفجار مقدمة إلى 
خلق جديد. فعلى الرغم من أن كل شيء كان في حالة فوضى فقد خلق الله المستتر حياة 
جديدة من هذه الفوضى الظاهرية عن طريق عملية تكامل جديدة. 
صدر بعد الكارئة سيل جديد من النور من الله المستتر» وانبئق من جبين آدم 
قضمون. أعيد هذه المرة تنظيم السفروت في أشكال جديدة: لم تعد جوانب عامة عن 
الله أصبح كل منها المظهر الذي تكشفت فيه شخصية الله الكاملة» ملامح مميزة ممائلة 
لشخوص الثالوث. كان يحاول لوريا أن يجد طريقة جديدة للتعبير عن الفكرة القبالية 
التكامل» الولادة وتطور الشخصية البشرية كي توحي بنشوءٍ ممائل في الله. فقد أعاد الله 
الاستقرار في عملية التكامل بتقسيم السفروتات العشرة إلى خمسة مظاهر مرتبة في المراحل 
التالية: 
العرش: السفروت الأعلى الذي أسماه الزهار «لاشيء)» يصبح 
المظهر البارز والأول» ويدعى أريك أي الواحد المنذر. 
؟ ‏ الحكمة: تصبح المظهر الثاني: الآب. 
© العقل: تصبح المظهر الثالث: الأ 
َ الحكم الإلهي, الرحمة؛ اغبة, الصبر الجلال جميعها 
تصبح المظهر الرابع ويدعى /الواحد غير الصبور/. 
الملكوت: يصبح المظهر الخامس ويدعى المرأة. 
فالرمزية الجنسية هي ار جسورة لتصوير إعادة توحيد 00 ولعلا 
الانفجار الذي حدث عند نحطم الأوعية» ولإعادة الانسجام البدثي. ي يتشمسن الات والأم 


ا" 


في جماعء ويرمز هذا التزاوج بين الذكر والأنثى داخل الله إلى الاستقرار المستعاد. 
فالقباليون يحذرون القراء من فهم هذه الصورة حرفياً. إنها قصة خيالية وضعت كي توضح 
عملية التكامل التي لايمكن التعبير عنها بكلمات عقلانية واضحة, وإلى تحييد صورة الله 
الذكر المسيطرة ‏ فالخلاص الذي تصوره المتصوفون لم يكن يعتمد على أحداث تاريخية 
مئل مجيء المسيح المنتظر بل عملية يجب أن ير الله بها. أول خطة لله كانت أن يجعل 
الم باه له في عملية استرجاع لتلك الجذوات الإلهية التي بُعثرت واخترنت في 
العماء أثناء تحطيم الأوعية. فخطيئة آدم في جنة عدن هي التي منعت من إعادة الانسجام 
الأصلي» وانتهاء النفي الإلهي في السبت الأول؛ لكن هبوط آدم كرر الكارثة الأولى - 

تحطم الأوعية. فقد سقط الاستقرار المخلوق والنور الإلهي في روحه؛ وبُعثر خارجاً وسجن 
في مادة محطمة. وبالتالي ي وضع الله خطة أخرى. فاختار اسرائيل عوناً له في صراعه من 
أجل السيادة والسيطرة . فمع أن اسرائيل قد بعثرت في أرجاء عالم الشتات كالجذوة الإلهية 
الذي لارب له: أي أن اليهود ذوو رسالة خاصة. ويبقى الله غير تام طالما أن الجمرات 
الإلهية منفصلة وضائعة في المادة. ويستطيع كل يهودي المشاركة بإعادة الجمرات الإلهية 
إلى مصدرها ويخلص العالم عن طريق الالتزام بالتوراة والصلاة. ففي هذه النظرة إلى 
الخلاص لايتأمل الله البشرية متلطفاً بل يتوقف تلطفه على الجنس البشري كما أصّر اليهود 
على ذلك. وهكذا لدى اليهود امتياز فريد» المساعدة على إعادة تشكيل الله وعلى خلقه 


من جديد. 


قدم لوريا معنى جديداً لصورة النفي الأولى للملكوت. ويجب أن نتذكر أن الأحبار 
في التلمود قد رأوا الملكوت يسير طوعاً إلى المنفى مع اليهود بعد تدمير الهيكل. وقد ماثل 
الزهار الملكوت بالسفروت الأخيرء فجعله جانباً أنثوياً للألوهة. ففي أسطورة لوريا سقط 
المكوت مع السفروت الآخر عندما تحطمت الأوعية. فالمرحلة الأولى من الخلاص 
أصبحت عن طريق الزواج مع المرأة» السفروت المتوسط السادس» أصبحت مندمجة بالعالم 
المقدس. لكن عندما أخطأ آدم سقط الملكوت ثانية وذهب إلى المنفى عن بقية عوالم الرب. 
من غير المحتمل أن يكون لوريا قد اطلع على مؤلفات المسيحيين الغنوصيين الذين طوروا 
ميثولوجيا ممائلة. لقد أعاد عفوياً إنتاج أساطير المنفى القديمة والسقوط كي تابي الظروف 
المأساوية في القرن السادس عشر. فحكايات الجماع الإلهية» والإلهة المنفية كان مرا وفقدية 
اليهود خلال الفترة التوراتية» عندما كانوا يرسون معتقد الله الواحد. علاقتهم بالوثنية 
وعبادة الأصنام كانت مرفوضة منطقياً من قبل السفرديم. لقد اعتنق معظم اليهود ميثولوجيا 
لوريا ينعا من يلاذ قار إلى انجاعرا وألانيا ويولننا وإيطاليا حتى شمال أفريقيا وهولندا 


5 


واليمن لأنها كانت قادرة على العزف على وتر دفين » وأن تقدم أملاً جديداً في لجة 
اليأس. فقد مكنت اليهود من الإيمان بوجود معنى نهائي ومغزى على الرغم من الظروف 
المرعبة التي كان يعيشها الكثيرون منهم. 

لقد أصبح باستطاعة اليهود إنهاء نفي الملكوت عن طريق الالتزام بالتوراة والصلاة» 
وبذلك يستطيعون إعادة بناء إلههم ثانية. من الممتع مقارنة هذه الاسطورة باللاهوت 
البروتستانتي الذي كان يطوره لوثر وكالفن في أورويا في الفترة ذاتها تقريباً. كان 
المصلحون البروتستانتيون يبشرون بسلطة الله المطلقة في لاهوتهم؛ فليس في وسع البشر 
المساهمة بشيء إطلاقاً في خلاصهم. بشّر لوريا بالإيمان بالأعمال: الله كان بحاجة إلى 
البشرء وسيبقى غير تام بشكل ماء دون صلاتهم أو أفعالهم الخيرة. وعلىالرغم من المأساة 
التي حلت باليهود في أوروباء كانوا قادرين على التفاؤل بالبشر أكثر من تفاؤل 
الرر تابه تقد راع لزرياسسية كلاس بكلمات اتلك نيعنا كاذ مضيو اررويا 
كاثوليكين وبروتستانت - يصيغون المزيد من المعتقدات» قام لوريا بإحياء طرق أبراهام أبو 
العافية الصوفية كي يساعد اليهود على تجاوز هذا النوع من النشاط الفكريء وأن ينموا 
وفيا كر بحدسة قرنين احرف الأسياك الأليية ف زوعائية أبن" العافية كان ميلك 
الاق أنه لتك المح سنن ليق نوكيا شور رن كال عكر اوس وروا" قد 
إعادة بناء وإصلاح لله. فقد وصف حاييم فيتال التأثيرالعاطفي لطرق لوريا: عن طريق 
فصل نفسه عن التجربة اليومية العادية» والبقاء ساهراً عندما ينام الآخرون» وعن طريق 
الصيام عندما يتناول الآخرون الطعام» وعندما ينسحب القبالى إلى عزلته لفترة يتمكن من 
التركيز على الكلمات الغريبة التى لاتحمل علاقة معنوية بالكلام العادي. سيشعر أنه فى 
عالم آخر. امسو ا ا وكأنه قوة خارج ذاته تسيطر عليه. ْ 

لم يكن هناك داع للقلق» فكما أكد لوريا أن على القبالي أن يحقق السكينة العقلية 
قبل البدء بالتدريب الروحي. فالسعادة والمرح أمران أساسيان: يجب ألا يحدث لطم 
للصدورء أو التأنيب أو الذنب أو القلق فيما يتعلق بأداء اليهودي. وقد أكد فيتال على أن 
الملكوت لايستطيع أن يعيش في مكان حزين وأليم» وجذور هذه الفكرة موجودة في 
التلمود. فالحزن ينبع من قوى الشر في العالم بينما تمكن السعادة القبالي من حب الله 
والتعلق به. يجب ألا يوجد غضب أو عدوان في قلب القبالي تجاه أي شخص كان حتى 
تجاه الغوييم. لقد ماثل لوريا بين الغضب وعبادة الأصنام لأن المرء الغاضب يكون مشيطراً 
عليه من قبل «إله غريب». توجيه النقد إلى صوفية لوريا أمر سهل. فكما يشير جرشوم 


ويف 


شوليم أن الله المستتر الذي كان قوياً جداً في الزهار يصبح مفقوداً في دراما الخلاص أي 
«تخطم , الأواني)” 3 ٠‏ وفي الفصل التالي سوف نرى أن ذلك قد ساهم في حادثة كارثية في 
التاريخ اليهودي. فمع أن مفهوم الله عند لوريا كان قادراً على مساعدة اليهود في تنمية 
الاحساس بالسعادة واللطف وموقف إيجابي من البشرية في وقت كان الشعور بالذنب 
وغضب اليهود دفعا بالكثيرين إلى اليأس وإلى فقدان إيمانهم بالحياة كلها لولا ذلك. 


لم يكن مسيحيوا أوروبا قادرين على تقديم روحانية إيجابية كهذه. فهم كذلك 

احتملوا كوارث تاريخية لا يمكن أن يهدئها دين فلسفي مدرسي. فالموت الأسود 
عام ١*4‏ وسقوط القسطنطينية عام ١405#‏ » والفضائح الكنسية المتعلقة بأسر 
أفيجنون «ومع71ة (من ١١5‏ حتى 1١55‏ ), والانشقاق الكبير (8/ا١‏ - )١117‏ 
الذي رمى عجز الظرف الإنساني في سُعور عارم بالارتياح» وجلب سوع السمعة إلى 
الكنيسة. بدت البشرية غير قادرة على تخليص نفسها من هأزقها انخيف دون مساعدة من 
الله فخلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر كان اللاهوتيون من أمثال دونس سكوتس 
الا وكسفوردي 84 01 115أمء5 10115 (75؟١‏ - )١1١08‏ واللاهوتي الفرنسي جون 
غريسون )١555 - ١79‏ اللذين أكدا على سيادة الله الذي يتحكم بشؤون البشر 
كحاكم مطلق. لم يكن باستطاعة البشر المساهمة بشيء من أجل علاصهم» فالأعمال 
الخيرة لاتدم عن امنيا .يح ذاتها “بل لأن الله قد كدر أن مكرن هذه الأفمال. خيرة: 
وبالتأكيد كان هناك مول خلال هذين القرنين. فغيرسون كان متصوفاً وكان يعتقد «أن 
من الأفضل حب الله دوذ بحث» على أن تبحثث بناءاً على أسنباب من الإيمان الحق. ع 
نفهم طبيعة الله)2"0. كانت في أوروبا القرن الرابع عشر موجة صوفية؛ لأن الناس - كما 
رأينا - قد بدأوا يدركون أن العقل كان غير كافبٍ لتفسير السر الذي أسموه «الله»» وكما 
قال توماس أكيمبس في /محاكاة المسيح/: 

ما الفائدة من النقاشس العلماني في الثالوث. فإن تفتقد إلى التواضع 

ولاترضى بالثالدث. فإنني أفضل أن أشعر بالندم على أن أكون قادراً على 

تعريفه. فلو حفظت الكتاب المقدس عن ظهر قلب؛ وكل تعاليم الفلاسفة, 

فكم سيساعدك هذا دون نعمة وحب الله؟*”*) 

لقد أصبحت /محاكاة المسيح/ بنزعتها الدينية الكئيبة القاسية واحدة من 

الكلاسيكيات الروحية الغربية الأكثر شعبية. فخلال هذه الفترة كانت نزعة التقوى تتركز 
بشكل متزايد على يسوع الإنسان: القيام بإشارة الصليب كانت ترتكز على ألم يسوع 
الجسدي وعلىحزنه. وبعض التأملات التي دونها كاتب مجهول في القرن الرابع عشر 


"0 


تخبر القارئ أنه عندما يستيقظ صباحاً بعد تمضية معظم الليل مفكرا بالعشاء الأخين 
وبالعذاب في الحديقة» يجب أن تكون عيناه حمراوين من البكاء عليه أن يبدأ بصلب 
المسيح» وأن يسير وراءه إلى الجلجلة خيث,صلب» ضاعة بغد. اخرى اييتب: أن .يسخبل 
القارئ نفسه متوسلاً للسلطات من أجل إنقاذ المسيح» وأن يجلس إلى جانبه» وأن يقبل 
يديه وقدميه المكبلتين بالسلاسل”». في هذا البرنامج القابض للصدر لاتحظى قيامة المسيح 
سوى بالقليل؛ فالتأكيد هنا هو على بشرية يسوع الحساسة. تتسم هذه المقطوعات الوصفية 
- لقارئ معاصر ‏ بالانفعال والفضول الكئيب. حتى المتصوفون الكبار مثل بريدجت 
السويدية أو جوليان النرويشية تتأملان التفاصيل الكتيبة لحالة يسوع المجسدية: 

رانك وجنهه الحنيب انا لاشيل مه الذماف وشحوت الوت يعطه. 

أصبح أكثر شحوباًء كالموت بعد أن فارقته الحياة. بعدئذ مات فأصبح لونه 

أزرق» وتحول تدريجياً إلى أزرق غامق بينما كان نبض الحياة يفارق 

الجسد. ظهرت الامه لي في وجهه المبارك خاصة على شفتيه. هناك أيضا 

رأيكة الأتران ذائيهة بعد "أن كان وجي مصربا باشيرة ركافة الكنناتن 

والجمال. نامتلاً قلبي حزناً وأنا أرى لونه يتحول تدريجياً مفارقاً الحياق 

ارتعشت فتحتا أنفه: وجفتا أمام عيني» وأصبح جسده الغالي أسود وبنياً 

بينما كان يجففه الموت7' 2. 

يذكرنا هذا الوصف بمقطوعات الوصف لصلب المسيح في اللغة الألمانية في القرن 

الرابع عشر. بأشكال شخوصها التي تتلوى؛ والدم المتدفق منهاء والتي بلغت الذروة في 
وصف متياس كورنفالد .)١518- ١440(‏ كانت جوليان قادرة على بلوغ رؤية عظيمة 
داحل طبيعة الله: تصور الثالوث يعيش داخل الروح؛ وليس مجرد حقيقة خارجية هناك 
كمتصوفة حقيقية. لكن بدت قوة التركيز الغربي على المسيح البشري قوية جداً لايمكن 
مقاومتها. فخلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر كان الرجال والنساء يجعلون كائنات 
ريك لحياتهم الدينية أكثر نما جعلوا الله مركزاً لها. فعبادة مريم والقديسين التي 
كانت قد تزايدت في العصور الوسطى إلى جانب العبادة المتزايدة ليسوع الإنسان. لقد 
صرف الحماس تجاه المقدسات والأماكن المقدسة المسيحيين الغربيين عن الشيء الضروري 
الواحد. فبدا كأن الناس كانوا يركزون على أي شيء ماعدا الله. 


ظهر الجانب القئم من الروح الغربية خلال عصر النهضة؛ فكان فلاسفة» وانسانيوا 
النهضة ينتقدون كثيراً الورع الذي كان سائداً في العصور الوسطىء وكانوا يكرهون 
السك و لاستيين كثيراً لأنهم كانوا يشعروك أن تأملاتهم الغامضة جعلت الله يبدو غرياً 


7/5 


ومملاً. لقد أرادوا العودة إلى أصول الدين وبخاصة إلى القديس أوغسطين. كان علماء 
اللاهوت في العصور الوسطى يبجلون أوغسطين كلاهوتي» لكن الإنسانيين أعادوا 
اكتشاف الاعترافات التي كتبها فوجدوه إنساناً عادياً في يعن ذاي الم تكن السيعية 
مجموعة معتقدات بل كانت تجربة. فقد شرح لورينز وفالا  ١5.8(‏ 488) أن 
لاجدوى من مزج العقيدة الدينية المقدسة «بألاعيب الديالكتيك») المماحكات 
الميتافيزيقية” '2. وقد أدان القديس بولص كليهما. وقال فرانشيسكو بترارك ١*0(‏ - 
5 الأن اللاهوت هو في حقيقته شعر» شعر يتعلق بالله». وهو مؤثر ليس لأنه يقبت 
فرتقي 4 ب الأنه بهد إلى القلبيع7؟ 0 كان الإبسائيرة يدون اكدات. الكرانة 
الإنسانية» ولم يقدهم هذا إلى رفض الله: بل أكدوا على بشرية الله الذي أصبح إنساناء 
لكن المخاطر القديمة بقيت على حالها. كان رجال النهضة مد ركين إدراكاً عميقاً هشاشةً 
معرفتناء وكان باستطاعتهم أيضاً أن يتعاطفوا مع الإحساس بالذنب الذي تحدث عنه 
أوغسطين. فكما قال بترارك: 

كم مرة فكرت فيها بالبؤس والموت» وبأية فيضانات من الدموع سعيت 

إلى غسل آثامي لدرجة أنني نادراً ما أتحدث عن الذنب دون أن أبكي 

دون جدوى حتى الآن. فالله هو الأفضل حقاً وأنا الأسوأ©2. 

كاقت هناك 'مسافة: ساشعة ,بيرع" الله بو الإنسانة كوو كيو ساليركاتي او مالا 

7 وليوناردو بروني )١5415 - ١755(‏ كانا يريان أن الله متعالٍ جداً عن العقل 
البشري ولاسبيل إلى الوصول إليه. 


أما الفيلسوف الألمانى ورجل الكنيسة نيكولاس سوسا )١4514 - ١4.٠0(‏ فقد 
كانت ثقته أكبر في مقدرتنا على فهم الله. وكان شديد الاهتمام بالعلم الجديد الذي 
سيمكننا من فهم سر الثالوث. فالرياضيات التي كانت تتناول تجريدات صرفة كان 
بمقدورها أن تقدم يقيناً يستحيل أن تقدمه المعارف الأخرى. وهكذا فإن المفهوم الرياضي 
للحد الأقصى والحد الأدنى كانا متناقضين ظاهرياً لكن بالإمكان رؤيتهما متطابقين منطقياً. 
«وتزامن الأضداد» يشمل فكرة الله. فكرة الحد الأقصى تشمل كل شيء» إنها تتضمن 
مفاهيم الوحدة والضرورة اللتان تشيران إلى الله مباشرة. زد على ذلك لم يكن الحد 
الأقصى مثلثاً أو دائرة أو كرة بل يشملها جميعاً متحدة: فوحدة الأضداد كانت أيضاً 
الثالوث. مع ذلك فالتفسير الذي قدمه نيكولاس كان ذا معنى ديني يسيرء ويقلل فكرة الله 
- كما يبدو إلى درجة لغز منطقي”* ©2. لكن اقتناعه أن الله يحتضن كل شيء حتى 


/ا” 


لمتناقضات مائل للمفهوم الأرثوذوكسي اليوناني بأن اللاهوت الحق يجب أن يكون قائماً 
رياضيات 5 كان مركا أن المسيحى يجب أن «يترك كل شي ء خلفه) أثناء سعيية إلى 
الاقتراب من الله. وَأن «يتجاوز فكره) ليمضي إلى ماوراء الاحساس والعقل. فوجه الله 
سيبقى علق في «(صمت صوفي 0 


لم تستطيع الرؤى الجديدة للنهضة أن تخاطب الخاوف الأعمق مثل: الله يقع خارج 
متناول العقل. ولم يعض وقت طويل على وفاة نيكولاس حتى اندلع» رهاب ري المانيا 
وامتد إلى أرجاء أوروبا الشمالية. ففى عام 584 ١‏ نشر البابا أنوسنت الثامن الآمر المعروف 
باسم سوما ديزيراتس 011 50 الذي كان نقطة علامة لبداية جنون 
السحر الكبير الذي استعر متقطعا في أرجاء أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع 
عشر مجتاحاً الجماعات البروتستانتية والكاثوليكية على السواء» فكشف عن الجانب القاتم 
في الروح الغربية. فخلال هذا الاضطهاد المشين تم تعذيب الآلاف من الرجال والنساء 
حتى اعترفوا بجرائم مذهلة مثل زعمهم أنهم كانوا يقيمون اتصالات جنسية مع الشياطين» 
أو طيرانهم في الهواء لكات الأميال كي يشاركوا في طقوس العربدة السرية حيث يعبد 
الشيطان بدلاً من الله في قداس فاحش. فنحن نعرف الآن أنه لم يكن هناك ساحرات؛ 
لكن ذلك السعار الذي كان يمثل نزوة جماعية واسعة اشترك فيها أعضاء محاكم التفتيش» 
وضحايا كثيرون حلموا بهذه الأشياءء وكان إقناعهم سهلاً بحدوث هذه الأشياء بالفعل. 
ارتبطت هذه النزوة بمعاداة للسامية وبخوف جنسي عميق. فقد ظهر الشيطان كظل لله 
مقتدر ومحال أن يكون خيراً. لكن هذه النزوة تحدث لمتحدث في الدين الإلهي الآخر. 
فالقرآن على سبيل المثال يوضح أن الله سيغفر للشيطان في يوم الحساب. وقال بعض 
المتصوفين أنه هبط من السماء لأنه أحب الله أكثر ما أحبه أي من الملائكة. أمره الله أن 
يسجد لآدم فى يوم الخلق لكن الشيطان أبى لأنه اعتقد أن السجود لايكون إلا لله وحدهة. 
أما في الغرب فقد أصبح الشيطان شخصاً يدل على شر لايمكن ضبطه. وغالباً ماصوره 
الناس تحيواناً هائلاً ذا شهوة جنسية جامحة؛ وله جهاز تناسلي ضخم. وكما اقترح نورمن 
كوهن في كتابه /شياطين أوروبا الداخليين/ أن هذه اللوحة للشيطان لم تكن مجرد اسقاط 
لخوف وقلق قلق دفينين. فجنون السحر كان يمثل أيضاً ثورة تشنجية غير واعية ضد دين قمعي 
وإله قأس. وكانت محاكم التفتيش تخلق ب الساكرات ملونيا في غرف التعذيب نزوة 
كانت انقيضاً للمسيحية. لقد أصبح القداس الأسود 255 81201 مرضياً وانحرافاً لكنه 


ا" 


كان وها يعد فيه الشيطان بدلا من الله الذي بدا قاسياً ومخيفاً جدأً لدرجة يتعذر التعامل 
زديفق 
معه ٠.‏ 


كان مارتن لوثر )١547  ١441(‏ قوي الإيمان بالسحرء وكان يرى أن الحياة 
المسيحية كانت مثا ل معركة مع الشيطان. بالإمكان فهم حركة الإصلاح على أنها مسعى 
لجيه ل عي اريم من أن معظم المصلحين لم يطوروا أي مفهوم جديد عن الله. 


فتسمية حلقة التغير الديني الهائلة التي حدئت في أوروبا خلال القرن السادس عشر 
(بالإصلاح) سيكون ذلك سيط بالطبع. فالكلمة تعنى حركة موحدة ومتعمدة أكثر مما 
حدث فعلا. 


كان المصلحون بتنوعاتهم يحاولون التأسيس لوعي ديني جديد كانوا يحسونه بقوة» 
لكنهم لم يصيغوه في مفاهيم أو في فكر واع. فنحن لانعرف تماماً لماذا حدثت حركة 
الإصلاح: ففي أيامنا هذه يحذرنا العلماء من الروايات التى تقدمها لنا الكتب القديمة. 
فأسباب التغيرات لم تكن كلها فساد الكنيسة كما يعتقد غالبا ولافتور في الحماس 
0 فكما يدر كان في أدرقنا 0 ديني 0 0 إلى انتقاد الات التي 
اللاهوتية 0 القروسطية. , وقد 3 5 ا وللذة في فى ماني 00 دورا 
0 للدور الذي لعبته التقوى الجديدة ة والوعي للاعرتي لعامة الناس ور القن الكادن 
جذرية ية للمواقف ال الراهنة. له يد انار عي ايه بطرق + جماعية ا 
كانوا قد بدأوا اكتشاف آثار الدين الداخلية. لقد ساهمت هذه العوامل جميعاً فى التغيرات 
العنيفة والمؤلمة التى دفعت الغرب إلى الحداثة. 


كان لوثرء قبل تحوله إلى البروتستانتية» قد أصبح يائساً من إمكانية إرضاء 
إله أصبح يكرهه: «على الرغم من أنني عشت حياة لاألوم نفسي على 
شيء فيهاء شعرت أنني كنت مذنبأء وأنني لست مستريح الوجدان أمام 
الله. ولم أكن أعتقد أنني قد أرضيته بأعمالي. فبصرف النظر عن محبة 
ذلك الله الحق الذي كان يعاقب المأنبين» فإننى فى الحقيقة كرهته. لقد 
كنت راهباً فاضلأء وشديد الالتزام ضمن سلكي لدرجة أنه إذا كان 
هناك راهب ماء سيصعد إلى السماء لانضباطه الكهنوتي فإنني أنا ذلك 
الراهب. ويؤكد ذلك جميع رفاقي في الدير... مع أن وجداتي لم يمدني 
باليقين» كنت أشك دائمء وكنت أقول «أنت لم تفعل ذلك كما 


و1 


بت الم تكن متاكدا عا قيه«الكفاية ٠‏ لقند <تركنت. ذللك الش من 
اعترافك)9"). 
يتعرف مسيحيون كثر في يومنا هذا على هذه الحالة التي لم تستطع حركة الإصلاح 
إلغاءها تماماً. كان إله لوثر يتسم بالغضبء ومامن قديس ولانبي ولامزموري 55 مساوم 
قادر على احتمال هذا الغضب الإلهي. ولم يكن من المستحسن أن يفعل الإنسان مافي 
وشعة قط لآق الله كان أَزلياً كلي القدرة, كان غضبه على المذنبين الراضين عن أنفسهم 
هائلاً ولامتناهياً2"9. ولايمكن التعرف على مشيئته. ليس بوسع الالتزام بقوانين الله أو 
الثزاتب اديت إنقاذنا. في الحقيقة كان القانون الإلهي مجلبة للاتهام والرعب لأن يظهر 
عدم كقا يعات و من أن يجلب قانون الله رسالة أمل كان يكشف عن «غضب الله 
والذنب» والموت واللعنة من منظور الله '©. ظهر الاختراق الشخصي الذي قام به لوثر 
عندما صاغ معتقده للتبرئة: ليس في وسع الإنسان أن ينقذ نفسهء فالله يقدم كل شيء 
ضروري للتبرئة» وإعادة علاقة بين المذنب والله. فالله إيجابي والبشر سلبيون وحدهم. 
أعمالنا الخيرة» والالتزام بالشرع ليست السبب في تبرئتناء بل النتيجة فققط هي التي تبرئنا. 
فنحن قادرون على الالتزام بمفاهيم الدين لأن الله قد أنقذنا. وهذا ماعناه القديس بولص 
2 في عبارته (التبرئة بالإيمان». 
لم يكن في نظرية لوثر شيء جديد. لقد كانت سارية في أوروبا منذ مطلع القرن 
الرابع عشر. لكن ما أن أمسك لوثر بهاء وجعلها فكرته حتى شعر أن كل مخاوفه قد 
تلاشت. فالكشف الذي حدث «جعلني أشعر وكأنني قد ولدت من جديد, كأنني دخلت 
عبر بوابات مشرعة إلى الفردوس نفسه)”” "©. 
مع ذلك بقي لوثر شديد التشاؤم حول الطبيعة البشرية. ففي نهاية عام ١١٠١‏ طور 
ماأسماه لاهوت الصليب. لقد تبنى عبارة القديس بولص التي خاطب بها المؤمنين 
الكورنيثيين بأن صليب المسيح قد أوحى أن «حماقة الله هي أكثر حكمة من الحكمة 
البشرية» وأن ضعف الله أقرى من قوة البشرة'. '©. فالله ييرئ المذنبين 0 يعتبرون 
مخطتين إذا ماطبقت عليهم المعايير البشرية» وأهلاً للعقاب. فقوة الله كانت تتكشف في 
ماكان اعرد في عيون البشر. بينما كان لوريا يعلّم القباليين أن بالإمكان العثور على 
في الهدوء والسعادة كان لوثر ينادي أن «بالإمكان العثور على الله في الألم 
0 ور وار من هذا الموقع لأهونا لجدلا ضد السكولاستيه مميزاً اللاهوتى 
المزيف الذي يقدم عرضاً للذكاء البشري فيعتبر أن «بالإمكان فهم أشاء الله الخنية يكل 


الف 


وضوح”' "2 عن اللاهوتي الحق الذي «يفهم أشياء الله المرئية الواضحة عبر الألم 
والماضي 5 بدا الاعتقاد بالثالوث والتجسيد عرضة للشك بسبب الطريقة الني صاغها 
فيها أباء الكنيسة؛ والتي كانت معقدة إلى حدٍ بدا معها (لاهوت القدرة) زائفاً. مع ذلك 
بقي لوثر وفيا لمعتقدات نيقيا 7710268 وإفسوس 15او6طم28 وشاليسندون 00 
كانت تعتمد نظريته في التبرئة على ألوهة المسيح والبناء النالوثي . كانت هذه المعتقدات 
التراثية بالله متجذرة بعمق في التجربة المسيحية» ولاداعي لأن يتساءل عنها لوثر أو كالفن. 
لكن لوثر رفض الغموض الذي صاغه اللاهوتيون الزائفون. تساءل قائلاً «ماالفرق بالنسبة 
لي؟) عندما واجهته المعتقدات التعليلية اللاهوتية لشخص المسيح: كل ماكان ببحاجة لمعرفته 
كان: إن المسيح هو مخلصه” ©. 
كان لوثر يشك بإمكانية البرهنة على وجود الله. فالله الوحيد الذي بالإمكان 

استنتاجه من النقاش المنطقي ‏ كالذي استخدمه توما الإإكويني كان إله الفلاسفة الوثنيين. 
فعندما نادى لوثر بأن «الإيمان» يبرئنا لم يكن يقصد تبني الآراء الصحيحة حول الله: 
الإيمان لايتطلب معلومات ومعرفة يقينية كما ورد في إحدى مواعظه (بل استسلام حر 
ورهان سعيد على خيرية الله غير المعروفة والتي ليست بحاجة إلى إثبات76 "©. لقد 
استشرف حلول باسكال وكيرغارد لمشكلة الإيمان. فالإيمان لم يكن يعني الموافقة على 
مقترحات عقيدة ما وليس اعتقاداً في رأي عقيدي. كان الدين قفزة في الظلام باتجاه 
حقعة يوقي تنددها لق كان نوها نهم وتعركة وطلدة الأرو الع خركيما شيياج3 لكر لقن 
أكد على أن الله قد حرم تحريماً اما النقاش التأملى لطبيعته. فمحاولة الوصول إليه عبر 
العقل وحده قد تكون خخطرة» وتؤدي إلى اليأس لأن ماسنكتشفه هو قدرة الله وحكمته 
وعدالته التي لاترعب سوى المذنبين المدانين. فل من أن يخوض المسيحي في نقاش 
عقلاني حول الله ينبغي عليه أن يوائم بين الحقائق الموضحة في الكتاب المقدس وأن يجعلها 
حقائقه هو: وقد أوضح لوثر السبيل إلى ذلك في العقيدة التي صاغها في كتابه (حوار 
عقيدي صغير): 

أؤمن أن يسوع مولود من الآب من الأزل؛ وأؤمن أيضاً بالإنسان الذي 

ولدته مريم العذراء هو ربي الذي خلصني بعد أن كنت مخلوقاً ضائعاً 

مداناء وخلصي: من جميع ذنوبيء, من الموت» ومن سطوة الشيطان, لم 

يفتديني بالفضة أو الذهب بل بدمه 0 الثمين, وبعذابه البريع., وموته 

كي أعيش تحته. وفي ملكوته. وأن أخدمه بالطريق القويم المبارك إلى الأبد 

حتى عندما يبعث من عالم الأموات والعصور إلى الأبد". 


لخن 


كان لوثر مدرّباً في اللاهوت السكولاستي, لكنه تحول إلى أشكال إيمانية أكثر 
بساطة» وعمل ضد لاهوث القرن الرابع عشر الغامض الذي لم يكن بوسعه فعل شيء كي 
يهدئى من مخاوفه. مع ذلك فهر شخصياً كان غامضا عندما حاول شرح كيف تتم 
تبرئتنا. فأوغسطين بطل لوثر قد علم أن الاستقامة الإلهية اعد و منا» وأصر لوثر 
على أن الاستقامة بقيت خارج المذنب» لككن الله اعتبرها وكأنها كانت استقامتنا نحن. 
لقد أدت حركة الإصلاح إلى إرباك عقائدي» وإلى تكائر معتقدات جديدة كرايات 
لطوائف عديدة كانت ضعيفة وتقية مثل بعض الطوائف التي سعت كي تحل مكانها. 

زعم لوثر أنه كر ثانية عندما صاغ معتقد التبرئة» لكن لاييدو أن جنع حارف زد 
زالت فقد بقي متضايقاً غاضباً وعنيفاً. : فجميع التراثات الدينية الرئيسية تزعم أن حمض 
الاختبار لأية روحانية هو الدرجة التي 0 فيها في الحياة اليومية. فكما قال بوذا أن 
علىالمرء بعد الاستنارة «أن يعود إلى مكان السوق» ويمارس الرحمة على الكائنات البشرية. 
إحساس بالسكينة والهدوى وإحساس بالحب هذه جميعاً نقاط علام للرؤية الدينية الحقة. 
كان لوثر عاديا للسافية مية متطرفأء وكان كارهاً للنساء. ل ورعيبهة من 
لجنس » وكان يعتهد أن جميع الفلاحين المتمردين يحب أن يقتلوا. فرؤيته لإله غاضب 
ملأته بغضب شخصيء وقد اقترح البعض أن شخصيته القتالية قد أوقعت ضرراً كبيراً 
الكثير من أفكاره» وكان بإمكانهم أن يعطوا الكنيسة حيوية جديدة» لكن تكتيك لوثر 
العدواني جعلهم عرضة لشك غير ضروري” © 

في نهاية المطاف كان لوثر أقل أهمية من جون كالفن )١5514  ١٠١.5(‏ الذي 
كان منحى الإصلاح السويسري لديه مينياً على أكثر من لوثرء على مثل النهضة؛ وكان ذا 
تأثير عميق على روح الشعب الغربية الناهضة. ففى نهاية القرن السادس عشر كانت 
الكالفائية قد ترسخت كعقيدة عالمية بمزاياها ومساوئها. كانت قادرة على تحويل امجتمع 
وأن تمد الئاس بالإلهام بأنهم يستطيعون بلوغ ماكانوا يريدونه. فقد ألهمت الأفكار 
الكالفانية النورة السيوريتانية في انجاترا بزعامة كرومويل في عام 6 » واستعمار نيو 
انجلند في عام ١57٠١‏ . كانت معظم أفكار ا ل 
بينما بدت أفكار كالفن أكثر تقدمية. لقد طور تلاميذه تعاليمه» وأثروا على الموجة الثانية 
من حركة الإصلاح. أشار المؤرخ هوغ تريغور روبر إلى أن الكالفانية كان يتخلى عنها 
معتنقوها بسهولة أكبر من تخلي معتنقي الكاثوليكية الرومانية؛ ومن هنا جاء القول المأثور 


م 


«إذا اعتنقت الكاثوليكية» فإنك سوف تبقى كاثوليكياً دائمأ». مع ذلك فقد أحدثت 
الكالفانية تأثيرها الخاص بها: فعندما يتم التخلي عنها يمكن عندئذ التعبير عنها في أساليب 
ووو رانوسلا فيكسها في الولايات المتحدة بشكل خاص. لامر يون اللذرق 
ماعادوا يؤمنون بالله كان بإمكانهم الإقرار بالأخلاق البيوريتانية في ميدان العمل؛ وبفكرة 
الاصطفاء الكالفانية: لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهمٍ وأ مكارة: علدنا ومثلها لهما غاية 
تفيل إلبية#الأديان الرقيضية كما رأبنا اكانص راخدا ءلناتيها عات الخضارة وبلخاض: 
حضارة المدينة. لقد تطورت في عصر كانت فيه طبقات التجار تصعد فوق المؤسسة الوثنية 
القديمة» وأرادت أن تضع كذرها في أيديهم. كانت النسخة الكالفانية للمسيحية جذابة 
للبورجوازية» خاصة في المدن الأوروبية الحديئة التطورء هذه البورجوازية التي أرادت تحطيم 
أغلال الكهنوت القمعي. 

لم يكن اللاهوتي السويسري هولدريش زفنغلي )١57١ - ١55(‏ مهتماً بالعقيدة 
تحديداً كما كان كالفن. كان اهتمامه منصباً على جوانب الدين الاجتماعية والسياسية 
والاقتصادية. كان يريد العودة إلى ورع أكثر بساطة» كما في الكتاب المقدس» لكنه تبنى 
الاعتقاد بالثالوث على الرغم من أن أصل مفرداته ليس الكتاب المقدس فكما كتب في / 
معاهد الدين المسيحي/ أعلن أن الله واحد؛ لكنه «يطرح هذه المقولة أمامنا موجوداً في 
شخوص ثلاثة)7 2 وقام بإعدام اللاهوتي الإسباني ميشيل سيرفينتوس في عام ١٠57‏ 
لأنه أنكر الثالوث. كان سرفينتوس قد هرب من إسبائيا الكاثوليكية ملتجماً إلى جنيف 
الكالقائلة» وسبشرا يأنه كات يعورد إن دين الرسل وآباء الكنيسة الأوائل الدين الم يمتمعوا 
قط بهذا المعتقد الغريب. فقال أنه لايوجد شىء فى العهد الجديد يناقض الوحدانية الصارمة 
لانصوص المقدسة اليهودية. وبالتالي كان الاعتقاد بالثالوث فبركة بشرية «حرفت عقول 
الناس عن معرقة المسيح الحق» وقدمت نا إلهاً ثلائيً)(”©. شاركه في معتقداته مصلحان 
إيطاليان هما: جورجيو بلاندراتا ( )١55٠١ - ١١١‏ وفاوستوس سوسيئوس ١١75(‏ - 
004 اللذان هربا إلى جنيف؛ لكنهما اكتشفا أن لاهوتهما كان أكثر تحرراً إذا ماقورن 
بحركة الإصلاح السويسرية» وهما لم يلتزما بالنظرة التقليدية الغربية للغفران. لم يعتقدا أن 
الرجال والنساء نالوا البراءة بموت المسيح بل نالوها من خلال إيمانهم أو ثقتهم بالله. فقد 
أنكر سوسينوس في كتابه /المسيح المنقذ/ مايسمى بعقيدة مجمع نيقيا المسكوني: فعبارة 
«لبن اللها لم تكن تعبر عن طبيعة يسوع الإلهية بل كانت تعني أن الله كان يحبه محبة 
خاصة. وأنه لم يحمت كي يغفر لنا ذنوبنا بل كان مجرد معلم (لأوضح وعلم السبيل إلى 
الخلاص». أما بالنسبة إلى الاعتقاد بالثالوث الذي كان مجرد تضخيم فهو رواية خيالية 


كن 


«لايقبلها العقل)» وتشجع المؤمن على الاعتقاد بآلهة ثلاثة منفصلة7"©. بعد إعدام 
سرفينتوس هرب بلاندراتا وسوسينوس إلى بولندا وترانسلفانيا حاملين معهما دينهما 
الوحداني الإله. 


كان زفنغلي وكالفن يعتمدان على أفكار أكثر تقليدية حول اللى وأكدا على سلطته 

المطلقة ‏ كما فعل لوثر - ولم يكن هذا مجرد اقناع فكري بل نتيجة لتجربة شخصية جداً. 
ففي آب ١8‏ أي بعد أن بدأ زفنغلي عمله كوزير في زيوريخ, حين كان الوباء قد أجهز 
على /١١5‏ من سكان المديئة وشعر أنه مغلول لاحول "له ولاطول يعد أن أدرك أن ليس 
0 لانقاذ نفسه. لم يخطر له أن يصلي إلى القديسين ليمدوا لهم العون» أو 
يطلب تدخل الكنيسة لصالحه. وبدلاً من ذلك رمى نفسه لرحمة الله وكتب هذا الدعاء 
الموجز: 

افعل ما تشاء. 

لأنني لاأفتقر إلى شيى. 

إنني دعاؤك 

كي يُستعاد أو يدهر©©. 


كان استسلامه مماثلاً للمثل الأعلى فى الإسلام: فالمسيحيون الغربيون مثلهم مثل 
اليهود والمسلمين في مرحلة مماثلة من تطورهم لم يعودوا راغبين بقبول وسطاءء بل كانوا 
تعاوروة جاتنا بوهم الثابتة أمام الله. وبنى كالفن أيضاً إصلاحه الديني على الحكم 
المطلق لله دون أن يترك لنا عرضاً كاملاً لتجربته التى حولته. يخبرنا فى كتابه /تعليق على 
المزاسم أن غرلة كان كين حهن اللى بالكامل» ركان مستعيداقاناً بالككيية الدسعورية 
و«بالخرافات البابوية». لم يكن قادرأً وبالأحرى لم يكن راغباً بالانعتاق منهماء وان عمل 
الله هو الذي خلصه «وأخيراً حول الله مساري في اتجاه مختلف عن طريق لجام رعايته 
الخفي. بتغير مفاجئ إلى الانقياد» فدجن عقلاً عنيداً جداً»” "2. كان الله وحده المسيطرء 
وكان كالفن عاجزاً تماماً أمامه» وشعر أنه تم اختياره لمهمة خاصة بإحساسه المرهف لعجزه 
وإخفاقه. 


كان هذا 0 اي الم ارم منذ عهد أرغيطن؛ وسوت 


2 ا عنسين دين اولادة مزدوجة») «للأرواح 0 0 . كان السيحيون 
يولدون من جديد على إيمان بالله ورفض كوكبة من الوسطاء الذين وقفوا حائلاً بينهم 


لا 


وبين الله في الكنيسة القروسطية. قال كالفن إن الناس كان يبجلون القديسين بدافع من 
خلقهم؛ كانوا يريدون استرضاء إله غاضب بكسب مودة القريبين منه. فعندما كان 
الإروسقاتيوت يسمعون أن القديسين غير مؤثرين كانت تنفجر كمية كبيرة من غضبهم 
وعداوتهم التي كانوا يحسون بهما تجاه إله غاضب في رد فعل مركز. فتقد وجد الإنساني 
البريطاني توماس مور حقداً شخصياً في كثير من النقد اللاذع الموجه إلى (عبادة القديسين 
الوثنية»”"2. وكان يجد هذا الحقد متنفساً له في عنف تحطيم الصور. كان البروتستانتيون 
والبيورتيانيون يدينون الصور الميتة في العهد القديم بأقصى جدية عندما هشموا تاثيل 
القديسين ومريم العذراءء وطلوا اللوحات الجدارية فى الكنائس والكاتدرائيات باللون 
الأبيض, دلت فورة حماسهم أنهم كانوا :500 هذا الإله الغيور الغاضب بمقدار 
خوفهم عندما كانوا يصلون للقديسين كي يتوسطوهم» وأوضحت كذلك أن هذا الحماس 
لعبادة الله وحده لم يكن نابعاً من اقتناع ا ا 
يحطمون أعمدة عشيرة» ويصبون سيولاً من الشتائم على آلهة جيرانهم 

يذكر كالفن عادة بإيمانه بالقدرء لكن اعتقاده هذا لم يكن 0 في فكره: ولم 
يصبح أمراً حاسماً في الكالفانية حتى بعد موته. فمشكلة مصالحة كلية القدرة الإلهية» 
وكلية معرفته مع حرية الإرادة البشرية تنبع من مفهوم تم تصوره للإله 
(عتط :ممم عطاطة أي حلع صفات بشرية على الآلهة). فقد رأينا أن المسلمين قد 
واجهو هذه الصعوبة خلال القرن التاسع دون أن يجدوا مخرجاً منطقياً أو عقلانياً لهاء فقد 
شددوا على سر وعدم المقدرة على معرفة الله. بيد أن هذه المسألة لم تزعج المسيحيين 
الأرئوظ كين اليونانيين الذين كانوا يستمتعون بالنقائض ووجدوها مصدراً للنور والإلهام؛ 
لكنها كانت نزاعاً قاسياً فى الغرب حيث كانت تسود نظرة أكثر شخصانية لله. حاول 
الناس التحدث عن مشيمة الله وكأنه كان مجرد كائن بشري» خاضع لنفس القيود مثلناء 
وكان يُسَيّر العالم فعلياً كحاكم دنيوي. هذا وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد أدانت فكرة 
أن الله قد قَدَّر مسبقاً من حلت عليهم اللعنة إلى جهنم» فقد استخدم أوغسطين كلمة 
«القدر المسبق» ليطلقها على قرار الله في انقاذ النخبة» لكنه أنكر أن بعض الأرواح الضالة 
محكوم عليها بالهلاك علماً أن هذه كانت نتيجة منطقية لفكره . لقد أعطى كالفن حيزاً 
يرا لموضوع القدر امسق قن معاهده. فعندما ننظر في شؤوننا ييدو أن الله كان يفضل 
فعلاً أناساً على آخرين كما اعترف كالفن. ولاذا استجاب البعض للإنجيل» ولم يكترث له 
آخروة؟ هل كان الله يتصرف بطريقة اعتباطية أو غير عادلة؟ أنكر كالفن أن يكون 
الاختيار الظاهري للبعض وإهمال آخرين دليلاً على سر الله20”©. لم يكن هناك حل 


الدنا 


عقلاني للمشكلة التي بدت أنها تتضمن أن حب الله وعدله لايمكن التوفيق بينهماء ولم 
تسيب هذا قلقاً كبيراً لكالفن: لأله لم يكن . مهتمأ كثيراً بالعقيدة. 


فبعد وفاته» عندما احتاج الكالفانيون أن يميزوا أنفسهم عن عن اللوئرييين من ناحية وعن 
الكاثوليك الرومان من ناحية أخرى قام تيودور بيزا (59 )١1١ - ١5١‏ الذي كان الساعد 
الأيمن لكالفن في جنيف بتولي القيادة بعد وفاته» وجعل القدر المسبق العلاقة المميزة 
للكالفانية. لقد صاغ هذا التناقض بمنطق لايلين. فبما أن الله كلي القدرة بالتالي ليس في 
وسع الإنسان المساهمة بشيء في خلاصه؛ كان الله غير قابل للتغير» وأوامره عادلة وأبدية: 
وهكذا فقد قرر منذ الأزل أن ينقذ البعضء وقدر مسبقاً اللعنة الأبدية على الباقين» تراجع 
بعض الكالفانيين عن هذا الاعتقاد البغيض المرعب» وجادل جاكوب أرمينيوس في البلاد 
التخفضة أن هذا الاغتقاد كان موذجاً للاهوت ردئ لأنه تحدث عن الله وكأنه كائن 
بشري. كان الكلفانيون يعتقدون أن بالإمكان مناقشة الله موضوعياً مثل مناقشة أية ظاهرة 
أخرى» فكانوا يطورون أرسطية جديدة كانت تشدد على أهمية المنطق والميتافيزيقا. كانت 
هذه الأرسطية مختلفة عن أرسطية القديس توما الإكويني؛ لأن اللاهويتيين الجدد لم 
يكونوا مهتمين بمضمون فكر أرسطو قدر اهتمامهم بطريقته العقلانية. لقد أرادوا تقديم 
المسيحية كمنهج عقلاني متماسك بالإمكان استنباطه من خلال استنتاجات استقرائية 
قائمة على بديهيات معروفة. فكان هذا مفارقة كبيرة بالطبع لأن المصلحين جميعاً قد 
رفضوا هذا النقاش العقلانى لله. فاللاهوت الكلفانى اللاحق المتعلق بالقدر المسبق أظهر 
مانن تدك صمذما ل ينف القافض وسر الله رفيواة حمر بل تقس ان لطن كما مله كه 
منطق مرعب. فما أن يبدأ التفسير الحرفي للكتاب المقدس يذلا ع التفسير الرمزي حتى 
تغدو فكرة الله مستحيلة. فإذا تخيلنا أن إلهأ مسؤول فعلياً عن كل شيء يحدث على 
الأرض فإن هذا يتضمن تناقضات مستحيلة فإله الكتاب المقدس يتوقف عن كونه رمزاً 
لوجود متعالٍ ليصبح طاغية ظاماً وقاسياً. ويبين الاعتقاد بالقدر المسبق عيوب إله شخصي 
كذلك. 


بنى البيوريتانيون تجربتهم الدينية على فكرة كالفن» فوجدوا ‏ كما يتضح - أن الله 
صراع. فلا يبدو أنه أمدهم بالسعادة أو بالرحمة. وتبين سِيرَهم الذاتية ومجلاتهم أنهم 
كانوا ممسوسين بفكرة القدر المسبق» وبرعب من أنهم لن ينقذوا. وهكذا أصبح التحول 
شاغلاً مركزي مسرحية 000 وموجهه » الروحي كل من أجل 


>20 


حتى يدرك اتكاله الكلي على الله. ففي أغلب الأحيان كان التحول بمثل إزالة العقد 
النفسية: تحول غير صحي من يأس متطرف | إلى ابتهاج. وقد قاد التشديد المكنف على 
الجحيم واللعنة - متحداً بتدقيق للذات مبالغ فيه - بالكثيرين إلى إحباط إكلينكي: فكان 
الانتحار سائداً» وكان البيوريتانيون يعزونه إلى الشيطان الذي بدا حضوره في حياتهم قادراً 
كاله © كانت النزعة البيوريتانية ذات بعد إيجابي فعلاً: لقد أعطت الناس إحساساً 
بالكبرياء في عملهم الذي كانوا يمارسونه وكأتما هو نوع من الرق» فأصبحوا يرونه «نداءأ». 
ولقد ألهمت الروحانية الرؤوية العاجلة البعض باستعمار العالم الجديد. لكن إله البيوريتانيين 
- في أسوأ حالاته - ألهمهم القلق وعدم تسامح فظ للذين لم يكونوا من ضمن الدخبة. 

وهكذا أصبح الكاثوليكيون والبروتستانتيون يعتبرون بعضهم أعداءً علماً أن 
مفهومهم ومعرفتهم حول الله كانت متمائلة بشكل ملحوظ. فبعد المجلس الكنسي في 
ترينت ١53717 ١545‏ ألزم اللاهوتيون الكاثوليك أنفسهم بلاهوت الأرسطية المحدثة 
الذي حصر دراسة الله بعلم الطبيعة. فالمصلحون مثل اغناطيوس لويولا  ١150(‏ 
7) مؤسس جماعة يسوع شارك في التأكيد البروتستانتي على معرفة مباشرة باللى 
والحاجة إلى كشف مناسبء وأن يجعله المرء خاصاً به. فالغاية من التمارين الروحية التي 
طورها اليسوعيون الأوائل أن تغري بالتحول؛ والني قد تكون تحربة مؤلة مدمرة وشديدة 
القطةافى اناما فم خلال تأكيدها غلى. شن للداث وقرارشخصين إن هته الغولة القن 
دوم الك وما جد فنا ماران + جره وأو أخر» باشراف عفن كانت ائلة 
للروحانية البيوريتانية. وتمثل هذه التمارين دورة منهجية عالية الكفاءة في الصوفية. فقد 
طور المتصوفون تمارين ممائلة للتي يستخدمها المحللون النفسيون اليوم» ومن الهام أيضاً أن 
نرى الكاثوليك والأنغليكانيين يستخدمون هذه التمارين لتقدبم نمط علاجي بديل. 

كن اغناطيوس مدركاً لمخاطر الصوفية الزائفة. وأدرك ‏ مثل لوريا - أهمية الهدوء 
والبهجة درا مريديه من الإفراط الانفعالي الذي دفع بيبعض ببعض البيوريتانيين إلى الحافة. ٠‏ ففي 
كتابه/قواعد للأرواح البصيرة/ يقسم الانفعالات المتنوعة التي من المحتمل أن يتعرض لها 
الممارس خلال عزلته إلى: انفعالات قد تأتي من الله وانفعالات تأتي من الشيطان. يجب 
أن يحس الممارس بالله في سلام وأمل وبهجة و«سمو عقلي) بينما يأتي الهلدوه واخود 
وعدم المتعة والضياع من «الروح الشريرة). كان إحساس اغناطيوس بالله شديدا: جعله 
كي غبطة» وقال ذات مرة أن دون هذا الإحساس لن يكون قادراً على العيش. لكنه لم 
يكن يثق بتبدلات الانفعال العنيفة» وشدد على حاجة المريد في رحلته إلى ذات جديدة. 


"85 


لقد رأى المسيحية ‏ كما رأها كالفن ‏ لقاء مع المسيح تم التخطيط له في التمارين: فكانت 
الذروة «التأمل» للحصول على الحب» الذي يرى «جميع الأشياء كمخلوقات من فضل الله 
وانعكاسات له)”” *). فبالنسبة لأغناطيوس كان الله يملا العالم. فخلال عملية تقديس كان 
مريدوه يستذ كرون. 

كنا نرى غالباً أن حتى الأشياء الصغيرة كان باستطاعتها أن تجعل روحه 

تحلق نحو الأعلى: إلى الله الذي هو الأعظم حتى في الأشياء الصغيرة. 

ولدى رؤية نبات» أو ورقة؛ أو زهرة, أو ثمرة» أو دودة أو حيوان صغير 

كان باستطاعته أن يحلق حرا فوق السماوات» وأن يصل إلى داخل 

الأشياء التي تقع خارج الحواس17*. 

عرف اليسوعيون الله مئلما عرفه البيوريتانيون - كقوة دينامية تملؤهم ثقة وقدرة في 

أفضل حالاتها. فكما تحرأ البيوريتانيون على عبور الأطلنطي للاستقرار في نيو انجاند كذلك 
طافت البعئات التبشيرية اليسوعية العالم: فرانسيس زافير )٠588  1605(‏ نشر 
الانجليكانية في الهند واليابان. وماتيورتيشي (57 )١11١ ١‏ أخذ الانجيل إلى الصين, 
وروبرت دونوبيلي (/ا/51١  2١107‏ أخذ الإنجيل إلى الهند. كان اليسوعيون علماء 
متحمسين. وقد قال بعضهم أن أول نقابة علمية لم تكن الجمعية الملكية في لندن أو 
الجماعة الأكاديمية فى سيمنتو 0516760 بل الجماعة اليسوعية. 


مع ذلك بدا الكاثوليك مضطربين مثل البيوريتانيين. فاغناطيوس مثلاً اعتبر نفسه 
مذنبا كبيراً لدرجة أنه كان يدعو كي يكشف جسده بعد موته فوق تلة روث كي تأكله 
الطيور والكلاب. وقد حذره أطباؤه من أنه قد يفقد بصره إذا مااستمر في البكاء أثناء 
القداس. تيريزا أفيلا التى أصلحت حياة أديرة النساء فى سلك الكرمليت الحافى رأت رؤيا 
مرعبة شاهدت المكان المحجوز لها في جهنم. وبدا وكأن القديسين الكبار في تلك الفترة 
كانوا يعتبرون الله والعالم نقيضين لايمكن التوفيق بينهما: كي ينال المرء الخلاص عليه أن 
ينكر العالم وكل المشاعر الطبيعية. كان فَنْسِتْ دو بول الذي عاش حياة تتسم بانحبة 
والأعمال الصالحة يدعو الله أن ينتزع منه حبه لوالديه. جين فرانسيس دوشا نتال التي 
أسست سلك العذراء خطت فوق جسد ابنها عندما مضت كي :: تنضم إلى ديرها: رمى 
ابنها نفسه على عتبة البيت كي يمنعها من الرحيل. 0 
والأرضن نينا خاولف شركة الإصلاح الكاثوليكية شقهما نصفين. فلربما جعل الله 
المسيحيين المصلحين في الغرب أكفاء ومقتدرين لكنه لم يجعلهم سعداء فعصر حركة 
الإصلاح كان عصر خوف كبير من كلا الجانبين: كان هناك رفضاً عنيفاً للماضي» 


اللا 


وإدانات مريرة وحرمان من الكنيسة» هرطقة مرعبة وانحراف معتقدي 2 وعي منافق بالذنب 
وهاجس بالجحيم. ففي عام 174٠‏ تم نشر الكتاب الذي أثار الجدل» كتاب الهولندي 
الكاثوليكي كورنيلوس جانسن الذي نادى بما نادت به الكلفانية: إله مرعب» قدر محتوم 
أن وجدوا «أنه يعلم معتقد سلطة لاسبيل إلى مقاومتها لنعمة الله» وأن هذا الاعتقاد صحيح 
ومنسجم مع معتقد الإصلاح)79 *2. 


كيف نستطيع مواجهة هذا الخوف واليأس المنتشرين في أوروبا؟ لقد كانت فترة قلق 
ديد نوع جديد من امجتمع - قائم على العلم والتككنولوجيا ‏ بدأ يظهر وسيهزم العالم في 
فترة وجيزة. بدا أن الله غير قادر على إزالة هذه الغخاوف» ولا على تقديم العزاء الذي وجده 
البهود المتاروة. .فى أساطيز: اسحق "لوريا دعن ميل" القال.. يدا الله لمتكي الدرب 
وكأنه سىء من 0 ويبدو أن المصلحين الذين سعوا إلى تهدئة هذه اللخاوف ال نما 
جعار:لأمور اكت مود وله الغو الذي اعيقد القان أنه قد اللمنة الأببنية عا «مالايية 
البشر أصبح مخيفاً أكثر من الإله القاسي الذي صوره تيرتوليان أو أوغسطين في اللحظات 
الحالكة. فهل كان ممكنا أن يكون مفهوم تخيلي عمداً قائم على الميثولوجيا والصوفية أكثر 
فعالية كوسيلة تقدم الشجاعة للنجاة من مأساة وقلق أكثر من إله تُفَسَر أساطيره حرفياً؟ 

فى نهاية القرن السادس عشر شعر أناس كثيرون أن الدين كان مشوهاً بشكل 
يعاق كات ايسدوون باللعيان مانتال الدرو م عاتتك والكات ليلق :تاق مانت عن الاين 
شهداء لاعتناقهم آراء من انحال البرهنة عليها بشكل أو بآخر. المذاهب التي تبشر بتنوع 
معتقدات مربك كان مبررها الوحيد هو فكرة الخلاصء وقد تكائرت هذه المذاهب بشكل 
مزعج. كانت هناك خيارات دينية كثيرة شعر الكثيرون أنهم مشلولون وقلقون من جراء 
تنوع التفسيرات الدينية المعروضة. فلربما شعر البعض أن بلوغ الإيمان قد أصبح أكثر صعوبة 
من ذي قبل. ففي هذه المرحلة من تاريخ الله الغربي بدأ الناس يعتبرون الملحدين الذي بدا 
عددهم كبيراً كعدد الساحراتء أعداء الله القدامى وحلفاء للشيطان. فقد قيل أن هؤلاء 
الملحدين أنكروا وجود الله» وكانوا يكسبون أنصاراً لمذهبهم وبذلك ينسفون لحمة امجتمع. 
في الحقيقة إن ن الحاداً كاملا بالمعنى الذي تستخدم فيه هذه الكلمة اليوم كان أمراً مستحيلا. 
فكما أوضح لوسيان فيبفر في كتابه الكلاسيكي /مشكلة عدم الإيمان في القرن السادس 
عش ر] الصعوبات المفهومية في أسلوب إنكار تام لوجود الله في هذا القرن كانت كبيرة 
جداً لدرجة أنه لايمكن التغلب عليها. كان الدين يسيطر على حياة كل امرئ بدعاً من 


8 


الولادة والتعميد إلى الموت والدفن في باحة الكنيسة. فكل نشاط يومي توقفه أجراس 
الكنائس داعية المؤمنين إلى الصلاة وكان مشوبا بمعتقدات ومؤسسات دينية» كانت 
مسيطرة على الحياة العامة والمهنية» وحتى النقابات والجامعات كانت تنظيمات دينية. 
ويشير فيبفر إلى أن الله والدين كانا موجودين بكثرة لدرجة أن مامن امرئ في هذه المرحلة 
كان يفكر أن يقول: «لذلك فحياتنا» كل حياتنا تسيطر عليها المسيحية ويا لصغر مساحة 
حياتنا التى غدت «نيوية إذا ما قورنت بكل شيء يسيطر عليه» وينظمه» ويشكله 
الدين)0؟2, وحتى المرء الاستثنائي الذي كان باستطاعته بلوغ الموضوعية الضرورية كي 
يتساءل عن طبيعة الدين ووجود الله لم يكن ليجد دعماً في فلسفة عصره أو علمه. وإلى 
أن تشكلت مجموعة من الأسياب المتماسكة كل منها قائم على مجموعة علمية؛ ما من 
أَحَن كان بإمكانه إنكاز وجوة إل كان يشكل "دينة الحياة الشياسية: والجمالية والأخلافية 
والعاطفية في أوروبا. فدون هذا الدعم فإن إنكاراً كهذا سيكون نزوة شخصية أو دافعاً 
عابراً لايستحق أن يعتبر جدياً. فكما أوضح فيبفر فإن لغة محلية كالفرنسية كانت تفتقر 
إلى مفردات أو تراكيب مناسبة للريبية» وكلمات مثل «منطق)» و«نسبى) و(سببية) أو 
«مفهوم) أو «حدس» لم تكن مستخدمة آنذاك”* ؟©. ينبغي أن نمذكر أيضا أن هامن مجتمع 
قد استأصل الدين الذي كان الناس يقبلوه بديهيا كإحدى حتقائق الحياة. ولم يحدث ذلك 
إلا في نهاية القرن التاسع عشر عندما وجدت حفنة من الأوروبيين أن من الممكن إنكار 
وجود الله. 

إذن ما الذي كان الناس يعنونه عندما كان يتهم أحدهم آخر بالإلحاد؟ العالم 
الفرنسي مارين مرسين (1588 - )١154/8‏ الذي كان عضواً فى سلك فرانسيسكانى 
كزمك أغلن أفاهدالة تحر [لكداس »ةلحك فى باردين وتحذهاء الك طلم انين 
الذين ذكر أسماءهم كانوا يؤمنون بالله. وبيير كارين الذي كان صديقاً لميشيل مونتيني 
دافع عن الكاثوليكية في كتابه /الحقائق الثلاث/ ١585‏ لكن في كتابه الرئيسي /حقائق 
الحكمة الثلاث/ شدد على عجز العقل» ونادى بأن الإنسان يستطيع الوصول إلى الله عبر 
الإيمانء لكن مرسين لم يواقق على هذا ورأى أنه معادل 3 فأحد غير المؤمنين لذين 
شجبهم كان العقلاني الإيطالي جيوردانو برونو )11٠٠١  ١954(‏ علماً أنه كان يؤمن 
بنوع من إله رواقي هو روح وأصل ونهاية الكون. أطلق 0 هذين الرجلين ملحدين 
لأنه اختلف معهما حول الله لا لأنهما أنكرا وجوه كائن أسمن: بالطريقة نفينها “كاك 
وثنيوا الإمبراطورية الرومانية يطلقون على اليهود المسيحيين كلمة ملحدين لأن رأيهم في 
المقدس كان مختلقاً عن رأي الوثنيين بينما اقتصرت كلمة ملحد على اللاهوت الجدلي 


84 


فقط خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. في الحقيقة كان سهلاً أن تطلق على عدو 
لك كلمة ملحد بالطريقة نفسها التي كان يستخدم فيها الناس كلمات مثل «فوضويون) أو 
«شيوعيون) في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. أُصبح الناس بعد حركة 
لإصلاح قلقين على المسيحية إنما بطريقة جديدة. كانت كلمة «ملحد» مثل كلمة 
«الساحرة) أو «فوضوي) أو شيوعى اسقاطاً لقلق دفين. كانت تعكس قلق دفيناً حول 
لمان وكان بالإمكان استخدامها كتكيك مفاجئ تخيف المؤمنين وتشجعهم على 
الفضيلة. فقد دعا الامجليكاني ريتشارد هوكر )١11٠١  ١١514(‏ فى كتابه /قوانين الدولة 
الكنسية/ إلى أن هناك 'نوعات .من" الللحدين» جنماغة قليلة لاتومن باللهه وجماغة كبيرة 
تعيش وكأن الله غير موجود.. فكما يبدو لم يعد الناس يرون هذا الفارق فركزوا على 
الثاني أي على نمط عملي من الإلحاد. وهكذا في كتاب /مسرح أحكام الله//91ه١‏ 
للكاتب توماس بيرد الملحد الخيالي الذي أنكر فيه العناية الإلهية وخلود الروح وحياة مابعد 
الموت» ووجود الله كما يبدو. وقال جون ونجفيلد في كتابه /الإلحاد مغلفاً ومكشوفا/: 
«المنافق ملحدء الرجل الشرير ملحدء المنتهك» والمتفاخر الوقح ملحدء وكل مالاسبيل 
لإصلاحه أو تعليمه ملحد)”**6©. وبالنسبة للشاعر الويلزي وليم فون )١514١1 - ١81//(‏ 
يعتبر الذين ساعدوا في استعمار نيو انجلند, والذي يرفعون قيمة الإيجارات» أو يغلقون 
المحلات العامة كل هؤلاء ملحدين. والكاتب المسرحي الانجليزي توماس ناش ١5517(‏ - 
١‏ أعلن أن الطموح والجشع والنهمء والزهوء والعهر كل هذه صفات الملحدين. 


كانت كلمة ملحد إهانة, ولم يكن يقبلها أي شخص» ولم تكن بعد يافطة يرفعها 
المرء متفاخراً. فخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ثمى الناس في الغرب موقفاً جعل 
إنكار الله ليس أمراً ممكناً فقط بل وحتى مرغوباً وقدم العلم دعماً لآرائهم» مع ذلك يبدو 
أن إله المصلحين متحمس للعلم الحديثء لأنهم كانوا يؤمنون بسلطة الله المطلقة.ولهذا 
السبب رفض لوثر وكالفن رأي أرسطو فى الطبيعة على أن لديها قدرات ثابتة خاصة بها. 
اعتقدا أن الطبيعة كانت سلبية مثل المسيحي الذي يقبل نعمة الخلاص من الله دون أن 
يفعل شيئاً بنفسه. فقد أوصى كالفن صراحة بالدراسة العلمية للعالم الطبيعي الذي جعل 
الله المسندتر انفسه :مغروفاً من تخلاله: 

تبعاً لذلك لم يكن هناك نزاع بين العلم والكتاب المقدس: فالله كيف نفسه مع 
حدود البشرية مثلما يكيف خطيب بارع فكره وكلامه بما يتناسب وقدرة مستمعيه. اعتقد 
كالفن أن قصة الخلق كانت مثالاً على حديث الأطفال التي ناسبت العمليات المعقدة 





خسن 


2 ارا ٠.‏ 24 . 
+ العف ضيه اكد كمد سمدم 4# اخشنمة بسار مسسعكن ء العحمت ع 
حا فعة كلق لح فيل 
5 3-3 


: 53 ع د 52 1 سنآ - 5 3 0 

2 اح الكال كله أل وعايه ملعتحةه ألععا ال لماء لمم ا 

0 عشالء 35 ل ك 

00 2 .كج م م ع0 ين ا 1 

بوداي اليكرلاس كوير كوس قد 'كمل كتابه :25200/10110016 132 الات فال فيه ان 
5 دج قو 0-3 5 - 


اممسظيه ع , ذنم ء و 
0 5 د ابه لات م« 
: 93 سواه م8 !ا ًِ 
عام اكاثمةه الحتب أخما مه يل شام ١111١5‏ فال ا يأحصمس غالباء عالله"ى- بغ عن دان 
خم . 0 _- ب -_- - 5 
0 

5 م 0 و 9 

1 3 ده اميا آنل قاف 2 حأان جيم 2 - بيه عدن عاك ني 
د اله للدي الحم كيم أسيكت أل الشضام مويل تيحو م . جات خيحتا .ار مسحب فضكسيه دغعرى 


8 
1 
ء١‎ 14 


5 
ا 
1 
م 


1 


هذا أله ل سكن ٠‏ الكنيسة الكاثر كانت تع ض غايّ ى تعيي مشنيه و ذلك مثم أيه 
0 مددسام ات 5 يي كن 
0 8 مم ف © تو ا 8 
مؤسسة فى تلك الخدرة التى 00 ححمها الروح امحافضه. كانت لدى الكنيسة السلطهة 
52 .9 1 5 ا 75 3 2 
كُ فطل معل ضتها. و كانت كاله لدرجة انها اأصبحت كفة' بشثٌ مرعب فى 
يي - 2 أ 


فرض الالترام الفكري. بشكل فحتم كانت إدانة غاليليه قد سبطت الدراسة العلمية فى 
اللدات الكاتزليكية “علا أن العديد :دن الملماء المرمرقين فى تلك الفثرة 1 مازين هرسين: 
وديكارت. وباسكال بقوا مخلصين لإعانهم نهم الكا وليكي. فمَضية غاليل و معقدة ولاأريد 
الغوص في جميع تشعباتها السياسية. انا تنيثق منها حقيقة واحدة هامة في قصتنا وهي ان 


الكّنيسة الكاثوليكية الرومانية لم تدن النظزية القسدية كير كر للكرن لأنها كانت نيدد 
الإيمان بالله المخالق بل أدانتها أنه كانت تناقض كلمة الله فى الكتاب المقدس. 


كان شاكية: خاليلو 1 0 ف تلك 0 وأدك" إلى إزغاج كر وستفلا 
)١1850-1555‏ رفضص 3 حركة ار 0 لحمل 1 كانت 50 مع 
فقرات محددة من الكتاب المقدس» ولم يكن هذا شأناً بروتستانتياً محضاً. فبعد المجلس 
الكنسي في تريست طور الكاثوليكيون حماسا جديداً تجاه الكتاب المقدس: 
فلجيت عدوا ترجمة القديس جيروم إلى اللاتينية. فعلى لسان المفقش الإسباني 
ليون كاسترو في عام 1815: «ليس بالإمكان تغيير أي شيء يتعارض مع النسخة اللاتينية 
للكتاب المقدس سواء أكان ذلك الشيء نقطة نقطة واحدة» أم نتيجة صغيرة) 1 شّبيه جملة) أو 
كلمة أو مقطع من كلمة أو حتى حرف واحد)( ا وقد رأينا أن بعض العقلانيين 
والمتصوفين قد خرجوا في الماضي عن مسارهم من قراءة حرفية للانجيل أو القرآن لصالح 


56 


تفسير رمزي متعمد لهما. وهكذا وضع البروتستانتيون والكاثوليك إيمانهم في فهم حرفي 
للكتاب المقدس. فالاكتشافات العلمية لغاليليه» وكوبرنيكوس من الحتمل أنها لم ترعج 
الإسلاميين أو المتصوفين أو القباليين لكنها فرضت مشكلات على الذين اعتنقوا الحرفية 
الجديدة. فكيف كان ممكناً التوفيق بين النظرية التى قالت بأن الأرض تدور حول الشمس 
مع الآيات المقدسة: «العالم أيضا ثابت لايمكن ريك والشمس أيضاً تشرق وتغرب» 
وتسرع إلى المكان الذي أشرقت منهء فقد حدّد القمر للفصول» والشمس تعرف 
لستقءها2*0: تضايق بعطن رجال الكييسة كيرا من مقترحات غاليليه. فكمًا قال أن من 
امحتمل وجود حياة على القمرء فكيف أتى الناس من أدم» وكيف خرجوا من فلك نوح؟ 
كيف يمكن التوفيق بين نظرية حركة الأرض وصعود المسيح إلى السماء؟ فالكتاب المقدس 
كول زنة الما والا طن هرانا كسان كيت يكرة هذا توغ اليليه يفول أن الارقة 
كوكباً آخر يدور حول الشمس؟ فالسماء والجحيم كانتا تعتبران أماكن حقيقية يصعب 
تحديد مكانهما في نظام كوبرنيكوس. فالجحيم واقع في مركز الأرض حيث وصفه 
دانتي. وقد وقف العلامة اليسوعي الكاردينال روبرت بيلارمين الذي طلب /التجمع 
الجديد لنشر الدين/ مشورته في مسألة غاليليه» وقف إلى جانب التراث: (وجهدمٍ هي 
مكان تحت أرضي مختلف عن القبور). واختتم حديئه قائلاً لابد أنها في ركز الأرض 
ا جداله الأخير على (سبب طبيعي): 

الأخير هو سبب طبيعي. فدون شك أن مكان الشياطين والملعونين 

الأشرار يجب أن يكون بعيداً جداً عن مكان إقامة الملائكة والمباركين إلى 

الأبد. فمثوى المباركين هو السماء (وخصومنا يوائقوننا على ذلك)» 

ولس غناك مكان بعد ع المسفاء مو مركن ار 7 

تبدو مناقشة بيلارمين سخيفة في أيامنا هذه فحتى المسيحيون الحرفيون ماعادوا 

يتخيلون أن جهنم هي في مركز الأرض. وي نظريات علمية أخرى 
لدرجة أنهم لايجدون لله مضسيغاً في كوسمولوجيا معقدة. 


عندما كان الشيرازي يعلّم المسلمين أن السماء وجهنم كانا في العالم الوهمي داخل 
كل رةه كان رجال الكنيسة السفسطائيين يجادلون متعنتين أن هناك رقا جغرافا 
محدداً بالحرف لهما. وعندما كان القباليون يعيدون تفسير قصة الخلق التوراتية بطريقة 
رمزية» ويحذرون مريديهم من فهم هذه الأساطير حرفيا كان الكاثوليك والبروتستانت 
يصرون على صحة الإجيل في كل جزء من تفاصيله. وسيجعل هذا الموقف الميثولوجيا 


الدينية الترائية ضعيفة أمام العلم الجديد وفي النهاية سيجعل الإيمان بالله أمراً مستحيلاً لكثير 
من الناس. لم يكن اللاهوتيون” يعدن شعوبهم د لاستقبال هذا التحدي القادم. فمنذ 
الإصلاح والحماس البديث. تجاه . النزعة 'الأرسطية» بين الكاثوليك والبروتستعانت" بدأوا 
يناقشون الله وكأنه مجرد حقيقة موضوعية أخرى. وهذا مكن الملحدين الجدد في أواخر 
القرنين التاسع عشر والعشرين من الاستغناء عن الله. 
ويبدو أن اليسوعي اللاهوتي البارز ليونارد ليسيوس )١777*  ١555(‏ قد قدم 
ولاءه إلى إله الفلاسفة في كتابه /العناية الإلهية/. بالإمكان إيضاح وجود هذا الإله علمياً 
كأية حقيقة عن حقائق الحياة: ويشير:متغخطط, الكون الذدئ لامكن أن يكون قد حدت 
بمحض المصادفة ‏ إلى محرك رئيسى يمده بالحياة. فإله ليسيوس خالٍ من أي شىء مسيحى» 
إنه حقيقة علمية باستطاعة أي كائن بشري اكتشافه. غلم يذكر ليسيوس النيح. إنه يعطى 1 
انطباعاً أن بالإمكان استنتاج وجود الله بالإدراك السليم» من الملاحظة العادية - 
فقن دراسة الأديان المقارنة. وهكذا أصبح الله وعوذا اعن ع انين اجات أعرئ 
كان العلماء والفلاسفة يستكشفونها في الغرب. لم يشك الفلاسفة في سلامة براهينهم 
على وجود الله لكن أتباعهم المتدينين قرروا أخيراً أن إله الفلاسفة هذا كان ذو قيمة دينية 
قليلة. ربا أعطى توما الإكويني انطباعاً بأن الله كان موضوعاً آخر في سلسلة الوجود على 
الرغم من أنه لعي + لكنه كان مقديعاً شتخصياً أن هذه المنافقنات الفيقية لأعلاقة لها 
بالإله الصوفي الذي عرفه في الصلاة. وبحلول بداية القرن السابع عشر استمر اللاهوتيون 
البارزون ورجال الكنيسة في الجدال حول وجود الله من منطلقات عقلية تماماً. واستمر 
الكثيرون في نقاشهم حتى يومنا هذاء وكان وجود الله يتعرض إلى الهجوم عندما لم يكن 
الغ الحدية موافقاً على الاش فبدلا من رؤية أفكرة الله ومراً لحقيقة ليين “لها وعود 
بالمعنى العادي للكلمة, والتي بالإمكان اكتشافها عن طريق تدريبات خيالية في الصلاة 
والتأملءٍ كان الناس يفترضون وبشكل متزايد أن الله كان حقيقة من حقائق الحياة كأية 
حقيقة أخرى. بينما كانت تقترب أورويا من الحداثة كان اللاهوتيون أنفسهم يسلمون 
ملحدي المستقبل الذخيرة أرفض إل ذي قيمة دنية قيلة ملا اناس وق أكثر مما ملأهم 
بالأمل والإيمان. فالفلاسفة والعلماء ومسيحيوا مابعد الإصلاح قد تخلوا فعلاً عن إله 
المتصوفين الخيالي» وسعوا إلى الاستنارة من إله العقل. 


الفصل التاسع 
كار التنوير 


في نهاية لخر السادس عشر كان الغرب قد أبحر في عملية التقنية التي سوف تولّد 
قينا مخدلفاً عامأء ومثالاً يدا للبشرية. فكان لابد من أن يؤر هذا علق مدهوم ودور 
وطبيعة الله. فإنجازات الغرب الحديث التصنيع فد غيرت أيضا مسار تاريخ العالم. وقد 
وجدت البلدان الأخرى من العالم المتمدن صعوبة متزايدة في تجاهل العالم الغربي الذي 
كان فيما مضى متخلفا عن الحضارات الرئيسية الأخرىء أو أنه كان يسعى إلى اللحاق 
بها. لم يحقق أي مجتمع شيئا ممائلا لما حققه الغرب. لقد خلق الغرب مشكلات جديدة 
0 وكان التعامل معها صعباً جداً. فعلى سبيل المثال كان الإسلام حتى القرن الثامن 

ون العاالية 20 في إفريقيا والشرد اا - بر الأبيض ريو 
متقدم على الإسلام فى بعض النواحىء إلا أن القوى المسلمة 0 تمكنت من احتواء 
التحدي بكل يسر. فاستمر العثمانيون في تقدمهم داخل أوروباء وكان المسلمون قادرين 
على صد المستكشفين البرتغاليين والتجار الذين ساروا في ركابهم. وبحلول نهاية القرن 
الثامن عشر كانت أوروبا قد بدأت تهيمن على العالم» وطبيعة إنجازها كانت تعني أن من 
ا محال اللحاق بها بالنسبة لبقية العالم. لقد استولى البريطانيون على الهندء وكانت أورويا 
مؤهلة لاستعمار قدر ماتستطيع من العالم. وهكذا بدأت عملية النزعة الغربية ومعها العقيدة 
الدنيوية التي أعلنت استقلالها عن الله. 


ماالذي كان ينطوي عليه امجتمع الحديث؟ فالحضارات السابقة قد اعتمدت على 
الزراعة. وكانت الحضارة إنجاز المدن ‏ كما يدل عليها اسمها. ففيها عاشت نخبة على 


ارحمن 


فوائض زراعية أنتجتها الطبقة الفلاحية» وكان لديها الوقت والمصادر لخلق ثقافات متنوعة. 
لقد نشأ الإيمان بإله واحد في مدن الشرق الأوسط وأؤروياز مثل أية إيديولوجيات دينية 
رئيسية أخرى» كانت جميع هذه الحضارات الزراعية هشة على أية حال كانت تعتمد 
على عوامل غير ثابتة كا محاصيل والحصاد» والمناخ وتأكل التربة. فكلما زاد امتداد كل 
إمبراطورية تزايد عدد التزاماتها ومسؤولياتها» وكانت تستنفذ مصادرها المحدودة في نهاية 
المطاف. فبعد أن تصل إلى ذروة قوتها يبدأ انحدارها امحتوم وبالتالي سقوطها. 

أما السيادة الجديدة فكانت تعنى أنها قد أصبحت مستقلة عن الشروط النحلية 
والخارجية والمعوقات الآنية. لقد بني تراكم رأس المال في المصادر الاقتصادية التي بدت - 
حتى وقت قريب - أنها قابلة للتجدد بشكل لامتناه. لقد شملت عملية التحديث الغرب 
في سلسلة تغيرات عميقة: لقد أدت إلى التصنيع وإلن تحولات زراغية تالية) واستتارة 
فكريق وقروات الدشاعية وسياسية فكان طبيعا أن تؤثر هذه التغيرات على الطريقة التي 


فهم فيها البشر أنفسهمء وجعلتهم يعيدون النظر في علاقتهم مع الحقيقة المطلقة التي 
أسموها يا «اللهع. 


كان التخصص أمراً حاسماً في المجتمع التقني الغربي: كانت الابتكارات في كل 
الميادين الاقتصادية والفكرية والاجتماعية تتطلب خبرة محددة فى ميادين كثيرة مختلفة 
فالعلماء مثلاً اعتمدوا على الكفاءة المتزايدة لصانعى الآلات» وكانت الصناعة تتطلب 
آلات جديدة ومصادر للطاقة بالإضافة إلى نتاج نظري من جانب العلم. قتداخغلت 
التخصصات وأصبح كل منها يعتمد على الآخر تدريجياً. فكان أحد التخصصات يلهم 
تخصصا أخر فى ميدان ليس له علاقة مباشرة بالاول. لقد كانت عملية تراكمية. فإنجازات 
اند الف نات كانت تتزايد باستخدامها فى تخصص أخرء وكان هذا يؤثر بدوره على 
مركودمة فكاة: يناف انكمان, ان الال وتكاررم علي أفاس عط القند فين" العبر لات 
المتشابكة دافعاً لايتوقف, وجرى سحب المزيد من الناس من جميع الطبقات إلى عملية 
الحداثة بأعداد متزايدة من العالم. وبذلك لم تعد الحضارة والإنجاز الثقافي حكراً على نخبة 
صغيرة بل أصبحا يعتمدان على عمال المصانع ومناجم الفحم» وعمال الطباعة» وعلى 
الموظفين لابصفتهم عمالاً فقط بل كمشترين أيضاً في السوق المتزايد الانساع. وفي النهاية 
كان "فروريا لهذه الزاتب الدنيا أن تصبح متعلمة وأن تشارك ‏ بدرجة ما في ثروة المجتمع 
إذا كان لابد من الحفاظ على الحاجة الملحة للكفاءة. فالزيادة الضخمة في الإنتاج» وتراكم 
رأس المال» واتساع الأسواق العامة إضافة إلى التقدم الفكري الجديد في العلم أدت جميعاً 


585 


إلى ثورة اجتماعية: فد زالت سلطة الإقطاع وحلت محلها سلطة البورجوازية المالية. لقد 
كانت الكفاءة الجديدة مطلوبة في شؤون التنظيم الإجتماعي الذي دفع الغرب تدريجياً إلى 
مستويات تم بلوغها من قبل في أجزاء أخرى من العالم: كالصين, والإمبراطورية العفمانية, 
وبعدئذ مكنته من تجاوزها. كانت الخدمة العامة في سسنة 17/5 » أي سنة الثورة الفرنسية 
تلقى تقديراً في فعاليتها وجدواها. فوجدت الحكومات امختلفة في أوروبا إعادة بناء نفسها 
وأن تدخل في مراجعة مستمرة لقوانينها كي تلبي ظروف الحداثة الدائمة التغير أمرأً ضرورياً 
لاغنى عنه. 

كان التغيير في عهد حكومات زراعية قديمة أمرأ محال التفكير فيه لأنهم كانوا 
يعتبرون القانون ثابتا وإلهيا. كان التغير دليلا على الاستقلالية الجديدة التى كانت تجلبها 
التقنية إلى المجتمع الغربي: كان الناس يشعرون أنهم مسؤولون عن شؤونهم» وهذا لم 
يحدث من قبل أبداً. وقد رأينا الخوف العميق الذي كان ييئه التوجه الجديد والتغير فى 
امجتمعات التقليدية حيث كان الناس يشعرون أن الحضارة كانت إنجازاً هشأء وكل قطع 
في الاستمرارية مع الماضي كان يلقى مقاومة على الدوام. لقد كان المجتمع التقني الحديث 
الذي أدخله الغرب مبنياً على أمل تطور وتقدم مستمرين. فقد دخل التحول المؤسسات 
وأصبح أمراً بديهياً. فالجمعية الملكية في لندن ‏ على سبيل المثال - كانت مكرسة لجمع 
معلومات جديدة 5 تحل محل القديمة. وكان الاختصاصيون يي العلوم المتنوعة يلقون 
0 من أجل ا العملية. بدت زم تام 
دين عديدة. ومحل 32 الحافظة القدمة في 7 حلت رب ال قات بأن 
إلى الكلاب ‏ كما حدث في ا 2 كان يتوة قع الجيل الأكير سنا أن“ يعدن 
أطفالهم في حالة أفضل من الخالة التي عاشوها. وهكذا كانت تسيطر أسطورة جديدة 
على دراسة التاريخ؛ إنها فكرة التقدم. لقد تم تحقيق أشياء عظيمة؛ لكن الضرر الذي لحق 
بالبيعة جعلنا ندرك أن هذه الطريقة فى الحياة سريعة العطب مثل الطريقة القديمة. ولربما قد 
بدأنا ندرك أن هذه الطريقة خيالية مثل معظم الأساطير التي ألهمت البشرية عبر القرون. 

فبيئما جذب حي العبادر والاكتشافات الناس و إلا أن التخصص الجديد كان 
لابد أن يفرقهم انكل أخرى. ل كان مكناً للمثقف أن 00 


55 


والفلسفة وعلم الجمال. كان الفيلسوف يقدم لطلابه عرضاً متماسكاً وشاملاً لكل ماكان 
يعتقد أنه الحقيقة كاملة. في القرن السابع عشر أصبحت عملية التخصص سمة بارزة 
المسع التي ررحت م ع اليا قا راو الو ب لل وكيمياء» وهندسة 
أخذت تتمايز عن بعضها. وفي نهاية المطاف أصبح محالا في عصرنا أن يشعر خبير في 
منذاق: أقانأية: كقاغة تهننا' كان نوعها في ميدان آخر. 


نجم عن ذلك أن كل مثقف بارز رأى نفسه أقل محافظة على التراث من كونه 
راقذاء كان مستكشفاً مثل الملاحين الذين وصلوا إلى أجزاء جديدة من الكرة الأرضية: 
كان يغامر فى ممالك لارسوم لها من أجل مجتمعه. فالمبتكر الذي كان يبذل هذا الجهد من 
مخيلته كي يكتشف أرضاً جديدة» ويرمي بالمقدسات القدية ‏ أثناء محاولته - أصبح بطلا 
ثقافياً. كان هناك تفاؤل جديد لدى البشرية من خلال السيطرة على العالم الطبيعي ‏ الذي 
أخاف ذات يوم الجنس البشري - وبدا أنه يتقدم في خطوات قفر عريضة؛ بدأ الناس 
يعتقدون أنه كلما كان التعليم أفضل؛ وكلما أدخلت تحسينات على القوانين كلما جلب 
ذلك النور إلى روح الإنسان. 

فالئقة الجديدة فِي قدرات البشر الطبيعية كانت تعني أن الناس أصبحوا يعتقدون أن 
باستطاعتهم بلوغ الاستنارة عن طريق محاولاتهم هم. ماعادوا يشعرون بالحاجة إلى 
الاعتماد على تراث موروث ‏ سواء أكان مؤسسة أم نخبة ‏ أو حتى لكشف من الله» كي 
يكتشفوا الحقيقة مع أن خبرة التخصص كانت تعني أن الناس المنخرطين في عملية 
التخصص هذه كانوا غير قادرين على رؤية الصورة بأكملها. وبالتالي شعر العلماء 
والمتقفون المبدعون أنهم مضطرون لصياغة نظرياتهم للحياة والدين منطلقين من البداية. لقد 
شعروا أن معرفتهم المتزايدة وفعاليتهم ألقت عليهم واجب إعادة النظر في التفسيرات 
المسيحية الترائية للحقيقة وجعلها معاصرة. الروح العلمية الجديدة كانت تجريبية مبنية على 
الملاحظة والتجربة. فقد رأينا أن العقلانية القديمة للفلسفة كانت تعتمد على الفعل الإيماني 
الأول في كون عقلاني. بيد أن العلوم الغربية لم يكن بوسعها أن تقبل شيئا على البداهة 
بهذه الطريقة؛ وكان الرواد مستعدين بشكل متزايد أن يغامروا بخطأ 5 يهدموا سلطات 
ومؤسسات راسخة مثل الإنجيل والكنيسة والتراث المسيحي. فالبراهين القديمة على وجود 
الله لم تعد مقنعة أبداًء وكان علماء الطبيعة والفلاسفة تين حماسة للطريقة التجريبية. 
شعروا أنهم مضطرون للتحقق من حقيقة الله موضوعياً بالطريقة نفسها التي كانوا يبرهنون 
فيها على أية ظاهرة أخرى. 


551 


كان الإلحاد ومايزال مقيتاً. فكما سنرى اعتقد معظم فلاسفة التنوير ضمنياً بوجود 
تحمسوا لهذه المقولة وتناول الإلحاد جديا كان الفيزيائي وعالم الرياضيات واللاهوتي 
الفرنسى «بلير باسكال). 
كان بليز باسكال 225081 ووزةاط )١1177 - ١7(‏ طفلاً عليلاً وكان معزولاً عن 
الأطفال ارين 0 وله 0 الذي اكتشف أن ابنه 5 كان في الحادية 7 
عشرة شر ورقة في 5 رفض ا مثل ديكارت أن مدلا أن من كينا صبى 
كهذا. وفي مرحلة لاحقة صمم آلة حاسبة» ومقياس ضغط ومطبعة هدروليكية. لم تكن 
أسرة باسكال عائلة ورعة لكنها تحولت إلى الجانسينية في عام ١545‏ . فدخلت جاكلين 
أحت باسكال دير بورت - رويال 201241:-1همم في جنوسب غرب باريس وأصبيحيت 
واحدة من أكثر المدافعين المتحمسين عن المذهب الكاثوليكي. وذات ليلة *؟ نوفمبر عام 
+ه*"١‏ مَك باسكال بتجربة دينية مدي الام العاشرة والدصف معام حت واي 
الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل» فقد أرته هذه التجربة أن إيانه كان 0 عدا 
وأكادمياً. وبعد وفاته عثرتثت على ذكرئ هذا الإلهام مخيطة في سترله : 
نار 
اليقين, اليقين شعر القلب بالسعادة والسلام 
إله يسو المسيح 
إلهي وإلهك 
إلهك سيكون إلهي. 
العالم منسي وكل شيء ماعدا الله. 
يمكن معرفته عبر الطرق التي تعلم وفي الأناجيل”» 
كانت هذه التجرية الصوفية تعني أساساً أن إله باسكال كان مختلفاً عن إله العلماء 
والفلاسفة الآخرين الذين سوف نتعرض لهم في هذا الفصل فهذا لم يكن إله الفلاسفة يل 
إله الوحي والقدرة الجامحة لتحولهء قادت باسكال إلى إلقاء مصيره مع الجانسينية ضد 
الصبوعيين أعدائهم الركيسيين: 
واذءرائ اضاطير الله يملا الكون 8 ايسوعيونٍ 0 تنمية اعكان بكلية 


5 / 


الألوهة. فعلى الرغم من تحليه يبقى إله باسكال «إلهاً مستترأ» لايمكن اكتشافه عن طريق 
برهان عقلانى. فالتأملات 587315888 مذكرات باسكال حول الشؤون الدينية التى 
نشرت بعد وفاته في عام ١755‏ - تضرب جذورها في تشاؤم عميق حول الشرط 
الإنساني. «فتفاهة الإنسان موضوع ثابت» ولايمكن للمسيح أن يزيله» الإنسان الذي 
سيبقى في عذاب حتى نهاية العالم)("© . 
لاسكا الوب جر سا هي لذ تسم معظم الروحانية في أورويا 
الجذيدة :وتدل الكعنية المسمرة وللتأمللات) أن روحانية ياسكال الأكثر قنامة وإلهه اشير 
كانا يتوجهان إلى شيء حيوي في الوعي الديني الغربي . فإنجازات باسكال العلمية لم 
تعطه ثقة كبيرة في الشرط الإنساني وعندما كان يتأمل ضخامة الكون كان يتجمد خوفاً. 
عندما أرى حالة الإنسان الشقية العمياء» عندما أتفحص الكون كله في 
صميمه والإنسان متروك وحده دون نور وكأنه ضائع في هذه الزاوية من 
الكون دون أن يعرف من وضعه هناك, وماذا عليه أن يفعلء وماذا 
سيحدث له متى سيموت»؛ غير قادر على معرفة أي شيء. لقد وصلت 
حد الرعب مثل إنسان نقل أثناء نومه إلى جزيرة مهجورة؛ وعند استيقاظه 
شعر أنه ضائع تماماً دون سبيل إلى النجاة. ثم أتعجب كيف لاتقود حالة 
بائسة كهذه الناس إلى اليأس9؟. 
يجب ألا نعمم هذه الذكرى المفيدة حول التفاؤل البهيج في العصر العلمي. لم 
يستيطع باسكال أن يتصور الرعب الكامن في عالم بدا خالياً من معنى أو مغزى نهائي. 
رعب الاستيقاظ ني عالم غريب كان دائماً لازا للبشرية. لم يلاق الرعب بن عنه 
أكثر فصتاجة هن تعبير باسكال: القد كان باسكال شديد النزاهة مع نفسه» مختلفاً عن 
معظم معاصريه. لقد كان مقتنعاً أنه ليس هناك سبيل لإثبات وجود الله. فعندما كان 
يتخيل نفسه مجادلاً لأحد ما غير قادر على الإيمان دستورياً لم يكن بوسعه أن يجد جدالاً 
23 يقنعه. فكان هذا تطوراً جديداً في تاريخ الوحدانية» فحتى الآن لم يسناول أحل جديا 
عن وجود الله. فكان باسكال أول شخص يبدأ ذلك. قد يكون الإيمان بالله في هذا العالم 
الجديد والشجاع قد يكون مسألة خيار شخصي فقطء وبهذا الأمر كان الحداثى الأول. 


. مقارية باسكال لمشكلة وجود الله ثورية في مضائينها لكن لم يتم قبولها رسمياً من 
قبل أية كنيسة. قالمدافعون المسيحيون فضلوا مقاربة ليوناره لسيوس العقلانية التي مرت 
معنا في نهاية الفصل الماضي» وهذه المناقشة تفضي إلى إله الفلاسفة وليس إلى إله الوحى 
الذي عرفه باسكال. فالإيمان - كما شدد ‏ لم يكن موافقة عقلانية قائمة على الإدراك» بل 


5538 


كان مقامرة. كان محالاً أن تبرهن أن الله موجود وفي الوقت ذاته كان يصعب على العقل 
دحض وجوده: (لسنا قادرين على معرفة ماهية الله أو وجوده... فالعقل لايستطيع اتخاذ 
قرار في هذه المسألة فثمة عماء لامتناه يفصلنا. ففي النهاية القصية من هذه المسافة 
اللانهائية رُمِيَت قطعة نقود وسوف تقع على أحد وجهيها (الصورة أو الرقم) دون شكء 
فعلى أيهما نراهن؟) 


على أية حال ليست هذه المقامرة لاعقلانية تماماً. أن تختار الله فهو الحل الرابح. في 
اختيار الإيمان بالله - كما يقول باسكال ‏ تكون المقامرة محدودة والربح لانهائي. ومع 
تقدم المسيحي في الإيمان يصبح ري لاستنارة مستمرة» إدراك الحضور الله هو بمثابة 
!! شارة أكيدة للخلاص. فالاعتماد على اتنلظة خارجية أمر اليس مستحسياء فكل مسييى 
يحينب أن يعتمد على قدرة خاصة به. يُقابل تشاؤم باسكال إدراك متزايد في (التأمللات) 
فما أن يتم الرهان حتى يكشف الله المستتر ذاته لأي شخص يسعى إليه. يجعل الله يقول: 
دما كنت لتبحث عنى لو لم تجدني من قبل.2©6 صحيح أن البشرية لاتستطيع أن نشق 
طريقها إلى الله البعيد عبر النقاش والمنطق ولابقبول تعاليم الكنيسة الرسمية» بل باتخاذ قرار 
شخصي بالاستسلام لله يتملّك المؤمنين أنفسهم شعورٌ بأنهم قد أصبحوا مؤمنين» نزيهين» 
نتواضعين» شاكرين» تملزهم أعمال الخير» أصدقاء مخلصين)2"20. .وسيجد المؤمنون بطريقة 
ما أن الحياة لها معنى وأهمية بعد أن أوجد الإيمان وأنشاً اماما بالله في وجه اللامعنى 
واليأس فالله كان عقيقة لاني كاك مجدية, لم يكن الإيمان يقيناً فكرياً بل قفزة في 
الظلام ونجربة تعود على صاحبها باستنارة أخلاقية. 
رينيه ديكارت ١١95(‏ - ) واحد من الرجال الجدد الذي كان لديه ثقة أكبر 
في قدرة العقل على اكتشاف الله. فقد أكد على أن الفكر وحده بإمكانه أن يزودنا باليقين 
الذي نسعى إليه» وهو لم يكن موافقاً على رهان باسكال لأن هذا الرهان كان قائماً على 
تجربة 00 محضة) مع أن إيضاحه لوجود الله اعتمد على نوع أخر من الذاتية. كان قلقاً 
لرفض ريبيته من قبل كاتب المقال الفرنمتي ميشيل مونتين عمو نعاسه 1/1 اإعطعنك13 5ه ١ه ١‏ 
)١597 -‏ الذي أنكر أن يكون أي شيء مؤكداً أو حتى مخجملا. فديكارت عالم 
الرياضيات والكاثوليكي المقتنع شعر أن لديه رسالة َل العقلانية التجريبية في حالة حرب 
مع الريبية. اعتقد ديكارت مثله مثل ليسيوس أن الفكر وحده بإمكانه أن يقنع البشر 
0 الحقائق الدينية والأخلاقية التي كان يراها أساس الحضارة. الإيمان لم يخبرنا بشيء 
لايمكن إيضاحه عقلانيا: أ: القديس بولص شخصياً قد أكد في الفصل الأول من رسالته إلى 
الرومان: «أن ما يمكن معرفته عن الله أمر واضح تماماً للبشر لآن الله ذاته جعله واضحاً. . منل 


56 


أن خخلق الله العالم كانت قدرته الأزلية وألوهته ‏ مهما تكن لامرئية - كانت هناك بالنسبة 
للعقل 1 يراها فى الأشياء التى خخلقها الله.94© 

بع ديكارت قوله أن بالإمكان معرفة الله بسهولة وبيقين أكبر من أي شيء من 
الأكياء ا فكان رأيه هذا ثورياً في أسلوبه مثل رهان باسكال» خاصة أن 


برهان ديكارت رفض شهادة العالم الخارجي الذي قلمه بولص من أجل الاستبيطان العقلي 
منعكفاً على ذاته. 


باستخدام الطريقة التجريبية في علم رياضياته التي طورها 50 نحو الأبسط أو 
المبادىء الأولى حاول ديكارت إرساء تفسير تحليلي لوجود الله. بيد أنه كان كدان عن 
أرسطو والقديس بولص وجميع الفلاسيقة المرحدين: وجد الكون دون إل اعاماً. لم يكن 
هناك نظام في الطبيعة. في الحقيقة كان الكون عماء «فوضى») ولم يكشف عن خطة 
ذكية. وبالتالي محال «النسية نا أن كرف ايقن م ماده أولية من الطبيعة. لم 
يكن لديه وقت للمحتمل أو الممكن: سعى إلى إرساء نوع من اليقين الذي بإمكان 
الرياضيات أن تقدمه: وبالامكان العاور عابدافي التراحات صبيطة فصع عل فيدها كل : 
ماحدث «لايمكن منع وقوعه)ء وهذا ووب لال الجدل. فبينما كان جالساً قرب مدفأة 
الحطب يفكر خطرت له البديهة الشهيرة: أنا أفكر إذن أنا موجود. وهكذا فقد وجد 
ديكارت دليلاً على الله فى وعى الإنسان: وحتى الشك فإنه يقبت وجود صاحبه. 
لانستطيع أن نتأكد من أي شيء في العالم الخارجي لكننا نستطيع أن نكون متأكدين من 
تحربتنا الداخلية. فاتضح أن نقاش ديكارت هو إعادة استخدام لبرهان أتسيلم «تاءوصم 
الأنطولوجي. فعند مانشك فإن حدود نهاية الطبيعة» الأنا تتكشف. ولايمكننا الوصول إلى 
فكرة عدم الكمال دون أن يكون لدينا تصور عن الكمال. استنتج ديكارت مثلما فعل 
انيل - أن كمالاً غير موجود سيكون مجرد ناقض ني الكلمات. تجربتنا عن الشك 
تخبرنا أن جردا كاملا علق ا الله لايد أن يوجد. 
مضى ديكارت ليستنتج الحقائق حول طبيعة الله من هذا «البرهان» على وجوده 
بالطريقة نفسها التى كان يستخدمها في الرياضيات. فكما قال في (نقاش : فى الطريقة) إن 
من المؤكد على الأقل أن الله الذي هو الوجود الكامل ‏ يكون أو يوجد 00 أي حل 
هند سى مك40 
وكما كانت مجموع زوايا المثلث الإقليدي تساوي زاويتين قائمتين دون شك 
كذلك كان للوجود الكامل الذي بشر به ديكارت سمات محددة. فخبرتنا تخبرنا أن 
العالم ذو وجود موضوعي وإله كامل يجب أن يكون صادقاً لا يمكن أن يغشنا. فبدلاً من 


5 


أن يستخدم العالم كي يثبت وجود الله استخدم ديكارت فكرة ة الله كي تعطيه إ إعانا بوضرة 
العالم. كان ديكارت يشعر أنه مغرّب عن العالم مثل باسكال. فبدلاً من بلوغ العالم 
جاجع عللة ان لنسة: مع أن فكرة ة الله تمد الإنسان بيقين حول وجوده هوء وهذا أساسي 
جداً بالنسبة لابستمولوجيا ديكارت» مع ذلك تكشف الطريقة الديكارتية عن عزلة وصورة 
استقلالية تصبحان مركزيتين في الصورة الغربية للإنسان في قرننا. 


وسوف يقود التغريب عن العالم والاعتماد على الذات» بافتخار أناساً كثيرين إلى 
رفض فكرة الله كلها التي تقلل من قبمة الإنسان ليصبح متواكلاً. 
من البداية ساعد الدين الناس على الارتباط بالعالم وعلى أن يضربوا جذورهم فيه. 
فعبادة المكان المقدس سبقت التفكير بالعالم» وساعدت الرجال والنساء على إيجاد بؤرة 
فكرية في كون مرعب. فقد عَبْرَ تأليه قوى الطبيعة عن الإعجاب والرهبة اللذين كانا دائماً 
جزءا من رد الفعل البشري تجاه العالم. وحتى أوغسطين وجد العالم مكانا جميلاً يدعو إلى 
العجب على الرغم من روحانيته الغاضبة. بينما ديكارت لم يكن لديه الوقت للتعجب 
إطلاقاً على الرغم من أن فلسفته كانت مبنية على تراث الاستبطان الأوغسطيني. 
فالإحساس بالسرية كان ينبغي تفاديه مهما كلف ذلك لأنه كان يمثل حالة عقلية قد 
تجاوزها الإنسان الملتحضر. ففي مقدمة كتابه (5ع07عاع11 آم قال أن من الطبيعي بالنسبة 
لنا «أن نكون أكثر إعجاباً حيال الأشياء التي فوقنا أكثر من إعجابنا بالأشياء التي تفع في 
مستوانا أو دونه.)6©"0. ولذلك فقد صور الشعراء والرسامون السحب على أنها عرش الله 
يقودنى هذا إلى أن آمل أننى إذا كنت هنا أشرح طبيعة السحب بطريقة 
لانعود نتعجب بها لأي شيء نرآه متهاء أو لأئن شيء ينزل منهاء فإننا 
سنعتقد ببساطة أن من الممكن أن نجد أسباب كل شيء يحظى بأقصى 
إعجابنا على سطح الأرض. 
شرح ديكارت الغيوم والرياح والندى والبرق على أنها مجرد حوادث فيزيائية كي 
اليزيل أي سبب للتعجب”*'©). فإله ديكارت هو إله الفلاسفة الذي لم يكن عارفاً 
بالأحداث الأرصية إله ديكارت هذا لم يكن يتجلى لا في المعجزات التي ررك في 
ا المقدسة بل في القوانين الأبدية التي ُ ريام 5 1656 0 أيضاً المانا التي 
سخيف من 0 عن العقائد المسيحية يك 0 أن يثبت صحة عل عن 
طريق إيجاد تفسير عقلاني للمعجزات والاسشاطين المتنوعة. فإطعام يسوع ل ..(١‏ 2( 


5 


شخص على سبيل المثال قد تم شرحه كإيهام واي تدص عاج الطعام 
الذي كانوا قد أحضروه خيالياً وإطعامهم إياه. فهذ فهذا الشرح ينم عن حسن نية إلا أنه يفتقد 
إلى الغاية الرمزية التي هي القصص الإنجيلية. 
كان ديكارت 1 دائماً من الاستسلام إلى سيطرة الككنيسة الكاثوليكية الرومانية 

فرأى نفسه مسيحياً أرثوذكسياً. لم ير تناقضاً بين الإيمان والعقل. ففي كتابة نقاش في 
الطريقة (35166500 02 10156م120156) جادل أن هناك منهجاً كن البشرية من بلوغ الحقيقة 
كلها. لاشيء يقع خخارج متناولها. فكل ماكان ضرورياً في أية معرفة كان استخدام الطريقة 
وبالتالي سيكون ممكناً الحصول على معرفة موئوقة تتفادى كل إرباك وجهل. أصبح السر 
مشوشء والله الذي حرص العقلانيون السابقون على فصله عن جميع الظواهر الأخرى 
أصبح الآن مُحتوىٌ داخل نظام فكري إنساني. لم يكن للصوفية متسع من الوقت كي 
تضرب جذورها أمام الاضطرابات العقيدية لحركة الإصلاح. وهكذر فإن نمط الروحانية 
الذي انتصر على السر والميثولوجيا وارتبط بعمق بهما كان إنوعا غريباً عن المسيحيين في 
الغرب. ا كان وجنوة المتضوقق ثاذرا وسحقط :شرهة“قالة"المتضوفين 

"الذي يتمد ورد على عر ادينية كان عريا عن هم مدل ويكارت الذي كان 
التأمل يعني له نشاطاً دماغياً محضاً. 


عالم الفيزياء الإنجليزي اسحق نيوتن )١1751 - ١747(‏ نرّل الله إلى نظامه الحركي 
الميكانيكي. كان متلهفاً لتحرير المسيحية من السرء كانت نقطة البداية هي علم الحركة 
لاالرياضيات لأن على العلم أن يد يتعلم رسم دائرة بشكل صحيح قبل أن يتمكن من إتقان 
الهندسة. 5 الذي أثبت وجود ذات الله والعالم الطبيعي في ذلك 
العرقيي يدا تبرتن بمحاولة تفسير الكون الفيزيائي والله جزء أساسي من النظام. ففي فيزياء 
نيوتن كانت الطبيعة سلبية تماماء الله وحده هو مصدر النشاط. وهكذا ‏ كما عند أرسطو 
- كان الله استمرارية للترتيب الفيزيائي الطبيعي. ففي كتابه العظيم (مبادىء الفلسفة 
الطبيعية 9أماعمء2 115 هدة!! عدتط2 مؤواتطم) ١ ١3107‏ ر اد نيوتن أن يصف العلاقات 
بين الأجسام السماوية والأرضية في كلمات رياضية بحيث يخلق نظاماً شاملاً متماسكاً. 
فمفهوم قوة الجاذبية التي أدخلها نيوتن شدت الأجزاء المكونة لنظامه سوياً. أغاظ مفهوم 
الجاذبية بعض العلماء الذين اتهموا نيوتن بالعودة إلى فكرة قوى المادة الجاذبة لأرسطو. 
وهذا الرأي لم يكن منسجماً مع الفكرة البروتستانتية بسيادة الله المطلقة. لقد أنكر نيوتن 
ذلك بقوله: «إلهاً سيداً كان ع لنظامه كله لأنه بدون محدك إلهي عنصقطءه346 ما كان 
للنظام أن يوجدا. 


عندما تأمل نيوتن الكون ‏ كان مختلفاً عن ديكارت وباسكال ‏ كان مقتنعاً أنه لديه 
برهان على وجود الله. لماذا لم تشد الجاذبية الداخلية الأجرام السماوية جميعاً إلى كثلة 
كروية ضخمة واحدة؟ لانها موضوعة بدقة في فضاء لامتناه بمسافة كافية بين كل منها 
والآخر لمنع حدوث ذلك. وفي نقاشه مع صديقه ريتشارد بنتلي (01م8 81020 عميد 
كلية القديس بولص أوضح أن هذا مستحيل دون مراقب إلهى ذكيى: «لاأعتقد أن 
بالإمكان شرح الأمر عن طريق أسباب طبيعية لكنني مجبر على أن أعزوها إلى تدبير 
مبتكر)”'١2.‏ وبعد مضي شهر كتب إلى بنتلي ثانية «قد تضع الجاذبية الكواكب في حالة 
حركة؛ لكن دون قدرة إلهية لايمكن وضعها في حالة حركة دائرية أبدية ولهذا السبب 
ولأسباب أخرى أنا مضطر أن أعزو إطار هذا النظام إلى قدرة ذكية(”02. فعلى سبيل الثال 
إذا دارت الأرض حول محورها بسرعة (١٠٠ميل/سا)‏ بدلا من (١٠٠٠ميل‏ / سا) 

سيصبح الليل أطول بعشر ساعات وسيصبح العالم بارداً جداً لايسمح باستمرار الحياة. 

خلال النهار الطويل سَدبٍ بل الحرارة كل الخضرة. والوجود الذي ابتكر كل هذا بشكل 
كامل لابد أن يكون أآلية ذكية. 

بالإضافة إلى كونه ذكيأء فإن هذه القدرة لابد أن تكون قادرة بما فيه الكفاية كي 
تدير هذه الكتل الكبيرة. استنتج عرق أن القوة البدئية التي وضعت النظام المعقد 
واللامتناهي في حالة حركة كانت مسيطرة على الكون وحدها وجعلت الله مقدساً. 
البروفسور إدوارد بوكوك معاوءوط ده.ق5 أستاذ للغة العربية في جامعة أوكسفورد أخبر 
نيوتن أن كلمة ودع2 اللاتينية مشتقة من الكلمة العربية ننه لذلك فالسيطرة 
كانت هي الصفة الأساسية لله أكثر من الكمال الذي كان نقطة البداية في مناقشة 
ديكارت لله. في «تنانامطء5 (ورعمع0 التي تختتم مبادىء الفلسفة الطبيعية استنتج نيوتن 
أن كل صفات الله التقليدية هي من عقله 6همء1016[118 وقدرته. 


أجمل نظام للشمس والكواكب والمذنيات ينطلق من خطة وسيطرة 
وجود عماء8 ذكي 1 إنه كلي الوجود وقدرته 7 ا أي 
ديمومته من الازل إلى الابد. ووجوده من اللانهاية إلى اللانهاية؛ يُصَرَف 
الأخياء جسيها وز جميع الأشياء الحادثة والتي قد تحدث... نعرفه 
فقط من خلال وسائله الأكثر را بين جميع الأشياء» وعلله 
النهائية. نعجب به لكماله, لكننا نجله وتعيده بسبب سيطرته. تعيده 
كعبيد له. فإله دون سيطرة وعناية إلهية وعلل نهائية لاشيء سوى القدر 


والطبيعة. فالضرورة الميتافيزيقية العمياء هي نفسها دائماً وفي كل مكانء 
ليس بإمكانها أن تنتج تنوعاً للأشياء. إن كل ذلك التنوع للأشياء 
الطبيعية التي نجدها مناسبة للعصور والأماكن امختلفة لاتنشأ إلا من أفكار 
وإرادة (كائن) موجود بالضرورة2”©. 
لايذكر نيوتن الإنجيل: نعرف الله عبر تأمل العالم فقط. فحتى الآن عبّر الاعتقاد 
بالخلق عن حقيقة روحية» وقد دخحلت إلى اليهودية والمسيحية متأخرة» وكان اشكالية لحد 
ما. العلم الحديث الآن دفع الخلق إلى مرحلة مركزية وقام بفهم حرفي وميكانيكي للمعتقد 
الحاسم لمفهوم الله. عندما ينكر الناس وجود الله اليوم فإنهم ينكرون إله نيوتن أصل الكون 
ومادّه بالحياة الذي لم يستطع العلماء تعديله. 


كان على نيوتن شخصياً اللجوء إلى حلول مذهلة كي يجد متسعاً لله في 
نظامه الذي بحكم طبيعته لابد أن يكون شاملاً. فإذا كان الفضاء لامتغيراً ولانهائيء 
هناك سمتان رئيسيتان للنظام فأين يقع الله في هذا النظام؟ أليس الفضاء نفسه 
إلهيا يشكل ما له. سمنا الأزلية والخلود؟ هل كان الفضاء: كيتوئة. إلهية ثانية وجدت 
إلى تخاتية الله تقيل بيذاية: الرمرد؟ ‏ كان يرتم «ميشا دائما بيده المسالة ف مقالتة 
المبكر ة /تصبمم اط وللهمم تناوعك أء وملأماتجوعن 26/ عاد إلى الاعتقاد الأفلاطو ىّ 
بالقيض: هينما أن الله لامسام لايد أنه موجوة :فى كل مكان: فالفضاء هو 'تيحة وجو :الله 
يفيض إلى الأبد من كلية الوجود الإلهي, الفضاء لم يخلقه الله في فعل إرادة بل وجد 
كنتيجة ضرورية أو امتداد لوجوده الكلى الوجود. وبالظريقة تفسها ولأن الله ذاته أبدي 
فإنه يفيض الزمن. ولذلك يمكننا القول أن الله يشكل الزمان والمكان الذي نعيش ونتحرك 
ويتحقق فيهما وجودنا. فالمادة من ناحية ثانية خلقها الله فى يوم الخلق بفعل إرادي. 

يمكن للمرء القول أنه قد قرر أن ينعم على بعض أجزاء المكان بشكل مصير مدرك 
حسياًء وحركياً. كان من الممكن أن يقف إلى جانب الاعتقاد المسيحي بالخلق من لاشيء 
لان الله قد خلق جوهر المادة من فضاء خالٍ: لقد خلق المادة من الفضاء. 

فنيوتن - مثل ديكارت ‏ ليس لديه متسع للسرية التي ساوى بينها وبين الجهل 
والخرافة. وكان متلهفاً كي ينقي المسيحية من الإعجازي حتى وإن وضعه ذلك في نزاع مع 
معتقدات حاسمة مثل ألوهية المسيح. فبدأ خلال ١71٠١‏ دراسة لاهوتية جادة للاعتقاد 
بالثالوث وتوصل إلى نتيجة مفادها أن هذا المعتقد فرضه أتانازيوس على الكئيسة فى شرط 
خادع على الوثنيين الذين اعتنقوا المسيحية. و وندنرخ كان محقاً: يسوع المسيح لم 
يكن بالتأكيد الإله» وتلك الفقرات من العهد الجديد التى استخدمت كى تثبت الاعتقاد 


الثالث والتجسيد غير شرعية وزائفة. فقد لفق أتانازيوس وزملازه هذه الفقرات واضافوها 
إلى أسفار الكتاب المقدس وبالتالي لاقت الأوهام البدائية اشسعحيانا لذاف الجماهير. من طبع 
الجانب الخرافي والانفعالي من البشر في سيائل الدين أن وكوتر! سرمي بالأسيزان دو تللق 
السبب فإنهم يفضلون الأشياء التي لايفهمونها سوى فهم يسير.9© © ومحو هذا الإرباك 
من الدين المسيحي أصبح هاجساً بالنسبة له. ففي مطلع الثمانينات من ١108‏ - أي قبل 
وقت قصير من نشر مبادىء الفلسفة الطبيعية بدأ نيوتن العمل في كتاب أسماه الأصول 
الفلسفية للاهوت غير الموني زقهامعط1 عانتمعت أه قمنعتءهلوعنطط موماتطط ع1" 
جادل يدانا ترتحا عو هنم ا سس الدين الأوّلي للاهوت غير مسيحي الذي كان خالياً من 
الخرافة» ودعا إلى عبادة عقلانية لله. فالوصيتان الإحااتاك هما حب الله وحب الجار, وأمر 
الناس بالتأمل في الطبيعة التي هي المسبد لوعي لله العظيم. ولم تلبث الأجيال التالية أن 
أفسدت هذا الدين النقي 0 المعجزات والأعاجيب» وسقط بعضهم في الصنمية 
والخرافة. مع ذلك أرسل الله سلسلة أنبياء كي يعيدوا الناس إلى الصراط. فكان فيئاغوث 
ا هذا الدين فقدمه إلى الغرب» وكان يسوع واحداً من الأنبياء المرسلين كي يعيدوا 
الناس إلى الحقيقة» لكن الدين النقي أفسده أتانازيوس وأعوانه فككتّاب 
3 0 تتنبأ بظهور التثليثية - «هذا الدين الغريب فى الغرب» أي عبادة 
ثة آلهة متساوية كرفض للوحدانية20©. 1 
وجد المسيحيون الغربيون دائماً الاعتقاد بالثالوث أمراً صعب وعقلانيتهم الجديدة 
جعلت فلاسفة وعلماء عصر التنوير حريصين على تجاهله. لم يكن نيوتن فاهماً لدور 
السرية في الحياة الدينية. فقد استخدم اليونانيون الثالوث كوسيلة لإيقاء العقل في حالة 
تعجب وكمُدكر بأن الفكر البشري لايمكنه أن يفهم طبيعة الله فكان تبني موقف ممائل أمراً 
صعباً لعالم مثل نيوتن. في العلم كان الناس يتعلمون أن عليهم أن يكونوا على استعداد 
لحذف الماضي وللبدء ثانية من المبادىء الأون كي يجددوا الحقيقة. فالدين ‏ على أية حال 
- مثل الفن يتألف غالباً من حوار مع الماضي من أجل إيجاد منظور لانظر منه إلى الحاضر. 
فالتراث يقدم قفزة البداية التي تمكن الرجال والنساء من خوك الأسقلة التكررة 
حول معنى ا حياة النهائي. الدين والفن لايعملان مثل العلم. فخلال القرن الثامن عشر بدأ 
المسيحيون يطبقون الطرق العلمية على الدين المسيحي فتوصلوا إلى الحلول التي توصل إليها 
نيوتن. ففي إنجلترا كان اللاهوتيون المتحررون مثل ماثيو تيندال 1100121 مجع 121 وجون 
تولاند لمد1ه'1 مقطمز أكانوا متلهفين إلى العودة إلى الأمناسياكة وإلى تطهير المسيحية من 
الخفاياء وأن يؤسسوا ديناً عقلانياً حقاً. فقد دافع تولاند في كتابه (السلعية ادبت غامضة) 
555 أن السرية. كانت نفضي فقط إلى الطغيان والخرافة ©. ومن الخطأ أن نعتقد أن 


هم 


الله غيرقادر على أن يعبر عن نفسه بككل وضوح. كان يجب أن يككون الدين معقولا. 
00 خدال قل كانه (المسيحية قديمة قدم الخلق) ١7٠‏ كما حاول نيوتن ‏ أن يعيد 
خلق الد لت ويطهره من الشوائب اللاحقة. فالعقلانية كانت انحك للدين الحق. 
«هناك دين الطبيعة والعقل مكتوباً في قلت كل منا من الخلق الأول»: ويه يجب أن 
يقدر الناس مصداقية الدين المؤسساني مهما كانت»”"'" وبالتالي كان الظهور غير ضروري 
لأن بالإمكان الوصول إلى الحقيقة عبر بحوثنا العقلانية؛ دشرا مثل الثالوث والتجسيد 
حظيا بشرح معقول كاف وينبغي في عدم استخدامها لوبقاء المؤمن البسيط في حالة خوف من 
الخرافة ومؤسسة الكنيسة. 
اتمغرك. هذه الأفكار فِن القارة الأوزوبية :وبدا جيل ححديد من المؤرخين يتخرؤن 
تاريخ الكنيسة موضوعياً. قفي عام ١199‏ نشر غوتفريد أرنولد 4[مصعخ 0011564 كتاباً 
بعنوان (تاريخ الكنائس من بداية العهد الجديد حتى )١1488‏ يدافع فيه أن ماكان يعتبر في 
حينه معتقداً لايمكن تتبعه إلى مصدره: الكنيسة الأولى. وقام يوهان لورينز فون 
موشيم ««اعطده160 1/0 101262[ ممقطه[ )١175 ٠ - ١59 5١‏ بفصل متعمد للتاريخ عن 
اللاهوت في عمله الجليل (مؤسسات التاريخ الكنيسي) ١757‏ ودوّن تطور العقيدة دون 
الدفاع عن صحتها. وتحرى مؤرخون آخرون مثل جورج وولش 778108 م060 وجيوفاني 
بوت أنا8 نصهة010597 وهنري نوريس 210:15 116051 تاريخ النقاشات المعتقدية الصعبة مثل 
الأريانية مسستموتم وفيليوك عدنوه2111 والمناظرات التي جرت دفاعاً عن العقيدة المسيحية 
في القرنين الرابع والخامس الميلاديين. كان أمراً مزعجاً للمؤمن أن يرى العقائد 
الأساسية حول طبيعة الله والمسيح قد تطورت عبر القرون وأنها لم تكن موجودة في 
العهد الجديد: فهل كان ذلك يعني أنها كانت زائفة؟ مضى آخرون إلى أبعد من ذلك 
وطبقوا هذه الموضوعية الجديدة على العهد الجديد نفسه. وقد قام هيرمان صموئيل 
ريماروس كنانةطاعظه اعناصد5 دصحو )١778 - ١1914(‏ بكتابة سيرة نقدية لحياة 
سوم مسألة بشرية يسوع لم تعد مسألة معتقدية أو صوفية بل وضعت تحت البحث 
العلدى كن عفر العقل: فما أن حدث هذا حتى بدأ عصر الشك الحديث. قال ارو 
أن المسيح كان يريد تأسيس دولة إلهية وعندما أخفقت رسالته كمسيح منتظر مات الها 
وقد أشار إلى أن يسوع في الأناجيل لم يزعم أبذأ هقد جاء كي يكثر عن دوت البثر. 
وبالنسبة لتلك الفكرة ة التي أصية مركزية فى المسيحية الغربية بالإمكان تتبعها إلى 


القديس بولص مؤسس المسيحية ١‏ هية لك كاله ب 
يسو 
لدين عملي مجيد يسبتط وممتار 0 رمم 


اعتمدت هذه الدراسات الموضوعية على فهم حرني للكتاب المقدس وتجاهلت 
الطبيعة الرمزية أو المجازية للدين. قد يعترض ض اللرء أن هذا النوع من النقد لم يكن مستمداً 
فوفر إلا بقدر علاقته مع الفن أو الشعر. لكن ملإن أصبيحت هذه الروح علمية 
معيارية انان كثيرين حتى أصبح من الصعب عليهم قراءة الأناجيا ل بأية طريقة أخرى عدا 
هذه الطريقة. التزم المسيحيون الغربيون آنذاك بفهم حرفي لدينهم وتراجعوا عن الأسطورة 
بخطوة ثابتة» فالقصة كانت إما حقيقية فعلاً أو أنها كانت وهماً. أسكلة حول أصل الدين 
كانت كر عي للمسيحيين من أهميتها للبوذيين لأن ترائهم الوحدانى قد دعا دائماً أن 
الله كان يتجلى في الأحداث التاريخية. فإذا كان على اي صيانة 
كمالهم 11618211 في عصر العلم كان لابد من الإجابة على هذه الأسكلة. بعض 
المسيحيين الذين كانوا يتبنون معتقدات اكثر تقليدية من معتقدات تندال وريماروس بدؤوا 
يتساءلون عن الفهم الغربي الترائي لله. ففي كتابه (براءة فيتتبرغ من جريمة قتل مزدوجة) 
0١‏ كتب اللوئثري جون فريدمان ماير ععبرة7/1 موصلومط وم[ أن الاعتقاد الترائي 
بالففرال - الذي خصه السيلم «تواكدك - الذي صور مطلب الله لموت اينه كان يمثل 
ووم غير كاف لله. لقد كان «الله الحق؛ الله الغاضبء والله الذي يشعر بالمرارة» الذي 
يطالب بعقاب صارم كان يماد مسييحيين كثر با نوف وعلمهم أن يرتدوا عن ذنوبهم)2 0 
كان قلق المسيحيين يترايد نتيحة قسوة معظم التاريخ المسييحي الذي وجه الصليبيين الخيفين 
ومحاكم التفتيش وحملات الاضطهاد باسم هذا الله العادل. وقد بدا إجبار الئاس على 
الإيمان بمعتقدات أرثوذكسية مرعباً بشكل خاص بالنسبة إلى عصر مولع جداً بالحرية» وحرية 
الوجدان. فحمام الدم الذي أطلقته حركة الإصلاح وآثارها بدا أنه القشة الأخيرة. 

بدا أن العقل هو الإجابة. فهل كان بوسع الله أن يتخلص من السرية التي جعلته 
طيلة قرون قيمة دينية فعالة فى تراثات أخرى مقبولة للمسيحيين الحدسيين الأكثر تتخيلاً؟ 
فالشاعر البيوريتانى جون ملتون 110 هطو (1708 - )١17174‏ أزعجه سجل الكنيسة 
الحافل بعدم التسامح. وكونه إنساناً صادقاً مع عصره ققد حاول في كتابه الذي لم ينشر 
(في العقيدة المسيحية) أن يصلح حركة الإصلاح وأن يصوغ عقيدة لنفسه لاتستند على 
معتقدات وأحكام الأخرين: وكادت اتستاوره شكوك حول معتقدات تراثية مثل القالوث . إنه 
لآمر هام أن بطل رائعته الفردوس المفقود هو الشيطان بدلا من الله الذي أراد أن بير أفعاله 
للإنسان. فالشيطان ذو خصائص كثيرة مشتركة مع الأوروبيين الحديثين: إنه يتحدى 
السلطة ويعد نفسه لمواجهة المجهول» وفي رحلاته الجسورة من الجحيم ‏ عبر عماء الارض 
المخلوقة حديئاً - يصبح المستكشف الأول. يبدو أن إله ملتون يوضح العبث الفطري في 


بان 


الحرفية الغربية. فدون الفهم السري للثالوثٍ فإن مكانة الابن تغدو ملتبسة في القصيدة. 
وليس واضحاً فيما إذا كان وجوداً إلهياً ثانياً أم مخلوقاً ممائلاً للملائكة مع أنه أرفع منهم 
منزلة. ففي جميع الأحداث التي يكون فيها ها والاين وجودان منفصلان تماماً وعليهما 
الخوض في أحاديث مطولة مملة جداً كي يكتشف كل منهما نوايا الآخر, مع أن الابن هو 
الكلمة المعترف بها وحكمة الآب. 


تناولُ ملتون لمعرفة الله المسبقة لجميع الأحداث على الأرض هي التي تجعل إلهه غير 

قابل للتصديق. بما أن الله بالضرورة يعرف مسبقاً أن آدم وحواء سوف يهبطان ‏ حتى قبل 
أن يصل الشيطان الأرض - فعليه أن يخوض بتبرير أفعاله قبل وقوع الحدث. فكما يشرح 
للابن ما كان ليشعر بالسرور لو أنه فرض الطاعة, ولذلك أعطى آدم وحواء المقدرة على 
مواجهة الشيطان. وبذلك ليس : في وسعهما اتهام الله كما يدافع عن نفسه: 

خالقهما ‏ أو صانعهماء صانع قدرهما 

وكأن القدر قد سيطر 

على إرادتهماء وقد صدرت بأمر مطلق 

أو معرفة مسبقة علياء هما نفسهما أعلنا 

تمردهماء وليس أنا: لو علمت مسبقاً 

فالمعرفة المسبقة ليس لها تأثير على خطئهما 

الذي اتضح أنهما بالتأكيد لم يكونا يعرفانه من قبل 

لقد شكلتهما أحراراء وأحرارا يجب أن ببقيا 

حتى يفتنا بعضهما: زلا يحب أن أغير 

طبيعتهماء وأن ألغي الأمر السامي 

الذي لايتغير» الأبدي الذي أعلن 

حريتهماء هما بأنفسهما يجب أن يرسّما هبوطهما(*) 

إن احترام هذا التفكير الدّعي ليس أمراً صعباً فقط بل يظهر الله قاسياً حقاً ويفتقر إلى 

الرحمة التي يُفترَضٌ أن دينه يُلْهِم بها. فإلزام الله أن يتكلم ويفكر مثل أي منا بهذه الطريقة 
يبين عيوب التصور الشخصاني التجسيدي للإله. هناك أيضاً تناقضات كثيرة تجعل إلهاً 
كهذا من المتعذر أن يكون منسجماً أو يستحق التبجيل. 


إن الفهم الحرفي لهذه المعتقدات مثل كلية قدرة الله لن يكون مجدياً. فإله ملتون 
ليس فقط باردأ أو شرعياً بل إنه غير كفء أيضاً. في الجزئين الأخيرين من الفردوس المفقود 
يرسل الله الملاك الرئيسي ميكائيل كي يواسي آدم على خخطيئته التي ارتكبها عن طريق 


السماح له أن برك كنك كلض ورم فمسار تاريخ الخلاص كله يكشف لأدم في 
سلسلة لوحات يرافقها تعليق ميكائيل: يرى مقتل قابيل على يد هاسيل» وطوفان نوح» 
وفلكه وبرج بابل» ونداء أبراهام» والخروج من مصرء وإنزال الشريعة على جبل سيناء. 
يشرح ميكائيل أن عدم كفاءة التوراة التي اضطهدت شُعب الله امختار التعس طيلة قرون 
محرض لجعلهم يتوقون إلى شريعة أكثر روحانية. وبينما يستمر هذا العرض للخلاص 
المي للعالم: إنجازات الملك داؤود. والنفي إلى بابل» وولادة المسيح وهلم جراء يخطر 
للقارىء أنه لابد أن يكون هناك طريقة أكثر سهرلة ومباشرة لخلاص الجنس البشري. هذه 
الخطة المعذبة بإخفاقاتها المستمرة وبداياتها الزائفة المقدر عليها مسبقاًء لايمكن إلا أن تزرع 
شكركاً كبيرة على ذكاء مؤلفها. فإله ملتون يوحي بثقة قليلة. وبعد الفردوس المفقود لم 
يحاول كاتب مبدع إنجليزي مرموق أن يصف العالم الخارق للطبيعة. ولن يكون هناك 
كناب مثل سبنسر وملتون. ومن هذه الفترة فصاعداً سيغدو الخارق للطبيعة والروحي 
عا لكتاب هامشيين مثل جورج ماكدونالد وسي. إس. لوس وز1هاه.] .0.5: إله لايروق 
للمخيلة وإله يعاني من متاعب. 


ففي نهاية الفردوس المفقود يأخذ آدم وحواء طريقهما المتعزل خخارجين من جنة عدن 

إلى العالم. فى الغرب أيضاً كان المسيحيون على عتبة عصر أكثر دنيوية با أنهم كانوا 
مايزالون 50 الإيمان بالله. فالدين الجديد دين العقل عُرف فيما بعد بالتأليهية مروزع2] هذا 
الدين ليس لديه وقت للممارسات المبدعة للصوفية والميثولوجيا. لقد أدار ظهره إلى أسطورة 
الوحي وإلى أسرارٍ تراثية كالثالوث الذي أبقى الناس مدة طويلة في الخوف من الخرافة. 
فدلا من ذلك أعلن الولاء للإله ((ونء2) الذي يستطيع الإنسان أن يكتشفه بجهوده 
الخاصة. و فرانسوا ماري دو فولتير هو الذي سيكون المجشد للحركة التي ستعرف لاحقاً 
بأاسم التنوير» فرانسوا هذا عدف هذا الدين المثالي في قاموسه الفلسفي الصادر عام ١/5‏ 
بأنه قبل كل شيء سيكون بأبسط شكل بمكن. 

ألن يكون ذلك الذي لقن الكثير من الأخلاقية والقليل من العقيدة؟ 

ذلك الذي كان ميال لجعل البشر عادلين دون أن يجعلهم عبثيين؟ 

ذلك الذي لن يأمر المرء أن يؤمن بأشياء مستحيلة» متناقضة وضارة 

للألوهة, ومهلكاً للبشر والذي لايتجرأ على التهديد بعقاب أبدي لأي 

امرىء يمتلك إدراكاً سليماً؟ ألن يكون ذلك الدين الذي لم يرسخ معتقده 


بالجلادين: ولم يغرق الأرض بالدم بدعرى صوفية غير مفهومة؟ الذي يعلّم 
فقط بعبادة إله واحد والعدالة» والتسامح والإنسانية؟9 "© 


ا 


كان على الكنائس أن تلوم نفسها فقط على هذا التحدي لأنها منذ قرون قد أثقلت 
كاهل المؤمن بعدد من معتقدات مشلولة. كان رد الفعل حتمياء فكان إيجابياً. 
فلاسفة التنوير لم ينكروا فكرة الله على أية حال. لقد أنكروا إله العقيدة القاسي 
الذي كان يهدد الجنس البشري بنار أبدية. لقد رفضوا معتقدات غامضة تتعلق به كانت 
مقيتة للعقل. لكن إيمانهم في وجود متعالٍ بقي سارياً. لقد بنى فولتير كنيسة صغيرة في 
فيرني لمع وعليها نقش ع:77011 8:6 1260 على عتبة الباب كي توحي بأنه لو لم 
يوجد الله لكان من الضروري أن نخترعه. في القاموس الفلسفي قال أن الإيمان بإله واحد 
كان أكثر عقلانية وطبيعية للبشرية من الإيمان بآلهة عديدة. فالناس أصلا كانوا يعيشون فى 
قرى صغيرة وتجمعات منعزلة قد اعترفوا أن إلهاً واحداً كان مسيطراً على مصائرهم. 
فالشرك كان تطوراً لاحقا. فالعلم والفلسفة العقلانية أشارتا إلى وجود أسمى: ١‏ ما هي 
النتيجة التى يمكننا أن نستخدمها من هذا كله؟) هذا هو السؤال الذي يطرحه فى نهاية 
مقالته في الشرك في قاموسه فيجيب: 1 
«الشرك شر كبير في أولئك الذين يحكمون وأيضاً في الناس العارفين 
حتى وإن تكن حياتهم بريئة لأن من دراساتهم يستطيعون أن يؤثروا على 
الذين يتبوؤن المناصبء حتى وإن لم يكن الشرك ضارا كضرر التعصب » 
فإنه يكاد يكون دائماً قاتلاً للفضيلة. قبل كل شيء دعني أضيف أن هناك 
مشركين أقل اليوم أكثر ما كانوا في الماضي؛ لأن الفلاسفة قد فهموا أن ما 
من كائن نام دون بذره ومامن بذرة دون هدف)0"". 
ساوى فولتير بين الشرك والخرافة والتعصب اللذين كان الفلاسفة حريصين على 
استعصالهما. فمشكلته لم تكن الله بل المعتقدات حوله التي كانت تتعارض مع معايير 
العقل المقدسة. 
لقد تأثر يهود أوروبا بالأفكار الجديدة. فباروخ سبينوزا ١79(‏ - 1510017) 
اليهودي الهولندي من أصل إسباني» أصبح غير مقتنع بدراسة التوراة فانضم إلى حلقة 
مفكرين أحرار هق 'غير اليهوذ. لقد طور أفكاراً كانت مختلفة اختلافاً عميقاً عن اليهودية 
التقليدية والتي تأثرت بالمفكرين العلمانيين مثل ديكارت والسكولاستيين المسيحيين. في 
عام ١585‏ عنذما كاف عمرة واخذا وعتريع منة تحلى رسيا عن 'الكيدن فى كردا 
فبينما كان قرار القطيعة يقرأ بصوت عالٍ أطفقت أنوار الكنيس تدريجياً حتى عم الظلام 
على الحضور كي يتعرفوا بأنفسهم على ظلام روح سبينوزا في عالم لاإله له: 
«فلتحل اللعنة عليه في النهار. وليلعن في الليل» وليلعن في رقاده. وفي 


ا 


المدونة 0 كتاب الشريعة وليمحى اسمه من تحت السماي9". 
وياد السحةاأسية الذكرة الا ا م في مطل 
القرن المقرون عله آنا كيروة سبينوزا كبطل للحداثة وكانوا يشعرون بصلة قرابة مع 
نفيه الرمزي» وغربته وبحثه عن خلاص دنيوي. 


لقن أعقين اسيعيدوز ا مشدر كا لكنه لم يكن لديه إيمان بإله بولاحتى بم بإله التوراق» فقد 
رأى مارآه الفلاسفة أن الدين الموحى أدنى من المعرفة العلمية لله التي يبلغها الفيلسوف. 
فطبيعة الإيمان الديني كانت مفهومة بشكل خاطىء كما قال في (كتاب اللاهوت 
السياسي). لقد أصبح «مجرد مركب من السذاجة والأهواء» نسيجاً من أسرار لامعنى 
لها»”؟ "2. لقد نظر نظرة نقدية إلى التاريخ التوراتي. أطلق الإسرائيليون اسم (الله) على أية 
ظاهرة لم يستطيعوا فهمها. قيل أن الأنبياء ‏ على سبيل المثال ‏ تلهمهم روح الله لأنهم 
كانوا ببساطة أناساً ذوي فكر وقداسة استثنائيين. لكن هذا النوع من الإلهام لم يقتصر على 
النخبة بل كان متوفرا لدى كل امرىء عبر العقل الطبيعي. فشعائر الدين ورموزه كانت 
تساعد فقط الناس الذين كانوا غير قادرين على التفكير العلمي العقلاني. 
عاد سبينوزا ‏ مثلما عاد ديكارت - إلى البرهان الأنطولوجى لوجود الله. ففكرة الله 
يحه انها تتطلمن لاق شروعية "ربجو الله أن القون. آنا تنه ترعردا كلاذ لم يكن 
موجوداًء ينطوي على تناقض فى الكلمات. كان وجود الله أمرأ ضرورياً لأنه وحده الذي 
كان يقدم اليقينية والثقة الضروريتين للقيام باستنتاجات أخرى حول الحقيقة بوانلهع8. 
ففهمنا العلمي للعالم يبين لنا أن العالم محكوم بقوانين ثابتة. الله بالنسبة لسبينوزا هو 
ببساطة مبدأ القانون» كمية من جميع القوانين الأبدية في الوجود. الله وجود مادي مساو 
ومائل للترتيب الذي يحكم الكون. عاد سبينوزا ‏ مثلما فعل نيوتن - إلى فكرة الفيض 
الفليقيةة لأن اللتم ررد وملازم في جميع الأشياء - سواء المادية منها والروحية. بالإمكان 
تعريفه على أنه القانون الذي ينظم الوجود. كان الحديث عن قدرة الله في العالم مجرد 
طريقة لوصف مبادىء الوجود الرياضية والسببية» كان إنكاراً مطلقاً للتسامي. 
يبدو معتقد سبينوزا كثيباً قاحلاء لكن إلهه ألهمه برهبة صوفية حقة. أما بالدسبة 
لإجمالي قوانين الوجود فقد كان الله الكمال الأمثل صاغ كل شيء في وحدة وانسجام. 


51١ 


فعندما يتأمل البشر أفعال عقولهم بالطريقة التي قام بها ديكارت فإنهم يفتحون أنفسهم أمام 
وجود الله اللانهائي والأزلي: هو يفعل داخلهم. لقد اعتقد سبينوزا ‏ مثلما اعتقد أفلاطون 
أن المعرفة الحدسية والعفوية تكشف حضور الله أكثر مما تكشفه الحيازة المضنية للحقائق. 
وتيفادنا يتنا ف المفرفة مبناوزة طمن اللى إنه ليلا موضوعا فكريا أبدياً لكره ظلة وميداً 
ذلك الفكرء وهو 5 في أعماق كل كائن بشري. ليست هناك حاجة إلى الوحي أو 
القانون الإلهى: لأن هذا الله فى متناول البشر كلهم» والتوراة وحده هو قانون الطبيعة 
الأيدي. لقد أحضر سبينوزا الميتافيزيقا القديمة إلى جانب العلم الحديث: إلهه لم يكن إله 
الأفلاطونيين المحدثين الواحد الذي لاسبيل إلى معرفته بل كان أقرب إلى الوجود المطلق 
الذي وصفه فلاسفة مثل الإكويني. لكنه كان أيضاً قريياً من الإله الصوفي الذي عرفه 
الموحدون الأرثوة كسيولة داخل امم كان اليهود والمسيحيون والفلاسفة ميالين إلى 
اعتبار سبينوزا ملحداً: لم يكن هناك شيء شخصي حول هذا الله الذي كان غير منفصل 
عن بقية الوجود. فى الحقيقة استخدم سبينوزا كلمة الله لأسباب تاريخية فقط. لقد وافق 
الملحدون الذين يزعمون أن الحقيقة لايمكن تجزئتها إلى جزء هو الله وإلى جزء آخر ليس 
الله. فإذا لم يكن ممكناً فصل الله عن أي شيء آخر فمن ا محال القول أنه يوجد بأي معنى 
عادي. ما كان يقوله سبينوزا: لاوجود لإله مطابق بالمعنى الذي نلصقه عادة بتلك الكلمة» 
لكن الفلاسفة والمتصوفين كانوا يبدون النقطة نفسها طيلة قرون. قال بعضهم أن «لاشيء) 
منفصل عن العالم الذي نعرفه. ولولا غياب الإله المستتر المتعالي ؛28250 لكانت وحدة 
الوجود التي نادى بها سبينوزا ممائلة للقبالة» ويمكننا أن نرى صلة قرابة بين الصوفية 
(الرقيكالية وو لخاد الطا رمي تدا 


لقد كان الفيلسوف الألمانى موسى مندلسون «طوؤواء21620 210565 
(1714 - 1783) هو الذي فتح الطريق أمام اليهود كي يدخلوا أوروبا الحديثة» على 
الرغم من أنه لم يككن ينوي في البداية تشييد فلسفة يهودية تحديدا كان مهتماً بعلم النفس 
وعلم الجمال بالإضافة إلى اهتمامه بالدين. فأعماله الأولى (فيدون وساعات 
الصباح 5تامط عمتمده24 سه دملعقطم) كتيت ضمن ظرفية حركة التنوير الأكثر 
اتساعاً. لقد سعى هذان الكتابان إلى ترسيخ وجود الله على أرضية عقلانية ولم يتناولا 
المسألة من منظور يهودي. في بلدان مثل فرنسا وألمانيا جلبت أفكار التنوير التحررية الحرية 
والانعتاق ومكنت اليهود من دخول المجتمع. فلم يكن صعباً على اليهود المستنيرين قبول 
الفلسفة الدينية لعصر التنوير الآلماني. فاليهودية لم تعان من الهاجس المعتقدي الذي عانت 
ننه المسيسية الغربية ومعهداتها الأساسة كانت عملياً منسجمة مع الدين العقلاني لعصر 


517 


التنوير الذي كان مايزال يقبل في أمانيا فكرة المعجزات وتدخل الله في شؤون البشر. ففي 
كتابه (ساعات الصباح) كان إله ماندلسون الفلسفي مماثلاً جداً لإله الكتاب المقدس. كان 
إلها كحضا لاتجريداً ميتافيزيقياً. المواصفات البشرية مثل الحكمة والخير» والعدل» وحب 
اللطف والفكرء بالإمكان إطلاقها جميعاً على هذا الوجود الأسمى. 

لكن هذا يجعل إله مندلسون يشبهنا كثيراً. فكان دينه دين تنوير نموذجى: 

دافىء» عاطفي؛ وميال إلى تجاهل تناقض والتباس التجربة الدينية. كان مندلسون 
يرى أن حياة دون إله لامعنى لها لكن هذا لم يكن ديناً عاطفياً: كان مقتنعاً تماماً بمعرفة الله 
عن طريق العقل. فخيرية الله هي المشجب الذي يعلق عليه لاهوته. فلو كان على البشر 
الاعتماد على الإلهام وحده فإن هذا لن يكون منسجماً مع خيرية الله لأن أناساً كثيرين 
سيكونون مستثنيين من الخطة الإلهية. وهكذا فقد استغنت فلسفته عن غموض المهارات 
الفكرية التي كانت تتطلبها الفلسفة - والتي كانت ممكنة لأناس قلائل جداً - واعتمدت 
على الإدراك السليم الذي كان في متناول كل أمرىء. هناك خطر في هذه الطريقة, لأنه 


ع 


من السهل جداً أن تجعل إلها كهذا يلتزم بأهوائنا ويجعلها مطلقة. 

عندما نشر كتابه (فيدون) 1771 كان دفاعه الفلسفي عن خلود الروحي إيجابياًء 
ويلقى احياناً الدعم في الدوائر المسيحية أو غير اليهودية. كتب قس سويسري شاب يدعىٍ 
يوهان كاسبر لافويتر تعانإ00هآ تمق ممقطه1 أن مؤلف هذا الكتاب كان ناضجاً 
لاعتناق المسيحية وتحدى مندلسون أن يدافع عن يهوديته علانية. بعدئذ انشد نك لست 
ضد رغبته - إلى دفاع عقلاني عن اليهودية» مع أنه لم يكن مؤيداً لمعتقدات تراثية مثل 
الشعب الختار أو أرض الميعاد. لقد سار على خط رفيع: إنه لم يرد المضي إلى ماذهب إليه 
سبينوزاء ولاأن يجلب سخط المسيحيين على شعبه إذا ما تكلل دفاعه عن اليهودية 
بالنجاح. جادل ‏ كما جادل أنصار التأليهية - أن بالإمكان قبول الوحي إن اتضح أن 
حقائقه ممكن البرهنة عليها عقلياً. الاعتقاد بالثالوث لم ينطبق على مبدئه؛ فاليهودية لم تكن 
دين وحي بل هي شريعة ملهمة. لفهوم اليهودي لله كان بماثلاً أساساً للدين الطبيعي الذي 
كان يخص البشرية كلها وبالإمكان شرحه بالعقل المجرد. اعتمد مندلسون على البراهين 
الكوسمولوجية والأنطولرجية وجادل أن وظيفة الشريعة هي أن تساعدٍ هرشع كود 
عيرم صحيح عن الله وأن يتجنبوا عبادة الأصنام. وانتهى بالتماس من أجل التسامح. دين 
العقل الكوني يحت أن يقود إلى اعترام للطرق الأخرى في تناول ومقارية الله من ضمنها 
اليهودية ‏ التي اضطهدتها الكنائس الأوروبية :طيلة فرون. 

كان تأثير مندلسون على اليهود أقل بكثير من تأثير فلسفة عمانوئيل كانط الذي نشر 


تددن 


كتابه (نقد العقل المحض) 178١‏ في العقد الأخير عن ياه مبدلسونة لقد عدف عاط 
التنوير بأنه اخروج الإنسان من الوصاية التي فرضها على ذاته أو اعتماده على سلطة 
0-00 فالسبيل الوحيد إلى الله يقع عبر مملكة الوجدان الأخلاقية المستقلة التي 
أطلق عليها اسم «العقل العملي». لقد استبعد 0 الدين مثل السلطة المعتقدية 
للكنائس» الصلاة والطقوس التي كانت تمنع البشر البشر من الاعتماد على قدراتهم الذاتية) 
وتشجعهم على الاعتماد على الآخر. كندل يكن مسار ره الله ذاته. فقد جادل ‏ 
كما فعل الغزالي قبل قرون ‏ أن الجدالات الترائية من أجل إثبات وجود الله كانت عدية 
الجدوى لأن عقولنا باستطاعتها أن تفهم تفط الأشياة التي توجد في مكان وزمان ماء 
وعقولنا ليست كفؤاً كي تناقش حقائق تقع خارج هذا المجال. لكنه قبل أن البشرية لديها 
ميل طبيعي نحو تجاوز هذه الحدود وأن تسعى إلى مبدأ وحدة يعطينا رؤية للحقيقة ككل 
مترابط. كانت هذه فكرة الله. لم يكن ممكناً إثبات وجود الله منطقياً ولم يكن دحض 
ذلك ممكناً كذلك. كانت فكرة الله أساسية بالنسبة لنا: إنها تمثل الحد المثالي الذي مكننا 
من بلوغ فكرة شاملة للعالم. 

كان الله بالنسبة لكانط مجرد وسيلة ععمعزوء027ح قد يساء استخدامها. إن فكرة 
ع الع ري العلمي وتقود إلى اتكالية كسولة على إل 

خارج من آلد مستطاعةس عدنعل» إله عد الفجوات في معرفتنا. فقد يكون يفا ين 

لنزعة غموض غير ضرورية تؤدي إلى نزاعات حادة مثل تلك النزاعات التي بشت النوف 
في تاريخ الكنائس. كان كانط ينكر أنه كان ملحدأء ؛ ووصفه معاصروه كرجل ورع كان 
مدر كا تماماً لقدرة الإنسان على الشر. وهذا الإحساس جعل فكرة الله أساسية بالنسية له. 
فقد جادل في كتابه ( نقد العقل العملي): كي نعيش حياة أخلاقية يحتاج الناس إلى 
حاكم يكافىء على الفضيلة وهو سعيد. في هذا المنظور كان الله قائما على نظام أخلاقي 
كفكرة لاحقة. سرك الديخ لم يمه هرا لله “بل الأتسان تقبيه: لقد أصبح الله استراتيجية 
تمكننا من العمل بكفاءة وأخلاقية أكبر ولم يعد سبب الوجود كله. ل نعي :رقف طول 
حتى يأخذ البعض مثله الأعلى بالاستقلالية خطوة أبعد ويستغني عن هذا الله كله. في 
الغرب كان واحداً من الأوائل الذين شكوا بصحة البراهين الترائية موضحاً أنها في حقيقة 
الأمر لم تكن توضح شيئاً. وذ تظهر أبدا مشيعة كانية: . 

بدا هذا محرراً لبعض المسيحيين الذين آمنوا أن الله قد أغلق سبيلاً للإيمان كي يفتح 


سبيلاً آخر. كتب جون ويزلي 17/5169 مطامل 17١(‏ - 1741) في كتابه (عرض مبسط 


كنت: أحيانا ميالا إلى الاعتقاد أن حكمة الله قد سمحت في - معظم 
العصور اللاحقة ‏ للدليل الخارجي للمسيحية كي يكون معوقاً لهذه الغاية 
ذاتهاء بحيث لايستريح رجال الفكر هناك بل يسعون جاهدين إلى النظر 
داخل أنفسهم وأن يهتموا بالنور المشرق في قاربه.!”. 
تطور نوع جديد من التقوى جبباً إن جنب مع عقلانية التنوير» وتسمى غالباً «دين 
القلب» وعلى || ارغم من أنها كانت تتمركز في القلب أكثر من “الر اهو كان لها قواسم 
كثيرة مشتركة مع التأليهية «دوذء2 . كانت تحث الرجال والنساء على التخلى عن البراهين 
والمرجعيات واكتشاف الله الذي كان داخل القلب» وفي متناول كل شخص. مثلهم مثل 
الكثيرين من أنصار التأليهية 5 فإن تلاميذ الأخجرة الويزلية أو الألماني الورع الكونت 
نيك ولاس لودفيج فون تينندورف 116001 دولا رمآ كمامطع ا جكالا١ظ ‏ 
كانوا يشعرون أنهم ينفضون عنهم شوائب قرون ويعودون إلى المسيحية البسيطة 
الحقة التي عاشها المسيح والمسيحيون الأوائل. 
كان جون ويزلي مسيحياً متحمساً دائما. وأثناء وجوده في كلية لينكولن في 
أوكسفورد أسس مع أخيه تشارلز جمعية لمن هم في سنوات التخرج أسموها 
النادي المقدس 0116 81019. كانت تشدد على الطريقة والمعرفة ولذلك أصبح أعضاؤها 
يعرفون باسم «الطرائقيين». وفي عام ١770‏ أبحر جون وشارلز إلى مستعمرة جورجيا في 
أمريكا كمبشرين» لكن جون عاد ري بعد سنتين 00 فى مجلته: «ذهبت إلى أمريكا 
كى أنغتر الدين مك المنرد لكان آنه الذي مريدف 10كين أنناقالعلة تأترا لحرا كتير 
بصع المبشرين من المذهب المورافى :210720121 الذي تحاشى العقيدة كلها وأصر أن الدين 
كان مجرد شأن قلبي. وفي ب ا وا ديرن امسرية ول ا اجتماع مورافي في 
كشينة في شارع ألدرزغيت 16581 في لندن وأقنعته هذه التجربة بأنه تلقى ماله 
مباشرة من الله بالتبشير بهذا النوع من المسيحية في أرجاء انجلترا. ومن هذه الفترة فصاعداً 
ارتحل هو وتلامذته البلاد ميشرين في صفوف الطبقات العمالية والفلاحين في الأسواق 
والحقول. 
كانت تجربة الوجود (الولادة من جديد) حاسمة. وكانت «اضرورية بشكل مطلق» 
للتعرف على: «الله الذي يتنفس باستمرار على الروح الإنسانية» مالياً المسيحي (بيحب 
عرفاني مستمر للله) يشعر به بشكل واع» ويجعل من الضروري محبة كل طفل من أطفال 
الله بطيبة ورقة ومعاناة طويلة)*©. فالمعتقدات حول الله كان لاجدوى منها وقد تكون 
ضارة. التأثير الفيزيولوجي لكلمات المسيح على المؤمن كاد البرهان الأفضل على حقيقة 


ت ادن 


الدين. فكما فى البيوريتانية» كانت تجربة دينية عاطفية؛ البرهان الوحيد على الدين الحق 
وعلى الخلاص؛ لكن هذه النزعة الصوفية قد تكون خطرة إذا ماتيناها كل شخص. ققد 
أكد المتصوفون دائماً على مخاطر المسالك الروحية وحذروا من الهستيريا: السلام والهدوء 
هما دلائل الصوفية الحقة. هذه المسيحية المولودة ثانية قد تولد سلوكاً سعارياً» كما فى 
حالات النشوة عند الكواكر 5,ع1ةن© والشيكرز 5531815 . وقد تؤدي إلى اليأس ا 
كما حدث للشاعر وليم كوبر +عم0© :5 18:1!:5 )١8٠٠١ ١0/7١١‏ الذي جن عندما 
لم يعد يشعر أنه قد أنقذ. متخيلاً أن غياب هذا الإحساس كان دليلاً على أنه كان ملعوناً. 
فى دين القلب كانت المعتقدات حول الله تحول إلى حالات عاطفية داخلية. وهكذا 

فالكونت فون زيتندورف الذي كان راغياً لئّدة جماعات دينية كانت تعيش على أملاكه 
في ساكسونيا بزده<ة8 قال كما قال ويزلي ‏ «الدين ليس في الأفكار ولا في الرأس بل 
في القلب؛ نور يضيء في القلب)0 "© , بامنتطاعة الأكاديميين المضي في « الي حول سر 
الثالوث؛ لكن معنى المعتقد ليس علاقات الشخوص الثلاثة كل منها بالآخر بل «ما الذي 
تعنيه بالنسبة لنان2 "2 كان التجسيد يعبر عن سر ولادة فرد مسيحي من جديد, عندما 
أصبح المسيح «ملك القلب». هذا النوع من الروحانية احفزة ظهر في الكنيسة الكاثوليكية 
الرومانية في الولاء لقلب يسوع المقدس الذي أسس نفسه في وجه معارضة كبيرة من قبل 
اليسوعيين والكنيسة الذين كانت تساورهم شكوك حول عاطفتها الغثة. لقد بقي دين 
القلب هذا إلى يومنا الحاضر: فالكثير من الكنائس الكاثوليكية الرومانية تحوي تمثالاً للمسيح 
معرياً صدره كي يوضع قلباً كالبصلة محاطاً بهالة نارية. وكان هذا الشكل هو الذي ظهر 
فيه لمارغريت ماري ألاكوك 0+ 1/1353 أع نم11 )١159١ - ١11417‏ في ديرها 
في باري لوميئال في قرنسا 7/0181 2272016 يس هناك شيه بين هذا المسيح والشكل 
المكشوط © في الأناجيل. ففي تحيية إكتفاناً على ذاته يبين مخاطر التر كيز على 
القلب الذي يؤدي إلى استبعاد الرأمن: ففي عام ١7/5‏ تذكرت مارغريت ماري أن جوع 
ظهر لها في بداية ليست غمع.آ : 

«جسده كله مغطى بالجراح والكدمات. كان دمه الطاهر يتدفق عليه من 

كل جانب: قال بلهجة حزينة: ما من أحدٍ يشفق عليّ ويتعاطف معي 

ويشا ركني أحزاني» في هذه الحالة البائسة المدعاة للشفقة والتي أوصلني 

إليها الخاطئون» خاصة في هذا الوقت.© 


كانت مارغريت إمرأة عصابية اعترفت بكراهيتها حتى لفكرة الجبسء عانت من 


اضطرابات هضمية وتورطت في أعمال مازوشية كي تنبت حبها للقلب المقدس. فهي 
بذلك توضح كيف يمكن أن يكون دين القلب. فمسيحها لاشيء أكثر من تلبية أمنية, 
وقلبه المقدس يعوضها عن لحب الذي لم تعرفه أبدا: (أنت ستكون إلى ١‏ الأبد مريده 
اخبوب؛ رياضة لسروره وضحية رغباته) هذا ماقاله يسوع لها. 


(إنه سيكون المتعة الوحيدة لجميع رغباتك» إنه سيرثم ويعوض عن عيوبك» ويلبى 
جميع التزاماتك نيابه عدك)9 ©2. التركيز على يسوع الإنسان وحدهء هذه التقوى هى 
مجرد إسقاط يسجن المسيحي في أنانية عصابية. 

نحن الآن بعيدين عن عقلانية التنوير الباردة» مع ذلك كان هناك علاقة بين دين 
القلب في أفضل صوره والتأليهية «ونء©. كانط على سبيل المثال ترعرع في 
كونغسبورغ 8:نااوهنه10 على التقوى» والمذهب اللوثري الذي كان تيسينندروف له 
جذور فيه. فاقتراحات كانط من أجل دين ضمن حدود العقل المجرد مماثل إلى الإصرار 
التقوي على دين «موجود في بنية الروح)” 7 أكثر من وجوده في وحي مقددس في 
معتقدات الكنيسة السلطوية. فعندما أصبح معروفاً بوجهة نظره الراديكالية حيال الدين يقال 
أن كانط قد أكد ثانية لخادمه الورع بأنه فققط قد «دمر المعتقد كي يفسح المجال 
للإيمان)0 ©, 


كان جون ويزلي مسحوراً بالتنوير وكان متعاطفاً مع مُثُل الحرية بشكل خخاص. كان 
مهتماً بالعلم والتكنولوجياء مغرماً بالتجارب الكهربائية ويشارك التنوير في تفاؤله حول 
الطبيعة البشرية وإمكانية التقدم. والعلامة الأمريكي ألبيرت ث. أوتلار بعلاناه .© .غتوطالى 
يشير إلى أن دين القلب الجديد وعقلانية التنوير كانا ضد المؤسسة الكنسية لا يثقان 
بالسلطة الخارجية» وكلاهما انتشر وسط الحداثيين في مواجهة القدامى؛ وكلاهما كانا 
يشتركان في كراهيتهما لللاإنسانية والحماسة تجاه حب الناس. عدر أن تقوى راديكالية قد 
مهدت الطريق بالفعل أمام مُكل التنوير كي تضرب جذورها وسط اليهود والمسيحيين أيضاً. 
هناك تشابه كبير فى بعض هذه الحركات المتطرفة. كثير من هذه الطوائف بدا أنه 
يستجيب للتغيرات الهائلة فى تلك الفترة عن طريق خرق محرمات دينية» بدا بعضهم 
مجدفين» وكان آخرون مي مع روفين» بينما كان الآخرون قادة زعموا أنهم تبجسيدات 
لل معظم هذه المذاهب كان مسيحياً خلاصياً في لهجته وأعلنت الوصول الوشيك لعالم 
جديد كلية. 


حدث اندلاع لحماسة رؤية ونام واهءهم4 في انجلترا في عهد الحكومة البيوريتانية 


لذن 


التي كان يترأسها أوليفر كرومويل 0861© 01176 » خاصة بعد إعدام الملك 
شارل الأول في عام ١745‏ .وجدت السلطات البيوريتانية ضبط الحماس الديني 
ا امسا فقن ابن :134 اقباس إل الميكن. .ووسطظة القامن الغاديين واعتقد كرون 
منهم أن يوم الله قد حان. سيسكب الله روحه على شعبه كله كما وعد في الإنجيل 
ويؤسس مملكته في النجلترا تحديداً. ويبدو أن كرومويل كانت لديه آمال ممائلة لآمال 
البيوريتانيين الذين استقروا في نيوانجلند خلال ١5٠١‏ . ففي عام ١51494‏ كان جيرارد 
وينستائلي قد أسنين تجمعه 5,معع1(1 بالقَرب من كوبهام :0002 في صري ل1158نا5 » 
مصمماً على إعادة الجنس البشري إلى حالته الأولى عندما هبط آدم من جنة عدن: كانت 
الملكية الخاصة,» وكذلك الفارق الطبقي» وسلطة البشر ستذوي في هذا المجتمع 
الجديد. أكد (الاصحاب الاوائل 5 ©1176) جورج فوكس 180 060186 وجيمس 
نيلر 7/10 وتلامذتهما في وعظهم أن بإمكان الرجال والناس التوجه إلى الله مباشرة. 
كان هناك نور داخلي داخل كل فردء وبعد اكتشافه ورعايته بإمكان كل فرد أن يبلغ 
الخلاص هنا على الأرض بغض النظر عن الطبقة أو المركز. نادى فوكس شخصياً بالسلمية) 
نبذ العنف» ودعا إلى مساواة جذرية في مجتمع الاصدقاء الذي دعا إليه. طفا الامل 
والحرية والمساواة والاخوة على السطح في انجلترا قبل نحو ١5٠‏ عاما من نهوض 
الباريسيين لتحطيم الباستيل. 
كان لمعظم هذه النماذج المتطرفة لهذه الروح الدينية الجديدة» قواسم كثيرة مع 
هراطقة العصور الوسطى الذين عرفوا باسم أخوة الروح الحرة عتعزم؟ عوم عط 4ه مععطاعم8 . 
فكما يشرح المؤرخ البريطاني نورمان كوهن همه 5دممه< في كتابه (بحث الذكرى 
الألفية: ثورة الآلاف وفوضى القرون الوسطى) لقد اتهمها أعداؤها الموحدون فلم يترددوا 
بالقول: «أن الله هو في كل موجود»ء «الله ل ا ا 
الإنسان؛ مثل وجوده في تحبز القربان المقدس». «كل شيء مخلوق مقدس) ©2. كان هذا 
رم مكررا لوجهة نظر أفلوطين. الجوهر الأبدي لجميع الأشياء التي فاضت من الواحد 
كانت مقدسة. كل شيء وجد كان تواقاً إلى العودة إلى مصدره الإلهي» وفي النهاية 
سوف يعاد امتصاصه إلى داخل الله: حتى شخوص الثالوث سوف يتلاشون في الوحدة 
البدئية. كان يتم بلوغ الخلاص من خلال معرفة الفرد لطبيعته الإلهية هنا على الأرض. لقد 
تم العثور على كتيب لاجد الأخرة في صومعة ناسك قرب نهر الراين جاء فيها «الجوهر 
الإلهي هو جوهريء وجوهري هو جوهر الإله.) وأكد هذا الأخ مراراً وأن كل مخلوق 
عاقل مبارك في طبيعته)9 ©. لم يكن معتقداً فلسفياً بقدر ماكان توقاً عاطفياً لتجاوز 


518 


الحدود البشرية. وكما قال أسقف متراسورع أن لحي «يقولون أنهم الله ق طبيعتهم 
دون أي فارق بينهما.إنهم يعتقدون أن كل أشكال الكمال الإلهي موجودة فيهم؛ وأنهم 
حالدون وفي السرمدية)9 "© 


يجادل كوهن أن الطوائف المسيحية المتطرفة في انجلترا أيام كرومويل مثل الكواكرز 
والليفلرسيين 1.60611625 والرانترز 2281655 » يجادل في أنها كانت إحياء لهرطقة الروح 
الحرة ؛ترزم؟ عممط التي سادت في القرن الرابع عشر. بالطبع لم تكن إحياء واعياء لكن 
هؤلاء المتحمسين في القرن السابع عشر توصلوا بشكل مستقل إلى رؤية وحدانية الوجودء 
يصعب ألا نراها نسخة شائعة عن وحدة الوجود الفلسفية التي شرحها باستفاضة سبينوزا 
بعد وقت وجيز. من المحتمل أن وينستائلي (13م)77/105 لم يكن يؤمن بإله متعالٍ على 
الإطلاق مع أنه مثل الراديكاليين الآخرين ‏ كان متردداً في صياغة إيمانه في كلمات 
مفهومة. مامن طائفة من هذه الطوائف الثورية كانت تعتقد فعلاً أنها مدينة فى خلاصها 
إلى الققوانا "الاي فدطة وغ الكازياتي فاللنم الاق كان ذو أحية لهم كا هرا 
منتشراً عبر أفراد اجماعة الذين لا يمكن تمييزهم عن الروح القدس. كانت هذه الطوائف 
ديفا متفقة عن أذ النبوءة كانت السبيل الأساسي للاقتراب من الله وأن الإلهام المباشر 
من الروح 16ام5 كان أعلى من تعاليم الأديان المعروفة. لقىّ فوكس أنصاره الكواكرز أن 
يتأملوا الله فى صمت يذكر بالسكون اليونانى أو عبر النفى السلبي الذي تبناه فلاسفة 
العصور الوسطى. الفكرة القديمة لإله تثليثى قد تحللت. هذا الحضور الإلهى المتأصل لايمكن 
تقسيمه في 5 ثلاثة. سمته الوحدائية تنعكس فى وحدة سواه الجماعات 
المختلفة. كان بعض الرانترز يعتقدون أنفسهم إلهيين» كلما اعتقد الأخوة مععطاء8. 
اعتقد بعضهم أن المسيح هو تحسيد جديد للَّه. وكونهم حسبوا أنفسهم المسيح المنتظر فقد 
بشروا بمعتقد ثوري ونظام عالمي جديد. ففي كراسه اللاهوتي (كاتالوج واكتشاف أخطاء 
كثيرة» وهرطقات» و تجديف» وممارسات مهلكة لطوائف هذه الفترة )١115٠‏ لخص توماس 
إداوارهز 202:05 وقصوط7 معتقدات الرانترز 5معامة1: 

كل مخلوق في حالة الخلق الأولى كان اللهء وكل مخلوق هو الله وكل 

مخلوق له حياة وتَمّس هو دفق من الله وسوف يرجع إلى الله ثانية 

يمتصه كما تضيع قطرة فى ا . فالإنسان المعمد بالروح القدس 

0 الله جميع الأشياء التي غايتها سر 

عميق... فإن يعرف الإنسان بواسطة الروح نفسه ليكون في حالة نعمة 


514 


إلهية على الرغم من أنه ارتكب جرعة قتل» وكان يسكر فإن الله لايرى 
فيه ذنياً... فكل ماعلى الأرض هو ملك القديسين» وينبغي أن توجد 
السادة وأمثالهه0*". 


انهم الرانترز ورعةهة2 بالإلحاد ‏ مثلما اتهم سبينوزا - فقد انتهكوا عمداً المحرمات 
المسيحية فى مذهبهم المتحرر وزعموا مجدفين أن مامن فارق بين الله والإنسان. لم يكن 
كل امرىء قادراً على التجريد العلمي الذي صاغه كانط أو سبينوزاء لكن في تمجيد الذات 
الذي نادى به ورغصةج2 أو الإنرلايت غطاعة] تعصم] أو ال 25ع1ةن00 من الممكن أن نرى 
إلهاماً كان ممائلاً للإلهام الذي عبر عنه الثوريون الفرنسيون بعد قرن لاحق عندما نصبوا 
آلهة العقل في البانثيون. 


زعم الكثيرون من الرانترز أنهم المسيح المنتظرء وأنهم تجسيد اللهء عليهم إقامة 
ملكوت جديد. فالروايات التي بين أيدينا عن حياتهم توحي باضطرابات عقلية في بعض 
الحالات» لكن يبدو أنهم كانوا مايزالون يجذبون إليهم أتباعاًء لأنهم كانوا يخاطبون حاجة 
روحية واجتماعية في انجلترا عصرهم. وهكذا فإن وليم فرانكلين «ناادرط دصدنا7:1 الذي 
كاقدرني أسرة مخترم ضيح مريضاً عقلياً في عام ١747‏ بعد أن عصف وباء بأسرته. وقد 
دب الرعب في قلوب المسيحيين عندما أعلن نفسه أنه الله والمسيح لكنه تاب وتوسل طالباً 
الغفران لاحقاً. بدا أنه مسيطر تماماً على قدراته لكنه استمر في ترك زوجته وبدأ ينام مع 
نسوة أغعريات» وكان يعن حياة تسل سينة السيعة إشدق هذه التسناء كانك هاوق 
غادبري 02069 برمة3 بدأت ترى رؤى وتسمع أصواتء وتتنبأ بنظام اجتماعي جديد 
يلغي كافة الفوارق الطبقية. وعائقت فرانكلين على أنه ربها ومسيحها. يبدو أنهما قد 
جديا" عددا “من اللامية وليف » الكن كن عاد هوه ألفى «الفضن ليما وجلناء 
وسُجنا في برايدول 800661 وفي الوقت نفسه كان من آخر يدعى جون 
روبيدر 1 1 صطو1 يُمَجل كاإله: لقد زعم أنه الله الاب واعتقد أن زوجته ستلد في 
مدة وجيزة مُُخَلص العالم. 

يذكر بعض المؤرخين أن رجالاً مثل فرانكلين و روبنز كانا من الرانترز دعام لأننا 
لاتعرف يناعن تقاطاتيها إلا ين أعذاكيناء ورعا كوس مصتداتها لأنات 
لاهوتية جدلية. لكن بعض النصوص التى كتبها أفراد من الرانترز مثل جاكوب 
باوثوملي :زاتسسطادد8 6معول وريتشارد كوبين صزممه0© ل2وطء21 ولورانس 
كلا ركسون منتوعتلاج.] تبين نفس التعقيد من الأفكار : لقد بشر هؤلاء 


رين 


بمذهب اجتماعي ثوري. يتحدث باوثو ملي في كتابه ( الجوانب المضيئة والمظلمة في الله) 
عن الله بكلمات تذكر بالاعتقاد الصوفي بأن الله كان العين» والأذن واليده 
للإنسان الذي بابحا إليه: «ياإلهي ماذا اقول عن ماهيتك؟ لا إن أثق اش أ راك» فإن 
قولي هذا لاشيء سوى رؤيتك لذاتك» ؛ لأن ليس في شيء قادر على رؤيتك بل ذاتك: إن 
أقل أنني أعرفك» فهذا ليس سوى معرفتك لذاتك)7 ". يرفض باوثوملي ‏ مثلما رفض 
العقلانيون - الثالوث. وكمتصوف يوصف اعتقاده بألوهة المسيح بالقول أنه بينما كان هو 
إلهيا فإن الله لايمكن أن يتجلى في | إنسان واحد فقط: (إنه في الحقيقة يسكن في لحم أناس 
ومتخلوقات أحري مثلما استقر في المسيج الإنسان)”” *2. عبادة إله محلي متميز هو شكل 
الوتية» الما ليست مكاناً بل لظيو ا ويا للمسيح. المفهوم التوارتي لله غير كافف: 
«الذنب ليس عملا بل شرطاًء هبوط لاتدركه طبيعتنا الإلهية. وبشكل غامض كان الله 
موجوداً في الذنب الذي أطلقه عليه الجانب المظلم لله. مجرد انعدام للنور.)(7؟» شجب 
أعداؤه موقفه هذا على أنه | إلحاد. لكن كتابه هذا لم يكن في روحه بعيداً عن فوكس» 
ويزلي» وسيزنسبورغ مع أنه يصوغ اعتقاده فيه بشكل أكثر فجاجة على شاكلة أنصار 
التقوى كاكناعام ّ والطرائقيين. كان يحاول الغوص إلى داخحل الله الذي اصيخ بعيدا 
وموضوعيا بشكل لاإنسانى» وأن يحول المعتقد الترائى إلى تجربة دينية. رفض أيضاً السلطة» 
وكاق ذا نظارة إنسائية عتفائلة اساسا لكك وها 2 فلاسفة الأنوار ومع الذين تبنوا دين 
القلب. 

كان باوثمولي يغازل معتقد قداسة الذنب المدمر والمثير جداً. فإذا كان الله كل شيء 
فإن الذنب لاشيء ‏ تأكيد حاول الرانترز من امثال لورانس كلاركسون» وألاستير 
كوب وموه© 0000-1 ا إيضاحه عن طريق انتهاك العرف الجدسي السائد جهاراً أو 
عن طريق الشتم والتجديف علانية أمام الناس. كان كوب معروفاً بسكره وبالتدخين. فما 
إن أصبح أحد أفراد الرانترز حتى انغمس باللعن والشتائم التي كانت مكبوتة داخله. نسمع 
عنه أنه استمر باللعن طيلة ساعة في منبر الوعظ فى إحدى كنائس لندن» وشائماً ساقية في 
إحدى الخادات سكل كيت ادر المايقيك: ع سل ساعن البمن: ربما كان هذا 
رد فعل على الأخلاق البيوريتانية الكبتية من خلال تركيزها غير السليم على خخطيئة البشر. 
أصر فوكرو أتباعه من الكواكرز أن لامهرب من الذنب» لكنه بالتأكيد لم يشجع أصدقاءه 
على الخطيئة» وكان يكره شهوانية الرانترز» لكنه كان يحاول التبشير بأنثربولوجيا أكثر 
تفازلاٌ وأن د يعيد التوازن. في تابه (عين واحدة عق عاعدزوة) جادل لورانس كلا ركسون 
بما أن الله قد 85 جميع الأشياء جيدة» فالخطيئة وحدها بقيت في خيال الناس. فالله 


5١ 


نفسه قال فى الإنجيل أنه سوف يجعل الظلمة نوراً. لقد وجد الموحدون دائماً صعوبة فى 
إنجاد ,حل لحقيقة الذتيي مع أن التصوفين تجاولوا اكتساف .رؤية أكتن قدسية.. جوليان 
النرويشية اعتقدت أن الذنب كان متوجباً (8680619) وضرورياً بشكل ما. واقترح 
القباليون أن الذنب له جذور بطريقة غامضة في الله. والمتحررون المتطرفون من الرانترز مثل 
كوب وكلا ركسون يمكن اعتبارهما محاولة جاهزة فظة للتخلي عن مسيحية مُضطهدة 
أدخلت الرعب إلى المؤمنين باعتقادها بإله غاضب منتقم. العقلانيون والمسيحيون 
المستنيرون كانوا أيضاً يحاولون رمي أصفاد الدين الذي قدّم الله في شخصية سلطة قاسية» 
وأن يكتشفوا إلهاً أكثر وداعة. - 

لول الزرسون الاجساعيون أن" يعي الغريية اقريدة :بين الأدواة العا ليذ سيك 
تبدلاتها العنيفة من قمع وتساهل. وأشاروا أيضأ أن جوانب القمع تتزامن عادة مع الإحياء 
الديني. فالمناخ الأخلاقي المتراخي في عصر التنوير سوف يعقبه القمع في عدة أجزاء من 
الغرب في الفترة الفكتورية التي رافقها تعاظم في نزعة أصولية دينية» في أيامنا هذه. 

لقد شهدنا مجتمع التساهل في سنوات الستينات ١57٠0‏ مفسحاً المجال إلى أخلاق 
متزمتة في فترة الثمانينات ١9.0‏ . تزامنت أيضاً مع نمو نزعة أصولية مسيحية في الغرب. 
فهذه ظاهرة معقدة يصعب حصر أسبابها في سبب واحد. وتغري أيضأ بربطها بفكرة الله 
ان وندلدها العربيون فكرة إشكالية «تغلماء اهرك دوالتضرفون الصو الوشظ اجا 
كانوا يدعوة إلى إله مسب لك الأقداز الرقة على أبواني الكاتدرائيات الف ضور أشكال 
تعذيب من حلت عليهم اللعنة كانت تخبر قصة أخرى. كان الاين بالله-يتسيع 
بالظلامية والصراع في الغرب كما سبق أن رأينا. فأنصار الرانترز من أمثال كلا ركسون 
وكوب كانوا ينتهكون المحرمات السع ويعلنون قداسة الخنطيئة في الوقت الذي كان فيه 
أوار السحر يستعر في بلدان مختلفة في اننا 


المسيحيون الراديكاليون في انجلترا كرومويل كانوا أيضاً يتمردون على إله ودين كان 
مثيراً 00 المسيحية التي ولدت من جديد والتي بدأت بالفلهور فى الغرب خلال 
القرنين السابع عشر والنائن عش كانت غير سليمة والسنفيت بالقعالات ودكرميات عنيفة 
وأحياناً خطرة. ونستطيع رؤية ذلك في موجة الحماس الديني الذي يُعرف باسم الصحوة 
الكبرى ومءاة/18 6و0 التي اجتاحت نيوائجلند خلال الثلاثينات ١١.‏ . استمدت 
هذه الموجة إلهامها من الوعظ الإنجيلي لجورج وايتفليد 78166610 معدمعق أحد أنصار 
وزميل للأخوين ويزلي» ومواعظ نار الجحيم التي كان ته خريج جامعة يال ء1هلا المدعو 


51 


جوناثان ادوارد 8072505 صقط:1022 .)١758 - ١7١7(‏ يصف ادوارد هذه الصحوة 
في مقالته: «عرض صادق لعمل الله المدهش في نورثامبتون وكونتاكي.» . يصف رعايا 
أرشية ألا لاشو غير بعادي يهم كانوا عادتين متسترين» .ودين ولك متقضيهم 
الحماس الديني. لم يكونوا أفضل أو أسوأ من الرجال والنساء في أي من المستعمرات 
الأخرى. لكن في عام مات شابان ميتة مفاجئة وهذا الوك وغوريه عق ماييدو ‏ 
كلمات مخيفة ألقاها إدوارد نفسه ‏ رمى المدينة في سعار حماس ديني. فلم يعد سكان 
لبلدة يتكلمون في شيء سوى الدين؛ توقفوا عن أعمالهم؛ وأمضوا اليوم كله يقرؤون 
الإنجيل. في غضون ستة أشهر تمت ولادات جديدة لنحو ثلاثمئة فرد من جميع طبقات 
امجتمع: أحياناً كان يصل عددهم الى خمسة مؤمنين أسبوعياً. رأى ادوارد هذا 
السعار على أنه عمل مباشر من الله نفسه: لقد كان يقصد هذا حرفياً إلى حدٌّ ماء ولم 
يكن مجرد اسلوب تعبيري في النص 22162 معل «ممة2 . وكما قال عرازا: «بدا الله 
خارجاً عن طريقته المعتادة) فى السلوك فى نيوانجلئد وكان يحرك الناس بطريقة عجيبة 
وإعجازية» ينبغي القول أن الروح القدس يظهر نفسه أحياناً في عوارض تبدو هستيرية. 
ويخبرنا إدوارد أنهم كانوا «محطمين» من الله و«غائصين في لجة تحت إحساس بالذنب 
لدرجة أنهم كانوا مقتنعين أن هذا الذي لامحره برسكية اللنة يتلو ذلك ابتهاج مفرط 
عندما كانوا يشعرون أنهم أنقذوا بشكل مفاجىء. كانوا ينفلتون في «نوبات الضحك» 
وتنهمر دموعهم كسيلء؛ وأحياناً ييكون بصوت عال. وأحياناً لم يستطيعوا إلا أن يجهشوا 
بالبكاء معبرين عن إعجابهم الشديد)”"؟©. فنحن هنا بعيدون جداً عن التحكم الهادىء 
الذي اعتقد المنصوفون في جميع الأديان الرئيسية أنه السمة المميزة للاستنارة الحقة. 
استمر هذا التحول الانفعالي الشديد في كونه سمة مميزة للصحوة ة الدينية في أمريكا. 
كانت ولادة جديدة ترافقها تشنجات عنيفة من الألم والإجهاد» نسخة جديدة للمبراع 
الغربي مع الله. امتدت هذه الصحوة كمرض معد إلى بلدات وقرى مجاورة لدرجة أن 
بويورك بعد قرنٍ تالٍ أصبحت تدعى مقاطعة يجتاحها الحريق لأن نيران الحماس الديني 
نك كلسفهاء ووه [دوار أن اتباعه كانوا يشغرون أن العالم كان ممتعاً. لم يكن بوسعهم 
مفارقة أناجيلهم وكانوا بسيوة عع أن با كلو ابيع الشتفرنا أذ انفعالاتهم قد خمدت. 
وبعد سنتين لاحقتين أشار إدوارد إلى أله ندا عند شكلة مفقولا وأن ردح الله كان 
سي داريا منا.) ومن جديد نجده لايتكلم مجازياً: كان إدوارد حِرَفِياً غربياً صادقاً 
في. المسائل الدينية. كان مقتنعاً أن الصحوة كانت تملياً مباشراً لله في وسطهم: القدرة 
الملموسة للروح القدس نيبا كانيك الأول مرة في عيد الحصاد عند اليهود 095]6ع260]6. 


0 


عندما انسحب الله بشكل مفاجىء كما جاء وأخذ مكانه الشيطان بشكل حرفي أيضاً. 
كان يتلو هذا الإفراط يأس انتحاري. فقد قتل مسكين نفسه بقطع بلعومه و «بعد أن ضغط 
على الحشود في هذه المدينة ومدن أخرى على القيام بما قام به هذا المسكين» شعر الكثيرون 
وكأن شخصاً ماكان يتحدث إليهم «اقطعوا بلعومكم, الآن مناسبة جيدة. الآن». جن اثنان 
«بأوهام غريبة)0؟2. ولم يحدث مزيد من التحول إلى هذه الطائفة» والناس الذين نجوا من 
هذه التجربة أصبحوا أكثر هدوءاً وابتهاجاً أكثر ما كانوا قبل الصحوة: أو هذا ماأراد إدوارد 
أن نعتقده. إله جونثان إدوارد ومريدوه الذي أظهر نفسه فى حالة شذوذ ومحنة كهذه كان 
بكل جلاء إلهاً عشوائياً فى تصرفاته حيال 5500 الانفعالية العنيفة والتحول 
امجنون واليأس العميق 0 أن الكثير من الناس السيئي الحظ في أمريكا وجدوا صعوبة 
في احافظة على اترانهم في التعامل مع الله. ويوضح كذلك قناعة بأننا نجد أيضاً في دين 
نيوتن العلمي أن الله مسؤول مباشر عن كل شيء يحدث في العالم مهما كان شاذا. 
من الصعب ربط هذه النزعة الدينية اللاعقّلانية والحماسية بالهدوء المعروف لدى 
الاباء المؤوسسين 72]6655 801120108. كان لإدوارد خصوم كثيرون ينتقدون الصحوة 
بشدة. فالله يعبر عن ذاته عقلانيا فقط ‏ كما نادى الليبراليون ‏ لافى ثورانات عنيفة فى 
سؤون بشرية. يجادل آلَنْ هيمارت :1121021 2د1[له فى كتابه (الذين والعقل الأمريش: 
من الصحوة الكبرى حتى الثورة) أن الولادة الجديدة الصحوة كانت نسخة إنجيلية 0 
المثل الأعلى للاستنارة سعياً وراء السعادة: كانت تمثل «تحرراً وجودياً من العالم الذي فيه 
ايوقظ كل شيء خوف قوي)0* 24. حدئت اليقظة في المستعمرات الأكثر فقرأ حيث كان 
لدى الناس أمل أقل بالسعادة في هذا العالم» على الرغم من آمال بالاستنارة المعقدة. جادل 
إدوارد أنَّ تجربة تولد من جديد نتج عنها إحساس بالبهجة» وحس بالجمال كان مختلفاً 
تماما عن أي إحساس طبيعي آخر. في الصحوة ‏ لذلك ‏ جعلت تجربة الله استنارة العالم 
الجديد متوفرة بين أيدي أكثر من حفنة من الناجحين فى المستعمرات. يجب أن 
نتذكر أيضاً أن التنوير الفلسفي كا ايها شتورنا حر :كيه و اننا 
تنوير 601011155612611 وتنوير 1111311128لى كانتا ذات مضامين دينية نيد ل جوناثان 
إدوارد ساهم أيضاً في الحماس الثوري عام :١705‏ في عيون الرجال 
النهضويين 1155 فقدت بريطانيا النور الجديد الذي سطع وهاجا خلال الثورة 
البيوريتانية» والآن بدا متراجعاً وانكفائياً. فإدوارد وزملاؤه هم الذين قادوا الأمريكيين 
من الطبقات الدنيا إلى القيام بالخطوات الأولى نحو الثورة. كانت المسيحية 
المنتظرة «7ؤذه512وعدم أساسية في دين إدوارد: الجهد البشري يعجل فى مجىء ملكوت الله 


ردن 


كان ممكناً إحرازه وأمراً ملازماً في العالم الجديد. الصحوة نفسها (على الرغم من نهايتها 
اللأساوية) جعلت الناس يعتقدون أن عملية الخلاص الموصوفة في الإنجيل قد بدأت من قبل. 
كان الله ملتزماً بقوة بهذ ذا المشروع. أعطى إدوارد معتقد الثالوث تفسيراً سياسياً. كان الابن 
«الإله الذي نحم عن فهم الله) وهكذا فإن كتابة نيوكمن ويلث بالحبر الأزرق» الروح «الإله 
المستمر في الفعل) كان الغوة التي ستنجز هذه الخطة في الوقت المناسب)( 0 ٠‏ في عالم 
أمريكا الجديد كان الله قادراً على تأمل آيات كماله على ارط . وسيعبر المجدمع عن آيات 
كمال الله ذاته. ستغدو ئيوانجلند «مدينة على التل») نور أ شرق على ين الملسحيين «يسطع 
بتأمل عظمة يهوه وقد أشرق عليهاء وستكون جذابة وفاتنة 0 ولذلك فإن إله 
جونثان إدوارد سيكون متجسداً في الكومنويلث: والمسيح مجسداً في مجتمع فاضل. 
كان كلفانيون آخرون في عربة التقدم: أدخلوا الكيمياء إلى المناهج التقليدية في 
أمريكا ورأى تيموثي دوايت 6طعذ:»<1 نوط)وص:ة1 الحفيد الأكبر لتيموثي أن المعرفة العلمية 
هي مقدمة لكمال البشرية النهائي . لم يكن إلههم يعني بالضرورة النزعة نحو الغموض كما 
تخيل الليبراليون الأمر أحياناً. كان الكالفانيون يكرهون كوسمولوجيا نيوتن التي لم نترك 
لله إلا الشيء القليل ليفعله بعد أن وضع الأشياء في حالة العمل. فكما رأينا كانوا يفضلون 
إلها فعالاً في العالم حقاً: اعتقادهم بالقدر المسبق كان يبين أن الله من وجهة نظرهم كان 
مسؤولاً فعلاً عن كل شيء يحدث على الأرض سواء باتجاه الخير أو الشر. كان هذا يعني 
أن العلم كان باستطاعته الكشف عن الله الذي بالإمكان رؤيته في جميع فعاليات 
مخلوقاته التي كانت تبدو محظوظة. في بعض النواحي عارض الكالفانيون نزعتهم 
التجديدية وفضلوا الإيمان البسيط «على المفاهيم التأملية امحيرة» التي كانت تضايقهم في 
خطب دعاة الإحياء لديهم مثل وايتفيلد وإدوارد. يجادل آلن هيمارت أن أصول النزعة 
المعادية للفكر في المجتمع الأمريكي قد لاتكمن فى الكالفانيين والإنجيليين لكن في 
البرسطيئيين 11225ده]5ه80 الأكثر عقلانية مثل 0 وني لاع تتقطك كعامقطة 1 
صموئيل كونيسي لعمنت© أعدمجدك الذين كانوا يفضلون أفكاراً عن الله كانت تأكثر 
نشاطة و0 
حدئت تطورات ممائلة بارزة داخل اليهودية التي ستُّمهد الطريق أمام انتشار 
المثل العقلانية بين اليهود وستمكن الكثيرين من الانسجام مع السكان غير اليهود 
في أورويا. ففي سنة الرؤيا عنام رلهههمج سنة ١5757‏ أعلن مسيح يهودي أن الخلاص 
كان في متناول اليد وأن اليهود كانوا يتقبلونه بنشوة في أنحاء العالم. لقد ولد شابتاي 
زيفي 91و26 زهاءط 552 في الذكرى السئوية لتدمير الهيكل عام ١575‏ في أسرة ثرية من 


5 


السفرديم في 5711102 في أسيا الصغرى. وأثناء نشأته طور ملا ريد بما يشخص اليوم 
كابة د عقه ندالة الممسوين:* كانت ريه الات راس عسيى عندها كان وسحية عق 
أسرته ويعيش في عزلة. كان يتلو هذه الحالة بهجة لغ حدود النشوة. خلال فترة امسر 
هذه ينتهك عمداً شريعة موسى: يأكل طعاماً محرماً أمام الناس» يلفظ اسم الله المقدس؛ 
وزعم أن 6 كان يأمره القيام بذلك. اعتقد أنه كان المسيح المنتظر. وفي نهاية الأمر لم 
يستطع الأحبار احتماله أكثر من ذلك فطردوه من المدينة عام ١555‏ . أذ يتجول بين 
التجمعات اليهودية فى أرجاء الإمبراطورية العثمانية. وخلال نوبة مس أعلن فى استانبول 
أن التوراة قد ألغى مانا بصوت عالٍ «مبارك أننتء أيها الرب إلهناء الذي تحلل 
ارات :4 وقك سبيت مضبيحة .قل القاهرة برواجه من :إمرأة هربك من مذيحة تل منظعة 
ىق بولندا عام ١514‏ وأصبحت عاهرة في القاهرة. وفي عام ١557‏ انطلق شبتاي إلى 
أورشليم» » كان في حالة كآبة واعتقد أنه ممسوس بالشياطين. في فلسطين حَبرَ أن حبراً شاباً 
يدعى ناتان م0)ة2 كان بارعاً في طرد الأرواح الشريرة فانطلق في أثره إلى غزة. 
كان ناتان قد درس قبالة اسحق لورياء كما درسها شبتاي. وعندما قابل شبتاي 
أخبره أنه لم يكن ممسوساً: فيأسه القاتم اتضح أنه كان فعلاً المسيح المنتظر. عندما نزل إلى 
هذه الاعماق كان يحارب ضد قوى الشر في الجانب الآخرء مطلقا الشرارات الإلهية في 
مملكة كيليبوث التي لايخلصها سوى المسيح المنتظر شخصيا. تلقى شبتاي أمراً بالنزول إلى 
الجبحيم قبل أن ينجز حلاص إسرائيل النهائي. لم يقتنع في البداية لكن فصاحة ناتان أقنعته 
في النهاية. ففي 9١‏ أيار من عام ١578‏ استولت عليه نوبة مس وبتشجيع من ناتان أعلن 
مهمته كمسيح منتظر. استبعد الأحبار البارزون كل مزاعمه على أنها هراء لكن يهوداً 
كثيرين في فلسطين تقاطروا إلى شبتاي» اختار من بينهم ائبي عشر تلميذاً كي يكونوا 
قضاة إسرائيل التي سيلتعم شملها قريبا. أعلن ناتان الأنباء السارة إلى التجمعات اليهودية 
في رسائل إلى إيطاليا وهولندا والمانيا وبولندا بالإضافة إلى حواضر الإمبراطورية العثمانية 
فانتشر الحماس المسيحي عتهوزووء]5 مثل نار الهشيم عبر العالم اليهودي. فذرون 
الاضطهاد والنبذ قد عزلت يهود أوروبا عن التيار الرئيسي وحالة شؤونهم غير الصحية قد 
هيأت الكثيرين للاعتقاد بأن مستقبل العالم كان يعدمد على اليهود وحدهم. . فالسيفارديم - 
أحفاد اليهود المنفيين في إسبانيا ‏ قد اعتنقوا قبالة لوريا في قلويهم وقد توصل الكثيرون إلى 
الاعتقاد بالنهاية المحنومة (يوم القيامة) ووه12 04 4م . كل هذه العرامل ساعدت شبتاي 
زيفي. ففي التاريخ اليهودي كان هناك العديد ممن زعموا أنهم المسيح المنتظر لككن لم يحظ 
أي منهم بهذا الدعم الجماهيري. واصبح موقف اليهود المتحفظين على إدعاء شبتاي خطيراً 


ادن 


إذا ماأعلنوا موقفهم. كان انعا ينتمون إلى جميع طبقات امجتمع اليهودي: الأغنياء 
والفقراء» المتعلمين والأميية! كتيبات وصحف نشرت الأخد السارة باللغة الإنحليزية 
والهولندية والألمانية والإيطالية وسارت مواكب في بولندا وليتوانيا تكرياً له. وفي 
الإبراطورية :التقماية حول النتهون عير"الشوارع يصفرن روت تاهدوها وشيكاي جالهاً 
على عرض توقفت جميع الأعمال؛ وأسقط يهود تركيا اسم السلطان من صلاة السبت 
تشازماء ووطعو اسم شبتاي بدلاً منه. وعندما وصل شبتاي احيرا إلى استانبول في كانون 
الثاني عام ١555‏ ألقي القبض عليه كمتمرد وسجن في ناومناالة© . 


كان هناك أمل بعد قرون من الاضطهاد والنفي والذل. فقد شعر اليهود ذ في أرجاء 
العالم بحرية داخلية وتحرر بدا ممائالة للنشوة التي كان يحسها القباليون للحظات قلائل 
عندما كانوا يتأملون في عالم السفروت 5655068 الغامض. فتجربة الخلاص هذه لم تعد 
امتيازات لقلة قليلة بل غدت ملكية عامة. لأول مرة شعر اليهود أن حياتهم كانت ذات 
قيمة» وأن الخلاص لم يعد أملاً غامضاً للمستقبل بل كان حقيقياً وذا معنى كامل في 
الحاضر. لقد حان الخلاص ! كان لهذا التحول المفاجىء تأثير لايمحى. عيون العالم 
اليبهودي بأكمله كانت تتجه إلى زاوم:811 © حيث كان شبتاي يحدث تأثيراً على 
سجانيه. الوزير التركي سجنه في منزل مريح بشكل معقول. بدأ شبتاي يوقع رسائله: «أنا 
الرب إلهكم. شبتاي زيفي). لكن عندما أعيد إلى استانبول للمحاكمة ولغ قرينة ة لليأس 
ثانية. خيره السلطان بين الموت أو يعلن إسلامه فاختار شبتاي الإسلام فأطلق سراحه على 
الفور. أعطي تعويضاً سلطانياً ومات مسلماً مخلصاً كما يبدو في ١7‏ أيلول عام 151/5 . 


من الطبيعي أن تدمر الأنباء المرعبة مؤيديه فتدكر الكثيرون لدينهم؛ تحال الأخيار 
محو ذكراه من على الأرض: أتلفوا كل الرسائل» والكتيبات وكل أثر طالته أيديهم عن 
شبتاي. وحتى يومنا هذا يرتبك يهود كثيرون بهذه الكارئة للمسيح المنتظر ويجدون 
صعوبة في التعامل معها. بينما قلل الأحبار والعقلانيون من أهميتها. وفي وقت قريب 
حاول العلماء أن يحذوا حذوّ غريشوم شوليم ممعامطء5 ددمطورء0 في محاولتهم لفهم 
معنى هذه الحادئة الغريبة وآثارها الأكثر أهمية2*0. ومن المدهش أن كثيرين من اليهود بقوا 
مخلصين لمسيحهم على الرغم من فضيحة ارتداده عن اليهودية. كانت تجربة الخلاص 
عميقة جداً لدرجة أنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا أن الله قد سمح بأن يكونوا مضللين. 
وهذه الحادثة هي إحدى الأمثلة الأكثر إذهالاً عن تجربة الخلاص الدينية التي تبوأت الأولوية 
على الحقائق المجردة والعقل. فاليهود بعد أن ووجهوا بخيار التخلي عن أملهم الذي عثروا 


وخدنا 


عليه مجدداً أو قبول مسيح مرتد رفض عدد مذهل من اليهود من جميع الطبقات الامتثال 
الحقائق التاريخ القاسية. فناتان غزة كرس بقية حياته لنشر سر شبتاي: فباعتناقه الإسلام تابع 
شبتاي معركة حياته ضد قوى الشر. فقد فرض عليه انتهاك أعمق مقدسات شعبه كي 
ينزل إلى مملكة الظلام كي يحرر رليبوث ط:ومناء. لقد قبل عبء مهمته المأساوي ونزل 
إلى أخفض الأعماق كي يهزم العالم الذي لاإله له من الداخل. ففي تركيا واليونان بقيت 
نحو مئتا أسرة موالية لشبتاي. فبعد موته قررت أن تسير على خطاه كي يستمروا في 
معركته مع الشر وتحولوا جميعاً إلى الإسلام جماعياً في عام ١187‏ . بقي ولاؤهم سراً 
لليهودية» وبقوا على اتصال وثيق بالأحبار ويجتمعون في الكنيس السري في بيوت 
بعضهم. ففي عام ١585‏ قام زعيمهم يعقوب كوريدو 006,100 6مع12 بالحج إلى مكة 
وأعلنت أرملة شبتاي أن يعلوب هذا هو تجسيد لشبتاي زيفي. وماتزال هناك جماعة 
صغيرة من الدومنة «التي 7 تعني المرقدين» في تركيا الذين يعيشون ظاهرياً حياة إسلامية 
لكنهم متعلقون عاطفياً بيهوديتهم درا 

لم يذهب أنصار آخرون لشبتاي إلى هذا المدى بل بقوا مخلصين له كتيل 
ويبدو أن هناك عدداً أكبر من هؤلاء أكثر مما كان يعتقد. فخلال القرن التاسع عشر اعتبر 
يهود كثيرون الذين استوعبوا أو تبنوا شكلاً لليهودية أكثر تحرراً أن من العار أن يكون 
أسلافهم من أنصار شبتاي لككن يبدو أن الكثيرين من الأحبار البارزين في القرن الثامن عشر 
كانوا يعتقدون أن شبتاي كان المسيح المنتظر. 

يجادل شوليم معامظه؟5 أنه على الرغعم من أن هذه النزعة المسيحية 71655122510 
لم تصبح أبدأ حركة جماهيرية في اليهودية إلا أن عدد أفرادها يجب ألا يستهان به. لاقت 
القبول للمارانوس 213152305 الذين أجبرهم الإسبان على اعتناق المسيحية لكنهم ارتدوا 
أخيراً إلى اليهودية. ومفهوم الارتداد كسر لطف ذنبهم وحزنهم. ازدهرت دعوة شبتاي في 
مجتمعات السفرديم في المغرب والبلقان» وإيطالياء وليتوانيا. فبعضهم مثل بنيامين كوهين 
وإبراهام روجيرو 0-مع20036 ,0 ونهووء< كانا قباليين بارزين وكانا على علاقة بسر 
الحركة. وانتشرت من دول البلقان إلى اليهود الأشكيناز في بولندا الذين كانوا مشوهين 
أخلاقياً ومنهكين بسبب العداء المتزايد للسامية في اونا الشرقية. في عام ١755‏ سار 
تلاميذ اللبي يعقرب فرانك ع1صدء2 (امع12[ الغريب والفاسد على خطا شبتاي وتحولوا 
عاضا إلى انيح ,الكتوم مكزنوة بيهو دكهم جر 


يقترح شوليم 500157 مقارنة توضيحية مع المسيحية فقبل نحو )١٠١.١(‏ عام مضى 


سيدق 


كان هناك مجموعة أخرى من اليهود الذين لم يكونوا قادرين على التخلي عن أملهم 
بمسيح فضائحي مات مثلما يموت مجرم عادي في أورشليم. فما أسماها القديس بولص 
فضيحة الصليب كانت بكل جزئية منها مذهلة مثل فضيحة مسيح هرتد. ففي كلنا 
الحالتين اعلن التلاميذ ولادة شكل جديد لليهودية كانت تحل محل اليهودية القديمة: 
اعتنقوا عقيدة قائمة على النقائض . الاعتقاد ا مسيحي بأنه كان هناك حياة جديدة في هريمة 
الصليب كان ممائلاً الودج الشبتائي بأن الارتداد كان 7 ملسا . كلا الفريقين اعتقد أن 

حبة القمح كان عليها أن تضرب جذورها في الأرض كي : تعطى ثماراء لقد اعتقدوا أن 
التوراة القديمة كانت ميتة وقد حل مكانها قانون الروح الجديد. كلاهما طور التثليث 
والمفاهيم التجسيدية لله. 


اعتتقد الشبتائر ثيون - مثلما اعتقد كثير من المسيحيين خلال القرنين السابع عشر 

والثامن عشر - أنهم كانوا واقفين على عليه غادم جديد. وقد دافع القباليون تكراراً أنه في 
الأيام الأخيرة سوف يتم كشف أسرار الله الحقة التي غلفها الغموض أثناء النفي. 
«التبتاتيرد الذين اعتقدوا أنهم كانوا يعيشون في العصر المسيحي كانوا يشعرون أنهم 
رار في لحان من الأفكا ر التراثية حول الله حتى وإن كان ذلك يعني قبول لاهوت 
بجديفي ظاهرياً. وهكذا فإن ابراهام كاردازو 2:0820© متقطوءطة )١7١5(‏ الذي ولد 
في مارانو 7/1380 وبدأ بدراسة اللاهوت المسيحي اعتقد أن جميع اليهود بسبب ذنوبهم 
قد قدر عليهم أن يصبحوا مرتدين. وهذا كان عقاباً عادلاً يحل بهم. لكن الله قد أنقذ 
شعبه من هذا القدر المرعب بالسماح للمسيح المنتظر بتقديم القربان لاهن نيابة عنهم. 
وقد توصل إلى نتيجة مخيفة مفادها أن اليهود خلال المدة التي قضوها في المنفى فقدوا 
كل معرفة حقة بالله. 


كان كاردازو مثل المسيحيين وتأليهيّى التنوير» يحاول أن يستبعد كل ماكان يرا 
فالعا ف صر عرسي من كوه ان د إلى دين التوراة | لوست ناهر إلى الع 
الغنوصيين المسيحيين طوروا خلال القرن الثاني نوعاً من معاداة للسامية ميتافيزيقية عن 
طريق التمييز بين إله نو الله الجر عو نه هود لقي التي كات رواحي لان 
العالم. لقد أحيا كاردازو دون وعي منه هذه الفكرة القديمة لكنها عكسها تماماً. لقد علم 
أيضاً أنه كان هناك الإلهان: الله الذي أظهر نفسه إلى إسرائيل وإله آخر كان معرفة عامة. 
ففي كل حضارة أثبت الئاس وجود علة أولى: فكان هذا هو إله أرسطو الذي كان يعبده 
العالم الوثني بأكمله. ليس لهذا الإله أهمية دينية: لم يخلق العالم وليس مهتما بما يحدث 


58 


للبشرية» لذلك لم يظهر نفسه في التوراة الذي لايذكره. الإله الثاني هو الإله الذي أظهر 
نفسه إلى أبراهام وموسى والأنبياء» كان إلهاً مختلفاً تماماً: لقد خلق العالم من عدم 
وخلص إسرائيل فكان إلهها. فى المنفى ‏ على أية حال كان الفلاسفة مثل سعدية وميمون 
محاطين بالغوييم فأخذوا 0 من أفكارهم. وبالتالي خلطوا بين الإلهين ولقنوا اليهود أن 
هذين الإلهين كانا واحداً. فكانت النتيجة أن اليهود توصلوا إلى عبادة إله الفلاسفة وكأما 
كان إله آبائهم. 

كت -كانف الملذقد: الى فلي الاليية؟ نضا كارذازو لاهو قينا كن 
نرلظه :ه13 الألف الأضناض دوت التعلن:. عن" الوضتدائنة 'اليونودية كان هتاه ارب 
رئيسبي 00014 يتكون 0 ثلاث ملام 1110115[ 3 اناج و2 : الأول منهما 
كان يدعى 1241588 اننم عتيقة قاديشا أي القديم القدوسء إِنَّه العلة الأولى. 
والشانى 224 بارزوف الذي فاض من الأول وكان يدعى ملقمى 
قاديشا هط015 2 134215 كان هو إله إسرائيل. البارزوف الثالث كان 
الملكوت طمناءط5 الذي ثُفِيَ من الرب الرئيس حسبما أشار إسحق لوريا. يجادل 
كاردازو أن «عقد الإيمان الثلاث» هذه لم تكن الآلهة الثلاثة المنفصلة كلياً بل كانت 
واحدا بطريقة غامضة لانها ثلاثتها كانت تمظهرات للرب ذاته. 

كان كاردازو شبتائياً معتدلاً. لم يكن يعتقد أن من واجبه أن يرتد لأن شبتاي زيفي 
قد قام بهذه المهمة المؤلمة نيابة عنه. لكن في اقتراحه ثالو ا إنما كان يخرق محرماً. فعبر 
القرون كان اليهود يكرهون التثائية ويعتبرونها تجديفاً ووثئنية. بيد أن عدداً مذهلاً من اليهود 
انمجذبوا إلى هذه النظرة المحرمة. فمع مرور السنين دون أي تغير في العالم كان على 
الشبتائيين تعديل امالهم المسينية. شبتائيون مثل نحيميا حاييم 212122 25 1معطءلل 
وصموئيل بريمو مسلط اإعناج5 وجونثان ابسشوز #دااءوءط81 صوط)9م10 توصلوا إلى 
نتيجة أن «سر الرب) انكشف تماماً فى عام 55ت ربد الملكوت بالظهور من الغبار) 
كما تنبأ لوريا لكنه لم يعد بعد إلى الرب. والخلاص سوف يكون سيرورة تدريجية وخلال 
هذا الزمن الانتقالى كان مسموحاً الاستمرار بممارسة الشريعة القديمة والعبادة فى الكنيس 
بيئما كان الالتزام بالمعتقد المسيحي سرياً. هذه الشبتائية المنقحة فسرت كم من الأحبار 
الذين اعتقدوا أن شبتاي زيفي كان المسيح كانوا قادرين على البقاء في منابر الوعظ خلال 
القرن الثامن عشر. 


المتطرفون الذين ارتدوا تبنوا لاهوت التجسيد منتهكين بذلك محرماً يهودياً آخر. 


0 





نقد أصبحوا يعتقدون أن شبتاي زيفي لم يكن فقط المسيح بل تجسيداً لله. فهذا الاعتقاد ‏ 
كما في المسيحية لقا لاروك وابراهام كاردازو علّم معتقداً كان ممائلاً لاعتقاد القديس 
بولص في تعظيم يسوع بعد قيامته: عندما بدأ الخلاص في ارتداد شبتي ثم رفع شبتاي إلى 
الثالوث: «الواحد القدوس (مالكا كاديشا) مبا رك هوء رفع نفسه إلى أعلى؛ وصعد شبتاي 
زيفي ليكون إلهاً في مكانة الله)0*؟). وهكذا فقد تمت ترقيته بطريقة ما إلى مركز إله وأخذ 
مكانه إله إسرائيل البارزوف الثاني ومالبث يهود الدومنه الذين اعتنقوا الإسلام أن دفعوا 
هذه الفكرة أبعد من ذلك خطوة وقرروا إن | إله إسرائيل قد نزل وتكوّن جسداً في شبتاي. 
وبما أنهم توصلوا إلى الاعتقاد أن كل واحد من قادتهم كان تجسيداً للمسيح نتج عن ذلك 
أنهم أصبحوا إلهيين أيضاً بنفس الطريقة ربما مثل أئمة الشيعة. فكل جيل من المرتدين كان 
له قائد كان تجسيداً للاله. 

يعقرب فرانك علممء© معز ١7/759‏ - 0008 الذي قاد التلاميذ الأشكينار إلق 
اللعبود في عام ١76‏ كان يبطن أنه كان الله مسد مدل ارالة حياته ٠‏ وقد وُصِفَ على 
أنه الشخصية الخيفة أكثر من كل الشخصيات في تاريخ اليهودية كله. كان أمياً ومتفاخراً 
بأميته لكن كان لديه المقدرة على إنشاء لاهوت ظلامي جذب إليه يهوداً كر ممن وجدرا 
أن دينهم كان فارغاً وغير مقنع. أعلن فرانك أن الشريعة القديمة قد بطلت. جميع الأديان 
يجب أن تتسن كي يسطع الله بوضوح في كتابه (عكاقصهم 51078 (أقوال الرب). وصل 
بالشبتائية إلى حد العدم. كل شيء كان يجب أن يحطم: «حيثما سار ادم بنيت مدينة 
لكن حيثما أضع قدمي سيدمر كل شيي لأنني أتيت إلى هذا العالم كي أدمر وأبيده (*) 
هناك تشابه مزعج بين أقواله هذه وأقوال المسيح الذي دعى أيضاً أنه أتى لاليقيم السلام بل 
السيف. لكن شبتاي كان مختلفاً عن يسوع والقديس بولص ‏ عندما اقترح عدم بناء شيء 
مكان امقدسات القدعة عتيدته العدية هذه كانت عائلة لفقيدة'معاضره الأضتر ملا ينه 
المركيز دو سعدي 5806 126 15نا343:0 . كانت 7 إل أعماق الانحطاط التي قد ينزل 
لها البشر كي يجدوا الله الخير. لم يكن هذا يعني فقط إنكار الدين كله بل ارتكاب أفعال 
غريية أدت إلى انحطاط إرادي وخزي مطلق. 

لم يكن فرانك قبالياً بل دعا إلى نسخة أكثر فظاظة من لاهوت كاردازو. اعتقد أن 
كلا من المظاهر الثلائة للثالوث الشبتائي سوف يمثل على الأرض بمسيح مختلف ‏ فشبتاي 
زيفي الذي كان يسميه فرانك «الواحد الأول» ‏ كان تجسيداً «للله الحير» الذي كان يعتبره 
كاردازو «الواحد القديم القدوس) وهو نفسه كان تجسيد البارزوف الثاني (إله إسرائيل). 
المسيح الثالث الذي سوف يجسد الملكوت سيكون إمرأة أسماها فرانك «العذراء». في 


حوصن 


الوقت الحاضر كان العالم عبداً لقوى الشر على أية حال» ولن يتم خلاصه حتى يتبنى 
البشر رسالة فرانك العدمية. كان الشلَّم الذي وضعه جاكوب على شكل حرف /1: فكي 
يقد المزء إلى !الله يكب عليه أولا أن ينزل إلى الأعماق مثلما نزل يسوع وشبتاي. فقد 
أعلن فرانك: «إن هذا لكثير كما أخبرك. فالمسيح كما تعلم قال أنه قد أتى كي يخلص 
العالم من قوة الشبره لكنين: أتيت أنا كي أخخلصه من القوانين والعادات القائمة فيه. مهمتي 
هي أن أنسف كل هذا. بحيث يستطيع الإله الخيّر أن يظهر نفسه)”'"2. فالذين كانوا 
يتمنون أن يجدوا الله ويحرروا أنفسهم من قوى الشر كان عليهم أن يتبعوا قائدهم خطوة 
خطوة إلى الهوة خارقين جميع القوانين التي يعتبرونها الأكثر قداسة: «أقول لكم أن جميع 
الذين سيغدون محاربين يجب أن يكونوا دون دين» وهذا يعني أن عليهم أن تكون 
حرياتهم ملك قدراتهم)0"©. 

في القول الأخير هذا يمكننا فهم العلاقة بين رؤية فرانك القاتمة والاستنارة العقلية. 
فاليهود البولنديون الذين اعتنقوا رسالته وجدوا أن دينهم غير قادر على مساعدتهم على 
التكيف مع ظروفهم المرعبة في عالم لم يكن آمناً بالنسبة لليهود. بعد موت فرانك فقدت 
الفرانكية الكثير من فوضويتها والاعتقاد الوحيد التي احتفظت باهرا أن قرائلة كان إلهاً 
مجسداًء وبما أسماه شوليم «إحساساً بالخلااص مرك ومضيء)2©”7. لقد رأوا الثورة 
الفرنسية كإمارة على أن الله كان في صفهم. فتخلوا عن 412001451552 وانخرطوا في 
العمل السياسي حالمين بثورة تعيد بناء العالم. وكذلك فعل الدومنة الذين اعتنقوا الإسلام 
فغدوا أعضاء فعالين في جمعية الأتراك الشبان 115 01118 في مطلع القرن العشرين 
وانضم كثيرون منهم في تركيا الدنيوية كما فهمها كمال أتاتورك. العداوة التي كان يشعر 
بها جميع الشبتائيين تجاه العادات الخارجية كانت في إحدئ :معائيها تمردا. على :ظروف 
الغيتو. فالشبتائية التي بدت ديناً رجعياً ظلامياً ساعدهم على تحرير أنفسهم من الطرق 
القديمة وجعلهم عرضة لتأثير أفكار جديدة. الشبتائيون المعتدلون الذين بقوا موالين لليهودية 
ظاهرياً كانوا في أغلب الأحيان رواداً في حركة التنوير اليهودية» وكانوا أيضاً نشيطين فى 
خلق إصلاح اليهودية خلال القرن التاسع عشر. فكان نيو لاع ار خريا. من أفكان قلق 


وجديدة. 


وهكذا كان جوزيف وريتي 6]طء/1 دطمءددز من براغ يقول في حوالي سنة ١8٠١‏ أن 
أبطاله كانوا موسى مندلسونء وعمانوئيل كانط, شبتاي زيفي واسحق لوريا. ليس 
باستطاعة كل شخص أن يسير على دربهم إلى الحداثة عبر ثمرات العلم والفلسفة الصعبة: 


دس 


المعتقدات اه امسا رار 1 لكان تي بن لعدل باتجاه 0 التي 
لا لي ساس ا ار ان 


فى الوقت الذي كان فيه يعقوب فراناك ينشىء رسالته العدمية كان يهود بولنديون 
قد وجدوا مسيحاً مختلفاً جداً. فمنذ مذبحة عام ١514‏ مرت اليهودية البولندية بصدمة 
الاقتلاع وانحطاط أخلاقي كان وقعه كبيراً مثل نفي السفارديم من إسبانيا. فقد تعرضت 
معظم الأسر اليهودية الروحية والمتعلمون في بولندا إما إلى القعل أو الهقدوة مم اورويا 
الغربية التي كانت آمنة تسيا عقنوانك. من لأف اليهود رُخُلوا وأصبح بح الكثيرون متجولين 
من بلدة إلى أخرى محرماً عليهم الاستيطان الدائم. الأحبار الذين بقوا كانوا غالبا من مزتبة 
دنيا وسمحوا للدراسة المنزلة أن تقيهم من قسوة حقيقة العالم الخارجي. كان القباليون 
الجوالون يتحدثون عن الظلمة الشيطانية للعالم» الجانب الآخر فصل عن الله. فكارثة 
شبتاي زيفي قد ساهمت أيضاً في الخيبة العامة وفقدان روح النظام. فقد تأثر بعض يهود 
ا ين ا فق الكنيسة الأرتوة كيية الروية ابا 
بدأ اليهود ينتجون نوعاً ممائلاً لدين فاتنٍ للناس. كانت ناك تقارير عن يهوه يسعطرة في 
نشْوةٍ مغنين ومصفقين بأيديهم أثناء الصلاة. خخلال الثلاثينات من 7 برز أحل هؤلاء 
النشويين كقائد لاجدال حوله لدين القلب اليهودي هذا وأشمن مدرسة تعرف باسم 
التَقَرِيَة «رونل1و119. 
لم يكن إسرائيل بن اليعازار عونا دء8 اعدءو1 علامة بل كان يفضل السير في 
الغابات؛ مغنياً الأغانى» ويروي قصصاً للأطفال عن دراسة التلمود» عاش هو وزوجته في 
فقّر مدقع في ري بولندا في كوخ 9 جبال الكراباتيان مقنط)م02. كان يقطع 
الكلس ويبيعه ‏ لفترة من الزمن - إلى سكان بلدة مجاورة. ؛ ثم أصبح مع زوجته يمتلكان 
ا وعندما بلغ السادسة والثلاثين أعلن أنه قد أصبح مصلحاً دينياً وطارداً للأرواح 
الشريرة. ارتحل في قرى بولندا يعالج أمراض الفلاحين وسكان المدن بعلاج نباتي» وتمائم 
وأدعية. كان هناك مداوون كثر في ذلك الوقت زعموا مداواة المرض باسم الرب. وهكذا 
امج إسرائيل بعل شيم توف 107 مرعط5 28321 أي سيد السمعة الطيبة: ومع أنه لم 
يُرسّم أبداً بدأ أتباعه ينادونه الحبر إسرائيل بعل شيم توف, أو بيشت أعطوه8 فقط. كم 
المداوين كانوا مقتنعين بالسحر لكن بيشت كان صوفيا ايضا. فحادثة سبتاي زيفي أقنعته 
ا ا ل ا ا 
بل لكل امرىء على السواء. فبدلاً من رؤية سقوط الشرارات الإلهية إلى العالم ككارثة 


5 


عَلَمَ بيشت أتباعه من التَقّيهَ النظر إلى الجانب المشرق. فالشرارات مستقرة في كل بند 
من الخلق وهذا كان يعني أن العالم كله كان مملوءاً بحضور الله. فبإمكان اليهودي الورع 
أن يحس بالله في أصغر عمل يقوم به في حياته اليومية ‏ أثناء الأكل» والشربء أو ممارسة 
الحب مع زوجته لأن الشرارات الإلهية كانت في كل مكان فالرجال والمماو ام يكونوا 
محاطين بحفنة من الشياطين بل محاطين بإله كان موجوداً في كل هبة ريح» أو ورقة 
عشب: أراد اليهود أن يقتربوا منه بثقة وابتهاج. 
تخلى البيشت عن مخططات لوريا الكبيرة من أجل خلاص العالم. كان الوَرع 
(التقي) 8135:4 بكل بساطة مسؤولا عن إعادة وحدة الشرارات الإلهية في بنود عالمه 
الشيخصى + فى" روتف فى الخدمه دفي أنالك منزله وفي طعامه. نكما شرح الأمر هليل 
زيتلين هذاانء7 1311161 أحد تلاميذ بيشت على التَّقَى مسؤولية فريدة تجاه بيئته الخاصة» 
وهو وحده من يستطيع القيام بها: وكل إنسان مخاض لغالم ما هو عالمه الخاص. سيشاهد 
فقط ماعليه أن يشاهده هوء وهو فقط أن يشاهده ويشعر به هو خصيصاً)9 ©. وضع 
القباليوت تدريباً للتركيز ساعد المتصوفين على أن يصبحوا مدركين لحضور الله حيثما كانوا 
يلتفتون. فكما شرح أحد أعضاء القبالة الصفدية في القرن السابع عدر إهية لين 
المتصوفون في عزلة وينقطعوا لفترة عن دراسة التوارة» وأن يتخيلوا نور الملكوت 422اءم5 
فوق رؤوسهم وكأنما كان ينساب من حولهم, وأنهم كانوا جالسين وسط النور)(”*». هذا 
الإحساس بحضور الله جلب لهم بهجة نشوية تجعلهم يرتجفون. علّم البيشت أتباعه أن 
هذه النشوة لم تكن حكراً على النخبة المتصوفة ذات الامتياز بل على كل يهودي واجب 
ممارستها وأن يصبح مدركاً لحضور الله المهيمن. فى الحقيقة كان الفشل فى التركيز مساوياً 
للوئنية» إنكار بأن لاشيء يوجد بحق بشكل عط عن الله. وضعه هذا في نزاع مع 
المؤوسسة الدينية التي كانت تخاف أن يتخلى اليهود عن دراسة التوراة لصالح هذه 
الولاءات الشاذة والخطرة. 
انتشرت الُقَوِيّة بسرعة لأنها جلبت لليهود الساخطين رسالة أمل: معظم معتنقيها 
كانوا شبتائيين سابقين. لم يكن البيشت يريد من تلاميذه أن يهجروا التوراة» بل أعطاه 
تفسيراً صوفياً جديداً: فكلمة طةبجائر التي تعني وصية كانت تعني عهداً. عندما كان 
يؤدي أحد التَقّويِين إحدى وصايا الشريعة أثناء ممارسة التركيز إنما كان يربط نفسه بالل 
مصدر الوجود كله؛ وفى الوقت نفسه عندما يعيد توحيد الشرا رات الإلهية في الشخص أو 
الشيء فإنه كان تام في تلك اللحظة مع الرب. شجعت التوراة اليهود منذ أمد على 
تقديس العالم عن طريق أداء الوصية» والبيشت كان فقط يضفي على هذا تفسيراً صوفياً. 


57 


أحياناً مضت التّقَيّة إلى أبعاد ملتبسة في حماستها لإنقاذ العالم: فقد أخذ الكثيرون 
يدخنون ير لإنقاذ الشرارات في تبغهم! باروخ ميدزييوزا 8602:6025 اعتصدظ 
)18٠١ ١159‏ أحد أحفاد البيشت كان لديه بلاط ممتاز فيه أثاث فاخر وستائر رائعة 
برر ذلك بزعمه أنه كان مهتماً فقط بالشرارات في هذه الزخارف الرائعة. وكان أبراهام 
جوشوا هيثيل :غم ؟ه اعطووه15 105528 مسقطدرط4 (0 - )١1875‏ يتناول كميات 
ضخمة من الطعام كي يستخلص الشرارات الإلهية في طعامه9 "©. باستطاعة المرء أن يرى 
المشروع الهاسيدي كمحاولة لإيجاد معنى في عالم قاس وخطر. تدريبات التركيز 
كانت محاولة خيالية لتعرية حجاب الألفة عن العالم ولاكتشاف السعادة السماوية 
داخله. كان ممائلاً للرؤية الخيالية لدى الشاعرين الإنجليزيين الرومانتكيين المعاصرين 
وليم وردزورث طغخمه:059:ه1 مصسدنال18 )١86٠١ 11/١٠‏ وصموئيل تايلرر 
كولريدج عع0ءاه© :1210 امناصة5 (7/5/ا١  )١1875‏ اللذين كانا يشعران 
بالحياة الواحدة التي توحد الحقيقة كلها في كل شيء رأياه. وكذلك الأمر يصبح 
التَقَوِي مدركاً لا رآه كقدرة إلهية موجودة في أرجاء العالم المخلوق كله الذي كان 
يحولها إلى مكان عظيم على الرغم من أحزان النفي الاسواياة: تدويعا عرق 
يتلاشى العالم إلى تفاهة وسيصبح كل شيء ظهوراً فقد قال موسى تيتلباوم 
أوجهالي لالقطزنا © صسسسةط[عاء1” 5عوه34 (595/ا١‏ - 18411) أن موسى عندما رأى 
العليقة المحترقة إنما قد رأى ا لحضور الإلهي الذي يحترق في كل شجيرة ويبقيها في 
الوجود9""©. بدا أن العالم مغلف بنور إلهي وأن التّمَوبين سوف يصيحون مبتهجين أثناء 
نشوئهم ويصفقون بأيديهم ويشعرون بالغناء» وكان بعضهم يبدأ بالشقلبة مظهرين أن 
عظمة رؤياهم قد قلبت العالم كله رأساً على عقب. 

لم يقصد بيشت و86 - مختلفاً بذلك عن سبينوزا وبعض الراديكاليين المسيحيين 
أن كل شيء كان الله بل أن جميع الكائنات كانت في الله الذي كان يمدها بالحياة 
والوجود. كان هو القوة الحيوية التي تبقي كل شيء في الوجود. لم يعتقد أن التّقوية 
ستغدو إلهية عبر ممارسة التأمل» أو حتى بلوغ الاتحاد بالله - فتهور كهذا بدا مبالغة مفرطة 
جميع المتضصوفين اليهود. ستتقرب التّقَوية من الله وتصبح مدركة لحضوره. فمعظمهم كانوا 
أناساً بسطاء دون تعقيد غالباً ماعبروا عن أنفسهم مبالغات مفرطة لكنهم كانوا مدركين أن 
أساطيرهم كان يجب ألا تؤخذ بشكل حرفي. كانوا يفضلون القصص على النقاش 
التلمودي .أو الفلسفي ويرون في القصص أفضل وسيلة للتعبير عن أية تجربة ذات علاقة 
بسيطة بالحقائق والعقل. كانت رؤياهم محاولة تخيلية لتصوير الاعتماد المتبادل بين الله 


رم 


والإنسان. لم يكن الله واقعاً موضوعياً خارجياء فالتَّويون كانوا يؤمنون بمعنى من المعاني 
أنهم كانوا يخلقون هذا الواقع بعد بنائه من جديد بعد تحلل. فعن طريق إدراكهم للشرارة 
الإلهية داخلهم سيبلغون الكمال الانساني بشكل أفضل. عبروا عن هذه الرؤية بكلمات 
ميثيولوجية فى القبالة. فدوف باير 8267 120 خليفةٌ بيشت قال أن الله والإنسان كانا 
يشكلان د إن الإنسان سيصبح آدم فقطٍ كما أراد الله في يوم الخلق عندما كان يفقد 
إحساسه بالانفصال عن بقية الوجود, وبعد أن يتحول إلى «الشخصية الكونية للإنسان 
الأول الذي يضع حزقيال شبيهاً للإنسان على العرش570”©. لقد كان تعبيراً يهودياً متميزاً 
عن الاعتقاد اليونانى أو البوذي بالاستنارة التى تجعل الكائنات البشرية مدركة لبعدها 
الشساق: ْ 1 


لقد عبر اليونانيون عن هذه الرؤية في اعتقادهم بالتجسيد وتأليه المسيح. لكن التّقوية 
طورت شكلها الخاص بعملية التجسيد هذه. فال حبر التَقَوِي صدّيق 22001 أصبح مُشْتَنيرَ 
عصره؛ حلقة وصل بين السماء والأرضء وممثلاً للحضور الإلهي. الحبر مناحيم ناحوم من 
شير نويل انإطممتعط0) 01 مصتحطة1 متعطمصء 3/1 ١/5١١‏ - /51/ا1) كتب أن صدّيق (هو 
بحق جزء من الله» وأَنّ مكانته كانت كأنها مع مكانة الله)(”*©. وكما حاكى المسيحيون 
المسيح محاولين الاقتراب من الله كذلك كان التَمَوِي يقلد صدّيق الذي صعد إلى الله 
ومارس طغتاطاء:و12<6 الكامل. لقد كان مثلاً حياً على أن هذه الاستنارة كانت ممكنة. لأن 
منيع كان قري لخن اللقن” كان بامكان" اشر أن رقعس مون سية الكوة مين لذن 
ديق" كارا يخصدرن حول مديق تلفي يكل كلنه من كلماته. عند كان 
يقص عليهم قصة حول البيشت أو يفسر آية من التوراة. فالتّقَوية - على شاكلة الطوائف 
المسيحية المتحمسة ‏ لم تكن دين عزلة بل ديناً جماعياً بشكل كبير. تحاول التَقّوية إتباع 
صدّيقها في صعوده إلى المطلق مع معلمهم؛ ضمن جماعة. ليس مدهشاً أن يشعر أحبار 
بولندا الأكثر تعصباً بالرعب من هذه العقيدة الشخصية التى كانت تتجاوز الأحبار 
العلامون الذين كان يرى اليهود فيهم تجسيداً للتوراة. ترأس الخارطية الحبر إيليا بن سليمان 
زمان مسمسلد2 صقددهاه5 معء8 طؤزناع ١/70‏ - 917/ا١)‏ الذي كان رئيساً لأكاديية 
فيلنا و9/115. هزيمة شبتاي زيفي جعلت بعض اليهود شديدي العداء للصوفية» ورأه رئيس 
أكاديمية فيلنا أنه بطل دين أكثر عقلانية. مع ذلك كان قبالياً متحمساً بالإضافة إلى أحد 
معلمي التلمود. فتلميذه المقرب منه ا حبر حاييم فولزهين امتدح إتقانه وتمكنه من (الزوهار) 
كله... الذي درسه بلهب حب وخوف من الجلالة الإلهية» بقداسة, ونقاء وطغدماءع0 
رائعة)20, فكان يرتعش جسده كله كلما تحدث عن اسحق لوريا. كانت لديه أحلام 


مضنا 


رائعة وإلهامات مع أنه كان يصر ذاثما على أن دراه التوراة كانت السبيل الرئيسي لديه 
للوصول إلى التخاطب مع الله. لقد أبدى فهماً ممتازاً لهدف الأحلام في إطلاق حدس 
دفين. كما يتابع احبر حاييم قوله: «اعتاد أن يقول أن الله خلق النوم فقط من أجل هذه 
الغاية التي تمكن الإنسان من بلوغ رؤى لايستطيع بلوغها عندما ترتبط الروح بالجسد لأن 
الجسد مثل ستارة معتمة؛ على الرغم من الجهد والكد الكبيرين)0©. 


لاوجود لهوة كبيرة مثل تلك الهوة بين الصوفية والعقلانية. فملاحظات 

غاون 6305 فيلدا حول النوم تظهر 58 واضحاً لدور اللاشعور: فنحن ننصح أصدقاءنا 
بالنوم على مشكلة على أمل إيجاد حل لها كان غائباً عنهم أثناء اليقظة. فعندما تكون 
عقولنا في حالة انفتاح واسترخاء تأتي الأفكار من منطقة العقل الأكثر عمقاً. وقد عرف 
علماء كثر هذه التجربة مثل أرخميدس الذي اكتشف مبدأ الطفو في الحمام. فالفيلسوف 
المبدع أو العالم الحق مثله مثل المتصوف عليه أن يواجه عالم الواقع غير املق المظلم؛ 
وسحابة عدم المعرفة على أمل اختراقها. وطلما يتصارعون مع المنطق والمفاهيم 
فإنهم بالضرورة مسجونين في أفكار أو أشكال تم تأسيسها منذ زمن. وغالبا ماتبدو 
اكتشافاتهم معطاة من الخارج. إنهم يتحدثون عن رؤى وإلهام. وهكذا فإن إدوارد 
غيبون «وطط1© 70و50 )١1754 ١707‏ الذي كان يكره الحماس الديني» بلغ 
مايعرف بلحظة الرؤيا بيدما كان يفكر في آثار الكابيتول في روما التي أجبرته على كتابه 
(انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية). وقال المؤرخ أرنولد توينبي معلقا على هذه 
التجربة أنها «مشاركة): «لقد كان مدركاً مباشرة لمرور التاريخ بلطف داخله في تيار قوي» 
وبحياته تعدفق مثل موجة في مد هائل). ٠‏ ويختتم توينبسي حديثه أن لحظة الإلهام هذه ممائلة 
ل «التجربة الموصوفة اسيم الرؤية السعيدة 715155 8650 من قبل الأرواح التي وجهت 
إليها هذه التجربة)("2. أما ألبرت آنشتاين فقد قال أن الصوفية كانت «البذرة لكل فن 
وعلم حقيقيين): 

وأن نعراف أن مايصعب علينا النفاذ إليه موجود فعلا مظهراً نفسه لنا 

كأعلى شكل للحكمة, والجمال أكثر إشعاعا تفهمه قدراتنا المتواضعة في 

أشكاله الأكثر بدائية. هذه المعرفة, هذا الإحساسء موجود في مركز جميع 

نزعات التدين الحقة. بهذا المعنى وبهذا المعنى فقط فإنني أنا أنتمي إلى 

مرتبة الئاس الورعين» "© . 


وفى هذا المعنى فإن الاستنارة الدينية التي يكتشفها المتضوفون مثل البيشت قد ثرى 


درون 


على أنها مائلة لبعض إنجازات عضر العقل: كانت تمكن الناس الأكثر بساطة من جعل 
العبور الخيالي إلى حداثة العالم الجديد ممكنا. 

خلال ثمانينات ١78٠١‏ لم يجد الحبر شنور زالان ليادي 2021 لآ نادت الاعمرك 
(ه74١ ‏ 181) الإسراف الهاسيدي العاطفي أمرأ غريياً عن البحث الفكري وأسس 
شكلاً جديداً للتّمَرية التي سعت إلى مزج الصوفية بالتأمل العقلاني. وأصبحت تعرف 7 
هاباد 813594 لصفات لله الغلاث: الحكمة» المقدرة» والمعرفة. اعتقد زلمان ‏ على شاكلة 
المتصوفين الذين سبقوه الذين خلطوا الفلسفة بالروحانية ‏ أن التأمل الميتافيزيقتى كان ا 
أساسيا "نابقا. العتلاة: لأنه يكسق: تحدودية الفكن. انلق تكريكه عن الرئية التّقَوية 
الأساسية للّه الموجود في جميع الأشياء وقاد اللحصوف بأسلوب جدلي لإدراك أن الله كان 
الحقيقة الوحيدة. شرح زلمان: «من منطلق اللامتناهي ‏ تعالى اسمه ‏ فإن جميع الكلمات 
تكون وكأنها حرفياً: لاشيء وعدم”*؟"2. فالعالم المخلوق لاوجود له بمعزل عن الله وقوته 
الفعالة. وبسبب مفاهيمنا المحدودة فقط يبدو العالم وكأنه موجود بشكل منفصل لكن هذا 
مجرد وهم. وبذلك فالله ليس فعلاً وجوداً متعالياً يشغل عالماً بديلاً من الواقع. إنه ليس 
خارجياً عن العالم. فمعتقد أن تعالي الله هو وهم آخر من عقولنا التي تجد أمر الذهاب إلى 
ماوراء الانطباعات الحسية أمرأ مستحيلا. التدريبات الصوفية الهابادية تساعد اليهود على 
الابتعاد خارج المدركات الحسية ليروا الأشياء من منظور الله. يبدو العالم لعين غير مستنيرة 
خالياً من الله فالتأمل القبالي سوف يحطم الحدود العقلانية ليساعدنا على اكتشاف الله 
الموجود في العالم من حولنا. 


يشارك الهاباد 118520 ثقة الاستنارة في مقدرة العقل البشري على بلوغ الله لكنه 
يقوم بذلك عبر التركيز الصوفي والطريقة النقائضية التي كرسها الزمن. كان زلمان مقتنعا - 
مثما كان بيشت أن أي امرىء كان قادراً على رؤية الله. وبالتالي لم تكن الهابادية حكراً 
على نخبة من المتصوفين» حتى وإن كان يبدو أن الناس ليسوا ذوي موهبة روحانية 
فبإمكانهم أيضاً بلوغ الاستنارة» لقد كانت عملاً مضنا على أية حال. فالحبر دوف باير 
لوبافيدتش ع1 ةطلدآ 5ه ج83 عنزه2] (الا/ا١‏ - 8717 »)(١‏ ابن زلمان» شرح في ( كتيب 
عن النشوة) كان يجب على المرء البدء بتحطيم مفهوم عدم الكفاءة. فالتأمل الدماغي ليس 
كافياً. يجب أن يترافق بتحليل للذات ودراسة للتوراة والصلاة. كان التخلي عن الأهواء 
الفكرية والفيالية حول العالم أمراً موك وكان معظم الناس مترددين جداً ذ في التخلي عن 


8 


وجهة نظرهم. فما أن يخرجوا خارج هذه الأنانية حتى يشعر التَقَرِي أنه مامن حقيقة فى 
العالم سوى الله. ومثل المتصوف الذي كان يمر بتجربة الفناء» سببلغ ار النشوة. قال 
تلد أنه سوى يصل إلى خارج ذاته: «وجود كله مستوعب جداً لدرجة لاييقى من وجوده 
شيء فلا يعود لديه شعور بذاته)2'7. تدريبات الهاباد جعلت القبالة وسيلة للتحليل النفسي 
ومعرفة الذات» تعلم التَقَرِي النزول عاءاً تلو عالم حتى عالمه الداخلي إلى أن يصل إلى 
كر الذات. ا حجني أن الله 0 ارك العقل بإمكانه اكتشاف الله 


الج او 0 


تعكس الاضطرابات الثورية في العالم السياسي والاجتماعي بينما لم يحدث شيء مائل 
لهذا في العالم الإسلامي في هذه الفترة» على الرغم أن هذا يصعب على الغربي أن يؤكده 
لأن الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر لم يكن قد حظي بدراسة وافية» فكان العلماء 
الغربيون يجدون 0 فى أستبعاد هذه الفترة بدعوى أنها كانت فترة غير هامة. وكان 
يُعتَقَد أنه في الوقت الذي كانت تمر فيه أورويا في عصر التنوير كان الإسلام يمر في فترة 
انحطاط» وقد اعتبرت هذه النظرة تبسيطية جداً. مع أن البريطانيين قد أحكموا سيطرتهم 
على الهند في عام ١7510‏ إلا أن العالم الإسلامي لم يكن مدركاً بعد لطبيعة التحدي 
الغربي الذي لاسابقة لها. لعل المتصوف الهندي شاه والي قُلّهَ من دلهي طذالن خلله/لآ طقطد 
17١05‏ -17575) كان أول من فهم هذه الروح الجديدة. لق كان مفكرا مؤكرا شكاكاً 
حيال الكونية الثقافية» لكنه كان يعتقد أن على المسلمين أن يتحدوا سوية كي يصونوا 
ترائهم. ومع أنه لم يكن يحب الشيعة إلا أنه أعتقد أن على السنة والشيعة أن يكون لديهم 
قاعدة مشت ركة. حاول إصلاح الشريعة بحيث يجعلها ذات علاقة بالاروف الجديدة في 
الهند. ويبدو أنه كان لديه إحساساً سباقاً بنتائج الاستعمار: فابنه قاد الجهاد ضد 
البريطانيين. كان فكره محافظاء وقائماً على فكر ابن عربي: لايستطيع الانسان أن يطور 
قوته 1 الله. كان 0 سعداء في 6 على مكنوزات اي في الشؤون 
7 من العا بدأت الصوفية بالانحطاط نوعاً ما 0 حركة املاح يي 
الجزيرة العربية بإزاحة سيطرة 00 التي رد كيم الإسلامي لله خلال القرن 


كرون 


كان محمد بن عبد الوهاب )١7854(‏ قاضي نجد في شبه الجزيرة العربية» مثله مثل 
المصلحين المسيحيين فى القرن السادس عشرء يريد أن يعيد الإسلام إلى نقاء بداياته 
ويخلصه من جميع لحك لمخيرة الاحوة كان كاد الفررية يفك خاض ركان 
كل اقتراح بلاهوت تجسيدي أمراً مدان يشمل بذلك الولاء للقديسين والمتصوفين وأئمة 
الشيعة. وعارض كذلك الإيمان بقبر النبي في المدينة: يجب ألا يشتت انتباهنا عن الله أي 
إنسان كان. تمكن عبد الوهاب من جعل محمد بن سعود من أنصاره ‏ هذا الذي كان 
حاكم وسط الجزيرة» فبدأًا سوياً حركة إصلاح كانت محاولة لإعادة خلق الأمة كما 
كانت فى عهد النبى وصحابته. لقد هاجما اضطهاد الفقراء واللامبالاة تجاه محنة الأرامل 
واليتامى 1 واللاأخلاقية» والصنمية. وأعلن الجهاد ضد سادتهم الاستعماريين العثمانيين» 
وكان يعتقد أن العرب لاالأتراك هم الذين ينبغي أن يتبؤوا قيادة الشعوب الإسلامية. لقد 
تمكنا من انتزاع جزء لابأس به من الحجاز من السيطرة العثمانية» ولم يتمكن العثمانيون من 
استعادته حتى عام 184١/8‏ . فاستولى هذا المذهب الجديد على مخيلة الكثيرين في العالم 
الإسلامي. كان الحجاج إلى مكة يتأثرون بهذه التقوى الجديدة التي بدت أكثر نضجاً وقوة 
من الصوفية الراهنة. فخلال القرن التاسع عشر أصبحت الوهابية الطابع الإسلامي المسيطرء 
وازداد تهميش الصوفية؛ على الرغم من أن الوهابية كانت أكثر غرابة وخرافية. كان 
المسلمون ‏ مثل اليهود والمسيحيين ‏ قد بدؤوا الانسحاب من المثل الصوفي الأعلى واعتناق 

أما في أوروبا فكانت قد بدأت قلة من الناس بالتحول عن الله ذاته. ففي عام 
9 عاش القس الريفي جان ميسلير حياة نموذجية لكنه مات ملحداً فقد خلف وراءه 
مذكرة عممها فولتير. لقد عبر فيها عن كراهيته للبشر وعن عدم قدرته على الإيمان بالله. 
ففضاء نيوتن اللامتناهي كان الحقيقة الأبدية الوحيدة التي آمن بها ميسلير: لاشيء وُجِدَ 
سوى المادة. فالدين كان وسيلة يستخدمها الاغنياء لاضطهاد الفقراء ويحيلوهم إلى 
عاجزين. كانت المسيحية تتميز بغرابة معتقداتهاء كالاعتقاد بالثالوث والتجسيد. فكان 
إتكار هذا القس للَّه لقمة سائغة قدمها للفلسفات. فقد انتزع فولتير الفقرات الإلحادية 
تحديداً وحول الراهب الفرنسي آبي هناطى إلى متأله :وذ6. وفي حوالي نهاية القرن الثامن 
عشر ظهرت قلة من الفلاسفة تفاخروا بتسمية أنفسهم ملحدين. نمل قياف ال لق 
أقلية إلا أن هذا كان تطوراً جديداً. فحتى هذه الفترة كانت تعتبر كلمة ملحد شتيمة 
يكيلها المرء لأعدائه. أما بعد ذلك فأصبحت كلمة أو لقباً مدعاة للتباهى. فقد تبنى 


8 


الفيلسوف الاسكوتلندي ديفيد هيوم )١775  ١7١١(‏ التجريبية الجديدة من أجل 
الوصول إلى نتيجة منطقية. 4 يكن هناك حاجة إلى الذهاب إلى ماوراء التفسير العلمى 
للواقع» ولا لسبب فلسفي للاعتقاد بأن شيا مايقع خارج مدركاتنا الحسية. ففي كتابه 
(حوارات حول الدين الطبيعي) تخلص من الجدال الذي كان يهدف إلى إثبات وجود الله 
تن نيع الكون» وقال أنه كان يعتمد على نقاشات ممائلة غير شاملة. فقد يجادل امرؤ 
أن النظام الذي نراه في العالم الطبيعي يشير إلى مُسيّرٍ ذكي» لكن كيف نواجه إذن الشر 
ومظاهر الفوضى؟ لم تكن هناك إجابة منطقية على هذا السؤال. وهيوم الذي كتب 
جر عام تركها دون نشرء وكان ذلك حكمة منه. فبعد مضي نحو(؟١)‏ 
هرا أدخل الفيلسوف دينس ديدرو ١7١7(‏ - 1784) إلى السجن لأنه طرح السؤال 
ذاته في (رسالة إلى العميان كي يستفيد منها المبصرون) التي طرحت ! إلحادية فاضحة لعامة 
الناس. 


أنكر ديدرو التهمة التي وجهت إليه» فقال أنه لايكترث فيما إذا كان الله موجوداً أم 
لاوعندما اعترض فولتير على كتابه أجاب: (أنا أؤمن بالله على الرغم من أنني أعيش حياة 
جيدة مع الملحدين... أمر هام ألا نخلط بين الشوكران 1161001 والبقدونس؛ لكن أن 
نؤمن أو لانؤمن بالله فهذا أمر ليس بذي أهمية على الإطلاق». لقد وضع ديدرو 
إصبعه بدقة لاتخطع على النقطة الأساسية. فبعد أن توقف الله عن أن يكون تجربة 
ذاتية عاطفية لم يعد موجوداً. فكما أشار ديدرو في الرسالة ذاتها أن لاهدف يرتجى من 
الإيمان بإله الفلاسفة الذي لايتدخل أبداً في شؤون العالم. فلقد تمحوّل الإله المستتر 
وأصبح 05 5ناء2: (سواء وجد الله أم لم يوجد فقد بلغ مرتبة بين الحقائق الكبيرة 
التي لافائدة منها».2250 لقد توصل إلى النتيجة المناقضة لا توصل إليه باسكال الذي رأى 
أن الرهان ذا أهمية قصوى ومن المحال تجاهله كلياً. في كتابه (تأملات فلسفية) ١1745‏ 
حذف ديدرو تجربة باسكال الدينية على أنها ذاتية جداً: فباسكال واليسوعيون كانوا 
مهتمين جداً بالله لكن أفكارهم حوله كانت شديدة الاختلاف فأياً من الموقفين نختار؟ إله 
كهذا لم يكن شيئاً سوى الطبع 6 ء مم 1. فقبل ثلاث سنوات من طبخ رسالتيه كان 
ديدرو يعتقد أن العلم وحده باستطاعته دحض الإلحاد. لقد أنشأ سي 005 مؤثراً 
للجدال من البنيان (مونوع0). فبدلاً من ببحث حركة الكون الهائلة دعا الناس أن يتحروا 
البنية الكامنة فى الطبيعة: نظام بذرة ما فراشة أو حشرة ة كان معقداً جداً لدرجة أن من 
ا محال وجوده لاف وفي تأملاته كان ديدرو مايزال يؤمن بأن العقل يستطيع أن يثبت 


5 


قدم المساواة مع العفاريت التى نخيف بها أطفالنا. 


بعد ثلاث سنوات توصل :يدرو إلى توجيه أسفلة إلى “ليوئن» :ول يعد مقتبعا أن 
العالم الخارجي قد قدم أي دليل على وجود الله. لقد رأى بوضوح أن الله ليس له أية علاقة 
مهما كانت بالعلم الحديث. لكنه عبر عن هذا الفكر الثوري الملتهب في كلمات خيالية 
(رسالة إلى العميان). تخيل ديدرو جدالا بين أنصار نيوتن الذين أسماهم السيد هولمز, 
وأنصار نيكولاس ساوندسون )١775 - ١587(‏ عالم الرياضيات في جامعة كامبريدج 
الذي فقد بصره عندما كان رضيعاً. يوجه الثاني إلى الأول أسكلة: كيف بالإمكان تحقيق 
جدال البنيان ليتصالح مع الوحوش والمصادفات من أمثاله هو نفسه. الذي لم يوضح شيئاً 
سوى مخططا متساهلا وذكيا: 
ماهذا العالم ياسيد هولمز. سوى عالم معقد خاضع لدورات من التغير تبدي 
جميعها نزوعاً مستمراً إلى التدمير: تعاقب سريع لكائنات يظهر واحدها 
تلو الآخر, تزدهر وتتلاشى, إنه مجرد تناسق عابر ومظهر استقرار 
م م 
لمظي 0" 
لم يكن إله نيوتن» وإله الكثير من المسيحيين التقليديين» الذي يفترض أنه مسؤول 
فعلاً عن كل شيء يحدث,ء لم يكن فقط سخافة بل فكرة مرعبة. فإدخال الله لشرح أشياء 
لانستطيع تفسيرها في الحاضر كان اخحفاقا في التواضع. يختتم ساوندسون قائلاً 
«ياصديقي الطيب هولز. اعترف بجهلك). 


من منظور ديدرو لم يكن هناك حاجة لخالق. فالمادة لم تكن المادة الحقيرة السابية 
التي تخيلها البروتستانت ونيوتن بل لها ديناميتها الخاصة التي تطيع قوانينها الخاصة. 
فقانون المادة هذا هو إلهي وليس ميكانيك عانههطء]2 » وهو المسؤول عن التصميم 
الظاهري الذي نعتقد أننا نراه. لم يوجد شيء سوى المادة. لقد دفع ديدرو بفكرة سبينوزا 
خطرة إلى الأماء. .قدلا من القول أنه لييّى هناك له بل «طريعة قال ينارو أن .هنا الطبييطة 
فقط ولا إله مطلقاً. لم يكن ديدرو وحيداً في اعتقاده هذا: فعلماء مثل أبراهام ترمبلي 
وجون توربفيل نيدهام اكتشفا مبدأ المادة المولّدة الذي كان عائماً على السطح كفرضية في 
علم الحياة» والكائنات الدقيقة وعلم الحيوان والتاريخ الطبيعي؛ وعلم طبقات الأرض. قلة 
هم الناس الذين كانوا على استعداد للقيام بقطيعة نهائية مع الله. فحتى الفلاسفة الذين 


ا 


كانوا يترددون على صالون بول هنريشء وبارون هولباخ )١1785  ١7١5(‏ لم يكونوا 
يشجعون علانية الإلحاد مع أنهم كانوا يتناقشون بصراحة وجو مفتوح. ومن هذه المناقشات 
أتى كتاب هولباخ (نظام الطبيعة: أو قوانين العالم الفيزيائي والأخلاقي) 0 الذي 
أصبح يعرف بإنجيل المادية الإلحادية. لم يكن هناك بديل خارق للطبيعة؛ الذي قال عنه 
هولباخ أنه «سلسلة هائلة من أسباب ونتائج يتدفق أحدها عن الآخر9*"©. فالإيمان بإله 
كان نينا وإذكارا لجيه القت وكات أيضا غيريا من اليأس. فالدين خلق الآلهة لأن 
الناس لم يستطيعوا إيجاد تفسير آخر يواسيهم عن مأساة الحياة في هذا العالم. فقد تحولوا 
إلى وسائل عزاء وهمية من الدين والفلسفة في محاولة لترسيخ إحساس خادع بالسيطرة 
ومحاولة لاسترضاء قوة يتخيلون أنها كامنة خلف الكواليس كي يتجنبوا الوقوع في الخطأ 
والكارثة. لقد كان أرسطو مخطعاً: فالفلسفة لم تكن نتيجة لرغبة نبيلة بالمعرفة بل نتيجة 
التوق الجبان لتفادي الألم. كان مهد الدين هو الجهل والخوف ويجب أن يتسلق الإنسان 
المستنير الناضج صاعداً منه. 
لقد متا هولباخ تاريخه الطويل حول الله. في البداية عبد الناس قوى 0 

فكانت هذه الأنيميزم البدائية 0 لأنها لم تحاول المضي خارج هذا العالم. لكن بد 
التعفن يدخل عندما بدأ الناس بد بتشخيص الشمس والريح والبحر كي يخلقوا آلهة 0 
صورتهم وشكلهم. وأضيرا جهعوا هذه ه الآلهة في إله واحد كبير لم يكن سوى إسقاط 
وكتلة نقائض. فالشعراء واللاهوتيون لم يفعلوا شيئا عبر العصور الوسطى سوى: 

خلق إنسان مبالغ به عملاق» سيحولونه إلى وهم بتكديس صفات لاسبيل 

إلى بلوغها. فالبشر لن يروا أبدأ في الله أكثر من كائن من التوع البشري» 

يعود إلى تعظيم النسب فيه حتى يغدوا لهم وكأنهم شكلرا كاثنا لايكن 

تصوره كلياً. 

يبين التاريخ أن من امحال إيجاد تسوية بين مايسمى خيرية الله مع كلية قدرته لأنها 

تفتقر إلى الانسجام. ففكرة الله محكوم عليها بالتحلل. لقد بذل الفلاسفة والعلماء كل 
مافي وسعهم من أجل إنقاذها لكن حظهم لم يكن أفضل من حظ الشعراء واللاهوتيين. 
والكمال سبق عدمناءع عم وعتتاهط الذي زعم ديكارت أنه برهنه إنما كان بكل بساطة 
ع مخيلته. وكان نيوتن العظيم «عبداً لأهواء طفولته). لقد اكتشف فضاء مطلقا وحلق 
إلهاً من الخلا الذي كان بكل بساطة الإنسان القادر غموووننط عصتطدمطم7] طاغية إلهي 
يرعت مكلرفاته البشرة ويحط عن مكانعهم كي. يضبضتوا غبيذا 0 


ركان 


لحسن الحظ سوف يمكن عصر التنوير البشرية من تحرير نفسها من هذه الطفولية؛ 
وسيحل العلم محل الدين. «فإذا كان الجهل بالطبيعة قد أدى إلى ولادة الآلهة فإن معرفتها 
هو بيبيحد ذاته سيدمر هذه الالهة)( "2 قاد وجود الحقائق اسه أو عماذج كامنة ولا دصميم 
عظيم. هناك الطبيعة فقط: 

الطبيعة ليست عملا إنها دائماً موجودة بذاتهاء في صدرها يتم صنع كل 
شيء: إنها مختبر هائل مزود بالمواد. وهي تصنع الأدوات التي تغتنم 
لنفسها الفرصة كي تفعل بها. فجميع أعمالها هي نتائج: قدرتها ذاتهاء 
ونتائج العوامل والأسباب التي تصنعها. ونتائج الأشياء التي تحتويها والتي 
تضعها في حالة العمل10"©. 

فالله لم يكن غير ضروري فقط بل كان ضارا إيجابياً أيضاً. ففي نهاية القرن قام 
بول سيمون دولابلاس )١7795 - ١17459(‏ بقذف الله من الفيزياء. فنظام الكواكب قد 
أصبح نورا من الشمس ويبرد تقريحيا فعتدما ساله نابليون: «من كان مكوّن هذا؟) أجابه 
لابلاس «ليست لى حاجة بهذه الفرضية». 


أصر الموحدون طيلة قرون على أن الله لم يكن مجرد وجود آخر. إنه لم يوجد مثل 
وجود الظواهر الاخرى التى نعرفها. واعتاد اللاهوتيون المسيحيون فى الغرب على الحديث 
عن الله وكأنه فعاد وابحداً من «الأكناء الموجودة. لقد ألقوا ان ا العلم الجديد كي 
يثبتوا الحقيقة الموضوعية لوجود الله وكأنما كان بالإمكان اختباره وتحليله مثل أي شيء آخر. 
قد قلب ديدروء وهولباخ ولابلاس هذه المحاولة رأساً على عقب للوصول إلى النتيجة ذاتها 
على شاكلة المتصوفين الأكثر تطرفاً. لايوجد شيء في الخارج هناك. لم يمض وقت طويل 
حتى أعلن علماء وفلاسفة مظفرين أن الله كان ميتاً. 


555 


الفصل العاشر 
الله والقرن التاسع عشر 


كان الإلحاد تحديداً على جدول الأعمال بحلول بداية القرن التاسع عشر. كان 
التقدم في ميدان العلم والتكنولوجيا يخلق روحاً جديدة من الاستقلالية والحكم الذاتي ما 
دفع بالبعض إلى إعلان الاستقلال عن الله. قفي هذا القرن صاغ لودفيغ فيورباخ» وكارل 
ماركسء وشارلز داروين» ونيتشه؛ وفرويد فلسفات وتفسيرات علمية للواقع لامكان لله 
فيها. بدأ عدد كبير من الناس يشعرون أنه إذا لم يكن الله قد مات بعد فإن من واجب 
البشر المتحررين العقلانيين أن يبدؤوا بقتله. ففكرة الله التي تعززت طيلة قرون في الغرب 
المسيحي بدت الآن غير كافية بشكل كارثي» وبدا أن عصر العقل قد انتصر على قرون من 
الكراقة و انعضي لكن التتوال ماوال قالما: هل التشير حقاة لفل ملق القرية التادرة 
الآن وسيكون لنشاطاته آثار قاتلة بالنسبة لليهود والمسلمين الذين سيغدون مجبرين على 
مراجعة مواقفهم. فالكثير من الإيديولوجيات التي رفضت فكرة الله كانت ذات معنى. 
وكان إله المسيحية الغربية الشخصي التجسيدي معرضاً للهجوم بعد أن ارتكبت باسمه 
جرائم مرعبة. وموته لم يكن يتلقاه الناس كتحرر بهيج بل كان محاطاً بالشك والخوف» 
وبصراع مؤلم في بعض الحاللات. حاول بعض الناس إنقاذ الله بتطوير لاهوتات جديدة 
تحرره من مناهج الفكر النجريبي المثبطة» لكن الإلحاد قد أتى كي يبقى. 

كان هناك ردة فعل ضد دين العمل أيضاً. فقد أشار الشعراء والروائيون وفلاسفة 
الحركة الرومانسية إلى أن النزعة العقلانية كانت تقلل من القيمة الإنسانية بتخليها عن 
التخيلي والنشاطات الحدسية للروح. فقام البعض بإعادة تفسير لعقائد وأسرار المسيحية 
بطريقة دنيوية. لقد ترجم هذا اللاهوت المتشكل الموضوعات القديمة كالجحيم والسماءء 
والبعث والخلاص إلى مصطلح جعل هذه الموضوعات مقبولة فكرياً لمرحلة مابعد التنوير من 


تددزا 


خلال حرمانها من علاقتها بالحقيقة مافوق الطبيعية «هناك». فقد قال الناقد الأدبى 
الأمريكي و براي 00 أن أياً من الموضوعات «الخارقة للطبيعة) هي من صنع امخيلة 
المبدعة. كانت تعتبر كقدرة يإمكانها أن تتداخل مع الواقع الخارجي بطريقة تخلق فيها 
حقيقة جديدة. وقد صاغها الشاعر الإنجليري جون كيتس )١87١ - ١185(‏ بشكل 
محكم: «المخيلة هي كحلم آدم ‏ استيقظ فوجده حقيقة). كان يشير إلى قصة خلق حواء 
في قصيدة جون ملتون (الفردوس المفقود). فبعد أن حلم آدم بواقع لم يخلق بعد, استيقظ 
ليجده فى الرأة التى تقف أمامه. وكتب كيتس عن اللخيلة معتبراً إياها مقدرة مقدسة: 
ل 0 اخيلة. فما تعتبره 
اغفيلة جمالةٌ يجب أن يكون الحقيقة - سواء وجدت من قبل أم لا)(©. كان للعقل دور 
محدد في هذه العملية الإبداعية. وقد وصف كيتس كذلك إحدى حالات العقل التي 
أسماها «المقدرة السلبية): «عندما يكون المرء قادراً على أن يكون فى لايقينيات» خفاياء 
شكوك دون أي سعي انفعالي خلف حقيقة وعقل)(”. فالشاعر ‏ كالمتصوف ‏ عليه أن 
يتجاوز العقل وأن يبقي نفسه في موقف انتظاري صامت. 
اتداواضات: جتدرتوا المصور لمعا رية الله دكي الماويقة. ريا قرت نت 
ابن عربي عن امخيلة وهي تخلق تجربتها الخاصة لوجود الله غير الغخلوق في أعماق 
الذات. فكيتس و وردزورث (17170 - ٠‏ 185) كان لهما نظرة امخيلة نفسها على الرغم 
من أن كيتس كان من منتقديها. فأفضل شعر كتبه وردزورث يحتفي بالاتحاد بين العقل 
البشري وعالم الطبيعة اللذين يؤثرانت على بعضهما فيخلقان رؤية ومعنى”*». كان 
وردزورث متصوفاًء وتجاربه مع الطبيعة كانت ممائلة للتجربة مع الله. ففي أبيات قصيدته 
يات لتلمت ايانس اال بن :قرفا ربخية عرو وين اه الل المتتيحة الي أدبت 
إلى رؤية نشوية للواقع: 
تلك الحالة النفسية المباركة 
التي فيها عبء السر المتعب الثقيل 
لهذا العالم كله العصي على الفهم. قد أضيء. 
تلك الحالة المباركة الهادئة التي تقودنا العراطف فيها 
حتى نَفْسُ هذا الإطار الجسدي 


حتى حركة دمنا البشري 


51 


تكاد تتوقفء نستلقي نائمين جسدياًء فنصبح روحاً حية: 
بينما هدأت قدرة الانسجامء وقدرة السعادة الغامرة. 
نرى داخل حياة الأشياء”*". 
أنت هذه الرؤية من القلب والعواطف أكثر مما أتت من «الفكر المتطفل) كما أسماه 
وردزورث الذي تدمر قدراته التحليلية المحضة هذا النوع من الحدس. فالناس ليسوا بحاجة 
إلى كتب تمدهم بالمعرفة والنظريات» بل كل ماكان مطلوباً هو «سلبية حكيمة) ودقلب 
يشاهد ويتلقى)20. بصيرة بدأت بتجربة ذاتية على الرغم من أنه كان ينبغي أن تكون 
حكيمة ليست مطلعة» ومنغمسة ذاتياً. فكما يقول كيتس لاتصبح حقيقة ما حقيقة حتى 
لقد رأى وردزورث «روحاً» كانت واحدة؛ وفي الوقت ذاته متأصلة في الظواهر 
حضور يضايقني بسعادة: أفكار علي إحساس سام 
بشيء مامدصهر بعمق» مسكنه نور شموس غاربة 
واخيط الدائري, والهواء المفعم بالحياة, والسماء الزرقا. وفي عقل 
الإنسان: 
حركة وروح تسير كل الأشياء المفكرة» كل موضوعات التفكير كلها 
وتتتدحرج إلى داخل الأشياء جميعا””. 
وَجَدَ فلاسفة من أمثال هيغل هذه الروح فى أحداث التاريخ. كان وردزورث 
خريضاً على عدم إعطاء هذه التجربة تة لي فاقيا تقليدياء وفي مناسبات أخرى كان يشعر 
بالسعادة أثناء حديئه عن الله خاصة فى ظرف أخلاقي9"». لم يعرف البروتستانتيون 
الإنجليز إله المتصوفين الذي أسقطه المصلحون. كان الله يتحدث من خلال الوجدان في 
أوامر الواجب» وكان بت رغبات القلب؛ لكنه كما كان يبدو ذا قواسم مشتركة قايلة 
فخ #الحضرن الذي اث شعر به وردزورث في الطبيعة. فوردزورث المهتم دائماً بدقة التعبير 
أستناه «شيكاً ما)» وتستخدم هذه الكلمة غالباً كبديل عن تعريف دقيق استخدمه كي 
اام التي رفض أن يسميها بنزعة ة لاأدرية صوفية دقن لكنيا لاط خلن أي من 
هناك شاعر متصوف آخخر أطلق إشارة رؤوية معلناً أن الله كان ميتا. إنه وليم بليك 


5 / 


(/اه/ا )١807 ١‏ الذي استخدم طريقة جدلية: فكلمات مثل «البراءة» و«الخبرة»» اللتان 
تبدوان مناقضتين لبعضهما اكتشف أنهما نصفا حقائق لواقع أكثر تعقيداً. لقد عَوّلٌ بليك 
الأضداد المتقابلة التي كانت تسم البيتين الشعريين اللذين لهما نفس الوزن والقافية خلال 
عصر العقل في إنجاترا إلى أسلوب صياغة رؤية ذاتية وشخصية. ففي (أناشيد البراءة 
والخبرة) حالتان متناقضتان من حالات الروح البشرية» ويتضح أنهما غير كافيتين كي 
تنسجما: البراءة يجب أن تصبح الخبرة» والخبرة نفسها تهبط إلى أعمق الأعماق قبل 
استعادة البراءة الحقيقية. فالشاعر قد أصبح نبياً «يرى الماضي والحاضر والمستقبل»)) ويستمع 
إلى الكلمة المقدسة التي نطقها الله إلى البشر في زمن بدئي: 

منادياً الروح الهابطة 

وباكياً في ندى المساء 

ذلك الذي بإمكانه التحكم 

بالقطب المرصع بالنجوم 

وهبطت, هبطتء يجددها النور”"©. 

لقد تصور بليك.. مثلما تصور الغنوصيون والقباليون حالة هبوط مطلق» ولن يكون 
هناك رؤيا صحيحة حتى يدرك البشر حالتهم الهابطة. لقد استخدم بليك فكرة الهبوط 
الاول - مثلما فعل المتصوفون الاول ‏ كي يُرَمْرَ عملية حاضرة باستمرار في الواقع الارضي 
حولنا. 
لقد تمرد بليك على رؤية التنوير التي حاولت منهجة الحقيقة» وعلى إله المسيحية 

الذي اعتاد على تغريب الناس عق إسايتهي: هذا الإله الذ ي أجبر على نشر قوانين غير 
طبيعية لقمع الميل الجنسي وا حرية والبهجة العفوية. لقد تهجم بليك على «التناسق الخيف») 
لهذا الإله الإنساني في قصيدته (التايغر :ع/15)» فيراه بعيداً عن العالم في «أعماق 
السموات». ويخضع حتى الله الآخر خالق العالم إلى التغير في قصائده؛ فالله نفسه عليه أن 
يهبط إلى العالم ويموت في شخص يسوع”' '©. وهو يصبح الشيطان عدو الجنس البشري. 
كان بليك » كالغنوصيين والقباليين والتثليثيين قد تصور الكينوسيس مفرغاً ذاته في الرب 
الذي يهبط من عزلته في السماء ويصبح مجسداً في العالم. لم يعد هناك إله 07 بذاته 
في عالم خاص به؛ إله يطالب البشر بالخضوع إلى قانون تابع خارجي. فمامن نشاط بشري 
غريب عن الله» حتى الميل الجنسي الذي قمعته الكنيسة ظاهر في عاطفة يسوع نفسه. لقد 


تلفق 


نات الله طوعا في يسع فلم يعد الله لمكب المتعالي موجوداً. فعندما يتم موت الله فإن 
الوجه الإلهى الإنسانى سوف يظهر: 
قال يسوع: «ألن تحبوا واحداً لم يمت أبداً من أجلكم؟, أو من أجل امرى», 


إنه لم يمت من أجلكم. ا ا 
إلى الأبد إلى الإنسان لا وجد الإنسان, لأن الإنسان هو الحب مثلما أن 


الله هو احب: فكل طيبة تجاه آخر هي موت قليل في الصورة الإلهية ويس 
باستطاعة الإنسان أن يوجد إلا عن طريق الأخوة", 

لقد تمرد بليك على الكنائس المؤسساتية لكن بعض اللاهوتيين كان يحاول دمج 
الرؤية الرومانسية في المسيحية الرسمية. فقد وجد هؤلاء أن فكرة الله المتعالي البعيد بغيضة 
ولاعلاقة لها بالدين» فأكدوا بدلاً من ذلك على أهمية التجربة الدينية الذاتية. في عام 
68 أي بعد أن نشر وودزورث وكولريدج (القصائد الشعبية الغنائية) في إنجلترا قام 
فريدريش شيللر ماخر )١187 54 - ١774(‏ بنشر بيانه الرومانسى فى ألانيا تحت عنوان (فى 
الدين» خطب إلى كارهيه المثقفين). لم تكن العقائد حقائق إلهية بل بكل بساطة «عروضاً 
للعواطف الدينية المسيحية مصاغة في كلمات)”'©. لم يكن بالإمكان حصر الإيمان الديني 
باقتراحات المعتقدات: لقد طور فهماً عاطفياً واستسلاماً داخلياً. فالفكر والعقل كان لهما 
مكانتهماء وكان باستطاعتهما أن يأحذانا بعيداً جد فقط» فعندما نصل إلى تخوم العقل 
سيكمل الشعور الرحلة إلى المطلق. عندما تكلم شيلار ماخر عن الشعور لم يكن يعني فيضاً 
من نزعة عاطفية بل حدساً كان يقود البشر باتجاه اللانهائي. فالشعور لم يكن مناقضاً للعقل 
البشري بل قفزة تخيلية تأخذنا خارج الخاص إلى فهم الكل. لقد نبع هذا الإحساس بالله 
من أعماق كل ذرد أكثر مما نجم عن اصطدام بحقيقة موضوعية. 

لقد أبدى اللاهوت الغربى ميلاً للتأكيد على أهمية العقلانية منذ توما الإكريني» 
وقد تزايدت هذه النزعة منذ حركة الإصلاح. لقد كان لاهوت شيللر ماخر الرومانسي 
محاولة لإعادة التوازن. لقد أوضح أن الشعور لم يكن غاية بحد ذاته» وليس في وسعه 
تقديم تفسير كامل للدين. العقل والشعور كانا يشيران خارج ذاتهما إلى حقيقة لاسبيل إلى 
وصفهاء فقد عرف ماخر جوهر الدين على أنه «الشعور باتكالية مطلقة)2"0. وسيغدو هذا 
موقفاً محرماً للمفكرين خلال القرن التاسع عشر لكن ماخر لم يكن يعني خضوعاً مذلاً 
لله تشير العبارة إلى الإحساس بالاحترام الذي ينشأ فينا عندما نتأمل لغز ال حياة. وينبع 
موقف الرهبة هذا من التجربة الإنسانية الكونية مع المقدس. لقد عرف أنبياء إسرائيل هذا 
كصدمة عميقة عندما كانوا يرون رؤاهم المقدسة. ولقد شعر الرومانسيون بتبجيل مماثل 


مدا 


وإحساس بالاتكالية على الروح التي كانوا يقابلونها في الطبيعة. فتلميذ ماخر المتميز 
رودولف أوتو اكتشف هذه التجربة في كتابه الهام (فكرة المقدس) مبيناً أنه عندما يواجه 
البشر بهذا التعالي فإنهم لايعودون يشعرون أنهم ألفا وأوميغا الوجود. أي بداية الوجود 
ونهايته. 

لقد شعر ماخر في نهاية حياته أنه ربما بالغ في التأكيل, عن أهيية الشعور والناتية 
لقد كان مدركاً أن المسيحية قد بدأت تبدو عقيدة قديمة الطراز: كانت بعض المعتقدات 
المسيحية مضللة وجعلت الإيمان مفتوحاً على الريبية الجديدة. لقد بدا معتقد الثالوث وكأنه 
يوحى بأن هناك ثلاثة آلهة. فقد رأى البريشت ريتشل )١889 - ١817(‏ الاعتقاد 
بالعالوث مثالا فاطنساً على نزعة الهلنة. ولقد أقسدت الرسالة المسيكية بإوخال مجموعة 
من المفاهيم الميتافيزيقية الغريبة والمستمدة من فلسفة اليونانيين للطبيعة). فهذه لاعلاقة لها 
إطلاقاً بالتجربة المسيحية الأولى”* '2. مع ذلك فقد أخخفق ماخر وريتشل في رؤية أنه على 
كل جيل أن :يخلق 'تصورء البخيى .عن الله تماماً مقلما كأن على كل شاعر روماتى أن 
يتعرف على الحقيقة بنفسه. ام عل نبضه الخاص. لقد كان الآباء اليونانيون كن 
جعل المفهوم المتعالي لله ينطبق - بالنسبة لهم من خلال التعبير عنه في كلمات ثقافتهم 
هم. وبيئما كان الغرب يدخل العصر التقني الحديث بدت الأفكار القديمة عن الله غير 
كافية. فحتى النهاية بقي شيللر مصراً على أن العاطفة الدينية لم تكن متعارضة مع العقل. 
فقد قال وهو مسجى على فراش الموت: «يجب أن أفكر بأعمق الأفكار التأملية» وبالنسبة 
لي فإنها تلتقي مع واحدة ات الدينية حميمية)” ©2. كانت المفاهيم عن 
الله دون جدوى إذا لم تحوّل تخيلياً عن طريق الشعور والتجربة الدينية الشخصية. 


خلال القرن الواشع عشر وقف الفلاسفة الواحد تلو الآخر في تحد لوجهة النظر 
التراثية بالله» على الأقل الله الذي كان سائداً ذ فى الغرب. فبالتحديد كانوا يتضايقون من 
مفهوم إله ما فوق الطبيعة «هناك) ذا وخرة موضرعيه فغلن الرخي من أن فكرة الله كوجود 
متعالٍ قد حققت هيمنة في الغرب إلا أن التراثات التوحيدية الأخرى قد خرجت عن 
طريقتها كي تفصل نفسها عن هذا النوع من اللاهوت. لقد أصر اليهود والمسلمون 
والمسيحيون الأرئوذوكس وبطرقهم امختلفة على أن فكرتنا البشرية عن الله لم تكن تنطبق 
على الوجود الذي لايوصف. والذي لم يكن الله سوى رمز له. فهذه الأديان قد اقترحت 
في مناسبة أو أخرى أنه أكثر صحة أن نصف الله بكلمة لاشيء 8ط أكثر من وصفغه 
بالوجود الأعلى منة8 عمعدمن5 طالما أنه غير موجود بأية طريقة يمكننا تصورها. لقد فقد 


ث6 


الغرب هذه الرؤية لمفهوم الله التخيلي تذريجياً عبر القرون. وأصبح الكاثوليك 
والبروتستانت يعتبرونه وجوداً آخر مضافاً إلى العالم الذي نعرفه» ويشرف على نشاطاتنا 
كأخ أكبر في السماء. فايس مستغرياً ألا يكون هذا المفهوم لأ لله مقبولاً لدى الكثيرين في 
العالم في فترة مابعد الثورة: لأنه بدا أنه يحكم على البشر بعبودية ذليلة واتكالية تافهة 
لاتليق بالكرامة الإنسانية. وهكذا تمرد فلاسفة القرن التاسع عشر الملحدون على هذا الله 
بعقل سليم. لشي انتقاداتهم الكثير من معاصريهم أنتعدوا حلاوهم. فقد بدا أنهم 
كور كنا جديدا تهاماً عندما كانوا يتصدون لمسألة الل إلا أنهم في أغلب الأنكيان كانوا 
يكررون لو وجهات نظر قديمة قدمها موحدون آخرون في الماضي. 


هكذا فقد طور جورج فيلهيلم هيغل ( 7 -1857) فلسفة كانت في بعض 

77 ممائلة للقبالة بشكل مذهل» فكان هذا التماثل مفارقة كبيرة لأنه اعتبر اليهوديةديناً 
تأفها مسرلا عن المفهرم البدئي لله الذي ارتكب خطأ فادحاً. من وجهة نظر هيغل كان 
الإله اليهودي طاغية يطلب استسلاماً لاتساؤل فيه لشريعة لاترحم. فقد حاول يسوع أن 
يحرر البشر من هذه العبودية الذليلة لكن المسيحيين سقطوا فى المصيدة التى سقط فيها 
اليهود؛ فطوروا فكرة طاغية إلهى. .خان الوقت لرمى هذا الإله البربري جانباً وتظوير نظرة 
أكثر 'امتضيارة للشرط الإتسانن. كان راي فيفل غير الدقيق أبداً باليهودية قائماً على 
اللاهوت الجدلي ة فى العهد الجديد الذي كان نوعاً جديداً من ميتافيزيما معادية للسامية: 
لقد اعتبر هيغل ‏ مثلما فعل كانط ‏ اليهودية مثالاً على كل شيء خاطىء له علاقة بالدين. 
ففي كتابه (علم ظواهر العقل) ١8١1٠‏ استبدل فكرة الروح التي كانت قوة الحياة للعالم 
بإله تقليدي. فكما في القبالة» كانت الروح راغبة أن تعاني من محدوديتها ونفيها كي 
تبلغ الروحانية الحقة وفهم الذات» وهكذا كانت الروح معتمدة على العالم والبشر في 
إنجازاتهاء كما في القبالة. وهكذا أكد هيغل وجهة النظر الوحدانية القديمة التي هي سمة 
ميزة للإسلام والمسيحية: لم يكن الله منفصلاً عن الوجود الماديء إضافة اختيارية في عالم 
خاض به» بل كان مرتبطاً بالبشرية ارتباطاً كا لقد عبر عن رأيه هذا ديالكتيكياً معتبراً 
البشرية والروح متناهياً لامتناه» أي كنصفين لحقيقة واحدة يعتمد كل منهما على الآخر 
ومستغرقان في عملية تحقيق الذات نفسها. فبدلاً من تهدئة إله بعيد عن طريق الالتزام 
بشريعة غير مرغوبة وغريية أعلن هيغل أن الإلهي كان بُغداً من بشريتنا. فوجهة نظر هيغل 
في جوهر الكينوسيس قأوممع؟ الروح التي تفرغ نفسها كي تصبح متأصلة والوصدلة في 
العالم ذات قواسم كثيرة مشتركة مع اللاهوتات التجسيدية التي تطورت في الأديان 
الغلاثة. 


كان هيغل إنساناً من عصر التنوير ورومانتيكياً أيضأء ولذلك فقد أعلى من شأن 
العقل أكثر من الخيلة» وقد ردد صدى وجهات نظر الماضي دون أن يفطن إلى ذلك. لقد 
رأى مارآه الفلاسفة: أن العقل والفلسفة أعلى من الدين الذي كان متشبثاً بآليات تفكير 
تمثيلية. وقد استمد هيغل استنتاجاته - كما استمدها الفلاسفة ‏ حول المطلق من إعمال 
العقل الفردي الذي وصفه أنه رهينة سيرورة ديالكتيكية كانت تعكس الكل. 


بدت فلسفة هيغل متفائلة بشكل يثير سخرية أرثور شوبنهاور (11785 - )١85٠‏ 
الذي برمج محاضراته وفقاً لمواعيد محاضرات هيغل في برلين عام ١١‏ وهي السنة التي 
نشر فيها كتابه (العالم كإرادة وفكرة). في كتابه هذا لم يكن شوينهاور مؤمنا بوجود 
المطلق, ولابالعلة» ولابالله, ولابروح تعمل في العالم: لاحي سوى إرادة غريزية بدائية 
للعيش. لاقت هذه النظرة الكثيبة قبولاً لدى النفوس الأكثر قتامة في الحركة الرومانسية. 
على كل حال لم تُسقط فلسفته جميع رؤى الدين . كان يعتقد أن الهندوسية والبوذية 
(والمسيحيين الذين أكدوا أن كل شيء كان من فراغ) قد وصلت إلى مفهوم صحيح 
للواقع عندما نادت أن كل شيء في العالم كان مجرد وهم. فطالما أنه ليس هناك إله كي 
ينقذنا فالفن فقط والموسيقىء والتدريب لإنكار الذات؛ وامحبة هذه جميعها يمكن أن تقربنا 
خطوة من السكينة. لم يكن لديهنوقت للبهودية والإسلام اللذين من وجهة نظره - لهما 
وجهة نظر هادفة وتيسيطية بشكل سحخي٠ف‏ للتاريخ. وقد أثبت برآية هذا أنه كان لديه 
بصيرة مستقبلية: دوقت ترق أنه في عصرنا وجد اليهود والمسلمون أن نظرتهم القديمة 
للتاريخ على أنه تل للإلهء لم تعد صالحة للتبني كما كانت في الماضيء ولم يعد باستطاعة 
الكثيرين أن يصفوا الله بأنه رب التاريخ. بيد أن وجهة نظره في الخلاص كانت قريبة من 
المفاهيم الإسلامية واليهودية التي توجب على الأفراد أن يخلقوا إحساساً بالمعنى النهائي 
بأنفسهم. لم يكن لها علاقة بالتصور البروتستاني لسيادة الله المطلقة التي كانت تعني أنه 
ليس بإمكان البشر المساهمة بأي شيء باتجاه خلاصهمء بل كانوا متكلين كلياً على إله 
خارجهم. 

لقيت المعتقدات القديمة هذهء حول الله إدانة متزايدة بدعوى أنها ذات عيوب وغير 
كافية. فالفيلسوف الدانماركى سورين كي ركغارد )١855  ١8١(‏ أصر على أن العقائد 
وللذاهن القلاعة قد أصدحت أمجاماء 4 بارقه يقد ذانها ل ووذائل عرو تعره إله لان ميقن : 
فالإيمان المسيحي كان قفزة خارج العالم بعيداً عن هذه المعتقدات البشرية المستحائية» 
ومواقف خارج المألوف إلى المجهول. وأراد آخرون أن يجذروا البشرية في هذا العالم وأن 


؟ه؟ 


تطعا مغهرم ديل عظيم. جادل ابابو لل لودفيع أندرياس فيورباخ ( 0 
00 ان شين بو كل مستحيل فوا ماق اضعقا النشري. ربكن 

لقد وضع قرا يده على ضعف 8 7 التراث الغربي؛ الذي كان 4 يفْهَمْ دائماً أنه 
حطر في اا فقد يؤدي ني الإسقاط الذي يدفع الله خارج الشرط البشري إلى 
خلق صنم. لقد وجدت تراثات أخرى سبلا متنوعة لمواجهة هذا الخطرء لكن في الغرب 
كانت فكرة الله قد أصبحت - لسوء الحظ ‏ مدفوعة إلى الخارج بشكل متزايد فساهمت 
في فهم سلبي جداً للطبيعة البشرية. كان هناك تأكيد على الذنب والخطيئة؛ صراع وتوتر 
في دين الله في الغرب منذ عهد أوغسطين الذي كان غريبا عن اللاهوت الأرثوذكسي 
اليوناني. فليس مستغرباً إذا وجدنا فلاسفة مثل فيورباخ أو أوغست كومت (ه/اا١‏ - 
م لذ كانت رجهة 6 010 ا إيجابية» فأراد التخلص من هذا الإله 


كان الإلحاد دائماً رفضاً لتَصَوّرٍ سائد لقنن فقد أطلقت كلمة ملحدين على 
اليهود والمسيحيين لأنهم أنكروا مفاهيم الألوهة الوثنية» مع أ: نهم كانوا مؤمنين بالله. وفي 
0 التناسع عشر كان الملحدون الجدد يهاجمون بعنف المقهوم 0 كان سائدا 
فى الغرب أكثر مما كانوا يهاجمون مفاهيم أخرى عن المقدس. فقد رأى كارل ماركس 
١814‏ - 1448) الدين: «زفرة ميخلوق قخطهد.:. أقيون الناس» الذي 'جغل اتفال 
هذا العذاب هر كي 05 مع ذلك فقد تبنى وجهة نظر مسينية للتاريخ معتمداً كثيراً 
على التراث اليهودي المسيحى. وقد استبعد الله على أنه لاعلاقة له» وطالما أنه لاوجود 
لمعنى أو قيمة أو غاية ماخخارج إطار السيرورة التاريخية فإن فكرة الله ليس بوسعها مساعدة 
البشرية. فالإلحاد ‏ نفي الله كان أيضاً مضيعة للوقت. مع ذلك تعرض الله للتقد 
الماركسىء لأن المؤسسة غالياً مااستخدمته من أجل المصادقة على تراتب اجتماعي يجلس 
لغني في قصره بينما يجلس الفقير على بوابة القصر. على أية حال لم يكن هذا التقد 
صحيحاً بالنسبة للدين الوحداني كله : فالله الذي يتغاضى عن الظلم الإجتماعي كان 
مصدر رعب لعاموس وإشعيالء ومحمد الذي استخدم فكرة الله من أجل غايات متباينة 
تماماً فكانت بذلك قريبة جداً من المثل الأعلى الماركسي. 
وبالمثل فققد جعل الفهم الحرفي لله والكتاب المقدس للعديد من المسيحيين فهماً هشأً 


ليق 


لايصمد أمام الاكتشافات العلمية في تلك الفترة. فكتاب شارلز ليل ١870‏ - 18119) 
(مبادىء الجيولوجيا) الذي كشف عن الاتساع الهائل للزمن الجيولوجي» وكتاب شارلز 
داروين (أصل الانواع) 48 طرحا فرضية نشوء بدت أنها مناقضة للعرض التوراتي 
لقصة الخلق في سفر التكوين. فمنذ عصر نيوتن كانت قصة الخلق أمرأ مركزياً لفهم غربي 
للق كما تقد البازى اراي عقيف أن" الراك من القعة ادرراتية ليس غرها خريا أجل 
الكون المادي. فى الحقيقة كان الاعتقاد بالخلق من عدم أمرأً إشكالياً دخل إلى اليهودية 
والمسيحية في وقت متأخر نسبياً. ففي الإسلام يتم تبني خلق الله للعالم بديهياً دون نقاش 
تفصيلي لكيفية الخلق. فالاعتقاد بالخلق » مثله مثل الكلام القرأني عن الله هو فقط حكاية 
له أو رمز. وقد اعتبر الموحدون في الأديان الثلائة قصة الخلق أسطورة بالمعنى الأكثر 
إيجابية للكلمة: عرضاً رمزياً ساعد البشر على تنمية موقف دينى محدد. فقد أواجد بعض 
اليهود والمسلمين عمداً تفسيرات خيالية لقصة الخلق كانت تختلف جذرياً عن أي معنى 
حرفي أما في الغرب فكان هناك ميل لاعتيار أن الإنجيل كان صحيحاً في كل جزئية من 
تفاصيله. أصبح أناس كثيرون يرون الله مسؤولاً فعلياً ومادياً عن كل مايحدث على 
الأرض» بنفس الطريقة التي نحرك بها نحن الأشياء أو نضع الأحداث في حالة حركة. 


كانت قاتلة لفكرة الله» وكانت المسيحية بشكل رئيسى قادرة على التكيف مع نظرية 
النشوء» ولم يكن اليهود والمسلمون متضايقين جديا من الاكتشافات العلمية الجديدة مثل 
ضيقهم من كتاب أصول الأنواع: كانت مخاوفهم عموما حول الله تنبع من مصدر 
على الأفراد في أكيان: أخوم إلا أن ارده لفك * ول في لل ساف ال ةك رورسو تانر 
كثيرون في العالم الغربي بشكل بديهي أن الكوسمولوجيا الحديئة قد وجهت ضربة هميتة 
لفكرة الله. 

عبر التاريخ كله كان الناس يهملون تصوراً للَّ عندما لم يعد هذا التصور فعالاً 
بالنسبة لهم. وقد اتخذ هذا شكل تحطيم عنيف للمعتقدات الدينية كما حطم الإسرائيليون 
القدماء معابد الكنعانيين» أو عندما كان الأنبياء يهاجمون آلهة جيرانهم الوثنيين. في عام 
لأ نيتشه إلى تكتيكات عنيفة ممائلة عندما أعلن أن الله كان ميتاً. لقد أعلن هذا 
الحدث في حكاية الرجل المجنون الذي ركض في السوق ذات صباح وهو يصيح: «إنني 


>32 


أبحث عن الله! أنا أبحث عن الله!». وعندما سأله المشاهدون المتغطرسون عن المكان الذي 
كان يعتقد أن الله قد ذهب إليه؛ وفيما إذا كان قد هرب بعيداء أم هاجرء حملق المجنون 
فيهم صائحاً: «أين ذهب الله؟) «أريد أن أخبركم لقد قتلناه. أنتم وأنا؟ فنحن جميعاً قتلة). 
حدث لايمكن تخيله ولايمكن إلغاؤه لأنه قد اقتلع الجنس البشري من جذوره ورمى 
بالأرض خارج مسارهاء رماها كي تعوم في كون لامسار له. لقد تلاشى كل شيء أمد 
البشر سابقاً بالإحساس بالإتجاه. وسوف يؤدي موت الله إلى يأس وألم لامثيل لهما. صاح 
امجنون غاضباً. «ألايزال هناك أعلى أو أدنى؟) «ألا نضل وكأننا في لاشيئية لامتناهية)؟ © 


لقد أدرك نيتشه أن هناك تحولاً جذرياً فى وعى الغرب سيجعل الإيمان بالظاهرة التى 
فضيها بلك النائن: الله أمرا حي كل تايف المدهرية : فالملي لم تجيل قط أذكارا كيده 
الفهم الحرفي لقصة الخلق ‏ أمراً محالأء بل تحكمنا الأكبر وقدرتنا جعلت فكرة مراقب 
إلهي أمراً غير مقبول. لقد شعر الناس أنهم يشهدون ولادة فجر جديد. لقد أكد مجنون 
نيتضه على أن موت الله سيجلب جانباً أعلى وأكثر جدة لتاريخ الإنسانية. ولكي يصبح 
الناس جديرين بقرارهم سيغدون آلهة بأنفسهم. في كتابه (هكذا تكلم زاردشت) ١881‏ 
أعلن نيتشه ولادة الإنسان الخارق الذي سيحل محل الله» والإنسان المستنير الجديد سيعلن 
حرباً على القيم المسيحية القديمة ويدوس على الإضافات التافهة لدى الغوغاء» مبشراً 
بإنسانية جديدة مقتدرة لن يكون فيها أي من الفضائل المسيحية مثل المحبة والشفقة. لقد 
التفت أيضاً إلى أسطورة البعث القديمة» وإعادة الولادة الأبدية الموجودة في أديان مثل 
البوذية. أما وقد أصبح العالم ميتاً فسيأخذ هذا العالم مكانته كقيمة أسمى. فكل شيء 
يذهب يعود» وكل مايموت يزهر ثانية» وكل مايتحطم سوف يولد من جديد. بالإمكان 
تبجيل عامنا على أنه أبدي ومقدسء وهما صفتان كانتا تطلقان على الله المتعالي البعيد. 

قال نيتشه إن الله المسيحى كان يدعو للرثاء» وكان سخيفاً «وجريمة ضد 
الحياة210. لقد شجع الناس على المخوف من أجسادهم وعواطفهم ومن رغباتهم الجنسية؛ 
وصعد أخلاقية سائدة من المحبة جعلتنا ضعفاء. لاوجود لمعنى أو قيمة نهائية» وليس للبشر 
علاقة في تقديم خيار متسامح في «الله». وينبغي القول أن الله المسيحي كان عرضة للتأثر 
بهذا النقد. لقد تم استخدامه لتغريب الناس عن إنسانيتهم وعن رغبتهم الجنسية من خلال 
نزعة إلى الزهد تنكر الحياة. وقد اتخذ الله شكل دواء بارع لجميع الامراض وبديلا عن 
الحياة هنا على الأرض. 


مه؟ 


أما سيغموند فرويد )١916 - ١457(‏ فقد اعتبر الإيمان بالله وهماً ينبغي أن يضعه 
البشر العقلاء جانباً. ففكرة الله لم تكن كذبة بل وسيلة اللاشعور التي كان على علم 
النفس فك رموزها. فإله شخصي لم يكن أكثر من شخصية أبوية ممجدة: رغبة بإله كهذا 
نبعت من رغبات طفولية بت ا مقتدر للعدل والجمال ومن أجل أن تستمر الحياة أبداً. 
ا دلت اي كنا سين ع كور 0 . كان 
ينبغي أن تترك الدين وراءهاء فالعلم ‏ اللوغوس الجديد 0 أن يأحذ مكانة الله 
بإمكائه أن يقدم منطلقاً جديداً للأخلاقية» وأن يساعدنا على مواجهة مخاوفنا. كان فرويد 
متشدداً في إيانه بالعلم» وبدا أن تشدده كان تقريياً دينياً في درجة تركيزه: «كلا إن علمنا 
ليس وهماً! فالوهم هو مانفترض أن ليس بوسع العلم أن يقدمه. أن فى وسعنا أن نجده فى 
مكان آة* 2 

خر) 0. 


لم يوافق جميع اخللين الفسبين على نظازة فزويد. لله فالفريف أدلر (للاقاد 

)١ 5*7‏ قال إن الله كان إسقاطأًء لكنه كان مفيداً للبشرية. لقد كان رمزاً ساطعاً وفعالا 
نحو الجودة. وكان إله كارل غوستاف يونغ (هلام١ا ‏ 9551 عمائلة ال 
حقيقة نفسية يعرفها كل فرد ذاتياً. وعندما سأله جون فريمن في مقابلة ب 00 
عما إذا كان يؤمن بالله أجاب يونغ مؤكدا: «ليس علي أن أؤمن) أعرف ذلك)». إيمان يونغ 
المستمر يوحي بأن إلهاً ذاتياً يُعدِفٌ بطريقة غامضة في أعماق الذات» بإمكانه أن يبقى علم 
التحليل النفسي بشكل مايدرك أن إلهاً تجسيدياً أكثر شخصانية يستطيع فعلاً تشجيع عدم 
نضج أبدي أليس كذلك؟ بدا أن فرويد - ككثير من الغربيين ‏ لم يكن عارفاً بهذا الله 
الذاتي الكامن في الداخل. مع ذلك فقد أبدى نقطة صحيحة ومفهومية عندما أصر على 
أنه من الخطر محاولة إلغاء الدين. فعلى الناس أن يتخلصوا من الله في الوقت المناسب: 
إجبارهم على الدخول في الالحاد أو الدنيوية قبل أن يكونوا مستعدين لذلك قد يؤدي إلى 
كبت وإنكار للذات غير سليم. فقد رأينا سابقاً أن تحطيم الأيقونات الدينية ينبع من قلق 
دفين وإسقاط مخاوفنا على الآخر. فقد أظهر بعض الملحدين الذين أرادوا إلغاء الدين إمارات 
من التوتر. فعلى الرغم من دفاع شوبنهاور عن أخلاق ادلم خط الالساوييع انير 
فأصبح ناسكاً يتواصل معهم فقط عبر كليه الذكي أقمان موصى. كان نيتشه إنساناً 
وحيداً طيب القلب مبتلياً باعتلال في صحته فكان بذلك مختلفاً جداً عن إنسانه الخارق» 


5ه 


وفي النهاية فقد عقله. إنه لم يتخل عن الله جذلاناً - كما تقودنا النشوة في نثره إلى تصور 
ذلك "فل :قضبيلاة مها بعد ارعاف بواريماشن بضمل زرادهت يتوس إلى الله أن يغره» 
لا! عد أدراجك.. 
بكل عذاباتك... 
آهِ عد أدراجك. إلى نهاية وحدتنا ووحشتنا! 
كل سيول دموعي 
تجري من أجلك. 
واللهب الأخير في قلسي 
يتحرق إليك. 
أه تعال 
ياإلهي امجهول... ياألمي.. ياسعادتي الأخيرة”' ". 
لقد استخدمت الأجيال الالمانية اللاحقة نظريات نيتشه كما استخدمت نظريات 
هيغل كي تبرر السياسات الإشتراكية القومية» مذكرة بأن الإيديولوجيا الإلحادية قد تؤدي 
إلى أخلاق صليبية شرسة مثلها مثل فكرة الله. 
كان الله دائماً موضوع صراع في الغرب وكانت وفاته محاطة بالتوتر والخراب 
واليأس. وهكذا فى قصيدة الشاعر ألفرد لورد تنّيسون (في الذكرى) قصيدة الشك 
الفيكتوري العليية زائحة الشاعر رعباً من منظور طبيعة اميا لاهدف لهاء حمراء في 
سنها ومخلبهاء نشرت القصيدة في عام 185٠‏ أي قبل نشر (أصل الأنواع) بتسع 
سنوات. العا ة أن تبون "قد افعر ملفا أن تمان كان يتقرض وأن نفسه 
كانت تتضاءل ! إلى: 
رضيع بيكي في الليل 
رضيع ييكي من أجلى النور 
وبلا لغة. لكن صرخة”". 
أما مائيو أرنولد فقد ندب في (شاطىء دوفر) تراجع بحر الإيمان الذي لايرحم وترك 
لبشر هائمين على سهل يلفه الظلام. لقد امتد الشك واليأس إلى العالم الأرثوذوكسي علماً 
إنكا ر الله لم يكن د يسير على مسارات الشك الغربي ذاتها بل كان أكثر في طبيعة إنكار 
- النهائي. فيودورد ستويفسكي في روايته (الاخوة كارامازوف) 1٠١‏ التي تصف 
موت الله؛ أوضح صراعه فيها بين الإيمان والإنكار في رسالة كتبها إلى أحد أصدقائه في 
آذا ر عام ع« هما : 


/اه؟ 


أنظر في نفسي كطفل من العصر, طفل لعدم الإهان والشك. إنه محتمل 
كلا. إنني أعلم علم اليقين أنتي سوف أبقى كذلك حتى يوم وفاتي. 
لقد عذبني التوق إلى أن أؤمن.. فأنا كذلك حتى الآن. 
تكبر اللهفة لتصبح أشد.. . لتشمل الصعوبات الفكرية المفحمة التي تقف 
في الطريق)”' '"©. 
رواياته متناقضة مثل إيمانه. فالشخصيات الأخرى وصفت إيفان على أنه ملحد 
(وتنسب إليه بديهية مشهورة الآن): «إذا لم يكن الله موجوداً؛ فكل شيء مسموح به»» 
وبالتالى فإنه لايؤمن بالله. فهو لايجد من المقبول أن يخفق الله في تقديم معنى نهائي لمأساة 
الحياة. إيفان ليس مشوساً بنظرية الارتقاء بل بعذاب البشرية في التاريخ: موت طفل واحد 
ثمن باهظ ندفعه مقابل المنظور الدينى بأن كل شيء سيكون على مايرام. في هذا الفصل 
بترى أن البهود قذ توصلا إلى التعيجة ذاتها. بالمقابل' يعترف إليوشا القديس'أنه لايؤمن 
يالله» اعتراف ينبع - كما يبدو من لاشعوره بعيدا عن رقابة وعيه. لقد استمر التساهل 
وإحساس غامض بالانحسار يثويان في أدب القرن العشرين بصورته للأرض اليباب 
وللبشرية منتظرة مجيء غودو الذي لن يأتي أبداً. 
أما في العالم الإسلامي فقد كان هناك قلق وعدم ارتياح ممائلين» على الرغم من 
أنهما كانا ينبعان من مصدر مختلف ثماما. بحلول نهاية القرن التاسع عشر كانت الرسالة 
التحضيرية من (كلمة الحضارة) لأوروبا خارج مسارها. كان الفرنسيون قد استعمروا 
الجزائر في عام ١8١‏ واستعمر البريطانيون عدن في عام 1875 . وتابع الاوروبيون 
مسيرتهم الاستعمارية» فقد استولوا بعد ذلك على تونس عام ١88١‏ وعلى مصر عام 
وعلى السودان عام ١894‏ وعلى ليبيا والمغرب عام ١59١١‏ . في عام ١97٠‏ 
كانت فرنسا وبريطانيا قد قسمتا الشرق الأوسط فيما بينهما إلى محميات وانتدابات. 
فجعل هذا المشروع الاستعماري النموذج الأوروبي رسمياً لأن الأوروبيين كانوا يرسمون 
سيطرة اقتصادية وثقافية خلال القرن التاسع عشر باسم الانتقال إلى الحداثة. لقد أصبحت 
أوروبا التقنية القوة المسيطرة على العالم. أسست المراكز التجارية والبعئات القنصلية في 
تركيا والشرق الأوسط. نأدى ذلك إلى تلغيم البنية الترائية لهذه المجتمعات قبل زمن طويل 
من الحكم الغربي الفعلي لها. فكان هذا نوعاً جديداً تماماً من الاستعمار. عندما فتعم المغول 
الهند تمثل السكان الهنود الكثير من العناصر الإسلامية في ثقافتهم. لكن الثقافة الوطنية 
شقت طريقها في النهاية عائدة. لقد أحدث هذا النظام الاستعماري الجديد تمولاً أبدياً في 
حياة السكان مؤسساً بذلك شكلاً للحكم غير مستقل. 


كان من انمحال لهذه البلدان المستعمرة اللحاق بركب الحضارة. فقد نسفت 
المؤسسات القديمة بشكل مدمرء وكان المجتمع الإسلامي نفسه منقسماً بين دعاة إلى 
التغريب وبين بون آخرين مناقضين لهم. وتوصل بعض المسلمين إلى قبول التقييم الغربي لهم 
كشرقيين» ينضم إليهم الهنود والصينيون دون تمييز. وكان البعض ينظر من علي إلى أبناء 
بلدهم الأكثر ترائية. ففي إيران كان الشاه نصر الدين ١848(‏ - 5 يصّر على أنه 
يكره رعاياه. إن ما كان حضارة حية بهويتها وتكاملها قد تحولت تدريجياً إلى مجموعة 
من دول غير مستقلة كانت نسخاً مشوهة عن عالم غريب. كان الإبتكار هو الجوهر في 
سيرورة التحديث في أوروبا والولايات المتحدة: وبذلك لم يكن بالإمكان بلوغه عبر 
التقليد. فالأنثروبولوجيون الذين يدرسون اليوم البلدان أو المدن التي انتقلت إلى الحدائة في 
العالم العربي مئل القاهرة يشيرون إلى أن الهندسة المعمارية ومخطط المدينة يعكسان 
السيطرة أكثر ما يعكسان التقدم0""©. 


أخذ الأوروبيون ‏ من جانبهم ‏ يعتقدون أن ثقافنهم ليست أعلى في الوقت الحاضر 

فقط بل أنها كانت دائمة في عربة التقدم. إنهم يظهرون جهلا كبيرا بتاريخ العالم. 
فالهنود والمصريون والسوريون كان يجب نقلهم إلى الحداثة من أجل صالحهم. وقد عبر 
عن هذا الموقف الاستعماري إفيلين بارنغ المستشار العام للورد كرومر في مصر من عام 
188 حتى 1981 . 

لقد قال لي السير ألفرد ليال ذات يوم: «الدقة مقيتة على العقل الشرقي». 

ويجب أن يتذكر كل أنجلو ‏ هندي دائماً تلك البديهية. الافتقار إلى 

الدقة التي تنحط بكل سهولة إلى عدم مصداقية هي في الحقيقة سمة 

العقل الشرقي الأساسية. 

بينما الأوروبي مُحَاكمٌ دقيق» وتعبيره عن الحقيقة لالبس فيه. إنه عالم 

منطق طبيعي على الرغم من أنه قد لايكون درس المنطق. إنه بطبعه 

شكاكء ويطلب البرهان قبل تصديق أي اقتراح. فذكاؤه المدرب يغمل 

مثل جزء من آلية. بينما عقل الشرقي مثل شوراعه الجميلة يفتقر إلى 

التناسق بشكل متأصل. فمحاكمته هي وصف لامبال. وعلى الرغم من 

بلوغ العرب درجة أعلى نوعاً ما في علم الديالكتيك إلا أن أحفادهم 

يفتقرون إفرادياً إلى المقدرة المنطقية. فهم في أغلب الأحيان غير قادرين 

على الوصول إلى أكثر الاستنتاجات وضوحاً من أية مقدمات بسيطة قد 

يقبلون الحقيقة منها9 ©. 


إحدى المشكلات التى كان ينبغى التغلب عليها كانت الإسلام: فالصورة السلبية 
للنببي محمد ودينه كانت قد تطورت في المسيحية في عصر الصليسيين» وكانت موجودة 
جنباً إلى جنب مع معاداة السامية في أوروبا. خلال الفترة الاستعمارية كان يُنْظَرُ إلى 
الإسلام كدين قَدَري معارض للتقدم تاريخياً. فقد شجب اللوردكرومر ‏ على سبيل المثال 
محاولات المصلح المصري محمد عبده زاعماً أن من احال أن يجدد الإسلام نفسه. 


0 


لم يكن لدى المسلمين سوى وقت قصير أو قدرة يسيرة على تطوير فهمهم لله 
بالطريقة التراثية لأنهم كانوا منشغلين في الصراع من أجل اللحاق بالغرب. فقد رأى 
وشاذاً فقط في العالم الإسلامي لأنه لم يتطور بشكل طبيعي عن ترائهم الخاص في زمن 
حاص. في الغرب كان الله يعتبر 0 للتغريب» وفى في العالم الإسلامي كان عملية 
استعمارية. سعر الناس بالضياع وفقدان الاتجاه بعد أن تمت قطيعتهم عن جذور ثقافتهم. 
لقد حاول بعض المصلحين المسلمين تسريع أسباب التقدم بتنحية الإسلام إلى دور ثانوي؛ 
فلم تكن النتائج كما توقعوا على الإطلاق. ففي تركيا الدولة القومية الحديثة التي ظهرت 
بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية فى عام ١191١17‏ حاول مصطفى كمال )١978-1١88١(‏ 
الذي لقب لاحقاً ب كمال أتاتورك أن يحول بلاده إلى أمة غربية. فألغى الإسلام كدين 
للدولة» وجعل الدين شأنا فردياً خاصاً. وتم منع الحلقات الصوفية فأصبحت سرية 
وأغلقت المدارس الفقهية» وتوقف التدريب الرسمى للعلماء. وتجسدت هذه السياسة 
الدنيوية اللرئة بعص المظاقر كل رع الطربوش الذي كان يبعال القدرة على الرويه عند 
الطبقات المتدينة) وكا آنا محاولة نفسية لإجبار اكانن على ارجا الزري الغربي. فأصبح 
اعتمار القبعة بدلا من الطربوش يعني السير على الدمط الأوروبي. أما رضا خان شاة إيران 
من ار حتى )١5141١‏ الذي كان ليما ا فقد 0 بسياسة مماثلة: 0 


لقد كان رأي فرويد الحكيم أن أي قمع للدين بالقوة سيؤدي إلى نتائج مدمرة فقط 
مثله مثل الميل الجنسي» فالدين حاجة إنسانية تؤثر فى الحياة على كل مستوى. فإذا مام 
قمع الدين فمن المحتمل أن تكون النتائج مفجرة وتدميرية مثلها مثل أي كبت جنسي 
شديد. فقد نظر المسلمون إلى تركيا وإيران الحديثتين بارتياب. كان في إيران تراث راسخ 
مسيق »6 كان رجال الدين فيه معارضين للشاهانات باسم الشعب» واعيانا كانوا يحرزوث 


الل 


نجماحاً غير عادي. . ففي عام ١17/7‏ عندما باع الشاه احتكا ر إنتاج وبيع وتصدير التبغ إلى 
اموي امنا المصنعين الإيرانيين خارج العمل أصدر رجال الدين فتوى تمنع الإيرانيين 
من التدخين, فكان الشاه مجبراً على تقديم التنازلات. لقد أصبحت المدينة المقدسة «قم) 

بديلة عن النظام الظالم الوحشي بشكل متزايد في طهران. إِنّْ قَمْع الدين قد يولد 
الأصولية] كما قد تؤدي أشكال غير ملائمة من الإيمان بوحدانية الله إلى إنكار للّه. فقد 
أدى إغلاق ريع انا إلى انحطاط سلطة العلماء. وكان هذا يعني تراجعاً في 
دور العنصر الأكثر تعليماً وهدوءاً ومسؤولية في الإسلام» بينما بقيت الأشكال الأكثر 
إفراطاً للصوفية السرية كأشكال وحيدة من الدين. 

كان مصلحون آخرون مقتنعين أن القمع بالقوة لم يكن الإجابة. فقد ازدهر الإسلام 
ذائماً باحتكاكه بالحضارات الأخرئ» وكانوا يعتقدون أن الدذين أمر أسامي فى أية سدركة 
إصلاح عميقة طويلة المدى مجتمعاتهم. هناك الكثير هما ينبغي تغييره» كان هناك الجهل 
والخرافة. مع ذلك فقد ساعد الإسلام الناس أيضا على تنمية فهم جدي: فإذا ماسم 
للإسلام أن يغدو عليلاً فإن الوجود الروحي السليم للمسلمين في العالم أجمع سيعاني 
أيضاً. لم يكن المصلحون المسلمون معادين للغرب بل وجد معظمهم المثل الغربية كالمساواة 
والحرية والاخوة ملائمة, لان الإسلام يشترك في القيم اليهودية ‏ المسيحية التي كان لها 
تأثيراً هاماً في أوروبا والولايات المتحدة. لقد خلق تحديث المجتمع الغربي - في بعض 
نواحيه ‏ نمطا جديداً من المساواة» وأخبر المصلحون شعوبهم أن هؤلاء المسيحيين بدوا 
يعيشون حياة إسلامية أفضل من المسلمين. كان هناك حماس كبيرء وإثارة تجاه هذه 
المواجهة الجديدة مع أوروبا. لقد تلقى المسلمون الأغنياء العلم في أوروباء واستوعبوا 
فلسفتها وأدبها ومثلها ثم عادوا إلى بلدانهم متلهفين لنشر ماقد تعلموه في بلدانهم. ففي 
بداية القرن العشرين كان تقريباً كل مثقف متعلم معجباً متحمسأ للغرب. 

كان لدى - جميع المصلحين 0 فكرية ومع ذلك كانوا مرتبطين بأد أشكال 
الصوفية الإسلامية. 1 الأكثر تخيلية وذكاء من الصوفية» والصوفية الإشراقية قد 
ساعدت المسلمين في كوارث سابقة فاتجهوا ا من جديد. معرفة الله لم تكن تعتبر 
معوقاً بل قوة دافعة للتحول في مستوى عميق يُسَررْع الانتقال إلى الحداثة. جمال الدين 
الأفغاني (4ا- تخدلم كان خبيراً في صوفية الإشراق السهروردية في ذلك الوقت» 
كما كان أيضاً مدافعاً متحمساً عن التحديث. فأثناء ارتحاله في إيران وأفغانستان ومصر 
والهند سعى أن يكون واحداً بالنسبة للناس جميعاً. كان قادراً على تقديم نفسه سنياً للسنة» 


ادن 


وشهيداً شيعياً للشيعة» وثورياًء وفيلسوفاً دينياًء وبرمانياً. قواعد الصوفية الإشراقية تساعد 
المسلمين على الإحساس بوحدة العالم من حولهم وعلى الدخول في تجربة تحرر خالية من 
0 التي تعيق في الذات” "©. لقد قيل أن لامبالاة الأفغاني وتبنيه لأدوار مختلفة كانت 
ثرة بقواعد الصوفية بمفهومها الموسع للذات. كان الدين أساسياً مع أن الإصلاح كان 
ويا كان الأفغاني مقتنعاً مع أنه كان مؤمناً مم كله لم يتحدث سوى ى القليل 
عن الله فى كتابه (تفنيد الماديين). كان يعرف أن الغرب يقدر العقل» ويعتبر الإسلام 
والشرقيين غير عقلانيين لذلك حاول الأفغاني أن يصف الإسلام كدين متميز بإيمان 
بالعقل لارحمة فيه. وف لللقيقة لو قيض عي للسمترية الإلبادع على هد الرأي لما وجدوا 
هذا الوصف لدينهم أمراً غريباً. كان الأفغاني من النشطاء السياسيين أكثر ما كان فياسوفاً 
وبالتالي يجب ألا نقيم حياته وقناعاته من خلال هذه المحاولة الأدبيةالوحيدة. مع ذلك 
فتصوير الإسلام بطريقة محسوبة كي يتناسب مع مايفهم أنه مثل أعلى غربي - يبون افتقاراً 
جديداً للثقة في العالم الإسلامي» هذا الافتقار الذي سيصبح بعد فترة قصيرة مدمراً جدا. 
كان لمحمد عبده )١505  ١6549(‏ تلميذ الأفغاني طريقة مختلفة. لقد قرر أن 

يركز نشاطاته فى مصر وحدهاء وعلى التربية الفكرية للمسلمين فيها. كان قد تلقى تربية 
إملامية ثزائية جماته نحت تاثير المتصوف الشيخ درويش الذي لقنه أن العلم والفلسفة هما 
الطريقان الأكثر أمناً إلى معرفة الله. فعندما بدأ عبده الدراسة في الأزهر الشريف في 
القاهرة سرعان ماخيب ظنه المنهج المقرر القديم. لقد جذبه الأفغاني الذي علمه في المنطق 
واللاهوت والفلك والفيزياء والصوفية. شعر بعض المسيحيين في الغرب أن العلم كان عدو 
الإيمان لكن المتصوفين المسلمين كثيراً مااستخدموا الرياضيات والعلم كعامل مساعد للتأمل. 
ويبدي المسلمون في بعض الطوائف الشيعية الأكثر صوفية والمتحررة مثل الدروز أو العلويين 
اهتماماً "خاضاً بالعلم اذيك اك تحقطات كبيزة حيال. السناسات الغربية في :الغالم 
الإسلامي» لكن قلة من المسلمين يجدون مشكلة في مصالحة إيمانهم بالله مع العلم الغربي. 
كان محمد عبده متأثراً باحتكاكه بالثقافة الغربية» وكان متأثراً بكومت يشكل 
خاص وبتولستوي وهيربرت سبنسر الذي كان صديقاً شخصياً له. لم يتبنّ أسلوب حياة 
غربية كامل بل كان يحب زيارة أورويا بانتظام كى يجدد نفسه فكرياً. لايعنى هذا أنه 
تخلى عن الإسلام بل كان بعيداً كل البعد عن ذلك. لقن أراد عقيف 'العودة إلى لاوز 
دينه) ولذلك دعا | إلى العودة إلى روح النبي والخلفاء الراشدين. ولم تكن تستدعي دعوته 
هذه رفضاً أصولياً للحدائة. لقد أصر على أنه ينبغي على المسلمين أن يدرسوا العلم 


دنا 


والتكنولوجيا والفلسفة الدنيوية كي يتبوؤًا مكانتهم في العالم الحديث. يجب إصلاح 
القانون الشرعي كي يمكن المسلمين من بلوغ الحرية الفكرية التي كانوا بحاجة ماسة لها. 
لفد حاول أن يقدم دينه كدين عقلاني قائلاً أن العقل والدين فى القرآن سارا يدا بيد لأول 
قر ف 'النا ريق لسري فقيل جعرة النس ‏ كاف «الرمدى تحاط بالممتعر انها والأباطرر 
والبلاغة غير العقلانية» لكن القرآن لم يلجأ إلى هذه الأساليب البدائية. لقد «قدّم البرهان 
والإيضاح» وشرح وجهات نظر غير المؤمنين وندد بهم عقلانياً»9 ©. كان الهجوم الذي 
قاده الغزالي على الفلاسفة تطرفاًء وسبب الفرقة بين التقوى والعقلانية التى أثرت على 
موقف العلماء الفكري» وتجلى هذا في المنهج الدراسي المقرر في الأزهر. على المسلمين أن 
يعودوا إلى روح القرآن العقلانية الأكثر انفتاحاء مع ذلك أحجم عبده عن النزعة العقلانية 
الاختزالية كلياً. فقد استشهد بالحديث «فكروا في خخلق الله لكن لاتفكروا في طبيعة الله 
وإن فعلتم فإنكم هالكون). فالعقل لايمكنه فهم الوجود الأساسي لله الذي ييقى. مخلفاً 
بالغموض. كل مايمكننا بلوغه هو الحقيقة التالية: الله لايشبه أي كائن آخر. وجميع الأسكلة 
الأخرئ التي تشغل اللاهوتيين تافهة بكل بساطة» ويستبعدها القرآن على أنها زنا. 

أصبح المصلح البارز في الهند السيد محمد إقبال لاما -1174) كل لبلمي 
الهند ماكان يمثله غاندي للهندوس. لقد كان متأملا متصوفاً بالأمناين» وشاعر الأردية, 
لكن ثقافته كانت غربية» وكان حائزاً على شهادة الدكتواره في الفلسفة. كان شديد 
الحماس تجاه بيرغسون ونيتشه وأ.ن. وايتهيد. وحاول أن ينشط الفلسفة على ضوء 
زؤاهم» معتير ا لقن دم + بين الشرق والغرب. ومارأه من انحطاط الإسلام ‏ فى الهند ملأه 
غم فمنذ انهيار الإمبراطورية المغولية في القرن الثامن عشر كان سمو اله يشعرون 
أنهم في موقع زائف. كانوا يفتقرون إلى الثقة التي كانت لدى إخوانهم في الشرق 
الأوسط حيث كان الإسلام في موطنه. وبالتالي كانوا ميالين للدفاع» وغير أمنين أمام 
البريطانيين. حاول إقبال علاج قلق شعبه عن طريق إعادة بناء إبداعية للمبادىء الإسلامية 
عبر الشعر والفلسفة. 

تشكب إقبال من هؤلاء الفلاسفة الغربيين مثل نيتشه أهمية النزعة الفردية. فقد أعاد 
الكون كله تقديم مطلق كان أعلى شكل للتفرد أسماه الناس الله. فكي يحقق البشر 
طبيعتهم الفريدة يجب أن يصبحوا أكثر شبهاً بالله. كان ذلك يعني أن يصبح كل إنسان 
أكثر تفرداً وإبداعية, فت أن يعبر عن إبداعه في العمل. بحب لصوي عن السام 
والتواضع الجم (اللذين يرجعهما إقبال إلى التأثير الفارسي). يجب أن يشجعهم المبدأ 


ركون 


الإسلامي «الاجتهاد) على الانفتاح على الأفكار الجديدة: فالقرآن نفسه يأمر بمراجعة 
مستمرة وتقص للذات. وقد حاول إقبال ‏ مثل سابقيه: عبده والأفغاني إيضاح أن الموقف 
التجريبي الذي كان المفتاح إلى التقدم كان إسلامي المنشأ وتم نقله إلى الغرب عبر العلوم 
والرياضيات الإسلامية خلال العصور الوسطى. فقبل وصول أديان الإقرار العظيمة خلال 
العصر ا محوري كان تقدم البشرية مصادفة, ومعتمداً على أفراد موهوبين وملهمين. فنبوة 
محمد كانت ذروة هذه المساعى الحدسية» وجعلت أي ظهور اخر غير ضروريء فمن هنا 
فصاعداً أصبح بإمكان الناس الاعتماد على العقل والعلم. 

انوع لحك عيطت لظ" الفرروزة ؟ بلك يطدود ا هو الراقية رقي الداتي انها 
أصبحت غاية بحد ذاتها. فقد نسي النايس أن كل روه ققة كانت ميكيلة عن الله 
فبالإمكان استخدام عبقرية الفرد في تأثير خطير إذا ماترك لها العنان بشكل مطلق. لقد 
كان جيل من الخارقين الذين اعتبروا أنفسهم آلهة ‏ كما صورهم نيتشه ظاهرة مخيفة: كان 
الناس بحاجة إلى معيار يتجاوز رغبات ومفاهيم اللحظة. كانت رسالة الإسلام إعلاء 
الطبيعة الفردية الحقة ضد الافساد الغربي للمثل الأعلى. كان لديهم مثلهم الأعلى الصوفي 
«الإنسان الكامل) غاية الخلق والهدف من وجوده. فالإنسان الكامل مختلف عن الإنسان 
الخارق الذي رأى نفسه فوق الرعاع فضلاً عن كراهيته لهم. بينما يتسم الإنسان الكامل 
بانفتاحه الكامل على المطلق وحمله لجماهير الناس معه. فحالة العلم الراهنة كانت تعني أن 
التقدم اعتمد على مواهب النخبة الذين يستيطعون أن يروا ماوراء الحاضر ويدفعوا البشرية 
إلى الأمامء إلى المستقبل. وفي النهاية سيحقق كل امرىء تفرده الكامل في الله. كانت 
نظرة إقبال فى دور الإسلام مجتزأة لأنها كانت أكثر تعقيداً من المحاولات الغربية الراهنة 
للدفاع عن المنيعية على حبيناب الإسلاة. فيفواته كول اليل الأعى: للإنسات الخارق 
بررتها تماماً أحداث وقعت في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة من حياته. 


في هذه الأثناء لم يعد العرب المسلمون في الشرق الأوسط واثقين كثيراً من 
مقدرتهم على احتواء التهديد الغربي. فسنة ١57١‏ التي سارت فيها بريطانيا وفرنسا إلى 
الشرق الأوسط أصبحت تعرف بعام النكبة ولهذه الكلمة مضامين كارئة كونية. كان 
العرب يأملون بالاستقلال بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. فبعد السيطرة الجديدة بدا لهم 
أنهم لم يتسلموا زمام أمورهم وسرت إشاعة بأن البريطانيين ينووث تسليم فلسطين إلى 
الصهاينة» وكأن السكان العرب غير موجودين: كان الإحساس بالذل والعار حادأ فقد 
شان العلامة الكندي ولفرد كانتويل سميث أن هذا الإحساس قد فاقمه ذكرى ماضيهم 


العظيم: «في الهوة بين العربي المعاصر والأمريكي المعاصر على سبيل المثال هناك مسألة غاية 
في الأهمية وهي: الفارق الكبير بين مجتمع لديه ذكرى عن ماض عظيم؛ والإحساس 
بعظمة راهنة”""2. كان لهذا معانٍ دينية حاسمة. واسوجة عي دين معاناة وعدارة في 
الغرب على الأقل» كان ذلك أكثر مصداقية في الأوقات العصيبة: فليس سهلاً إحاطة 
عظمة دنيوية بصورة المسيح انا فالإسلام على أية حال هو دين تجاح. فقد نادى 
القرآن بمجتمع يعيش وفقا لإرادة الله (مرسخا العدل» والمساواة» وتوزيع عادل للثروة)» 
لايمكن أن يفشل. وبدا أن التاريخ الإسلامي يؤكد هذا. فمحمد ليس على شاكلة المسيح ‏ 
لم يكن فشلاً ظاهراً بل على العكس من ذلك كان نجاحاً مبهراً. فإنجازاته يؤكدها التقدم 
0 كان ظاهرة في الإمبراطورية الإسلامية خلال القرنين السابع والثامن. فكان طبيعياً أن 

هذا إيمان العروباله. اتضح أن الله فعال جداًء وقد وفى بكلمته في حابة التاريخ 
0 اللجاج الإسلامي. : فعبر القرون كسس الأمة أهمية مقدسة) وقد كشفت عن 
حضور الله. أمآالآن ققد يدا أن عط ما داقها قد تحدت للتاريخ الإسلامي» وأثر هذا على 
فهمهم للَّه. فمن تلك الفترة فصاعداً سي ركز مسلمون كثر على إعادة التاريخ الإسلامي إلى 
مسارهء وعلى جعل الرؤية القرآنية فعالة في العالم. 

تفاقم الإحساس بالعار عندما كشفت معرفة أكثر دقة بأوروبا عن عمق الكراهية 
الغربية للنبي ودينه. كان العالم الإسلامي مكرساً للدفاع عن العقائد الإسلامية أو عن 
الحلم بالانتصار الماضي كخميرة خطيرة. لم يعد الله مسرحاً مركزياً. ويتتبع كانتويل 
سميث هذه السيرورة فى تقص دقيق للمجلة المصرية (الأزهر) من عام 1948-151٠‏ . 
خاذل كلاكه القدرة كا للفسيلة رع ولك 0 وعدا املع عمو ع ا ١411‏ 
رجل ترائي من أفضل نوع. كان يرى دينه فكرة متسامية أكثر ما يراه هوية تاريخية 
وسياسية كال الإسلام ملزماً بالدعوة لعمل مستقبلي أكثر منه واقعاً قد تحقق تماماً. فما دام 

من الصعب دائماً ‏ بل مستحيلاً ‏ حتى تجسيد المثل الأعلى الإلهي في حياة البشرء لم يكن 

حسين يائساً من إخفاقات الأمة في الماضي أو الحاضر. 

كان لديه ثقة كافية كي ينتقد سلوك المسلم» وكلمات مثل (ينبغي) و(يجب») 
موجودة في جميع أعداد انمجلة طيلة مدة رئاسته لها. مع ذلك كان واضحاً أن حسين لم 
يستطع أن يقخيل محنة إنسان كان يريد أن يؤمن لكنه وجد أنه ليس في وسعه فعل ذللك: 
فوجود الله أمر بدهي. في عدد مبكر كتب يوسف الدجيني مقالة لخصت الجدل اللاهوتي 
القديم حول الله ويشير سميث إلى أن أسلوب المقالة كان بالأسانين ا ويعبر عن 
استحسان كبير لجمال وعظمة الطبيعة التي كانت تكشف عن حضور الله. لقد كان 


كان 


الدجيني مؤمناً يوجود الله دون شك فمقالته تأمل أكثر منها شرح منطقي لوجود الله. ولم 
يكن مهتماً أبداً بنسف العلماء الغربيين لهذا البرهان كله. وبالتالي كان موقفه خارج سياق 
عصره. لقد هبط توزيع المجلة. 
عندما تسلّم فريد وجدي المجلة في عام ١978+‏ تضاعف عدد القراء. كان اهتمامه 

الرئيسي هو أن يؤكد لقرائه أن الإسلام كان على مايرام. لم يكن ليخطر ببال حسين أن 
الإسلام - فكرة معسامية في عقل الله قد يحتاج إلى المساعدة. من .حين لآخرء لكن 
وجدي رأى الإسلام مؤسسة إنسانية معرضة للخطر. الحاجة الأساسية هي التبري 
الإعجاب» الإطراء. وكما يبين سميث ثمة نزعة لادينية عميقة في عمل وجدي. فقد 
جادل على شاكلة سابقيه أن الغرب كان يعلّم ما اكتشفه الإسلام فقط قبل قرون خلت. 
لكنه اختلف مع سابقيه في قلة إشاراته إلى الله. كان واقع الإسلام البشري هو مركز 
اهتمامه: والقيمة الدنيوية هذه قد حلت بمعنى ما محل الإله المتعالي . يختتم سميث حديثه 
قائلاً: 

المسلم نحقا لبس"امرق يومن' بالإسلام ت بخاضة الإسلام في التاريخ؛ لكنه 

المسلم الذي يؤمن بالله ويلتزم بالوحي الذي جاء به نبيه. فالأمر الثاني 

يلقى إعجاباً كافياً. لكن الالتزام مفقود ونادراً مايظهر الله بشكل ملحوظ 

خلال هذه الصفحات0*©. 

يدلا من ذلك هناك عدم استقرار وغياب لتقدير الذات: لقد أصبح رأي الغرب مهما 

بشكل قاتل. فأناس مثل حسين قد فهموا الدين ومركزية الله لكنهم كانوا يفتقدون الصلة 
بالعالم الحديث. والناس الذين كانوا على احتكاك بالحداثة قد فقدوا الإحساس بالله. من 
عدم الاستقرار هذا ينبع النشاط السياسي الذي يَيسم الأمبولية الحديئة التي هي أيضاً في 
حالة تراجع عن الله. 


لقد تأثر يهود أوروبا أيضاً بنقدٍ معادٍ لدينهم. ففي أمانيا طور فلاسفة يهود ماأسموه 
«علم اليهودية» الذي أعاد كتابة التاريخ اليهودي بمفردات هيغيلية كي يواجه التهمة بأن 
اليهودية كانت دين تغريب عبودي. اولاق خاو إعادة تفسير تاريخ إسرائيل هو سليمان 
فورمستشر ١8٠١8(‏ - 1884) في كتابه (دين الروح) ١84١‏ فقد وصف الله وه 
عالمية متأصلة في كل شيء. هذه الروح لم تكن تعتمد على العالم كما قال هيغل. أصر 
فورمستشر على أنها تقع في منأى عن العقل؛ مستنداً بذلك على الفارق القديم بين جوهر 
الله وقدراته. فحيث شجب هيغل استخدام اللغة التمثيلية قال فورمستشر أن الرمزية هي 


اللا 


الوسيلة المناسبة الوحيدة للوصول إلى فهم متقدم للمقدسء وأنها تبين تقريباً للعالم بأكمله 
كيف كان شكل الدين الروحي الحق. 

قال فورمستشر إن الدين الوثني البدائي قد ماثل الله بالطبيعة. وهذه الفترة العفوية 
اللاعقلانية صورت طفولة لجنس البشري. وعلامامكقن الشل دوي أعلى من وعي للذات 
أصبحوا مستعدين للتقدم إلى فكرة ألوهة أكثر تعقيدا: لقد بدأوا يدر كون أن هذا الله أو 
الروح لم يكن محتوى في الطبيعة بل كان موجودا فوقها وخارجها. الانبياء الذين توصلوا 
إلى هذا التصور الجديد للإله بشروا بدين أخلاقي. في البداية اعتقدوا أن إيحاءاتهم قد أت 
قر ارح ذراته لكنهي قهمرا تدرييا ألم لم بكرنرا سكلين على | لبا حك 
0 هذا التصور لألاني لل فسنوات النفي 0 وققدان ميكل نهم م كال 
مقاربة الله بحرية. 1 عر كار دارع 0 ولم تدجنهم ري غريبة كما زعم 
كانط وهيغل. لقد تعلموا بدلاً من ذلك أن يجدوا الله من خلال عقولهم وفرديتهم. 
حاولت المسيحية 0 محاكاة ال و انو عع أقل. فالمسيحية 
0 تامأ وو ااي وا لت من تطوره بأ شعو حاب 
القوانين الطقوسية التي كانت عائقاً منذ مرحلة مبكرة» المرحلة الأقل نطورا في تاريخهم 


كان أنصار «علم اليهودية) ل المصلحين المسلمين متلهفين لتقديم دينهم كدين 
عقلاني كلياً. كانوا متلهفين ‏ تحديداً - للتخلص من القبالة التي أصبحت مصدر إزعاج لهم 
منذ إحفاق شبتاي زيفي ونهوض الهاسيدية 1125101552 . بعد ذلك أقدم صموئيل هيريش 
الذي نشر (فلسفة اليهود الدينية) ١8147‏ » على كتابة تاريخ لإسرائيل تجاهل البعد الصوفي 
في اليهودية» وقدم تاريخاً عقلانياً أخلاقياً لله ركز على فكرة الحرية. تميز الكائن البشري 
بالمقدرة على قول كلمة «أنا». مَثَّل هذا الوعي الذاتي حرية شخصية تبعده عن التغريب. 
كان الذي ين الوثني غير قادر على رعاية هذه الاستقلالية. في المراحل الأولى من التطور 
البشري كانت تأتي نعمة وعي الذات من فوق على مايبدو. لقد حدد الوثتيون مصدر 
حريتهم الشخصية مع الطبيعة» وكانوا يعتقدون أنه لاسبيل إلى تجنب بعض عيوبهم. رفض 
إبراهيم هذه القدرية والاتكالية الوثنيتين. وقف وعيدا في حضرة الله في حالة سيطرة تامة 
على ذاته. إنسان كهذا سوف يجد الله في جانب من جوانب الحياة. بالل منيد الكرن - 


دن 


قد رتب العالم كي يساعدنا على تحقيق هذه الحرية الداحلية» ولايجري تلقين الفرد هذه 
الغاية من قبل أي فرد آخر بل من الله نفسه. فاليهودية لم تكن دين العبودية الذي تخيله 
غير اليهود. لقد كان دوماً ديناً متقدماً على المسيحية التي أدارت ظهرها إلى جذورها 
اليهودية وارتدت إلى لاعقلانية وخرافات الوثنيين. 

ناخمان كروخمال )١184٠ - ١785(‏ الذي نشر كتابه (دليل الحيارى في عصرنا) 
0١‏ لم يرتد عن الصوفية مثلما فعل زملاؤه. فقد كان يحب أن يسمي الله أو الروح 
«لاشيء نه مثل القباليين واستخدام صورة الفيض - كما استخدمها القباليون كي 
يصف إظهار الله لذاته. وزعم أن إنجازات اليهود لم تكن نتيجة اتكال مذل على الله بل 
نتيجة لفعاليات الوعي الجمعي. وقد شذب اليهود مركي مفهومهم لله عبر القرون. 
وغكذا كان على الله في رقت اخروج أن يكشف عن حضوره في معجزات. وفي عصر 
العودة من بابل أحرز اليهود تصوراً أكثر تطوراً لنِّ وآياته وأعاجيبه لم تعدا خرؤريةب «التصور 
اليهودي لعبادة الله لم تكن اتكالية عبودية كما تخيلها الغوييم بل كانت مطابقة تماماً 
للمثل الأعلى الفلسفى. فقد أشار هيغل إلى الفارق الوحيد بين الدين والفلسفة: فالفلسفة 
ديرت ع نقيتها في مفاهيم ييخما اخدء الدين لغة مفيلية. فكان هذا النوع من اللغة 
الرمزية مناسباً لأن الله يتجاوز جميع مفاهيمنا عنه. وفي حقيقة الأمر لايمكننا حتى القول 
أنه ويه لذن مغرقنا االوجوه عجم محذدا ومعدودة. 

تلقت الثقّة الجديدة التي - جلبها التحرر صفعة قاسية باندلاع عداء أثم للسامية في 
روسيا وأوروبا الشرقية في عهد الك نيقولا الثاني عام ١8١‏ » وامتد هذا العداء إلى 
أوروبا. ففي فرنسا ‏ أول بلد حرر اليهود - حدث سعار هستيري معاد للسامية عندما حكم 
على الضابط اليهودي ألفرد دريفوس بالخيانة عام ١445‏ . وفي السنة ذاتها انتخب كارل 
لوغير المعادي البارز للسامية عمدة لمدينة فيينا. وتخيل اليهود أنهم كانوا آمنين قبل استلام 
هتلر للسلطة في ألانيا. ولذلك بدا هيرمن كوهن ١9١ - ١847‏ منشغلاً بالعداء 
لميتافيزيقي للسامية عند كانط وهيغل» وكان مهتماً ‏ قبل كل شيء - بالتهمة الموجهة إلى 
النووفية جأنها دين غنوفية: انكر كوم 61 الله كا وعوردا خارسيا قسن لطاع عن 
عليائه. فالله - بكل بساطة ‏ كان فكرة شكلها العقل البشريء رمز لمثل أعلى أخلاقي. كما 
ناقش القصة التوراتية للعليقة المشتعلة عندما عىف الله عن ذاته لموسى «أنا أكون ماأكون». 
قال كوهن أن هذا كان تعبيراً بدائياً عن الحقيقة بأن مانسميه الله هو بكل بساطة الكينونة 
ذاتهاء اإنه متهي تماماً عن الكائنات التي نعرفهاء ويمكننا أن نشارك فقط في وجوده 
الأساسي. وقد ل كرهن في كتابه (دين ن العقل سكيد من مصادر اليهودية) ١91١9‏ 


لمان 


على أن الله كان فكرة بشرية. مع ذلك فقد توصل إلى تقبل الدور العاطفي للدين في حياة 
البشر. فلا يمكن لمجرد فكرة أخلاقية ‏ مثل الله - أن تعزينا. فالدين يعلمنا أن نحب جارناء 
ولذلك بالإمكان القول أن إله ديننا المناقض لإله الأخلاق والفلسفة كان ذلك الجب 
الفعال. 


لقد تطورت هذه الأفكار على يد فرائز روسينفيغ 1١8(‏ - 1814) الذي طور 
تصوراً مختلفاً كلياً لليهودية ميزه عن كل معاصريه. فهو لم يكن الوجودي الأول فيب 
بل صاغ أيضاً أفكاراً كانت قريبة من الأديان الشرقية. بالإمكان تفسير استقلاليته لأنه ترك 
اليهودية “ابا 39 يصبح لاأدرياً. ثم فكر باعتناق المسيحية قبل أن يرجع إلى اليهودية 
الأرثوذ كسية في آخر المطاف. لقد ير متحمساً أن الالتزام بالتوراة كان يشجع على 
اتكالية عبودية مذلة على إله طاغية. فالدين لم يكن حول الأخلاقية فقط بل كان أساساً 
لقاء مع الله. كيف كان ممكناً لكائات بشرية أن تلاقي الله المتعالي؟ هذا مالايخبرنا به 
روسينفيغ أبداً فشكل 0 في فلسفته. لم يثق بمحاولة هيغل لدمج الروح 51516 
بالإنسان والطبيعة. فإذا كنا نرى وعينا البشري كجانب من الروح العالمية فإننا لم نعد أفراداً 
حقاً. وكوجودي صادق أكد روسينفيغ على العزلة المطلقة لكل كائن بشري. كل واحد 
منا وحيد» ضائع ويشعر بالرعب في زحام البشرية الهائل. فعندما يعود الله إلينا عندها فقط 
يتم خلاصنا من هذا الخوف والمجهول. فالله لايقلل من فرديتنا بل يمكننا من تحقيق وعي 
ذاتي نام. 
محال بالنسبة لنا أن نلاقى الله فى أي شكل تجسيدي» فالله هو سبب الوجود 
ومردظ بوتدزودنا شن النارتعة أننا لبس نامكاننا آن سارت إليه وكالم معد شيحضن اخ 
مثل أنفسناء فلا وجود لكلمات أو أفكار تصف الله. بدلا من ذلك يتم اختصار الهوة 
القائمة بين الله والبشر بوصايا التوراة. فهذه ليست قرانين تحريمية كما يتخيلها الغوييم بل 
أسرار» أفعال رمزية تشير إلى ماهو خارج نفسهاء وتعرف اليهود على البعد الإلهي الكامن 
في وجود كل منا. لقد جادل كينا ادل الأضار - أن الرضاا رمرية يكل جلك لأبااضي 
أغلب الأحيان لامعنى لها بحد ذاتهاء إنها تقودنا خارج محدودية كلماتنا وتصوراتنا 
للكيان ذاته الذي لاسبيل إلى وصفه. إنها تساعدنا على تنمية الاستماع والانتظار بحيث 
نتوازن ونكون م متتهين إلى خلفية وجودنا. فالوصايا لاتعمل عملها آليأ بل يجب أن يوائمها 
الفرد بحيث لانصبح أمراً تحارجياً بل تعبيراً عن موقف داخلي» عن ضرورة داخخلية: فعلى 
الرغم من أن التوراة هي ممارسة دينية يهودية تحديدأ» فإن الكشف لم يقتصر على شعب 


اونا 


إسرائيل وحده. إنه سيقابل الله في الإشارات الرمزية التي كانت يهودية ترائياء لكن 
المسيحي يستخدم إشارات مختلفة. فالمعتقدات عن الله لم كن أمناها ادال إقرارية بل 
رموزاً لمواقف داخلية. فمعتقد الخلق والكشف على سبيل المثال لم يكونا عرضاً حرفياً 
لأحداث حقيقية في حياة الله والعالم. لقد عبرت أساطير الكشف عن معرفتنا الشخصية 
بالله. ورمزت أساطير الخلق مصادفة مطلقة لوجودنا الإنساني» المعرفة المبعثرة لاتكاليتنا 
الكاملة على خلفية وجودنا التى جعلت ذلك الوجود ممكناً. قالله كخالق ليس مهتماً 
بمخلوقاته حتى يكشف ذاته لكل مناء لكن إذا لم يكن هذا الخالق فإن خلفية الوجود كله 
والتجربة الدينية برمتها لن يكون لهما معنى للبشرية كلها. ستبقى هناك سلسلة أحداث 
استثنائية. رؤية روسينفيغ للدين جعلته متشككاً حيال اليهودية السياسة الجديدة التي كانت 
تظهر كرد فعل على العداء للسامية الجديدة. فجادل أن إسرائيل قد أصبحت شعباً فى مصر 
لافي أرض الميعاد» وأنها سوف تنجز قدرها كأمة أبدية إذا ماشددت روابطها بالعالم 
الدنيوي» وإذا لم تتورط في السياسة. 


لكن اليهود الذين سقطوا ضحايا العداء المترايد للسامية لم يشعروا أنهم قادرين على 
فك ارتباطهم السياسي. لم يستطيعوا الجلوس بانتظار المسيح المنتظر أو الله كي ينقذهم بل 
عليهم أن يخلصوا د شعبهم بأنفسهم. في عام م١‏ أي .في السئة التي تلت المذبحة 
المنظمة في روسيا 0 مجموعة من اليهود أوروبا الشرقية كي تستقر في فلسطين. 
كانوا مقتنعين أن اليهود سوف يظلون بشرأ مغربين وناقصين حتى تكون لهم بلاد خاصة 
بهم. فقد حرك الحنين إلى العودة إلى صهيون (الاسم القديم لأورسليم) 0 دنيوية 
متحدة لأن تقلبات التاريخ أقنعت الصهاينة أن دينهم وإلههم لم تحدياة ينها كانت 
الصهيونية في روسيا وأوروبا الشرقية فرعاً من الإشتراكية الثورية التي كانت تضع نظريات 
كارل ماركس موضع التطبيق. لقد أصبح الثوريون اليهود مدركين أن رفاقهم كانوا معادين 
للسامية مثل عداء القيصرء و كانوا يخافون من عدم تحسن مصيرهم في نظام شيوعي؛ وقد 
رخ الأحدات أنهم كانوا على صواب. وهكذا حزم إشتراكيون شبالٌ متحمسون - مثل 
يفيد بن غوريون )١5917-1885(‏ حقائبهم وأبخووا إلى فلسطين مصممين على خلق 
0 حي سيكون منارة لغير اليهود» ويحقق الإشتراكية الرخية. لم يكن لدى 
الآخرين وقت يقضوه مع هذه الأحلام الماركسية فقد رأى الفاتن الدمسوي تيودور هرتزل 
(1850- 1904) المغامرة اليهودية الجديدة كمشروع استعماري تحت جناح واحدة من 
القوى الإمبريالية الرووية وأن الدولة اليهودية ستكون رائدة التقدم ه في الصحراء 
الإسلامية. 


5 


على الرغم من دنيويتها المعانة فقد عبرت الصهيرنية عن نفسها غريزياً بمفردات دينية 
تقليدية» فكانت بالآساس دينا لاإله له. كانت مليئة بآمال صوفية» ونشوية بالمستقبل» في :3 
موضوعات قديمة بالخلاص» والحج والبعث. كما تبنى الصهاينة عادة إعطاء ا 
أنماء عويةة كدق على الذات الخامنة: وهكذا أسمى أشير غينس بيرغ أحد المروجين 
الأوائل للصهيونية - نفسه أحد حام (أي واحد من الشعب) ويذلك أصبح ماهو عليه لأنه 
عرف نفسه بالروح القومية الجديدة على الرغم من أنه لم يكن يعتقد أن إقامة دولة يهودية 
في فلسطين كان عملياً أمراً مكنا كان يريد مركزاً روحياً هناك فقط ليحل محل الله 
كبؤرة تركيز وحيدة لشعب إسرائيل» وبالتالي يصبح المركز «موجهاً لجميع شؤون الحياة) 
وأن يصل «إلى أعماق القلب» وأن يتصل مع كل مشاعر المرء». لقد عكس الصهاينة 
التوجه الديني القديم. فبدلا من التوجه نحو إله متعالٍ سعى اليهود إلى إِنْجازٍ هنا على 
الأرض. فالكلمة العبرية 08:ة113850 (تعنى حرفياً حقق مادياً)» وكانت كلمة سلبية في 
الفلسفة اليهودية القروسطية» مثيرة إلى تقب لاله ناد بشرية إلى الله. فأصبحت في 
00 5 تعنى إنجازاء ينا لآمل إسرائيل في العالم الدنيوي. فالقداسة لم تعد ثاوية في 
لسماء: فلسطين كانت أرضاً مقدسة في أكمل معنى تحمله الكلمة. 
كيف كان بالإمكان أن نرى الكتابات الأولى للرائد الأول آرون. ب. غوردون (0 
)١975‏ مقدسة هذا الذي كان يهردياً متعصباً وقبالياً حتى سن السابعة والأربعين عندما 
تحول إلى الصهيونية. رجل ضعيف البنية عليل الصحة أبيض اللحية والشعره عمل مع 
المستوطنين الأصغر سنا يقفز معهم ليلاً منتشياً وهو يصيح «البهجة البهجة». لقد كتب في 
أوقات عصيبة تجربة لج الشمل مع أرقق ‏ اسسرائيل ذكان«-ظهورا للملكوت: لقند أصبحت 
الأرض المقدسة قيمة مقدسة:» لها قوة روحية يشعر بها اليهود وحدهمء وقد خلق هذا 
الإحساس الروح اليهودية الفريدة. وعندما وصف هذه القدسية استخدم كلمات قبالية 
كانت تطلق فقط على مملكة الله الغا 
روح اليهودي هي نتاج البيئة الطبيعية لأرض إسرائيل. الوضوح, والعمق 
في سماء صافية لامتناهية. منظر شفاف. ضباب من الطهر. حتى الإلهي 
المجهول يبدو متلاشياً في هذا الصفاء. منزلقاً من نور ظاهر محدود في النور 
الخفي المتناهي. فسكان هذا العالم 6 ن هذا المنظر الشفاف ولاهذا 
امجهول المضيء في الروح اليهودية” 
في البداية كان هذا المشهد الطبيعي الشرق أوسطي مختلفاً تماماً عن روسيا أرقن 
أبيه الطبيعية» لدرجة أن غوردون وجد المنظر مخيفاً وغريباً. لكنه أدرك أن بإمكانه أن 


لام 


تخملة ملكا لمن خلال العمل فعن :طزيى العمل .فى الأرطن التي زعم الضهاينة انها 
كانت مهملة يذللها اليهود لأنفسهم. وفي الوقت ذاته يخلصون أنفسهم من اغتراب 
المنفى . 
أطلق الصهايئة الإشتراكيون على حركتهم الريادية اسم «فتح 
العمل) 5ق عن اذم هدوم تيسق" الكيو تبات ١‏ أررظيات: كلنورة يصون فنها 
جماعياً يشقون طريق خلاصهم. وقد أدت حرائتهم للأرض إلى تجربة صوفية للولادة 
الجديدة والحب الكوني كما عبر غوردون: 
لقد أصبحت فيه يداي معتادتان على العمل» وعيناي وأذناي تعلمتا أن 
تريا وتسمعاء وقلبي أن يفهم مافي الأرض. وتعلمت روحي أيضاً صعود 
التلال» وأن أعلو وأحلق» أن تنتشر على المساحات الشاسعة التي لم 
تعرفهاء أن تعانق كل الأرض من حولهاء والعالم بكل مافيه» وأن ترى 
نفسها محتضنة بين ذراعي الكون كله( "© 
كان عملهم صلاة دنيوية. ففي نحو عام ١59171‏ كان الرائد الأصغر سناً العلامة 
أفرام شلونسكي )١91- ١٠.٠.(‏ الذي عمل في رصف الطرق كتب هذه القصيدة إلى 
أرض إسرائيل: 
ألبسيني أيتها الأم الطيبة مئزراً بهياأ زاهي الألوان 
وفوديتي عند الفجز إلى عملي 
فأرضي يلفها النور وكانه شال صلاة 
والمنازل تعلو شامخة كمناديل الرأس 
والصخور مسواة باليد تتدافق متناسقة كأوراق النبات. 
فهنا تردد المدينة الحسيبة صلاة الصبح إلى خالقها 
وبين الفالقين اببك أفرام 
مسد يشيلك الظرق فى إسرائيل73, 
فالصهيوني لم يعد بحاجة إلى الله فهو نفسه الخالق. 
احتفظ صهاينة آخرون بولاء أكثر للتقاليد. فالقبالي ابراهام اسحق كوك (1875 - 
د الذي خدم ككبير الأحبار عند اليهودية الفلسطينية كان قليل الاحتكاك بالعالم 
غير اليهودي قبل وصوله إلى أرض إسرائيل؛ أكد أنه طالما أن مفهوم خدمة الله كان محدداً 
كخدمة كائن محدد معزول عن مثل وواجبات الدين فإنه لن يكون «متحرراً من النظرة غير 
الناضجة التي تتركز دائماً في كائنات محددة("©. فالله لم يكن وجوداً آخر: إله خفي 


نوص 


متعالٍ على - جميع التصورات البشرية ايض فصنمية أن نفكر بالله ككيان ممحددء 
دليل على عقلية بدائية. كان كوك متعمقاً في التراث اليهودي لكنه لم يكن يائساً من 
الإيديولوجيا الصهيونية. صحيح أن العمال كانوا يعتقدون أنهم قد نفضوا الدين عنهم» 
لكن الصهيونية الملحدة كانت مجرد وجه واحد فقط. كان الله يعمل من داخل الروّاد: 
الجذوة الإلهية كانت مخترنة في غلالات الظلام» وكانوا ينتظرون الخلاص» كان اليهود 
فى بجرديعم غير يقلن عن الله سواء اعتقدوا ذلك أم لا» وكانوا يدون خط الله ذرن 
أن يدركوا ذلك فخلال سنوات المنفى فارق الروح القدس شعبهء وخبأوا الملكوت بعيداً في 
الكنس وقاعات الدراسة لكن إسرائيل سوف تصبح المركز الروحي للعالم فتكشف عن 
المفهوم الحقيقي لله لغير اليهود. 


هذا النوع من الروحانية قد يكون خطيرأء فقد يؤدي الولاء للأرض المقدسة إلى 
صنمية أصولية يهودية في أيامنا هذه. فالخضوع للإسلام التاريخي قدساهم في نزعة أصولية 
ممائلة في العااج الإسلامي. فاليهود والمسلمون كانوا يسعون كي يجدوا معنى في عالم 
مظلم «فبدا أن إله التاريخ قد خيب أملهم) ). وكان الصهاينة على حق في خوفهم من زوال 
شعبهع تهائيا. كانت الفكرة التقليدية لله مستحيلة بعد الهولوكست بالنسبة ليهود كثيرين. 
فالفائر بجائزة نوبل إيليا ويزل قد عاش من أجل الله في طفولته في هنغارياء وقد تشكلت 
حياته وفق قواعد التلمود. وكان لديه أمل أن يتم إدخاله إلى أسرار القبالة. فعندما كان 
صبياً تم نقله إلى أوشفتئر ولاحقاً إلى بوختغالد. بقي طيلة لياته الأولى في معسكر الموت 
مزاقياً الدخان الأسود يتصاعد إلى السماء من الحرقة التي رمي فيها جسدا أمه وأخته. عرف 
أن ألسنة النيران قد أنت على إيمانه إلى الأبد. تقد كان في عالم هو المعادل الموضوعي 
للعالم الذي لاإله له الذي تخيله نيتشه. كتب ويزل انلها (ينبغي ألا أنعني أبداً ذلك 
الصمتء الليل الذي استلبني وإلى الأبد الرغبة في أن أعيش)» 4» (لن ان أبداً هذه 
اللحظات التي قتلت إلهي وروحي وحولت أحلامي إلى غبار»”” ©. 


ذات يوم شنق الغستابو طفلاً. حتى جهاز الغستابو تضايق من منظر شئق صبي أمام 
ألاف المشاهدين: يستحضر ويزل صورة الصبي: كان وجه ملاك يلا الحزن عينيه. كان 
مانت شاحاً وهادئاً عندما كان يصعد إلى المشنقة. ينأل أَخد السجناء (كان واقفاً خلف 
ويزل): دأين الله؟ أين هو؟ مرت نصف ساعة حتى مات الطفل. أجبر السجناء على النظر 
إليه وحدها لوسه: :سال الرجل ثانية: (أين الله؟) فسمع ويزل صوتاً من داخله يجيب: : «أين 
هو؟.. هاهو هنا... إنه معلق هنا على هذه المشنقة)9 ©. 


فض 


قال دستويفسكي إن موت طفل واحد يجعل الله غير مقبول» لكن حتى هو الذي 
اغرو كروي عن اللو انسائية مالم يصغيل بعرت عامل قن لوقت كبلة ل الر عن كن سكن 
أوشفتئر يمثل تحديا صارخا لكثير من الأفكار التقليدية حول الله. فإله الفلاسفة البعيد مفقود 
في لامبالاة متعالية»؛ يصبح لايطاق. يهود كثيرون لم يعودوا يلتزمون بفكرة الله التوراتية 
الذي يظهر نفسه في التاريخ, فهؤلاء يقولون مع ويزل أن ل 
إن فكرة إله شخصي مثلنا لكنه أضخم - تملوءة بالصعوبات فلو كان الله هذا كلي القد 
لكان بإمكانه منع الهولوكست. وإذا كان غير قادر على إيقافه فإنه عاجز ولافائدة منه. 
وإذا كان بإمكانه إيقافه ولم يفعل فإنه وحش. فاليهود ليسوا الشعب الوحيد الذي يعتقد 
أن الهولوكست قد وضع نهاية اللاهوت التقليدي. 


مع ذلك صحيح أن بعض اليهود في معتقل أوشفتئر استمروا في دراسة التلمود 
وبممارسة الاحتفالاات الترائية ليس لأنهم كانوا يأملون أن الله سوف ينقذهم بل لأن ذلك 
كان ذا معنى بالنسبة لهم. فذات يوم حاكمت مجموعة من اليهود الله. واتهمته بالوحشية 
والخيانة. لكنهم لم يجدوا عزاء ‏ مثل أيوب - فى الإجابات المعتادة على مشكلة القهر 
والمعاناة في وسط هذه القذارة. لم يكن بوسعهم أن يلتمسوا له عذراً في ظروف غير 
عادية» ولذلك فقد وجدوه مذنباء ومن المفترض أنه يستحق الموت. نطق الحبر الحكم ثم 
نظر إلى أعلى وقال إن المحاكمة قد انتهت: حان وقت صلاة المساء. 


6ن 


الفصل الحادي عشر 


الله والمستقيل 


يبدو أن العالم الذي نعرفه يمضي إلى غير رجعة ونحن نقترب من نهاية الألف 
الثانية. فقد عشنا عقوداً عديدة ولس نيرقم اننااقد ايمكرنا اليه بإمكانها أن تمسح 
الحياة البشرية عن سطح هذا الكوكب. لد انتهت الحرب الباردة» لكن النظام العالمي 
الجديد يبدو مخيفا بدرجة لاتقل عن العالم القديم. فنحن نواجه كارثة بيئية» ويهدد فيروس 
الإيدز بأن يصبح وباء يصعب السيطرة عليه. وخلال جيلين أو ثلائة سيصبح عدد سكان 
الأرض أكبر من قدرتها على الاستيعاب. فالآلاف يموتون من المجاعة والقحط» وشعرت 
أجيال قبلنا أن نهاية العالم وشيكة, مع هذا كله يبدو أننا نواجه مستقبلاً لايمكن تصوره. 
فكيف ستصمد فكرة الله في السنوات القادمة؟ في الماضي كانت تُعدَّلُ باستمرار كي 
تلبي متطلبات الزمن الراهن» ويتزايد عدد الذين يجدونها غير عملية» وعندما لاتعود 
الأفكار الدينية فعالة فإنها تخبو وتتلاشى. فمن امحتمل أن الله هو حقاً فكرة من الماضي. 
ويشير العلامة الأمريكي بيتر بيرغر إلى وجود معيار مزدوج في أغلب الأحيان عندما نقارن 
الماضي بحاضرنا. فبينما نحلل الماضي ونجعله نسبياً ييقى الحاضر منيعاً من هذه العملية 
ليصبح وضعنا الراهن مطلقاً. وهكذا فإننا نرى (كتّاب العهد الجديد مبتلين بوعي زائف 
يضرب جذوره في أعماق زمنهم) بينمأ يعتبر المحلل وعي زمنه نعمة فكرية لاشائبة 
فيها.)27 لقد رأى بنيويّوا القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الإلحاد شرطأ لارجعة 
عنه للبشرية في عصر عملي. 

يحظى هذا الرأي بدعم كبير. فقد أصبحت الكنائس فى أوروبا فارغة» ولم يعد 
الإلحاد إيديولوجيا مرغوبة مؤلة لدى حفنة من رواد الفكر بل غدا حالة سائدة. ففي الماضي 
كانت هذه الحالة تنجم عن فكرة محددة عن الله لكن تبدو في الوقت الحاضر أنها فقدت 


نا 


علاقتها البنيوية مع الإلحاد كي تغدو استجابة آلية لتجربة العيش في مجتمع دنيوي. أصبح 
الناس كحشد يتسلون ويحيط بهم مجنون نيتشه. فأصبح الكثيرون لايحركهم منظور 
الحياة دون الله» وبعضهم يجد غيابه راحة إيجابية. ومن كان رودت غصيب مع الين 
يجد الخلاص من الله الذي أرهب طفولتنا أمراً يحقق لهم التحرر. من الرائع ألا نجثو خوفاً 
أمام إله منتقم يهددنا بلعنة أبدية إذا لم نمتثل لقوانينه. فلدينا حرية فكرية جديدة» ونستطيع 
أن نتبع أفكارنا بجسارة دون السير خلسة حذرين من بنود الإيمان الصعبة شاعرين طوال 
الوقت بفقدان الكرامة الذي يثبطنا. فنحن نتخيل أن الإله الذي عرفناه هو إله اليهود 
والمنيعين والسليين اللوتوقة ولاندرل وائما أن تخيلنا هذا معره لال هفاك شرات 
أيضاً. لقد تحدث جان بول سارتر )198٠ - ١10(‏ عن الفجوة التي شكلها الله في 
الوعي البشري حيث كان على الدوام. وأكد على أنه لو وجد الله لكان مايزال من 
الجدرورق رفضف لآن فكرة ة الله تنفي حريتنا. فالدين الترائي يطلب منا الالتزام بفكرة الله 
عن البشرية كي نصبح بشراً كاملين. فبدلاً من ذلك علينا أن نرى البشر حرية مجسدة. 
فإلحاد سارتر لم يكن معتقداً يقدم العزاء. لكن رأى وجوديون آخرون أن غياب الله هو تحرر 
إيجابي. موريس ميرليو بونتي (15048- )١95٠0‏ نادى بزيادة إحساسنا بالتعجب لان الله 
ينفي إحساسنا هذاء وبما أن الله يمثل الكمال المطلق لذا لم يترك لنا شيئاً كي ننجزه. بينما 
نادى ألبير كامو )١57٠0 - ١51‏ بإلحادية بطولية: يجب على الناس أن ينكروا الله فى 
تحدٍ كي يصبوا كل قلق حبهم على الجنس البشري. فعلى الدوام كان لدى الملحدين غاية. 
حقيقةً استخدم الله في الماضي كي يعطل المقدرة على الإبداع. فإذا مااتخذناه كقميص 
عثمان نرفعه عند كل مشكلة وطارىء ممكنين عند ذلك بإمكانه أن يعطل إحساسنا 
بالتعجب وقدرتنا على الإنجاز. فباستطاعة إلحادية ملتزمة متحمسة أن تكون أكثر دينية من 
إلحادية مضجرة لاتتسم بالكفاءة. 
خلال خمسينات هذا القرن سأل الوضعيون المنطقيون مثل أ. جي. إير 67لا 
)١1191- 1310‏ فيما إذا كان للإيمان بالله معنى. فلقد قدمت العلوم الطبيعية على أنها 
المصدر الموثوق الوحيد للمعرفة لأن بالإمكان اختبارها تجريبياً. لم يسأل (إير :ع:ز4) عما 
إذا كان الله موجوداً أم لابل عما إذا كانت فكرة الله لها أي معنى. قال إن عبارة ما 
لامعنى لها إذا كنا لانستطيع أن نرى كيف بالإمكان إثبات صحتها أو تبيان زيفها. فقولنا 
إن هناك حياة على المريخ ذات معنى لأن باستطاعتنا معرفة كيف نستطيع إثاتها عندما 
تتوفر لدينا التكنولوجيا اللازمة لذلك. وبالمثل فإن مؤمناً بسيطأً بالإنسان القديم صة 010 
التراثي في السماء لايقوم بإبداء عبارة لامعنى لها عندما يقول: «أنا أؤمن بالله). لأنه 
سيكون بمقدورنا أن نكتشف بعد الموت فيما إذا كان قوله هذا صحيحاً أم لا. أما المؤمن 


ةن 


الأكثر تعقيداً هو الذي يواجه مشكلات عندما يقول: «الله غير موجود بأي معنى يمكننا 
فهمه) أو «الله ليس خيراً بالمعنى الإنساني للكلمة». هذان القولان غامضان جداً لأن من 
الخال رؤية كيف بالإمكان اختبارهماء ولذلك فهما لامعنى لهما. فكما قال إير «الإيمان 
بوجود الله مربك جدأء والجمل التي يظهر فيها الله غير مترابطة جدأًء وبذلك يتعذر علينا 
إثبات صحة وجوده أو عدمه. أي أن نصدق أو لانصدقء أن نؤمن أو لانؤمن فهذا أمر 
مستحيل منطقياً.("© الإيمان أمر غير قابل للفهم ولامعنى له. مثله فى ذلك مثل الإلحاد» 
لأنه لايوجد في مفهوم الله شيء كي ننكره أو نشك فيه. 
لقد اعتقد الوضعيون ‏ كما اعتقد فرويد ‏ أن الإيمان الديني كان يمثل حالة عدم 
نضج سيتغلب عليها العلم. فمنذ خمسينات هذا القرن قام الفلاسفة اللغويون بنقد 
الوضعيين المنطقيين مستنتجين أن ماأسماه إير مبدأ إثيات الصحة . ليس بالإمكان إثيات 
صحة هذا المبدأ ذاته. من المحتمل أننا في يومنا هذا أقل تفاؤلاً حيال العلم الذي يستطيع أن 
يفسر عالم الطبيعة المادي فقط. القد أوضح ولفريد كانتويل أن الوضعيين المنطقيين نصبوا 
أنفسهم علماء خلال فترة - ولأول مرة في التاريخ - رأى العلم فيها أن العالم الطبيعي 
منفصل عن البشرية بكل وضوح0". هذا النوع من الأقوال التي أشار إليها إير تعمل جيداً 
من أجل الحصول على حقائق العلم الموضوعية؛ لكنها ليست مناسبة للتجارب البشرية التي 
تعتبر حدودها الفاصلة أقل وضوحاً. فالدين كالشعر أو الموسيقا - ليس عرضة لهذا النوع 
من النقاش والإثبات. فقد جادل فلاسفة فقه اللغة من أمثال أنطوني فلو بأن العثور على 
تفسير طبيعي أمر أكثر عقلانية من العثور على تفسير ديني: فالبراهين القديمة لم تعد تعمل. 
فالجدال في خطة مايتداعى لأننا سنكون بحاجة إلى الخروج خارج النظام كي نرى فيما إذا 
كانت الظواهر الطبيعية تتحرك بقوانينها الذاتية أم بشيء ماخارجاً. فالجدال بأننا كائنات 
مشروطة أو ناقصة لايثبت شيئاً لأنه قد يكون هناك دائماً تفسير أخير لكنه ليس مافوق 
طبيعي :. فلو 169 متفائل بدرجة أقل من تفاؤل فيورباخ أو ماركس أو الوجوديين» ليس 
هناك تحد بطولي أو مُعذِّبٍ بل مجرد مسألة التزام حقيقي بالعقل والعلم كسبيل وحيد إلى 
التقدم. 
رأينا سابقاً أن المتدينين لن ينظروا جميعاً إلى الله كي يقدم لهم تفسيراً للكون. وقد 
رأى كثيرون أن البراهين واضحة مثل سمك الرنجة ل لقد أحس المسيحيون الغربيون 
فقط أن العلم مُهَدِد هؤلاء الذين اعتادوا على قراءة الكتاب المقدش ححدرفياء ويشرحون 
العقائد وكأنها مسائل حقيقة موضوعية. فالعلماء والفلابيفة الذين لايجدون في منهجهم 
مكاناً لله يشيرون عادة إلى فكرة الله بعبارة العلة الأولى» وهذا مفهوم تخلى عنه اليهود 


يس 


أخخير ا مثلهم في ذلك مثل المطلمين -والمسيخيين ‏ الأرئوذوكس_اليوثائيين. في العصور 
الوسطى. فالله الأكثر ذاتية والذي كانوا يبحثون عنه لايمكن إثباته وكأنه حقيقة موضوعية 
لايختلف عليها إثنان. ولايمكن وصف الله م طَبمل أ نظام مادي ف في الكون إلا كما يمكن 
وصف الاستنارة البوذية. 
فى ستينات هذا القرن كان اللاهوتيون الراديكاليون أكثر درامية من الفلاسفة 

اللغويين» فسار اللاهوتيون على خطا نيتشه متحمسين وأعلنوا موت الله. فقد أعلن توماس 
ج - ألترز في كتابه (لنجيل الإلحاد المسيحي) ١517‏ أن نبأ موت الله السار قد حررنا من 
العبودية لإله متعال طاغية: «فعن طريق قبول أو حتى إرادة موت الله فتقط في تجربتنا عندها 
نستطيع التحرر من متعالٍ خارجي» غريب تم تفريغ خارجه» وإظلامه في تغريب الله لذاته 

في المسيح)”*». لقد تحدث ألترز بكلمات صوفية عن ليل الروح الحالك, وعن ألم الهجر. 
فموت الله كان مثل السكون الذي كان ضرورباً قبل أن يتمكن الله من أن يصبح ذا معنى 
من جديد. ينبغي أن تموت جميع مفاهيمنا القديمة عن الألوهة قبل أن يتمكن اللاهوت من 
ولادته الجديدة» إننا بانتظار لغة وأسلوب يصبح الله تيه آمرا كا كان لأهوت التوز 
ديالكتيكياً حماسياً هاجم العالم القاتم الذي لاإله له على أمل أن يكشف سره. أما بول فان 
بيرن فكان دقيقاً ومنطقياً أكثر من ألترز. قفي كتابه (المعنى الدينوي للإنجيل) ١977‏ قال 
إنه لم يعد ممكناً أن نتحدث عن الله فاعلاً في العالم» فالعلم والتكنولوجيا جعلا الميغولوجيا 
القديمة عاجزة. كان الإيمان البسيط بالإنسان القديم في السماء أمراً مستحيلاًء وهكذا كان 
إعان اللاهوتيين الأكثر تعقيداً: يجب أن نستغني عن الله وأن تُسكمن .بالتحسك بيسوع 
الناصري. لقد كان الإنجيل #القا الساز لإفياة عن خرن أناها آخرين)». فيسوع الناصري 
كان هو امحرر «الإنسان الذي يحدد مايعنيه له أن يكون إنساناً2*؟ لقد أشار وليم هاملتون 
في (اللاهرت الراديكالي وموت الله) ١575‏ إلى أن لهذا النوع من اللاهوت جذوره في 
الولايات المتحدة التي كانت دائماً انعطافاً طوباوياً وليس فيها تراث لاهوتي 0 بها. 
كانت رمزية موت الله تمثل تفكك القوانين 443/01/15 وبربرية العصر التقني التي 
الإيمان بالله الإنجيلي كما في الأسلوب القديم أمرأ السفطياة. تهاباترت شخصياً 5 هذه 
الحالة الثيولوجية كطريقة كي تكون بروتستانتياً فيب العرذ العشريي القذ ترك لول صترمفته 
وخرج إلى العالم. وبنفسش الطريقة كانهو والراديكاليون المبليحيون أناسا دنيويين بامعيان: 
لقد ساروا بعيداً عن المكان المقدس الذي كان الله كي يجدوا الإنسان يسوع بجوارهم 

خارجاً في عالم التكنولوجيا والسلطة والجنس والمال والمدنية. فالإنسان الدنيوي المعاصر لم 
يعد بحاجة إلى الله. لاوجود لفجوة شكلها الله داحل وجدان هاملتون: إنه يجد حله 
الخاص به في العالم. 


لل 


هناك شيء ما مؤثر في تفاؤل ستينات هذا القرن السطحي. كان الراديكاليون 
محقين في دعواهم بكل تأكيد: الأساليبية القديئمة للحديث عن الله غدت مستحيلة لدى 
أناس كثيرين. لكن في التسعينات من الصعب عدا أن انشع أن التحرر وفجراً جديداً هما 
في متناول اليد. موت الله في تلك الفترة جعل الانتقادات توجه إلى اللاهوتيين لأن 
نظرتهم كانت هي نظرة الظبقة الوسطئ' الأمريكية البيضاء الغنية. فاللاهوتيون الزنوج مثل 
جيمس. ه . كوهن سأل من أين للبيض الحق أن يؤكدوا على الحرية عبر موت الله بينما 
استعبدوا الناس باسم الله؟ واللاهوتي اليهردي ريتشارد روبنشتاين وجد من احال فهم 
كيف يمكنهم أن يشعروا بالإيجابية حيال بشرية لاإله لها بعد الهولوكستٍ النازي. فهو 
شخصياً كان مقتنعاً أن الإله الذي جرى تصوره كإله للتاريخ قد مات وإلى الأبد في معتقل 
1 ومع ذلك لم يكن يشعر أن باستطاعة اليهود الخلاص من الدين. فبعد مايشبه 

ض اليهود في أوروبا عليهم ألا ينقطعوا عن ماضيهم؛ » وإله اليهودية الليبرالية الأخلاقي 
ا لأنه تجاهل مأساة الحياة: وأنه أعتقد أن العالم سوف 
يتحسن. ولذلك فضل روبنشتاين إله المتصوفين ن اليهود. لقد كان متأثراً بمعتقد لوريا 
«الانسحاب «تناعا تطرزةة) » فبقيام الله طوغاً بتغريب ذاته جعل للعالم المخلوق رد وقد 
رأى جميع المتصوفين الله على أنه لاشيء فمنه أتينا وإليه نؤوب. وافق روبنشتاين سارتر 
على أن الحياة فارغة» ورأى إله المتصوفين كطريقة تخيلية لدحول هذه التجربة البشرية 
اللاشيعية0) 

وجد لاهوتيون يهود أيضاً اناه في قبالة لوريا. فهانس يونس يعتقد أنه ليس في 
وسعنا الإيمان بكلية قدرة الله بعد الأوشفتئر. فعندما خلق الله العالم فقد حدد ذاته طوعياً» 
وشارك الكائنات البشرية ضعفها. أما الآن فليس في وسعه فعل المزيد» ويجب على البشر 
أن يعيدوا كمال الرب والعالم بالصلاة والالتزام بالتوراة بينما نجد اللاهوتي لويس جاكوبز 
لايحبذ هذه الفكرة لأنه وجد أن صورة الانسحاب فظة وتجسيدية: إنها تشجعنا على طرح 
السؤال كيف تخلق الله العالم بطريقة حرفية؟. فالله لأ سنو قاتة و كاسيعيين فقن قبل أن 
يزفر الهواء. فلافائدة من إله عاجزء ومحال أن يكون هو معنى الوجود الإنساني. من 
الأفضل العودة إلى التفسير الكلاسيكي إن الله أعظم من البشرء وسبله وفكره ليسا فكرنا 
وسبلنا. قد لايكون هناك سبيل | إلى فهم الله لكن للناس خيار الثقة بهذا الله العصي على 
الوصق» ومو كذاً مغزئ حت فى خخضم فقدان المعنى. اللاهوتي الكاثوليكي الروماني 
هانس كونغ يتفق مع جاكوبز مفضلاً تفسيراً أكثر معقولية للمأساة غير التفسير الذي تقدمه 
أنقلن :: الأنيقات» وهر إلى أن البشر لايمكنهم الإيمان بإله ضعيف بل باله حي جعل 
الناس أقوياء بما فيه الكفاية كي بسار : في أوشفتئر. 


570 


مازال بعض الناس يجدون أن بالإمكان العثور على معنى من فكرة الله. فاللاهوتي 

السويسري كارل بارت ١885(‏ -1134) قد وضع مواجهته ضد البروتستانتية الليبرالية 
التي نادى بها شيللر ماخر بتأكيدها على التجربة الدينية. لكنه كان أيضا نصيرا بارزا 
للاهوت الطبيعي. اعتقد أن من الخطأ الفادح أن لسع إلى شرج الله بكلمات عقلانية 
لابسبب بجدردية الففن اشرق ففظ بن لان البشرية أيضاً قد أفسدها الهبوط. فأية فكرة 
نكوّنها عن الله محكومة بعيب ماء وأن نعبد إلهأ فيه عيوب فهذه صدمية. المصدر الوحيد 
المعترف به للحصول على معرفة حول الله هو الإنجيل: الذي فيه أسوأ العوالم: التجربة 
مستيعدة» العقل الطبيعي مستبعدء عقل الإنسان فاسد وغير جديرء وليس هناك إمكانية 
التعلم من أديان أخرى لآن الإنجيل هو مصدر الكشف المعترف به. ويبدو من غير السليم 
أن ندمج شكية راديكالية كهذه بقدرات العقل مع قبول لايقبل النقد لحقائق الكتاب 
المقدس. 


كان بول تيليش ١/57١‏ 5ه955١)‏ مقتنعا أن الإله الشخصي - للوحدانية الغربية 

التراثية عليه أن يمضى لكنه كان يعتقد أن الدين كان ضرورياً للجنس البشري. فالقلق 
العميق الجذور هو جزء من الشرط الإنساني: إنه ليس قلقاً عصابياً لأنه لايمكن استفصاله» 
ولامكن إوالته. ختحن . بانتيران تحاف المستارة ورعيب الأنقزاهن: بينم 'تراقيه أجينادنا 
تذوى "ديجا "لعن واف نان أن آله التعدمى كا كه عازه تشحن اموت 

مفهوم إله شخصي يتدخل بالأحداث الطبيعية» أو كائن؛ «علة مستقلة 

عن أحداث طبيعية» تجعل الله مادة طبيعية إلى جانب المواد الأخرى. 

جسماً بين أجسام أخرى» كائناً بين كائنات. قد يكون أعلاها ومع ذلك 

تف كالنا. فهذه لسك ذمارا للنظام الفيزياي فقط بل تدميراً حين لأ 

للله)00 1 

معيو ٠.‏ 
الإبداعية كان ظالاً. فإذاً يعتبر الله ذاتاً في عالم خاص بهء (أنا» مرتبطة ب «أنت»» علة 
منفصلة عن نتائجهاء فإن (هو) يصبح كائناً» ليبن كياناً بحد ذاته. طاغية كلي القدرة) 
عارف بكل شيء لايختلف عن طغاة الأرض الذي صتهوا كل شي ء وكل شخص مجرد 
سن من مسننات الآلة التي يسيطرون عليها. وإلحاد ينكر إلهاً كهذا لديه مبررات كثيرة 
كافية. 


علينا أن نسعى | إلى إيجاد إله فوق هذا الإله الشخصيء »؛ فلا شيء جديد في هذا. 
فمنذ الأزمنة التوراتية كان الموحدون مدركين لطبيعة الله النقائضية» الذي كانوا يصلون له 


كل 


وكائرا مدركين أن الله المختخض. كان عتوازنا أسانا عبر الألوهة التجاررة القحصانية 
فكل صلاة كانت تناقضاء لأنها محاولة للتكلم إلى أحد ما الحديث إليه محال» وكانت 
تطلب رضى أحد ماء إما انه أسبغ رضاه أم لا قبل أن يطلب منه ذلك. كانت تقول «أنت» 
الله الذي كان كائناً أقرب إلى الأنا أكثر من قرب أنانا». كان تيليش يفضل تعريف الله 
على أنه خلفية الوجود. المشاركة في إله فوق هذا الإله لايغرينا عن العالم بل يغمسنا في 
الحقيقة» إنه يعيدنا إلى أنفسنا. على البشر أن يستخدموا 00 عندما يتحدثون عن 
الكائن ع«زء8 ذاته: فالحديث الحرفي أو الواقعي عنه هو تجسيد» وغير صحيح. من قرون 
مكنت رموز مثل «الله) «العناية الإلهية) أو (الخلود» الناس من احتمال رعب الحياة والموت» 
لكن عندما تفقد هذه الرموز قدرتها فهناك حوف وشك. والذين يتعرضون لهذا الخوف 

عندما كان يتحدث تيليش إلى العلمانيين كان يفضل استبدال الكلمة الفنية «خلفية 
الوجود) ب «المعنى النهائى»). فقد شدد على أن تجربة الإيمان البشرية مع وهذا الله فوق الله» 
لم تكن حالة خاصة متميزة عن الحالات الأخرى في تجربتنا العاطفية أو الثقافية. فليس 
بوسعك القول: (أمر الآن بتجربة دينية خاصة) لأن الله الذي هو وجود سابق وأساسي 
لجميع مشاعرنا من شجاعة وأمل ويأس. لم تكن حالة مميزة باسم خاص بهاء بل كانت 
تكسح كل واحدة من خبراتنا الإنسانية العادية. فقبل قرن مضى قدم فيورباخ نداء مماثلاً 
عندما قال إن الله غير قابل للفصل عن السيكولوجيا الإنسانية السوية» وبذلك فقد تحول 
هذا الإلحاد إلى وحدانية جديدة الآن. 

كان اللاهوتيون الليبراليون يحاولون اكتشاف فيما إذا كان بالإمكان أن نؤمن 
وبالوقت ذاته ننتمي إلى العالم الثقافي المعاصر. في تشكيل هذا المفهوم الجديد للّه فقد 
تحولوا إلى ضوابط أخرى: العلم والسيكولوجياء وعلم الاجتماع» وإلى أديان أخرى. بيد أنه 
لم يكن في هذه احاولة شيع جديد. فأورجين وكلمينتك الاسكندري كانا مسيحيين 
ليبراليين في هذا المعنى في القرن الثالث عندما أدخلا الأفلوطينية إلى دين يهوى السامي. 
اليسوعي بيير تلهارد دوشاردين )١555 - ١88١١‏ دمج إيمانه بالله مع العلم الحديث» 
كان عالم مستحاثات» 3 اجام خاص بحياة ماقبل التاريخ. واستمد من فهمه للارتقاء 
كي 00 دقرا ديك لقن رأ كل م الارتقائي 0 إلهية دفعت الكون 5 
0 في 10 الذي ا 1 0 500 لد اقترح 5 أنه بدلا من 
التركيز على يسوع الإنسان ينبغي على المسيحيي: تنمية صورة كونية للمسيح كما هي في 


58١ 


رسائل القديس بولص إلى الكولوسيين واللافيثيين. فمن هذا المنظور كان المسيح «نقطة 
نهاية) الكون» ذروة سيرورة ارتقائية يصبح فيها الله الكل في الكل. فالكتاب المقدس 
يخبرنا أن الله محبة» ويبين العلم أن العالم الطبيعي يتقدم باتجاه تعقيد أكبر أبدي ونحو 
د أكبر في هذا التنوع. كانت هذه الوحدة في التنوع سيلا حر لعقدير امحبة التي 

تحيى الخلق كله. لقد وجه تقد إلى شاردين لأنه قد عرف الله بشكل كامل بالعالم الذي 
قر ا ال لاحر السو كان تحولاً لقي الترحيب من قبل 
الكراهية للعالم التي كانت سمة مميزة للروحانية الكاثوليكية في أغلب الأحيان. 


طوّر دانييل دي وليمز في الولايات اللتحدة خلال ستينات هذا القرن مايعرف باسم 
لاهوت السيرورة الذي أكد أيضاً على وحدة العالم مع الله. لقد كان ولخو متأثراً رأ كثيرً 
بالفيلسوف البريطاني 1 .ن .وايتهيد ١14174 - ١851١‏ الذي راك الم مويه ارتباطاً 5 
بسيرورة العالم. لقد كان على وايتهد جعل لامعنى لله كوجود آخرء مكتفي ذاتياًء لاسبيل 
إلى وصفهء لكنه صاغ رواية من القرن العشرين لفكرة الله النبوية وحالتها العاطفية: 
أؤكد أن الله يعاني بسبب اشتراكه في استمرارية حياة مجتمع الوجود. 
ومشاركته هذه هى المثل الأعلى للمعرفة والقبول» ويُحَوّل بحب العناء 
الذي يها ين العالم. لض أؤكد الحساسية الإلهية. فدونها لاأرى معنى 
لوجود الله0"). 
لقد وصف الله على أنه «الرفيق العظيم) الذي يشاركنا المعاناة» ويتفهمنا» . 
ولبعز قعريف وافيية».وكان يحب أن فحدف حن :الله على آله وشلرك؛ 7 1 
«وكحادثة)2»0. من الخطأ أن نضع نظام مافوق 0 مقابل عالم تجربتنا الطبيعي لأن هناك 
نظاماً واحداً للوجودء وهذا ليس تقليلياً على أية حال. يجب أن يتضمن فهمنا فهمنا الطبيعي 
جميع الطموحات, والمقدرات» والقدرات الكامنة التي بدت إعجازية ذات يوم, وأ 
0 كذلك «تجاربنا الدينية) كما أكد البوذيون على ذلك باستمرار. وعندما كان يسأل 
فيما إذا كان يعتقد أن الله منفصل عن الطبيعة كان يجيب أنه غير متأكد. كان يكره فكرة 
اللامبالاة اليونانية التي وجدها تجديفية تقريباً. لأنها كانت تصور الله بعيدأ وغير مكترث 
وأناني. أنكر أنه كان يدافع عن وحدة الوجود. فلاهوته كان يسعى إلى تصحيح عدم 
التوازن الناجم عن تغريب الله الذي ا قبوله بعد أ وشفيتز وهيروشيما. 
كان لحرو أقل بقاولة بإنجازات العالم المعاصر فأرادوا العودة إلى تعالي الله كتحد 
للبشر. فاليسوعي كارل راهنر طور لاهوتاً أكثر تسامياً يرى الله السر اللأكبر» ويسوع 
التجلي الخاسم لا بوسع البشرية أن تبلغه. كذلك شدد برنارد لونرجن على أهمية التعالي 


تكن 


وعلى الفكر كنقيض للتجربة. الفكر الأعزل لايستطيع بلوغ الرؤى التي يسعى إليها: إنه 
يصل باستمرار إلى حواجز تعيق الفهم, وتتطلب منا أن نغير مواقفنا. فق جنيع الحضارات 
كان البشر مدفوعين بنفس الأوامر: أن يكونوا أذكياء» مسؤولين عقلانيين» محبين» وأن 
يتغيروا إذا دعت الضرورة ذلك. فطبيعة البشرية ذاتها تتطلب منا أن نتجاوز أنفسنا 
ومفاهيمنا الراهنة » ويدل هذا البدأ على حضور ماقد سمي الإله في طبيعة السعىي 
الإنساني الجاد ذاته. فاللاهوتي السويسري هانس أورس فون بالتسار يعتقد أنه بدلاً من 
البحث عن الله في المنطق والتجريد يجب أن ننظر إلى الفن: فالتجلي الكاثوليكي هو 
بالأساس لاتجسيدي. ويبين من خلال دراساته الممتازة لدانتي وبونا فينتورا أن 
الكاثوليكيين قد أرادوا الله في شكل إنساني. فتأكيدهم على الجمال في ملامح الطقس 
والمسرحية وفي الفنانين الكاثوليكيين العظام يدل على أنه ينبغي على الحواس أن تجد الله 
وليس فقط بالأجزاء التجريدية والدماغية فى الإنسان. 


حاول المسلمون واليهود كذلك النظر إلى الماضى كى يجدوا أفكاراً عن الله تناسب 
الحاضر. فأبوا الكلام أزاد )١555(‏ لاهوتي باكستاني بارز عاد إلىالقرآن كي يجد سبيلاً 
لرؤية إله لم يكن متعالياً جداً بحيث لايغدو باطلاً وليس شخصياً جداً فلا يغدو صنماً. لقد 
أشار إلى طبيعة الحديث القرآني الرمزية مشيراً إلى التوازن بين النجازي والتشبيهي 
والتعجسيدي من جهة وإلى المذكرات الثابتة بأن الله لامثيل له من ناحية ثانية. في حين نظر 
آخرون إلى المتصوفين بحثاً عن تصور حول علاقة الله بالعالم. فالمتصوف السويسري فريت 
أوف شون أحيا معتقد ابن العربى «وحدة الوجود) كى يبين بما أن الله هو الحقيقة الوحيدة» 
فلا شيء موجود سواه؛ والعالم ذاته إلهي بشكل مناسب. فهو يصف هذا ويذكرنا أن هذه 
هي حقيقة سرية لايمكن فهمها إلا من خلال ضوابط صوفية سرية. 

رأى آخرون امكانية الوصول الى الله بسهولة أكثرء وله علاقة بالتحدي السياسي 
الراهن. ففى السئوات التى أدت إلى الثورة الإيرانية استقطب الفيلسوف العلمي الشاب 
الدكتور علي شريعتي جموعاً هائلة من أفراد الطبقة الوسطى المتعلمين. وكان المسؤول عن 
تجنيدهم ضد الشاه علماً أن معظم رجال الدين لم يكونوا موافقين على قسم كبير من 
رسالته الدينية. أثناء الإضرابات كان الناس يحملون صورته إلى جانب صورة آية الله 
الخميني على الرغم من أنه لم يكن واضحاً كيف سيشارك في إيران الخميني. كان شريعتي 
مقتنعاً أن النزعة الغربية قد غربت المسلمين عن جذورهم الثقافية» ولعلاج هذا التشوه يجب 
عليهم أن يعيدوا تفسير رموز دينهم القديمة. فالنبي محمد قد فعل الشيء ذاته عندما أعطى 
طقس الحج الوثني مرجعية وحدانية. ففي كتابه (الحج) أخذ قباءه في رحلة حج إلى مكة 


وان 


تففيجاً تدريها غن عفهوم ويتابيكي الذي كان على كل مسلم خلقه تخيليا ب بنفسه 
وعن وصول اليو إن الكداعيد_ تروك تسكن ارك ماما لز أن 090 
«فالكعبة ليست غايتكم النهائية» إنها أآية كيلا تضلوا الطريق؛ إنها تدلكم فقط على 
الطريق».”' ' الكعبة تشهد على أهمية تعالي الله عن كل التعبيرات البشرية التي ينبغي ألا 
تصبح غايات بحد ذاتها. «فلم الكعبة هي مجرد مكعب دون زخرفة أو زينة؟ لأنها تمثل 
كر فالله لاشكل له ولالونء ولانظرء مهما كان الشكل أو الشرط الذي يختاره 

البشر أو يرونه أو يتخيلونه فإنه ليس الله).©2 وهكذا أصبح الحج نقيضاً للتغريب الذي 
كان يحسه الكثيرون في إيران في فترة مابعد الاستعمار. إنه يمثل مسار وجود كل إنسآن 
يحول حياته ويوجهها باتجاه الله الذي لايُدْرَك. كان الإيمان الفعال خط ]: لقد عذبه 
البوليس السري التابع للشاه ونفاه» ولربما كان هو المسؤول عن موته في لندن عام /ال91١‏ . 

لقد تبنى مارتن بوبر )١575 - ١07(‏ رؤية ديناميكية لليهودية كسيرورة روحانية» 
صراع لوحدة أساسية. فالدين كان يتكون كلياً من مقابلة مع إله شخصي يتبواً مكاناً في 
اجتماعاتنا بالبشر الآخرين. هناك عالمان: أحدهما مملكة المكان والزمان حيث ترتبط 
بوجودات أخرى كارتباط الموضوع وا محمول مثل «أنا»1, هو أو هي :1 لغير العاقل). وترتبط 
المملكة الثانية بوجودات أخرى كما هى حقاً كغايات بحد ذاتها هذه هى مملكة أنا ‏ أ 
التي تكشف عن حضور الله. 1 

كانت الحياة حواراً لاينتهي مع الله الذي لايهدد حريتنا أو قدرتنا على الإبداع لأن 
الله لايخبرنا عما يطلبه منا. إننا نشعر به كحضور فقطء وكآمرء وعلينا أن نتوصل إلى 
المعتى بأنفسنا. هذه النظرة كانت تعني قطيعة مع معظم التراث اليهودي. وتأويلات بوبر 
للنصوص التراثية مجهدة أحياناً. وبما أنه كان من أنصار كانط فلم يكن لديه وقت للتوراة 
التي وجد أنها تجلب التغريب: كان الله معطياً للشريعة. كان لقاء أنا ‏ أنت ‏ يعنى الحرية 
والعفوية ولم يكن يعني عبء ماض ترائي. مع ذلك فالوصايا العشر تعتبر م ركزية في معظم 
الروحانية اليهودية. وقد يفسر هذا لماذا حظي بوبر بشعبية أكبر بين المسيحيين من شعبيته 
بين اليهود. ١‏ 

للوادر يوق أن كنبة الماع ا وأنألك مكانتهاء مع ذلك رفض أن يتخلى 
عنها: «أين أجد كلمة مساوية لها كي أصف الوجود ذاته؟) إنها تحمل معنى عظيماً معقدا 
وذات ظلال مقدسة كثيرة. أما الذين يرفضون كلمة الله فينبغي احترامهم لأن أشياء كثيرة 


مرعبة قد ارتكبت باسمه. 


578: 


امن السهل أن نفهم لِمَ نجد من يقترحون فترة صمت حيال «الأشياء 
الأخير 11 بيك أن الكلفانت" المدجقدمة ‏ ير يمكن تصحيحها. لكن 
ليست هذه هي الطريقة السليمة لتصحيحها. | إننا لانستطيع تنظيف كلمة 
الله ولانستطيع جعلها كلا لكن با أنها ملوثة ومهروسة كما هيء 
يمكننا رفعها من ارهن ووضعها فوق في ساعة حزن كبير)0"©. 
لم يكن بوبر كسائر العقلانيين لأنه لم يعارض الأسطورة: فقد وجد أن أسطورة 
لوريا عن المجمرات الإلهية في العالم ذات أهمية رمزية حاسمة. ويمثل انفصالها عن الرب 
شعور البشر بالغربةء فعندما نتواصل مع الآخرين نعيد الوحدة البدئية ئية التي تقلل الاغتراب 
فى العالم. 
نظر بوبر إلى الخلف» إلى الكتاب المقدس والهاديسية «9وذ81251 » بينما عاد ابراهام 
يوشع هيرشل إلى روح الأحبار والتلمود. لقد اعتقد ‏ خلافاً لا اعتقده بوبر - أن الوصايا 
ستساعد اليهود على احتمال الجوانب اللاإنسانية التي تنضوي عليها الحداثئة. لقد كانت 
الوسايا أفغال تلبي حاجة الله أكثر مما كانت تلبي احتياجاتنا. فالحياة الحديثة تتسم بنزع 
الصفة الشخصية وبالاستغلال: حتى يتم تخفيض مكانة الله إلى شيء يجب احتكاره 
وجعله يخدم دورنا. وبالتالي أصبح الدين مل وتافهاً» كنا بحاجة إلى «لاهوت في 
العمق) كي ينقب تحت البنى» ويستعيد الرهية الأولى والسر والتعجب. لم تكن مجدية 
محاولة إثبات الله منطقياً. وكان الإيمان بالله ينبع من خوف فوري لاعلاقة له بالمفاهيم 
والعقلانية. ينبغى أن نقرأ الكتاب الي مجازياً كما نفراً الشعر إذا كان المراد منه أن يقدم 
ذلك د بالمقدس. وينبغي أن نرى الوصايا العشر إشارات رمزية تدربنا على العيش 
في حضرة الله. فكل وصية هي مكان لقاء بتفاصيل دقيقة من الحياة الدنيوية» وكعمل فني 
لكل أوضية منطقها زوهها الخاض بيه فقبل كل شيء يجب أن ندرك أن الله يحتاج 
البشو: إنه ليس إله الفلاسفة البعيد بل هو إله العواطف الذي وصفه الأنبياء, 
لقد جذبت فكرة الله الفلاسفة الملحدين خلال النصف الثاني من القرن العشرين. 
سارت مايدغان 15 - )١517‏ في كتابه (الوجود والزمن) ١5571‏ رأى الوجود كما 
رأه إيليتش مع أنه أنكر أن الوجود كان الله بالمعنى المسيحي: لقد كان مميزاً عن وجودات 
محددة و منفصلاً تماماً عن مجالات الفكر العادية. لقد ألهم هذا الكتاب بعض المسيحيين 
مع أن قيمته الأخحلاقية كانت موضع تساوؤل لارتباطه بالنظام النازي» ففي محاضراته 
الافتتاحية في فرسورغ بعنوان (ماهي الميتافيزيقا؟) طور هايدغار عدداً من الأفكا ر التي 
كانت على السطح في أعمال أفلوطين ودنيس وإرجينا فبما أن الوجود هو «آخر كلياًفهو 


هم 


في ا لحقيقة لاشيء - اللااشيء» لين مادة لضن 5-7 ةا مع ذلك فهو الذي يجعل 
جميع الوجودات مكنة. لقد اعتقد القدماء أن اللاشيء أتى من لاشيء لكن هايدغا ر تحفظ 


0 عله البديهية . لقد أنه محاضرته بطرح سؤال كان قد طرحه ليبنز: 

فلا تقول عاك وتجودات: يدلا عرق القول كليين ثيه وجود ود هذا السوال قير 
الصدمة والدهشة والتعجب التى كانت ثابتة في رد الفعل الإنساني تجاه العالم. لماذا كان 
عوجت بوجو عاشي على الإطلاق؟ في كتابه (مدخل إلى الميتافيزيقا)7 ١50‏ بدأ 
هايدغا ر بطرح السؤّال ذاته. اعتقد أن اللاهوت كان الإجابة» وأحال كل شيء إل شيء 
ما آخر إلى اللهء لكن هذا الله كات مجرة وود أن كار عر كويه شيا اح بالكامل: 
كانت فكرة هايدغار فكرة دونية لإله الدين على الرغم من أن الكثير من المتدينين يشتركون 
معه فى رأيه هذا لكنه غالباً ماتحدث بكلمات صوفية عن وجود ما. 

إنه يتكلم عنه كتناقض كبيرء فيصف عملية التفكير كانتظار أو إصغاء إلى وجود, 
ويبدو أنه يتعرض لعودة وانسحاب الوجود مثلما يشعر المتصوفون في غياب الله. ليس هناك 
كيدفن اشر إلى «الاعتقاد بآن الكالن هئ وضرى فيك العم الأعرقن كاله الدائن فى 
العالم الغربي ميالي الى تشيان الكاكى ور كرروا بعلي كامات بديلة عن بالق ادنك فده 
العملية إلى ثمار نجاح تقني حديث. ففي المقالة التي كتبها في نحو نهاية حياته (إله فقط 
يستطيع أن ينقذنا) اقترح هايدغار أن تجربة غياب الله في عصرنا قد تحررنا من الانشغال 
بالكائنات. لكن لم يكن هناك شيء نفعله كي نعيد الوجود في الحاضر. بإمكاننا أن تأمل 
فقط بظهور جديد في المستقبل. 

رأى الفيلسوف الماركسي إرنست بلوخ أن فكرة الله طبيعية للبشرية؛ فالحياة البشرية 
كلها كانت موجهة إلى المستقبل: فنحن نشعر بحياتنا أنها غير تامة وغير منتهية. فنحن 
لسنا راضين أبدأ بل نريد المزيد. وأجبرنا هذا الإحساس على أن نفكر ونطور لآن فى كل 
نقطة من حياتنا علينا أن نتجاوز أنفسنا وأن نستمر إلى المرحلة التالية: على الرضيع أن 
يصبح طفلاً يحبوء ثم عليه أن يتغلب على ضعف قدراته ليصبح طفلاً... إلى آخره. 
فجميع أحلامنا وطموحاتنا تشخيص لا سيأتي. فحتى الفلسفة تبدأ بالتساؤل الذي هو 
التجربة لعدم المعرفة وليس بعد. فالإشتراكية أيضاً تتطلع إلى وتوبياء لكن على الرغم من 
الرفض الماركسي للا يمان حيث هناك أمل هناك أيضاً دين. لقد رأى بلوخ - كما رأى 
فيورباخ ‏ الله كمثل إنساني أعلى لم يتحقق بعد. كيد من أن برى أن هذا يودي إلى 
الفغريبي وتجنه أمرا أسانياً للشرط الإنساني. 

ماكس هوركهايمر )١9078  ١850(‏ المنظر الاجتماعى الألمانق من مدرسة 


لمكن 


فزالكفورت رأى الله أيضاً كمثل أعلى دي أهنية بطريقة تذكزنا بالأنبياى 'قسواء 'وجد 
الله وسواء آمنا به أم لم نؤمن فذلك أمر غير ضروري. فدون فكرة الله لاوجود لمعنى مطلق 
سواء للتقيقة أو الأحتلدفية: تصبح الأخلاق مسألة دوق فقط أو تحفلة مراجية أو تروة: 
ومالم يشمل علم السياسة والاخلاق فكرة الله فإنهما سيبقيان متصفين بالبراغماتية والدهاء 
بدلاً من اتسامهما بالحكمة. فإذا لم يكن هناك (مطلق) فليس هناك سبب يدعونا إلى عدم 
الكراهية أو إلى اعتبار الحرب أشنو من السلام. فالدين أساساً هو سُعور داخلى بأن هناك 
إله. فإحدى أحلامنا الأولى هو التوق إلى العدالة (كم مرة نسمع فيها الأطفال يتذمرون 
بالقول؟ هذا سعدلا الدين ستخل الطموخاك والاتهاناك لعدد الايحصى امن البشير 
في وجه المعاناة والخطاأ. فالدين يجعلنا مد ركين لطبيعتنا المحدودة؛ فنحن جميعاً نأمل أ 
يكون الظلم هو الكلمة الالضيرة في العالم. 

ا لحقيقة التي يجب أن يرجع الناس إليها ‏ الذين لديهم معتقدات دينية - هي أن 
عليهم العودة إلى موضوعات مركزية قد اكتشفناها في تاريخ الله تدل على أن الفكرة 
ليست غريبة كما يعتقد الكثيرون منا. 

فخلال النصف الثاني من القرن العشرين حدث ابتعاد عن فكرة الله الشخصي الذي 
يتصرف كما يتصرف معظمنا فلم يكن في هذا الابتعاد شيء جديد. فكما رأينا يظهر 
الكتاب اليهودي المقدس الذي مايزال المسيحيون يسمونه العهد القديم ‏ سيرورة ممائلة) 
بينما رأى القرآن الله بكلمات أقل شخصانية مما رآه التراث اليهودي المسيحي منذ البداية. 
معتقدات مثل الثالوث والميثيولوجيا ورمزية النظم الصوفية سعت جميعاً إلى القول أن الله 
كان خارج الشخصانية. مع ذلك فهذا المسعى لم يتم إيضاحه لكثير من المؤمنين. 

فعندما نشر جون روبنسون أسقف وول وي (الصدق مع الله 1١95‏ حدثت 
ضجة كبيرة في بريطانيا عندما قال إنه لم يعد بوسعه الإقرار بالله الشخصي القديم «هناك). 
وكذلك حدثت ضجة مائلة على ملاحظات أبداها ديفيد جينكينز أسقف ديورهام على 
الرغم من أنها ملاحظات عادية في الأوساط الأكاديية. وقد وُصِمَ دون كيوبيت ب «القس 
الملحد)الذي كان عميد كلية 0 في كامبريدج. لقد وجد الإله الواقعي التراثي في 
الوحدانية هر غير مقبول» واقترح شكلا من البوذية المسيحية يضع المعرفة الدينية قبل 
00 توصل كيوبيت كما توصل روبنسون - إلى رؤية فكرية توصل إليها المتصوفون 

فى الأديان الثلاثة عبر سبيل أكثر حدسية. ففكرة أن الله غير موجود فعلاً وأن لاشيء 
م بقيتا بعيدتين عن أن تكونا فكرتين جديديتين. 
هناك عدم تسامح متزايد حيال صور غير ملائمة للمطلق» ويجيء هذا التحطيم 


بوكلا 


للأيقونات سليماً لأن فكرة الله قد استخدمت في الماضي لتؤدي إلى تأثير كارئي. إحدى 
التطورات الجديدة التي تشكل سمة بارزة منذ سبعينات هذا القرن كانت ظهور نوع جديد 
من التدين نسميه في الواقع «النزعة الأصولية) في معظم مناطق وجود الأديان العالمية» من 
بينها أديان الله الثلاثة. فروحانية سياسية رفيعة هي حرفية وغير متسامحة في رؤيتها. ٠‏ ففي 
الولايات المنحدة التي كانت دائماً ميالة إلى حماسة ورؤية متطرفة نجد أن الأصولية 
المسيحية قد ربطت نفسها باليمين الجديد. قام الأصوليون بحملة من أجل إلغاء الاجهاض 
قانونيء وتبنوا خطاً متشدداً حيال الحشمة الأحلاقية والاجتماعية. حققت الأغلية 
الأخلاقية التي يتزعمها جيري اليل سلطة سياسية مذهلة خلال ولاية الرينين ريغان. ثمة 
أنجيليون آخرون مثل موريس كرولو الذي يأخذ ملاحظات يسوع حرفيأء يعتقدون أن 
المعجزات هي علامة أساسية للدين الحق. فالله سوف يعطي المؤمن أي شيء يطلبه منه في 
الصلاة وفي بريطانيا زعم الأصوليون من أمثال كولين إركهات البشيء ذاته. ويبدو أن 
الأصوليين المسيحيين يقيمون وزناً قليلاً للمحبة والتراحم عند يسوع. إنهم يدينون الناس 
بسرعة ويرونهم «أعداء الله»» ويعتقدون أن اليهود والمسلمين من رواد جهنمء وكان 
إركهات قد أعلن أن جميع الأديان الشرقية تستمد إلهامها من الشيطان. 
وفي العالم الإسلامي حدئت تطورات ممائلة امتدت إلى الغرب. فقد أسقط 
الأصرليوون المسلمون حكومات واغتالوا أو هددوا أعداء الإسلام بعقوبة الموت» وكذلك 
استوطن اليهود الأصوليون في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية بية وقطاع غزة مبيتين نية طرد 
السكان العرب ولو بالقوة عند الضرورة. فهم بذلك يعتقدون أنهم يمهدون الطريق لظهور 
المسيح المنتظر الذي أصبح ظهوره قرياً. فالأصولية بجميع أشكالها هي إيمان منقوص. 
وهكذا فالحبر مائير كاهانا عضو فى اليمين المتطرف»ء بل الأكثر تطرفاً فى هذا اليمين اغتيل 
في تيويورك عام 000.995 ١‏ 
لاتوجد عدة رسالات في الهودية. بل :هناك رسالة واحدة وهي أن نفعل 
مايريده الله. فأحياناً يريدنا الله المضي إلى الحرب, وأحياناً يريدنا أن نعيش 
في سلام.. لكن هناك رسالة واحدة: الله أرادنا أن نأتي إلى هذه البلاد 
كي نخلق دولة يهردية” 0 
يمسح قوله هذا قروناً من التطور اليهودي لأنه يعود إلى منظور سفر التثنية من كتاب 
يشوع. فليس مستغرباً أن نجد الناس الذين يسمعون هذا النوع من النجديف الذي يجعل 
الله يدكر حقوق الإنسان» شعب آخر يعتقد أنه كلما أسرعنا فى التخلى عنه كلما كان 
ذلك أفضل. 


كلا 


كما رأينا في الفصل الأخير فإن هذا النوع من التدين هو في الواقع تراجع عن الله. 
وأن نجعل من ظواهر تاريخية مثل «القيم الأسرية) المسيحية» أو«الإسلام» أودالأرض 
المقدسة) بؤرة دينية إنما يعتبر هذا شكلا جديدا للوثنية. فلقد كان هذا النوع من الاستقامة 
امحاربة إغراء دائماً للموحدين عبر تاريخ الله الطويل» وينبغي رفضها لأنها غير مناذقة لد 
وصل | إله اليهود والمسيحيين والمسلمين إلى منطلق تعيس لأن الإله القبلي يهرى كان إلهاً 
قاتلا ومتحيزاً لشعبه. والصليبيون الذين يعودون إلى روح الجماعة البدائية هذه إنما يعلون 
قيم القبيلة إلى مرتبة عالية لايمكن قبولهاء ويستبدلونٍ المثا ل التي صنعها الإنسان بالوجود 
امتعالي, الذي سيكون تحدياً لنزعاتنا. وهم ينكرون أيضاً موضوعاً وحدانياً حاسماً. فمنذ أن 
أصلح أنبياء إسرائيل عبادة يهوى الوثنية القديمة أعلى إله الموحدين المثل الأعلى في الرحمة. 

لقد رأينا أن الرحمة كانت سمة مميزة لمعظم الإيدلوجيات التي وجدت في العصر 
ا مخوري. فالمثل الأعلى في الرحمة قد أجبر البوذيين على إحداث تغير جذري في توجههم 
الديني عندما أذضلوا الولاء إلى «يوقان' لقث ده الأتبياء على عدم جدوى العقيدة والإيمان 
مالم يتبنى المجتمع ككل روحاً جماعية أكثر عدالة واراختها. وهذه الرؤى تطورت على يد 
سوم وبولص والأحبار الذين اشتركوا جميعاً في نفس المثل اليهودية» واقترحوا تغييرات 
أساشية في اليهودية كي يدخلوها إليها. ولقد جعل القرآن اق مجتمع عادل متراحم 
جوهراً في دين الله. الإخهة لصولة صم كي وه المخصوص لأنها تتطلب منا الخروج 
خارج حدود أنانيتناء وعدم إحساسنا بالأمن) وأهواءنا الموروثة. ليس 10 أن نجد أن 
الأديان الثلائة قد فشلت في إنجاز هذه المعايير السامية في بعض الفترات. فخلال القرن 
الثامن عشر رفض التأليهيون معظم المسيحية الغربية التراثية لأنها أصبحت قاسية وغير 
متسامحة بشكل جليء وينطبق هذا على عالنا اليوم. في أغلب الأحيان يشترك جميع 
المؤمنين التقليديين الذين ليسوا أصوليين باستقامتهم العدوانية. فاستخدام الله كي يثير حبهم 
أو كراهيتهم أمر ينسبونه عادة إلى الله. فاليهود والمسيحيون والمسلمون الذين يحضرون 
مراسم دينية يشوغود الناس الذين ينتمون إلى معسكرات أثنية وإيديولوجية تنكر واحدة من 
حقائق دينهم العامة ليس هاسنا للذين تون أنفسهم يهرداً أو مسيحيين أو مسلمين 
أن يتغاضوا عن نظام اجتماعي لانسوده المساواة. إله الوحدانية التاريخية يأمر بالرحمة 
لابالقربان» بالتراحم أكثر مما يطلب القربان المقدس الزخرفي. 


في أغلب الأحيان هناك فارق بين الناس الذين يمارسون أحد أشكال العبادة في دين 
ما والذين نموا اناما بالرحمة. فقل شجب الأنبياء معاصريهم الذين كانوا يعتقدون أن 
عبادة المعيد كانت كافية. لقد أوضح يسوع وبولص أن الالمرا م الخارجي لاجدوى منه إذا 


5208 


لم يترافق بامحبة: عبادة من هذا التوع أفضل بقليل من نحاس أصفر أو صنجات تدق. ولد 
خاض محمد صراعاً مع العرب الذين أرادوا عبادة الإلهات الوثنية إلى جانب الله في 
الشعائر القديمة دون 0 روح الجماعة المتراحمة التي كان يأمر الله بها ردن 
حق. وكان هناك انقسام مماثئل في عالم روما الوثئية: كان الدين العباداتي الفدم يعني 
بالتمايز الطبقي» بينما بشر الفلاسفة برسالة اعتقدوا أنها ستغير العالم. فقد تكون أقلية هي 
التي التزمت بدين الإله الواحد الرحيم بينما وجدت الأغلبية أن من الصعب مواجهة 
تطرف التجربة الدينية بأوامر أخلاقية لامساومة فيها. فمنذ أن أحضر موسى ألواح الشريعة 
هن مه سيناء نجد أن الأغلبية فضلت عبادة العجل الدهبي؛ صورة عر يداد ترائية لإله 
أقاموه بأنفسهم في طقوس تبجيلية زمنية معزية. ولقد أشرف 0 الأحبار أرون عي 
صناعة التمثال الذهبي. لمؤسسة الدينية ذاتها صماء في أغلب الأحيان عن طموح الأنيناء 
والمنصوفين الذين ينقلون الأنباء من إله متطلباته أكثر بكثير. 

بالإمكان استخدام الله كدواء غير مجدء وبديلاً عن الحياة الدنيوية» وكغاية لخيال 
متساهل. لقد استخدمت فكرة الله مراراً كأفيون مخدر للناس. لقد فُهِمَ الله على أنه وجود 
آخر مثلنا تماماً لكنه أكبر وأفضل منا في علياء سمائه التي يتصورها الناس فردوساً ملذات 
دنيوية. مع ذلك فقد استُخدم الله 2 لمساعدة الناس في التركيز على هذا العالم وعلى 
مواجهة الواقع غير السار. فحتى العبادة الوثنية 1 لها الظاهرة ‏ شددت على 
تورطه في أحداث راهنة في زمن غير مقدسء» كنقيض للزمن المقدس زمن الشعيرة 
والأسطورة. لقد أجبر أنبياء إسرائيل شعبهم على مواجهة الملامة الاجتماعية والتوعد 
بكارئة سياسية باسم الله الذي كشف عن نفسه لهم في هده الأحداكة التارييضة:.وقن 
أكد الاعتقاد المسيحي بالتجسيد على الملازمة الإلهية في عالم الجسد والدم. بينما كان 
الاهتمام بما يجري هنا والآن بارزاً بشكل خاص في الإسلام: لم يكن بوسع أحد أن يكون 
واقعياً أكثر من محمد الذي كان عبقرياً في امجالين الروحي والسياسي معاً. لقد شاركته 
أجيال ل ل تبجسيد المشيكة الإلهية في التاريخ الإنساني عن طريق 
إقامة مجتمع لا, ق عادل. منذ البداية كان الله يأمر بالفعل. فمن اللحظة التي استدعى فيها 
إيل» أو يهرى» أو الله إبراهيم من أسرته في حران فقد استدعى الدين فعلا مادياً في هذا 
العالم غالبا مايكوق: تخلياً نو عن المقدسات القديمة. كان هذا الاقتلاع 0000 
كبيراً كذلك. الله القدوس الذي كان آخر كلياً عرفه الأنبياء كصدمة عنيفة» وطالب 
بقداسة ممائلة وانفصال عن شعبه. عندما تكلم الله إلى موسى على قمة سيناء لم يكن 
السمرسياً الاثد اتبلنية الاقتراب من أسفل الجبل وهكذا باعد برزخ جيه كلا نة البقير 
والإله بشكل مفاجىء» ممزقاً النظرة الوثنية المقدسة. ولذلك كان هناك كمون 0 


566 


العالم الذي عكس بزوغ فجر وعي باستقلالية ذاتية لاتغريبية للفرد. فليس من قبيل 
المصادفة أن هرت اوعدا جذورها 0 خلال النفي إلى بابل عندما كان الإسرائيليون 
قد طوروا أيضًاً الل الأعلى بالمسؤولية الشخصية الذي كان حاسماً في اليهودية والإسلام 
قو رايا أن الاخياء: استخدموا فكرة الله الملازم كي يساعدوا اليهود على تنمية 

خماش بالحقوق المقدسة للشخصية الإنسانية. مع ذلك استمر التغريب في كونه خطراً فى 
الأديان الثلائة. فى الغرب كانت معرفة الله مترافقة باستمرار مع إحساس باللاف 
وبأنروبولوجيا تشاؤمية. في اليهودية والإسلام لايوجد شلك بأن التقيد بالتوراة والشريعة قد 
اعتبر أحياناً إذعاناً تابعاً لقانون خارجيء؛ ومع ذلك قد لايكون شيء أبعد عن نية الناس 
الذين جمعوا هذه المدونات القانونية. 

هؤلاء الملحدون الذين نادوا بالتحرر من إله يطلب خضوعاً عبدياً إنما كانوا يحتجون 
على صورة غير لاثقة لكنها مألوفة ‏ لسوء الحظ ‏ عن الله. وكان ذلك مبنياً على تصور 
شخصاني للإله. وكان هذا التصور يفسر صورة حكمة الله في الكتب المقدسة بشكل 
حرفي أكثر مما ينبغي» وافترض أن الله كان نوعاً من أخ كبير في السماء. هذه الصورة لله 
كطاغية نترض كريفة عوية وعلى يها الخير اعلبها درل رع شه فإلقاء الرعب بين 
الناس طالباً الطاعة المدنية لواحا بالتهديدات لم يعد افر 000 وحتى غير عملي. وهذا 
ماأوضحه تهاوي الأنظمة الشيوعية بشكل دراماتيكي في خريف عام ١985‏ . فكرة الله 
المصدر للشريعة والحكم ليست مناسبة لطبع مابعد الحداثة. لخاد الذين اشتكوا من أ 
فكرة الله كانت غير طبيعية لم يكونوا على صواب تام. ادلو لبي 
والمسلمين قد طوروا أفكاراً متمائلة عن الله» وهى ممائلة أيضاً لتصورات أخرى حول 
المطلق. عندما يحاول الناس إيجاد معنى وقيمة نهائية في الحياة البشرية يبدو أن عقولهم 
تمضي في اتجاه محدد. فهم لم يكونوا مجبرين على القيام بهذاء وهذا شيء يبدو طبيعياً 
للبشرية. 

إذا لم يكن على المشاعر أن تنحط إلى انغماس أو عدوانية أو انجراف عاطفي غير 
سليم» عندها ينبغي أن يكون العقل النقدي آمراً. فتجربة الله يجب أن تحتضن 00 
الشائعة ومن ضمنها ميول العقل. كانت تجربة الفلسفة محاولة لربط الإيمان بالله مع 
المذهب العقلاني الجديد وسط المسلمين واليهود والمسيحيون الغربيين في مرحلة لاحقة. 
وفي النهاية تراجعوا 108ظص عن الفلسفة. فقد قرروا أن للعقلانية ميادينها» خاصة في 
الدراسات التجريبية كالعلم والطب والرياضيات» لكنها ليست مناسبة كلياً في مناقشة إله 
يقع خارج المفاهيم والتصورات. لقد أدرك اليونانيون هذا من قبل» فطوروا عدم ثقة مبكرة 


59 


في ميتافيزيقاهم. كانت إحدى معوقات الطريقة الفلسفية لمناقشة الله هي أنها تجعل الله 
متعالي مجرد كائن آخرء أعلى من الأشياء الموجودة بدلاً من واقع تراتب مختلض كلاً. 5 
ولك كانت تنقائرة الفلسفة هامة لأنها أطيرت قرلا لضرورة: زيظ الله عجارتت أخرى 
حتى ولو كانت فقط لتحديد المدى الذي كان فيه هذا ممكناً. فدفع الله إلى عزلة فكرية في 
غيتو مقدس خاص به أمر غير سليم وغير طبيعي. وقد يشجع هذا الناس على الاعتقاد أنه 
ليس ضرورياً تطبيق معايير عادية من التقدير والعقلانية على السلوك الذي يفترض أن الله 
قد ألهمه. 

منذ البداية كانت الفلسفة مرتبطة بالعلم» وكان حماسها الأول تجاه الطب والفلك 
والرياضيات قد قاد الفلاسفة المسلمين الأوائل إلى مناقشة الله بكلمات ميتافيزيقية. لقد 
أحدث العلم تحولاً رئيسياً في نظرتهم» فوجدوا أن ليس في وسعهم أن يفكروا بالله 
بالطريقة نفسها نفسها التي يفكر فيها إخوانهم رم لقد كان التصور الفلسفي لله مختلفاً 
جد عن نظرة القرآن. لكن الفلاسفة أحيوا بعض الاراء التي كانت مهددة بالضباع في 
الأمة في للك الوقصا:وهكدًا كان للقرآن موقا إيجابياً جد مره الترقات الأخرى: لم 
يكن محمد يعتقد أنه يؤسس ديناً جديداً استثنائي» وكان يعتبر أن مصدر الدين القويم هو 
الله الأحد. بحلول القرن التاسع عشر كان العلماء قد بدأوا يفقدون هذه النظرة» وكانوا 
يطورون مذهباً إسلامياً على أنه الدين الواحد الحق. لقد ارتد الفلاسفة إلى التوجه الكوني 
القديم مع أنهم بلغوه بطريقة مختلفة. ولدينا اليوم فرصة ممائلة. ففي عصرنا العلمي ليس في 
وسعنا أن نفكر بالله بالطريقة نفسها التي فكر بها أسلافناء لكن تحدي العلم قد يساعدنا 
على قبول بعض حقائق قديمة. 

لقد رأينا أن ألبرت آينشتاين كان لديه قبولٌ لدين صوفي, وعلى الرغم من ملاحظاته 
الشهيرة حول إله لا يلعب النرد فإن أينشتاين لم يكن يعتقد أن نظريته النسبية لا بد أن تؤثر 
على مفهوم الله. فخلال إحدى زياراته إلى إتجلترا عام ١57١‏ سأله أسقف كانتربري عن 
معاني النسبية في الدين. فأجابه أنيشتاين: «ليست لها معاني. فالنسبية مسألة علمية محضة 
ولا علاقة لها بالدين)7” '2. عندما يشعر المسيحيون بالإحباط الذي يجلبه لهم علماء من 
أمثال ستيفين هوكنغ الذي لا يستطيع أن يجد متسعاً لله في كوسمولوجياه» فمن امحتمل 
أنهم ما يزالون يفكرون بالله بمفردات شخصانية ككائن خلق العالم بالطريقة نفسها كما 
نفعل نحن. مع ذلك لم يكن الخلق مفهوماً أصلاً بطريقة حرفية فالاهتمام بيهوى بصفته 
خالقاً لم يدل إلى اليهودية حتى النفي إلى بابل. وكان مفهوهاً غريياً عن العالم اليونانى 
فالخلق من عدم لم يكن عفيدة رسمية مسيحية حتى المجمع المسكوني في نيقيا عام 74١‏ . 


50 


الخلق مسألة مركزية في القرآن» لكنه مثل جميع الآيات عن اللهه كان الخلق آية 
لحقيقة لا يمكن فهمها. وقد وجد العقلانيون اليهود والمسلمون هذا الاعتقاد صعباً جداً 
وإشكالياً فرفضه كثيرون» بينما فضل المتصوفون والقباليون جميعاً تشبيه الفيض اليوناني. 
لم تكن الكوسمولوجيا ‏ على أية حال تعبيراً علمياً لحقيقة سيكولوجية أو روحية. وبالتالي 
هناك حماسة فاترة تجاه العلم الحديث في العالم الإسلامي: فكما رأينا كانت تمثل أحداث 
التاريخ الحديث تهديداً أكبر من تهديد العلم للمفهوم التراثي عن الله. ابينها ماد في الغريت 
فهم أقرب إلى الحرفية للكتاب المقدس. ا الغربيين أن إيمانهم 
بالله قد لغمه العلم الحديث بجدهم يتصورون الله على أنه الميكانيك طاءتسقطءء8 العظيم 
الذي أوجده نيوتن. 5 يوه شحتفانا لله الذي يجب رفضه استناداً إلى مين دينية 
وعلمية يكبا فد يصدم تحدي العلم الكنائس بقبول جديد ذي طبيعة رمزية للسرد في 
الكتاب المقدس 

تبدو فكرة إله شخصي غير مقبولة بشكل متزايد في الوقت الحاضر لجميع الأسباب 
الأخلاقية و العقلية والعلمية والروحية. فالحركات النسائية مرفوضة لدى إله شخصي بسب 
جسيه دل أيامه: ‏ الوثنية القبلية. مع ذلك فالحديث عن هي 6 بأسلوب غير الأسلوب 
الديالكتيكي أمر محدود أيضاً لأنها تحصر الله الذي لا يمكن وضع حدود له في مجال 
إنساني محض. فالمفهوم الميتافيزيقي القديم عن الله ككائن أحني للف كان سور قي 
الغرنيب متك آمك بعد رشع بيه الداس, أنه غير مقنع أيضاً. فإله الفلاسفة نتاج عقلانية غدت 
قديمة الآنء وبذلك أصبحت البراهين التراثية على وجوده ليست بذات جدوى. فالقبول 
الواسع الانتشار لإله الفلاسفة على يد التأليهيين في عصر الأنوار بالإمكان رؤيته كخطوة 
أولى إلى الإلحادية الراهنة. هذا الإله مثل إله العلماء القديم جيد جداً عن البشرية والعالم 
المادي. والذي يصبح بكل سهولة 060505 وناء28 ويتلاشى من وعينا. 

فكما يبدو قد يقدم إله المتصوفين بديلاً ممكناء فمنذ فترة طويلة شدد المتصوفون على 
أن الله ليس كائناً آخرء وقالوا أنه غير موجود فعا ومن الأفضل أن: تسمئة لا 
شيء عصنطغ210. يتداغم هذا الله مع المزاج الالحادي مجتمعنا الدنيوي بعدم ثقته بصور 
المطلق غير الكافية. نل من رؤية الله كحقيقة موضوعية بالإمكان إيضاحها بوسائل 
البرهان العلمي نادى المتصوفون بأنه تجربة ذاتية نعرفها بطريقة غامضة في أرض الواقع. 
فمقاربة هذا الله ينبغي أن تكون عبر اخفيلة» وبالإمكان رؤيته كنوع من شكل فني مال 
للرموز الفنية العظيمة الأخرى التي عبرت عن السر الذي لا يوصف» وعن جمال وقيمة 
الحياة. لقد استخدم المتصوفون الموسيقا والرقص والشعر والخيال والقصص والرسم والنحت 


ردنا 


والهندسة المعمارية كي يعبروا عن هذه الحقيقة التي ار المفاهيم. فالصوفية - مثلها مثل 
كل فن - تتطلب الذكاء والانضباط ونقد الذات صوناً من الانغماس في إفراط 00 
ويقوم إله المتصوفين بإرضاء الحركات النسائية لأن المتصوفين والقاييك فد جار راكفنة 
طويل إدخال عنصر أنثوي إلى المقدس. 

إلا أن هناك تراجعات على أية حال» فقد أحاطت الشكوك بالصوفية وسط الكثير 
من اليهود والمسلمين منذ إخفاق شبتاي زيفي التام, وانحطاط الصوفية اللاحق. لم تكن 
الصوفية في الغرب أبداً تيار رئيسياً في الحماسة الدينية فالمصلحون البروتستانت 
والكائوليك اعتبروا الصوفية إما أنها غير قانونية أو أنها مهمشة؛ كما أن عصر العقل العلمي 
لم يشجع أسلوب الفهم هذا. منذ ستينات هذا القرن نما اهتمام جديد بالصوفية تم التعبير 
عنه من خلال الاهتمام باليوغا والتأمل والبوذية» لكن هذا الاتجاه لا يتوافق بسهولة مع 
عقليتنا التجريبية الموضوعية. فليس سهلا فهم إله المتصوفين بل يتطلب تدريبا طويلا على يد 
خبير» وزمناً طويلاً. على المتصوفين أن يجدّوا للحصول على هذا الإحساس بالوجود الذي 
يعرف باسم الله (وربما يرفضون أن يسموه). ويشدد المتصوفون على أنه ينبغي على البشر 
أن يخلقوا عمداً هذا الإحساس بالله بأنفسهم بالدرجة نفسها من الحرص والاهتمام اللذين 
ييذلهما آخرون في الإبداع الفني. ليس من المحتمل أن تلقى الصوفية الاستحسان في 
مجتمع أصبح معتاداً على إحساس بالرضا سريع الإيقاع» وعلى الوجبات السريعة» 
مسبقاً. فليس بالإمكان الإحساس بالبدعةء النشوة اللحظية التى يبلغها مبشر 
إحيائى +26971972115 يكسب حشداً كاملا يصفق له بأيديهى ويتحدث إليهم 0 السديتية 


أعلى من الوعي الذي يبلغه المتصوف. فاننا نستطيع أن نتعلم أن الله لا يوجد بأي معنى 
تبسيطىء أو أن كلمة الله ذاتها هى مجرد رمز لوجود يتجاوز كلمة الله. فقد يساعد 
التركيز الصوفي على امتلاك كابح يوقفنا من الاندفاع في هذه المسائل المعقدة بتأكيد 
دوغمائي. لكن إذا لم يتم الإحساس بهذه المفاهيم في النبضء وإذا اعتبرت أنها غير ملائمة 
مهيا قن اسيل أن مد غريدات عبار من العف فد يتضح أن صوفية من الدرجة 
الثانية غير مرضية مثل قراءة شر قصيدة كتبه ناقد أدبي بدلا عن قراءة القصيدة ذاتها. 
كما رأينا كانت الصوفية في أغلب الأحيان تدريبا واد شان ا ايفين موه 
الجزء الحدسي من العقل بعد تدريب خاص» وليس لأنهم أرادوا عزل العامة عنها عنها. إنها تعني 


54 


ها مكدافا عند مقاربتها بهذه الطريقة امحددة؛ وهي ليست في متناول المقدرة العقلانية 
المنطقية. 


منذ أن بدأ أنبياء إسرائيل في نسب مشاعرهم وتجاربهم إلى الله خلق الموحدون إلهاً 
ما لأنفسهم» بمعنى من المعاني. فقد كانوا يرون أن الله حقيقة أفصحت عن ذاتها 
وبالإمكان التعرف عليه مثل التعرف على أي وجود موضوعي. وفي يومنا هذا يبدو أن 
أناسأً كثر قد فقدوا الإرادة للقيام بهذا المسعى التخيلي. فلا حاجة إلى أن يشكل هذا 
كارثة» فعندما فقدت الأفكار الدينية فاعليتها حبت دون ألم: فإذا كانت الفكرة البشرية 
عن الله لم تمد متحدية "اليه" ليا في مير ريني الإنها نوف تلقئ الإهمال» في الماضي 
خلق الناس دائماً يووا جديدة كي تعمل كبؤر روحية» وخلقوا دائماً إياناً بأنفسهم لتدمية 
هذا الإحساس بالتعجب ومعنى للحياة لا يمكن وصفه. يبدو أن اللاهدفية والتغريب 
وفقدان القانون العام والعنف الذي يسم القسم الأعظم من حياتنا يدل على أن الناس لا 
يخلقون عن عمدٍ إياناً بالله أو أي شيء آخرء فالناس يسقطون في لجة اليأس. 

في الولايات المتحدة يزعم 95/ من السكان أنهم يؤمنون بالله ومع ذلك نجد 
انتشار الأصولية» والرؤوية» وأشكال دينية عابرة غير مطمئنة. فارتفاع معدل الجريمة 
المتصاعد, وتعاطي المخدرات» وإحياء عقوبة الإعدام ليست بوادر مجتمع سليم روحياً. في 
أوروبا هناك خواء متزايد في المكان الذي كان الله موجوداً فيه في الوعي البشري. فأحد 
الأوائل الذين عبروا عن هذا الخراب» بشكل مختلف عن الإلحادية البطولية التي جسدها 
نيتشه هو توماس هاردي. ففي قصيدته طائر الشمّن الأسود التي كتبها في 0 /كانون 
الأول عام 2١65٠١‏ تعبر عن موت الروح التي لم تعد قادرة على خلق إيمان بمعنى الحياة: 


اتكأت على بوابة أيكة يانعة 

عندما كان الصقيع شبحاً رمادياً 
وذيول الشتاء جعلت 

عين النهار الذاوية بائسة. 
وسوق اللبلاب المشابكة تعلو في السماء 

كأوتار قيثارة محطمة 
بينما الناس الذين يسكنون الجوار 

التفوا حول نيران تتأجج في مدافتهم 
بدت ملامح الأرض الصارمة وكأنها 

جثة القرن مكشوفة. 


نلدنا 


مدفنها سماء ملبدة بالغيوم 

والريح تنداب موتها. 
نبضص البذرة القديم, ونبضص الولادة 

كان يرتعش بشدة وجافاً 
وكل روح على الأرض 

بدت دون حرارة مثلي أنا. 
وفي الخال أتى صوت من بين 

الأغصان الكثيبة فوق رأسي 
في نشيد مل القلب 

لا حدود لبهجته 
طائر شمن عجوز مضنى هزيل» 

وجنون العاصفة قد عاث في ريشه 
قد اختار أن يرمي روحه 

على الكابة المتزايدة 


و 


سبب ضتيل لهذا التغريد البهيج 

لهذا الصوت الذي يبعث النشوة 
كان مكتوباً على أشياء دنيوية 

بعيدة أو في الجرار 
كنت أن أفكر هناك وأرتعش 

في هواء مسائه العليل السعيد 
بأمل مبارك قد عرفه هذا الطائر العجوز 


لا يستطيع البشر احتمال الفراغ أو الخراب» إنهم سوف يملؤون الفراغ بخلق بؤرة 
جديدة لمعنى. ومعبودات النزعة الأصولية ليست بدائل جيدة عن الله. فإذا كان لا بد من 
خلق يمان جديد نابض بالحياة من أجل القرن الحادي والعشرين فلربما ينبغي علينا أن نتأمل 


مدنا 


هوامش ومراجع الكتاب 


الفصل الأول 


١4514 مرسيا إليادء أسطورة العودة الأبدية أو الكون والتاريخ. ترجمة ويلارد ر. تراسل برنستون‎ ١ 

؟ ‏ من (الخلق البابلي» في ن. ك. ساندراس (ترجمة) قصائد السماء والجحيم من بلاد الرافدين القديمة 
لندن ١917١‏ 

49 مكرر ص‎  ' 

4 - بندارء نيمين الجزء السادس ١‏ - 4 أغاني بندار ترجمة سي. م. لورا (هارموندسورث) ١15959‏ ص 
من 
0 3 ل . و. جيمس. لندن 2157٠0‏ ص 88 

سفر التكوين الاصحاح الثاني: ه 

7 0 الاصحاح الرابع: 5؟ 50 الاصحاح السادس: ١‏ 

8 - سفر التكوين الاصحاح :١‏ 45 والاصحاح 45: ١4‏ 

8 - سفر التكوين اللاصحاح 0 

. 445 ص‎ )١96٠ الألياذة المقطع 51 . 597 0 إي؛ في» ريو) هارموند سورث.‎ - ٠ 

١8-1١١ :14 أعمال الرسل‎ - ١ 

5 - سفر التكوين الاصحاح 78: ١١5‏ 

٠‏ - سفر التكوين الاصحاح 75: ١7 ١١‏ أضيفت عناصر إلى هذا العرض على يد 15 » ومن هنا 
استخدام الاسم يهوى. 

4- سفر التكوين الاصحاح ؟7: 3١ ٠6‏ . 

6 - جورج ي. مندنهول» (الفتح العبري لفلسطينء؛ دورية عالم الأثار التوراتي ه522 م 
فيبرت» استيطان القبائل الاسرائيلية اد لندن 1911 . 

7 - سفر تثنية الاشتراع الاصحاح 7"5: 

١‏ ل. ي. بيهو عناصر مدينية في 0 ل دراسات لاهوتية يهودية» 7”١‏ » سالو ويتماير 
بارون» التاريخ الاجتماعي والديني لليهود ٠‏ أجزاءى الثاني هله (نيويورك )١955717--15657‏ ص 
ل" 

8 - سفر الخروج الاصحاح الثالث: ه ‏ ” 

49 - سفر الخروج الاصحاح الثالث: ١4‏ 

١8-15 :19 سفر الخروج الاصحاح‎ - ٠ 

 :٠١ سفر الخروج الاصحاح‎ ١ 


يكنا 


2 يشوع الاصحاح 51: 1١14‏ - ه 
7 يشوع الاصحاح 4؟: 14" 
4 - جيمس الآلهة القديمة ص ١5١5‏ امزامير ١9‏ ؛ 89 ؛ 59 . تعود هذه المزامير إلى مابعد النفي. 
ه؟ ‏ لملوك الجزء الأول الاصحاح 148 40-5١‏ 
- الملوك الجزء الأول الاصحاح ١١-١ :١9‏ 
17" ريج فيدا :٠١‏ 59 في ر. ه . زايئر (مترجمة) الكتب الهندوسية المقدسة (لندن ونيويورك 
5 ص )١١‏ 
8 - تشاندوغيا أبا نيشادز القسم السادس. ١‏ . في جوان ماسكارو (ترجمة) الأبانيشادز 
هارموند سورث 6 ص ١١١‏ 

9 - كينا أبا نيشادز ١‏ - في جوان ماسكارو (ترجمة) الأبانيشادز ص ١ه.‏ 

0٠٠‏ مكرر ص 7ه 

”١‏ - ساميوتا نيكيا الجزء الثانى نيدانا فيجا (ترجمة ليون فير) لندن ١8848‏ ات 

5 - إدوارد كونز» البوذية: جوهرها وتطورها (أوكسفورد 555١)؛‏ ص 
- أودانا 8 )2 ١٠١‏ 2 مُستشهد بها ومُترجمة في بول شتاينتاء 0 دن لماي ص آم 
المأدبة (ترجمة دبليو هاملتون)» هارموندسورث» ا لاد تي 2 
ا 16 . 


0 11 نمه 5 نين 
الفصل الثانى 
را 0 اد حا لين الما اللاعقلاني في فكرة الإلهي وعلاقته مع الجا 


العقلاني (ترجمة) جون دبلير هارفي أوكسفورد 21917 ص 59.8 30 . 
7 وم كت ه 


: - الخروج : 
المزامير: 9؟ . 9 » 4 داغون كان إله الفيلستيين. 
35 أشعيا كزاءط1 


ااام مت ا اال بيدية 

8 - نقش على عظم اسفيني مسماري مُستشهد به في شايم بوتوك التيه» تاريخ اليهود» نيويورك ١9178‏ 
ص /ا8 ١‏ . 

١ :5 أشعيا‎ 

١١ :5 أشعيا‎ ٠ 

١ ه-‎ :٠١ أشعيا‎ ١ 

١١‏ أشعيا :١‏ م 

١٠ه‎ -1١١ :١ أشعيا‎ 1١ 

١ال-‎ ١١ه‎ ١ أشعيا‎ - ١5 

6 عاموس ل: ١9-1١6‏ 

5 عاموس ”«: / 

7 :8 عاموس‎ - ١١ 


558 


١8 :8 عاموس‎ 2 

" ١ :«” -عاموس‎ 6 

63٠‏ هوشّع 1:8 ه 

5 15 هوشع:‎ ١ 

١ :5 التكوين‎ 2 "١ 

:1" هرشع 15 59 514. 

١9 18:5 هرشع‎ 4 

5 1١ هوشع‎ 65 

8 1١ هرشع‎ - 5 

 "1/‏ هوشع 1١7”‏ ؟ 

58 -إرميا :٠١‏ الزامير :7١8 "5, :"١‏ 14 للم ها ها 

4 - ترجمة هذا الشعر قام بها جون بوكرء الفيلة الدينية والاحساس الدينى بالله (أوكسفورد )١9178‏ 
ص "9 

". 1:١1 التكوين‎ - ٠ 

١14 :74 التواريخ‎ . ٠١  * الملوك الثاني ؟5:‎ - "١ 

4 :5 تكنية الاشتراع‎ - 5١ 

؟” ‏ تثنية الاشتراع /1: 7 . 

54 - تثنية الاشتراع /ا: 5 5 . 

© - تثنية الاشتراع 1:58 58-514 . 

5” - أنخبار الايام الثاني :: هالا 

31 الخروج اوح رضن 

١١-5١ 11١١ يوشع‎ - 4 

48 إرميا 58: لم ) ه 

١9 18 :١* -إرميا‎ ش٠‎ 

ا 

؟؛ -إرميا «5: » 

”ع -إرميا :5٠.‏ لاع ه 

44 - في الصين يعتبر تاو والكونفوشوسية وجهان لروحانية واحدة بما يتعلق بالقسم الداخلي والخارجي 
في الإنسان. الهندوسية والبوذية بينهما علاقة مشتركة وبالإمكان اعتبارهما وثنية مُصلحة. 

هئ -إرميا ؟: ١١ :525 _ال:١8 2ل١ . 7:15 ”# 2١‏ 

5 -إرميا *”“: ه٠١‏ 

لاغ إرميا 54: ه8١1 .١8‏ 

8غ - إرميا 1"م: ”م , 

.755 1521١ حزقيال‎ 5 

١١ 1١5 :* حرقيال‎ - 

١؟ حزقيال م:‎ - 6١ 

كه - المزمور ١7/‏ 

١5 1١٠ :١١ “اه أُشعيا‎ 


8 


6م 
كم 
بام 
مم 
9ه 


513 
5145 
57 
15 
ه- 
15 
37" 


149 


اا 
0973 


32,35 
وا 
23> 


وا 
١م‏ 
43 
م 
4 
وم 


41م 
الى 


أشعيا ١ه:‏ 4 ء ٠١‏ هذا يكون موضوعاً ثاعاً. انظر المزامير ©5: لا 21/4 1796014-37 ١7‏ 


3 


أيوب 17# 48 6 17 315. 

١ 5 أشعيا‎ 

أشعيا ه4: ١؟‏ 

.3١ 95 :5١ أُشعيا‎ 

أشعيا هم: لم ) 5 . 

أشعيا 19: 784 ع 58 . 

١١ : ”7 الخروج‎ 

١8:38 الخروج‎ 

الخروج 74: 55 - 5” . 

الخروج :4٠‏ #4 , ه”اء حزقيال 5: ” . 
المزامير 5لا و5١٠١‏ 

الخروج مه" للم 2 ك5 

الخروج ور 5 

الخروج 99 7" 2 11# 40 :150 15 2 /ا(: 191 5 .١56‏ 
تثنية الاشتراع 8: 1١1-ا١.‏ 


"١-1١ :1١4 تثنية الاشتراع‎ 


الأممال ح: ن #ا اال 

ف ب ا اا ا 

حكمة سليمان ل/ا: 553562 . 

كتاطلوع قناط تلواععم:5 106 ١١‏ هلز . 

الله لايعتريه التغير» 57 ٠»‏ حياة موسى» 1:١‏ هلا . 
ابرأهيم 1١‏ 177 . 

هجرة ابراهيمء 00018 

.١( 7١ شابات‎ 

قط و٠ططج1‏ ع0 طناوعءيف) 5 

لويس جاكوب» الإيمان (لندن» 558) ص لا . 
اللاويين 22366 8: ” ء طذناه5 ه ب 


الخروج 23668 4*: ١‏ حاجي ١+‏ بء ميكلتا إلى الخروج 1:١6‏ ” . 

بابا ميتزيا 9ه ب. 

نشيد المشينا 782: ” » نشيد 2١ :1١59‏ تانحوما 13 ١6م‏ . 

- تعليق على أيوب 1١١‏ : /اء2 نشيد ميشنا 8؟: ‏ 

الحبر يونان ب. نابافا: «هو الذي يتحدث أو يروي الكثير عن تعظيم الله سوف يقتلع من هذا 
العالم. 

- التكوين 828068 58 - 59 . 


تسأوذصده غتطلولا 26: ؛ وططهج اللاريين و وططهع ه10 طامطلوءء8 .8 الخروج. 


- 2 29 طفلائعنكة .8 
86 - نشيد الإنشاد 22668 : ؟ القدس سوكا طه 5111 ؟ . 


ل 


.و الأعداد ه2866: الع" التقية 7 ١‏ مبني على الأمثال / : 54 

١9 :5-‏ لاله ده سمصسزد (ط1826 عل ذالتطعاء74 أعمال الرسل 4: ؟” . 

9 نشيد الإنشاد 28668 8: 3١١‏ . 

و على نشيد الإنشاد . :١‏ ؟ )ناطاهلا 

44 التثنية: 5" . 101165012012 02 زه 

مارو مشتاين الاعتقاد الحبري القديم بالله. أسماء وصفات الله (أوكسفورد؛ )١9171/‏ ص ١1١‏ - 
:/ا١‏ . 

. 5١ ”"١ 5ه - طه5100‎ 

917 الها على صموئيل الثاني ؟5؟: ١‏ 8 . فنصملا 55 اناهير 8 على إستير 7:5 . 

- يعقوب 58 نوسيئر تنوعات اليهودية في العصر التكويني في آرثر غرين الروحانية اليهودية في 
مجلدين (لندن 51985 -1988) الجرء الأول ؟/ا١  ١07/9‏ . 

8 سفر على اللاويين 8:15 . 

. ١١ :5١ -4ناتطعاء24 على الخروج‎ ٠ 

8 ١١ بيسكى أبوت 5: ” » هورايوت‎ - ١ 

7 - مفلعطصةة 5: ه 

. بابا ميتزيا /ه ب‎ - ٠١ 

6:5 - تلم ١١‏ ب. 


الفصل الثالث 
١-مرقس ١8:١‏ .ع ١١‏ 


؟' ‏ مرقس ١58 :١‏ . عادة ما تترجم هذه العبارة: «ملكة الله بين أيديكم؛ لكن العبارة في اليونانية 
أقرى. 

 '"“‏ انر كتاب جيزا فيرمس يسوع اليهودي (لندن» :)١5177‏ وكتاب بول جونسون تاريخ اليهود 
(لندن 417و )1١‏ 

ا ل ايا 

. 3١7 :97 ه-همتى‎ 

1 ددآمتى 539 0 

لادت. سوف 1:١7‏ 5 

١ 11١7 متى‎ - 8 

4 سى /ا١‏ اه 

د ل ل ا ا تك 

١‏ - غكتققمقطة5]25ة ١957 :١5١‏ في كتاب إدوار كونز البوذية جوهرها وتطورها (أ وكسفورد» 


6 غ) ص ١١50‏ . 
١‏ - بهاغافاد جيناء مجلس كريشنا في الحرب (نيويورك: 019857 2١46011١‏ ص30 . 
١‏ - نفس المصدر. 
4 - نفس المصدر 


.ا١5-4١١‎ :١ الغلاطيين‎ ١ 
.١ل انظر مثلاً الرومان 11 ه ء الكورنيثيين 4: ما 5 لال ىهن‎ - ١5 


0١ 


. 74 :١ 21 الكورنيثيين‎ - ١٠١ 

م١‏ - استشهد بها بولص في العظة التي وضعت على شفتيه من قبل مؤلف أفعال الرسل 1م" 
ولربما أتى هذا -- د من وع0 قالمع 

0 :١١ الأخبا ر الأول‎ ١8 

1 1 3 إلى أهل أفسس‎ ١7 .ء الكورنيثيين ه:‎ 55 - ١ الرومان 5: 14 » 5 ه:‎ ٠٠ 

١‏ - إلى أهل كولوسي :١‏ 54 . إلى أهل أفسس ": ١١ , ١‏ , 4: 8 » الرسالة الأولى إلى أهل 
كورنثوس 31:١‏ . 


1 


١8-1١١ :١ الرومان الأولى‎ - ١ 

56 - إلى أهل فيليبى 5:7 - 1١١‏ . 

81 يوحنا 1١‏ م2 

١ :١ يوحنا الأولى‎ ٠ 

5 أعمال الرسل 9: ” . 

/ا5 - نفس المصدر ؟: 295 31١١‏ . 

4 -يوئيل *: 1ه 

8 - أعمال الرسل 7: 35557 . 

"٠‏ - نفس المصدر. 

مأعفة من كاب 1 د. نوك الإيمان» القديم والجديد في الدين من الاسكندر الكبير حتى 
أوغسطين هيبو (أوكسفورد, 91195 .)١‏ صن لا 0 

7 - لإلنمه11 وملهممنتتسد8 0ى: ١5 :١١‏ . أوردها ويلفرد كانتويل سميث في كتابه الإيمان 
والعتفك وبرتستوت 4989) ص. 5295 . 

86 وصف قدمه إيرانئيوس ونزوع1162 1 هرطقات ١ :١‏ معظم مؤلفات الهراطقة القدامى قد أتلفت» 
وهي باقية في لاهوت أنصارهم فقط. 

5 - هيبوليتوس» ووأوع2ع11 هرطقات» لا 521١15‏ . 

©" - إيرانيوس هرطقات: 21١‏ ه68 ”» 

.”50935١ 005١8 0 8 هيبوليتوس هرقطات‎ - ” 

ا" لوقا 5: 2 . 

54 - إيرانيوس هرقطات 2201١‏ لا 2742 

9 - تيرتوليان» ضد مارسيون» .1١ 25405١‏ 

.9 2001١ أورجين» ضد سيليوس‎ - ٠ 

. 5 2» نصيحة إلى الإغريق 9ه‎ - ١ 

5 - نفس المصدرء 01١١54605١١‏ 4. 

"؛ -المعلم ؟ 2" الم"9. 

5 - نصيحة إلى الاغريق 01١‏ 8 )2 4 . 

ه؛؟ - هرطقات ه, 1١5‏ 5. 

"؛- كلوعممظ ه22 5. 

/ا؛ - نفس المصدر " , هم .1١١‏ 

4 - نفس المصدر /ا ع سان 295 

48 - نفس المصدر ه , ؟ , ١‏ 


.ه - نفس المصدر 5 460 460 5. 
١ه‏ - نفس المصدر ؟ © 1 46 5. 
؟ه - نفس المصدر 5 لا لا" , 
مه نفس المصدر 45 946095. 


غه ‏ نفس المصدر 405 544095 . 
هه - جاروسالاف» التراث المسيحي» تاريخ تطور العقيدة, خمسة أجزاء» الجزء الأول ظهور التراث 
الكاثوليكي (شيكاغو 191/1) ص ٠١"‏ 


الفصل الرابع 
١‏ المصدر هو غريغوري النياسي. 


١‏ في رسالة إلى اسيبيوس حليفه؛ وفي تالية 102118 التي أوردها روبرت سي غريغ ودينس ي غروه 
الزيرانية الأولى» وجهة نظر للخلاص (لندن؛» )١98١‏ ص 550" 

 *‏ أريوس رسالة إلى الاسكندر. 

الأمئال م: ؟؟ واردة فى الصفحة الم و6259 . 
١ .” ١ 00‏ 
- يوحنا 6 

5 مي ١١ - ١‏ واردة فى الصفحة ٠١٠‏ . 

اج اروس رمالة إلى الاسكس :3 6 

4 - أتانازيوس ضد الكفارء ا 

- أتانازيوس فى التتحسيد 65. 

١‏ - يختلف هذا عن الجانب العقائدي والمعروف عادة باسم معتقد نيقية الذي تم وضعه في مجلس 
القسطنطينية فى ”8١‏ . 

. ١ ١١4 أتانازيوس حول السيندوس في أرمينيوم وسلوقية»‎ - ١ 

١7‏ - أتانازيوس حياة أنطوان. 

. 55 2 58 باصيل /في الروح القدس/‎ - ١5 

8 لقني المصدرة 

7 - غريغورري النياسي ضد إيونوميوس كنائههصناظ 5 . 

٠‏ - غريغوري النياسي جواب إلى إيونوميوس في كتابه الثاني. 

غريغوري النياسى حياة موسى» 5 2 1١514‏ . 

كه باصي ا رشالة ا , 

.86- ”١ خطيق‎ ٠٠ 

١‏ - غريغوري النياسي لا آلهة ثلاث. 

77 -دج. ل. بريستيج الله في الفكر الكنسي (لندن» )١585‏ صء ٠. 5٠٠‏ 

٠‏ - غريغوري الياسي لا ألهة ثلاث. 

4 - غريغوري النياسي الخطبة 40 » 4١‏ . 

0 غريغوري النياسي الخطبة‎ ٠ 

5" - باصيل» الخطبة لم": ؛ . 


7 


دفي العالويق 6017 10314 
138 والسا ١١‏ ترجمة هنري شادويك (أ وكسفورد» 55 ص0" . 


نفس المصدر لم ء لا (/ا١)»‏ ص .1١546‏ 

ل 0 

:١* فقرة من رسالة بولص إلى أهل رومية‎ ١51 - ١59 (9؟): ص‎ 1١7 , نفس المصدر ل‎ - *١ 
.١1-1* 


؟5 - نفس المصدر ١٠1علا١‏ (55) ص .1١94‏ 
"ا نفس المصدر ه , لا؟ (8؟) ص 50١1١‏ 
54 - نفس المصدر. 

ه؟ ‏ فى الثالرث 6م 2 .”6)٠25‏ 

إالاء فسن اللصدن : 

لال - نفس المصدر, .١54 605١١04605١١‏ 

8 - نفس المصدر 4605١‏ ١١8601م/١.‏ 

9 - نفس المصدر. 

. 78 أندرو لوت أصول التراث الصوفي المسيحي (أوكسقورد 159/7) ص‎ - ٠٠ 
. 1* ال أوغسطين في الثالوث‎ 

45 - نفس المصدر. 

3# د صو نةلوطعم8 كك /ا؟ . 

4 - حول الملابس التسائية 

ه؛ - رسالة 5:4 2 31١١‏ 


5 المعنى الحرني للتكرين 5 » 28 5 . 


لاغ -رسالة 1١‏ . 
- نفس المصدر 
8 - التراتب الكنسى ١‏ . 


٠ه‏ - الأسماء الإلهية 21١‏ 9 . 

. 7” 2 نفس المصدر ) ل/1‎ - ١ 

؟© - نفس المصدر ١1‏ )4 ” . 

9ه - تقس المصدر 1 6 5 . 

5ه - نفس المصدر ١‏ . 

هه اللاهوت الصوفى ” . 

5ه الأسماء الالهية 4 » © . 

لاه - عمع نظ ارمسعتطصسذم 6ط لتقف كخذف١ل‏ . 


الفصل الخامس 

١‏ محمل» سيرة أبن أسحق ١45‏ واردة في ترجمة أ. غيلام بعنوان حياة محمد (لندن هد ص 
5ل . 

١ :55 القرآن‎  ؟‎ 

'' - سيرة ابن اسحق» ١57‏ في ترجمة غيلام حياة محمد ص .3١5‏ 


05 


نفس المصدر. 

ه ‏ جلال الدين السيوطي /الاتقان في علم القرآن في كتاب رودنسون/ محمد/ ترجمة أن كارتر إلندن 
الا9) ص )إلا. 

١‏ البخاري» حديث 9٠01١‏ ورد في كتاب مارتن لنغز/محمد, حياته وفقاً لأقدم المصادر/ (لندن 
؟م9١/‏ ص 44 - 45). 

اعتراض وجواب. 

م - القرآن هل9ا: ١8 1١17‏ 

5 القرآن ؟غ: ٠“‏ 

٠؟-‎ 5١ _القرآن لم:‎ ٠ 

.5* 2-51١ :58 القرآن‎ ١ 

١١‏ القرآن 5:55 -م 

.75 غ58‎ :8١ القرآن‎ ١+ 

١:١١ :58 601١# :98 القرآن 55: مدل‎ ١4 

. القران 14؟: د23 هع‎ ١6 

5 القرآن ؟: ١٠4‏ 9ه١1,‏ 

.1١١ه-15١14‎ :5٠١ القرآن‎ ١0 

- سيرة ابن اسححاق 57 في غيلام ترجمة /حياة محمد ص ١59‏ . 

8 نفس المصدر ٠7١8‏ ص ١68‏ 

- ١47 جورج شتاينر | حضورات حقيقية؛ هل هناك أي شيء فيما نقول؟ /(لندن 1584) ص‎ ٠ 
211 

. 5١52518 ه:‎ نآرقلا_؟١‎ 

.1١17-1١8 ص‎ )١951١ كارين أرمسترونغ» /محمد: محاولة غربية لفهم الإسلام/ (لندن»‎ - ١ 

8؟ - القرآن ١١9‏ . 

. 1١5 القرآن‎  ؟:‎ 

8 أوردها كتاب السيد حسين نصر/ الله فى أساس الروحانية الإسلامية/ (لندن )١5/1/‏ ص 77١‏ 


. 1١ ؟:‎ نارقلا١‎ 5 

/ا؟ - القرآن هه: 55 . 

8 القرآن 1؟: ه” . 

8 أرمسترونغ» /محمد/ ص 848-8561445١‏ 

. 556 :59 القران‎ "٠ 

. 515 سيرة أبن اسحاق 57" غيلام (ترجمة) /حياة محمد/ ص‎ - "١ 

؟" - هذه هى ترجمة محمد أسد لكلمة أهل الكتاب. 

؟” ‏ القرآن *: 8" 184 . 

؛” - علي شريعتي /الحج/ (ترجمة لإله بختيار) (طهران )١5188‏ ص 1-8514 5. 

ه؟ ‏ القران 8" ل ه” . 

1 - وارده في كتاب سيد حسين نصر/ أهمية السنة والحديث في الروحانية الإسلامية/ ص ٠١7‏ - 
مال 


بام يوحنا 1 ١١1١‏ 

- دبليو مونتغمري واط/ الإرادة الحرة والقدر المسبق في صدر الإسلام /لندن ١51/8‏ ص ١١5‏ . 

بع - أبو الحسن بن اسماعيل الأشعري ماللاكات ١99/2 ١‏ أوردها أ. جي . ونيسنيك/ العقيدة 
الإسلامية» تكوينها وتطورها التاريخي/ (كامبريدج» )١9175‏ ص 3709 - 38 . 


القفصل السادس 

١‏ - ترجمة ر. والزر/ الفلسفة الإسلامية/ أوردها س. ه. نصر/اللاهوت والفلسفة والروحانية في 
الروحانية الإسلامية: (لندن )١931١‏ ص 15١١‏ . 

؟ ‏ لأن كلاهما أتيا من الري في إيران. 

إن - ورد في كتاب عظيم نانجي «الأسلمة) في س. همه تطنر أمتابق الروحانية الإسلامية/ المطبوع في 
(لندن )١5419‏ ص 1١95-5١98‏ . 

4 - انظر هنري كور بن/ جسم روحي وأرض سماوية من إيران المزدكية إلى إيران الشيعية/ (ترجمة 
نانسي بيرسون). لندن )١99٠١‏ ص 5١‏ -5لا. 

5 - نفس المصدر ص .6١‏ 

)1١517١ راسائيل 1 7/ وردت في كتاب ماجد فخري /تاريخ الفلسفة الإسلامية/ (نيويورك ولندن‎ ١ 
. 1١59” ص‎ 

/ - راسائيل /ا١‏ » 15 » فى نفس المصدر ص ١809‏ . 

ل 000 لا 
المنتقذ من الضلال تزجمة دبليو موتشمزي واط دين ؤتمارضة الوا | تداق 0488 لمن 6 

. 5١5 ورد في كتاب جون بوكر المخيلة الدينية ومعنى الله (أ وكسفورد» 6ا١) ص‎ - ٠ 

١‏ - عندما قرأ العلماء الغربيون كتابه ظنوا أن الغزالي كان فيلسوفاً. 

. -المنقذ» في كتاب واط/ دين وممارسة الغزالي/ ص 9ه‎ ١ 

. 7١5 577 بوكر /الخيلة الدينية ومعنى الله/ ص‎ - ١ 

. ١االو‎ ١/5 القرآن 8 5" . وردت في الصفحة‎ - ١4 

. 308 مشكاة الأنوار الواردة في كتاب فخري /تاريخ الفلسفة 'الإسلامية/ ص‎ ١٠ 

١5‏ - موجن1 الكتاب الثاني ورد في كتاب. جي. أبلسون/ أهمية الله في الأدب ا خبرى/ إلندن» 
5 ص لاه5؟. 

. القرآن 7: ه‎ ١١ 

2 مدرج في كتاب فخري تاريخ الفلسفة الإسلامية. 

8 - مدرج في يوليوس غوتمان الفلسفات اليهودية» تاريخ الفلسفة اليهودية من العصور التوراتية حتى 
فرائز» روزنفيج (ترجمة دافيد دبليو سيلفرمان) (لندن ونيويورك )١17514‏ ص ١195‏ . 

. 5419 ورد في آ بلسون أهمية الله في الأدب الحبري / ص‎ - ٠ 

١‏ - من أجل مواقف صليبية مبكرة» كارين أرمسترونغ/ 0 المقدسة, الصليبيون وتأثيرهم على 
عالم اليوم (نيويورك ١99١‏ » لندن )١997‏ ص 49 

- عرض للتراتب الأرضى ؟ 16 

- عسعنل8. مدعقطممءم ات د 512 مسى- 

4 2 نفس المصدر /4581 ب. 

8 - نفس المصدر 58٠١‏ دي 581١‏ أ. 


- نفس المصدر. 

فلادمير لوسكي اللاهوت الصوفي في الكنيسة الشرقية (لندن /1951) ص اه - 

. ١ مونولوجيون‎ 8 

. ١ بروسلوجيوك‎ 8 

عم روعي مع الأخيا/" 8 

- 7١١ جون ماكواري بحثاً عن الألوهة» مقالة في الالحاد الديالكتيكي (لندن» 4 ) ص‎ ١ 
# دا‎ 

.١ 21١9١ الخطية‎ _ م٠‎ 

- أوردها هنري أدامز في كتابه جيل سان ميشيل والعقود (لندن )١985‏ ص 755 . 

أرمسترونغ» الحرب المقدسة ص ١99‏ - 7575 . 

ه» . توما الاكويني 62ادعاو262آ1 فب أه .١11:2‏ 

5م موجز اللاهوت 3١١ 2+ ١7‏ . 

لاود وحنة العقن إلى الله 1631م 

54 - نفس المصدر ”7 مه 

#9 - نفس المصدر 20١‏ 7 . 


الفصل السابع 
١‏ جون ماكواري /التفكير في الله/ (لندن /زه5١)‏ ص 54 . 
؟_ حاجيجا ١4‏ ب مورداً المزامير 997: 1غ .1١1 159841١8 :1١5‏ 
7 ورد في كتاب لويس جاكوب /المتصوفون اليهود/ (أورشليم» , بالاو لندن .199) ا ص 515 . 
؛ ‏ إلى أهل كورنيث 11 ”: 5 - 4 
ه ‏ نشيد الإنشاد ه: 935٠١‏ ه١١.‏ 
كك . كارمي /بنجوان بوك للشعر العبري/ (لندث )١38١‏ ص 159 . 
القرآن س«ه: ١0 - ١*‏ . 
اعترافات 8 6 (ترجمة هنري شادويك) (أوكسفور )199٠‏ ص ١١١‏ . 
0 كامبل (مع بل مويرز) مقدرة الأسطورة (نيويورك» )١1984‏ ص 
٠‏ أنا ميري شميل» ؛ /ومحمد في رسوله» تبجيا ب ا ل نح ارده مسزسل ره 
ملل ص 1١5١‏ - ها١1.‏ 
١١‏ اعترافات الجزء التاسع: 7" ترجمة شادويك» ص ١١١‏ . 
؟١‏ 0 الجزء ا 65 ع ص ١/ا١ ‏ 5ل ١ا.‏ 


535 الأحلاق في ا‎ ٠ 
. ١١ 2 54 نفس المرجع السابق‎ 0 


ا ا ا 000 .١‏ 
٠‏ تعليق على نشيد الإنشاد» 5 . 
الرسالة 774 6 31. 

م الصلاق “3517 . 

عا يفن الفيدن الضابق 


١١لمخ‎ 2 منوأطسف لتق‎ 2.0.- ١ 

١‏ - بيتر براون مع سابين ماكورماك «فنوث الأبدية)في كتاب براودن |امجتمع والمقد س في أواخر 
العصور القديمة (لندن ؟99١)‏ ص 5١5‏ . 

7 - نيسافوراس» دفاع أكبر عن الصور المقدسة» 7٠١‏ . 

4 - خطب لاهوتية 1 

ه؟ - خطب أخلاقية "6201١‏ , 

5 خطب 55 , 

7 - خطب أخلاقية ه . 

8 - ترانيم من الحب الإلمي م2١11 ١55-150600١1‏ . 

8 موسوعة عن الإسلام ليدن )١917‏ مدخل تحت عنوان التصوف. 

"٠‏ ترجمة ر. أ. نيكلسون وردت فى كتاب [. جى. أربري /الصوفية» عرض للمتصوفين المسلمين/ 
ولندن .هوم ص 6# 000002 ١‏ 

.)١١5 ص‎ /١557 واردة في ر. أ. نيكلسون /متصوفوا الإسلام/ (لندن‎ - ١ 

5“ سردي وأرد في كتاب مارشال. ج. س. هودغسون/ مغامرة الإسلام» الوجدان والتاريخ في 
حضارة عاية/ ثلائة أجزاءء (شيكاغو :)١9174‏ ص 404 الجزء الأول. 

”© - وارد في أربري /الصوفية/ ص 5ه . 

+” - وارد في نيكلسون إمتصوفوا الإسلام/ ص ١١١‏ 

ه” ‏ وارد في أربري /الصوفية/ ص 25٠0‏ 

5م _ القرآن ؟: 35 . 

7 حكمة الإشراق واردة في كتاب هنري كورين/ الجسم الروحاني والأرض السماوية» من إيران 
المردكية إلى ! إيران الشيعية/ (ترجمة نانسي بيرسون)» «البدن ه) ص ١55 - ١58‏ 

م" - مرسيا إلياد «وامتةستقطةو» ص --51١28‏ 231595 

8 جان بول سارتر سيكولوجيا اغخيلة (لندن ؟91١)2‏ منزلودة2. 

٠‏ - الفتوحات المكية الجزء الثاني» 7١7‏ » ورد في كتاب هنري كوربن/ المخيلة المبدعة في صوفية أبن 
العربي (ترجمة رالف مانهايم)»؛ (لندن )١517١‏ ص 3250 . 

. ١78 الديوان شرح للرغبات المتقدة» فى 1614 ص‎ ١ 

7 - فيتا نوفا (ترجمة باربرا رينولدز)» (هارموندسورث؛ )١939‏ ص 79 - .* 

4 - وليم شيتك /ابن عربي ومدرسته /في كتاب سيد حسين نصر /الروحانية الإسلامية: مظاهر/ 
نيويورك ولددن )١99١‏ ص 5١‏ . 

0ع - القرآن :١8‏ 59 . 

5 - وردت في كتاب هنري كوربن /اخيلة المبدعة في ابن العربي/ ص ١١١‏ . 

3 - شيتك / ابن العربي ومدرسته/ في كتاب الروحانية الإسلامية. (سيد حسين نصر. ص 8ه 

م5 - ماءجد فخري/ تاريخ الفلسفة الإسلامية/ نيويورك ولندن ١917١‏ ص 75895 . 

4 دررا. نيكلسون /متصوفوا الإسلام/ ص ه١٠1‏ . 

درأ نيكلسون /الشعر والنثر الشرقي/ (كامبريدج ١955‏ ص ١48‏ . 

.؟6٠١ المثنوي» 1 واردة في كتاب هودغسون /مغامرة الإسلام/ الجزء الثاني ص‎ ١ 

؟ه - وارد في /هذا التوق» قصص تعليمية ورسائل مختارة للرومي/ ترجمة كوان 5 وجون 
هوين)) بي وتني » )١984‏ ص - 5٠١‏ 


لاه نشيد الوحدة وارد في 3 غيرشوم شولوم /تذارات أشاسية في الصوفية اليهودية/ الجرء الثاني 
3 6) ص ٠8‏ 

+6 از 0 

هه - في غيرشوم شولوم ترجمة؛ /الزهار كتاب السنا/ (نيويورك )١9149‏ ص 737 . 

- نفس المصدر السابق. 

شولوم /تيارات أساسية في الصوفية اليهودية/ ص ١١5‏ . 

بره - نفس المصدر السابق» ص 1١55‏ . 

5 وارد في كتاب جي ‏ سي كلارك /مايستر |كهارت؛ مقدمة لدراسة أعماله مع مجموعة لخطبه/ 
(لندن )١161/‏ ص 58 . 

٠‏ - سيمون توغفيل /الروحانية الدومنيكانية/ في كتاب لويس دوبرو دون يء سلايرز /الروحانية 
المسيحية/ 111 (نيويورك ولندن ))١989‏ ص 58 . 

1٠١ وارد في كتاب كلارك /مايستر إكهارت/ ص‎ - ١ 

- عظة ناكمل «نقههه «ممعدم اتليرخ 081 فى ر. ب. بليكنى ترجمة /مايستر إكهارت ترجمة 
جديدة/ (نيريورك )1١9201/‏ ص 504 0 000 ١‏ 

1" - نفس المصدر السابق ص 5058 . 

34 0 الانفصال/ في كتاب ادموندكولدج وبيرنارد ماكجن (ترجمة وتنقيح) مايستر إكهارت 
لطن الأساسية شروحات كتيبات ودفاع /(لندن )١941‏ ص 07م . 

6" - تيوفائر 82,6 975 (1 

. 1١١ , مواعظ‎ - 5 

/ا” ‏ الثالوث 221١‏ ”)لاغ . 


الفصل الثامن 

١51٠١ مجمع الرسائل وارد في كتاب ماجد فخري/ تاريخ الفلسفة الإسلامية /(نيويورك ولندن)‎ ١ 
. ©"ه١ ص‎ 

؟ - مارشال ج. س. هودغسون/مغامرة الإسلام, الوجدان والتاريخ في الحضارة العلمية/ ثلاث 
مجلدات (شيكاغوء ,)١9174‏ الجزء الثاني ص "5٠0  ”:#15‏ . 

٠‏ كتاب الحكمة العرسشية) ورد في كتاب هنري كورين/ الجسم الروحاني والأرض السماوية من إيران 
المزدكية إلى إيران الشيعية/ ترجمة نانسي بيرسونء (لندن» )١915٠‏ 6 575 ., 

0 س. رشيد/ مفهوم إقبال لله (لندن )١948١‏ ص ٠4-51١:‏ 

- ورد في غرشوم شولوم /تيارات رئيسية في الصوفية اليهودية» (لندن 0 ص 561 . 

5 - نفس المصدر السابق. مزيد من المعلومات عن القبالة اليورية انظر أيضاً كتاب شولوم/ فكرة 5 
المنتظر في -300 ومقاللات أخرى في الروحانية ال مسبحية] نيويورك ١/ا9ا‏ ) ص ”4# -6م4ة. 

7 - جبل التأمل» 6 

8 - توماس أكيميس /محاكاة المسبيح/ ترجمة ليو شيرلي بول» هارموندسورث :119560 )2 ص 73272 . 

9 - ريتشارد كيكهامز /تبارات رئيسية في التقوى في أواخر العصور الوسطى/ في جيل رايت/ الروحانية 
المسيححية: أواخر العصور الوسطى وفترة الإصلاح/ (نيويورك ولندن )١988‏ ص /807 . 

٠‏ - جوليان النرويشية /إلهامات الحب الإلهي/ (ترجمة كليفتون ولترز)» (لندن ١١ )١58١‏ ص 10م 
سكم. 


١‏ - 25 لاتناوة عقمده1! لأعمد5 لتناأرمعمظ ورد في كتاب وليم. جي. باوسوم /روحانية النزعة 
الإنسانية يي عصر النهضة/ في كتاب رايت/ الروحانية المسيحية: صن 15255 + 
١‏ رسالة إلى أيه جيرادو ؟ كانون الأول سنة ١7514/‏ في كتاب دافيد تومبسوك /بترارك» داعية 
إنساني بين أمراء: موسوعة رسائل بترارك وترجمات من أعماله/ (نيويورك ١/ا9١1‏ ص 50. 
3 - ورد في كتاب شارلز ترنكاوس /الشاعر فيلسوفاً: بترارك وتكوين الوعي النهضوي/ (نيوهافن؛ 
لم3 ص لام . 

. من جهل العارف 1 ؟؟‎ - ١4 

. ه‎ » ١١/ في الإمكانية والرجود في الله‎ ٠ 

15 تورناك كوهن شياطين أورويا الداتعليين (لبدةه تبه 1 

- ورد في كتاب ألستريء ماكرات/ الفكر الإصلاحي» مقدمة /(أوكسفورد ونيويورك» )١5484‏ 
ص ال . 

8 - تعليق على المزامير "420957٠‏ . 

8 - تعليق على الغلاطيين ” » ١9‏ . 

. 74 ورد في ماكرات/ الفكر الإصلاحي/ ص‎ - 3٠ 

.58 2١ 21 رسائل إلى أهل كورنيث‎ ١ 

- جدال هايدلبيرغ» ١؟‏ . 

#:“” - نفس المصدر السابيق 519 5٠٠١‏ 

4 - نفس المصدر السابق. 

0 - ورد في كتاب جاروسلاف بيليكان/ التراث المسيحيء تاريخ تطور العقيدة /ه أجزاء/ /19: 
إصلاح الكنيسة والعقيدة/ (شيكاغو ولندن 2,0١94814‏ ص ١85‏ . 

5 - تعليق على الغلاطيين ؟ 2 31١5‏ . 

7" خطب أخلاقية © . 

4 - كتيب العقيدة " » + ورد في كتاب بيليكان لإصلاح الكنيسة/ ص ١5١‏ . 

9 اليستر ي. ماكارت/ حياة جون كالفن؛ دراسة في تشكل الثقافة الغربية/» (أوكسفورد )١95٠‏ 
ص 7 . 

.58١ ورد في ماكارت نفس المصدر السابق ص‎  '" 

522” ع١ معاهد الدين المسيحى»‎ - ”١ 

” - ورد في كتاب بيلكان لإصلاح الكنيسة:. ص 717 . 

1"” - زينز يندورف نفس المصدر السابق ص *5>؟:” . 

54 - ورد في ماكارت /الفكر الإصلاحي/ ص 207 . 

ه” ‏ ماكارت /حياة كالفن/» ص .95٠‏ 

5" - وليم جيمس /تنوعات التجربة الدينية/» (مارتن ي. مارتي) (نيويورك وهارموندسورث» )١987‏ 
ص ١١7‏ - 1868 . 

- جون بوسي /المسيحية في الغرب من عام /١٠١ ١4٠٠‏ (أوكسفورد ونيويورك :)١948‏ ص 
8 

58 - ماكارت/ حياة كالفن/ ص 5١5؟ ‏ ه6؟ . 

8 لر. ا سي. . لفلاك/ الروحانية البيوريتانية: البحث عن كنيسة نالها الإصلاح ببحق/ في كتاب لويس 
دوبرو دون ي. ساليرز/ الروحانية المسيحية: بعد حركة الإصلاح والعصور الحديئة/ (نيويورك 


2٠ 


ولندن» )1١95489‏ ص 3”١17”‏ . 
2 التدرييات الروحية 5 . 
١؛ ‏ ورد في هوغو رايئر س. جي/ اللاهوتي اغناطيوس (ترجمة ميشيل باري) (لندن )١9/85‏ ص *” 


4١‏ - ورد في كتاب بليكان/ العقيدة المسيحية والثقافة الحديثة/ منذ عام ١07٠١‏ (شيكاغو ولندن 
568 صن 275 

+1 - لوسيان فيبفر/ مشكلة عدم الإيمان في القرن السادس عشرء دين رابله إترجمة بياتريس غوتليب)» 
(كامبريدج ماس» ولندن 85 6) ص ١ه”‏ ,. 

:4 - نفس المصدر السابق ص هه 565 ٠.‏ 
5485ة١)‏ اص .1١١4‏ 

5 - ماكارت /حياة جون كالفن/ ص ١١١‏ . 

47 - ورد في روبرت س. ويسمان /كوبرنيكوس والكنائس/ في كتاب دافيدسي ليندبيرغ ورونالدي. 
نبرز /الله والطبيعة» مقالات تاريخية في المواجهة بين المسيحية والعلم/ (بي ركلي؛ لوس أنجلوس 
ولندن؛ )1١985‏ ص لا8 . 

8 النشيد 9: ١‏ » الكنسى :١‏ ه ء النشيد 1١9 :١٠١4‏ . 

9 - وليم ر. شيا /غاليلو والكنيسة/ في ليندبيرغ وتمبرز/» /الله والطبيعة/ ص ١١١9‏ . 


الفصل التاسع 


؟ ‏ التأملات 519 . 

. ١98 نفس المصدر السابق ص‎  * 

- نفس المصدر السابق ص 4١8‏ . 

ه ‏ نفس المصدر السابق ص 9١9‏ . 

5 - نفس المصدر السابق ص 5١8‏ . 

' - رسائل إلى أهل رومية 5٠١81١9 : ١‏ . 

8 - رينيه ديكارت/ حوار في الطريقة, الخ ترجمة جي فيتش (لندن 401911 5 ١16356‏ 

9 - رينيه ديكارت / حوار في الطريقة/ والبصريات والهندسة والأرصاد الجوية/ ترجمة بول. جي 
أولسكابت واتديانا وايش 156 عي 0117 

. ”"1١ نفس المصدر السابق ص‎ - ٠ 

- ١959 ورد في كتاب آ.ر هول و ل. تيلنغ /مراسلات اسحق نيوتن/ ثلاثة أجزاء (كامبريدج»‎ ١ 
.)159 - 5154 الجزء الثالث ص‎ » ١599 كانون الأول‎ ٠١ لالاو ل.‎ 

. 51١ نفس المصدر ص‎ ١53937  هنم‎ ١ا/ كانون الثانى‎ - ١ 

١‏ اسحق نيوتن /فلسفة الأساس الرياضي للطبيعة/ (ترجمة أندرو موت ومراجعة فلوريان كاجاني) 
بي ركلي» ١9714‏ 515-54. 

١‏ 0 07 ورد فى كتاب ريتشارد إس. ويستفول /نهوض العلم وسقوط المسيحية 


5 


لس ا سيا ا ل ليس مبرز/ 


00 ص 39١‏ . 
٠‏ - نفس المصدر السابق ص 57١‏ - 7*7 . 


ورد في كتاب جاروسلاف نيليكان /التراث المسيحي» تاريخ تطور المعتقد/ خمسة أجزاءء الجزء 
الخامس /المعتقد المسيحي والثقافة الحديئة منذ ١7٠١‏ (شيكاغر ولندن )١988‏ ص55 . 

. ١٠١8© نفس المصدر السابق ص‎ - ١17 

2-8 نفس المصدر السابق ١٠١١‏ 

8 - نفس المصدر السابق ص ١١7‏ . 

.١١8-174 119 - 1١ الفردوس المفقود الجزء الثالث الأبيات‎ - ٠ 

1١‏ -فرانسوا ماري دي فولتير القاموس الفلسفي (ترجمة تيودور بيسترمان) (لندن 91/5 )١‏ ص لاه؟ 


51 تك نفس المصدر السايق ص /اه 1 

21 - ورد في كتاب بول جونسون /تاريخ اليهود/ (لندن» »)١9481/‏ ص 

4 - باروخ اسبينوزا | كتيب اي ار (ترجمة/ ه. م 0 0 ١‏ 5) ص "5" 

54ك ورد في باليكادا العتيدة المسيحية والثقافة الحديئة/ ص ”١‏ . 

نفس الصدر السابق ص 3١١١‏ . 

٠‏ - ورد في شرود إليوت رايت /اليقظة الروحية: مؤلفات كلاسيكية من تقوى القرن الثامن عشر 
لتلهم وتساعد القارئْ في القرن العشرين/ (ترنغ» )١588‏ ص 5 . 

8 - ألبرت سي آوتلر / جون ويزلي: كتاباته/ مجلدات (أ وكسفورد ة 4) ص 154 
دك 

9 - نيليكان /العقيدة المسيحية والثقافة الحديقة/ ص ١١١‏ 

. ١55 نفس المصدر السابق ص‎ 2 ٠ 

758 ص‎ )١85٠١ ورد في كتاب جورج تيكل إس جي/ حياة المباركة مارغريت ماري/ (لندن‎ - ١ 

. 55١ نقس المصدر السابق ص‎ - “١ 

”3 د صموئيل شو /الاشتراك مع الله/ ورد في كتاب لبرت سي أوتلر/ التقوية والاستنارة. بدائل 
للتراث/ في كتاب لويس رين ا ساليرز /الزوجائية المسيحية أما يعد فترة الإصلاح والفترة 
الحديثة (نيويورك ولندنء» )١985‏ ص 51450 

5 - نفس المصدر ص 7148 . 

5 - نورمان كوهن/ السعي وراء الذكرى الألفية» الألف الثورية» والفوضيون الصوفيون في العصور 
الوسطى/ (لندن» ١91١‏ ءا ص ؟11١).‏ 

568 - نفس المصدر السابق ص ١9/7”‏ . 

/” - نفس المصدر السابق ص ١9/4‏ 

8 - نفس المصدر السابق ص0١579‏ . 

حدق القن الع الحايق بصن 4 

406 نفس المصدر السابق ص 85" . 
21 نفس المصدر السابق ص ه6.م 
بك عه رايت /اليقظة الروحية/ ص 1١١٠١‏ 


إدلدف 


1 ورد في نفس المصدر السابق ص ٠: ١١‏ 

4 - ألن هيمارت /الدين والعقل الأمريكي» » من اليقظة الكبرى ى إلى الثورة/ كامبريدح» ماس 155748) 
ص ”17 , 

© - مقالة في الثالوث وردت في المصدر السابق ص ؟ "5‏ 57 . 

5 - ورد في نفس المصدر السابق ص ٠١١‏ 

/ا؛ ‏ ملاحظات ادن غوردون وصموئيل كوينسي وردت في المصدر السابق ص 1611 . 

8 - غيرسشوم شوليم/ شبتاي زيفي» (برنستون» .)١51/1‏ 

5 - ورد في كعاب غرشوم شوليم /الخلاص عبر الذنب/ في الفكرة ة بالمسيح الخلص في اليهردية 
00 أخرى حول الروحانية اليهودية/ نيويورك» ا ., لندن ع ص 31١45‏ . 

5 نفس المصدر السابق ص ١3٠‏ . 

5ه - نفس المصدر السابق 

١ه‏ - نفس المصدر السا 

اه - نفس المصدر السابق ص ١١5‏ . 

4ه ورد في شوليم /حيادية المسيحية المخلصة فى الهاديسية المبكرة/ ص 96 , 

ده - شوليم/ المشاركة مع الله/ نفس المصدر ص 7١7‏ . 

5 - لويس جاكوبس/ رفع الجمرات إلى أعلى/ في كتاب أزثر غرين/ الروحانية اليهودية/. (لندن 
)١9886 5‏ الجرء الثاني ص 1١١١ 1١١8‏ . 

لاه نفس المصدر السابق ص ١١١‏ . 

006 خريم/ فكرة المسيحية المخلصة فى اليهردية |[ص 5١17-157١‏ . 

ارثر غرين/ تيبولوجيا القيادة وصديق الهاديسية في الروحانية المسيحية/ الجرء الثاني ص .3١55‏ 

٠‏ - (ترجمة ر. جي. زا. فيرابلوسكي) في كتاب لويس جاكويس المتصوفون اليهود/ (أورشايم» 
١9/5‏ ولندن )199٠.‏ ص ١9١‏ . 

. ١9/4 نفس المصدر السابق ص‎ - "١ 

؟ - أرنولد ه. توينبي /دراسة التاريخ/ ١‏ جزءاء (أ وكسفورد غ١‏ - )١9509١‏ الجرء العاشر ص 
.١58‏ 

ألبرت آينشتاين /غريية هي حالتنا هنا على الأرض/ في كتاب جاروسلاف بيليكان الفكر الديني 
الحديث/ بوسطن ١59٠‏ ص 5١54‏ . 

4 - ورد فى راشيل إلين/ 24ط158: الصعود التأملي إلى الله/ في كتاب غرين /الروحانية البهردية/ 
الجزءالثاني ص ١5١‏ . 

8" - نفس المصدر السابق ص ١95‏ . 

ورد في كتاب: ميعيل جحي بكلي/ في أصول الإلحاد الحديث/ (نيوهافن ولندن» )١941/‏ ص 
05 . 

17 - رسالة إلى العميان اس يراها المبصرون/ في كتاب مارغريت جورديان ترجمة/ ديدرو وأعماله 
الفلسفية الأولى (شيكاغيئو ١955‏ ص .))١١4- 1١”‏ 

- بول هنريش ديتريش بارون يت /منهج الطبيعة: أو قوانين العالم المادي والأخلاقي إترجمة 
اك . روبنسون في جزأين 

(نبريورك, مع الجزء الأول ص 7١‏ . 

9 - نفس المصدر السابق الجزء الثاني ص 717 . 


الاك 


فتن الصلدر الشابق ألو الأول سن 1 
١‏ نفس المصدر السابق الجزء الثاني ص 515 . 


الفصل العاشر 
١‏ - م. ه. أبرامز /الظاهر مافوق الطبيعية: التراث والثورة في الأدب الرومانسي/ (نيويورك ١91١)؛‏ 
ص 11١‏ . 
١‏ - تشرين الثانى ؟5 منه عام ١8١7‏ في/ رسائل جون كيتس/ الجلد الثاني كامبردج ١595/8‏ ص 
84 هرا 1 
٠"‏ الى جورج وتوماس كيتس ١١‏ كانون أول ١18١1‏ ص ١9١‏ . 
3 الاستهلال» الجزء الثانى» ه*” - 35554 . 
ه ‏ أبيات نظمت على بعد أميال فوق تنترن آبي» #30 - 45 . 
5 - /جدل وإجابة/ » /الطاولات المقلوبة/. 
' - تنترن أبي 31١5-9514‏ . 
8 - أغنية الى واجبء الاستهلالء المقطع #١51١١‏ . 
8 مقدمة الى /أناشيد التجربة/ 5 ٠١‏ 
٠‏ -أورشليم 8*8 : 14-1 . 
١‏ المصدر السابق 95 : 5# -8؟. 
ف. د. ي. شيلار ماخر, /الإيمان المسيحي/ (ترجمة ه. ر. ماكينتوسوش و جي. سي. ستيوارد) 
ايدتبرغ (48؟151١).‏ 
١‏ المصدر السابق ص ١١‏ - 
4 - ألبرت ريتشل /اللاهوت والميتافيزيقا/ (بون )١979‏ ص 598 . 
١5‏ وارد فى كتاب جون ماكواري /التفكير بالله/ (لندن )١91/8‏ ص 1١57‏ . 
الا الحق/ في جاروسلاف بيليكان/ الفكر الديني الحديث (بوسطن 
) ص 1 
7 - فريدريش نيتشه ١‏ المرح/ (نيويورك )١914‏ رقم ١١5‏ . 
8 - فريدريش نيتشه /النقيض للمسيح في /شفق الآلهة والنقيض للمسيح/ (ترجمة ر. جي. هولنغ 
ديل)» (لنذث ))1١9548‏ ص ١517‏ . 
4 - سيغموند فرويد /مستقبل خداع (طبعة نموذجية) ص "ه . 
٠‏ - فريدريش نيتشة /هكذا تكلم زرادشت» كاب لكل اعرفة وله لحل البجمة رد جي . هو لنغ 
ديل» لندن 556١‏ ,»)ص ١ا١؟.‏ 
١‏ الفرد, لورد تينيسون, في الذكرى 3٠١ - ١48‏ . 
١‏ - وردت عند وليم هاملتون في /التفاؤلية الجديدة ‏ من بروفروك الى رنغو/ في توماس جي جي 
0 ووليم هاملتون/ لاهوت جذري وموت الله/ نيويورك و لندن 1١555‏ . 
- ميشيل غيلسنان / التعرف على الإسلام» الدين واجتمع في الشرق الأوسط الحديث/ (لندن 
0 ص 8" . 
4 - إيفلن بارنغ» لورد كرومر ا الحديثة/ جزءان (نيويورك )١59048‏ الجزء الثاني ص ١545‏ . 
- روي هوتاهيدا /عباءة النبي » الدين والسياسة في إيران/ (لندن )1948٠‏ ص ١8"‏ - 184. 
1 - /رسالات التوحيد/ وردت في كتاب ماجد فخري /تاريخ الفلسفة الإسلامية/ (نيويورك ولندن 


15 


911) ص 372 . 
- ويلفرد كانتويل سميث /الإسلام في التاريخ الحديث/ (برنستون و لندن )١5819‏ ص 
48 المصدر السابق ص ١ ١١”) 1١15‏ هن أجل تحليل الزعار. 
9 - وردت في إليزر شو ويد /أرض اسرائيل: وطن قومي أو أرض مصير/ (ترجمة ديبورة غرينمان» 
نيويورك م ذا .)دص 21١68‏ 
3 - المصدر السابق ص ١5‏ . 
١‏ - طهلوكة : 8-1 ترجمة د ت. كرمي /بنجوان بوك للشعر العبري/ (لندن 54١‏ ص 814ه 
9 /لخدمة الله ] وردت في بن زيوك بو كسر (ترجمة) الكتابات الأساسية لابراهام اسحاق كوك/ 
(ورويك ن. ل )ا ص 5١0‏ , 
؟” - إيلي ويزل إليل/ ترجمة ستيلا رودوي) هارموندسورتث )١98١‏ صا ه 
المصدر السابق ص 8م لال . 


الفصل الحادي عشر 
١‏ - بيتر بيرغر 


؟ أ. جى. إير /اللغق الحقيقة والمنطق/ هارموندسورث ١514‏ ء ص 1١87‏ . 

. ا كانتويل سميث االمعتقد والتاريخ/ شارلو تسيفيل ١988‏ » ص ٠‏ 

: - توماس جي. جي. التزر /إنجيل الالحادية المسيحية/ لندن 1١575‏ ) ص ١5‏ . 

ه ‏ بول فان بوران /المعنى الدنيوي/ لندن ١95‏ » ص 18 . 

١‏ - ريتشارد روبدشتاين /بعد أوشفعزء لاهوت جذري ويهردية معاصرة 

- بول تيليش /اللاهرت والثقافة/ نيويورك و أكسفورد ١9514‏ ص .1١١95‏ 

ألفرد نورث وايتهيد «المعاناة والوجود» فى /مغامرات أفكار/ دهارموندسورث 19445)» ص١91١-‏ 

ا 

4 /السيرورة والواقع/ كامبريدج ١9459‏ ص 157 . 

. 45 ؛ ص‎ ١984 علي شريعتي /الحج/ ترجمة لالة بختيا طهران‎ -٠ 

. 18 المصدر السايق ص‎ ١١ 

؟١‏ - مارتن بوبر 

١‏ - وردت في رفائيل ميرغوي وفيايبا سيمونوت /آيات الله في اسرائيل» مائير كاهانا واليمين المتطرف 
في اسرائيل (لندن /ا154) . 

4 المسؤولية الشخصية هامة أيضاً في المسيحية) لكن أكدت اليهودية والإسلام عليها لعدم وجود 
كهنوت متأعل» منظور قام به المصلحون البروتستانتيون. 
- فيليب فرانك /آينشتاين: حياته وعصره/ نيويورك ١5141‏ : ص 185- .1١5١‏ 


الفهرس 


المقدمة 

الفصل الأول: في البداية 

الفصل الثاني: إله واحد 

الفصل الثالث: نور إلى غير اليهود 
الفصل الرابع: الثالوث:الإله المسيحي 
الفضل الخانن: الوحدة: إله الإملام 
الفصل السادس: إله الفلاسفة 
الفصل السابع: إله المتصوفين 

الفصل الثامن: إله المصلحين 

الفصل التاسع: عصر التنوير 

الفصل العاشر: الله في القرن التاسع عشر 
الفصل الحادي عشر: الله والمستقبل 


هوامش ومراجع الكتاب 


مكتشة سماحة آية الله الحظعى 
4 5 فضل الله العامه 


م 00 


لذن 


4١ 


١1 


١ لاا‎ 


ت املا 


1 


لح 


4 


5538 


الله و الا سان 


هذا الكتاب بانوراما واسعة تضيء ساحة الفكر الديني وساحة رؤى المفكرين 

(لاهوتيون كانوا أم صوفيون وفلاسفة) نحو الله وتضم هذه الرؤى تنوعاً كبيراً وتبايناً حتى 
في داخل الدين الواحد. 

ماطبيعة الله؟ ماصفاته؟ أين يقيم؟ ك البتناء أم في ار أم أنه يقيم في 

اليد العميقة داخلٍ الانسان (الدنيا كلها لاتسعني وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن)؟ 
هو شيء لا كالاشياء أم نبي كثيرون من يتقدمون للإجابة: من إلار 7 

17 بأفلوطين النصف وثني النصف مسيحي «المجامع الكسية وأوغسطين .. 
بفلاسفة ولاهوتبي الإسلام وصوفييه: ابن سيناء الفارابي» أبو بكر الرازي» ابن 1 
الأشعري» السهرورديء ابن عربي. الحلاج ... ومفكري اليهود وأحبارهم في العصور 
الوسطى انتهاءاً بالمفكرين والفلاسفة في العصر الحديث من دضين ولادينيين: توما 
الأكويني» ابن تيمية الدمشقي» ابن القيمٍ الجوزية ثم في عهد أقرب: ديكارت»؛ هيغل» 
فيورباخ» كانط. نيوتن» محمد إقبال» الافغاني» محمد عبده. 

والغرب الذي حاول التوازن بعد عنفه الذي فرض فيه العقيدة» نراه يفقد التوازن من 
جديد لكن باتجاه معاكس فيطغى الدنيوي على الديني ويتم السعي إلى انهاء سلطة الله 
المطلقة على البشر حتى لو كان موجودا كما كانوا يقولون. 

واليهودية الضائمة ي. الشتابقه الباحثة عن الخلُص الذي وعدهم الله به منذ الأزمان 
القديمة اليهودية هذه تَعْثْدٍ على مخلمهة تتوجه الأقدة لبك /شبتاي زيفي/ الذي أعلن 
نفسه المسيح المنتظر. ولكن باللخيبة والمرارة حين يرون مسيحهم يستسلم أمام السلطان 
العثماني ويعلن إسلامه. ومع العنف الغربي بالاتجاه المعاكس يبدا الانهيار في اليهودية 
وتفقد ثقتها بالله. ورغم الاهتزاز العنيف الذي تعرضت له اليهودية والمسيحية الغربية جراء 
تلك التطورات العنيفة التي عصفت بالغرب ورغم إعلان الحبر اليهودي إدانته لله إل أنه 
أعلن انتهاء احاكمة ونظر إلى أعلى وقال: حان وقت الصلاة. 

وبالنظرة الشمولية التي يقدمها هذا الكتاب إضافة إلى مايمتلكه القارئ من ذخيرة 
يمكن أن يكوّن نظرة معرفية تعلو بقدر مايضحذ همته علنى الأخذ من جماليات كل 
الطرق ليتبين الطريق الموصل إلى ب الأمان. 


الناشر 


22 
دار الخمكصضاد 
سورية - دمشق - ص .ب: 1 
ه 17 عم ١؟‏ فا 0